رواية المتادور - فصل 28
مدونة روايات هافن مدونة روايات هافن
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...

أنتظر تعليقاتكم الجميلة

رواية المتادور - فصل 28

 

رواية المتادور - فصل 28 - مأساة الماضي



مأساة الماضي












ميغيل استرادا**

 

بعد مرور أسبوع ويومين على وجود ميغيل في المستشفى*

 

في الصباح, عاد ميغيل إلى قصره برفقة والديه.. كانت الشمس قد بدأت تشرق, تلون السماء بألوان دافئة تعكس جمال الصباح.. عندما دخلوا إلى القصر, كان الخدم والحراس في استقبالهم بحفاوة واحترام.. كانت التحية والابتسامات العريضة تملأ الوجوه, لكن ميغيل لم يشعر بنفس السعادة.. كان يشعر بأن القصر خالٍ ومجرد من الروح بسبب غياب ساريتا, إذ كانت أجواء القصر تفتقد إلى الدفء الذي كانت تضفيه فراشته بحضورها..

 

صعد ميغيل إلى غرفته بخطوات بطيئة وثقيلة.. بمجرد أن دخل إلى الغرفة, توجه نحو المنضدة, اقترب منها ببطء, وكأن كل خطوة تتطلب جهداً هائلاً منه.. فتح الدُرج وأخرج منه هاتف ساريتا.. احتضن الهاتف إلى صدره, وأغمض عينيه للحظة.. ثم بدأ يهمس باسمها بحزن وألم وشوق

 

" ساريتا.. ساريتا.. فراشتي الجميلة..."

 

كانت هذه اللحظات تحمل الكثير من الألم والشوق في قلبه..

 

تنهدت بقوة ونظرت أمامي بحزن دفين وأنا أُفكر.. لقد اشتقت لفراشتي, اشتقت إليها بجنون..

 

في هذه اللحظة شعرت أن الوقت قد حان لأعرف الحقيقة.. لذلك قررت أن أذهب إلى قصر سلفادور لأرى ساريتا وأتحدث معها.. أولاً, يجب أن أعتذر وأطلب منها السماح.. ثم سأعطيها الهاتف وأتكلم معها بصراحة تامة.. يجب أن أفهم سبب وجودها في تلك الليلة في الفندق في مدينة ماردة وحقيقة ما جرى معها..

 

خرجت من القصر متجاهلاً اعتراضات والديّ اللذين طلبا مني البقاء والراحة.. كانت عزيمتي لا تتزعزع, ورغبتي في لقاء ساريتا أكبر من أي شيء آخر..

 

نزلت إلى الموقف السفلي في القصر, واخترت إحدى سياراتي الفارهة.. قدتُ سيارتي باتجاه قصر سلفادور, وكانت مشاعري متضاربة بين التوتر والقلق.. عندما وصلت إلى قصر الجوهرة ترجلت من سيارتي, رأيت بتوتر والد ساريتا يتكلم مع كارميتا أمام مدخل القصر.. لم أرغب في التورط في حديث غير مرغوب فيه مع ليون كاريلو, ليس قبل أن أرى ساريتا أولا.. فركضت باتجاه مُعاكس كي لا يراني ليون, وسألت أحد الخدم عن مكان غرفة ساريتا..

 

أخبرني الخادم بأنها في الطابق الثاني المُخصص للضيوف وغرفتها هي الأخيرة من الجهة الغربية للمبنى.. فركضت بخفة وسرعة باتجاه حديقة القصر الخلفية.. وقفت ونظرت إلى الأعلى نحو شُرفات المبنى.. شتمت بتوتر عندما أدركت مدى الصعوبة التي تواجهني للوصول إلى غرفتها دون أن يكتشف والدها وجودي.. قررت تسلق الشُرفات والحائط لأصل إلى غرفة ساريتا وأتكلم معها..

 

خلعت سترتي ورميتُها خلف شجرة, ثم بدأت بتسلق الحائط والشُرفات نحو الطابق الثاني رغم إرهاقي وشعوري بالألم في معظم أنحاء جسدي بسبب الرضوض.. لم أهتم للخطر الذي وضعت نفسي به من أجل حبيبتي ساريتا.. كانت كل حركة أقوم بها محفوفة بالمخاطر, لكن حُبي لفراشتي كان يدفعني إلى الأمام..

 

وصل ميغيل أخيرًا إلى شرفة غرفة نوم ساريتا, ووقف وهو يتنفس بقوة.. سمع صوتًا ناعمًا يهمس باسمهِ بدهشة كبيرة

 

" ميغيل؟ "

 

نظر ميغيل أمامه ليرى ساريتا تقف أمامهُ وهي تنظر إليه بذهول ثم بحزن..

 

كانت هذه اللحظة ساحرة, مليئة بالمشاعر المتضاربة.. حبس ميغيل أنفاسهُ لبرهة بينما كان ينظر إلى ساريتا بشوقٍ كبير, ثم ابتسم برقة, وكأن وجودها أمامه أعاد إليه الحياة والروح..

 

همست ساريتا بتوتر وبصوت مُتهدج

 

" ماذا تفعل هنا؟ بل كيف وصلتَ إلى هذه الشرفة؟ ثم, متى خرجتَ من المستشفى؟ "

 

نظرت إليها بحنان وأجبتُها بصدق

 

" لقد خرجت منذ ساعة تقريباً من المستشفى.. كان يجب أن أراكِ أولا.. يجب أن أعرف الحقيقة "

 

ثم قلتُ لها بصوت مليء بالتصميم والصدق

 

" كما لم أستطع تحمل البقاء بعيدًا عنكِ أكثر من ذلك "

 

توسعت عيون ساريتا بينما كانت تنظر إليّ بذهولٍ شديد.. ابتسمت برقة بينما كنتُ أنظر إليها وهمست بنبرة حنونة قائلاً لها

 

" وكذلك أردت إعطائكِ هاتفكِ الخلوي "

 

اقتربت منها خطوة وسحبت الهاتف من جيب سروالي وسلمتهُ لها.. أمسكت ساريتا هاتفها وضمته بقوة بكلتا يديها, ثم رفعت رأسها عاليا وقالت ببرود

 

" حسناً, لقد استلمت هاتفي منك أخيراً.. يمكنك الذهاب الآن فأنا لا رغبة لي بالتكلم معك "

 

هززت رأسي بالرفض, وقلتُ لها بتصميم

 

" لا, لن أذهب من هنا قبل أن نتكلم "

 

اقترب ميغيل من ساريتا ببطء, وكأن كل خطوة كانت تستغرق أسابيع أو شهورًا.. أمسك بيدها بلطف, وشعر بحرارتها تحت أصابعه.. كانت لحظة سكون, حيث توقف الزمن للحظة, وتبادل العاشقان نظرات مليئة بالحب والألم والعذاب والحزن..

 

تنهدت برقة, وهمست برجاء

 

" لو سمحتِ فراشتي دعينا نتكلم قليلا في الداخل "

 

نظرت ساريتا إليّ بعينيها المتسعتين, وكأنها على وشك أن تعترض على طلبي بالدخول إلى الغرفة والتكلم.. كانت تشعر بالارتباك والتوتر والتردد.. سحبت يدها من قبضتي وقالت بحدة

 

" لا أريد التكلم معك, ميغيل.. هذا ليس الوقت المناسب لنتكلم.. ثم من الأفضل لك أن تذهب من هنا قبل أن يراك والدي "

 

في هذه اللحظة لا أعلم ما الذي أصابني, إذ شعرت بأنني أختنق, والرؤية لم تعُد واضحة أمامي.. أغمضت عيناي بقوة وشعرت بجسدي يميل إلى الأمام إذ لم يعُد باستطاعتي الوقوف بثبات..

 

لكن عندما رأت ميغيل يغمض عينيه وجسدهُ يميل إلى الأمام, شعرت ساريتا بالخوف عليه.. أسرعت نحوه, وأسندته بسرعة حتى لا يقع, ثم ساعدته على الدخول إلى غرفتها والجلوس على الأريكة.. ركضت ساريتا ووضعت هاتفها على المنضدة وجلبت كأسًا من الماء, وجلست بجانب ميغيل وساعدته ليشرب الماء..

 

بدأ جسدي يرتجف بسبب قربها مني, ولكن فراشتي ظنت ببراءة بأنني أشعر بالبرد, إذ وقفت ووضعت كأس الماء على الطاولة وهتفت بذعر

 

" أنتَ ترتجف!.. سأجلب لك غطاء سرير سميك لتشعر بالدفء "

 

رأيت بدهشة ساريتا تقف وتنظر أمامها بتوتر, ثم ركضت باتجاه السرير وسحبت الغطاء السميك عنه وحملته ثم ركضت ووقف أمامي ووضعت الغطاء على جسدي..

 

لدهشتي الكبيرة جلست ساريتا بجانبي ثم رفعت الغطاء على حضنها, ثم نظرت إليّ بنظرات قلقة.. أمسكت ذراعي ونظرت إليّ بتلك النظرات التي تقتلني وابتسمت بتوتر بينما كانت تتأملني بنظرات قلقة وخائفة..


رواية المتادور - فصل 28 - مأساة الماضي



نظرت إليها بذهول إذ ظننت نفسي أتخيل فراشتي الجميلة تتأملني بتلك النظرات الحنونة والقلقة.. هل هي فعلاً تشعر بالقلق عليّ؟.. هل فعلاً تشعر فراشتي بالخوف عليّ؟.. ياه أتمنى ذلك من أعماق قلبي..

 

رأيتُها بذهول ترفع يدها الصغيرة والناعمة ووضعتها على خدي, ثم سألتني بتوتر

 

" هل أنتَ بخير الآن؟ هل تشعر بالدفء؟ "


رواية المتادور - فصل 28 - مأساة الماضي


 

نظرت بصدمة كبيرة إلى حبيبتي, ثم تأملتُها بعشق كبير.. في هذه اللحظة لم يعُد باستطاعتي السيطرة على مشاعري أكثر.. انهرت أمام حبيبتي وبدأت أبكي بمرارة وبندم ويأس كبير..

 

كانت دموعي تنهمر بحرارة ودون توقف.. رأيت ساريتا تتأملني بنظرات خائفة.. رفعت كلتا يداي وأمسكت يديها وضممتهما بقوة بقبضتي.. ووسط شهقاتي المريرة قلتُ لها بينما كلماتي كانت تخرج بصعوبة

 

" ساريتا، أرجوكِ سامحيني.. سامحيني.. سامحيني فراشتي "

 

دموعي كانت تتساقط على وجهي بغزارة, وصوتي مليء بالألم والندم.. كنتُ أطلب منها السماح وأنا أعلم بداخلي بأنها من المستحيل أن تفعل ذلك.. لأنني كنتُ أعرف أنهُ من الصعب جداً على أي امرأة في الكون أن تُسامح الرجل الذي اغتصبها..

 

شهقت بقوة وتابعت قائلا لها وأنا أعترف لها بمرارة وعذاب كبير

 

" سامحيني أرجوكِ.. في تلك الليلة, دخلت إلى الفندق في مدينة ماردة لأول مرة في حياتي بسبب طلب صديقي سانتياغو.. كنا نحتفل في عيد ميلاده عندما طلب مني أن نذهب إلى ذلك الفندق, وأنا وافقت على طلبه حتى لا أجعلهُ يحزن.. كنتُ سأدخل إلى الغرفة وأنام على الأريكة, وأترك الفتاة الموجودة في الغرفة تنام على السرير, لكن عندما نظرت إليكِ شعرت بالضعف ولم أستطع الابتعاد عنكِ "

 

توقفت ساريتا عن التنفس للحظة, وجفلت عندما سمعتني أُتابع قائلا بعذاب وبألم كبير بينما كنتُ أعترف لها وأبكي بحرقة

 

" لم أكن أعرف أنكِ كنتِ تحت تأثير المُخدر, ولو كنتُ أعرف, لما لمستكِ أبداً "

 

نظرت ساريتا إليّ بعيون ملأتها الدموع.. تجمدت نظراتها المذهولة على وجهي وبدأت تبكي بصوت منخفض.. دموعها قتلتني وأحرقت روحي بشدة.. رفعت كلتا يديها وبدأت بتقبيلهما وأنا أبكي بعذاب.. ثم ضممت يديها إلى صدري وتابعت قائلا بحرقة

 

" صدقيني أرجوكِ, أنا لا أعرف سوتو ولا أي فرد من أفراد عصابته.. في تلك الليلة كانت المرة الأولى والأخيرة لي بالدخول إلى ذلك الفندق.. في حياتي كلها لم ألمس امرأة رغماً عن إرادتها.. لم أعرف بأنكِ كنتِ مُخدرة.. لم أعرف بأنني كنتُ أغتصبكِ و.... "

 

أغمضت عيناي ثم ضممت شفتاي بقوة وصرخت صرخة مكتومة متألمة.. ارتعش جسدي بقوة عندما سمعت ساريتا تشهق وتبكي.. فتحت عيناي ونظرت إليها بعذاب, ثم همست ببكاء وبندم كبير

 

" سامحيني, لم أكن أعرف, صدقيني فراشتي.. أعلم بأنني أخطأت وارتكبت بحقكِ جريمة لا تُغتفر, لكن فعلت ذلك رغماً عن إرادتي وبسبب جُهلي بما يحدث في ذلك الفندق من جُرم بحق الفتيات البريئات "

 

تساقطت دموع ساريتا أكثر على وجنتيها.. وبينما كانت تنظر إليّ بعينيها الحمراوين قالت بألمٍ كبير من بين شهقاتها

 

" لم أستطع منعكَ من لمسي, لأنني كنتُ تحت تأثير المُخدر.. لو تعلم ما شعرت به في تلك الليلة كنتَ قتلتَ نفسك الآن ميغيل "

 

شهقت بقوة وأومأت لها موافقاً.. دموعي كانت تنهمر كالمطر الغزير على وجنتاي.. كان من الصعب جدًا أن أستحمل هذا العذاب, فعذابي قد تضاعف بسبب حبيبتي وما تعرضت إليه بسببي..

 

شهقت بقوة وهمست قائلاً لها بندم لا مثيل له

 

" سامحيني فراشتي, لم أكن أعلم.. يا ليتني سيطرت على نفسي ولم ألمسكِ في تلك الليلة.. أستحق الموت بسبب ما فعلتهُ بكِ.. قلبي يحترق بشدة و روحي تحترق في الجحيم لأنني ظلمتكِ وألمتكِ.. سامحيني أرجوكِ "

 

نظرت فراشتي إليّ بنظرات متألمة وحزينة.. كنتُ أعلم بأنهُ من الصعب جداً عليها أن تُسامح الرجل الذي اغتصبها وأهانها وعذبها.. مسحت دموعي بسرعة ونظرت إليها بجدية.. وبينما كانت مشاعر الندم تُحقرني وتقتلني من الداخل, سألت ساريتا بصوت مُختنق

 

" ما السبب الحقيقي لوجودكِ في تلك الغرفة في الفندق؟ أخبريني الحقيقة, لو سمحتِ.. يجب أن أعرفها "

 

تنهدت ساريتا بعمق بينما كانت تمسح دموعها.. تأملتني بنظرات حزينة قائلة

 

" الآن تريد معرفة الحقيقة؟ لقد تأخرتَ كثيراً لتعرفها ميغيل استرادا "

 

نظرت إليها بيأس قائلا

 

" أعلم فراشتي بأنني تأخرت كثيراً لأعرف الحقيقة.. ولكن الآن حان الوقت لأعرفها.. أخبرني بما حدث معكِ في تلك الليلة, لو سمحتِ "

 

تأملتني ساريتا بنظرات حزينة ومتألمة أحرقت قلبي من جذوره.. أخذت نفسًا طويلًا قبل أن تبدأ في سرد الحقيقة.. إذ سمعتُها تقول بحزن دفين

 

" في تلك الليلة, ارتكبت أكبر خطأ في حياتي.. لقد هربت من قصر والدي لأكون مع الرجل الذي ظننت نفسي اُحبه "

 

تجمدت نظراتي على وجهها وشعرت بقلبي يتوقف عن النبض عندما سمعت ما قالته ساريتا.. هل كانت تُحب رجل في تلك الفترة؟.. هذه الحقيقة ألمتني بشدة..

 

اعترفت ساريتا بكل ما حدث لها في تلك الليلة, وهي تروي القصة ببطء وتفصيل.. عندما انتهت من سرد الحقيقة, تجمدت بصدمة كبيرة.. نظرت إليها بعينين واسعتين, غير قادر على استيعاب ما سمعته, ثم انهرت بالبكاء المرير أمامها..

 

سمعت ساريتا تبكي بانهيار وهي تقول من بين شهقاتها

 

" خورخي لاريفا, كان السبب في دمار حياتي في تلك الليلة.. لم يكن لدي خيار سوى الامتثال لأوامره.. كنتُ خائفة, و... تم تخديري ضد إرادتي.. لم أستطع منعك من لمسي واغتصابي.. لم أستطع حتى البكاء والاعتراض.. وفي ليلة حفل خطوبتك أتى خورخي إلى قصرك.. لا أعرف كيف وجدني, لكنني كنتُ خائفة منه لحد اللعنة.. وأنتَ اتهمتني بأنني فرد من تلك العصابة اللعينة "

 

نظرت إليها بعذاب ولم أستطع التوقف عن البكاء أمامها كالطفل الصغير.. شهقت ساريتا بقوة وتابعت قائلة ببكاء وبألم كبير

 

" هل تفهم الآن سبب انتقامي منك, ميغيل؟ هل تفهم أسبابي الآن؟ أنتَ و خورخي مختلفين عن بعضكما, لكن أنتما الاثنان دمرتما حياتي بكاملها "

 

اهتز جسدي بقوة بينما كنتُ أسمع بدمار ساريتا تقول ببكاء مرير وبعذاب

 

" تخيل ما شعرت به عندما اكتشفت بأنني حامل من الرجل الذي اغتصبني في تلك الليلة.. كنتُ على وشك الانتحار وقتل نفسي "

 

خرج أنين متألم وقوي من بين شفتاي واهتز جسدي بعنف.. شعرت بقلبي يحترق عندما تابعت ساريتا قائلة ببكاء

 

" ولكن حياة طفلي كانت أغلى من حياتي بالنسبة لي.. حتى لو كان طفلي نتيجة اغتصاب لم أستطع التفريط به.. ولسخرية القدر أجهضت طفلي بسبب سوء حالتي النفسية.. وبعدها أتيت إلى قصرك وأنتَ لم تتوقف عن إهانتي وتعذيبي "

 

نظرت إليها بندم نهش عظامي وأحرقها.. لم أكن أتوقع أن أسمع هذه الحقيقة.. كم تألمت وتعذبت فراشتي بسبب ذلك القذر خورخي وبسببي.. انهرت بالبكاء المرير, كان صعب عليّ تحمُل هذه الحقيقة.. شهقت بقوة وضممت كلتا يديها على صدري, وبعذاب وندم لا حدود له طلبت منها السماح بينما كنتُ أبكي بحرقة

 

" ساريتا, أنا آسف جدًا.. آسف.. سامحيني, لم أكن أعلم... أرجوكِ, سامحيني "

 

هزت ساريتا رأسها بالرفض, ثم قالت ببكاء

 

" لا تطلب مني السماح, ليس الآن.. لا أستطيع فعل ذلك وخاصةً الآن "

 

هززت رأسي موافقاً, ودون أن أتوقف عن البكاء قلتُ لها بعذاب

 

" لا بأس فراشتي.. أفهم كم تتألمين وتتعذبين.. أنا لا أستطيع مُسامحة نفسي بسبب ما فعلتهُ بكِ.. لكن أعدُكِ بأنني سأفعل المستحيل لأنتقم من ذلك الحقير خورخي وعصابته.. سأجعلهم يدفعون الثمن غالياً.. وعندما أنتهي منهم سأفعل المستحيل لأنال مسامحتكِ لي "

 

لزمت ساريتا الصمت بينما كانت تنظر إليّ بحزن وهي تبكي..

 

كانت الدموع تتساقط منهما, وكأنها تغسل جروح الماضي وآلامه.. في هذه اللحظة, شعرت ساريتا بصدق مشاعره وندمهِ العميق, ورغم الألم الذي عاشته, كانت تدرك أن ميغيل لم يكن يعلم الحقيقة, وأنهُ كان صادقًا معها الآن رغم كل شيء..

 

كانت دموع ميغيل تختلط بدموع ساريتا, وتملأ الغرفة بجو من الحزن والأسى.. لكن في نفس الوقت, كان هناك شعور بالراحة يلوح في الأفق.. فقد تم كشف الحقيقة بينهما, وأصبح بإمكانهما الآن البدء في علاج الجروح التي تركتها تلك الليلة المؤلمة..

 

رفع ميغيل يد ساريتا ببطء وقبلها بحنان, ملامسة شفتيه لجلدها كانت دافئة ومليئة بالعاطفة.. ثم أبعد غطاء السرير عن جسده ووقف عن الأريكة وأمسك بيد ساريتا ليساعدها على الوقوف..

 

مسح ميغيل دموع ساريتا عن وجنتيها, نظر في عينيها وقال بصوت هادئ ومليء بالحب

 

" الدموع لا تليق بفراشة جميلة ونقية مثلكِ, ساريتا "

 

نظرت إليها بحنان وتابعت قائلا بثقة

 

" سأعوضكِ عن كل ما مضى, وسأخذ حقكِ من خورخي وتلك العصابة.. لن أترك أحداً يؤذيكِ مرة أخرى "

 

اقتربت منها خطوة صغيرة حتى بات لا يبعدني عنها سوى إنشات قليلة.. نظرت إليها بعشق كبير ثم قربت وجهي من وجهها وقبلت جبينها برقة, وكأن هذه القبلة كانت وعداً بحمايتها.. ابتعدت عنها ثم استدرت واتجهت نحو الشرفة, وقبل أن أبدأ في تسلق الجدار, ركضت ساريتا نحوي وقالت بخوف

 

" ماذا تفعل؟ هل فقدتَ عقلك؟ قد تقع وتؤذي نفسك "

 

ابتسمت برقة وقلتُ لها بهدوء

 

" سأتسلق الجدران لأصل إلى الأسفل, لا تقلقي لن أقع "

 

وسط ذهول ساريتا, بدأ ميغيل بتسلق الجدران بحذر, كل حركة كانت محسوبة ودقيقة.. كان ينزل ببطء وثبات وبتركيز..

 

تسلقت الجدار بمهارة ودقة, يدي الثابتة وقوة ذراعي تظهران عزيمتي.. كانت خطواتي هادئة ومتأنية حتى لا أُصدر صوتاً يلفت انتباه أحد.. قبل أن أصل إلى الأرض أخذت نفساً عميقاً وألقيت نظرة سريعة على الشرفة لكن فراشتي الجميلة لم تكن عليها..

 

عندما وصلت إلى الأرض, وقفت لأتأكد من توازني, ثم مشيت باتجاه تلك الشجرة ورفعت سترتي وارتديتُها, ثم استدرت لأمشي بعيداً.. لكن تجمدت فجأة في مكاني عندما سمعت صوت رجل يقول بسخرية

 

" ماذا كنتَ تفعل في غرفة ابنتي؟ ولماذا تسلقتَ الجدران والشُرفات مثل اللص بدل من أن تدخل من باب القصر؟ "

 

أغمضت عيناي بسرعة وشتمت بتوتر

 

" تباً.. اللعنة.. بئساً لحظي اللعين.... "

 

تحركت بسرعة والتفت إلى الخلف ونظرت بتوتر وذهول عندما رأيت ليون كاريلو يجلس في الحديقة على الأريكة باسترخاء وهو يرتدي نظارات شمسية..


رواية المتادور - فصل 28 - مأساة الماضي

 

ابتسم ليون بسخرية قائلا

 

" لم تكن تتوقع رؤيتي ميغيل استرادا؟ أليس كذلك؟ "

 

بلعت ريقي بقوة ولم أجب عليه.. رفع ليون يده وأزال النظرات عن وجهه ونظر إليّ بجدية وبنظرات قاتلة.. كانت هذه اللحظة مليئة بالتوتر, حيث أدركت أنني في مواجهة مع والد ساريتا..

 

تأملني ليون بنظرات غاضبة, ثم سألني بنبرة حادة

 

" ماذا كنتَ تفعل في غرفة ابنتي منذ قليل؟ كنتُ أعلم بأنك ستخرج اليوم من المستشفى, لكن ما لم أتوقعه أن أراك هنا وأنتَ تتسلق الجدران مثل سوبر مان لتصل إلى غرفة ابنتي.. في الحقيقة أنتَ مُتسلق ماهر, كنتُ أُراقبُك وأنتَ تتسلق الجدار صعوداً ثم نزولا بمهارة, كان مشهداً لا يفوت بالفعل "

 

هل يسخر مني هذا الرجل؟.. فكرت بقهر بذلك بينما كنتُ أنظر إليه بهدوء.. لم أستطع تحريك عضلة واحدة, كأن الزمن توقف عند هذه اللحظة.. استجمعت شجاعتي واخذت نفسًا عميقًا, ثم قلتُ له بصوت هادئ

 

" سنيور كاريلو, أستطيع شرح كل شيء "

 

وقف ليون بهدوء ونظر إليّ ببرود قائلا

 

" أريد أن أسمع تفسيرك, ولكن في الداخل, ليس هنا في الحديقة "

 

أشار ليون بأصبعه السبابة نحو باب القصر الخلفي, ثم مشى نحوه بخطوات بطيئة.. بدأت بالسير خلفه بخطوات ثابتة رغم تسارع دقات قلبي.. كنتُ أعلم أن هذه المواجهة ستكون حاسمة, ليون كاريلو يجب أن يعرف الحقيقة مني أنا بالذات, ويجب عليّ أن أُثبت لهُ أنني أستحق ثقته وأنني حقًا أعشق ساريتا..

 

فتح ليون الباب ودخل إلى القصر, تبعتهُ بصمت مستعدًا لتحمل كل ما سيأتي في سبيل حُب حياتي..

 

دخل ليون إلى مكتبهِ الفخم وخلفهُ ميغيل, حيث كان المكتب ضخماً ومزخرفاً بالأثاث الفاخر.. جلس ليون على الكرسي خلف المكتب, وقال لـ ميغيل بصوت هادئ وحازم

 

" هذا المكتب خصصهُ المتادور خصيصاً لي حتى أعمل بهدوء.. هنا يمكننا التحدث بكل صدق وبراحة "

 

جلس ميغيل على الكرسي المقابل للمكتب, وكان يشعر بثقل اللحظة.. نظر ليون إليه بجدية وقال

 

" أنتَ محظوظ جدًا لأن لديكَ صديق مُحترم ونبيل مثل المتادور سلفادور "

 

ثم تابع ليون بنبرة أكثر جدية قائلا

 

" والآن أريد سماع كامل الحقيقة عما جرى بينك وبين ابنتي ساريتا.. وإياكَ أن تكذب عليّ مثلما كذبت هي لتحميك مني.. أريد سماع كامل الحقيقة "

 

تنهدت برقة وأجبته بصدق تام

 

" لا تقلق سنيور, سأُخبرُك بكل شيء وبصدق تام "

 

أخذت نفسًا عميقًا وبدأت بسرد الحقيقة منذ بداية لقائي بـ ساريتا في تلك الليلة في الفندق في مدينة ماردة لغاية هذا اليوم.. تحدثت عن كل التفاصيل بصراحة, دون محاولة تجميل الأحداث أو إخفاء الحقائق.. كان صوتي ثابتًا ولكن مُفعم بالندم والحزن.. كنتُ صادقًا في كل كلمة قلتُها أمام ليون كاريلو.. لم أكذب عليه بأي شيء, أخبرتهُ بالتفصل المُمل بكل ما حدث بيني وبين فراشتي, كما أخبرته بما قالته لي ساريتا منذ قليل في غرفتها..

 

عندما انتهيت من سرد الحقيقة, نظر ليون إليّ بصدمة كبيرة والدموع بدأت تسيل من عينيه.. كان الألم واضحاً على وجهه, وسمعتهُ يهمس بألم وإنكار

 

" كلا, مستحيل!.. من المستحيل أن تكون ابنتي الوحيدة والرقيقة قد تعرضت لكل ذلك دون علمي.. كيف يمكنني أن أكون غافلاً عن معاناتها؟ كيف لم نُلاحظ أنا وزوجتي مُعاناة ابنتنا الوحيدة وعذابها؟ خورخي, السافل, سأقتلهُ بنفسي.. عليه أن يموت لأنهُ ألم ابنتي "

 

تساقطت دموعي بصمت بينما كنتُ أنظر إلى ليون بألم وندم كبير.. بلعت ريقي بقوة, ثم قلتُ له

 

" سنيور كاريلو, أنا أعشق ساريتا للموت.. سأنتقم من خورخي وتلك العصابة مهما كلفني الأمر.. أطلب منك السماح لما فعلتهُ بابنتك.. ولكن أرجوك, امنحني بعض الوقت لأخذ حقها "

 

أخذت نفسًا عميقًا وتابعت قائلا لهُ بجدية

 

" بعد أن أنتقم من خورخي وعصابة سوتو, يمكنك فعل ما تريدهُ بي.. أستحق كل العقاب الذي تراه مناسبًا, ولكن أرجوك دعني أولاً أحقق العدالة لـ ساريتا "

 

تأملني ليون بنظرات حزينة دون أن يتوقف عن البكاء بصمت وبحرقة.. نظرت إليه بأسف وقلتُ لهُ بصدق

 

" أعلم أنني أخطأت بحق ابنتك, أخطأت بحقها كثيراً.. لذلك أطلبُ منك مهلة من الوقت لأنتقم من خورخي وتلك العصابة.. وبعد ذلك, يمكنك قتلي إن أردت.. أنا أعلم بأن لديكَ نفوذ ومعارف في البلد وبأنك تستطيع تدمير خورخي والعصابة التي يعمل بها بإشارة واحدة منك, لكن أنا من عليه تدميرهم بنفسي, هذا أقل ما يمكنني فعله من أجل ساريتا "

 

ساد الصمت للحظات طويلة في الغرفة.. تنهدت بقوة واعترفت بصوت مليء بالعاطفة

 

" سنيور كاريلو, أنا أعلم كم تتألم الآن, وأعلم بأنك ترغب بقتلي في هذه اللحظة, لكن أنا أعشق ساريتا بجنون, وسأفعل أي شيء من أجلها.. سأسمح لك بفعل أي شيء بي, لكن أولاً دعني أنتقم لها, ثم افعل بي ما تشاء "

 

جلس ليون في صمت, محاولًا استيعاب ما سمعه.. كان يدرك أن ميغيل صادق في حبه لـ ساريتا وفي رغبته في حمايتها والانتقام لها.. كانت الدموع لا تزال تتساقط من عينيه, لكن في أعماقه كان يعلم بأن ميغيل هو ضحية مثل ابنته..

 

نظر ليون إليّ بعمق, ثم قال بصوت مُحمل بالألم والتصميم

 

" إذا كنتَ تعشق ساريتا حقًا كما تقول, وإذا كنتَ مستعدًا لفعل أي شيء من أجلها, فسأمنحك هذه الفرصة.. ولكن اعلم أنني سأراقب كل خطوة تخطوها.. إذا خذلتها مرة أخرى, فلن أتردد في أخذ العدالة بيدي, لن يكون هناك مكان آمن لك في هذا العالم طالما أنا أتنفس وعلى قيد الحياة "

 

شكرتهُ بامتنان, لكن ليون وقف وتأملني بنظرات جامدة وقال بتهديد واضح

 

" منذ هذه اللحظة, إن سقطت دمعة واحدة على خد ابنتي بسببك سأقتلك حينها.. وتذكر جيدًا ميغيل استرادا, أريدُك أن تجعل خورخي لاريفا يدفع الثمن غالياً بسبب ما فعلهُ بابنتي.. وإن لم تفعل ذلك سأحرق الأرض بك وبه وبتلك العصابة.. هل كلامي واضح؟ "

 

وقفت ونظرت إليه بجدية وقلتُ له بثقة تامة

 

" لا تقلق سنيور, سأجعل خورخي وتلك العصابة يحترقون في الجحيم, وقريباً جداً "

 

هز ليون كاريلو رأسهُ برضا, ثم قال بنبرة هادئة

 

" رغم أنني عرفت الحقيقة منك الآن, ورغم أن ابنتي طلبت منك إلغاء الزفاف, إلا أن الزفاف سيتم في موعدهِ المُحدد كما اتفقنا سابقاً.. حاول إسعاد ابنتي وجعلها تُسامحك بأي طريقة, وإلا دمرتُك بنفسي "

 

نظرت إليه بذهول إذ ظننت بأنهُ سيطلب مني إلغاء الزفاف.. هذا الرجل غريب الأطوار بالفعل.. ابتسمت بسعادة إذ لم أستطع إخفاء سعادتي بقراره.. تنهدت براحة وقلتُ له بثقة

 

" سأفعل المستحيل لأجعلها سعيدة.. وسأفعل المستحيل لأجعلها تسامحني وتُحبني.. شكراً لك سنيور لأنكَ سامحتني ووثقتَ بي وسمحتَ لي لأنتقم من أجل فراشتي.. لن أخذلك أبداً.. شكراً لك "

 

غادر ميغيل المكتب وهو يشعر بسعادة لا مثيل لها, لكنهُ لم يسمع ليون كاريلو يقول بدهشة كبيرة

 

" فراشتي!... "

 

هز ليون رأسهُ بعجز, ثم ابتسم بخفة وقال

 

" حقًا ميغيل استرادا يعشق ابنتي وبجنون.. يا ليتهُ التقى بها بطريقة مُختلفة "

 

توقف ليون عن التكلم, ثم ابتسم بوسع وقال بسخرية

 

" ولكن ميغيل هو فعلاً رجل مُغفل, فهو لا يعرف بأن ابنتي تعشقهُ بجنون أيضاً "

 

جلس ليون بهدوء على الكرسي ونظر أمامه بشرود.. ثم بعد مرور وقتٍ طويل همس ليون بتصميم

 

" خورخي لاريفا, الجحيم فتحت أبوابها أمامك منذ هذه اللحظة "

 

عندما خرج ميغيل من مكتب ليون كاريلو, كانت خطواته متسارعة, تتشابك فيها الأفكار والمشاعر.. لكنه وقف فجأة عندما رأى صديقه العزيز سلفادور يقف أمامه بنظرات حنونة وثاقبة..


رواية المتادور - فصل 28 - مأساة الماضي

 

تقدم سلفادور نحو ميغيل وابتسامته العريضة لم تفارق وجهه, وكأنه يحمل أخبارًا مهمة..

 

" ميغيل, يا صديقي العزيز "

 

قال سلفادور تلك الكلمات وتابع قائلاً بفخر

 

" كنتُ في طريقي إلى الشركة للعمل, عندما تلقيت اتصالاً من بيريز, رئيس حُراسي.. أخبرني أنهُ رأى صديقي الوفي ميغيل استرادا يتسلق جدران قصري باتجاه غرفة سنيوريتا ساريتا.. وعندما نزل, كان ليون كاريلو بانتظاره "

 

ابتسامة سلفادور اتسعت أكثر وهو يُتابع قائلاً بفخر

 

" شعرت بالخوف عندما أخبرني بيريز بذلك.. لذلك أمرت سائقي بالعودة إلى القصر بسرعة.. وعندما وصلت, أخبرني بيريز أنك صعدت برفقة ليون كاريلو إلى مكتبه "

 

شعرت بموجة من الامتنان والتقدير لصديقي بينما كنتُ أسمعهُ يُتابع قائلاً

 

" كنتُ أتوقع أن أجد ليون قد قتلك.. لكنني سمعت حديثكم كله.. وأشعر بالفخر منك لأنك لم تكذب وكنتَ صادقًا مع والد ساريتا "

 

ابتسمت بامتنان وأجبته بصوت منخفض

 

" أنا أيضًا كنتُ أظن أن ليون كاريلو سيقتلني عندما يعرف الحقيقة.. لكنني تفاجأت عندما وثق بي وسمح لي بالانتقام لابنته "

 

غمزني سلفادور وقال هامساً بنبرة مرحة

 

" أنتَ محظوظ فعلاً لأنهُ لم يقتلك.. ليون كاريلو يتحول إلى وحش عندما يتعلق الأمر بابنته.. والآن رافقني لنذهب إلى مكتبي الخاص ونتكلم بهدوء "

 

بينما كان ميغيل و سلفادور يمشيان في الممر, توقف ميغيل فجأة عندما سمع صوت رنة هاتفهِ الخلوي.. أخرج هاتفهُ من سترته ونظر إلى الشاشة ليرى أنه تم إرسال فيديو له من رقم غريب..

 

نظرت بتعجُب إلى الشاشة بينما كنتُ أرى الرقم الغريب الذي أرسل لي شريط مصور.. كنتُ سأتجاهل رؤية هذا الشريط لكن شعرت بإحساس غريب بداخلي بأن هذا الفيديو قد يكون مهماً..

 

ضغطت على الشاشة وفتحت الشريط المصور لأرى مُحتواه..

 

لكن عندما شاهدت مُحتوى الشريط, شحب وجهي بشدة, وتعرق جبيني, وشعرت بقلبي يتوقف عن النبض كلياً, وارتعشت يداي بقوة لدرجة أن الهاتف سقط من يدي على الأرض..

 

شعرت بأنني أختنق عندما سمعت سلفادور يهتف بقلق

 

" ميغيل!.. أنتَ بخير؟ "

 

ثم اقترب سلفادور بسرعة وأمسك الهاتف عن الأرض ونظر إليه ليشحب وجههُ هو الآخر ويهمس بصدمة كبيرة بينما كان ينظر إلى وجهي الشاحب

 

" إلهي, هذا.. هذا الشريط هو.. إلهي, لقد تم تصوير ما حدث بينك وبين ساريتا في تلك الليلة.. اللعنة.. يا ترى من أرسلهُ لك؟ "

 

أمسكت هاتفي واتصلت بسرعة بالرقم الذي أرسل لي الفيديو, لكن الرقم كان خارج الخدمة.. نظرت بغضب أمامي وهمست بحقد كبير

 

" من أرسل هذا الشريط المصور هو خورخي لاريفا.. سوف أُدمرهُ بنفسي.. سأقتل ذلك السافل مهما كلفني الأمر "

 

سألني سلفادور بقلق

 

" كيف استطاع خورخي أن يعرف رقم هاتفك؟ "

 

أجبتهُ بغضب مكبوت

 

" خورخي رجل عصابة, يستطيع بسهولة أن يجد رقمي و... "

 

فجأة, توقفت عن التكلم ونظرت بذهول إلى سلفادور, ثم هتفت بقلق

 

" ساريتا.. لا بُد أن ذلك السافل قد أرسل لها الشريط المصور.. يجب أن أذهب وأراها في الحال, ستكون خائفة ومصدومة.. يجب أن أكون معها "

 

ولكن ما أن حاولت التحرك أمسك سلفادور معصمي وجمدني في مكاني.. نظر إليّ بجدية قائلا

 

" دعها.. لا تذهب الآن.. ربما لم يُرسل لها ذلك القذر الشريط المصور.. يجب أن نتصرف وبسرعة لنجد ذلك السافل.. سأساعدك ولن أتركك تنتقم من ذلك الرجل وتلك العصابة بمفردك.. من الأفضل أن أتصل بصديقي جواكين, هو رئيس الشرطة في المُقاطعة, سوف يساعدنا كثيراً "

 

نظرت إلى سلفادور بعينين ممتلئتين بالامتنان, وعرفت أن لدي الدعم اللازم للمضي قدماً في خطتي.. كنتُ أعلم أن المعركة ستكون صعبة, لكن بوجود سلفادور بجانبي, كنتُ أشعر بالقوة والثقة..

 

دخلت برفقة سلفادور إلى مكتبه, وبعد أن أنهى المُكالمة الهاتفية مع جواكين خرجنا من القصر وذهبنا إلى مكتب رئيس الشرطة...

 

 

ساريتا**

 

عندما نزل ميغيل من الشرفة وهو يتسلق الجدران بمهارة, ابتسمت ساريتا وهمست برقة

 

" لا أستطيع رؤيتك وأنتَ تتسلق الجدران نزولاً إلى الأسفل, إن وقعتَ ميغو قد أقع خلفك من الشرفة.. لكن أنا واثقة بأنك لن تقع "

 

استدارت ساريتا ودخلت إلى غرفتها وهي تبتسم برقة.. وضعت يدها على قلبها وقالت بهمس وبطريقة حالمة

 

" ميغيل... "

 

جلست ساريتا على الأريكة ونظرت أمامها بشرود, تذكرت بحزن كل ما حدث بينها وبين ميغيل.. كانت أفكارها تتجول بين لحظاتهم السعيدة والأليمة, وفكرت بالألم الذي فرضهُ عليها القدر..

 

تنهدت بقوة وهمست بعذاب

 

" لقد صدقتُك ميغو.. صدقت كل كلمة قلتها لي منذ قليل.. لقد كنتَ ضحية خورخي وعصابتهُ مثلي "

 

كانت ساريتا تجلس بهدوء على الأريكة, نظراتها تائهة أمامها وهي تغوص في أفكارها وحزنها.. استرجعت كل لحظة قضتها مع ميغيل, وكل المشاعر التي تداخلت بينهما..

 

شهقت بضعف وهمست بحزن

 

" يا ليتني تعرفت على ميغيل قبل تلك الليلة, لكان كل شيء قد تغير "

 

تنهدت بعمق وشعرت بثقل الذكريات يضغط على قلبي...

 

الأيام مضت ببطء في قصر المتادور.. كنتُ أحاول رؤية ميغيل في كل فرصة, لكنهُ كان يتجنبني بشكل مستمر.. كان يتحدث معي عبر الهاتف فقط, وعندما كنتُ أطلبُ منهُ إلغاء الزفاف بأي طريقة, كان ميغيل يُنهي المُكالمة بسرعة بحجة أنهُ مشغول, وجميع مُحاولاتي معهُ لإلغاء الزفاف باءت بالفشل.. كنتُ أشعر بالإحباط واليأس, إذ لم أكن أريد أن يتزوجني ميغيل بدافع الندم والشفقة وبسبب تهديد والدي له.. كنتُ أتمنى لو أن الأمور كانت مختلفة بيننا..

 

وقبل ثلاثة أيام من موعد زفافي على ميغيل, كنتُ أقف على الشرفة برفقة والداي قبل غروب الشمس.. وبصدمة كبيرة, رأيت المتادور سلفادور يقف في ساحة القصر أمام رجال عشيرته وأهالي القرية, بينما كان قد أمر بتعليق شرشف أبيض على سطح قصره..


رواية المتادور - فصل 28 - مأساة الماضي

 

رأيت بخجل كبير تلك العلامة الحمراء الصغيرة على الشرشف والتي تُظهر بوضوح عذرية صديقتي.. رأيت صديقتي لينيا تقف في وسط الساحة, وسمعت المتادور يقول بصوت مُرتفع أمام الجميع بأن زفافه على لينيا هارفين سيكون في الغد..

 

شهقت بقوة وهمست بذهول

 

" اوه, صديقتي سوف تتزوج في الغد من المتادور, هذا مُدهش "

 

سمعت والدي ليون يضحك بخفة, ثم طلب مني ومن والدتي الدخول إلى الغرفة, ثم قال بمرح

 

" قصر المتادور لا يخلو من المفاجآت السارة أبداً "

 

بعد خروج والداي من الغرفة, جلست على الأريكة وأنا أُفكر في كل ما حدث.. فجأة, سمعت رنة هاتفي.. نظرت إلى الشاشة ورأيت رقم غريب قد أرسل لي شريط مصور..

 

نظرت بتعجُب إلى الشاشة, ثم قررت فتح ذلك الفيديو ومشاهدته..

 

ولكن عندما شاهدت الشريط, شحب وجهي بقوة وتساقطت دموعي بغزارة على وجنتاي.. كنتُ أرتجف من الذعر والصدمة بينما كنتُ أُشاهد بألم كبير كيف كان ميغيل يمارس معي الجنس في تلك الغرفة في الفندق في مدينة ماردة..

 

أنين مذعور خرج من حُنجرتي بينما كنتُ أُشاهد الفيديو بعذاب أحرقني.. ذكريات تلك الليلة الأليمة عادت لتنخر عظامي بتفاصيلها المؤلمة.. ذكريات تلك الليلة لم أستطع نسيانها للحظة واحدة, والآن أصبحت أراها أمامي على هاتفي..

 

وبينما كنتُ جامدة بذعر وأنا أنظر إلى شاشة هاتفي, فجأة, وصلتني رسالة من نفس الرقم.. فتحت الرسالة وقرأت المحتوى بصدمة وذعر كبير

 

( مرحباً ساريتا, هل أعجبكِ الشريط المصور الذي أرسلتهُ لكِ؟ لقد احتفظت بهِ منذ البداية لنفسي, ولم أستطع التوقف عن مشاهدته في كل ليلة.. في الحقيقة شعرت بالندم الشديد لأنني لم أغتم الفرصة وأكون مكان ميغيل استرادا في تلك الليلة وأحصل على عذريتكِ حبيبتي.. ولكن أعدُكِ, قريباً سأحصل عليكِ.. أولاً أريدُ رؤيتكِ في أقرب فرصة قبل زفافكِ على ذلك الثري استرادا, أريد الحصول عليكِ حُبي, فأنتِ مدينة لي بذلك.. ثم أريد مبلغ مائة مليون يورو نقداً.. وإن رفضتِ رؤيتي ودفع ذلك المبلغ, سأنشر الشريط المصور على جميع مواقع التواصل الاجتماعي.. وإن فعلت ذلك تعرفين جيداً ما قد يحدث لوالدكِ.. وإياكِ أن تقومي بحظر هذا الرقم كما فعلتِ برقمي القديم.. انتظري رسالتي الجديدة لكِ قريباً, سوف أخبركِ بالمكان والزمان المُحدد لنلتقي.. الوداع حُبي )

 

وقفت ونظرت أمامي بذعر لا حدود له.. كنتُ أرتجف بقوة وأنا أتنفس بسرعة غريبة.. لا أعرف كيف ضغطت على شاشة هاتفي واتصلت بـ ميغيل.. ما أن تلقى المُكالمة سمعتهُ يقول بسرعة

 

( ساريتا, أنا مشغول قليلا, نتكلم لاحقا و... )

 

قاطعتهُ هامسة بصوتٍ مهزوز وببكاء

 

" ميغيل, ساعدني أرجوك.. أنا.. أنا خائفة جداً.. خورخي, لقد أرسل لي شريط مصور ورسالة تهديد.. أنا خائفة جدًا, ساعدني أرجوك "

 

سمعت ميغيل يهتف بغضب

 

( لقد فعلها ذلك الحقير, سأقتله... )

 

بدأت أشعر بالدوار.. كانت كل خلية في جسدي ترتعش.. وبينما دموعي كانت تتساقط بغزارة على وجنتاي, همست بصدمة كبيرة

 

" كنتَ تعرف؟! إلهي.. لقد أرسل لك كذلك الفيديو.. أنا.. أنا.... "

 

بدأت أبكي بجنون بينما كنتُ أرى كل شيء يدور ويلتف حولي.. سمعت ميغيل يهتف بقلق

 

( ساريتا.. فراشتي.. لا تخافي.. سمعتني؟ لا تخافي فراشتي.. أنا قادم إليكِ.. سنتكلم و... )

 

قاطعتهُ هامسة بخوف أحرق روحي

 

" ميغيل, أنا... أنا لستُ بخير... أنا... "

 

فجأة, أغلقت عيناي وسقطت بقوة على الأرض.. وقبل أن أذهب إلى ذلك المكان المُظلم سمعت صوت ميغيل في هاتفي يهتف بخوف

 

( حبيبتي, ساريتا.. ساريتا.. ساريتا.... )

 

وبعدها رأيت الظلام أمامي, فقط ذلك الظلام المُخيف...

 

 

ميغيل**

 

قبل ثلاثة أيام من زفافه على ساريتا, كان ميغيل يقف في مكتب رئيس الشرطة جواكين, وجهه مُحمر وغاضب بشدة, هتف بملء صوته في وجه جواكين

 

" لن أسمح لـ ساريتا بأن تشهد ضد خورخي لاريفا وتلك العصابة في المحكمة.. لن أقف مكتوف الأيدي وأراها تتعرض لهذا الموقف أمام القاضي وشعب إسبانيا "

 

نظر جواكين إليّ بهدوء, ثم قال بصوت حازم

 

" سنيور استرادا, ساريتا عليها أن تشهد ضد خورخي ورئيس العصابة سوتو حتى يتم محاكمتهم.. الشرطة حاولت لسنوات أن تجد دليلاً واحداً ضد سوتو وعصابته لكنهم لم ينجحوا.. الآن, ساريتا تُعتبر بالنسبة لنا الشاهدة الوحيدة, هي الضمانة الوحيدة لنا للقضاء على تلك العصابة.. فأنتَ ترفض إعطائي نسخة عن الشريط المصور الذي أرسلهُ لك ذلك القذر خورخي "

 

نظرت إليه بحدة ثم هتفت بغضب واحتجاج

 

" طبعاً لن أعطيكَ نسخة عن ذلك الفيديو, كما لن أسمح بأن تكون ساريتا شاهدة.. لن أُعرضها لموقف مُحرج ومؤلم جداً لها.. لا أريد أن تتعرض للمزيد من الألم والعذاب, ولا أريدُها أن تتعرض للإشاعات في إسبانيا وتعريض سمعة عائلتها للقيل والقال "

 

جلس ميغيل بانهيار على الكرسي وهو يضع رأسه بين يديه.. وقال بألم كبير

 

" من المستحيل أن أُعرض حبيبتي لهذا الموقف.. سأفعل المستحيل لحمايتها وحماية شرفها "

 

رفع ميغيل رأسه ونظر إلى جواكين بعيون مليئة بالحزن والعزم, وقال بتصميم

 

" من المستحيل أن أُعرّض  حبيبتي لهذا الموقف.. سأفعل المستحيل لحمايتها وحماية شرفها.. أنا متأكد أن سوتو يضع كاميرات مراقبة في جميع الغرف في فندقه ليتم تصوير الفتيات وابتزازهن.. عليك أن تجد شاهدة اخرى وفي أسرع وقت و... "

 

فجأة, توقفت عن التكلم عندما رن هاتفي الخلوي.. نظرت إلى الشاشة ورأيت اسم ساريتا.. أجبت على المكالمة وحاولت التهرب منها كالمعتاد كما كنتُ أفعل في الأيام الماضية, لكن تجمدت بذهول عندما سمعت ما قالته..

 

فجأة سمعتُها تهمس بصوتٍ ضعيف

 

( ميغيل, أنا... أنا لستُ بخير... أنا... )

 

وبذعر لا يوصف سمعت صوت ارتطام حاد عبر الهاتف ولم تعد ساريتا تجيب عليّ..

 

صرخت بجنون

 

" حبيبتي, ساريتا.. ساريتا.. ساريتا.... "

 

تسارعت نبضات قلبي وشعرت بالخوف يجتاح قلبي و روحي.. غادرت مكتب جواكين بسرعة, وقدت سيارتي بسرعة جنونية وبتهور باتجاه قصر سلفادور..

 

عندما وصلت إلى القصر ركضت مسرعاً إلى الداخل متجهاً نحو غرفة ساريتا.. ولكن عندما اقتحمت الغرفة, تجمدت في مكاني عندما رأيت ساريتا ممددة على الأرض وهي غائبة عن الوعي..

 

صرخ ميغيل بذعرٍ شديد

 

" ساريتا! "

 

ركض نحوها وجثا على ركبتيه بجانبها.. ضم جسدها إليه, وبدأ يبكي وهو يهمس لها بحنان

 

" حبيبتي, استيقظي, أرجوكِ.. فراشتي, استيقظي "

 

كانت دموعه تتساقط على وجهها بينما كان يحاول بكل قوته أن يوقظها.. قلبه مليء بالخوف والقلق, وكان يشعر بالضعف والعجز أمام حبيبة قلبه التي كانت تبدو هشة ومكسورة بين ذراعيه..

 

همست بذعر بينما كنتُ أُحاول جعلها تستيقظ

 

" ساريتا, حبيبتي, استيقظي.. أنا هنا حبيبتي.. لن أترككِ أبداً.. أرجوكِ استيقظي "

 

كانت دموعي تسيل على وجنتاي بينما كنتُ أُحاول يائساً إيقاظها, همست اسمها مراراً وتكراراً وأنا أبكي

 

" ساريتا.. ساريتا.. حبيبتي, استيقظي... "

 

وضعت يدي على وجهها, مسحت عليه برقة بيدي المُرتجفة, وأخذت أهمس لها بكلمات الحب والرجاء

 

" ساريتا, أرجوكِ, استيقظي.. أنا هنا حبيبتي.. أنا هنا معكِ, ولن أترككِ أبداً.. أنتِ حُب حياتي الوحيدة.. لن أترككِ أبداً حبيبتي "

 

بدأت الدقائق تمر ببطء, وكان قلب ميغيل يخفق بقوة من الخوف والقلق على فراشته ساريتا.. لم يكن يستطيع التفكير بشيء سوى أن يراها تستعيد وعيها.. وأخيراً, بدأت ساريتا تتحرك ببطء وفتحت عينيها بتعب.. ابتسم ميغيل بارتياح شديد وهو يراها تستيقظ, وقال بحنان

 

" أنتِ بخير الآن, أنا هنا معكِ فراشتي "

 

نظرت ساريتا حولها ثم نظرت إلى وجهي وقالت بإرهاق

 

" ميغيل, ماذا تفعل في غرفتي؟ ولماذا نحن على الأرض؟ ثم, هل كنتَ تبكي؟ "

 

مسحت دموعي بسرعة وهمست لها بحنان قائلاً

 

" لم أكن أبكي فراشتي, لقد أتيت بعد اتصالكِ بي و... "

 

توقفت عن التكلم عندما نظرت ساريتا إليّ بذهول, ثم تحركت مُبتعدة عني ووقفت بهدوء وهي تنظر إليّ بنظرات مصدومة..

 

ثم فجأة, صرخت ساريتا بألم وبدأت تبكي بمرارة.. حاولت الوقوف لكن تجمدت في مكاني عندما هتفت ساريتا بغضب وهي تبكي

 

" لا تتحرك.. لقد تذكرت ما حدث.. لقد تذكرت... "

 

بدأت ساريتا تبكي بشكلٍ هستيري وهي تمشي ذهاباً وإياباً في الغرفة.. ثم فجأة وقفت وأمسكت هاتفها بيديها المرتجفتين.. اقتربت ووقفت أمامي ورمت هاتفها في حُضني وهتفت بمرارة وبغضب

 

" أُنظر بنفسك, لقد أرسل لي الحقير ذكريات ليلتنا اللعينة في الفندق.. وأنتَ كنتَ تعرف بوجود هذا الشريط المصور.. هل أرسلهُ لك أيضاً؟ تكلم واللعنة "

 

أومأت موافقاً وأخفضت رأسي إلى الأسفل ونظرت بألم كبير إلى شاشة هاتفها الخلوي.. سمعت ساريتا تهتف بغضب جنوني وهي تبكي

 

" لقد ابتزني الحقير.. يريد قضاء ليلة معي ومبلغ مالي ضخم للغاية وإلا نشر هذا الفيديو في جميع المواقع الاجتماعية.. أبي وأمي لن يتحملا هذه الفضيحة.. لن يتحمل والدي هذه الفضيحة "

 

رفعت رأسي ونظرت إليها بصدمة كبيرة.. كانت فراشتي منهارة تماماً وهي تبكي أمامي.. ظللت جالساً على رُكبتاي على الأرض وأنا عاجز تماماً عن تهدئة فراشتي وجعلها تتوقف عن البكاء..

 

فجأة, اقتربت ساريتا مني وصفعتني بكامل قوتها على وجنتي.. التف رأسي إلى ناحية اليمين وصوت الصفعة صدح عالياً في كامل أرجاء الغرفة..

 

وبعذاب قطع روحي سمعت ساريتا تهتف ببكاء

 

" لقد دمرتني ميغيل استرادا.. بسببك الآن أصبحت تحت رحمة ذلك الحقير خورخي.. لو لم تلمسني في تلك الليلة لما حدث معي كل ذلك "

 

أخفضت رأسي وبدأت أبكي وأنا أتنفس بصعوبة كبيرة...


رواية المتادور - فصل 28 - مأساة الماضي

 

كنتُ أعلم بأنها مُحقة بما قالته الآن, لو سيطرت على رغبتي في تلك الليلة لما كان خورخي تجرأ على ابتزازها..

 

ودون أن أتوقف عن البكاء نظرت إلى وجهها الذي كان شاحباً من التعب والخوف.. شعرت بوجع في قلبي لما تعرضت له فراشتي.. أخذت نفساً عميقاً, وقررت في هذه اللحظة أن أفعل كل ما بوسعي لحمايتها, مهما كان الثمن..

 

سمعت ساريتا تهتف ببكاء وهي تشهق بقوة

 

" ماذا سأفعل الآن؟ لن أسمح لذلك القذر بلمسي وبأخذ أموالي.. ماذا يجب أن أفعل؟ "

 

أمسكت هاتف ساريتا ونظرت إلى الرسائل.. قرأت بذهول الرسالة التي أرسلها خورخي.. شعرت بالغضب يعصف بداخلي دون رحمة.. تجمدت عيناي على كل كلمة كتبها القذر لفراشتي, وهنا, وفي هذه اللحظة قررت أن أتصرف على طريقتي الخاصة.. سأقتل خورخي بنفسي مهما كلفني ذلك..

 

وقفت بهدوء ومسحت الدموع عن وجنتاي.. وقفت ساريتا جامدة عندما سلمتُها هاتفها ورأتني أمسك هاتفي.. اتصلت بـ جواكين, وما أن أجاب على مُكالمتي حتى قلتُ له بنبرة حادة وبجدية تامة

 

" جواكين, راقب رقم الهاتف الذي أرسلتهُ لك منذ أيام.. أريدُك أن تجد لي عنوان ذلك السافل في أسرع وقت.. منذ هذه اللحظة سأتصرف بنفسي.. قريباً جداً سأقوم بتسليم سوتو وعصابتهِ لك, لكن خورخي لاريفا سأحرق روحهُ أولاً قبل أن أقتله "

 

أنهيت المُكالمة قبل أن يحاول جواكين الاعتراض.. نظرت أمامي رأيت ساريتا تقف جامدة في مكانها وهي تتأملني بذهول وبصدمة..

 

اقتربت منها ببطء ووقفت أمامها.. رفعت يدي ومسحت الدموع عن وجنتيها الشاحبتين, وقلتُ لها برقة وبتصميم

 

" لا تخافي فراشتي, لن أسمح لذلك السافل بلمس شعرة واحدة منكِ.. سأجدهُ قريباً وأدمره.. سأجعلهُ يندم لأنهُ تجرأ وفعل بكِ ذلك.. كما سأجعلهُ يتمنى الموت بسبب ما سأفعلهُ به.. أعدُكِ بذلك "

 

نظرت ساريتا إليّ بقلق وسألتني بنبرة متوترة

 

" ماذا ستفعل به؟ هل ستقتله؟ "

 

عندما لم أُجيبها شهقت ساريتا بقوة واقتربت بسرعة وأمسكت ذراعي وهتفت بخوف

 

" لا تقتله.. عدني بذلك ميغيل.. أريدُك أن تعدني بأنك لن تقتله.. عدني الآن بذلك "

 

أبعدت يدها بهدوء عن ذراعي ثم قلتُ لها بصدق

 

" لا تخافي فراشتي, لن أقتل ذلك القذر, ولكن سأجعلهُ يندم أشد الندم على كل ما فعلهُ بكِ "

 

أخذت نفساً عميقاً, وقررت في هذه اللحظة أنني سأفعل المستحيل لحمايتها مهما كان الثمن..

 

في هذه اللحظة, أدركت أن الحب الذي أشعر به نحو ساريتا هو أعظم من أي تحدي أو خطر قد يواجهني, وأنني سأكون دائماً بجانبها, أُساندها وأحميها بكل قوتي...

 

أمسكت يدها وقبلتُها برقة.. نظرت في عمق عينيها الخائفتين وقلتُ لها بصدق

 

" لا أريدُكِ أن تخافي من خورخي بعد الآن.. طالما أنا أتنفس لن أسمح لهُ بلمس شعرة واحدة من رأسك "

 

قبلت يدها برقة, ثم تابعت قائلاً لها بجدية

 

" اسمعيني جيداً ساريتا, على زفافنا أن يتم في موعده.. لا تعترضي لو سمحتِ.. زواجنا سيكون حبراً على ورق فقط ولفترة سنة واحدة.. عندما تصبحين زوجتي خورخي سيظهر ويحاول النيل مني, وأنا أريده أن يفعل ذلك.. لن يستطيع تنفيذ ما هددكِ به لأنهُ يريد المال أولاً, فالنقود بالنسبة له أهم من حياته.. عندما تُصبحين زوجتي سوف أستطيع حمايتكِ بشكلٍ أفضل "

 

توقفت عن التكلم ورأيت ساريتا تتأملني بنظرات خجولة ومتوترة.. ثم سمعتُها تهمس بتوتر

 

" لكن يمكنك حمايتي دونَ أن نتزوج.. أعني.... "

 

لمست خدها برقة بأصابعي وقاطعتُها قائلا بنبرة حنونة

 

" لا فراشتي, يجب أن يتم زفافنا بعد أيام.. لا تخافي مني فزواجنا لن يكون حقيقياً.. أنا لن ألمسكِ فراشتي, فكل ما أريدهُ هو حمايتكِ "

 

ظلت ساريتا تتأملني بنظرات ضائعة.. ضممتُها برقة وهمست قائلا لها بحزن

 

" ثقي بي لو سمحتِ.. سأحميكِ حتى من نفسي فراشتي "

 

ظل ميغيل يحتضن ساريتا لوقتٍ طويل.. وعندما ابتعد عنها داعب وجنتها برقة ثم قال لها بجدية

 

" إن أرسل خورخي لكِ رسائل تهديد, لا تهتمي لرسائله, حينها سيحاول الاتصال بكِ والتكلم معكِ بأي طريقة.. عليكِ أن تُجيبي على مُكالمته وحاولي أن تجعلي المُكالمة تمتد لأكثر من دقيقة, ثم أنهي المُكالمة واتصلي بي بسرعة.. هل أنتِ موافقة على ذلك فراشتي؟ "

 

أومأت ساريتا موافقة, فابتسمت بوسع ثم قبلت يدها برقة وقلتُ لها قبل أن أُغادر غرفتها

 

" اتصلي بي في أي وقت.. أراكِ قريباً فراشتي.. كوني بخير "

 

غادرت غرفة ساريتا وأنا أتوعد بالجحيم لـ خورخي القذر.. نظرت أمامي بحقد بينما كنتُ أُخطط بما سأفعلهُ بهِ قريباً جدا...

 

 

بينيتو**

 

العودة إلى الماضي**

 

 

جلس الأصدقاء الخمسة وبدأوا بالتخطيط لخطوتهم التالية.. قال فالديس بلهجة حازمة

 

" سنذهب الليلة إلى منزل البروفيسورة.. سنجعلها تفهم من هو السيد هنا.. كما سأجعل بينيتو يندم على تحديه لي "

 

هز الجميع رؤوسهم بالموافقة, وبدأوا بالتخطيط لتفاصيل الليلة.. بينيتو كان قد أثار غضبهم وكانوا مستعدين للقيام بأي شيء لإثبات أنهم هم من يسيطرون على الأوضاع..

 

في هذه الأثناء, كان بينيتو يدخل مبنى الجامعة بهدوء, يتنقل بين الطلاب الذين كانوا يتابعونه بنظرات الإعجاب.. لم يكن لديه شك في قدرته على تحقيق ما يريد, وكان يعتقد أن البروفيسورة لينيا ستكون له في النهاية..

 

تجول بينيتو في الممرات, متوجهاً إلى مُحاضرتهِ الأولى, بينما كانت الأفكار تدور في رأسه حول كيفية التقرب من لينيا وكسب ثقتها وقلبها.. كان يعلم أن الأمر لن يكون سهلاً, لكنها كانت تحدي يستحق المحاولة..

 

عندما وصل إلى قاعة المحاضرات, وجد مقعده المعتاد في الصف الأمامي.. جلس بهدوء مستعداً لاستقبال يوم جديد في الجامعة.. ولكن في عقله, كانت هناك خطة تتبلور.. كانت البروفيسورة لينيا هدفهُ الأسمى, وكان مستعداً لفعل كل ما يلزم ليحقق هذا الهدف..

 

 

لينيا هارفين**

 

بينما كان بينيتو يجلس وينتظر بدء المحاضرة, كانت لينيا في مكتبها, تشعر بالتوتر والقلق.. لم تكن تعلم ما يخطط له بينيتو وأصدقاؤه, لكن كان لديها شعور بأن الأيام القادمة لن تكون سهلة..

 

وقفت بهدوء وخرجت من مكتبي واتجهت نحو القاعة..

 

بدأت المحاضرة, وبينما كنتُ أشرح المادة للطلاب, لم أستطع التخلص من الشعور بالخطر المحدق.. كان عقلي مشغولاً بما قد يحدث, وكيفية حماية نفسي من أي تهديد محتمل.. ولكن كنتُ أعلم شيئاً واحداً, يجب أن أكون قوية وحازمة, وألا أسمح لأحد بأن يسيطر على حياتي أو يهدد أمنها..

 

عندما انتهت مُحاضرتي, جمعت أوراقي ثم خرجت من القاعة بخطوات متسارعة, محاولة تجنب رؤية بينيتو الذي كنتُ أشعر بوجوده بالقرب.. شعرت بنظراته تُلاحقني, لكن كان لدي هدف واحد في ذهني, وهو الهروب..

 

في الممر, التقيت بصديقتي شانا.. ابتسمت بوسع وهتفت باسمها لجذب انتباهها

 

" شانا!.. انتظري "

 

وقفت شانا وتأملتني بنظرات مُتعجبة.. ركضت ووقفت أمامها وسألتُها بنبرة مليئة بالأمل

 

" هل يمكنكِ مرافقتي إلى مكتبي؟ "

 

لكن شانا نظرت إليّ بطريقة غريبة, قائلة

 

" لينيا, لماذا تصرفاتك أصبحت غريبة في الآونة الأخيرة؟ ماذا يحدث؟ "

 

توترت, فأجبت شانا بسرعة

 

" لا شيء يحدث, أريد فقط قضاء أوقات فراغي معكِ.. أنتِ صديقتي المقربة "

 

ضحكت شانا بمرح وقالت

 

" هذه المرة, لن أذهب برفقتكِ.. سأذهب إلى مكتبي لأتكلم مع شقيقي فرناندو.. بالمناسبة, هو دائمًا يسألني عنكِ "

 

احمر وجهي من جراء الخجل, وأجبت شانا بتلعثم

 

" فرناندو, إنه بمثابة شقيق لي فقط "

 

قهقهت شانا بقوة ثم غمزتني وقالت بمرح

 

" ولكنهُ مُعجب بكِ صديقتي.. ربما يجب أن تتقربي منه أكثر, قد تقعين في حبه.. ثم شقيقي رجل وسيم ولديه وظيفة مُحترمة وحالتهُ المادية جيدة جداً, سيكون الزوج المثالي لكِ "

 

بلعت ريقي بقوة بينما كنتُ أنظر إليها بتوتر.. ولتعاستي الكبيرة ظنت شانا صمتي علامة القبول, إذ سمعتُها بذعر تقول بسعادة

 

" سأطلب من شقيقي بأن يدعوكِ إلى العشاء قريباً.. سيفرح كثيراً بذلك.. أراكِ لاحقا لينيا, يجب أن أتصل بشقيقي وأتجهز للمُحاضرة التالية "

 

حاولت جعلها تقف لأتكلم معها لكن رأيت بتعاسة شانا تذهب برفقة بعض من زملائنا.. نظرت أمامي بقهر وهمست بتعاسة

 

" إلهي, ما هذا الحظ السيء الذي بات يرافقني في كل لحظة؟ يجب أن أمنع شانا من التكلم مع شقيقها.. رغم أنهُ وسيم إلا أنهُ لا يُعجبني بتاتا "

 

استدرت ومشيت بحذر باتجاه مكتبي.. عندما دخلت إلى مكتبي, تجمدت في مكاني لدى رؤيتي للطالب بينيتو يخرج من الحمام وهو يبتسم.. وقف أمامي وقال بسخرية

 

" لم تأتِ شانا معكِ اليوم, على غير العادة, أليس كذلك بروفيسورة؟ "

 

تنفست بقوة, وسألتهُ بنبرة حادة

 

" ليس من شأنك, ثم ما الذي تفعلهُ هنا؟ ماذا تريد؟ "

 

" أريدُكِ "

 

أجاب بينيتو بتلك الكلمة وهو يقترب مني أكثر حتى بات لا يفصلهُ عني سوى إنشات قليلة..

 

رفعت رأسي ونظرت إليه بتوتر في البداية ثم بحدة.. كان طويل القامة فعلا رغم أن طول قامتي مائة وخمسة وسبعين سنتمتراً إلا أنهُ كان يتوجب عليّ رفع رأسي عالياً للنظر إلى وجهه..

 

حاولت إقناعه قائلة بجدية تامة

 

" وأنا لا أريدُك.. أنتَ مُجرد طالب في هذه الجامعة بالنسبة لي.. والآن أُخرج من مكتبي "

 

ابتسم بينيتو بمرح وهمس بتحدي قائلاً

 

" سوف تكونين لي قريباً جداً.. ثم لن أخرج من هنا جميلتي "

 

حاولت بصوت متوتر إقناعه بالخروج, إذ قلتُ له

 

" بينيتو, يجب أن تخرج من هنا.. أنا لن أكون لك الآن ولا في الغد ولا في أي يوم آخر, ولا بعد مليون سنة.. افهم ذلك وغادر مكتبي بسرعة "

 

لكن فجأة سمعت صوت صديقتي شانا في الخارج, شعرت بالذعر من أن ترى بينيتو في مكتبي.. أمسكت بذراع بينيتو وسحبته بقوة نحو الحمام, ولكن ما أن جعلتهُ يدخل إلى الحمام أمسك هذا الشاب الأحمق يدي وجذبني بسرعة داخل الحمام وأغلق الباب خلفنا.. نظرت إليه بذعر, وحاولت السيطرة على أنفاسي المتسارعة..

 

ولكن قبل أن أستدير وأُحاول الخروج من الحمام, سمعت شانا تدخل إلى المكتب وهي تنادي باسمي بتعجب

 

" لينيا؟ أين أنتِ؟ "

 

استغل بينيتو الموقف, أمسك كتفي وجذبني بسرعة وحاصرني على الحائط, تجمدت بذهول بين ذراعيه عندما همس في أذني قائلاً

 

" لا تصدري أي صوت جميلتي, وإلا ستدخل صديقتكِ وتجدنا معًا هنا "

 

بدأ بينيتو يلمس عنقي بأصابعه, مستغلًا لحظة جمودي وصدمتي.. شعرت بالقشعريرة تسري في جسدي, محاولة مقاومة الخوف الذي تسرب إلى كل خلية في جسدي..

 

فجأة, توسعت عيناي بذعر عندما شعرت بشفتيه تستقر على بشرة عنقي.. أغمضت عيناي بشدة عندما سمعت شانا تهتف بقهر

 

" يبدو أنها ليست هنا.. أين ذهبت يا ترى؟ عندما أحتاج إليها لا أجدُها في أي مكان "

 

سمعت شانا تخرج من المكتب وهي تقول بتعجب

 

" عجبًا, ظننت أن لينيا في مكتبها.. يا ترى أين هي؟ "

 

أخذت نفسًا عميقًا, ثم نظرت إلى بينيتو بغضب ودفعتهُ بقوة ليبتعد عني.. صفعته على خده بكامل قوتي, وصرخت بغضب بوجهه

 

" إن حاولتَ لمسي مرة أخرى, سأشتكي عليك.. لم أعُد أهتم لتهديداتك القذرة ولتلك الصور اللعينة.. إياك, ثم إياك أن تقترب مني مرة أخرى "

 

نظرت إلى بينيتو بتحدٍّ, متجاهلة نظراته الغاضبة, وخرجت من المكتب شبه راكضة.. كنتُ أُحاول عدم البكاء, لكن دموعي كانت على وشك الانفجار.. تركت المكان بسرعة, باحثة عن الأمان والراحة في مكان آخر بعيدًا عن بينيتو ثياجو..

 

لكن داخل مكتب لينيا وتحديداً في الحمام الصغير, وقف بينيتو بجمود وهو يلمس خدهُ المُلتهب من صفعة لينيا.. ابتسم بوسع وقال بدهشة وبإعجاب

 

" تباً, ما أجملها عندما تغضب.. تبدو مثيرة جداً وهي غاضبة.. ثم لقد صفعتني بالفعل.. اللعنة.. هي تُجيد الصفع بشكلٍ جيد.. أريدُها لي بأي ثمن.. اللعنة لم أعد أهتم لأي شيء, أريد البروفيسورة لي وبأي ثمن "

 

خرج بينيتو من الغرفة وهو يبتسم بسعادة ويُخطط للتقرب أكثر من البروفيسورة..

 

في المساء, بعد انتهاء يوم دراسي طويل, عادت لينيا إلى منزلها, كانت تشعر بالإرهاق الشديد, ولكنها كانت مصممة على البقاء يقظة وحذرة.. لكن لينيا لم تكن تعلم أن هناك من يخطط لزيارة غير مرحب بها إلى منزلها في هذه الليلة..

 

بينما كنتُ أستعد للنوم, شعرت بالقلق يتسلل إلى قلبي.. كنتُ أعلم أن بينيتو ليس شخصاً يمكن الاستهانة به, وكان لدي شعور بأن الأمور لن تكون هادئة كما أرغب.. ولكن كنتُ مصممة على مواجهة أي تحدي يأتي في طريقي..

 

وفي هذه الليلة, بينما كانت المدينة تغرق في هدوء الليل, كانت هناك مجموعة من الشباب تتجه نحو منزل البروفيسورة لينيا, بنوايا غير بريئة وخطط مظلمة.. لم يكن بينهم وبين تنفيذ خطتهم إلا دقائق قليلة, ولكنهم لم يعلموا أن البروفيسورة كانت مستعدة لمواجهتهم بكل شجاعة وثبات..

 

كانت لينيا تستعد للنوم, مستلقية على سريرها وتحاول تصفية ذهنها من أحداث اليوم.. فجأة, سمعت صوت تحطم زجاج في الطابق الأرضي, صوت مزعج ومفاجئ ومُخيف..

 

انتفضت من مكاني ووقفت بينما قلبي كان يخفق بقوة.. شعرت بالخوف يسري في أوصالي, أمسكت هاتفي بسرعة محاولة الاتصال بالشرطة.. ولكن قبل أن أتمكن من الضغط على الشاشة, انفتح باب غرفتي بعنف ورأيت أمامي بذعر خمسة شُبان يدخلون إلى الغرفة.. تعرفت عليهم فوراً, إنهم أصدقاء بينيتو..

 

حاولت الضغط على شاشة هاتفي لأتصل بالشرطة, ولكن فالديس اقترب مني بسرعة وصفعني بقوة, مما جعلني أسقط على الأرض.. سحب من يدي الهاتف ورماه بعيداً, ثم اقترب مني بخطوات واثقة.. شعرت بالذعر عندما أحاط بي الشبان الخمسة من جميع الجهات.. أمسك فالديس ذراعي ورفعني إلى الأعلى بقوة لأقف على قدماي, ثم قال بصوت ساخر

 

" مساء الخير بروفيسورة, بينيتو أرسلنا الليلة إلى منزلكِ لنستمتع ونحصل على عذريتك "

 

نظرت إليه بعينين متسعتين من الخوف.. ولكن رغم خوفي منهم هتفت بثقة لا أعلم مصدرها

 

" أنتَ تكذب.. من المُستحيل أن يفعل بينيتو ذلك.. أُخرج أنتَ وأصدقائك من منزلي وإلا جعلتكم تدفعون الثمن غالياً "

 

ضحك فالديس بمرح ثم صدحت عالياً ضحكات أصدقائه في الغرفة.. وعندما توقفوا عن الضحك نظر فالديس إليّ بغضب وقال بسخرية

 

" لقد توطّدت علاقتكِ به بشكلٍ كبير حتى بلغت مستوى الثقة بينكما.. لماذا أنتِ متأكدة بأن بينيتو لم يُرسلنا الليلة إلى منزلكِ بروفيسورة؟ "

 

لم أجب عليه بل وقفت بثبات أنظر إليه بحدة.. فجأة, خرجت صرخة متألمة من بين شفتاي عندما اقترب فالديس مني بسرعة وأمسك خصلات شعري ورفع رأسي بعنف لأنظر في عمق عينيه..

 

نظرت إليه بغضب, وبحركة مفاجئة مني صفعته بقوة على وجنته ودفعته بعيداً عني..

 

تحركت بسرعة وحاولت  الهروب منهم, ولكن الشبان كانوا أسرع مني.. حاصروني من جميع الجهات وبدأت أتلقى منهم الصفعات..

 

صوت صرخاتي المتألمة انتشرت في كامل أنحاء منزلي.. لكن من سوف يساعدني؟ لا أحد..

 

رماني فالديس على السرير بينما أصدقائه كانوا يمسكون جسدي ويثبتونه.. حاصرني بجسده ونظر بغضب في عمق عيناي وهتف بوجهي

 

" سأنال منكِ الآن بروفيسورة.. وسيتم تسجيل مُضاجعتنا لكِ في هواتفنا.. إن فتحتِ فمكِ أمام أحد سوف نُدمركِ "

 

رأيتهُ بذعر يفتح زر بنطاله ثم أخفض السحاب, وبذعر لا مثيل له رأيته يُخرج عضوه الذكري المنتصب.. أغمضت عيناي بقوة وصرخت بجنون, لكن أحد الشُبان كتم فمي بيده..

 

حاولت.. وحاولت.. وحاولت بذعر المُقاومة.. حاولت تحرير جسدي منهم, لكنني فشلت.. كنتُ أتخبط بجنون عندما شعرت بيد فالديس على فخذي وهو يرفع قميص نومي إلى فوق خصري..

 

وعندما لمس فالديس سروالي الداخلي, سيطر الخوف على روحي وقلبي وكياني..

 

قاومت بشدة وحاولت تخليص نفسي والهروب منهم, لكنهم كانوا أقوى مني بكثير.. وقبل أن يتمكن فالديس من خفض سروالي الداخلي, سمعت خبطة قوية ثم رأيت بسعادة من بين دموعي بينيتو يدخل إلى الغرفة وهو يهتف بجنون وغضب أعمى

 

" ابتعدوا عنها أيها الملاعين "

 

كان غضبه أعمى وعيناه تلمعان بشراسة, لدرجة أنا بالذات شعرت بالخوف منه.. اندفع بينيتو نحو الشبان الخمسة وسحبهم من فوق السرير وبدأ يركلهم ويوجه لهم اللكمات..

 

ضربهم بقوة, دافعًا إياهم خارج الغرفة.. سمعت بذعر بينما كنتُ أبكي صوت بينيتو وهو يشتم أصدقائه ويتوعد لهم بالجحيم.. وسمعتهُ يضربهم في الطابق الأرضي حتى تمكن من طردهم خارج المنزل..

 

عاد بينيتو إلى غرفة لينيا, ورآها واقفة وتبكي بصدمة كبيرة.. اقترب منها بحذر وحاول مواساتها, قائلاً بنبرة حنونة

 

" لينيا, أنا آسف, لن أسمح لأحد بأذيتكِ بعد الآن "

 

دفعتهُ بعيداً عني وهتفت ببكاء

 

" أنتَ السبب بكل ما يحدث لي.. أكرهك, لا أريد رؤيتك بأي شكل كان "

 

كانت دموعي تسيل بغزارة, وجسدي يرتعش بقوة, بينما قلبي كان يحترق من الخوف والغضب..

 

اقترب بينيتو وعانقني بقوة.. انتفضت بين ذراعيه وحاولت ضربهُ ودفعهُ بعيداً عني وأنا أصرخ بشكل هستيري

 

" لا, ابتعد عني.. لا تلمسني أيها الحقير.. أكرهُك أيها القذر.. ابتعد عني.. "

 

رغم مُقاومتي له لم يسمح لي بينيتو بالابتعاد عنه بل احتضنني بقوة أكثر وضم رأسي إلى صدره.. توقفت عن مقاومته وخرج أنين متألم من بين شفتاي.. تركت دموعي تتساقط على صدره بينما كنتُ أشعر بالضعف يسيطر عليّ.. لم يعُد باستطاعتي المُقاومة أكثر, لقد فشلت في حماية نفسي..

 

مسح بينيتو برقة على شعري, وسمعتهُ يقول بنبرة حنونة

 

" لن أسمح لأحد بأذيتك بعد الآن, سأحميكِ بروفيسورة.. لا تخافي مني لو سمحتِ.. أنا آسف, سامحيني بسبب ما فعلتهُ بكِ سابقاً "

 

بكيت بعذابٍ أكبر عندما سمعتهُ يقول تلك الكلمات لي.. كان التعب والخوف, والإرهاق, والحزن, والفزع, قد سيطروا على جسدي المُنهك وكل خلية بداخله..

 

انهرت بين ذراعيه غير قادرة على المقاومة والتوقف عن البكاء بشكلٍ هستيري.. حملني بينيتو بلطف ولم أستطع الاعتراض على ذلك.. جعلني أنام على السرير ثم تسطح بجانبي وبدأ يمسح دموعي بمنديله..

 

لم يتكلم لوقتٍ طويل, تركني بينيتو أبكي بوجع وبتعاسة لفترة طويلة جداً, بينما هو أمسك يدي برقة وبيدهِ الثانية كان يمسح بها دموعي..

 

في النهاية جسدي المُنهك استسلم بالكامل, أغمضت عيناي وغرقت بالنوم رغم شهقاتي التي كانت تخرج من حُنجرتي بشكل تنفطر لهُ القلوب..

 

عندما نامت لينيا أخيراً, نظر بينيتو إليها بحزن, ثم رفع يدها وقبلها برقة.. وضع يدها الصغيرة على صدره وبينما كان ينظر إلى وجهها الشاحب والمُلطخ بالدموع, قال بينيتو بحزن

 

" هل تؤمنين بالحُب من النظرة الأولى بروفيسورة؟ أنا عن نفسي لم أكن أفعل, لكن الآن بسببكِ أصبحت أؤمن به.. أحبكِ سنيوريتا, لقد أحببتُكِ من النظرة الأولى "

 

توقف بينيتو عن التكلم ورفع يدهُ ومسح برقة وبنعومة شفتيها المتورمتين من جراء انفعالها السابق وبكائها المرير.. ابتسم بينيتو بحزن, وتابع قائلا

 

" صحيح بأنكِ أكبر مني بسنوات عديدة في العُمر, ولكنني أُحبكِ لينيا هارفين.. نعم, أنا أُحبكِ وبصدق.. حصل ذلك رغماً عني.. حصل خارج حدود الزمان والمكان المعروفين, و بمقاييس غير مقاييس البشر المألوفة.. ما أعرفه بأنني شعرت بقلبي ينبض بجنون عندما رأيتُكِ لأول مرة "

 

تنهد بينيتو بحزن, وتابع قائلا بألم

 

" ما كنتُ اؤمن بالحب من أول نظرة .. لكن عندما رأيتُكِ أمنت بهِ وبشدة.. ولأحصل عليكِ فعلت أشياء سأندم عليها طيلة عمري.. ولكن أعدُكِ الآن بأنني لن أؤذيكِ, بل سأحميكِ من نفسي ومن الجميع.. ولكن سأفعل المستحيل لأحصل على حُبكِ لي جميلتي "

 

وقف بينيتو ورفع غطاء السرير على جسد لينيا, ثم نظر حولهُ بحزن.. رأى هاتف لينيا على الأرض, رفعهُ ونظر بحزن إلى الشاشة المُحطمة.. وضع الهاتف على المنضدة ونظر إلى لينيا وقال برقة

 

" لا تحزني في الغد جميلتي, سأشتري لكِ أفخم وأجدد هاتف خلوي في إسبانيا.. أحلاماً سعيدة لكِ جميلتي "

 

خرج بينيتو من الغرفة وأغلق الباب بهدوء.. نزل إلى الطابق الأرضي ووقف في غرفة الجلوس وهو ينظر إلى الأريكة.. قرر أن ينام في غرفة الجلوس ليحميها إن عاد فالديس برفقة أصدقائه إلى المنزل..

 

جلس بينيتو على الأريكة في الظلام, عيونه لا تغلق وهما تراقبان الأبواب والنوافذ بحذر.. وعقلهُ لا يهدأ, وهو يفكر في كيفية حماية لينيا من كل هذا الألم والمشاكل.. أقسم لنفسه بأنه لن يسمح لأي أحد بإيذائها مرة أخرى, وأنه سيبذل كل ما في وسعه لتعويضها عن كل ما مرت به..

 

كان قلبه ينبض بشدة, عاقد العزم على حمايتها مهما كلف الأمر.. كانت لينيا نائمة بأمان في الغرفة العلوية, وهو لن يسمح لأحد بإيذائها مرة أخرى..

 

استيقظت لينيا في صباح اليوم التالي وهي تشعر باضطراب غريب, فتحت عينيها ببطء لتجد نفسها تحدق في السقف بتوتر.. فجأة انتفضت وجلست على السرير, نظرت حولها بذعر, وكانت نظراتها تُعبر عن الرعب الذي عاشته في ليلة الأمس..

 

تنفست بعمق عندما لم تجد بينيتو في غرفتها, شعرت براحة مؤقتة.. أمسكت هاتفها الخلوي بيد مرتعشة, لكنها شعرت بالحزن العميق عندما رأت الشاشة مُحطمة بالكامل.. نظرت إليها بأسى, وهمست لنفسها بحزن

 

" لن أستطيع شراء هاتف جديد حاليا, سأذهب لتصليحه اليوم بعد انتهاء دوامي "

 

دخلت إلى الحمام, استحممت بسرعة ثم ارتديت ملابسي ونزلت إلى الأسفل.. عندما وصلت إلى غرفة الجلوس, وقفت في مكاني بذهول عندما رأيت بينيتو نائم شبه عارٍ على الأريكة..

 

" اااااااااااااعععععععع..... "

 

صرخت بذعر وبصوت مُرتفع مما جعل بينيتو ينتفض ويستيقظ بسرعة وجلس وهو ينظر إليّ بذهول..


رواية المتادور - فصل 28 - مأساة الماضي

 

ثم سألني بقلق

 

" ماذا حدث؟ أنتِ بخير؟ "

 

نظرت إليه بغضب وهتفت بحدة

 

" وتسألني ماذا حدث.. لماذا أنتَ نائم على أريكتي؟ من سمح لك بذلك؟ "

 

تأملني بينيتو بنظرات وكأنني أتية من المريخ.. شعرت بالغضب يتصاعد بداخلي.. أمسكت سترتهُ وقميصهُ ورميتهما على وجهه.. انتفض بينيتو وأمسكهما بيديه ثم وضعهما بجانبه وشرع يتأملني بنظرات غريبة..

 

تصاعد الغضب بداخلي أضعافاً.. نظرت إليه بحدة وهتفت بغضب بوجهه

 

"  ارتدي قميصك وسترتكَ بسرعة واخرج من منزلي.. هيا تحرك.. ماذا تنتظر؟ "

 

نظر بينيتو إليّ بحزن, وقال ببراءة

 

" هل تطردينني دون وجبة فطور لذيذة بعد أن سهرت الليل كله لحمايتك؟ "

 

نظرت إليه بذهول, ثم هتفت بغضب

 

" وقح.. لم أطلب منك أن تظل في منزلي لتحميني.. أخرج فوراً, لا أريدُك في منزلي "

 

اقتربت بسرعة وجعلت بينيتو يقف ثم أعطيتهُ قميصه وستره, ثم أمرته بالخروج من المنزل بسرعة

 

" اذهب إلى منزلك, استحم وبدل ملابسك, ثم اذهب إلى الجامعة.. هل فهمت؟ "

 

تأملني بينيتو بنظرات حزينة بينما كان يرتدي ملابسه.. سمعتهُ بذهول يُكلمني قائلاً ببراءة

 

" لقد فهمت.. لم أكن أعلم بأنكِ امرأة بخيلة.. تطردينني من منزلكِ وأنا جائع "

 

توسعت عيناي بينما كنتُ أنظر إليه بذهول.. اقتربت منه وأمسكت بذراعه وجذبتهُ باتجاه الباب.. فتحت باب منزلي ودفعت بينيتو إلى الخارج.. نظرت إليه وهتفت بغضب

 

" وقح "

 

ثم صفعت الباب أمام وجهه.. قاد بينيتو سيارته وهو حزين, بينما أنا غادرت المنزل غاضبة, وقدتُ سيارتي بسرعة نحو الجامعة.. عندما انتهت أول محاضرة لي, وقفت أمام النافذة ونظرت إلى الأسفل.. تجمدت نظراتي بدهشة كبيرة إلى مجموعة صغيرة من الطلاب.. رأيت بحزن بينيتو يقف برفقة فالديس والشُبان الأربعة وهم يضحكون بمرح..

 

هززت رأسي بخفة وهمست بحزن

 

" وأنا صدقت بأنك تغيرت.. مؤسف فعلاً بأنك شاب طائش وعديم المسؤولية "

 

عندما انتهى دوامي خرجت من الجامعة وذهبت إلى أقرب متجر لبيع وتصليح الهواتف الخلوية, وعندما انتهى تصليح هاتفي عُدت إلى المنزل.. ما أن اقتربت من منزلي رأيت بينيتو يوقف سيارته الرياضية المكشوفة وهو ينتظرني..

 

تنهدت بقوة وهمست بغضب بينما كنتُ أركن سيارتي بجانب سيارته

 

" هذا ما كان ينقصني.. ماذا يريد؟ "

 

ترجلت من السيارة ووقفت أنظر إلى بينيتو بغضب بينما هو كان ينظر إليّ بنظرات لم تُعجبني..


رواية المتادور - فصل 28 - مأساة الماضي

 

ابتسمت بسخرية بينما كنتُ أتأملهُ وأنا أُفكر.. ما الذي يرتديه في هذا الطقس البارد؟ هو يتباهى بعضلاته أمامي هذا الطفل المُدلل.. هذا ما كان ينقصني...

 

قفز بينيتو من فوق باب سيارته واقترب مني عندما تجاهلته ومشيت نحو مدخل منزلي.. سمعتهُ بقهر يقول بسعادة

 

" بروفيسورة, لقد جلبت لكِ هدية "

 

استدرت بسرعة ونظرت إليه بغضب.. رأيتهُ يقف أمامي وهو يحمل بيده علبة مربعة متوسطة الحجم.. رفعت نظراتي عن العلبة ونظرت إلى وجهه بغضب وقلتُ لهُ بحدة

 

" لا أريد أي هدية منك.. والآن غادر المكان وبسرعة "

 

ولكن بينيتو فتح العلبة وأخرج منها هاتف خلوي جديد باهظ الثمن.. نظرت إلى الهاتف بذهول ثم نظرت إلى بينيتو.. شعرت بالغضب يشتعل بداخلي.. تأملتهُ بنظرات مُشتعلة وهتفت بوجهه بغضب جنوني

 

" أعد الهاتف, لا أريد أي شيء منك.. إياك أن تتباهى أمامي بأموالك, فأنا لستُ مهتمة بثرائك الفاحش.. وإياك أن تحاول شراء هدايا أخرى لي وإلا أحرقتُها أمامك.. وإياك أن تحاول التقرب مني بعد الآن.. هل فهمت؟ "

 

قبل أن أفتح باب منزلي, تجمدت يدي على المقبض عندما سمعت بينيتو يهتف قائلاً

 

" لقد حذفت الصور كلها من هاتفي "

 

استدرت ونظرت إليه بذهول.. ابتسمت بمرارة وقلتُ لهُ بحدة

 

" لا أستطيع تصديقك.. إياك أن تكذب عليّ.. لقد رأيتُك اليوم وأنتَ برفقة أصدقائك تضحكون بمرح "

 

تأملني بينيتو بنظرات غريبة وقال بجدية

 

" نعم, لن أكذب عليكِ بروفيسورة.. لقد كنتُ معهم.. في الصباح عندما وصلت إلى الجامعة اقتربوا وتكلموا معي واعتذروا عن ما حدث.. طبعا أنا لم أعد أثق بهم بتاتاً, ولكن من أجلكِ ومن أجل حمايتكِ تكلمت معهم وادعيت أمامهم بأنني صدقتهم, كما طلبت منهم أن يعتذروا منكِ في الغد.. كان يجب أن أفعل ذلك حتى أكتشف ما يخططون لفعله لاحقاً وحمايتكِ منهم قبل فوات الأوان "

 

ثم رفع هاتفهُ أمام وجهي وقال بسرعة

 

" يمكنكِ رؤية هاتفي والتأكد بنفسكِ بأنني حذفت جميع الصور.. أقسم لكِ بأنني حذفتها بكاملها ولم أترك أي نسخة عنها "

 

نظرت إليه بذهول ولزمت الصمت.. اقترب بينيتو ووقف أمامي وقال بحزن

 

" أنا آسف.. أريدكِ أن تسامحيني.. لا أريد سوى أن أكون صديقاً لكِ "

 

نظرت إليه بجدية وقلتُ له بنبرة هادئة

 

" لا أستطيع أن أكون صديقة لك "

 

سألني بينيتو بنبرة حزينة

 

" هل ترفضين صداقتي بسبب فارق العمر بيننا؟ "

 

أجبته بصراحة تامة

 

" العمر ليس مهماً بالنسبة لي, لكنني لا أستطيع أن أتورط معك بأي شكل من الأشكال.. أنتَ طالب في الجامعة التي أعمل بها.. حاول التقرب من فتيات في مثل عمرك, فهذا أفضل لك "

 

استدرت ودخلت إلى منزلي, أغلقت الباب وتنهدت براحة بينما كنتُ أبتسم بسعادة لأول مرة منذ أسبوعين..

 

ولكن لينيا لم تسمع بينيتو يقول بصوت خافت

 

" أنا أحبكِ بروفيسورة, لن أستسلم أبداً, سأحصل على قلبك قريبا "

 

ثم غادر بحزن, عاقداً العزم على أن يثبت لها مدى صدق مشاعرهُ نحوها..

 

في المساء, بينما كنتُ أطهو وجبة العشاء في المطبخ, مستمتعة بالرائحة الزكية التي تملأ المكان, متناسية كل همومي.. فجأة, سمعت صوت باب منزلي ينفتح ببطء, فتسرب الذعر إلى قلبي.. أمسكت ملعقة كبيرة من الخشب واقتربت بحذر من غرفة الجلوس, متسللة على أطراف أصابعي..

 

عندما وقفت أمام باب غرفة الجلوس, فجأة ظهر بينيتو أمامي..

 

" ااااااااااععععععععععععع... "

 

بردة فعل سريعة صرخت بذعر وضربته بالملعقة بكل قوتي.. رفع بينيتو ذراعه اليمنى بسرعة أمام وجهه وتلقى الضربة عليها, وتحطمت الملعقة إلى قطع صغيرة..

 

شهق بينيتو بألم ونظر إليّ بحزن وهو يمسك ذراعه وكان يتألم بالفعل.. اقتربت منهُ خطوة ونظرت إليه بقلق هاتفة

 

" إلهي.. هل أنتَ بخير؟ أنا آسفة, لم أقصد ضربك بالملعقة "

 

نظر بينيتو إلى لينيا بنظرات ماكرة لم تُلاحظها المسكينة بسبب خوفها عليه.. مسد ذراعه مكان الضربة وادعى الألم, قائلاً بصوت مليء بالألم المصطنع

 

" آه, عظام ذراعي قد تحطمت كلها.. أشعر بألم شديد.. لا يمكنني تحمُل هذا الألم "

 

ترقرقت الدموع في عيناي بينما كنتُ أنظر إليه بذهول وبحزن


رواية المتادور - فصل 28 - مأساة الماضي

 

تنهدت بقوة وهتفت بوجهه بقلق

 

" هذا هو خطأك.. لقد أخفتني "

 

ساعدته ليجلس على الأريكة.. بعد أن فحصت ذراعه ووضعت عليها الثلج, وقفت أمامه وقلتُ لهُ بأمر

 

" سلمني مفتاح منزلي.. النسخة بحوزتك, أريدُها "

 

اعترض بينيتو قائلاً بتصميم

 

" سأحتفظ بالنسخة لأحميكِ في حال حاول فالديس ورفاقه الدخول مرة أخرى إلى منزلكِ "

 

نظرت إليه بغضب ورفعت يدي أمام وجهه ثم فتحت كف يدي وقلتُ له

 

" سلمني المفتاح "

 

ابتسم بينيتو بوسع وتأملني بنظرات جادة قائلا بتصميم

 

" لا.. لن أفعل.. وذلك طبعاً من أجل سلامتكِ "

 

نظرت إليه بحدة وهمست بقهر

 

" عنيد "

 

ابتسم بينيتو بوسع ثم تأوه بألم مُصطنع وقال بحزن

 

" توقفي بروفيسورة عن الاعتراض, فذراعي تؤلمني جدا "

 

استسلمت لقراره, ودخلت إلى المطبخ وتابعت طهو طعامي بغيظ شديد..

 

جلست برفقة بينيتو على طاولة الطعام, تناولنا وجبة العشاء معاً بينما بينيتو كان يروي لي قصصاً مضحكة عن طفولته, مما جعلني أضحك بمرح..

 

مرت الأيام وتحولت علاقة بينيتو و لينيا إلى صداقة حقيقية, ربما بالنسبة لها فقط, إذ بينيتو أصبح يعشق لينيا بجنون..

 

مع مرور الأيام أحبت لينيا الشاب بينيتو واعتبرته شقيقها الصغير, وكانا يقضيان الأمسيات معاً في مدينة الملاهي, يتناولان الحلويات ويسيران على الأقدام على شاطئ البحر, وأحياناً كثيرة كان يأتي بينيتو إلى منزلها في المساء ويتناول معها وجبة العشاء ثم يذهب بعد أن يتأكد بأنها بأمان..

 

كانت الأمسيات مميزة, حيث كانا يسيران معاً تحت ضوء القمر, يتبادلان الضحكات والقصص.. كان بينيتو يجلب الفرح إلى حياة لينيا, وكانت تشعر بالراحة والأمان بوجوده.. كانت تلك اللحظات تملأ قلبها بالسعادة, وتجعلها تنسى كل مخاوفها وهمومها..

 

في كل مرة كانا يجلسان على الشاطئ وينظران إلى الأمواج المتلاطمة, كانت لينيا تشعر بأنها ليست وحيدة, وأن هناك شخصاً يهتم بها ويحميها.. شخص تعتبره بمثابة شقيقها الصغير..

 

وبينما كان بينيتو يتحدث عن أحلامه وطموحاته, كانت لينيا تنظر إليه بفخر وحب, ممتنة لكل لحظة يقضيانها معاً..

 

كان بينيتو يشعر بالسعادة أيضاً, فقد وجد في لينيا حُب حياته والمرأة التي يرغب بقضاء حياتهِ معها وحمايتها.. كانت نصائحها ودعمها له يعنيان الكثير له, وكان مستعداً لفعل أي شيء ليحافظ على ابتسامتها وسعادتها..

 

وهكذا, مضت الأيام, وتحولت علاقة بينيتو و لينيا إلى صداقة حقيقية.. اعتبرت لينيا وجوده في حياتها شيئًا إيجابيًا.. كانا يذهبان معًا في معظم الأمسيات إلى شاطئ البحر, يسيران على الأقدام, يتبادلان الأحاديث والضحكات..

 

كانت الأمسيات التي قضياها معًا على شاطئ البحر تحمل ذكريات جميلة, حيث كانت الأمواج تهمس بأسرارها للنجوم, وتضاء السماء بلون الشفق الأحمر.. كانا يجلسان على الرمال, ويشاهدان غروب الشمس, ويتحدثان عن أحلامهما ومستقبلهما, مما عزز رابط الصداقة بينهما وجعلها أقوى مع مرور الوقت..

 

في تلك اللحظات, شعرت لينيا بأن حياتها أصبحت مليئة بالألوان والسعادة, بفضل وجود بينيتو بجانبها.. كان بينيتو يمنحها القوة والفرح, وكانت تشعر بأنه ليس مجرد صديق, بل شقيق صغير يجلب معهُ البهجة ويمنحها الأمان..

 

وهكذا, تحولت تلك العلاقة من خوف وترقب إلى صداقة وثيقة, مليئة بالحب والضحك والمغامرات الجميلة..

 

في مساء هادئ وجميل, غمرت نسمات دافئة أرجاء مدينة ماربيا.. كان القمر مشعًا في السماء, ينير الطريق بضيائه الفضّي الخفيف.. على حافة المدينة وتحديداً في منطقة المارينا, في منزل صغير ومتواضع, كانت لينيا ترتدي فستانًا أبيضًا بسيطًا بينما كانت تخرج من منزلها بخطوات مترددة.. انتظرها بينيتو في الخارج, مرتديًا قميصًا أزرقًا وجينزًا, ابتسامة متوترة تزين وجهه.. عندما رآها تقترب, شعر بنبضات قلبه تتسارع.. ألقى عليها تحية هادئة, فأجابت بابتسامة خفيفة ووجه مليء بالحنان..

 

صعدت لينيا في سيارة بينيتو, وتوجها نحو شاطئ البحر مثل عادتهم.. عندما وصلا إلى شاطئ البحر بدأ الاثنان يمشيان معًا, يتبادلان الحديث بشكل متقطع.. كانت لينيا تشعر بالراحة بوجود بينيتو بجانبها, رغم أن قلبها لم يكن ينبض له نفس النبض الذي يخفق لرجل أحلامها سلفادور دي غارسيا, الرجل الذي امتلك أحلامها منذ أن كانت في السادسة عشر..

 

كان الموج يتلاعب بالرمال برفق, ونسيم البحر يعزف لحنًا هادئًا على أسماعهم.. جلسوا على الرمال, مستمتعين بالصمت والسكون المحيط بهم.. كانت لينيا تحدق في البحر, تغوص في أفكارها, بينما كان بينيتو ينظر إليها بنظرات مليئة بالتوتر والحب المكتوم..

 

فجأة قطع بينيتو الصمت عندما سألني بنبرة متوترة, قائلاً

 

" لينيا, هل لديكِ حبيب؟ "

 

تجمدت للحظة, وصدى سؤاله كان يتردد في عقلي.. فكرت بسرعة بـ المتادور سلفادور دي غارسيا, الرجل الذي استحوذ على قلبي و روحي وأحلامي منذ سنين طويلة.. كنتُ أراه فارس أحلامي, الرجل الذي تخيلته يحملني بين ذراعيه ويعبر بي عبر كل المصاعب..

 

تنهدت برقة وأجبت بصوت خافت ولكنه حازم

 

" لا, ليس لدي حبيب "

 

ابتسم بينيتو بسعادة لم تستطع لينيا ملاحظتها, غارقًا في أفكاره الخاصة.. تخيل كيف سيكون الأمر عندما يصبح هو حبيبها, عندما تكون نظراتها المليئة بالحنان موجهة إليه وحده.. شعر بأمل كبير, وبأن هناك فرصة قريبة بأن يصبح جزءًا من حياتها..

 

ظل الاثنان جالسين على الشاطئ, يتبادلان الحديث تارة ويصمتان تارة أخرى, متأملين في جمال الليل والبحر الذي أمامهم.. كانت لينيا لا تزال تفكر في سلفادور, بينما بينيتو يحلم باليوم الذي يصبح فيه هو حبيبها.. وفي هذا المساء الهادئ, كانت أقدارهما تتشابك بطرق لم يتخيلها أي منهما..

 

في اليوم التالي**

 

كان قد مضى شهر وأربعة أيام على بدء العام الدراسي في الجامعة.. بعد انتهاء محاضراتها في الجامعة, شعرت لينيا بالإرهاق لكنها كانت سعيدة بلقاء صديقتها شانا التي دعتها على الغداء في منزلها.. اتجهت لينيا نحو سيارة صديقتها وبدأت شانا تقود باتجاه منزلها.. كان الطقس جميلًا والشمس مشرقة, مما أضاف جوًا من البهجة لليوم..

 

أثناء القيادة, رن هاتفي.. نظرت إلى الشاشة ورأيت اسم بينيتو, لكن لم أجب على المكالمة بسبب وجود شانا بجانبي..

 

ابتسمت شانا وقالت

 

" أظن أن لديكِ معجبًا, أليس كذلك؟ "

 

ضحكت بهدوء وأجبتُها بصدق

 

" إنهُ مجرد صديق "

 

سمعت شانا تسألني بخبث

 

" صديق؟ هل أنتِ متأكدة؟ إذ في هذه الفترة أصبحت بالكاد أراكِ صديقتي, خاصةً في أوقات المساء.. ثم من هو هذا الصديق؟ هل أعرفه؟ "

 

نظرت إليها بطرف عيناي وأجبتُها بتوتر

 

" لا تعرفينه.. ونعم, هو مُجرد صديق بالنسبة لي "

 

سمعت بتوتر شانا تقول

 

" حسناً, يبدو بأنكِ لا ترغبين بالتكلم عن هذا الصديق أمامي.. ولكن سأتعرف عليهِ قريباً بكل تأكيد.. والآن أخبريني صديقتي, كيف كانت مُحاضراتكِ اليوم؟ "

 

شعرت بالراحة لأنها لم ترغب بمعرفة المزيد.. تكلمنا بمواضيع مُختلفة, وعندما وصلنا إلى منزلها, كنتُ متحمسة لقضاء بعض الوقت مع صديقتي.. لكن عندما ترجلت من السيارة لاحظت شابًا يقف بانتظارنا أمام المنزل.. كان فرناندو, شقيق شانا, ينتظرنا بابتسامة ترحيب.. شعرت بسرعة أن شانا خططت لهذا اللقاء لجعلي أتعرف أكثر على شقيقها..

 

دخلنا إلى المنزل, وتبادلت الحديث مع فرناندو الذي كان يحاول جاهدًا جذب انتباهي.. كان يروي لي قصصًا مضحكة حصلت معه في عمله ويسألني عن اهتماماتي في الحياة.. محادثته كانت سلسة ومرحة, لكنهُ كان يحاول التقرب مني بشكل واضح.. رغم ذلك, لم أشعر بأي انجذاب نحوه واعتبرته كصديق لا أكثر..

 

خلال الغداء, كان بينيتو يتصل بي مرارًا وتكرارًا, لكن كنتُ أفصل المكالمة دون الرد عليه, مما جعلني أشعر بالقلق والتوتر.. حاولت التظاهر بالاستمتاع بالطعام والحديث مع فرناندو, لكن أفكاري كانت مشغولة بـ بينيتو وسبب اتصالاته المتكررة.. هل هو بخير؟...

 

مع مرور الوقت, بدأت الشمس تغيب وأخذ الليل يقترب.. شعرت شانا بالتعب وادعت ذلك بوضوح, إذ طلبت من شقيقها فرناندو أن يصطحبني إلى منزلي.. أدركت بسرعة أن شانا تحاول جعلي أتقرب من شقيقها, لكن لزمت الصمت احترامًا لها..

 

عندما أوقف فرناندو سيارته أمام منزلي, سألني بابتسامة متوترة

 

" لينيا, هل توافقين على الذهاب برفقتي إلى أحد المطاعم لتناول وجبة العشاء غدًا؟ "

 

ابتسمت بشكل رسمي واعتذرت منهُ بلطف, قائلة

 

" أشكرك على الدعوة, فرناندو, لكن لدي التزامات غدًا "

 

ثم شكرتهُ بسرعة وترجلت من سيارته.. ولكن قبل أن أدخل إلى منزلي, نادى فرناندو باسمي.. استدرت لأرى فرناندو يترجل من سيارته ويقترب بسرعة ويقف أمامي.. تأملني بنظرات متوترة ثم قال بصراحة

 

" لينيا, أنا معجب بكِ حقًا وأريد أن أتقرب منكِ أكثر "

 

شعرت بالدهشة وأجبته بتوتر

 

" فرناندو, أنا متفاجئة من صراحتك, لكن... "

 

قاطعني فرناندو قائلاً بلطف

 

" أرجوكِ, لا ترفضي.. فقط أعطيني فرصة, فكري بجدية, وأعطيني جوابكِ قريبًا "

 

ترددت للحظة ثم قلتُ لهُ بسرعة حتى أجعلهُ يذهب

 

" سأفكر في الموضوع "

 

ولكن طبعاً جوابي سيكون الرفض.. فجأة, اقترب فرناندو وعانقني.. ووسط ذهولي الشديد قبلني على جبيني برقة, ثم ابتعد عني وقال مبتسمًا

 

" أنا سعيد لأنكِ ستفكرين في الأمر.. ليلة سعيدة, لينيا " ثم استدار وذهب تاركًا إياي أمام باب منزلي وأنا أنظر بذهول أمامي..

 

بعد رحيله, دخلت لينيا إلى منزلها وهي تفكر كيف سترفض عرض فرناندو بطريقة لبقة حتى لا تجعل صديقتها شانا تحزن..

 

ولكن لم تكن لينيا تدرك أن الطالب فالديس كان يراقبها من بعيد, وقد قام بتصوير اللحظة التي عانقها فيها فرناندو وقبلها على جبينها, واضعًا خطة في ذهنه لاستغلال هذا الموقف لاحقًا.. ولم تكن لينيا تعرف ما قد يحدث نتيجة هذه الصور..

 

كانت لينيا تستعد للنوم في غرفة والديها, مستلقية على السرير في محاولة للراحة بعد يوم طويل ومليء بالأحداث.. فجأة, سمعت صوت باب منزلها ينفتح, تلاه صوت بينيتو يهتف بغضب جنوني

 

" لينيا.. أين أنتِ؟ لينيا!... "

 

نهضت بسرعة وارتديت روب قميص النوم, وبينما كنتُ على وشك الخروج من الغرفة دخل بينيتو ووقف أمامي وعيناه تشتعلان بالغضب..

 

شعرت بخوف شديد من نظراته الغاضبة وتوترت بشدة.. سألته بصوت مرتجف

 

" بينيتو, هل أنتَ بخير؟ لماذا أنتَ غاضب هكذا؟ "

 

اقترب بينيتو مني بسرعة وأمسك كتفاي وشرع يهزني بقوة وهو يهتف بجنون

 

" من هو الرجل الذي كنتِ برفقتهِ الليلة؟ ولماذا لم تُجيبي على جميع مكالماتي؟ هل بسبب ذلك الرجل الحقير؟ كيف سمحتِ لهُ بلمسكِ؟ تكلمي واللعنة.. من يكون ذلك الرجل؟ هل هو حبيبكِ؟ لماذا كذبتِ عليّ وقلتِ لي بأنهُ ليس لديكِ حبيب؟ تكلمي واللعنة "

 

دفعت بينيتو بعيدًا عني بقدر ما أستطيع, وهتفت بوجهه بغضب

 

" هل كنتَ تُراقبني؟ هل فقدتَ عقلك لتفعل ذلك؟ "

 

نظرت إليه بخيبة أمل كبيرة, وتابعت هاتفة بغضب

 

" تريد أن تعرف من هو ذلك الرجل؟ حسناً, هذا ليس من شأنك, لا دخل لك بحياتي الشخصية.. اخرج من منزلي حالاً "

 

لكن بينيتو لم يستسلم.. اقترب مني بخطوات بطيئة ونظراته أرعبتني حتى الموت.. قبل أن يصل إليّ حاولت الهروب منه, لكنهُ أمسك بي وعانقني بقوة, حاولت مقاومته لكنهُ همس بغضب وهو ينظر إليّ بشر

 

" أنتِ لي.. أنتِ مُلكي.. ولن أسمح لأي رجل بلمسكِ سواي "

 

ثم حاول تقبيلي بقوة.. صرخت وحاولت مُقاومته وإبعاد وجهي عن وجهه.. قاومته بكل قوتي لكن صرخة مكتومة خرجت من حُنجرتي عندما مزج بينيتو شفتيه بشفتي وقبلني بقوة وبقسوة مؤلمة..

 

تساقطت دموعي على وجنتاي بينما كان بينيتو يُقبلني بوحشية فائقة.. قاومته بشراسة واستطعت دفعهُ بعيداً عني..

 

عندما ابتعد عني, رفعت يدي وصفعته بكامل قوتي.. كنتُ أبكي بمرارة عندما هتفت بوجهه بشكل هستيري

 

" أكرهُك.. أنا أكرهُك بينيتو ثياجو, ولا أريد رؤيتك مرة أخرى.. وإن حاولتَ التقرب مني أو لمسي مجددًا, سأبلغ الشرطة عنك "

 

ثم اقتربت منه, وبحثت في سترته حتى وجدت النسخة التي يمتلكها عن مفتاح منزلي وأخذتُها منه.. دفعت بينيتو خارج الغرفة بقوة بينما كنتُ أهتف بجنون وببكاء

 

" أنتَ مُجرد طالب في الجامعة, لا تجمعنا أي علاقة.. هل فهمت؟ لا تجمعنا أي علاقة "

 

ثم جعلته يخرج من المنزل, وقلتُ لهُ بحقد

 

" لا أريد رؤيتك مرة أخرى أمام منزلي " وأغلقت الباب بوجهه بقوة..

 

أسندت ظهري على الباب وبدأت أبكي بتعاسة.. سمعت بينيتو يهتف بغضب ثم برجاء

 

" لينيا, افتحي الباب! دعيني أشرح لكِ.. أنا آسف, لم أقصد إخافتكِ.. لينيا!... "

 

مسحت دموعي وهتفت بغضب حتى يسمعني

 

" ابتعد عن منزلي وإلا اتصلت بالشرطة "

 

صعدت إلى غرفتي وأنا أشعر بالانهيار, كان هاتفي يرن ولم يكن المتصل سوى بينيتو.. فصلت المكالمة وقمت بحظر رقمه, ثم تسطحت على السرير وبدأت أبكي بمرارة.. لمست شفتاي بأصابعي المُرتعشة وبكيت بشدة بسبب تصرف بينيتو الطائش.. لقد سرق قبلتي الأولى..

 

شعرت بالحزن الشديد بسبب تصرفهِ المُستهتر, وقررت بتصميم أنني لن أسمح له بالتقرب مني بعد الآن بأي شكل كان..

 

كنتُ أشعر بالألم والخيانة, ولكن عرفت أنني أحتاج إلى الحفاظ على قوتي والاستمرار في حياتي دون أن أترك مجالًا لأحد ليؤذيني مجددًا..

 

في اليوم التالي, كانت لينيا تتجه نحو الجامعة كعادتها, تحاول التركيز على مهامها ونسيان أحداث الليلة الماضية.. لكنها تجمدت في مكانها عندما رأت بينيتو يقترب منها بسرعة.. قلبها بدأ ينبض بعنف, وشعرت بالخوف والقلق يجتاحانها.. بسرعة, تحركت في الاتجاه المعاكس وذهبت نحو زملائها الأساتذة, محاولًة الاندماج في حديثهم لتهرب من المواجهة مع بينيتو..

 

على مدى يومين, كانت لينيا تتجنب بينيتو بحذر, تتفادى الأماكن التي يمكن أن يتواجد فيها, وتحرص على البقاء برفقة الآخرين قدر الإمكان.. كانت تشعر بالارتياح كلما مر يوم دون أن تواجهه, لكن القلق كان يراودها في كل لحظة, إذ كانت تعلم أن الأمر لن يبقى هكذا طويلاً..

 

بعد مرور ثلاثة أيام على تلك الحادثة, وفي المساء, كانت لينيا تجلس على الكرسي في غرفة الصالون, وهي تحاول الهروب من أفكارها الحزينة, لكنها لم تستطع فعل ذلك..

 

تنهدت بتعاسة بينما كنتُ أُفكر..


رواية المتادور - فصل 28 - مأساة الماضي

 

لقد مضى شهر وأسبوع على بدء العام الدراسي في الجامعة.. كانت هذه الفترة الأسوأ في حياتي كلها.. وبينما كنتُ أُفكر بحزن, فجأة سمعت صوت باب منزلي ينفتح.. رفعت رأسي ونظرت أمامي بفزع, شعرت بذعر, وبدأت الأفكار تُداهمني.. كنتُ متأكدة بأنني أغلقت الباب بإحكام, ولا يمكن أن أكون قد تركته مفتوحًا..

 

بدأت الأفكار تتسابق في عقلي, وخطر ببالي أن بينيتو هو من دخل إلى منزلي, ربما لديه نسخة أخرى عن المُفتاح.. وقفت بسرعة وهمست بخوف وتوتر

 

" بينيتو؟ هذا أنت؟ "

 

ولكن تجمدت في مكاني بذعر عندما رأيت ثلاثة رجال يدخلون إلى الصالون وهم يضعون أقنعة على وجوههم..

 

ارتجفت من الخوف بينما كنتُ أنظر إليهم بفزع.. بلعت ريقي بقوة وصرخت بذعر

 

" من أنتم؟ إن كنتم لصوصًا, فأنا فقيرة ولا أمتلك أي شيء يستحق السرقة.. أرجوكم أخرجوا من منزلي وأعدكم بأنني لن أتصل بالشرطة "

 

لكن الرجال الثلاثة لم يردوا عليّ.. ومن نظراتهم خلف الأقنعة عرفت نواياهم السيئة..

 

ارتعش جسدي بقوة عندما سمعت أحد الرجال الثلاثة يقول بنبرة خبيثة

 

" هل ترون ما أراه؟ إنها جميلة جداً.. ما رأيكم أن نستمتع بمضاجعتها أولاً؟ "

 

ارتعشت كل خلية في جسدي عندما سمعت ما قاله وسمعت موافقة الرجلين برفقته..

 

اقترب الرجال الثلاثة مني بخطوات بطيئة.. في هذه اللحظة استفقت من صدمتي وهتفت بذعر وبجنون

 

" لا تقتربوا مني يا كلاب.. النجدة.. ساعدوني.. ليساعدني أحد.. "

 

حاولت الهروب منهم, لكنهم استطاعوا مُحاصرتي وأمسكوا بي بقوة.. بدأت أركلهم بجنون وأُحرك يداي أمامي بشكل هستيري وأنا أُحاول إبعادهم عني.. لكنهم رفعوا جسدي عاليا ورموني بقوة على الأرض..

 

صرخت بألمٍ شديد عندما ارتطم ظهري ورأسي بقوة على الأرض, وبدأت أبكي بشكلٍ هستيري عندما حاصروني الرجال الثلاثة وبدأوا بتمزيق سترتي..

 

قاومتهم بشدة بينما كنتُ أصرخ بجنون طلباً للنجدة.. وبينما كانوا يحاولون التعدي عليّ صرخت بجنون وبدأت بركلهم وعضيت يد الرجل الذي يجلس على ركبتيه ناحية اليمين بجانبي.. شتم ذلك الرجل بغضب ثم صفعني بقوة على وجنتي..

 

بكيت بانهيار وبدأت بشتمهم وأنا أصرخ بجنون.. لن أستسلم.. كان من المستحيل أن أستسلم.. كنتُ أُفضل الموت في هذه اللحظة على أن أسمح لهم باغتصابي..

 

ولكن برعب يفوق تحملي أمسك أحد الرجال الثلاثة قميصي وحاول تمزيقها.. ولكن في هذه اللحظة, سمعت صرخة غاضبة جنونية

 

" لينياااااااا... أتركوها أيها الملاعين... "

 

لدهشتي الكبيرة رأيت الرجال الثلاثة يبتعدون عني بسرعة ثم وقفوا.. رفعت رأسي, وبينما كنتُ أبكي بشدة رأيت بينيتو يدخل إلى الصالون وهو يصرخ بغضب شديد

 

“ سأقتلكم يا كلاب.. لن أرحمكم... "

 

وبدأ بينيتو بضرب الرجال الثلاثة.. تحركت بهدوء ووقفت بخوف أنظر إلى بينيتو وهو يتقاتل مع الرجال الثلاثة بشراسة.. كنتُ خائفة جداً, خائفة على نفسي وعلى بينيتو..

 

رأيت بينتو يرمي الرجل الأول بعيداً ثم الثاني.. ثم رأيته يضرب الرجل الثالث بعنف وهو يهتف بجنون

 

" أيها الوغد اللعين.. ابن السافلة.. سأقتلك بنفسي.. هذا لم يكن ما اتفقنا عليه.. لقد طلبت منك إخافتها وليس أن تغتصبها أيها القذر.. أرسلتكم حتى تُخيفوها, وليس لتغتصبوها "

 

تجمدت بصدمة كبيرة عندما سمعت ما قاله بينيتو.. نظرت إليه بحزن وألم كبير, شعرت أن الأرض تهتز تحت قدماي.. شعرت بالهواء يختفي من حولي.. شعرت بأنني أختنق.. كيف يمكن لإنسان أن يفعل شيئاً كهذا؟ شعرت بالألم والغضب والخيبة تتشابك في قلبي.. لم أعُد أعرف من هو بينيتو, الشخص الذي ظننت في لحظة أنهُ يمكن أن يكون صديقاً حقيقياً لي..

 

نظرت إليه بحزن وألم كبير, غير قادرة على استيعاب ما حدث.. كنتُ أعرف أن بينيتو كان غاضبًا بسبب تجاهلي له, ولكن لم أتخيل أبدًا أنه سيذهب إلى هذا الحد..

 

بينما كان بينيتو يتصارع مع الرجال الثلاثة, ظللت واقفة في مكاني عاجزة عن الحركة, دموعي تسيل على وجنتاي بكثرة.. كنتُ أسمع صرخات بينيتو وأصوات الضرب, لكن لم أستطع فعل شيء..

 

وبينما كنتُ جامدة في مكاني بصدمة كبيرة, سمعت بألمٍ كبير بينيتو يهتف بغضب جنوني وهو يُتابع ضرب الرجال الثلاثة

 

" لقد دفعت لك مبلغا كبيراً حتى تُخيفها أيها القذر.. لقد أمرتُك بعدم لمسها بأي شكلٍ كان أيها اللعين.. لكنك خالفتَ تعليماتي كلها.. سأقتلك بنفسي الآن "

 

اهتز جسدي بقوة بينما كنتُ أبكي بألم وبحزن وبصدمة كبيرة.. كل ما كنتُ أُفكر فيه هو كيف يمكن لشخص أن يلجأ إلى هذا النوع من الأساليب, وكيف أنني كنتُ مجرد لعبة في يديه..

 

 

بينيتو**

 

في المساء, كان بينيتو يسير ببطء باتجاه المبنى الضخم الفخم حيث تقع شقته, تفكيره مشوش وحزين.. تساؤلات كثيرة تدور في ذهنه حول سبب تجاهل لينيا لاتصالاته اليوم.. كان يشعر بالقلق الشديد عليها, ولم يرغب في الذهاب إلى منزلها حتى لا يثير غضبها.. قرر أنه سيذهب غدا ليتحدث معها ويعرف الأسباب خلف هذا التجاهل..

 

بينما كان يسير نحو المبنى, اقترب منه فالديس بسرعة ووقف أمامه وقال له بنبرة حزينة مصطنعة

 

" بينيتو, مساء الخير.. أحتاج أن أتكلم معك بموضوع هام جداً "

 

نظرت إليه بملل قائلاً

 

" تكلم, ما هو الأمر الهام؟ "

 

بملامح حزينة, قال فالديس

 

" منذ ساعة تقريبا, بينما كنتُ ذاهباً لرؤية أصدقائي في إحدى الحانات, رأيت بالصدفة البروفيسورة لينيا هارفين برفقة حبيبها أمام منزلها وهي تُقبله.. لم أذهب لرؤية أصدقائي إذ كان يجب أن أُخبرك بما رأيته "

 

توسعت عيناي ونظرت إليه بذهول شديد.. شعرت بالغضب يعصف بداخلي.. اقتربت منهُ بسرعة وأمسكت ياقة قميصه وجذبتهُ نحوي بقوة ونظرت في عمق عيناه بغضب جنوني, وهتفت بوجهه بحدة

 

" ماذا قلت أيها اللعين؟ "

 

تأملني فالديس بنظرات خائفة وقال بصوتٍ مُنخفض

 

" لقد رأيت البروفيسورة لينيا تخرج من منزلها الليلة برفقة عشيقها وقبلته بحميمة قبل أن تودعه "

 

احترقت دمائي من جراء الغضب.. نظرت إليه بحقد وهتفت بجنون بوجهه

 

" توقف عن الكذب أيها القذر.. ولا تلفظ اسم لينيا على لسانك بعد الآن "

 

أبعد فالديس قبضتي عن ياقته وقال بجدية

 

" أنا لا أكذب عليك, ثم لدي دليل على صحة كلامي "

 

رفع فالديس هاتفهُ أمام وجهي وجعلني أرى صور لينيا مع رجل آخر.. نظرت بذهول وصدمة إلى الصور, بينما تابع فالديس قائلاً

 

" هذا الرجل هو حبيب البروفيسورة, وهذه ليست المرة الأولى التي أراها معه "

 

نظرت بذهول إلى فالديس, الذي قال بحزن مصطنع

 

" بينيتو, عليك نسيان البروفيسورة, فهي لديها حبيب "

 

سلم بينيتو الهاتف لصديقه وركض مُسرعاً باتجاه موقف السيارات, دون أن يرى النظرات الخبيثة لـ فالديس أو يسمعه يقول بحقد وبنبرة خبيثة

 

" سأدمر بينيتو قريباً وأجعلهُ خاتماً في إصبعي "

 

شعرت بالغيرة تقتلني وبالغضب ينهش عظامي.. فقدت السيطرة على نفسي بينما كنتُ أقود سيارتي باتجاه منزل البروفيسورة.. كنتُ على وشك قتل أحدهم الآن بسبب غيرتي الجنونية على لينيا.. كان كل عصب في جسدي يرتعش ويحترق بسبب الغيرة..

 

ولفترة يومين حاولت رؤية لينيا والتحدث معها, لكنها كانت تتجنبني باستمرار ولا تسمح لي برؤيتها, خاصة بعد أن ذهبت إلى منزلها في المساء الذي جعلني فالديس أرى تلك الصور وتصرفت  بطريقة طائشة مع جميلتي وقبلتُها.. كنتُ أشعر بأنني ضائع بسبب تهرب لينيا من رؤيتي خلال هذين اليومين المتتالين..

 

خلال هذه الفترة, كان فالديس يُراقب بينيتو وهو يُفكر بشر كيف يستطيع استغلال هذا الوضع..

 

اغتنم فالديس الفرصة وذهب إلى منزل بينيتو قائلاً له بحزن مصطنع

 

" لا يعجبني أن أراك في هذا الوضع, بسبب بروفيسورة مغرورة وكاذبة "

 

نظرت إليه بحزن وسألته

 

" ماذا تريد فالديس؟ تكلم بوضوح "

 

تأملني فالديس بنظرات حزينة ثم تنهد بعمق وقال بجدية

 

" عليكَ أن تجعل لينيا هارفين تدفع ثمن خيانتها لك وكذبها عليك.. انتقم منها لأنها تستحق "

 

نظرت إليه بسخرية وأجبتهُ بالرفض القاطع قائلا

 

" لا, من المستحيل أن أقوم بأذية لينيا بأي شكلٍ من الأشكال "

 

لكن فالديس قال بسرعة مُحاولا إقناع بينيتو

 

" ومن قال بأنك ستؤذيها جسدياً.. من الضروري أن تنتقم منها من أجل كرامتك.. أنا أعلم بأنك تُحبها وبأنها كانت تستغلك بينما لديها حبيب.. بروفيسورة لينيا لن تتأذى, فقط سيتم تخويفها وتهديدها "

 

وسط ضعفي وحزني, سألتهُ بهمس

 

" كيف سنفعل ذلك بها؟ "

 

أجاب فالديس بنبرة خبيثة لم ينتبه لها بينيتو

 

" أعرف ثلاثة رجال من أفراد عصابة صغيرة, سأطلب منهم الذهاب إلى منزل البروفيسورة وإخافتها مقابل مبلغ بسيط من المال "

 

بسبب حُزني وقلبي المحطم, وبلحظة ضعف وافقت على اقتراح فالديس, لكن قلتُ لهُ بتصميم

 

" أريد رؤية هؤلاء الرجال والتكلم معهم أولاً "

 

وافق فالديس بسرعة على ذلك.. بعد مرور ساعة, اجتمع بينيتو مع الرجال الثلاثة وسلمهم مبلغاً من المال وطلب منهم إخافة البروفيسورة فقط وعدم لمسها بأي شكل كان.. ولكن بعد مغادرة الرجال برفقة فالديس, شعر بينيتو بالندم, لكن قلبه كان مجروحاً من لينيا.. ولكن بسبب حُبه الكبير لها قرر أن يذهب إلى منزل لينيا ويراقب من بعيد ما يحدث حتى يتأكد بأنها ستكون بخير رغم حزنه وغضبه منها..

 

في المساء, جلس بينيتو في سيارته بعيداً عن منزل لينيا, يراقب بقلق وحزن.. عندما رأى الرجال يقتربون من المنزل, شعر بمزيج من الغضب والندم.. أراد التأكد من أنها ستكون بخير رغم كل شيء..

 

مسحت وجهي بتوتر وهمست بندم شديد

 

" إلهي, ما الذي فعلته؟ يجب أن أوقفهم بسرعة "

 

أمسكت هاتفي واتصلت بصديقي فالديس لكنهُ لم يجب على المُكالمة.. توسعت عيناي بذعر عندما رأيت الرجال يدخلون إلى المنزل بعد أن استطاعوا فتح قفل الباب بمهارة..

 

ترجلت بسرعة من السيارة, لكن تجمدت فجأة في مكاني عندما رأيت من نافذة الصالون لينيا تقف مذعورة وهي تحاول الهروب من الرجال الثلاثة.. ثم شاهدت بذعر الرجال الثلاثة يهجمون على لينيا وهم يحاولون التعدي عليها..

 

" لينياااااااااااا.... "

 

صرخت بجنون باسمها وركضت مُسرعاً باتجاه المنزل.. اقتحمت المنزل وأنا أصرخ بجنون

 

" لينياااااااا... أتركوها أيها الملاعين... "

 

دخلت إلى الصالون وباندفاع هجمت على الرجال الثلاثة وبدأت بضربهم وأنا اهتف بجنون وبغضب أعمى عليهم..

 

 

لينيا هارفين**

 

عندما توقف بينيتو عن ضرب الرجال الثلاثة, استدار ونظر إلى لينيا بندم وحزن كبيرين.. كانت عيناه تملؤها الدموع, ورغبته في تصحيح الخطأ الذي ارتكبه كانت واضحة في كل حركة من حركاته.. حاول بينيتو الاقتراب منها, ولكنه شعر بخوفها وارتعاشها..

 

وقف بينيتو جامداً في مكانه وهو ينظر إلى لينيا بعينين مليئتين بالندم والأسى, وكل ما أراده في هذه اللحظة هو أن يشرح لها ويجعلها تفهم ما حدث..

 

حاول بينيتو الاقتراب مني والتكلم معي, لكن رفعت كلتا يداي أمامه وقلتُ لهُ بصوت مهزوز

 

" لا تقترب مني.. لا تقترب... "

 

تجمد بينيتو في مكانه, وملامحه تعكس الأسى.. ندمه وحزنه يزدادان كلما نظرت إليه لينيا بعينين تملؤها الدموع.. بلع ريقهُ بقوة وهمس بألم وبندم حقيقي

 

" لينيا, أنا آسف, لم أكن أقصد أن يحدث كل هذا.. أرجوكِ, سامحيني.. دعيني أشرح لكِ لو سمحتِ ما حدث "

 

حاول أن يعتذر منها, أن يشرح لها ما حدث, ولكن الكلمات كانت تختنق في حلقه..

 

بدأت دموع لينيا تتساقط بحزن على وجنتيها الشاحبتين.. هزت رأسها بالرفض وقالت بألم

 

" لا أريد سماع أي تفسير منك.. أخرج من منزلي, وخذ هؤلاء الرجال معك.. لا أريد أن أراك, ولا أريد أن تتكلم معي مرة أخرى "

 

فجأة, رأيت بذعر أحد الرجال يقف عن الأرض وهو يمسك كرسيًا ويرفعه بكلتا يديه.. نظرت إلى بينيتو وصرخت بذعر

 

" بينيتو.. انتبه... "

 

لكن كان الأوان قد فات.. تلقى بينيتو الضربة على رأسه وسقط على الأرض شبه فاقد للوعي..

 

وقف الرجال الثلاثة وبدأوا بركل بينيتو وهم يتوعدون له بالانتقام لأنه ضربهم.. اقتربت منهم وحاولت دفعهم بعيداً عن بينيتو وأنا أصرخ بفزع

 

" اتركوه.. لا تؤذوه.. أرجوكم, لا تؤذوه... "

 

تقفوا عن ضرب بينيتو لكنهم وقفوا ينظرون إليّ بنظرات أرعبتني للموت.. نظرت إليهم بذعر ثم استدرت وركضت مُبتعدة عنهم.. ركضت باتجاه الأريكة وسحبت هاتفي عنها ثم ركضت مُسرعة باتجاه السلالم..

 

لكن قبل أن أصعد السلالم أمسك رجل بخصلات شعري وسحبني بقوة إلى الخلف.. صرخت بألم كبير عندما صفعني ذلك الرجل وسحب هاتفي من يدي ورماه بعيدا ليسقط على الأرض..

 

بدأت أصرخ بجنون وأنا أقاومه وأحاول إبعاد يديه عن شعري, لكنهُ بدأ يجرني بالقوة داخل الصالون ثم رماني بعنف لأقع أمام جسد بينيتو والذي كان ما يزال على الأرض وهو يُحارب إغمائه..

 

حاولت التحرك بسرعة والوقوف, لكن دفعني رجل بعنف إلى الخلف ثم جلس على ساقاي وأمر رفاقه بتثبيت ذراعاي..

 

نظرت إليهم بذعر وبدأت أصرخ بجنون عندما أمسكوا ذراعاي وثبتوها على الأرض وهم يضحكون باستمتاع..

 

تساقطت دموعي بغزارة على وجنتاي بينما كنتُ أنظر إلى بينيتو بفزع.. شهقت بقوة وصرخت بعذاب

 

" ساعدني أرجوك, لا تسمح لهم بلمسي.. أرجوك, بينيتو, ساعدني... "

 

ثم أغمضت عيناي وصرخت بجنون عندما بدأ رجل بفك أزرار سروالي.. حاولت التحرك, حاولت المُقاومة, ولكن ذلك كان مُستحيلاً.. بكيت بمرارة بينما كنتُ أصرخ حتى يبتعدوا عني وكنتُ أطلب النجدة..

 

قاومت لينيا الرجال الثلاثة وهي تصرخ وتبكي بمرارة وخوف, لكنهم كانوا أقوى منها.. وقف بينيتو بصعوبة رغم الألم الشديد في رأسه, وهجم على الرجال الثلاثة مزيلاً إياهم عن لينيا بكل قوته..

 

شعرت بهم يبتعدون عني فجأة, فتحت عيناي ورأيت بسعادة بينيتو يتقاتل معهم رغم ضعفه.. زحفت مُبتعدة عنهم, ثم نظرت في أرجاء الغرفة أبحث عن هاتفي.. وعندما وجدته شهقت بسعادة ثم وقفت وركضت وسحبت هاتفي عن الأرض..

 

ولكن, قبل أن أقوم بالاتصال بالشرطة, نظرت أمامي ورأيت بذعر كبير لا مثيل له أحد الرجال يُخرج سكين تيتانيوم على شكل فراشة من جيب بنطاله.. فتح السكين وهجم على بينيتو, الذي لم يكن قادراً على الدفاع عن نفسه بشكل كامل..

 

نظرت إلى بينيتو وهتفت بجنون وبملء صوتي

 

" بينيتو, احترس... "

 

ولكن, تساقطت دموعي بغزارة على وجنتاي عندما رأيت ما حدث...


رواية المتادور - فصل 28 - مأساة الماضي

 

" بينيتو.. لاااااااااااااااااااااا... "

 

صرخت باسم بينيتو بشكل هستيري عندما طعنه الرجل ثلاث طعنات في جسده, ثم فروا الرجال الثلاثة هاربين من منزلي..

 

تجمدت بذعر لا يوصف بينما كنتُ أرى بينيتو يضع كلتا يديه على معدته, بينما الدماء كانت تخرج بغزارة من جسده.. رأيت جسد بينيتو يميل إلى الأمام ثم إلى الخلف, ثم رأيتهُ بفزع كبير يسقط على الأرض بقوة...

 

" بينيتو.. لااااااااااااااا.... "

 

صرخت بهستيرية باسمه وركضت إليه.. جثوت على ركبتاي أمام جسده ورأيتهُ بخوف وهو يلهث ويعاني من الألم بينما كان ينظر إليّ بحزن وبألم وبصدمة...


رواية المتادور - فصل 28 - مأساة الماضي
 

خرج أنين متألم من بين شفتاي وهمست لهُ ببكاء

 

" لا تخف, ستكون بخير.. ستكون بخير "

 

أمسكت هاتفي ورأيت بذعر البطارية على وشك النفاذ.. شتمت بقهر واتصلت بالإسعاف, وعندما تلقوا المُكالمة هتفت بذعر وأنا أبكي

 

" أرجوكم, ساعدوني, لقد طعنوه أمامي.. هو يتألم وينزف بشدة.. اتبعوا رقم هاتفي لتعرفوا العنوان, أرجوكم, يجب أن تنقذوه.. "

 

رميت هاتفي جانباً دون أن أُنهي المُكالمة.. نظرت إلى بينيتو بينما كنتُ أبكي بشدة.. نظرت إلى وركه ورأيت بذعر كمية ضخمة من الدماء تخرج من جُرح عميق في وركه.. شهقت بذعر ووضعت يدي على الجُرح في وركه ويد على جُرح في معدته لمُحاولة وقف النزيف..

 

" بينيتو, لا تُغمض عينيك, أنظر إليّ, لا تخف, أنا هنا معك.. هل تسمعني؟ "

 

هتفت ببكاء بتلك الكلمات بينما كنتُ أضغط على جروحه لمُحاولة إيقاف النزيف, بينما الدموع كانت تغمر وجهي وتملأ عيناي باليأس والخوف..

 

وفي هذه اللحظات كانت البطارية قد فرغت وانطفأ هاتف لينيا الخلوي..

 

تنفس بينيتو بضعف, ورأيت دموعه تسيل على وجنتيه الشاحبتين.. وسمعتهُ بعذاب يهمس بألم وبخوف قائلاً لي

 

" أنا آسف, سامحيني.. أنا خائف, لا أريد أن أموت... "

 

تساقطت دموعي أكثر عندما سمعتهُ يقول ذلك لي.. شهقت بقوة وقلتُ لهُ ببكاء

 

" أنتَ لن تموت, لن تموت.. ستكون بخير.. لا تخف.. سوف يصلون رجال الإسعاف بعد قليل ويُساعدونك "

 

تساقطت دموعه أكثر على وجنتيه, وسمعتهُ بألم كبير يقول

 

" أحبكِ سنيوريتا.. أُحبكِ.. سامحيني, لم أقصد أذيتكِ "

 

ارتعش فكي بقوة وهمست قائلة لهُ ببكاء

 

" وأنا أُحبك.. لقد سامحتُك.. فقط تنفس بهدوء ولا تُحاول التكلم كي لا تتألم "

 

هز بينيتو رأسهُ بضعف بالرفض, ثم شهق بألم وقال بصوتٍ مُختنق

 

" سأموت.. أشعر بالبرد الشديد.. "

 

هززت رأسي بالرفض بينما كنتُ أبكي بمرارة.. سمعت بينيتو يُتابع بألم قائلاً

 

" شعرت بالغيرة عندما جعلني فالديس أرى صوركِ مع ذلك الرجل.. سامحيني لأنني أرسلت هؤلاء الرجال لإخافتكِ.. ما كان يجب أن أُرسلهم لإخافتكِ, سامحيني جميلتي.. "

 

شهقت بقوة وأجبتهُ ببكاء

 

" لقد سامحتُك.. أرجوك, اهدأ الآن.. سوف تكون بخير و... "

 

لدهشتي رفع بينيتو يدهُ التي كان يضعها على الجُرح الثاني في معدته, ووضع يدهُ فوق يدي, وقال بخوف وهو يبكي

 

" يجب أن تهربي جميلتي, سوف يبحثون عنكِ وينتقمون منكِ و.. "

 

ظننتهُ يُكلمني عن الرجال الثلاثة المُلثمين الذين دخلوا إلى منزلي.. قاطعتهُ قائلة بثقة وأنا أبكي

 

" لقد هربوا, لا تقلق, أنا متأكدة بأنهم لن يعودوا إلى هنا "

 

هز بينيتو رأسهُ بالرفض, ثم تأملني بضعف قائلا

 

" ليس هم, بل عائلتي.. يجب أن تهربي قبل أن يجدوكِ "

 

لم أفهم ما كان يقصده, ظننتهُ يهذي.. بكيت بألم وهمست لهُ ببكاء قائلة

 

" لن أهرب إلى أي مكان, سأبقى معك, لن أتركك "

 

نظر بينيتو إليّ بعينين مليئتين بالندم والحزن, ثم أغمض عينيه ببطء.. صرخت اسمه بذعر, ثم رفعت يدي التي كنتُ أضعها على الجُرح في معدته, أمسكت فكهُ وهززت رأسهُ بقوة, وهتفت وأنا أبكي بفزع

 

" لا بينيتو, افتح عينيك وانظر إليّ.. أنظر إليّ.. أرجوك, لا تتركني.. لا تتركني الآن... "

 

شهقت براحة عندما رأيته يفتح عينيه بضعف ونظر إليّ بنظرات ضعيفة وحنونة, وحزينة.. ثم سمعتهُ يهمس بأنفاس مُتقطعة

 

" لا تبكي جميلتي, دموعكِ تؤلمني كثيراً "

 

خرج أنين متألم من بين شفتاي ولم أستطع السيطرة على دموعي التي انهمرت أكثر على وجهي الشاحب.. سمعت بينيتو يُتابع قائلا بضعف

 

" أعلم بأنني سأموت الآن, وهذا جزاء ما فعلتهُ بكِ حبيبتي.. أشعر بالحزن لأنني لن أكون معكِ وأحميكِ.. أستحق ما حدث لي الآن, ولكن أنا أحبكِ لينيا.. لا تحزني بسببي.. أريدُكِ أن تعيدني بأنكِ لن تبكي, وبأنكِ سوف تكونين سعيدة وقوية.. و... "

 

قاطعتهُ بسرعة قائلة ببكاء مرير

 

" لن تموت, سوف تتحسن.. أنتَ لن تموت الليلة.. كما أعدُك بأنني لن أبكي, وسأكون سعيدة كما طلبتَ مني الآن.. ستكون معي وسنضحك بمرح عندما نتذكر ما حدث في هذه الليلة.. سنذهب إلى شاطئ البحر مثل العادة ونمشي على الرمال و... "

 

رفع بينيتو يده ووضعها بضعف على فمي ليجعلني أصمت.. نظرت إليه بدهشة عندما رأيتهُ يبكي وهو ينظر إليّ ويقول بصوت بالكاد سمعته

 

" لا تُخبري شقيقي بما فعلته.. لا أريدهُ أن يكرهني بعد موتي.. أرجوكِ, لينيا, لا تُخبريه بما فعلته.. لا أريدهُ أن يحزن بسببي.. يجب أن تهربي, فهو سيجدكِ وينتقــ.. "

 

قاطعتهُ قائلة بسرعة وأنا أمسك يدهُ وأضعها على قلبي

 

" لن يعرف أحد بما حدث الليلة.. لن يعرف أحد بأي شيء حدث بيننا, أعدُك بذلك.. سوف تتحسن بينيتو, وبعدها سنتكلم بكل شيء و... "

 

سمعت صوت صفرات سيارات الشرطة والإسعاف تقترب من منزلي.. نظرت إلى بينيتو وقلتُ لهُ بسعادة

 

" لقد وصلوا.. سوف يهتمون بك.. ستكون بخير.. أرجوك, اصمد "

 

تساقطت دموع بينيتو أكثر على وجنتيه, ثم رأيتهُ بفزع يسعُل بضعف ويبسق الدماء من فمه.. نظرت إليه بخوف وسمعتهُ يقول بضعف

 

" أحبكِ لينيا هارفين.. سامحيني.. "

 

كنتُ سأقول لهُ بأنني بالفعل سامحته لكن لم أستطع فعل ذلك إذ سمعت ضجيج في منزلي وصوت خطوات رجال الشرطة ورجال الإسعاف تقترب من الصالون..

 

فجأة تم سحبي بعيداً عن بينيتو.. ودون أن أتوقف عن النظر إلى بينيتو بينما رجال الإسعاف يُحاوطونه, سمعت شرطي يسألني بقلق

 

" سنيوريتا, أنتِ بخير؟ هل أنتِ مصابة كذلك؟ يوجد دماء على ملابسكِ "

 

رأيت رجال الإسعاف يضعون بينيتو على سرير نقال وخرجوا مُسرعين من المنزل.. نظرت إلى الشُرطي وقلتُ لهُ بتوتر

 

" أنا بخير, أنا لستُ مُصابة.. يجب أن أذهب مع بينيتو.. يجب أن أكون معه "

 

لكن حاوطوني رجال الشرطة وطلبوا مني أن أُرافقهم إلى الخارج إذ يجب أن يتكلموا معي..

 

جعلوني أجلس على حافة حوض الزهور في حديقتي, ثم وضعوا غطاء سميك على كتفاي وبدأ شُرطي يستجوبني..

 

" أخبرينا سنيوريتا بالتفصيل بما حدث الليلة في منزلكِ, ومن طعن الشاب بينيتو ثياجو؟ "

 

بكيت بألم بينما كنتُ أنظر إلى رجال الشُرطة المنتشرين في كل مكان أمام وداخل منزلي.. شهقت بقوة وأجبته

 

" لصوص.. دخل لصوص ملثمين لسرقة منزلي, وكان عددهم ثلاثة.. وكان الطالب بينيتو ثياجو في منزلي, إذ كنتُ أعطيه دروس خصوصية.. حاول بينيتو حمايتي, ولكن أحد اللصوص طعنهُ أمامي, ثم فروا هاربين "

 

كان يتم تدوين كل كلمة أقولها من قِبل أحد الشرطيين.. نظرت إلى الضابط المسؤول والذي كان يستجوبني, وقلتُ له بقلق

 

" يجب أن أذهب, يجب أن أذهب إلى المستشفى لأكون برفقة بينيتو "

 

وقبل أن يُجيبني الضابط تلقى مُكالمة هاتفية, وبينما كان يتكلم عبر الهاتف كان يتأملني بنظرات باردة.. أنهى المُكالمة ووقف أمامي وكلمني بجدية قائلا بينما كنتُ منهارة من الداخل ودموعي لا تتوقف

 

"  سنيوريتا هارفين, يؤسفني إبلاغك بأن بينيتو ثياجو قد توفي منذ قليل في المستشفى متأثراً بجروحه البالغة.. التحقيق الآن تحول إلى تحقيق عن جريمة قتل.. لو سمحتِ سنيوريتا, يجب أن تُرافقينا الآن إلى مركز الشرطة ليتم استجوابكِ بشكل أفضل "

 

توسعت عيناي ونظرت إليه بصدمة كبير.. ثم فجأة, وقفت بسرعة وأغلقت عيناي بشدة وهتفت بجنون وبألم كبير لا يمكنني وصفه

 

" بينيتو..... "

 

في هذه الحظة, ساد سكون غريب بداخلي.. فقدت الشعور بما هو حولي, كل ما كنتُ أراه هو الظلام.. ظلام مُخيف ومُقلق.. الحياة أصبحت حولي سوداء اللون.. شعرت بالبرد, ولكن كنتُ أشعر بالراحة داخل هذا الظلام الذي كان يُحيطني من جميع الجهات...

 

ولكن, في مكان بعيد قليلا أمام منزل لينيا هارفين, كان فالديس يبكي بذعرٍ شديد وهو يجلس داخل سيارته.. كان قد تبع بينيتو ليراقبهُ ويصورهُ من بعيد ليبتزهُ لاحقاً ويُهدده.. ولكن فالديس رأى برعب كل ما حدث داخل منزل البروفيسورة, حتى أنهُ صور كل شيء في هاتفه الخلوي..

 

وبينما كان فالديس ينظر أمامه نحو سيارات الشرطة المتوقفة أمام منزل البروفيسورة, كان يبكي بخوف وبفزع بعد تلقيه اتصال هاتفي من الرجال الثلاثة الذين قاموا بتهديده بالقتل إن تفوه أمام أحد بما حدث الليلة وبأنهُ يعرفهم...

 

عندما استعادت وعيها لينيا, وجدت نفسها مستلقية على أريكة داخل مكتب أحد الضباط في مركز الشرطة.. كانت الأضواء الخافتة والغرفة المليئة بالأوراق والملفات تضفي جواً كئيباً على المكان.. كانت محاطة بأجواء الشرطة الجادة والصاخبة, لكنها شعرت بأنها في عالم آخر, عالم مليء بالندم والألم والذنب..

 

طوال التحقيق معها, كانت لينيا منهارة وتبكي بتعاسة بسبب موت بينيتو.. الأسئلة تتوالى عليها, لكنها بالكاد تستطيع الإجابة وهي تغرق في بحر من الدموع والألم..

 

في أثناء التحقيق, كانت لينيا منهارة وتبكي بتعاسة بسبب موت بينيتو.. كانت كلما سألوها سؤالاً جديداً, تنهار أكثر, وكأن الألم يعيد نفسه بكل مرة تتذكر فيها اللحظات الأخيرة لـ بينيتو.. لم تستطع تصديق أن الحياة قد أخذته بهذه الوحشية وبسببها..

 

ورغم جميع الضغوطات التي تعرضت لها لينيا من قبل المُحقق, إلا أنها لم تتفوه بالحقيقة.. بسبب شعورها بالذنب وبسبب وعدها لـ بينيتو لم تقُل لينيا الحقيقة, أخبرتهم فقط بأن لصوص ملثمين اقتحموا منزلها وعندما دافع عنها بينيتو طعنه واحد منهم بالسكين وفروا هاربين من منزلها..

 

في اليوم التالي, عندما تم السماح لـ لينيا بالذهاب إلى منزلها, أخبرها الضابط بأنها ممنوعة حالياً من السفر خارج إسبانيا حتى يتم القبض على المجرمين.. وأضاف بأنها الشاهدة الوحيدة في القضية, لكنها كذلك مشتبه بها.. كلمات الضابط كانت كالصاعقة, تضيف إلى وجعها ألماً جديداً..

 

عندما دخلت لينيا إلى منزلها, شعرت بصمت رهيب يحيط بها.. توجهت إلى الصالون,  لاحظت بسرعة بأن السجادة التي وقع عليها بينيتو وتلطخت بدمائه قد أُخذت من قبل رجال الشرطة.. كانت آثار التحقيق واضحة في كل زاوية من زوايا المنزل.. رجال الشرطة كانوا قد قاموا بالتفتيش في منزلها وأخذوا بعض الأدلة.. الآن, كان المنزل يبدو خالياً من الحياة, مثل قلبها المحطم و المليء بالذنوب..

 

وقفت لينيا في الصالون, تنظر إلى المكان الذي سقط فيه بينيتو.. رأت الظلال الفارغة حيث كان جسده, وكأن المكان يتحدث إليها بذكريات الألم والحزن.. فجأة, انهارت على الأرض, وبدأت تبكي بمرارة وهي تهمس باسمه وكأنها تحاول استعادته من بين يدي الموت

 

" بينيتو... بينيتو.... "

 

بدأت لينيا تلوم نفسها بصوت خافت, وهي تقول من بين شهقاتها المتألمة

 

" أنا السبب... أنا السبب وراء موته.. لو لم أسمح له بالاقتراب مني, لما حدث كل هذا.. أنا التي جلبت لهُ الموت.. أنا السبب في موته.. بسببي قد مات.. بينيتو, أنا آسفة... آسفة جداً "

 

ثم, وهي تبكي بحرقة, أقسمت لنفسها بصوت مكسور

 

" لن أقول الحقيقة لأي أحد.. لن أقول الحقيقة كما وعدتك, بينيتو.. سأحتفظ بهذا السر كما أردت "

 

مسحت دموعها بعزم, ثم وقفت وكلمت نفسها بصوت متهدج

 

" لن أبكي بعد الآن.. سأكون قوية وسعيدة, كما وعدتك "

 

قامت لينيا بتنظيف الصالون, تخلصت من كل أثر يمكن أن يذكرها بتلك الليلة المشؤومة.. أغلقت الباب بإحكام وصعدت إلى غرفتها..

 

دخلت لينيا إلى الحمام واستحمت, وعندما خرجت ارتدت ملابس سوداء اللون واستلقت على السرير.. شعرت لينيا بثقل العالم كله على صدرها ولم تستطع منع نفسها من البكاء.. شهقت بقوة وقالت ببكاء

 

" سامحني بينيتو.. اسمح لي بأن أبكي اليوم حُزناً عليك.. اسمح لي بأن أبكي ندماً بسبب الذنب الذي اقترفته في حقك.. ما كان يجب أن أسمح لك بالتقرب مني.. "

 

بكت لينيا بانهيار وهمست بألم وهي تغمض عينيها

 

" سامحني بينيتو.. سامحني لأنك مت بسببي.. لو كنتُ صارمة معه وأبعدته منذ البداية عني, لما كان قد مات وهو شاب في مقتبل العمر "

 

غرقت لينيا في دموعها حتى شعرت أن الألم قد سكن مؤقتاً, ولكنها كانت تعلم في أعماقها أن هذا الجرح سيظل نازفاً طوال حياتها...

 

العودة إلى الحاضر**

 

لينيا هارفين**

 

 

شهقت لينيا بقوة بعد تذكرها مأساة الماضي, حيث تذكرت تلك الليلة المروعة التي فقدت فيها بينيتو.. وقفت ونظرت بأسى في غرفة الضيوف التي وضعها فيها سلفادور داخل قصره الفخم.. كانت الغرفة مزينة بشكل فاخر, فقد أمر المتادور بتغيير الأثاث كله بعد حادثة هجوم غارسيا على لينيا في تلك الليلة, لكن الديكور الفخم الجديد لم يكن قادراً على إخفاء الألم الذي كانت تشعر به لينيا..

 

مسحت دموعي وهمست بتصميم

 

" يجب أن أهرب من هنا الليلة, قبل أن يتم الزفاف في الغد "

 

تساقطت دموعي أكثر على وجنتاي, وبكيت بيأس, وهمست بمرارة

 

" لا أريد أن يكتشف سلفادور ما حدث معي ومع شقيقه في الماضي.. لا أريده أن يكرهني لأنهُ بسبي مات بينيتو.. لقد اكتشفت بطريقة مؤلمة جداً كيف يُمكن للحُب أن يكون قوة دافعة وأحياناً مُدمرة.. فالحُب تسبب في موت بينيتو "

 

ركضت نحو الباب وفتحته بهدوء, اختلست النظر إلى الخارج, وتسللت من غرفتي إلى الطابق السفلي دون أن ينتبه لي أحد من الخدم, إذ كان الجميع قلقين على أم العشيرة وعلى صحتها بعد انهيارها الليلة..

 

بينما كنتُ أتسلل بخفة نحو المخرج الخلفي للقصر, وقفت فجأة بذعر عندما رأيت الطبيب أليخاندرو يقف أمامي..

 

وقفت جامدة في مكاني أنظر إلى الطبيب بنظرات مُرتعبة.. شعرت بالذعر وهمست برجاء

 

" أرجوك, لا تخبر أحدًا بأنني أهرب.. ساعدني لأخرج من هنا.. أرجوك, ساعدني "

 

اقترب الطبيب أليخاندرو مني وأمسك معصمي, وهمس قائلاً بنبرة هادئة

 

" لا تخافي سنيوريتا, سوف أساعدك "

 

نظرت إليه بدهشة وبسعادة, وسمعته يُتابع قائلا بهمس

 

" لقد ركنت سيارتي في الموقف السفلي.. اتبعيني "

 

جذبني لأمشي معه وتسللنا بخفة باتجاه الموقف السفلي..

 

ساعدني الطبيب على الجلوس قرفصاء بين المقعد الخلفي في سيارته, ثم أغلق الباب وقاد سيارته بهدوء.. وعندما ابتعد عن القصر, سمعتهُ يُكلمني بنبرة هادئة قائلاً

 

" سنيوريتا, أصبحتِ بأمان الآن, يمكنكِ الجلوس بشكلٍ مُريح "

 

جلست باسترخاء على المعقد, وبينما كان يقود السيارة, سألته بقلق

 

" سنيور, إلى أين تأخذني؟ "

 

أجابني بنبرة هادئة قائلا

 

" إلى منزلي.. فقط أريد جلب محفظتي لأنني نسيتها في المنزل وأحتاج إلى المال لملء خزان الوقود حتى أستطيع أخذكِ خارج حدود اكستريمادورا "

 

نظرت إليه بتوتر, لم يكن أمامي أي خيار آخر سوى الوثوق به..

 

عندما أوقف الطبيب سيارته أمام منزله, التفتَ إلى الخلف ونظر إليّ بنظرات هادئة وطلب مني بلطف واحترام النزول ومرافقته.. وعندما لاحظ ترددي, قال بنبرة حنونة

 

" سنيوريتا, من الأفضل أن ترافقيني.. لا تخافي مني, أنا لن أؤذيكِ.. لن أترككِ في السيارة بمفردك, ربما رآكِ أحد "

 

ترجلت من السيارة ودخلت برفقة الطبيب أليخاندرو إلى منزله.. طلب مني الجلوس والاستراحة, ثم دخل إلى إحدى الغرف.. وبينما كنتُ أنتظره بدأت أمشي بتوتر وأنا أشعر بالخوف, وعندما استدرت بسرعة إلى الخلف, شهقت بذعر عندما رأيت الطبيب أمامي وكدتُ أن أقع من شدة المفاجأة..

 

أمسك الطبيب ذراعي وجذبني إلى الأمام بسرعة واحتضنني بقوة حتى لا أقع.. ولكن في هذه اللحظة, سمعت بذعر صوت ارتطام وتحطم مُخيف.. التفتت بذعر إلى الخلف لأرى برعب مزق أحشائي سلفادور يقتحم المنزل برفقة رجاله بعد أن حطم الباب, وهو غاضب لدرجة مُرعبة..

 

" سلفادور!.... "

 

همست برعب مزق أحشائي باسم المتادور بينما كنتُ أراه يقترب منا بخطوات سريعة وهو على وشك قتل أحدهم..

 

ظللت مُتمسكة بذراع الطبيب غير قادرة على الابتعاد عنه بسبب صدمتي الكبيرة برؤية سلفادور..

 

اقترب سلفادور بسرعة, وهتف بغضب جنوني

 

" أليخاندرو.. ابتعد عنهاااااااااا... "

 

اقترب سلفادور منهما بسرعة, وأمسك بذراع لينيا وأبعدها بقوة بعيداً عن الطبيب أليخاندرو.. نظر بغضب إلى الطبيب وهتف بوجهه بغضبٍ عاصف وجنوني

 

"  كيف تجرؤ على لمس امرأتي أيها الوغد؟ "

 

رأيت بذعر سلفادور يوجه لكمة قوية على وجه الطبيب بكامل قوته وجعلهُ يقع على الأرض.. انحنى سلفادور قليلا ثم أمسك ياقة قميص الطبيب ورفعهُ قليلا ثم لكمهُ مرة أخرى وهتف بوجهه بتهديد وبغضب أعمى

 

" ابتعد عن لينيا, وإلا سأقتلك "

 

ثم لكمهُ للمرة الثالثة وحرره من قبضته.. استقام واقفا بعنفوان, واستدار سلفادور ونظر إلى لينيا التي كانت تقف جامدة وهي ترتجف بذعر بسبب غضبه المخيف.. اقترب منها وأمسك كتفيها, وهزها بعنف وهو يهتف بغضب وغيرة عمياء

 

" كيف تجرأتِ على الهروب مني وذهبتِ برفقة الطبيب ودخلتِ إلى منزله بينما هو رجل أعذب؟ كيف سمحتِ لهُ بلمسكِ ومُعانقتكِ؟ "

 

توقف سلفادور عن هزي ثم قربَ وجههُ من وجهي ونظر في عمق عيناي الخائفتين.. نظراته أرعبتني للموت.. تجمدت أمامه غير قادرة على التنفس بسبب خوفي الكبير منه..

 

سمعتهُ بذعر يهمس بفحيح مرعب

 

" أنتِ لي ساكورا, وستكونين زوجتي غداً بأي ثمن.. لن أسمح لكِ بالهروب مني مهما حاولتِ "

 

ضمني سلفادور بقوة إلى صدره, ثم قبلني بقسوة أمام الطبيب وجميع رجاله.. قبلتهُ كانت قاسية جداً ومؤلمة.. عرفت بأنهُ يُعاقبني الآن بهذه القبلة القاسية بسبب هروبي منه الليلة..

 

وعندما توقف عن تقبيلي, شهقت بضعف ونظرت إليه بحزن.. كان سلفادور يتأملني بنظرات غاضبة.. سمعتهُ بخوف يهمس بحدة أمام وجهي قائلا

 

" عقابكِ سيكون كبيراً لأنكِ هربتِ مني ساكورا, ولأنكِ سمحتِ لهذا الطبيب بلمسك "

 

شهقت بذعر عندما رفع سلفادور جسدي عالياً ورماني على كتفه بخفة, وخرج من منزل الطبيب وهو يأمر رجاله بغضب ليتبعوه..

 

وضع سلفادور لينيا على المقعد الأمامي في سيارته بحذر, ووضع لها حزام الأمان بإصرار وقوة.. ثم دار حول السيارة بسرعة, وجلس على المقعد وأمسك بالمقود بإحكام.. انطلقت السيارة بسرعة جنونية, ورجاله يتبعونه عن كثب..

 

كانت لينيا تجلس بجانبه وهي ترتعش من الخوف.. شعرت بضغط رهيب في صدرها, وكانت عيناها تتسعان بذعر كلما زادت سرعة السيارة.. حاولت تهدئة نفسها, لكنها لم تستطع الهروب من الأفكار المرعبة التي كانت تجتاح عقلها..

 

نظرت إلى سلفادور, الذي كان يقود السيارة بتركيز وغضب ظاهر على وجهه.. لم أستطع تجاهل القوة والتحكم اللذين يظهرهما في كل حركة, وشعرت بالخوف يزداد بداخلي..

 

مرت دقائق قليلة, لكن بدت لي وكأنها ساعات.. كنتُ أضغط كلتا يداي ببعضهما بشدة, مُحاولة منع نفسي من البكاء لأنني فشلت من الهروب منه.. كنتُ أتمنى في هذه اللحظة لو أستطيع التحدث إليه, إقناعه بأن زواجهُ بي ليس مهما وبأنهُ يستطيع بكل بساطة تحريري من انتقامه وإعادتي إلى المدينة.. لكن كنتُ أعلم أنهُ لن يستمع إليّ في هذه اللحظة, خاصة لأنهُ يشعر بالغضب بسببي..

 

عندما وصلنا إلى القصر, أوقف سلفادور السيارة بحدة.. نزل بسرعة, وفتح الباب بجانبي بقوة.. أمسك ذراعي وجذبني لأخرج من السيارة بقوة ثم جذبني نحو المدخل دون أن ينظر إليّ.. وكان جميع رجاله قد وصلوا أيضا, وكانوا يراقبون المشهد بصمت..

 

دخلنا القصر, ولم يتوقف سلفادور حتى وصلنا إلى جناحه الخاص.. جعلني أدخل إلى غرفة الصالون الكبير والمزين بأناقة وفخامة.. دفعني نحو الأريكة لأجلس, ووقف أمامي ونظر إليّ بعينين مليئتين بالغضب والتصميم..

 

نظرت إليه بنظرات مُرتعبة, وفكرت بذعر أحرق روحي.. كنتُ أظن أن الماضي كان مأساة بالنسبة لي, لكن يبدو أن حاضري سيكون مأساة أكبر...

 

وربما لينيا, كانت مُحقة بذلك....

 

انتهى الفصل




انتقل إلى الفصل 29 ᐸ



العودة إلى الفصل 27 ᐸ



العودة إلى الفصل 26 ᐸ













فصول ذات الصلة
رواية المتادور

عن الكاتب

heaven1only

التعليقات


إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

اتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

لمدونة روايات هافن © 2024 والكاتبة هافن ©