رواية المتادور - فصل 20
مدونة روايات هافن مدونة روايات هافن
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...

أنتظر تعليقاتكم الجميلة

  1. البارت قمة الحماس. و الروعه و الله حاليا قلبي ينبض من الحماس و الادرينالين مرتفع. و منتظره البارت القادم بكى حماس ي ريو م يتأخر

    ردحذف
    الردود
    1. حياتي أنتِ أشكركِ من أعماق قلبي
      الأحداث من الأن لن تتوقف عن التشويق والحماس
      أتمنى أن تنال إعجابكِ البارتات القادمة حبيبتي

      حذف

رواية المتادور - فصل 20

 

رواية المتادور - فصل 20 - وقت الحساب



وقت الحِساب










خوان دي غارسيا**

 

 

في لحظة هدوء مُرعب, جلس خوان خلف مكتبه الضخم في الكازينو الذي يمتلكهُ, وجههُ مُضاء بابتسامة شريرة بعد رحيل رودريغو وهو يحمل في يده حقيبة المال التي كانت موضوع الصفقة القذرة التي دبرها السافل.. بجانب خوان كان يقف صديقهُ المخلص خانتو يراقبه بتوتر متنامي.. وعلى الكُرسي أمام المكتب الفخم كان المُحامي يجلس وهو يُغلق حقيبتهُ الجلدية الفاخرة..

 

وقف المُحامي ووضع ملف على سطح المكتب أمام خوان, وقال لهُ باحترام

 

" سنيور خوان, لقد وضعت أمامك النسخة الأصلية الأولى, أما النسخة الثانية سأحتفظ بها "

 

نظرت إلى المُحامي بتقدير وكلمتهُ بصوت هادئ ومطمئن

 

" شكراً لك, يمكنك المُغادرة الآن "

 

ابتسم المحامي بسعادة بينما كان يستلم من خانتو شيك بمبلغ كبير تم توقيعه من خوان دي غارسيا, وهذ الشيك كان عربون شُكر خاص من خوان للمحامي الخاص به..

 

وضع المحامي الشيك في جيب سترته, وقال بسعادة

 

" سنيور دي غارسيا, أشكرُكَ على كرمكَ الكبير.. يسُرني دائمًا أن أتعامل معك سنيور.. أنا في خِدمتك في أي وقت تحتاجُني به "

 

ثم تحرك المُحامي بسرعة وانصرف, ليترك الثنائي وحدهما..

 

في هذه اللحظة, بقي خوان وحيدًا مع صديقه الوفي خانتو.. ينظران إلى بعضهما البعض بنظرات مُتبادلة, وفي هدوء يحكمهُ الانتصار.. أمسك خوان بيده الملف الذي تركهُ المُحامي.. وكان هذا الملف الآن شاهدًا على توقيع رودريغو على كل الوثائق..

 

نظرت إلى صديقي خانتو بنظرات خبيثة عندما سألني بعصبية ملحوظة

 

" هل فعلا ستترك ذلك السافل رودريغو يستمتع بأموالك بهذه السهولة وبلا عقاب؟ "

 

بينما كنتُ أبتسم بمكر, أجبت خانتو بسخرية مُحتدة

 

" بالطبع لا.. سأُعيد أموالي كلها, وسيدفع رودريغو الثمن المناسب لما فعله "

 

فتحت الملف وبدأت في تصفحهِ بانتباه.. سمعت صديقي خانتو يسألني بدهشة

 

" كيف ستفعل ذلك؟ أقصد, كيف سوف تُعيد أموالك من ذلك السافل؟ "

 

أجبتهُ بثقة بينما كنتُ أنظر إلى الوثائق بابتسامة مرتسمة على شفتاي

 

" لقد كانت هذه الصفقة الأكثر ذكاءً وتحكمًا الليلة, أليس كذلك؟... "

 

قهقهت باستمتاع بينما كنتُ أُغلق الملف, ثم نظرت إلى خانتو بانتصار وتابعت قائلا له بنبرة خبيثة

 

" يبدو صديقي بأنك نسيت أمراً بالغ الأهمية, تذكر جيداً بأن كل حقيبة لدي هنا يتم وضع جهاز تتبع بداخلها, الآن يمكنني مراقبة كل خطوة يخطوها رودريغو.. فأنا أحرص دائماً على مُراقبة أموالي "

 

خانتو لم يستطع إخفاء إعجابه وسعادته, إذ ضحك باستمتاع, وعندما توقف عن الضحك قال بمرح

 

" فعلا, لقد نسيت أمر الحقائب ووضعنا لأجهزة التتبُع بداخلها, هذا سيضمن أن لا يهرب ذلك الحقير من عقابكَ له "

 

بارتفاع في الثقة, ضحكت بانتصار وهمست بسعادة

 

" نعم, لن أترك رودريغو يهرب بأموالي وينجو من عقابي له..  لقد ضربت عصفورين بحجر واحد, بل ثلاثة.. سأسترجع أموالي وسأضمن أمان أخوات أريا الصغار, والأهم من كل ذلك, أريا أصبحت مُلكي رسمياً "

 

جلس خانتو على الكُرسي أمام مكتبي وتأملني بنظرات مُتعجبة, ثم سألني بنبرة هادئة

 

" لماذا أنتَ مُهتم إلى هذه الدرجة بتلك الخادمة؟ هل تُعجبُك أريا؟ "

 

تجمدت في جلستي ونظرت إلى خانتو بنظرات ضائعة.. بسبب سؤاله شعرت بالارتباك والضياع, لم أكن أعرف بصدق ما هي مشاعري نحو أريا.. في البداية كنتُ أرغب بالحصول على جسدها والاستمتاع قليلا ثم رميها بعيداً عني.. ولكن الغريب في الأمر بأنني عندما حصلت عليها لم يعُد باستطاعتي الشعور بالاكتفاء منها, بل أصبحت مثل المهووس أرغبُها أكثر فأكثر فأكثر..

 

تنهدت بقوة, وأجبت خانتو بصدق

 

" نعم, أريا تُعجبني.. ولكنها طبعاً مثل عشيقاتي السابقات, عندما أشعر بالملل منها سوف أُبعدها عني نهائياً "

 

ابتسم خانتو برقة, ثم سألني

 

" حسناً, وماذا عن أخواتها الصِغار؟.. كنتُ أظن بأنكَ لا تُحب الأطفال وتعتبرهم مضيعة للمال والإزعاج.. ولكنك الليلة أدهشتني.. خوان, منذ قليل لقد دفعتَ مبلغاً كبيراً من المال لذلك الحقير رودريغو حتى تحمي الصبيان الثلاثة منه "

 

شعرت بدفء غريب في قلبي عندما تكلم خانتو عن أخوات أريا الصغار.. تنهدت برقة وأجبتهُ بصدق

 

" لأنهم مميزون في نظري.. رغم صغرهم يدافعون عن شقيقتهم الكبيرة بحياتهم.. أعجبني بهم مدى عمق حُبهم الكبير لشقيقتهم.. كما هم أطفال أذكياء ولطيفون.. و... "

 

توقفت عن التكلم ونظرت بحزن إلى خانتو, ثم تابعت بنبرة حزينة قائلا

 

" كنتُ أتمنى لو كان لي شقيق أصغر مني لأهتم به وألعب معه وأحميه.. كارميتا منذ صغرها كانت فتاة صعبة المراس ولها سمات منفرة مثل العصبية الزائدة, ورغم جميع سيئاتها فأنا أُحبها.. ولأنها فتاة كان ممنوعاً عليّ اللعب معها بالكرة وأشياء كثيرة... و... "

 

ابتسمت بحزن, ثم انهيت الموضوع بسرعة إذ قلت لصديقي

 

" من الأفضل لأخوات أريا أن يكونوا تحتَ وصايتي.. سأحرص على أن يكون لهم مُستقبل مُشرق وسعيد وأمن.. إن تركتهم تحت رحمة والدهم القذر سوف يتحولون إلى مُجرمين عندما يكبروا "

 

ساد الصمت لدقائق في المكتب, تنفست بقوة ثم أمرت خانتو بهدوء

 

" أريدُك أن تذهب وتُرسل رجلين خلف رودريغو.. أريد أن يتم مُراقبة جميع تحركاته.. وأعطي تعليمات لجميع الحُراس هنا في الكازينو بأن يتم السماح لـ رودريغو بالدخول إلى الكازينو "

 

سألني خانتو بفضول

 

" وما هي الخطوة التالية؟ "

 

ابتسمت بخبث, وأجبته

 

" أنا أعرف جيداً ذلك الحقير, سيأتي قريباً إلى هنا ليلعب القمار.. سأجعلهُ يخسر هنا جميع الأموال التي أخذها مني, وسأجعلهُ يبيع روحه للشيطان قريباً جدا "

 

رفعت رأسي عاليا, وبابتسامة ذكية تابعت قائلا

 

" سنجعل الأمور تأخذ مجراها الطبيعي.. سننتظر ونراقب, وعندما يكون الوقت مناسبًا, سنضرب بقوة "

 

تبادل الصديقان نظرات واثقة, وبعدها غادر خانتو ليقوم بتنفيذ أوامر خوان.. أما خوان دي غارسيا, فقد وقف وأمسك الملف بيده وعلبة الحبر الصغيرة وغادر مكتبه والكازينو الخاص به..

 

غادر خوان الكازينو وانطلق نحو قصر ابن عمه سلفادور.. عندما وصل إلى القصر, ترك سيارته بالقرب من البوابة الرئيسية وسار بخطوات هادئة نحو المدخل الرئيسي, ثم صعد بسرعة إلى الطابق الأول حيث كانت غرفة أريا..

 

دخل خوان إلى الغرفة التي تتشاركُها أريا مع أشقائها الصغار بخطوات هادئة, وجد أريا مستلقية على السرير كما لو كانت نائمة.. لكنه عرف جيدًا أنها لم تكن نائمة, فبدأ يراقبها بانتباه مُتناسياً نفسه بينما ينظر إليها بنظرات حنونة..

 

رغم مُحاولات أريا الجادة للتمويه بالنوم, إلا أن خوان استشعر بسرعة أنها ليست نائمة, ولكنه قرر أن يتركها تعتقد بأنها نجحت في إقناعه..

 

طبعاً لم يخدعه تمثيل أريا للنوم, ومع ذلك توجهت أفكاره إلى تلك الليلة, الليلة التي حصل بها على عذرية أريا بقسوة.. شعور مؤلم وغريب شعرَ بهِ خوان عندما تذكر كيف حصل على عذرية أريا في تلك الليلة, لو كان يعلم بأنها ما زالت عذراء لم يكن سيمارس معها الجنس بتلك القسوة.. شعر خوان بالحزن لأنهُ امتلك أريا بتلك الطريقة القاسية والمؤلمة, فهو ظن جدته لا تعرف بأن أريا ليست عذراء, فقد صدق بغباء كلام شقيقته كارميتا عن أريا..

 

وبينما كان ينظر خوان إلى أريا تذكر بوضوح تلك الليلة معها, تذكر كيف شعر عندما اكتشف بأنها ما زالت عذراء.. ولكن رغم اكتشافه لم يستطع التوقف عن ممارسة الجنس معها, إذ كان قد فقد السيطرة على نفسهِ كليا ولم يستطع التوقف عن امتلاكها..

 

انحنى خوان قليلاً للأمام, مراقبًا تفاصيل وجه أريا الهادئ, وهو يحاول قراءة أسرارها وأحاسيسها المخبأة..

 

ولكن بينما كان خوان يقف بصمت ويراقب أريا بعناية, فكرَ بلطف في كيف تبدو وهي تدعي النوم, وكيف تشبه بسحرها وجمالها زهرة القمر البيضاء, تلك الزهرة النادرة التي تتفتح فقط في أوقات الليل, تزيّن الظلام بنورها الفاتن..

 

في خياله, رأى خوان كيف تميل أريا على السرير كزهرة القمر البيضاء, برقة وأناقة, وكيف تتلألأ بجمال خاص يضيء الغرفة بأكملها.. تأمل في كل تفاصيلها الساحرة, وكيف تتناغم مع جمال الليل المُحيط بها..

 

وبينما كان يتأملها بعيون غارقة في جمالها, أحس بأنهُ يعيش في عالم من الأحلام, إذ رأى في خياله أريا تتفتح مثل زهرة القمر البيضاء, جميلة ونقية, في قلب الظلام.. بل كانت أريا تتفتح كزهرة القمر البيضاء داخل قلبهِ المُظلم..

 

بينما كنتُ أتأمل أريا لفترة طويلة, أُراقب جمالها الطبيعي وبراءتها, قررت في النهاية أن أدفع الأمور قدمًا.. تحركت  ببطء خطوة واحدة نحو السرير وأنا أمسك بيدي الملف حيث بداخله توجد وثيقة هامة تنتظر التوقيع.. فتحت الملف على الوثيقة الأهم بالنسبة لي, ووضعت بجانبها علبة الحبر, ثم نظرت إلى أريا بابتسامة خفيفة, إذ كنتُ أعرف بأنها ستحاول الاعتراض وعدم التوقيع والبصم على هذه الوثيقة لو لم تكن تدعي النوم أمامي الآن..

 

وبينما أريا لا تزال تتظاهر بالنوم, نظرت إليها نظرة أخيرة من الشفقة والحنان قبل أن أضع بصمتها على الوثيقة.. ثم غادرت الغرفة بخطوات هادئة بعد أن تمنيت لها أحلاماً سعيدة..

 

ولكن في الصباح شعرت بالذهول من ردة فعل أريا عندما اكتشفت بأنني أصبحت الوصي الشرعي على أشقائها الثلاثة.. كنتُ أظن بأنها ستشعر بالسعادة وتشكرني لأنني قررت حماية أشقائها من والدها اللعين, ولكن ردة فعلها كانت بمثابة المفاجأة لي..

 

طبعاً كنتُ منذ البداية قررت أن لا أعترف أمامها بأن رودريغو الحقير أتى إلى مكتبي وابتزني مُقابل المال, وبأنهُ باع أطفاله لي مُقابل النقود.. بتصرف غريب بداخلي قررت عدم إخبار أريا بالحقيقة حتى لا تحزن, وصدقاً لم أكن أعرف سبب قراري الغريب ولماذا لا أريد لزهرة القمر بأن تحزن بسبب ذلك السافل رودريغو..

 

ولكن أريا استفزتني كثيراً بكلامها الجارح.. اشتعل الغضب بداخلي وتصرفت معها بهمجية وبحقارة.. مارست معها الجنس بقسوة, ولكن رغم قسوتي معها شعرت بوجعٍ كبير داخل صدري..

 

وفي المساء, راقبت بحزن وبألم أريا تترجل من سيارتي وتدخل إلى القصر.. وبينما كان المطر يهطل بغزارة كانت أضواء الشوارع منعكسة على الأزقة والمتاجر.. كنتُ أقود سيارتي بسرعة جنونية وأنا أحاول السيطرة على الألم الذي يفتك في قلبي..

 

في هذه اللحظات العاصفة, كان خوان يقود سيارته بسرعة جنونية في الشوارع المتوهجة بأضواء المدينة.. كانت سيارة خوان تجتاح الطريق بسرعة جنونية.. لكن السرعة لم تكن سوى مسرح لعرض الألم الذي يفتك في قلبه.. كانت كل حركة للسيارة كأنها تنطق بلغة الأحزان التي تسري في دمه..

 

الألم الذي كان يفتك في قلبه كان يزداد كلما زادت سرعة السيارة, وكان خوان يشعر بالندم والأسف على كل ما حدث خلال هذا اليوم المليء بالأحداث الصادمة..

 

وبينما كان يقود, كان يتذكر كيف أجبر أريا على الخضوع لرغباته المتوحشة.. وتذكر بحزن كيف تمتع بالسيطرة عليها طوال اليوم, حتى بعد أن فقدت وعيها وأيقظها من إغمائها.. كانت كل لحظة تُعادل ساعات من العذاب, وكل تفاصيل هذا اليوم تُعيد نفسها في ذهنه كالكوابيس التي تطارده في ليله..

 

وفي لحظة من الانكسار, أوقف خوان سيارته على تلة مُطلة على المدينة.. خرج من السيارة ببطء ووقف بهدوء ينظر بحزن عميق إلى المدينة المتلألئة بأضوائها, بينما السماء كانت تُمطر بغزارة جعلتهُ يشعر بالعزلة والحزن أكثر..

 

وسط هطول الأمطار بغزارة, وقف خوان يتأمل في أحزانه وندمه, وفي قلبه يحمل شعورًا من الخسارة واليأس..

 

ورغم أنهُ كان قد ابتل بالكامل بسبب المطر المُتساقط, تجمد خوان في مكانه يتأمل المدينة ويفكر بـ أريا.. لم يفهم سبب رغبتهِ العميقة بـ أريا وشعوره بالتمُلك نحوها..

 

أراد خوان أن يعترف بالخطأ الذي ارتكبهُ نحوها بكلمات لم يستطع لسانه العثور عليها.. تنهد بقوة وهمس بحرقة

 

" أريا, زهرة القمر الجميلة.. أنا آسف... "

 

تمنى خوان في هذه اللحظة لو أنهُ كان يقف أمام أريا ويعتذر منها, ولكن غروره الشديد كان يمنعهُ من فعل ذلك.. وظل لوقتٍ طويل ينظر إلى المدينة بحزن رغم أن المطر كان قد بلل ملابسهُ بكاملها.. وفي لحظة من الصمت, تلك التي تسبق العواصف الكبرى, قرر أن يعود ويذهب ويتكلم معها ويُخبرها حقيقة ما فعلهُ والدها, ويعترف لها بأنها تُعجبه.. وقرر أن يعترف لها بأن الوثيقة التي وضع عليها بصمتها ليست سوى ورقة ضغط ليجعلها تبقى معه وبجانبه..

 

ابتسم خوان برقة إذ قرر أن يعترف كذلك لزهرة القمر بأنهُ يُحب أخواتها الصغار, ولا يريد سوى حمايتهم..

 

جلس خوان على المقعد خلف المقود, مسح وجهه وقاد سيارته بسرعة.. وفي طريقه إلى قصر سلفادور, كانت كل نبضة في قلبه تؤلمه, ولكنه على الرغم من ذلك كان يبتسم بسعادة لأنهُ سيرى أريا ويعترف لها بكل شيء.. وعندما وصل إلى القصر, صعد إلى الطابق الأول بخطوات سريعة..

 

أمام باب غرفة أريا, وقف خوان مترددًا.. لم يكن يعلم إن كانت أريا مُستيقظة.. كان يريد الدخول إلى الغرفة والتكلم معها, ولكنهُ شعر بالتردد.. كان يعلم بأنها حزينة وتتألم بسبب قسوتهِ معها اليوم, وكان متأكداً بأن زهرة القمر نائمة الآن وبعمق..

 

وقف خوان ينظر إلى الباب بنظرات مُترددة إذ لم يرغب بالدخول إلى الغرفة ويجعل أريا تستيقظ من نومها.. لذلك قرر أن يرى أريا في الصباح ويتكلم معها..

 

وفي لحظة تأمل طويلة, قرر خوان أن يغادر.. بعد ذلك, ابتعد بصمت وصعد السلالم, ولكن فجأة رأى سلفادور يقف أمامه, تكلم معهُ قليلا ثم صعد إلى غرفته, حيث لم يكن هناك سوى الهدوء والسكون يحيط به, مما جعله يشعر بالوحدة العميقة والحزن الذي لا يمكن وصفه.. شعر بالتعب الذي كان يُسيطر عليه, لكنه استقر في أعماقه مع القرارات التي اتخذها, وهو يعلم أنه يجب عليه الاعتذار والاعتراف بالحقيقة لزهرتهِ الجميلة, زهرة القمر, أريا...

 

ولكن خوان لم يكن يعلم أن أريا كانت مُستيقظة وهي تقف وتتأمل في وُجُوه أخواتها الصغار وهم نائمون بسلام, لتقوم بتوديعهم للمرة الأخيرة قبل أن تهرب...

 

خوان كان نائمًا في سريره الواسع, مغمض العينين ومستسلمًا للهدوء الذي يحيط به في غرفته الهادئة.. لكن فجأة, استيقظ على صوت صراخ يأتي من خارج الباب.. بصعوبة انتبه للواقع المحيط به, بدا له الأمر غير مألوف, وسرعان ما شعر بالذهول الشديد عندما دخل الصبي رافاييل إلى الغرفة وهو يبكي ويصرخ بفزع..

 

" سنيور خوان.. سنيور خوان... "

 

جلس خوان متصلبًا, مدهوشًا, ينظر إلى الصبي الذي يبكي بلا توقف.. تساءل في صمت عميق عما يمكن أن يكون السبب, هل حدث شيء لزهرة القمر؟...

 

نظر خوان إلى الصبي رافاييل بذهولٍ شديد عندما وقف بجانب سريره وهو ينظر إليه بعيون ممتلئة بالدموع والخوف والحزن.. وهنا صرخ الصبي بصوت مرتفع مليئًا بالخوف والهلع

 

" سنيور خوان.. أريا ليست في الغرفة, ولم تكن في سريرها.. شقيقتي ليست هنا "

 

جلس خوان على الفور, ونظر بذهول إلى الصبي الذي وقف بجانب سريره, ووجد نفسه مشدودًا بسبب صدمتهِ الكبيرة من هذا الخبر الصادم والغير متوقع..

 

بلعت ريقي بقوة, وسألت رافاييل بصوتٍ مُرتجف

 

" ماذا تعني؟ أين هي أريا؟ "

 

 

الصدمة كانت واضحة على وجهي, شعرت بجسدي يتصلب بكامله عندما تلقيت إجابة غير متوقعة من الصبي رافاييل, إجابة زادت من تعقيد الأمور.. إذ بكى رافاييل بشدة وأخبرني من بين شهقاته

 

" عندما استيقظت مع أخواتي لنذهب إلى المدرسة, لم نجد أريا في غرفتنا, وكان سريرها لا يزال مرتبًا كما كان, مما دل على أنها لم تنم فيه.. خرجت من الغرفة وسألت الجميع عنها ولكن لم يرى أحد شقيقتي.. أنا خائف سنيور.. أين هي شقيقتي؟ أريد أريا.. لو سمحت أخبرني أين هي "

 

بدأ قلبي ينبض بسرعة متزايدة, وشعرت بالخوف الشديد يتسلل إلى داخلي.. هل قامت أريا بالهرب؟ هل ابتعدت عني دون سابق إنذار؟.. هذه الأفكار السوداء كانت تغمرني, تلوح في عقلي كأشباح تهدد بتدمير سلامتي وعقلي..

 

تسارعت أنفاسي وشعرت بأنني على وشك الانفجار.. لكن حاولت أن أبقى بمظهر هادئ وقوي لتهدئة الصبي المرتعب..

 

لكن بينما كنتُ أُكافح مع هذه الأفكار, أبعدت الغطاء عن جسدي ثم وقفت أمام رافاييل, وامتدت يدي اليسرى لتلامس كتف الصبي الصغير.. انحنيت قليلا ومسحت دموع رافاييل عن وجنتيه برقة بأصابع يدي اليمنى, ثم نظرت إليه بجدية وقلتُ له

 

" أنتَ لستَ طفلاً حتى تبكي.. لا أريد رؤيتك بعد اليوم تبكي مهما كان السبب.. عد إلى غرفتك رافاييل.. أريدُك أن تهدأ وتُساعد أخواتك بارتداء ملابسهم, فيجب أن تذهبوا إلى المدرسة "

 

تأملني رافاييل بنظرات حزينة, وحاول المسكين التوقف عن البكاء بصعوبة, ونظر إليّ بقلق وسألني

 

" ولكن سنيور, ماذا عن شقيقتي؟ هل ستبحث عنها؟ "

 

استقمت ونظرت إليه بنظرات جادة, وأجبته بصوت هادئ ولكنه ثابت

 

" لا تقلق, أنا سأتولى الأمر هنا.. سأجدُها وبسرعة, أعدُك بذلك "

 

كنتُ فعلياً أعد نفسي بأنني سأجد أريا وفي أسرع وقت, وكنتُ أتخيل كيف سوف أُعاقبها على هروبها مني.. ولكن في داخلي, كان يغمرني القلق والخوف, فقد شعرت بالقلق والخوف من أن تكون أريا قد استطاعت الابتعاد عن حدود اكستريمادورا, حينها ستكون عملية البحث عنها صعبة جدا ولن أستطيع العثور عليها بسهولة.. وكنتُ أعلم بأنهُ يجب عليّ العثور على أريا قبل فوات الأوان..

 

شتمت بعصبية بينما كنتُ أرتدي ملابسي بسرعة.. أمسكت هاتفي واتصلت بصديقي خانتو, وما أن تلقى مُكالمتي حتى هتفت بعصبية وبأمر

 

" انتظرني في باحة القصر برفقة رجالي, أريا هربت.. يجب أن نجدها في أسرع وقت "

 

وقبل أن يتفوه خانتو بكلمة أنهيت المُكالمة وخرجت مُسرعا من غرفتي.. دخلت إلى غرفة أريا وتحدثت إلى أخواتها, ووعدتهم بأن أريا بخير وأنني سأجدها بسرعة.. ثم’ بعد لحظات, غادرت الغرفة مع الصبية الثلاثة, ثم ما أن خرجت من القصر أمرت سائقي بأخذهم إلى المدرسة..

 

وعندما ابتعدت سيارتي الليموزين عن القصر نظرت إلى حُراسي بغضب أعمى وهتفت بصوتٍ مُرتفع لدرجة شعرت بالألم في حنجرتي

 

" أيها الأغبياء والحمقى, كيف لم تنتبهوا بأن أريا هربت من القصر؟.. سوف أقتلكم جميعكم إن لم أجدها وبسرعة "

 

ثم ابتعدت عنهم بخطوات سريعة واقتربت من حُراس ابن عمي سلفادور.. أمسكت ياقة قميص رئيس الحراس بيريز أراغون وجذبته نحوي ونظرت إليه بغضب أعمى, ثم هتفت بحدة بوجهه

 

" كيف واللعنة لم ترى الخادمة أريا وهي تهرب من القصر؟.. أنتَ ورجالك أضعف من النساء, ولا تصلحون لحماية هذا القصر "

 

تأملني بيريز بنظرات مذهولة وهمس بدهشة كبيرة

 

" الأنسة أريا هربت!.. لكن كيف؟! "

 

اشتعل الغضب بداخلي أضعافاً وشعرت برغبة عميقة بتحطيم وجهه.. ضغطت على أسناني بقوة وهمست بفحيح وبتهديد بوجه بيريز

 

" أيها الأحمق سأقتلك بنفسي, فأنتَ فعلا لا تستحق بأن تكون في مركز رئيس حُراس الماتادور "

 

دفعتهُ بقوة بعيدا عني ثم رفعت ذراعي عاليا, وما أن كنت على وشك لكم وجه بيريز سمعت صوت يهتف بغضب وبتهديد

 

" خوان, إياك ولمسه "

 

تجمدت ذراعي بسرعة قبل أن تصل قبضتي على وجه بيريز على بُعد إنشات قليلة.. نظرت باتجاه اليمين ورأيت سلفادور يقترب ويقف بجانبنا وهو يتأملني بنظرات غاضبة وبتهديد وبتحدي واضح..


رواية المتادور - فصل 20 - وقت الحساب

 

أخفضت ذراعي ونظرت بغضب إلى سلفادور, ثم هتفت بحدة وبغيظ

 

" رئيس حُراسك وجميع رجالك ليسوا سوى أغبياء ولا يصلحون لحراستك وحماية هذا القصر.. أريا هربت ولم ينتبهوا لها الأغبياء "

 

تأملني سلفادور بنظرات مُتعجبة, ثم سألني بدهشة كبيرة

 

" أريا هربت!.. متى؟ ولماذا هربت؟ "

 

وما أن كنت على وشك فتح فمي والتكلم نظرت بدهشة كبيرة باتجاه مبنى الحُراس إذ سمعت الشاب خواكيم يصرخ بخوف

 

" ماتادور.. ماتادور.. سنيور سلفادور.. سنيوريتا لينيا ليست في غرفتها, لقد هربت "

 

رأيت خواكيم يركض مُسرعاً باتجاهنا ووقف أمامنا وبدأ ينظر بذعر إلى سلفادور.. تملكتني الدهشة عندما عرفت بهروب البروفيسورة الجميلة كذلك.. نظرت إلى سلفادور ورأيته يتأمل خواكيم بنظرات مذهولة..

 

فجأة, انتفض سلفادور بقوة وأمسك ذراع خواكيم وهتف بغضب أعمى

 

" لينيا هربت!.. هل أنتَ متأكد؟ كيف واللعنة استطاعت الهروب من هنا؟ "

 

بردة فعل غريبة بدأت أضحك بجنون.. تأملني سلفادور بنظرات غاضبة وكان جسده يهتز بفعل الغضب.. توقفت عن الضحك رغماً عني, ونظرت إلى سلفادور بنظرات جادة وقلتُ له

 

" البروفيسورة أصبحت صديقة مُقربة جداً للخادمة أريا.. وكما يبدو واضحاً لي لقد هربت معها.. سلفادور, كلامي كان صحيحاً, رجالك لا يصلحون لحمايتك وحماية هذا القصر "

 

رأيت سلفادور يحاول السيطرة على غضبهِ الكاسح, وفجأة, صرخ بغضب أعمى ورأيته يركض باتجاه البوابة الخلفية للقصر.. تنهدت بقوة وركضت خلفه, ولكن فجأة وقفت في مكاني ونظرت بدهشة كبيرة أمامي, إذ رأيت سلفادور يصرخ على الحارسين بغضب جنوني ثم قام بصفعهم بقوة..

 

رفعت حاجبي عاليا, وهمست باستمتاع

 

" يبدو بأن ابن عمي العزيز فقد السيطرة على غضبه بسبب هروب تلك البروفيسورة الجميلة "

 

جميع الحُراس وقفوا أمام سلفادور في الباحة الخلفية للقصر, وكانوا ينظرون إليه بخوف بينما كان ابن عمي يصرخ عليهم بغضب أعمى..

 

فجأة, توقف سلفادور عن الصُراخ عندما سمعنا صوت بوق سيارة, ثم صوت رجل يهتف بتوتر

 

" سلفادور, أين أنت؟ "

 

التفت إلى الخلف ورأيت بدهشة ميغيل استرادا يركض باتجاهنا ثم وقف أمام سلفادور وهو يتنفس بسرعة.. وبذهول سمعت ميغيل يهتف بتوتر

 

" ساريتا هربت من قصري, أريدُك أن تساعدني لنجدها وبسرعة.. لقد أخذت سيارتي و... مهلا لحظة, سيارتي بها جهاز تتبُع.. كيف لم أتذكر ذلك سابقاً!.. "

 

هذا الغبي هربت منه فتاة؟.. ولكن من هي ساريتا؟, ميغيل الأحمق حفلة خطوبته على تلك العاهرة بعد ثلاثة أيام, هذا غريب..

 

بدأت أضحك بقوة بينما سلفادور و ميغيل كانا ينظران إليّ بنظرات غاضبة.. توقف عن الضحك ثم حمحمت وقلتُ لهما بهدوء

 

" يبدو بأن هذا اليوم هو يوم الهروب العالمي للنساء في إسبانيا.. توقفا عن التذمر وهيا بنا لنذهب ونبحث عنهم "

 

تأملني ميغيل بنظرات مُندهشة, ثم سأل سلفادور بتعجُب

 

" ما الذي يعنيه خوان؟ "

 

أخبره سلفادور بسرعة عن هروب لينيا برفقة أريا.. ثم أمر رجاله ليذهبوا ويبحثوا في كامل المنطقة عن الفتيات.. وأنا طبعا رافقتهم للبحث عن أريا برفقة رجالي, مع التفاؤل بأن أجدها بسرعة وبأمان...

 

 

ميغيل**

 

في صباح هذا اليوم الجميل, استيقظ ميغيل ووجد نفسه وحيدًا في السرير, إذ لم يجد ساريتا بجانبه كما كان يتمنى.. ابتسم بسعادة وهو يتذكر لحظات الحب التي قضاها في حمام الضيوف في الأمس مع فراشتهِ الجميلة ساريتا, تذكر كيف كانت ساريتا تغرق في لحظات الانسجام واللذة بين ذراعيه.. وتذكرَ كيف استلقت بين ذراعيه برقة وهوية, وكيف تناثرت اللحظات العاطفية في الهواء بينما غرقوا في ممارسة الحب بجنون..

 

اتسعت ابتسامة ميغيل السعيدة أكثر عندما تذكر كيف انهارت ساريتا تماماً بعد انتهائهم من ممارسة الحُب بطريقة جنونية, وبسبب استمتاعها الكبير وإرهاقها بعد تلك اللحظات الجميلة التي قضوها معًا.. فراشته نامت بسرعة بعد لحظات اللذة والإرهاق التي عانت منها جراء قوة ممارستهم للحُب.. لذا, قام بخطوات هادئة, حملها وصعد بها إلى غرفة نومه, ثم وضعها على سريره برقة واستلقى بجانبها وعانقها بقوة وكأنهُ يخاف من أن تطير بعيداً عنه..

 

وقف ميغيل ودخل إلى الحمام ليستحم ويتأهب ليومه, وبعد انتهائه, ارتدى ملابسه بأناقة وثقة ثم أخذ محفظة النقود من جيب سرواله والذي كان مرمياً بإهمال على الأريكة.. ثم, خرج من جناحه ونزل إلى الأسفل, حيث صادفته نظرات متفاجئة وصادمة من الخدم الذين وقفوا أمامه..

 

نظرت إليهم بنظرات مُتعجبة


رواية المتادور - فصل 20 - وقت الحساب

 

ثم سألتهم بدهشة

 

" لماذا تنظرون إليّ بهذه الطريقة؟ "

 

أجابتني إحدى الخادمات بتوتر وبخوف

 

" سنيور خوان, لقد رأيناك تُغادر القصر بسيارتك الرياضية الجديدة قبل ساعة "

 

شعرت بالصدمة تسري في أعماقي, وتجمدت كل قطرة دماء في شراييني.. تسارعت نبضات قلبي بجنون بينما كنتُ أنظر إلى تلك الخادمة, ثم همست بصوت مُختنق

 

" ساريتا!... "

 

في لحظة من الذهول والخوف, تملكتني الصدمة عندما فهمت أن ساريتا قد هربت وغادرت القصر.. تسارعت انفاسي واحمر وجهي بقوة عندما هتفت بغضب جنوني

 

" ساريتاااااااااا..... "

 

وركضت بسرعة صاعداً إلى غرفتها بينما كنتُ أصرخ باسمها بجنون.. اقتحمت غرفتها لأجد السرير والغرفة خالية, وهنا تأكدت بأنها هربت.. شعرت بالصدمة العارمة تغمرني وتجتاحني كالمد العاتي, ولم أستطع إلا أن أصرخ باسمها بجنون..

 

نزلت إلى الأسفل بخطوات ثقيلة, ووجهت نظرات حاقدة على حُراسي.. شتمتهم ولكمت بقوة المسؤول عنهم, وأمرتهم بالبحث عن ساريتا بكل الوسائل الممكنة وبأسرع ما يمكن.. ساريتا كاريلو هي مُلكي, ولن أسمح لأحد بإبعادها عني, حتى القدر لن أسمح له بإبعاد ساريتا عني مهما كلفني ذلك..

 

وغادرت قصري مُسرعا باتجاه قصر سلفادور, إذ قررت طلب المساعدة منه لأجد ساريتا قبل فوات الأوان...

 

 

سلفادور**

 

كان الليل يلتف بأناقته المُظلمة حول قصر المتادور سلفادور.. كان سلفادور قد خرج برفقة الطبيب أليخاندرو من مبنى الحُراس بعد أن تأكد منه بأن لينيا بصحة جيدة..

 

وبعد مُغادرة الطبيب القصر انطلق سلفادور هو وحراسه في سكون من الظلام, يتقدمون في صمت مثل مجموعة من الظلال المتحركة.. وصل المتادور إلى منزل المعلم ديسوتو هارتيغا وهو يتوسط جمال القوة والهيبة.. كان يقود موكبًا من رجاله وحراسه حاملين معهم غضباً وقوة لا يُعرف لها حدود.. وكانت أنفاس الليل تلف الأرجاء بالظلام المظلم, وكأنها تعكس قوة وعزم المتادور في تحقيق هدفه..

 

عندما وصلوا, تصاعدت قوة المتادور بشكل ملحوظ, كان وجهه ينبعث بالقوة والهيبة, وكأنه ملك يتوجه لمواجهة خصمه الأقوى.. دون تردد, وقف سلفادور أمام باب المنزل وركله بكامل قوته ليتحطم, واقتحمَ المنزل برفقة حراسه, كأسد يدخل أرض الصيد..

 

نظرت في أرجاء المنزل بعد أن تم إضاءة المصابيح.. نظرت إلى حُراسي وأمرتهم بحدة

 

" ابحثوا عنه في المنزل, واجلبوا لي الحقير "

 

" كما تأمر سنيور "

 

أجابني بيريز باحترام, ثم أعطى تعليماته لرجالي ليبحثوا في كامل المنزل عن الحقير ديسوتو.. رأيتهم يفتحون الأبواب ويبحثون في كامل الغُرف..

 

بعد لحظات قليلة سمعت صوت ذلك القذر وهو يهتف بفزع

 

" من أنتم؟ كيف دخلتم إلى منزلي؟ ماذا تريدون؟ "

 

رأيت رجالي يدخلون إلى الغرفة وهم يمسكون ديسوتو ويدفعونهُ بقوة إلى الأمام, ثم ألقوه أمامي ليسقط على ركبتيه على الأرض ووقف بيريز خلفه برفقة رجالي..

 

رفع ديسوتو رأسه عالياً وتأملني بنظرات مُرتعبة, ثم همس بصوتٍ مُرتجف

 

" ماتادور!... "

 

كانت عيناي تشتعلان بالغضب والاستياء بينما كنتُ أنظر إلى ديسوتو بنظرات تحمل تهديداً وغضباً شديداً..

 

أخرجت ورقة امتحان الطفل رامو ووضعتُها أمام وجه ديسوتو, ثم هتفت بغضب أعمى

 

"ما هذا؟ "

 

صرخت بقوة, وصوتي ازداد أكثر من جراء الغضب

 

" لماذا جعلتَ الطفل رامو يرسب في الامتحان؟ بينما كل إجاباته صحيحة بالكامل! "

 

في هذا الوقت, كان ديسوتو يشعر بالخوف يتسلل إلى عظامه, وحاول بكل ما أوتي من قوة تبرير أفعاله بأكاذيب لا تليق برجل تعليم.. تأملني الحقير بنظرات مُرتعبة وهو يحاول بيأس تبرير أفعاله المشينة أمامي..

 

" سيدي المتادور "

 

همس ديسوتو بصوت مرتجف, وتابع بذعر قائلا

 

" كان مُجرد خطأ لم أقصده, لم أنتبه عن غير قصد طبعاً.. أنا.. أنا.... "

 

الكلمات كانت تتلوى في عقله بينما حاول يائسًا إيجاد عذر مناسب وهو يرتجف من خوفه ويحاول بكل قوته تبرير أفعاله بأكاذيب لا يمكن تصديقها, لكن دون جدوى..

 

لكن المتادور بقسوة لا تلين لم يتلقى تبريراته بقبول.. وكانت عيناه تلتهبان بالغضب, ووجهه يعكس العزم والعدالة..

 

هتفت بصوت يهز الأرض

 

" يكفي, لا أريد سماع أكاذيبك اللعينة.. أنتَ تعرف جيداً ما فعلته, وعواقب أفعالك ستلاحقك "

 

لم يكن هناك مجال للمُعلم ديسوتو للهرب, ولم يكن هناك مجال للتبرير أمام قوة المتادور سلفادور والعدالة التي تحيط به..

 

لم يكن هناك مجال للرحمة, خاصةً بينما كنتُ أتذكر كيف رأيتهُ يلمس ساكورا.. أمرت رجالي بأن يجبروا ديسوتو على الوقوف أمامي.. وما أن أجبروه رجالي على الوقوف أمامي وهم يمسكون بإحكام كتفيه, وبقوة هائلة, لم أتردد في توجيه لكمة قاسية نحو وجه ديسوتو, كتحذير لمن يُسيء إلى الأبرياء..

 

صرخ ديسوتو بألم وكاد أن يقع لكن رجالي ثبتوا جسده بقوة وجعلوه يقف أمامي باستقامة.. وبينما كنتُ أنظر إلى وجهه بقرف, تذكرت بغضب أعمى كيف حاول ديسوتو أن يتحرش بـ لينيا.. لم أتردد برفع قبضتي وتوجيه ضربة قاسية أخرى نحو وجهه..

 

صرخ ديسوتو بألمٍ شديد بينما الدماء كانت تسيل من فمه وأنفه.. نظرت إليه بحقارة, وهتفت بغضب

 

" أريدُك أن تتذكر جيداً بأن عقاب الظلم لا ينتظر "

 

ثم اقتربت منه وهمست بأذنه

 

" ستدفع الثمن غالياً لأنك لمستَ ما هو مُلكي "

 

لكمت معدتهُ بقوة فشهق ديسوتو بألم وبدأ يبكي بخوف.. ابتعدت عنه ثم نظرت إليه بحقد وقلتُ له

 

" في الصباح سيأتي المحامي الخاص بي, سوف توقع على عقد بيع منزلك وتستلم النقود منه.. كما سوف تُقدم استقالتك لمدير المدرسة.. لديك مُهلة لغاية الساعة الواحدة ظهراً في الغد لتُغادر اكستريمادورا ونهائياً "

 

ثم نظرت إلى بيريز وأمرته

 

" قُم أنتَ والرجال بتلقينهُ درس لن ينساه أبداً.. واحرص على أن يُغادر الحقير المنطقة في الغد قبل الساعة الواحدة ظهراً "

 

ثم غادرت وذهبت إلى منزل مدير المدرسة, والذي استقبلني في هذا الوقت المتأخر بقلق, ولكنهُ وافق بسرعة على استقالة المُعلم ديسوتو بعد أن اكتشف ما فعله.. ثم اعتذر مني المدير رغم أن لا دخل له بما حصل.. وبعدها غادرت منزله بعد أن تأكدت منه بأنهُ توجد مُعلمة بدلية تستطيع أخذ مكان ديسوتو وتقوم بتعليم الأطفال مادة الرياضيات...

 

في اليوم الثاني**

 

لم أستطع الذهاب ورؤية ساكورا والاطمئنان عنها, إذ طيلة اليوم كنتُ مُنشغلا بأعمال شركاتي وفندقي, وطبعاً تأكدت من رجالي بأن ديسوتو قام بتنفيذ كل ما أمرتهُ به, إذ قام بالتوقيع على عقد بيع منزلهُ لي وكذلك قدم استقالته وغادر قبل الساعة الثانية عشر ظهرا اكستريمادورا إلى الأبد..

 

وفي المساء, وقفت أمام النافذة في مكتبي في القصر أنظر بحزن باتجاه مبنى الحُراس.. كانت السماء تُطمر كذلك الليلة.. راقبت بهدوء المبنى ولوقتٍ طويل, في النهاية تنهدت بحزن وصعدت إلى جناحي..

 

ولكن بينما كنتُ أصعد السلالم تجمدت على احدى الدرجات عندما رأيت خوان يصعد السلالم وهو مُبتل بالكامل.. وقف أمامي وتأملني بنظرات هادئة.. وضعت يدي على كتفه وسألتهُ بقلق

 

" خوان, أنتَ بخير؟ "

 

أومأ موافقاً, ثم تنهد بقوة وسألني

 

" هل وصلتك دعوة لحفلة خطوبة صديقك المُغفل ميغيل؟ "

 

أجبتهُ موافقا, ولكن شعرت بالصدمة عندما قال خوان بسخرية

 

" غريب!.. كيف ستسمح لصديقك بأن يرتبط بتلك العاهرة مارتا؟ هو يعلم جيدا بأنها امرأة رخيصة وخائنة.. كما لقد ذهبت واعترفت له بأنني أقمت علاقة جنسية معها قبل وفاة بينيتو بعدة أسابيع, ومع ذلك ما زال ميغيل يرغب بالارتباط بها "

 

توسعت عيناي وهتفت بذهولٍ شديد

 

" ما اللعنة التي تفوهتَ بها للتو؟ "

 

رفع خوان حاجبه وتأملني بنظرات غريبة, ثم قال بسخرية

 

" يبدو بأن صديقك العزيز ميغيل كان يُخفي عنك أسراراً كثيراً.. يبدو واضحاً بأنهُ يثق بك جيداً "

 

الصدمة لجمت لساني ولم أستطع التفوه بكلمة واحدة, ابتعد خوان عني وصعد إلى غرفته وتركني أتخبط بأفكاري المشوشة عن جنون ميغيل وسبب إخفائه عني لحقيقة مارتا وخيانتها له مع خوان.. حاولت أن أتصل به ولكنهُ لم يتلقى جميع مُكالماتي له..

 

ولكن في الصباح تلقيت صدمة كبيرة.. لم أتوقع بتاتا بأن تكون ساكورا هربت برفقة أريا.. رأيت الظلام أمامي وغضب عنيف لا مثيل له تملكني.. أردت تحطيم كل عظمة داخل جسد الحارسين الأحمقين, ولكن بصعوبة استطعت السيطرة على غضبي بينما خوان كان يضحك بمرح اللعين..

 

ولكن دهشتي كانت أكبر عندما وصل ميغيل وأخبرني بأن ساريتا كاريلو قد هربت..

 

خرجت برفقة خوان و ميغيل وذهبنا أولا إلى الموقع الذي أشار به جهاز التتبُع في سيارته.. وعندما وصلنا كانت الصدمة الكبيرة لنا...

 

 

لينيا هارفين**

 

فجأة, شعرت بشيءٍ حاد يدفعني بقوة.. وبعدها طار جسدي عاليا.. وصرخاتي وصرخات أريا ارتفعت في السماء قبل أن ترتطم أجسادنا بقوة بالإسفلت.. وانتشر الظلام من حولي....

 

ولكن رغم الظلام, سمعت صوت فتاة تبكي وهي تصرخ بفزع وبذعر لا حدود له

 

" إلهي, ساعدني.. أصبحت قاتلة.. لقد قتلت امرأتين.. لن أتحمل ذلك... ساعدني أرجوك... "

 

فتحت عيناي بضعف وأول ما رأيته فتاة جميلة تجلس بجانبي على ركبتيها وهي تنظر إليّ بفزع ودموعها تسيل بغزارة على وجنتيها..

 

تأوهت بألم بينما كنتُ أُحاول التحرك والجلوس.. فجأة, شهقت بذعر عندما هتفت تلك الفتاة بصوتٍ مُرتفع

 

" اععععععععععععع.. أنتِ بخير سنيوريتا, لم تموتي, الحمدُ الله على ذلك.. ظننت بأنني قتلتكِ "

 

شهقت بذعر عندما عانقتني تلك الفتاة بقوة وشرعت تبكي على كتفي..

 

تجمدت بذهول رغم شعوري بألمٍ شديد في ظهري بينما تلك الفتاة كانت تُعانقني وتبكي على كتفي.. نظرت باتجاه أريا, وهنا هتفت بضعف

 

" أريا.. أريا... لا!... "

 

ابتعدت تلك الفتاة بسرعة عني ونظرت بذعر إلى أريا وبدأت تبكي بفزع وهي تصرخ ببكاء

 

" لقد ماتت!.. لقد قتلتُها.. يا إلهي, ما هذه الكارثة؟ لقد أصبحت قاتلة... "

 

تحركت من مكاني بصعوبة واقتربت من أريا.. لمست عنقها بأصابعي, وفوراً تنهدت براحة عندما شعرت بنبضها..

 

نظرت إلى تلك الفتاة الباكية بجانبي وقلتُ لها بهدوء

 

" صديقتي لم تمُت, لا تخافي سنيوريتا "

 

توقفت تلك الفتاة عن البكاء ونظرت إلى أريا وهتفت بسعادة

 

" هي لم تمُت!.. الحمدُ الله.. هي ما زالت تتنفس.. لم أتحول إلى قاتلة "

 

نظرت إلى أريا ووضعت يدي على خدها وحاولت جعلها تستيقظ بينما كنتُ أهمس لها بقلق وبحنان

 

" أريا.. هل تسمعينني عزيزتي؟.. أريا, استيقظي.. أرجوكِ... "

 

خرج أنين ضعيف من بين شفتيها, ثم رأيت بسعادة أريا تفتح عينيها بضعف.. تساقطت دموعي بكثرة على وجنتاي وابتسمت بسعادة بينما كنتُ أنظر إلى أريا..

 

تأملتني أريا وهمست بضعف

 

" لينيا!.. لماذا تبكين؟ "

 

شهقت بقوة وعانقتُها بشدة بينما كنتُ أهمس بسعادة

 

" إنها دموع الفرح صديقتي.. ظننت للحظة بأنني خسرتكِ "

 

فجأة, شهقت أريا بدهشة عندما جلست تلك الفتاة بجانبنا على الأرض وأبعدتني عن أريا, رأيت الفتاة تُعانق أريا بقوة وهي تهتف ببكاء

 

" أنتِ بخير سنيوريتا.. ظننت بأنني قتلتكِ.. أنا آسفة.. لم أنتبه لكما "

 

وقفت وشعرت بألمٍ طفيف في ظهري, ثم ساعدت أريا لتقف.. عندما تأكدت بأنها بخير نظرت إلى تلك الفتاة والتي لم تتوقف للحظة عن البكاء, وسألتُها بقلق وبتوتر

 

" سنيوريتا, إن لم يكن هناك أي إزعاج, هل يمكننا الذهاب برفقتكِ إلى أقرب مــ... "

 

وقبل أن أُكمل كلامي, قاطعتني الفتاة هاتفة بفرح

 

" بالطبع لا يوجد أي إزعاج.. أستطيع أخذكما إلى أي مكان ترغبان به, ولكن بعيداً عن اكستريمادورا "

 

قهقهت أريا بمرح بينما أنا كنتُ أنظر إلى الفتاة بنظرات مُتعجبة.. ضحكت الفتاة بمرح وقالت وهي ترفع يدها لتصافحني

 

" صحيح بأن لقائي معكما كان كارثياً, ولكن أشعر بأنني أعرفكما منذ زمنٍ طويل.. بالمناسبة, اسمي ساريتا كاريلو "

 

صافحتُها بسرعة وقلتُ لها

 

" تشرفت بمعرفتكِ سنيوريتا ساريتا, أنا لينيا هارفين.. و.... "

 

وكالعادة قاطعتني ساريتا بسرعة وهتفت بذهول

 

" أنتِ هي البروفيسورة المشهورة التي يتكلمون عنها الجميع في اكستريمادورا؟ ياه, أنتِ جميلة جداً.. هل هربتِ من قصر المتادور؟ فكما أتذكر سمعت الخدم في قصر ميغو يتكلمون عنكِ وبأن رئيس عشيرة دي غارسيا المتادور سلفادور الشهير والوسيم وافق على العقاب الذي اتخذوه أفراد عشيرته بحقكِ, وهو أن تنجبي لهُ طفلا "

 

شحب وجهي بشدة وشعرت بالخوف يتسلل إلى كل خلية في جسدي.. نظرت إلى أريا ورأيتُها تتأملني بنظرات مُرتعبة.. بلعت ريقي بقوة ونظرت بذعر شل روحي إلى ساريتا..


رواية المتادور - فصل 20 - وقت الحساب

 

بينما كان جسدي يرتعش من الخوف والتوتر, ساريتا لم تنتبه لنظراتنا لها الغارقة في بحر من الخوف, بل تابعت قائلة بحماس شديد

 

" ماتادور سلفادور رجل وسيم جدا وفائق الرجولة.. رغم قصتكِ المُحزنة معه أرى قصتكِ رومانسية قليلا وتشبه أجمل المسلسلات المكسيكية "

 

تسارعت نبضات قلبي بينما كنتُ أتأمل ساريتا بفزع لا مثيل له.. وبخوف سمعت ساريتا تُتابع قائلة بحماس

 

" هل هربتِ من المتادور قبل أن.. احممم.. تعرفين ما أقصده, قبل أن تُصبحي حامل بطفله! "

 

حاولت السيطرة على دموع الخوف ومنعها من الهطول على وجهي.. رأيت ساريتا تتأملني بنظرات غريبة, ثم شهقت بقوة وهتفت بذهول

 

" إلهي!.. أنتِ فعلا هربتِ منه.. ياه.. "

 

ثم تبدلت بسرعة ملامح وجهها السعيدة إلى حزينة.. وسط خوفي الشديد سمعتُها بدهشة تقول بنبرة حزينة

 

" تبدين خائفة مني لينيا.. لا داعي بأن تخافي مني, فأنا كذلك هربت من رجل أحببتهُ بكامل جوارحي "

 

نظرت إليها بذهول إذ لم أتوقع هذا الاعتراف منها.. رأيت ساريتا تنظر إلى أريا, ثم كلمتها بحزن

 

" وأنتِ سنيوريتا, دعيني أُخمن, هربتِ أيضا من رجل تُحبينه لأنهُ ألمكِ وأحرق قلبكِ بشدة, أليس كذلك؟ "

 

شحب وجه أريا بعنف, وهمست بتلعثم

 

" أنا.. أنــ.. أنا.. أُدعى أريا.. و.. وأنا.. أنا... "

 

قاطعت أريا بسرعة قائلة

 

" أريا هي صديقتي, وهي تعمل في قصر المتادور.. لقد ساعدتني اليوم بالهروب.. هي فقط أتت برفقتي وقررت البقاء معي "

 

تأملتني أريا بدهشة, ثم ابتسمت برقة وقالت بنبرة حنونة

 

" نعم, أنا صديقة لينيا.. قررت اليوم مساعدتها بالهروب والبقاء برفقتها.. إذ ليس لدي عائلة أو أقارب "

 

قالت بحزن كلماتها الأخيرة وهي تُشيح نظراتها إلى البعيد.. نظرت ساريتا إلينا بحزن وقالت

 

" يبدو بأن القدر أراد أن ألتقي بكما اليوم.. وأنا سعيدة لأنني تعرفت عليكما.. والآن, حان الوقت لنغادر المكان وبسرعة "

 

مشينا برفقة ساريتا باتجاه سيارتها, نظرت باستحسان إلى سيارتها الرياضية الثمينة والتي يفوق ثمنها المليون يورو.. جلست في المقعد الأمامي بجانب أريا, والمقعد بالكاد كان يساعنا معاً.. وبينما كانت ساريتا تقود السيارة شعرت بالراحة كلما كنا نبتعد عن المنطقة..

 

ساريتا تبدو فتاة لطيفة جداً, كانت تتحدث معنا وكأننا أصدقائها منذ فترة طويلة.. فجأة أوقفت ساريتا سيارتها جانباً وأطفأت المُحرك..

 

نظرت إليها بتوتر ورأيتُها تتأملنا بنظرات سعيدة.. سمعت أريا تسألها بقلق

 

" ساريتا, لماذا أوقفتِ السيارة هنا؟ "

 

قهقهت ساريتا بمرح ثم قالت بجدية

 

" في هذه السيارة يوجد جهاز تتبُع.. لذلك علينا مُغادرة السيارة وبسرعة قبل أن يجدنا ميغو "

 

نبض قلبي بخوف, وسألتُها بسرعة

 

" ميغو؟!, من هو؟ ثم, هذه السيارة ليست لكِ؟ "

 

ابتسمت ساريتا بوسع, وقالت

 

" لا, هذه السيارة ليست لي.. يمكنكِ أن تقولي بأنني استعرتُها من مالكها "

 

شهقت أريا بفزع وهتفت بذعر

 

" هل سرقتِ هذه السيارة؟.. إلهي, لقد وقعنا في ورطة كبيرة.. سيتم سجننا إلى الأبد بتهمة سرقة سيارة تساوي الملايين "

 

ضحكت ساريتا بمرح, ثم قالت بثقة

 

" لا تخافي, لن يتم القبض علينا بتهمة السرقة "

 

ترجلت ساريتا من السيارة وهتفت قائلة بمرح

 

" عليكما النزول وبسرعة, فصاحب هذه السيارة قد يأتي في أي لحظة.. وعلى فكرة, مالك السيارة هو صديق مُقرب من المتادور "

 

صرخت بذعر وترجلت مُسرعة من السيارة, وقفت  أريا بجانبي وهي ترتجف من الخوف, ثم همست بفزع

 

" لينيا, أنا خائفة جداً.. إن وجدنا المتادور سوف تحل كارثة علينا "

 

أمسكت يدها وهمست قائلة بأمل

 

" لن يجدنا, لا تخافي.. يجب أن نُغادر المكان وبسرعة قبل يجدنا أحد "

 

ثم سألت أريا بخجل بينما ساريتا كانت تتأملني بفضول

 

" أريا, هل تحملين بعض النقود؟ "

 

ابتسمت أريا برقة وأجابتني

 

" نعم, بالطبع.. أنا أحمل بعض النقود معي.. هو مبلغ صغير ولكنهُ يكفي لنصل إلى منزلكِ في منطقة المارينا "

 

قفزت بذعر في مكاني عندما هتفت ساريتا بحماس قائلة

 

" لا تقلقوا بخصوص النقود.. معي مبلغ صغير سيكفي لنتناول الطعام أولا ثم نبتعد عن المنطقة بما فيه الكفاية.. أولا أنا جائعة وجداً, أستطيع التهام فيل بكامله.. فأنا أتضور جوعاً "

 

قهقهت برقة, ثم نظرت إلى ساريتا و أريا وقلتُ لهما

 

" أنا شاكرة لكما, فكل ما أمتلكهُ حتى جواز سفري هم بحوزة المتادور.. ولكن عندما أصل إلى منزلي سأبيع ما أمتلكهُ من مجوهرات وأُسدد لكما كل مــ.. "

 

قاطعتني أريا قائلة بغصة وبحزن

 

" لينيا, لا تقولي ذلك, سأعتبرها إهانة لي.. فأنتِ صديقتي, بل شقيقتي.. ولا يوجد دين بين الشقيقات "

 

شهقت ساريتا بقوة, ثم هتفت ببكاء

 

" أريا, أنتِ إنسانة رائعة.. لقد أحببتكِ بصدق "

 

ركضت ساريتا ووقفت أمامنا, تأملتني بنظرات حنونة وقالت

 

" وأنتِ إنسانة رائعة لينيا.. وسأُخبركِ بصدق بأنني لم أُصدق جميع الإشاعات التي قيلت عنكِ في القرية "

 

وبدهشة كبيرة رأيت ساريتا تقترب وعانقتني مع أريا بقوة, ثم قالت بسعادة

 

" أنا محظوظة لأنني تعرفت عليكما اليوم رغم أنني دهستكما بالسيارة "

 

ثم ابتعدت عنا وسألتنا بتعجُب وبخجل

 

" هل أنتما متأكدتان بأنني لم أُحطم عظامكم بالحادث؟ "

 

ضحكت بمرح بينما كانت أريا تُجيبها وهي تضحك

 

" بل حطمتي مؤخرتي وظهري المسكين.. من الجيد بأننا لسنا بحاجة للذهاب إلى المستشفى "

 

وهبت الرياح وهي تحمل أصوات ضحكاتهم وهم يسرحون بعيدًا عن السيارة, وهم يمشون على الرصيف بمرح وسعادة كما لو كانوا أصدقاء منذ زمن بعيد.. كانت اللحظات المُبهجة تتوالى وتتناغم مع الهواء النقي والمناظر الخلابة التي تجتاحها أنفاس الحرية..

 

وصلوا الفتيات الثلاثة بجانب حدود اكستريمادورا الشمالية وتحديداً إلى منطقة قشتالة, حيث توقفوا أمام مقهى صغير يعانق أطراف الشارع.. دخلوا المقهى بنشوة وسعادة, واستمتعوا بتناول الطعام اللذيذ والمشروبات المنعشة, وسط جو من الحميمية والهدوء..

 

لينيا و أريا لم يتوقفا عن الضحك بسعادة بينما كانا يُراقبان ساريتا وهي تتناول كمية كبيرة من الطعام يكفي لخمسة أشخاص.. ولم ينتبهوا لنظرات الإعجاب الموجهة لهم من قبل الرجال داخل المقهى..

 

بعد الاستراحة, انطلقوا مجددًا بسيارة أجرة في اتجاه منطقة ليون القريبة من قشتالة, حيث كانت المدينة ترحب بزوارها بأبواب مفتوحة.. وعندما وصلوا إلى مدينة ليون, كانت الساعة قد أصبحت السابعة مساءً..

 

قرروا الفتيات الثلاثة أن يأخذوا غرفة في فندق متواضع, وفور وصولهم إلى الاستقبال, لاحظت لينيا بالفعل التوتر الذي يعتري ساريتا..

 

كان وجه ساريتا شاحب جداً وتبدو على وشك الإغماء.. اقتربت منها وسألتُها بقلق

 

" ساريتا, أنتِ بخير؟ تبدين شاحبة و خائفة "

 

تأملتني ساريتا بنظرات متوترة, ثم همست بأنفاس مُتسارعة

 

" أنا بخير.. أنا فقط لا أُحب الفنادق والتواجد بها "

 

نظرت إليها بحزن وهمست بصدق قائلة لها

 

" إن أردتِ يمكننا الخروج من هنا "

 

هزت ساريتا رأسها بالرفض وقالت بثقة

 

" لا, لا داعي بأن نفعل ذلك.. إنها مُجرد ليلة واحدة فقط وستمضي بسرعة "

 

فتحت أريا حقيبتها وأعطت الموظف هويتها, ودفعت أجرة لغرفة واحدة فقط لهذه الليلة.. وبينما كان الموظف يتعامل مع الإجراءات, قامت ساريتا بسرعة بتقديم ورقتين نقدية من فئة المائة يورو له, معبرة عن شكرها وامتنانها للتسهيلات التي قدمها الموظف بعدم تقديم هويتي وهوية ساريتا له لأنها ببساطة ليست في حوزتنا..

 

عندما دخلوا إلى الغرفة, استأذنت ساريتا بسرعة من أريا و لينيا وانسحبت إلى الحمام, تاركة الفتاتين اللتين كانتا تقفان في وسط الغرفة الصغيرة..

 

وقفت أمام أريا بتوتر وقلق, ونظرت إليها بعيون يعبسُها القلق.. تنهدت بعمق وسألتها بصوت متردد وهامس

 

" أريا, هل قام سنيور خوان باغتصابك؟ لذلك هربتِ من القصر وتركتِ أخواتكِ؟ "

 

انحبست الأنفاس, وشحب وجه أريا بينما كانت تنظر إلى لينيا بخوف.. لم تستطع الرد, لكن الصمت الذي تبع كان كافيًا ليؤكد الشكوك والتردد..

 

بدأت في البكاء بينما كنتُ أنظر بحزن إلى أريا, وقلتُ لها بصوت متألم ومتأثر

 

" أنا أعلم بما حدث لكِ في تلك الليلة, لقد رأيتكِ وعرفت بما فعلهُ بكِ.. أنا أعلم مدى ألمكِ الآن بسبب ما فعله سنيور خوان.. أرجوكِ, تحدثي معي.. أنا هنا لدعمكِ وللمساعدة "

 

هزت أريا رأسها بقوة وهمست بصوتٍ مُختنق

 

" لا, لم يغتصبني.. سبق وأخبرتُكِ بأنني سلمت نفسي له.. لقد هربت لأنني أحبه, بينما هو لا يبادلني مشاعر الحُب "

 

جلست على الأريكة وجعلت أريا تجلس بجانبي.. أمسكت يدها وضغطت عليها برفق.. نظرت إليها وهمست بحزن

 

" أنتِ لا تعرفين كيف تكذبين صديقتي.. أعدُكِ بأنني سوف أساعدكِ وأقف بجانبكِ دائماً.. ما حصل معكِ مؤلم جداً وقاسي لأبعد الحدود.. لا يوجد فتاة تستطيع تحملهُ.. لذلك أنا سأبقى معكِ وأُساندكِ وأُساعدكِ, ومهما بلغ الألم في قلبكِ تستطيعين التغلب عليه و... "

 

توقفت عن التكلم عندما سمعنا بذعر صوت صرخة مُرتعبة من داخل الحمام.. وقفت بسرعة وركضت باتجاه الحمام.. طرقت على الباب بقوة وهتفت بقلق

 

" ساريتا, أنتِ بخير؟ افتحي لي الباب لو سمحتِ "

 

لكن سمعت صوت بُكاء وشهقات من الداخل, شعرت بالخوف على ساريتا, لذلك ودون تردد فتحت الباب لأرى بصدمة كبيرة ساريتا تجلس في زاوية الحمام الصغير وهي تُعانق ساقيها وتبكي بفزعٍ شديد..

 

ركضت وجلست على ركبتاي أمامها.. أمسكت كلتا يديها وسألتُها بقلق

 

" ساريتا, ماذا حصل؟ لماذا تبكين؟ "

 

سمعت خطوات خلفي وعرفت بأن أريا قد دخلت إلى الحمام.. ولكن تخشب جسدي بكامله عندما بدأت ساريتا تبكي بشكلٍ هستيري وهي تهتف بفزع وكأنها في عالم آخر

 

" لقد خدرني.. ليس ذنبي.. لم يكن ذنبي.. لقد خدرني وسمح لهُ باغتصابي.. كنتُ خائفة.. كنتُ مرعوبة.. لم أستطع منعهُ من لمسي.. أنا أكره الفنادق.. لا أحبها.. سيأتي ويُخدرني من جديد.. سيأتي.. أنا خائفة.. خائفة جدا.... "

 

سمعت أريا تشهق بذهول بينما أنا تجمدت نظراتي على ساريتا بصدمة كبيرة.. لم أستطع التكلم, لم أستطع تصديق ما سمعتهُ منها.. عرفت بأن المسكينة تعرضت لاغتصاب هي الأخرى, وذلك أحرق روحي..

 

تساقطت دموعي بكثرة على وجنتاي, عانقت ساريتا بقوة وبكيت بحزنٍ عميق على حالها..

 

سمعت أريا تبكي كذلك, وغرق الحمام بدموعنا وشهقاتنا.. كنا ثلاث فتيات بريئات اجتمعوا بطريقة غريبة, القدر جمعهم بالصدفة ليهتموا ببعضهم البعض ويواسون بعضهم..

 

ثلاث فتيات أرهقتهم الأحزان, وأرهقهم الظلم.. ثلاث فتيات تعرضوا لأحداث قاسية وظلم لا مثيل له.. وثلاث فتيات لا يعلمون ما يُخبئ لهم القدر قريباً..

 

شهقت بقوة بينما كنتُ أضم جسد ساريتا إلى صدري.. ابتعدت عنها قليلا, مسحت دموعي ونظرت إليها بألم.. ابتسمت بحزن وهمست ببكاء قائلة لها

 

" لا تخافي حبيبتي, لن يأتي إلى هنا.. لن أسمح لهُ بأن يقترب منكِ من جديد.. ثقي بي ساريتا "

 

رغم أنني لم أكن أعلم من هو الرجل الذي خدرها واغتصبها, بل لم يكن لدي أدنى فكرة عما حصل لها فعليا للمسكينة, ولكن لم أستطع تركها تبكي وترتجف من الخوف, كان يجب أن أساعدها بأي طريقة..

 

بعد وقتٍ طويل هدأت ساريتا وتوقفت عن البكاء.. وقفت وساعدتُها لتقف.. خرجت من الحمام برفقتها و أريا, وما أن كنا على وشك الاقتراب من السرير الصغير, تجمدنا فجأة بذعر ونظرنا بصدمة كبيرة باتجاه الباب, إذ سمعنا صوت ارتطام حاد وقوي, وفجأة رأينا الباب ينفتح بقوة ليرتطم بعنف على الحائط مُصدراً صوتاً مُرعباً..

 

عندما سمعت الفتيات الثلاثة صوت الخبطة القوية, تجمدت قلوبهن في مكانها وساد الذعر الفجائي ضجيج الغرفة.. بينما كانوا ينظرون إلى الباب الذي انفتح بقوة, شهدت كل واحدة منهن وجود ثلاثة رجال يدخلون بخطوات هادئة وثابتة, ولكن الهواء الثقيل المحمل بالتوتر أخبرهن أن هذه الزيارة ليست بالطبيعية بتاتا..

 

وفي هذه اللحظة المُرعبة, نظرت أريا بذعر إلى خوان, الذي كان يقف في الزاوية بنظرات مرعبة ترمي بالرعب إلى قلبها, وكأن الظلام نفسه اتخذ شكله..

 

في الوقت نفسه, وقفت ساريتا ترتعش بذعر لا يوصف عندما رأت ميغيل وهو يقف برفقة رجلين وهو ينظر إليها بعيون مُخيفة, وكأنها تحلم بكوابيس لا تنتهي..

 

أما لينيا, فقد رأت المتادور سلفادور يقف في الغرفة, وعيناه تشتعلان بغضبٍ مخيف, مما جعلها تشعر بالرعب والهلع يغمرانها..

 

رغم الخوف الذي سيطر على جسدي, وقفت أمام ساريتا و أريا, حاولت حمايتهم بجسدي وعيوني تتحدى الرجال الثلاثة بشجاعة رغم أن روحي غرقت في بحر من الخوف..

 

بقوة وجبروت هتفت

 

" إياكم أن تقتربوا, لن أسمح لكم بلمس أريا و ساريتا "

 

فجأة, أصبح سلفادور أمامي, أمسك كتفاي وأبعدني بعنف عن أريا و ساريتا.. حاولت مُقاومته خاصةً عندما سمعت أريا تصرخ بفزع ثم سمعت ساريتا تصرخ ببكاء خوفاً من ذلك الرجل..

 

احتضنني سلفادور بقوة لدرجة أنهُ كان على وشك تحطيم ضلوعي.. نظر في عمق عيناي بغضبٍ شديد, قائلاً بصوت حاد أرعبني للموت

 

" انتهى وقت الهروب وحان وقت الحساب, ساكورا "

 

سمعت أريا تصرخ بذعرٍ شديد, وهنا التفت ونظرت إليها, رأيت بذعر أحرق روحي خوان يُعانق أريا بقوة ثم كتم صرختها إذ وضع يدهُ على فمها, ورأيت بصدمة كبيرة جسد أريا يرتخي وغابت عن الوعي في أحضان خوان.. لقد خدرها, إذ عندما أبعد خوان يدهُ عن فمها وأنفها رأيتهُ يمسك بقطعة صغيرة من القماش..

 

بدأت أبكي وأنا أتخبط بين ذراعين سلفادور, تساقطت دموعي بكثرة على وجنتاي, وهتفت بجنون

 

" لاااااااا.. أيها القذر, ماذا فعلتَ بها؟ "

 

رأيت خوان دي غارسيا يحمل أريا بذراعيه وغادر الغرفة مُسرعاً.. ولكن خوفي الأكبر كان عندما رأيت ساريتا تبكي وهي تقاوم ذلك الرجل.. وبذعر لا مثيل له رأيت ذلك الرجل يقوم بتخدير ساريتا كما فعل خوان مع أريا..

 

ارتعش جسدي بقوة وتوقفت عن المقاومة بينما كنتُ أرى ذلك الرجل يحمل ساريتا ويغادر الغرفة..

 

" لاااااااااااااااا.. "

 

صرخت بخوف مزق أحشائي على أريا و ساريتا.. ولكن سلفادور أمسك فكي بقبضته وحرك رأسي بعنف إلى الأمام ونظر في عمق عيناي بنظرات قاتلة, وهمس بنبرة أرعبتني

 

" إنهُ وقت الحساب, ساكورا.. هل فعلا ظننتِ بأنكِ تستطيعين الهروب مني بهذه السهولة؟ "

 

شهقت بألم عندما ضغط ذراعيه أكثر حول ذراعاي وظهري, وسمعتهُ بفزع يهمس بغضبٍ مُخيف

 

" أنتِ مُلكي ساكورا.. وسأجعلكِ تدفعين الثمن غالياً بسبب هروبكِ اللعين "

 

شهقت بضعف عندما مزج شفتيه بـ شفتاي وقبلني قبلة قاسية كانت عقاب مؤلم جدا بالنسبة لي.. قبلني سلفادور بوحشية لدرجة أنهُ مزق شفتاي بأسنانه.. وهذه المرة لم يكترث لدموعي المتساقطة بغزارة على وجنتاي..

 

توقف عن تقبيلي ونظر إليّ بنظرات أحرقت قلبي.. شهقت بألم عندما اعتصرني بقوة بذراعيه لدرجة لم يعُد باستطاعتي التنفس..

 

شعرت بيدهِ تُغطي فمي وأنفي.. استنشقت رائحة قوية أحرقت أنفي ورئتاي.. فجأة, بدأت أرى وجه سلفادور يختفي من أمامي.. ولكن قبل أن أغرق في الظلام سمعتهُ يقول

 

" وقت الحساب قد حان, وهذه المرة لن أرحمكِ ساكورا.. فأنتِ مُلكي.. وسأجعلكِ تعرفين ما يعنيه بأن تكوني من أملاكي "

 

وغرقت في الظلام.. ذلك الظلام الذي لا يعرف أي رحمة أو شفقة...

 

انتهى البارت








العودة إلى الفصل 19 ᐸ



العودة إلى الفصل 17 ᐸ




فصول ذات الصلة
رواية المتادور

عن الكاتب

heaven1only

التعليقات


إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

اتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

لمدونة روايات هافن © 2024 والكاتبة هافن ©