الصمت
ساريتا**
ركبت شمس ماردة الإسبانية قلب المدينة الفاتنة.. حيث يتلألأ جمال
القصر الفخم الذي يحمل اسم كاريلو.. وأشعة الشمس برزت جمالية القصر بأناقة وسحر..
يتزين القصر بهندسة معمارية رائعة وحدائق تشع بالجمال.. مما يجعله
يبرز في سماء المدينة كاللؤلؤة في خضم هذا الجو المليء بالسحر.. حيث تتناغم
العمارة الرائعة مع جمال الحدائق المحيطة به.. الزهور المتنوعة تتناغم مع الأشجار
الخضراء لتزيين المناظر الطبيعية المحيطة بالقصر.. وكأنها لوحة فنية تعبر عن روعة
الطبيعة والثقافة الإسبانية..
ساريتا.. الوريثة الشابة لهذا التراث الفاخر.. تعيش حياة فاخرة بين
جدران هذا القصر الذي يعكس أصالة الثقافة الإسبانية..
في غرفة نومها الفاخرة.. كانت ساريتا جالسة على السرير الفخم.. وهي
تضع يدها برقة على خدها الناعم..
الغرفة مليئة بأنفاس الأزهار الرائعة.. وكأنها ترقص حول ساريتا لتعزف
لحن العشق الذي يملأ قلبها.. تغمرها ذكريات حبها مع خورخي.. فتحيك خيوطها الرقيقة
في ذهنها.. وتشعر بالدفء ينبعث من الذكريات الجميلة التي عاشتها معه..
أغمضت ساريتا عينيها كما لو كانت تحتضن تلك اللحظة بكل مشاعر الحب
والحنان.. تذكرت لحظاتها المميزة مع خورخي وشعرت بالحنين إلى لحظة لقائهما الأول..
تساءلت ساريتا في صمت عن مصير حبها لـ خورخي.. وكيف سيؤثر القدر في
حياتهما.. لكن بينما تستمتع بتلك الذكريات.. تذكرت والدها بحزن..
تساقطت دموع حزينة على وجنتيها الناعمتين.. وشعرت ساريتا بألمٍ عميق
في صدرها.. بسبب معرفتها العميقة بكره والدها لحبيبها خورخي..
ليون كاريلو.. والد ساريتا.. يعتبر نفسه رجلًا من الطبقة الأرستقراطية
الراقية.. ويعارض بشدة علاقة ابنته مع شاب من الطبقة الاجتماعية الدنيا..
خيوط القدر تتشابك في عقل ساريتا.. وتساورها تساؤلات عميقة.. ولكن في
هذه اللحظة اتخذت قرارًا حاسماً.. قرارًا مصيريًّا بالهروب مع حبيبها خورخي
الليلة.. قرار يعني ترك الحياة الفاخرة وراءها.. واختيار حياة مليئة بالغموض والحب..
إنها لا تخفي أن والدها ليون كاريلو لن يتقبل هذا القرار.. ولكنها مصممة على السعي
وراء الحياة التي ترغب بها..
في هذه اللحظة.. عندما أصبحت القرارات مصيرية.. تذكرت ساريتا بحزن كيف
تابع والدها ليون تهميش حبها لخورخي.. اعتبر أبوها هذا الشاب الفقير خطرًا على
عائلتهم النبيلة.. وأخبرها بأن خورخي لا يرى فيها سوى جائزة مالية يمكنه الحصول
عليها.. كان يجهل الحب الحقيقي الذي نشأ بين ساريتا وخورخي..
كما في الأمس هددها والدها ليون بحرمانها من الميراث ومن جميع ما
يملكهُ إن هربت من المنزل وذهبت إلى ذلك الشاب..
عندما تذكرت تلك اللحظات القاسية مع والدها.. شعرت ساريتا بوخز الألم
في قلبها.. هذا الحب المُحرم الذي نما في قلبها والذي لا يمكن تفسيره بأي ثمن..
واليوم.. قررت أن تجازف بهذا الحب.. وتعيش حياتها بالطريقة التي تحلم بها..
في هذه اللحظة.. نبض قلب ساريتا بالشجاعة والحب المطلق.. ستتخذ خطوة
خارج إطار الراحة الذي تعلمته طوال حياتها.. وستسعى للعيش وفقًا لإرادتها الخاصة..
يأتي هذا القرار بسعادة وقوة.. ولكن مع ذلك.. تدق الشكوك والمخاوف في قلبها بشأن
كيفية تأثير هذا القرار على علاقتها بوالدها ووالدتها ومستقبلها..
مسحت دموعي عن وجنتي وهمست بتصميم
" سوف يُسامحاني في المستقبل.. عندما يعلمان بأنني سعيدة مع خورخي
سوف يُسامحاني "
نظرت ساريتا إلى صورة تجمعها مع والدتها روزا.. تنهدت برقة وقالت بحزن
" سامحيني أمي.. ولكنني أحب خورخي جدا "
أمسكت هاتفي واتصلت بحبيبي خورخي.. ثواني قليلة سمعتهُ يقول بنبرة
حنونة
( حبيبتي.. هل أنتِ بخير؟ )
ابتسمت بوسع وأجبته
" أنا بخير حبيبي.. اتصلت بك الآن لأطلب منك أن تنتظرني الليلة
أمام مقهى العشق.. وتحديداً في الساعة التاسعة مساءً.. أريد أن أراك "
اتخذت قرار بمفاجأة خورخي الليلة بأنني سأهرب معه.. سيشعر حبيبي
بالسعادة عندما أخبره بأنني تخليت عن كل شيء من أجله.. سنتزوج وسنعيش بسعادة إلى
الأبد..
سمعت خورخي يُجيبني بنبرة حنونة
( حسناً.. أراكِ في المساء حبيبتي.. لا تتأخري )
أجبتهُ موافقة وأنهيت المكالمة... وبدأت بالتخطيط لكيفية الهروب من
القصر الليلة.. في الحقيقة هروبي من القصر الليلة سيكون سهلاً.. والدي سيذهب برفقة
والدتي روزا إلى العشاء خارج القصر.. لديهم حفلة خيرية.. أستطيع بسهولة الخروج من
القصر والذهاب للقاء خورخي..
خطة سهلة وبسيطة جداً.. بعد ذهاب والدي سأذهب في سيارتي إلى المقهى
وأنتظر خورخي.. وبعدها نهرب معا في دراجتهِ النارية التي يمتلكها..
وفي تمام الساعة الثامنة والنصف ليلاً.. خرجت من القصر وقدت سيارتي
بورش باتجاه مقهى العشق.. أوقفت السيارة في موقف خاص.. ترجلت منها ووضعت المفتاح
في حقيبة يدي..
تنهدت بعمق ونظرت أمامي بسعادة.. وجدت نفسي وسط الشوارع الضيقة
والبساتين الساحرة في ماردة.. رغم المخاطر والتحديات.. أنا متأكدة بأن هناك حياة جميلة
تنتظرني خارج الأسوار الذهبية لقصر والدي.. ستكون هذه الليلة لحظة تحول في حياتي..
مشيت باتجاه المقهى ووقفت أمامه بانتظار وصول حبيبي.. دقائق قليلة
رأيت دراجة نارية تقترب من المقهى.. اتسعت ابتسامتي عندما وقفت الدراجة النارية
أمامي وخلع خورخي الخوذة عن رأسه ثم ابتسم بوسع وقال بنبرة حنونة
" اصعدي حبيبتي "
ضحكت بسعادة وركضت عدة خطوات ووقفت أمام دراجته.. صعدت إليها وجلست
خلف حبيبي وتشبثت بخصره بكلتا يداي.. ثواني معدودة أقلع خورخي بدراجته وقادها
باتجاه المبنى القديم الذي يعيش به..
عندما وصلنا إلى المبنى صعدت إلى شقة خورخي.. جلست على الأريكة
القديمة ونظرت إليه بتوتر.. كنتُ أشعر بالحماس وبالتوتر بسبب ما سيحدث قريباً..
رغم حُبي الكبير لـ خورخي لم أسمح لهُ بلمسي.. وهذا أحزنه.. ولكن
الليلة قررت أن أسلمهُ نفسي ونتزوج في هذا الأسبوع ونعيش بسعادة إلى الأبد..
جلس خورخي بجانبي ونظر إليّ وسألني
" حبيبتي.. أردتِ رؤيتي الليلة.. هل وافق والدكِ أخيراً بأن
نتزوج؟ "
ابتسمت بوسع وأجبته
" لا.. لم يوافق والدي.. لقد تشاجرت معهُ في الأمس.. هو رافض
كلياً أن نتزوج.. لذلك.. لذلك.. "
توقفت عن التكلم ونظرت إليه بعيون مليئة بالشجاعة والقرار.. وهمست
برقة
" خورخي.. "
ثم تابعت قائلة بصوتٍ ثابت
" لقد هربت من القصر الليلة.. ولن أعود إليه.. وأنا أرغب في
البقاء معك.. سأبقى معك ونتزوج "
في البداية.. ظهر على وجه خورخي ذهولٌ كبير.. يتلوه صدمة عميقة.. وساد
الصمت بيننا للحظات.. كان خورخي يتأملني كما وكأنه يعيش في واقع آخر.. أو في عالمٍ
آخر..
ثم.. عندما انقشعت عبارات ساريتا في ذهنه.. فقد خورخي السيطرة.. إذ
قفز واقفاً وانفجر بغضب.. وصراخه ارتفع في الهواء كالرياح الجارفة
" ماذا فعلتِ؟ "
ووسط ذهولي الشديد من ردة فعله.. عاد خورخي يصرخ بجنون وعيناه تلمعان
بغضب ملتهب
" لماذا فعلتِ هذا؟.. لماذا هربتِ من قصر والدكِ؟.. هل جُننتِ؟
"
ارتجفت بقوة بينما كنتُ أنظر إليه بضياع وبخوف وبعدم الفهم.. بلعت
ريقي بقوة وأجبتهُ بصوتٍ هامس بالكاد خرج من حُنجرتي
" أنا فقط أردت أن نكون معًا.. خورخي.. أنا أحبك.. أريد أن أبقى
معك.. أموال والدي وقصوره لا تهمني.. أردت حياة مختلفة.. أريد أن أبقى معك طيلة
العُمر.. أريد حياة حيث نستطيع أن نحب بحرية ونعيش بسعادة معاً "
هتف خورخي بتجهم بينما كان يُسرع خطواته نحوي
" حُب؟ "
وقف أمامي وأمسك معصمي بقوة بقبضتهِ وعاد وهتف بغضب بينما كان ينظر
بحقد في عمق عيناي الدامعتين
" أنا لا أحتاج إلى الحب.. أنا أحتاج إلى المال.. وكنتِ أيتُها
الغبية بالنسبة لي فقط وسيلة للحصول على المال "
تسارعت نبضات قلبي.. وتسارعت أنفاسي.. وشعرت بالدم يحترق في عروقي.. ارتعشت
شفتاي بقوة وسألته بصدمة كبيرة وبتوتر بينما جسدي كان يرتجف من الخوف والصدمة
" ما الذي تقوله؟ "
" "أنا لا أحبكِ "
أعلن خورخي بصراحة بينما كان يُلصق جبينهُ على جبيني.. نظر بحقد إليّ
وتابع بسخط وبغضب هاتفاً
" وأنا لم أحبكِ أبدًا.. كنتِ فقط ورقة في خطتي للحصول على ثروة
والدكِ "
تحطم قلبي واحترق.. وكأن كلمات خورخي قد طعتني بالسكاكين في جميع
أنحاء جسدي.. تشابكت الدموع في عيناي.. وحاولت قول شيء.. لكن الكلمات اختنقت في حلقي..
تأملني خورخي بنظرات سعيدة بينما كان يرى مُعاناتي.. ولكنه استمر في
إلقاء كلماتهِ القاسية والمؤلمة لي
" أنتِ لستِ سوى ورقة في اللعبة.. اللعبة الخاصة بي "
تساقطت دموعي بلا توقف.. وبدأت أرتعد تحت وطأة صدمة اعترافات خورخي..
تكاد تتأرجح الأرض من حولي.. وكأن واقع الكلمات تتلاشى في سماء الفراغ..
نظرت إلى خورخي بعيون مليئة بالحزن والخيبة.. وهمست بصوت مُرتعش
" لماذا أنا؟.. لماذا فعلتَ هذا بي؟ "
تأملني خورخي بنظرات مليئة بالاستفزاز وهو يُبعد وجهه عني.. وهتف بحقد
" لأنني لا أحتاج إليكِ.. أنا أريد المال.. وهو كل ما أريده..
وأنتِ كنتِ فريسة سهلة.. غبية وساذجة.. استطعت خداعكِ بسهولة وايهامكِ بحبي لكِ..
ولكنكِ أفسدتِ لعبتي بكاملها بسبب هروبكِ من قصر والدكِ الليلة أيتُها الغبية
"
وضعت يدي على قلبي أتمسك بقلبي المكسور.. وأجبتهُ بحزن عميق
" أنا حقاً أحزن على نفسي.. لأنني أحببت رجلاً قذرًا مثلك "
تبدو كلماتي بالنسبة لـ خورخي كريشة تطير في فضاءٍ فارغ.. لم يتأثر
بتاتاً بها.. وقفت بهدوء ومشيت ببطء باتجاه باب الشقة في المحاولة للخروج من هذا
الكابوس..
وصلت إلى الباب وفتحته.. ولكن قفزت بذعر عندما أغلق خورخي الباب بشدة..
تراجعت خطوة إلى الوراء.. الرعب تسلل إلى قلبي.. ولكن حاولت السيطرة على نفسي
خاصةً عندما قال خورخي وهو يقف أمامي
" إلى أين تظنين نفسكِ ذاهبة ساريتا؟ "
ابتعدت عنهُ وهمست بصوتٍ مرتعش بينما كنتُ أحاول تهدئة نفسي والسيطرة
على خوفي
" أنا لا أستطيع البقاء هنا.. دعني أذهب.. لقد انتهى كل شيء
بيننا "
وقف خورخي أمامي وتأملني بنظرات جعلتني أرتعش من الخوف.. وهتف بسخط
وبغضبٍ عنيف أرعبني للموت
" لا.. أنتِ لا تستطيعين الذهاب.. لقد أفسدتِ كل شيء.. والآن حان
الوقت لأستفيد منكِ "
نظرت إليه بذهول وهمست بذعر
" ماذا تعني؟ "
ابتسم خورخي ابتسامة شريرة.. وقال بنبرة مُخيفة
" تذكري كيف خربتِ خطتي الليلة.. لقد كانت خطة سهلة للحصول على
ثروة والدكِ القذر.. لكنكِ أفسدتِ كل شيء.. والآن.. يمكنني أن أستفيد منكِ بطرق
أخرى "
تجمدت في مكاني وشعرت بالضعف يتسلل إليّ.. أدركت أن خورخي ليس فقط
قلبًا جامدًا بل وعقلًا ملتويًا.. وأنا الآن في وضع يفوق قدرتي على التحكم فيه..
رأيتهُ بذعر يقترب من المنضدة بجانبه.. فتح الدُرج وأخرج حقنة منها..
نظرت بفزع إلى الحقنة والتي كان يمسكها بإحكام بقبضة يده..
بدأ خورخي يقترب مني بخطوات بطيئة.. شعرت بالرعب يتملك قلبي وكياني..
لم أكن أعرف ما هي تلك الحقنة.. ولكن عرفت بأنني في خطر..
وقبل أن يصل إليّ ركضت هاربة من أمامه.. ولكن أمسكني خورخي بذراعي
وجذبني بعنف إلى الخلف ليلتصق ظهري بصدره..
بدأت أقاومهُ بفزع وسالت دموعي الحارقة على وجنتاي.. بكيت بفزع بينما
كنتُ أحاول تحرير نفسي من قبضته.. وهتفت بعذاب وبخوف وبرجاء
" ساعدوني.. أبي.. أبي ساعدني... "
ضحك خورخي ضحكة شريرة وهمس بحقد
" لن يُساعدكِ أحد هنا حبيبتي "
وفجأة شعرت بوخزة مؤلمة في عنقي.. ثواني قليلة شعرت بشيء ساخن يُحرق
الشرايين في عنقي.. وتوقفت عن المقاومة نهائياً.. شعرت بجسدي يتجمد.. وكأن قوة
غريبة كانت تتحكم به..
تساقطت دموعي الحزينة كالمطر على وجنتاي عندما قبلني خورخي على خدي
وساعدني لأمشي وأجلس على الأريكة.. وقف أمامي وابتسم ابتسامة شريرة.. ثم انحنى
ومسح بأصابعه الدموع عن وجنتاي وقال بسخرية
" لا تبكي ساريتا.. أنا لن أؤذيكِ ولن ألمسكِ.. في الحقيقة أنا لدي
حبيبة ولدي ابن منها.. وأنا أعشق حبيبتي بجنون.. ولكن أنا أعمل مع المافيا.. في
الحقيقة عملي سهل ومُربح وليس خطيراً.. هل ترغبين بمعرفة ما هو عملي مع المافيا؟
"
كنتُ أجلس على الأريكة بهدوء أنظر إليه بصدمة كبيرة بينما دموعي
تتساقط بغزارة على وجنتاي.. صدمة تلو الأخرى والأخرى كنتُ أتلقاها الليلة من الرجل
الذي ظننتهُ فارس أحلامي..
ضحك خورخي بمرح وتابع قائلا بجدية
" عملي جداً سهل.. فأنا أجلب الفتيات العذراوات إلى رئيسي.. وهو
يبعهم لمن يدفع لهُ أجراً كبيراً مُقابل ممارسة الجنس مع عذراء جميلة.. وأنا قررت
إرسالكِ الليلة إلى رئيسي سوتو.. سأحصل على مبلغ كبير مقابل بيعكِ له "
ثم قرب خورخي وجهه مني ونظر باستمتاع إلى دموعي وقال بسخرية
" لا تخافي.. لقد حقنتكِ بمُخدر خاص.. مفعولهُ رائع.. ويدوم
المُخدر لفترة ست ساعات.. فهو يجعلكِ ساكنة وتنفذين كل ما يتم طلبهُ منكِ.. أي سوف
تكونين دمية جميلة الليلة لأحد كبار رجال الأعمال.. والذي سيأخذ عذريتكِ الثمينة
ويستمتع بمضاجعتكِ "
إن كان لدي قلب سابقاً فقد احترق بكاملهِ في هذه اللحظة.. كنتُ فعلا
جالسة أمامهُ بهدوء تام.. وكان جسدي بانتظار الأوامر ليتحرك..
بكيت بعنف عندما أمرني خورخي لأقف ووقفت أمامهُ بهدوء.. ابتسم ابتسامة
شريرة وقال بسخرية ولكن بأمر
" لن تبكي الليلة عزيزتي.. ممنوع البكاء الليلة "
وبذعر وجدت نفسي أتوقف عن البكاء.. قهقه خورخي بسعادة وقال بنبرة
أرعبتني
" والآن ساريتا.. سوف تخرجين بهدوء من شقتي وتذهبين برفقتي إلى
مكان سيجعل منكِ لعبة ممتعة.. الليلة سوف تتحولين إلى امرأة.. وأنا سأجني المال
الكثير مقابل عذريتكِ "
وبعذاب وجدت نفسي أخرج بهدوء تام برفقة خورخي الحقير.. لم أستطع
الاعتراض.. لم أستطع المقاومة أو الصراخ لطلب النجدة.. ولم أستطع فعل شيء لمساعدة
نفسي..
وبصدمة رأيت خورخي يرافقني باتجاه سيارة رباعية الدفع.. وعرفت بأنها
ملكهُ.. كل ما أخبرني به سابقاً ليس سوى كذبة..
جلست بجانبهِ على المقعد الأمامي.. لم أستطع البكاء أمامهُ لأنهُ
أمرني بذلك.. ولكن كنتُ أبكي بعذاب وبندم بداخلي.. وعرفت بوجعٍ كبير بأن والدي كان
مُحقاً.. خورخي ليس سوى قذر ولعين.. وبندمِ كبير تمنيت لو أنني سمعت نصيحة والدي..
كنتُ سأتجنب ما سيحدث معي الليلة..
ميغيل استرادا**
الأضواء اللامعة والملونة كانت تضفي أجواءً مفعمة بالحياة في الملهى
الليلي.. حيث كان يحتفل ميغيل استرادا.. رجل الأعمال والمستثمر الشهير في إسبانيا..
بعيد ميلاد صديقه المقرب.. سانتياغو.. كان الملهى ممتلئًا بالضحك والمرح.. حيث
انعكست الأضواء اللامعة على وجوه الحضور وهم يتمايلون على إيقاع الموسيقى المثيرة..
وبينما كان الصديقين يتحدثان بمرح.. وصلت رسالة على هاتف سانتياغو من
رجل يُدعى سوتو.. عندما قرأ محتوى الرسالة.. غمرت ملامح وجهه الدهشة بسبب محتوى
الرسالة.. ولكن بعد ثواني تلقى مُكالمة هاتفية من ذلك الرجل.. أمسك سانتياغو هاتفه
والتف بعيدًا عن الضوضاء وهو يتحدث مع سوتو الشخص الذي أرسل لهُ الرسالة منذ دقائق
معدودة..
لحظات قليلة عاد سانتياغو وأمسك بذراع صديقه ميغيل وجذبهُ بعيداً عن
الحشد ليتحدث معهُ بموضع هام..
وما أن أصبحا في الممر والذي يؤدي إلى المخرج.. وقف سانتياغو وهتف
بفرح
" ميغيل.. لن تُصدق.. لقد اتصل بي منذ قليل شخص أعرفهُ جيداً..
إنهُ سوتو.. الرجل الذي أتعامل معهُ ويُرسل لي فتيات جميلات لتمضية ليلة حميمة
معهم.. لقد دعاني إلى تجربة فريدة الليلة.. يقول إنه اختار لي فتاتين خاصتين لأستمتع
بهذا اليوم بطريقة لا تُنسى.. خاصةً لأنهُ عيد ميلادي "
تأملتهُ بنظرات مُتعجبة وسألته
" سانتياغو.. ما الذي تتكلم عنه؟.. أنا على وشك الارتباط بفتاة
رسمياً.. حفلة خطوبتي اقتربت.. ثم ما زلتَ تدفع مبالغ مالية لقاء ممارسة الجنس مع
فتيات رخيصات يرغبن ببيع عذريتهم مقابل مبلغ كبير من المال.. ظننت بأنك توقفتَ عن
فعل ذلك "
غمزني سانتياغو وقال بمرح
" ليس هناك أجمل من ممارسة الجنس مع فتاة عذراء.. ما رأيك أن
نقضي الليلة بطريقة مُختلفة؟.. أنا سأختار فتاة لي وأخرى لك.. لم يطلب سوتو مبلغ
كبير مني الليلة.. طلب فقط مبلغ مائتان
ألف يورو.. أي مائة ألف يورو مُقابل ثمن كل فتاة.. وهذا المبلغ ليس كبير بالنسبة
لنا "
بالطبع لن أوافق على فعل ذلك.. ما يطلبهُ مني سانتياغو مُستحيل أن
أفعلهُ..
تنهدت بقوة وأجبتهُ بجدية
" لا صديقي.. أُفضل البقاء هنا والاحتفال "
تأملني سانتياغو بنظرات عابسة وقال بحزن
" ميغيل.. لو سمحت.. فقط لهذه الليلة توقف عن التفكير بعقلانية..
اسمح لنا بأن نعيش ليلة من العُمر.. أريد أن يكون عيد ميلادي هذه السنة مميزاً
وأكثر إثارة.. وافق من أجلي "
نظرت إليه بهدوء ثم ابتسمت ابتسامة خفيفة وأجبته
" حسناً.. موافق.. لنجعل هذا العيد أكثر إثارة.. ولكن أنا من
سيدفع المبلغ لذلك الرجل.. وأتمنى أن لا أندم لاحقاً بسبب موافقتي على خطتك
المجنونة "
ضحك سانتياغو بسعادة وعانقني بأخوية.. ثم ابتعد عني وقال بمرح
" لن تندم أبداَ.. أعدُك ميغيل "
قررنا مغادرة الملهى والتوجه إلى الفندق الفاخر الذي اقترحه سوتو..
ولكن قبل أن نصل إلى الفندق كنتُ أفكر بطريقة لأتخلص بها من تلك العاهرة التي
ستبيع عذريتها لي الليلة..
أكره النساء الرخيصات.. وأكره لمسهم.. ولكن وافقت الليلة على خطة
سانتياغو حتى لا أجعلهُ يحزن..
وفور وصولنا إلى الفندق رأيت رجل يقف برفقة حارسين بانتظارنا.. وهذا
الرجل لم يكن سوى سوتو..
استقبلنا باحترام ورافقنا إلى داخل الفندق وتجوهنا إلى الطابق السفلي
الأولى ودخلنا إلى مكتب..
كنتُ أنظر إلى سانتياغو بنظرات حادة إذ لم أشعر بالارتياح نحو سوتو..
عرفت بأنهُ يعمل مع المافيا.. وقررت عندما نخرج سالمين من هذا الفندق أن أطلب من
صديقي بعدم التعامل مع هذا الرجل الخطير مرة أخرى..
ابتسم سوتو بوسع وقال
" الفتاتين بانتظاركما في غُرف مُنفصلة "
ثم غمزنا الحقير وتابع قائلا بمرح
" مثل العادة البضاعة نقية لم يتم لمسها.. كما الفتاتين سوف
تنفذان كل ما تطلبونهُ منهما بطاعة عمياء.. استمتعا الليلة معهما "
سانتياغو كان مُتحمس ولكن أطلق شهقة عميقة عندما سمع سوتو يقول
" الفتاة في غرفة رقم ستة سعرها ثمانون ألف يورو.. أما الفتاة في
غرفة رقم عشرة سعرها مائتان ألف يورو "
عقدت حاجبي ونظرت إلى صديقي بعدم الرضا.. وقف سانتياغو وقال باعتراض
" سوتو.. هذا ليس المبلغ الذي اتفقنا عليه.. لقد قلتَ لي بأن سعر
الفتاتين مائتان ألف يورو "
ابتسم سوتو بغرور وأشار بيدهِ لرجاله ليبتعدوا عن صديقي.. تأملنا
بنظرات جادة وقال
" فهمتَ كلمامي بشكلٍ خاطئ.. لقد قلتُ لك سعر احدى الفتاتين
مائتان ألف يورو "
عرفت بأنهُ كذب على صديقي.. وكنتُ أرغب بالذهاب من هذا المكان اللعين
بسرعة.. ولأحمي سانتياغو من هذا الرجل القذر وقفت وأخرجت من محفظتي دفتر الشيكات
وكتبت المبلغ وسلمته للحقير سوتو وقلتُ له
" لا بأس.. هذا شيك بالمبلغ الذي طلبتهُ مقابل الفتاتين.. يمكنك
وضعهُ في حسابك المصري في صباح الغد "
سحب سوتو الشيك وتأملهُ بسعادة ثم أمر رجالهُ
" رافقوا السادة إلى غرفتيهما "
ثم تأملني وقال بجدية
" لقد أسعدني التعامل معكما الليلة "
خرجت من المكتب برفقة سانتياغو والحارسين.. وبينما كنا نتبعهما نظرت
إلى صديقي وهمست بحدة بصوت لن يستطيع أحد سماعه سوى صديقي
" هذه أول وأخر مرة تطلب مني فعل ذلك.. أنتَ أُدخل غرفة رقم عشرة
وأنا غرفة رقم ستة "
وقف سانتياغو وتأملني بنظرات خجولة ثم قال بجدية
" لا.. ميغيل.. لن أوافق.. لقد دفعتَ مبلغاً كبيراً من أجل
نزوتي.. لذلك سأختار الفتاة في غرفة رقم ستة.. أعتذر صديقي.. ربما فعلا لم أسمع
سوتو بوضوح بينما كنتُ أتكلم معه عبر الهاتف في الملهى "
كنتُ أرغب بالذهاب وبسرعة من هنا.. لذلك لم أعترض على طلبه.. اقتربت
منهُ أكثر وهمست بأذنه
" ستكون المرة الأخيرة التي تتعامل بها مع هذا الرجل الخطير..
عدني بذلك سانتياغو؟.. عدني بذلك والآن "
نظر إليّ بتفهم وهمس قائلا
" أعدُك ميغيل.. ستكون المرة الأخيرة "
" جيد "
همست بتلك الكلمة ومشيت خلف الحراس باتجاه المصعد الكهربائي.. ثواني
معدودة رأيت نفسي أقف أمام باب مكتوب عليه في الأعلى رقم عشرة..
سلمني الحارس البطاقة وغادر برفقة الحارس الثاني وصديقي.. تنهدت بعمق
وأدخلت البطاقة في اللوحة الالكترونية.. فتحت الباب بهدوء ودخلت..
أغلقت الباب خلفي بهدوء وشتمت بداخلي بينما كنتُ أفكر بندم.. كيف
تهورت الليلة ووافقت على فعل هذا الشيء.. سأجعل تلك الفتاة تنام على السرير وسأنام
على الأريكة و...
توقفت عن التفكير وتجمدت في مكاني ونظرت أمامي بذهولٍ شديد
وهمست بصدمة كبيرة
" إلهي.... "
فما رأيتهُ الآن جعلني أشعر بالصدمة وبالذهول الشديد.. وقفت أنظر
رغماً عني بإعجابٍ شديد إلى تلك الفتاة والتي كانت تجلس على طرف السرير وتتأملني
بنظرات بريئة أشعلت النار في عروقي..
جميلة.. فاتنة.. خلابة.. بهذه الكلمات وصفت بها هذه الفتاة.. كانت جميلة
جداً لدرجة أنها جعلتني أقف أمامها مثل الغبي وأتأمل جمالها الأخاذ بذهول..
تسارعت أنفاسي عندما انتبهت بأنها لا ترتدي سوى رداء نوم حريري..
ومثل المسحور اقتربت منها بخطوات بطيئة.. وقفت أمامها وأمسكت يدها
وساعدتُها لتقف.. و يا ليتني لم أفعل ذلك.. إذ انفتح الرداء ورأيت بإعجاب أحرق روحي
مفاتن جسدها الجميل..
رفعت نظراتي عن مفاتنها وتأملت وجهها الجميل.. أردت أن أقول لها حتى
لا تخاف مني وبأنني لن ألمسها.. لكن لم أستطع.. قوة غريبة تحكمت بي ومنعتني من
التفوه بتلك الكلمات..
بلعت ريقي بقوة عندما استقرت نظراتي على شفتيها.. هذه الفتاة بطريقة
غريبة ألقت عليّ تعويذة.. جعلتني أرتعش من الرغبة.. وأردت أن أمتلكها بأي ثمن..
في الحقيقة لقد دفعت ثمنها مبلغاً كبيراً.. من حقي أن أمتلكها...
في هذه الثواني لعب الشيطان في عقلي.. مبادئي وقيمي كلها اختفت أمام
جمال هذه المرأة التي أغوتني بنظرة واحدة منها..
نبض قلبي بعنف ووجدت نفسي أُخفض رأسي ولمست شفتاي شفتيها الناعمتين..
صاعقة هزت كياني بكامله عندما لمست شفتاي شفتيها الجميلتين.. رفعت
كلتا يداي ووضعتهما على خصرها وجذبتُها ليلتصق جسدها الصغير إلى جسدي..
عمقت القبلة رغم أنها لم تكن تُبادلني القبلة.. لم أكترث لجمودها.. إذ
كنتُ في عالم مُختلف وساحر..
توقفت عن تقبيلها وابتعدت عنها خطوة وتأملتُها بنظرات راغبة مُحترقة..
كانت هادئة.. جامدة أمامي..
بلعت ريقي بقوة ورفعت كلتا يداي وأخفضت الرداء عن كتفيها.. وسقط بهدوء
على الأرض بين قدميها.. وهنا أطلقت شهقة مُختنقة عندما رأيتُها عارية أمامي..
جمال وأنوثة لا مثيل لهما.. الفتاة التي تقف أمامي الآن كانت أجمل
فتاة رأتها عيناي..
ارتعش جسدي بلذة بينما كنتُ أتأمل بنظراتي الراغبة كل إنش من جسدها
الجميل.. وانتصب عضوي الذكري بسرعة..
لم يعد باستطاعتي السيطرة على نفسي أمام هذا الجمال.. اقتربت وحملتُها
بذراعي ووضعتُها برفق على السرير.. خلعت ملابسي كلها وتسطحت على السرير بجانبها..
أمسكت طرف ذقنها بأصابعي وأدرت رأسها برقة قليلا ونظرت في عمق عينيها
الجميلتين.. بلعت ريقي بقوة وهمست برقة قائلا
" لا تخافي مني.. سأكون رقيقاً معكِ.. لن أؤذيكِ "
ظلت صامتة ولم تُبدي أي ردة فعل لكلامي.. وبينما كنتُ أنظر إلى عينيها
حاولت منع نفسي من لمسها.. ولكنني لم أستطع..
لم أستطع تنفيذ ما كنتُ أخطط لفعله بجعلها تنام بمفردها.. لم أستطع
منع نفسي من لمسها وممارسة الجنس معها..
وجدت نفسي أجذبها إليّ وبدأت بتقبيلها بنعومة... وانغمست معها في هذا
الجو المثير.. مارست معها الجنس بطريقة رومانسية.. وشهقة ألم خرجت من فمها عندما
امتلكتُها...
لم أستطع التوقف عن ممارسة الجنس معها.. امتلكتُها مرة تلو الأخرى
والأخرى.. حيث تحولت الليلة إلى تجربة لا تُنسى معها..
كنتُ أستريح لساعة وأعود لممارسة الجنس معها بجنون.. كانت تجعلني
أرغبها بطريقة لم أشعر بها سابقاً مع أي امرأة..
وفي النهاية غرقت بنومٍ عميق بينما كنتُ أحتضن جسدها بقوة..
والابتسامة السعيدة لم تفارق ثغري..
ولكن قبل طلوع الفجر شعرت بحركة بجانبي.. وذلك الدفء الذي كان يحاوط
جسدي اختفى..
تنهدت بانزعاج ولكن تابعت النوم بسعادة...
تنهدت بقوة بينما كنتُ أستيقظ.. تقلبت في السرير ثم فتحت عيناي ونظرت
بدهشة كبيرة أمامي.. انتفضت بعنف وجلست ونظرت إلى الغرفة بصدمة كبيرة..
ثواني قليلة تذكرت أين أنا وما حدث في ليلة الأمس.. التفت بسرعة ونظرت
إلى الطرف الثاني من السرير.. كان خاليا.. نظرت إلى الغرفة.. لم أجد أي أثر لتلك
الفتاة والتي تحولت إلى امرأة على يداي..
نظرت إلى شرشف السرير ورأيت بقة صغيرة من الدماء.. دليل على عذريتها
والتي دفعت ثمنها مُقابلا لها..
شتمت بغضب ورفعت يدي ومسحت وجهي بعنف.. تنهدت بقوة وهمست بندمٍ شديد
" تباً.. ما الذي فعلتهُ في الأمس؟.. حتى لو كانت هي راغبة ببيع
عذريتها ما كان يجب أن أُمارس معها الجنس.. اللعنة.. لقد ضعفت أمامها.. أتمنى أن
لا أرى هذه الفتاة مرة أخرى في حياتي كلها "
وقفت ومشيت مُسرعا إلى الحمام.. استحممت بسرعة ثم خرجت وارتديت
ملابسي.. أمسكت هاتفي واتصلت بصديقي سانتياغو وطلبت منهُ أن ينتظرني في اللوبي..
وبينما كنتُ أخرج مُسرعا من الغرفة تمنيت أن لا أتذكر الليلة التي
قضيتُها مع تلك الفتاة...
بعد مرور شهر**
بعد مرور شهر على تلك الليلة الغامضة التي قضاها ميغيل في الفندق
برفقة الفتاة الغريبة.. لم يكن بمقدوره التوقف عن التفكير في تلك اللحظات الحميمة..
كان يشعر في هذه اللحظات بأنه خائن.. إذ كان يحتضن حبيبته مارتا ويفكر
بحزن في تلك الفتاة الجميلة التي لم تفارق خياله منذ تلك اللحظة المميزة في فندق
ماردة..
بالرغم من أنه كان يحاول جاهدًا أن يخفي مشاعره ويعيش حياة طبيعية..
إلا أن الذكريات كانت تلاحقه بلا هوادة..
سمعت مارتا تتنهد برقة ثم ابتعدت عني قليلا ونظرت بسعادة إليّ وقالت
بخجل
" بعد أسبوعين حفلة خطوبتنا.. ثم بعد فترة ستة أشهر سوف نتزوج.. لا
أستطيع الصبر.. أنا سعيدة جداً لأنني سأصبح زوجتك حبيبي "
وجع الضمير كان يأكلني من الداخل.. لم أستطع الاعتراف لحبيبتي بخيانتي
لها في تلك الليلة.. وما يؤلمني أكثر بأنني لم أستطع نسيان تلك الفتاة وإخراجها من
عقلي ومن تفكيري..
ابتسمت بحزن وأجبتُها بغصة
" وأنا كذلك حبيبتي.. لا أستطيع الصبر.. أريدُكِ أن تكوني زوجتي
وفي أسرع وقت "
وقفت ورافقت مارتا إلى الخارج.. راقبتُها بهدوء وهي تصعد في سيارتها
وتقودها مبتعدة عن قصري..
دخلت إلى قصري وصعدت إلى جناحي الخاص.. ومثل العادة تسطحت على السرير
وبدأت أتذكر ليلتي الحميمة مع تلك الفتاة الجميلة.. شتمت بغضب صديقي سانتياغو
وحاولت عدم التفكير بتلك الفتاة.. ولكنها ألقت فعلا بتعويذة سحرية عليّ.. إذ
استسلمت عندما عادت صورتها في خيالي.. وتذكرت باستمتاع ليلتي الحميمة معها..
بعد مرور أسبوع**
كنتُ أقف بحزن أنظر إلى صديقي المتادور سلفادور دي غارسيا وهو يتلقى
التعازي على وفاة شقيقهُ الوحيد بينيتو..
رغم قوته ووقوفه مثل الجبل أمام النعش استطعت الشعور بمدى ألمه ووجع
قلبه..
خسارة بينيتو كانت كبيرة ومؤلمة جداً على صديقي سلفادور وعشيرة دي
غارسيا.. جميع أهالي اكستريمادورا شعروا بالحزن على وفاة بينيتو.. وحزنهم الأكبر
كان على وجع قلب المتادور...
الجميع كانوا يتهامسون عن جريمة القتل ورغبة الجدة رامونا بأن تنتقم
لحفيدها.. وطبعاً عرفت بأن من تسبب في موت بينيتو لن ينجو بتاتاً من الانتقام..
وطبعاً قمتُ بتأجيل حفلة خطوبتي على حبيبتي مارتا.. لن أستطيع الاحتفال بينما صديق عمري يشعر بالألم على وفاة شقيقهِ الصغير.. ورغم اعتراض سلفادور على قراري إلا أنني التزمت بقراري ولن أتراجع عنه..
قمت بتعزية صديقي واضطررت للمغادرة إذ اتصل بي والدي بيدرو وطلب رؤيتي
لأمر هام..
كنتُ أجلس في مكتبي في قصري في اكستريمادورا عندما سألني والدي بلطف
" ميغيل.. هل يمكنك أن تساعدني في شيء "
أجبتهُ باحترام
" بالطبع أبي.. ما الذي تحتاجه؟ "
قال بنبرة هادئة
" صديقي ليون وزوجته يخططون لرحلة سياحية لمدة شهر كامل.. وأنا
أود أن أطلب منك خدمة صغيرة "
نظرت إليه بفضول وسألته
" أبي.. ما هي الخدمة التي تحتاجها مني؟ "
سمعت والدي يقول بنبرة متوترة
" ابنة صديقي.. ستكون وحيدة خلال فترة غياب والديها.. هي لا تُحب
أن تبقى وحيدة في القصر.. هل يمكنك أن تستضيفها هنا في القصر لمدة شهر؟.. كنتُ سوف
أستضيفها في قصري ولكنني سأذهب مع والدتك إلى مدريد لفترة شهرين لأهتم بأمور شركتي
"
أغمضت عيناي للحظة ثم نظرت إلى والدي بتوتر وأجبته
" أنا لستُ مربية أطفال.. ليتركها والدها مع أحد أقاربه "
تنهد والدي بقوة وقال بحزن
" ليون لا يثق بأقاربه.. فقد حاولوا كثيراً أذية ابنتهِ
الوحيدة.. لقد تكلم معي بهذا الخصوص.. هو يخاف على ابنتهِ الوحيدة.. ثم الفتاة
مُهذبة وهادئة.. لن تقوم بإزعاجك "
نظرت إلى والدي بغضب وكلمتهُ بصدق
" أنا رجل أعذب.. كيف تريدني أن أستقبل فتاة في قصري ولفترة شهر
بكامله؟.. ثم هل نسيت بأن لدي حبيبة؟.. مارتا قد لا توافق على استضافتي لفتاة في
قصري "
تأملني والدي بيدرو بنظرات حزينة وقال في محاولة لإقناعي
" لديك جيش من الخدم في قصرك.. كما يوجد في قصرك أكثر من مائة
غرفة.. لن تشعر بوجود الفتاة في قصرك.. كما منذ متى تهتم إن وافقت مارتا على
استضافتك لضيف في قصرك هنا؟.. لو سمحت بُني.. لا ترفض.. صديقي طلب مني شخصياً هذه
الخدمة ولم أستطع رفضها.. كما لم أستطع إخباره بأنني سأغادر اكستريمادورا بعد
يومين وأذهب برفقة والدتك إلى مدريد.. قد يظن بأنني أتهرب من مساعدته "
تنهدت بقوة بينما كنتُ أنظر إلى والدي بيدرو.. وطبعا لم أستطع جعلهُ
يحزن بسببي.. لذلك أجبتهُ بابتسامة
" حسناً.. موافق.. سأستضيف ابنة صديقك هنا في قصري.. ولا تقلق
سأجعلها تشعر بالراحة "
وقف والدي واقترب مني ثم حضنني بقوة وقال وهو يبتعد عني
" أشكرك بُني.. أعدك لن تندم.. ستأتي الفتاة بعد عدة أيام إلى
قصرك.. سأرسل سائقي الخاص سانشيز ليجلبها إلى هنا "
أومأت موافقاً رغم شعوري بعدم الارتياح..
وبعد عدة أيام**
كانت الشمس تتألق في سماء اكستريمادورا.. و ميغيل كان يستمتع بلحظات
هدوءه على شرفة قصره وهو يبتسم بسعادة..
لم يكن يتوقع أي حدث غير عادي في هذا اليوم.. ولكن عندما لاحظ سيارة
تقترب من القصر لم يُولِ أي اهتمام.. مُستمرًّا في التأمل في المنظر الرائع أمامه..
وفجأة.. استوقفه منظر غير متوقع.. حيث نظر نحو مدخل القصر ليرى فتاة
تقف هناك بتواضع وهي تنظر حولها بخجل.. ولكن ما أن حركت رأسها قليلا استطاع رؤية
ملامح وجهها بذهول.. وهنا شعر ميغيل بالدهشة والصدمة الكبيرة.. واختفت ابتسامتهُ
تدريجياً بينما كان ينظر إلى تلك الفتاة بصدمة كبيرة لا مثيل لها..
فكانت تلك الفتاة ليست إلا الشابة التي قضى معها ليلة حميمة في فندق
في مدينة ماردة..
كانت اللحظات الأولى محط ذهول لـ ميغيل.. لم يكن يصدق ما يراه أمام
عينيه.. كيف يمكن أن تأتي هذه الفتاة إلى قصره؟.. هل جاءت لتطلب المال؟.. هل هي
هنا للابتزاز؟.. تسارعت آفاقه لتتسلل إليها أفكار سلبية.. والغضب بدأ يتسلل إلى
قلبه..
استدار وركض بغضب مُسرعاً إلى الأسفل.. وما أن خرج من قصره وجد تلك
الفتاة تقف أمامهُ وتأملته بنظرات خائفة وبصدمة كبيرة..
توجه ميغيل نحوها.. شعر بالغضب يتلاطم في صدره.. أمسك بمعصمها بقوة..
ووجه لها نظرة حادة.. ثم هتف بغضب وبعنف في وجهها
" ماذا تفعلين هنا أيتها العاهرة؟ "
ظلت الفتاة صامتة.. وجسمها يرتعش من الصدمة.. بينما كانت تحاول التحدث..
تمنعها دموع الإهانة من إيصال صوتها..
نظرت إلى وجهها الشاحب ونظراتها المذعورة والتي كانت تتأملني بها..
جذبتُها بعنف ليرتطم صدرها بصدري وهتفت بغضب أعمى في وجهها
" هل أتيتِ إلى هنا لتقومي بابتزازي أيتها الرخيصة؟.. كيف عرفتِ
عنواني؟.. بل كيف اكتشفتِ من أكون؟.. تكلمي واللعنة "
كانت الصدمة واضحة على وجه الفتاة الخائفة أمامي.. كانت عيونها
تحمل مزيجاً من الخوف والصدمة..
لم أستطع الشعور بالشفقة عليها بينما كنتُ أغلي من الداخل بفعل
الغضب.. نظرت إليها بحقد وهتفت بغضب
" أنتِ لا تستحقين سوى أن تُلقي بعيدًا كالقمامة.. "
ثم هتفت بصوت يملأه الغضب والكُره بينما كنتُ أنظر إليها بلا شفقة
" كيف تأتين إلى هنا؟.. أتعتقدين أنهُ يمكنكِ العبث معي بسهولة؟
"
كانت الفتاة تحاول التكلم.. لكن الكلمات لم تخرج من حلقها المشدود
بالخوف.. كانت تبحث في عينيه عن القليل من الرحمة.. ولكن لا شيء كان يُظهر على وجه
ميغيل سوى الاستياء والغضب..
كنتُ أنظر إليها بحقد.. وكأن الزمن توقف في هذه اللحظة.. كانت عقارب
الساعة تسير ببطءٍ شديد وكأنما حدث شلل أو
عطل بها.. وانتظرت منها إجابة.. ولكنها لم تفتح فمها ولم تحاول التكلم أمامي هذه
العاهرة..
هتف ميغال بغضب جنوني
" أنتِ عاهرة.. وتسعين للمزيد من المال.. صحيح؟ "
وكل كلمة هتف بها كانت وكأنها سهم يخترق قلبها..
أمسكت بذراعها بقسوة مما جعلها تتأوه بألم.. وهمست بوجهها بحقد لا
يوصف
" كنتِ تظنين أنكِ ستحصلين على المزيد من المال عبر التلاعب بي؟..
أنتِ تتوهمين أيتها الساقطة.. لن تحصلي على يورو واحد مني "
وقمتُ بدفعها بعنف بعيداً عني.. فسقطت الفتاة على الأرض بقسوة
وسمعتُها تتأوه بألمٍ شديد..
لحظة من الصمت الثقيل ساد المكان.. وفي هذه اللحظة الصامتة.. خرج
سانشيز.. السائق المخلص لوالدي بيدرو من السيارة التي كان ينتظر فيها.. وصاح
سانشيز بذعر وهو يقترب من الفتاة
" سيد ميغيل.. هذه الفتاة هي ابنة السيد ليون كاريلو صديق والدك
بيدرو.. إنها الأنسة ساريتا كاريلو.. وهي الضيفة التي كنتَ تنتظرها سيدي "
كان وجه ميغيل ينعكس بالفزع.. وقد شلته كلمات سانشيز وجعلتهُ يقع تحت
تأثير الصدمة.. اقترب سانشيز لمساعدة ساريتا في الوقوف.. وقد بدا وكأنه يتأسف عن
الوضع الذي وقعت فيه.. إذ تمتم قائلا لها باحترام وباعتذار وكأنه يحمل مسؤولية غير
مبررة لما حدث لها
" أنا... أنا آسفة سنيوريتا.. السيد ميغيل.. لم يكن يعلم بأنكِ
ابنة السيد ليون كاريلو "
لكن ميغيل.. الذي لا يزال يحاول فهم ما يحدث أمامهُ.. واجه الواقع
بذهول.. كان ينظر إلى ساريتا بعينين تكاد تكون خائرة بالأسى.. وكأنه قد سقط من
عالم الغضب إلى حفرة عميقة من الصدمة..
لينيا هارفين**
دخلت لينيا هارفين قاعة الاجتماع في قصر المتادور برفقة الحُراس.. ولكن ما أن دخلت تبدلت أوجه الحضور وانقطع
الحديث وكانت الأنظار تتجه نحوها بفضول مختلف ثم بحقد لا مثيل له..
كانت الصالة تنبض بالتاريخ والعراقة.. وجمعت كل كبار رجال عشيرة دي
غارسيا على طاولة ضخمة في وسط الغرفة.. حيث كان يترأسها المتادور سلفادور دي
غارسيا..
ترأست جدة المتادور.. السنيورا رامونا.. الكرسي على يمينه.. كانت
امرأة طويلة القامة وعجوزة ذات حضور ملكي.. بينما كان الضيوف البارزين يجلسون حول
الطاولة.. بدا وكأن هذه اللحظة تجمع بين السلطة والتاريخ..
جعلوني أقف بالقرب من الطاولة.. كنتُ أشعر بالتوتر يتزايد تدريجيًا
بداخلي.. وأصابعي ارتعشت من الخوف..
وقف المتادور أمام الحاضرين.. وقال بصوت يملأ القاعة ويحمل السلطة
والاحترام
" لقد جمعتكم اليوم للبحث عن الحقيقة.. سنبدأ هذا الاجتماع
للتحقق من ملابسات ليلة وفاة شقيقي بينيتو في منزل البروفيسورة هارفين "
ابتسم المتادور ببرودة واستمر قائلا
" في هذه الساعة.. سنقوم بسؤال البروفيسورة للتأكد من جميع
التفاصيل.. نأمل أن تكون جاهزة للتعاون معنا وكشف الحقائق "
ساد الصمت في القاعة الكبيرة.. جلس المتادور سلفادور على كرسيه ونظر
إلى لينيا بنظرات هادئة وسألها
" بروفيسورة.. هل أنتِ مُستعدة للتحدث؟ "
نظرت إليه بحزن ثم نظرت إلى جدتهِ السنيورا رامونا.. كانت تتأملني
بنظرات غاضبة وكارهة.. تنهدت بعمق ونظرت إلى كبار رجال عشيرة دي غارسيا.. جميعهم
نظراتهم لم تكن مُختلفة عن الجدة رامونا.. إذ كانوا يتأملونني بحقد أرعبني لدرجة
الموت..
حافظت على صمتي.. ووجهي لم يكن يُعبر عن أدنى علامة من التراجع.. وطبعاً لم أُظهر لهم مدى خوفي منهم..
كنتُ أعي تمامًا على
أهمية كلماتي.. ولكن كان لدي قرار صلب بالصمت.. وهذا القرار لن أتراجع عنه مهما فعلوا بي..
تأملني المتادور سلفادور بنظرات قلقة.. وسألني بنبرة حنونة أمام
الجميع
" سنيوريتا لينيا.. هل يمكنكِ أن تُخبرينا بما حدث معكِ ومع
شقيقي في تلك الليلة في منزلكِ؟ "
صمت.. صمت غريب احتل القاعة الكبيرة.. الجميع كانوا بانتظاري.. ولكنني
لم أتفوه بحرفٍ واحد.. في هذه الثواني إن تم رمي إبرة على الأرض الرخامية للقاعة
كان سيتم سماع رنتها بوضوح..
نظرت إلى سلفادور بحزن عندما سمعتهُ يُكلمني بنبرة هادئة قائلا
" لو سمحتِ سنيوريتا.. أتمنى أن تتعاوني معنا وتتكلمي.. لماذا
كان شقيقي في شقتكِ في تلك الليلة؟.. وماذا حدث بينكما في تلك الليلة؟.. ومن الذي
قتل شقيقي بينيتو؟ "
الصمت سيطر على القاعة بأكملها بينما كان
المتادور يتأملني بنظرات متوترة..
لم أستطع التكلم.. احترق قلبي بنار العذاب بينما كنتُ أتذكر ما حدث في
تلك الليلة.. تمنيت لو أستطيع العودة في الزمن إلى الوراء.. تمنيت لو باستطاعتي
تغيير ما حدث.. لكن للأسف لا أستطيع فعل ذلك..
بدأت أصوات الانفعالات تتصاعد بين الحضور بسبب صمتي.. وظهرت علامات الاستياء والغضب على وجوههم.. كانت أعينهم تتأملني بحقدٍ
مُخيف.. وهمساتهم الغاضبة ارتفعت أكثر في القاعة..
سألني المتادور بصوت حاد
" لماذا تصمتين؟.. تكلمي بروفيسورة.. اعترفي أمامنا بما حدث في
تلك الليلة.. أنا أُقدم لكِ فرصة لتدافعي بها عن نفسكِ "
لزمت الصمت التام.. وقد زاد صمتي من غضب الحضور..
لم أستطع إزالة نظراتي عن وجه المتادور.. والذي كان يتأملني بنظرات
قلقة.. عاد وسألني من جديد بنبرة هادئة
" بروفيسورة لينيا.. نحنُ بانتظار اعترافاتك.. هل يمكنكِ إخبارنا
بحقيقة ما حدث في تلك الليلة في منزلكِ؟ "
بلعت ريقي بقوة ولم أتفوه بحرف.. كنتُ أدرك أن كلماتي قد تتحول إلى سلاح فتاك ضدي.. لذلك كان عليّ أن
أختار بحكمة متى أفتح فمي في الوقت المناسب وأتكلم..
فجأة.. اندلعت أصوات الغاضبة
لرجال العشيرة.. إذ هتف أحدهم
" تكلمي.. اعترفي بالحقيقة... "
وصاح رجل آخر بغضب
" احكي لنا ماذا حدث في تلك الليلة
"
وصاح أحدهم بغضب
" لماذا تتسترين على الجريمة؟.. هل تحاولين التستر عن القاتل لأنكِ مُشترك معهُ في الجريمة؟ "
رفع المتادور سلفادور يدهُ عاليا ليجعل جميع الحاضرين يصمتون.. وقال بصوت يحمل سيطرة قوية
" كفى.. يجب أن نسمع ما لديها لنقرر "
تلاشى الضجيج ببطء.. وجلسوا الجميع بهدوء حول الطاولة مستعدين لسماع الشهادة المنتظرة.. وقف المتادور عن كرسيه ومشى بخطوات
بطيئة ووقف أمامي بشكل مباشر.. وكأنه يحميني من جماح الغضب الجماعي..
تأملني بنظرات حنونة جعلت قلبي رغم الخوف الذي يعتريه ينبض بسعادة
بسبب نظراتهِ الحنونة..
سألني المتادور بلطف.. ولكن بنبرة تحمل الثقل الكبير بالمسؤولية
" سنيوريتا.. أخبرينا.. ماذا حدث في تلك الليلة؟ "
لكن ظللت صامتة.. لم أستجب لأسئلته.. وواصلت حفظ صمتي رغم الضغط المتزايد من حولي..
انتشرت الانفعالات بين الحاضرين.. وارتفعت الأصوات مرة أخرى.. لكن هذه المرة بشكل أعنف وأكثر غضباً..
في هذه اللحظة الحرجة.. رفع المتادور يدهُ مرة أخرى.. وعاد الصمت
يُسيطر على القاعة.. تأملني بنظرات حزينة وهمس
بلطف
" أنتِ وحدكِ تستطيعين إزالة الشكوك من قلوبهم.. أنا هنا لدعمكِ.. لو
سمحتِ تكلمي سنيوريتا.. وأعدُكِ لن أسمح لأحد بأذية شعرة واحدة من رأسكِ حتى لو
كنتِ مذنبة "
رغم حنان المتادور ودعمه الواضح.. إلا أنني استمريت في الصمت.. وكأن الكلمات تعلقت في حلقي... انعدمت الكلمات أمام ضغوط الجميع.. ولكن كنتُ مُصممة على الالتزام بقراري.. وهو الصمت..
فجأة.. اشتعلوا رجال عشيرة دي غارسيا بالغضب.. وبدأوا يهتفون بحقد وبكرهٍ مُخيف
" أنتِ القاتلة.. أنتِ القاتلة..
يجب مُعاقبتكِ.. "
وهتف أحدهم بحقد
" لقد تعاونتِ مع الأعداء لقتل بينيتو.. يجب مُعاقبتكِ... "
وهتف رجل آخر بسخط
" صمتكِ دليل كبير على أنكِ مُشتركة في الجريمة "
زادت حدة الاتهامات والانفعالات.. وبدأ الحضور بإلقاء اللوم
عليّ واتهامي بأنني قاتلة.. كانت أصواتهم مثل عاصفة هائلة.. تتدفق وتتلاطم بغضب لا يمكن إيقافه..
لكن اتهاماتهم والكلمات الخارجة عن السيطرة تزايدت.. وبدأوا يلومونني بشكلٍ مُخيف.. حتى أن البعض بدأ يتهمني بأنني
عاهرة وقمت بخيانة بينيتو والتآمر عليه وقتله.. ركضت الأفكار السلبية في أذهان الحضور.. وأثرت كلماتهم السلبية على جوهر المحادثة..
التزمت الصمت طبعاً.. لكن انعكس الحزن في عيناي.. كان
قلبي ينزف تحت
وطأة الظلم الذي أتعرض له الآن.. ولكن استمريت في تحمل أعباء صمتي بكرامة..
ولكن فجأة وقف رجل في عقده السادس من العمر وبصق على الأرض وهتف بكره
" ساقطة.. عاهرة رخيصة.. تلتزم الصمت لأنها مذنبة.. إن كنتِ
بريئة تكلمي أمامنا واعترفي بما حدث في تلك الليلة "
نظرت إليه ببرود تام ثم رفعت رأسي بشموخ وقلتُ له بل للجميع بكبرياء
" أنا لا أحتاج للدفاع عن نفسي أمامكم.. ما لدي قلتهُ أمام
المُحقق في قسم الشرطة "
لكن كلماتها لم تتمكن من تهدئة الحضور الغاضبين.. بل أشعلت أكثر غضبهم.. واستمرت الاتهامات والانفعالات في الارتفاع..
كان المتادور وحده الذي أدرك حجم التحدي الذي يواجهه في محاولة تهدئة عاصفة الغضب التي اندلعت في
القاعة بسبب كلمات لينيا المستفزة لهم..
وقف سلفادور بوقار أمام لينيا لحمايتها.. وتصاعد الغضب المُطلق في عينيه.. وصاح بقوة.. لدرجة ظلت كلمتهِ ترن في القاعة
" كفى... "
كان الصمت يلف القاعة بعد صرخة المتادور الغاضبة.. الجميع كان ينظر إليه بترقب.. وانحبست الأنفاس بفارغ الصبر.. كانت لحظة حاسمة.. إذ عرفوا بأن
المتادور قد نفذ صبره مع البروفيسورة..
حاول المتادور مرة أخرى أن يلتفت إلى لينيا.. يحاول قراءة عينيها الصامتتين التي احتفظت بسرّها.. تنهد بعمق وقال بصوتٍ عميق
" سنيوريتا لينيا.. لو سمحتِ.. هل يُمكنكِ التحدث أمامنا
بما حدث بينكِ وبين شقيقي؟.. نحن هنا لنسمعك "
ومع ذلك لم تتحدث لينيا.. بل ظلت صامتة كالصخر.. وفي هذه اللحظة الحرجة.. قامت الجدة رامونا بفعل لم يتوقعه أحد..
بدأت الجدة ببطء في خلع العباءة الرمادية
التي كانت تضعها على كتفيها.. الحركة كانت هادئة ولكنها كانت ملحوظة للجميع.. ثم.. بدون كلمة.. رمت الجدة رامونا العباءة عالياً لتسقط على الأرض أمام لينيا..
كان الجميع في حالة من الدهشة.. هذا الفعل الغير متوقع أثار صدمة الحضور.. انتاب الرجال الدهشة.. كانوا ينظرون إلى العباءة الرمادية التي تكمن الآن على الأرض كما لو كانت
رمزًا لشيء غامض..
لم تكن الجدة قد ترددت في القيام بفعلتها.. وظلت تقف بعظمة ووقار أمام الجميع.. بينما عيونها كانت تتألق بالحزن والغضب..
لكن قبل أن يلتفت المتادور وينظر إليّ.. حدث شيء غير متوقع.. أغمض عينيه وهمس بكلمة
" إلهي "
كان ذلك كافيًا ليعلم الجميع ولأعلم أنا شخصياً بأن هناك شيئًا خطيرًا قد حدث للتو..
بدأت الشكوك تتزايد بداخلي.. انخرطت في تأمل عميق.. نظرت إلى وجوه الجميع بحيرة وبتوتر.. حاولت أن أفهم ما إذا كان هذا الفعل يحمل رمزًا أو إشارة
معينة..
لم أفهم ماذا تعني حركة الجدة.. لماذا خلعت عباءتها ورمتها أمامي على
الأرض؟!.. ما تفسير ذلك؟..
كنتُ محاصرة بين عالمين.. بينما المتادور كان يحاول التقاط أنفاسه.. ولكنه ظل يراقب الوضع بتوتر..
شاهدت بذهول جميع الرجال احنوا رؤوسهم إلى الأسفل بينما كانت الجدة
تقترب وتمشي بخطوات بطيئة باتجاهي..
في لحظة من الترقب والتوتر.. اقتربت الجدة ووقفت أمامي.. رأيتُها ترفع يدها عالياً وصفعتني بشدة أمام الجميع.. انطلق صوت الصفعة في القاعة كالصاعقة.. واهتزت روحي لدى سقوط الصفعة على وجنتي..
رفعت يدي ووضعتُها على وجنتي.. حاربت دموعي ومنعتُها من السقوط أمام
الجميع.. لن أجعلهم يستمتعون برؤية ضعفي ودموعي..
همست الجدة بصوت هادئ ولكنه مليء بالغضب
" أنتِ مذنبة "
ثم هتفت بصوتٍ مُرتفع وبحقدٍ كبير
" أنتِ عارية أمامنا "
ظللت واقفة أمامها بثبات..
وجهي ينبعث
بالألم والذهول.. توقفت الكلمات أمامي.. وكأن العالم بأسره توقف ليراقب مأساتي..
بينما الحكم يلوح في الأفق.. واجهت تحديًا أكبر من أي وقتٍ مضى.. الصمود أمام الجدة السنيورا رامونا دي غارسيا واتهاماتها.. ولكن لم
أستطع الدفاع عن نفسي في وجه هذه الاتهامات القاسية..
كان الصمت يخيم على القاعة بينما الجميع ينظرون إليّ.. أصبحت
مُحاصَرة في
عتمة الاتهامات والحكم المتسرع.. الجدة رامونا كانت لا تزال تقف بثبات أمامي.. وجهها مليء بالغضب والاستياء..
في لحظة من الحرج.. أقحم المتادور نفسه مرة أخرى في الموقف.. إذ قال لجدته بصوت رسمي
" لن أوافق على قراركِ جدتي "
فهمت على الفور ما كان يقصده.. يبدو أن الجدة اتخذت قرار عبر رميها
لعباءتها على الأرض أمامي.. ولكن ما هو القرار؟.. سأعرفهُ بكل تأكيد..
نظرت الجدة رامونا إلى حفيدها ورفعت رأسها بشموخ وقالت لهُ بتصميم
بينما كانت تُشير بأصبعها السبابة نحو العباءة المرمية على الأرض بجانبها
" هذه العباءة.. عباءة السنيورا الكبيرة لعشيرة دي غارسيا.. ستظل
هنا مرمية على الأرض.. ولن أقوم بارتدائها مرة أخرى إلا عندما تُقرر مُعاقبة هذه
المرأة.. هي تتستر على القاتل الحقيقي بالتزامها الصمت.. وهذا يعني بأنها تعرف من
هو القاتل وتحميه.. لذلك عليك مُعاقبتها متادور.. أصبحتَ مُرغماً الآن على
مُعاقبتها لأنك رئيس عشيرة دي غارسيا "
شهقت بذهول عندما فهمت ما معنى حركة الجدة برميها لعباءتها.. هي تُجبر
المتادور على مُعاقبتي بأي ثمن..
نبض قلبي بسرعة ونظرت إلى رجل أحلامي بحزنٍ كبير.. لن أحزن منهُ أبداً
إن عاقبني.. فهو سيفعل ذلك رغماً عنه..
خلال يومين فقط استطعت أن أكتشف مدى جمال شخصيته.. واليوم وقعت في
عشقهِ أكثر بسبب ما فعلهُ من أجلي..
اقترب المتادور من جدته ونظر إليها باحترام قائلا
" كفى.. يجب أن نسمع الحقيقة من البروفيسورة.. لن تستفيد من الصمت.. سنكتشف الحقيقة منها اليوم
"
رفعت الجدة حاجبيها عالياً ونظرت باحترام إلى حفيدها.. ثم تأملتني
بنظرات غاضبة وقالت موجهة حديثها لحفيدها
" عباءتي ستظل هنا في مكانها.. ولن يلمسها أحد حتى تُقرر متادور
بمُعاقبة هذه المرأة "
كانت تستفزني.. ولكن رغم ذلك استمريت في الصمت.. حتى أن بعض الحضور بدأوا يتهامسون بغضب.. اتهموني بالتواطؤ والكذب والمُشاركة في الجريمة.. الكلمات العدائية انهالت عليّ.. وكأن الغضب يكبر داخل القاعة..
رفع المتادور سلفادور يدهُ عاليا وساد الصمت القاعة بكاملها.. فجأة.. أخذ المتادور يتجول في القاعة.. وجميع الأعين كانت مستقرة عليه.. ثم وقف في وسط القاعة ونظر إلى الجميع وقال بصوت يحمل السلطة
" لقد حاولت مع البروفيسورة لتقول الحقيقة أمامكم.. لكنها رفضت..
لذلك... "
توقف المتادور عن التكلم ونظر إليّ بنظرات باردة.. وقال بنبرة صارمة
أخافتني
" بروفيسورة لينيا هارفين.. سيتم سجنكِ حالياً في الغرفة التي تم
تجهيزها من أجلكِ.. سأعطيكِ مهلة أسبوعين لتتكلمي وتُخبرينا الحقيقة.. وإن لزمتِ
الصمت.. حينها سأصدر قرار بعقوبتكِ "
نظرت إليه بندم وبحزن.. وابتسمت ابتسامة ناعمة له...
رغم صمتي ورغم ما فعلته جدته ما زال يُعطيني فرصة للتكلم..
نظرت إليه بندم لأنني أعلم جيداً بأنني سأندم على صمتي.. نظرت إليه
بحزن لأن الرجل الذي أعشقهُ للموت سيصبح عدوي الأول..
سمعت المتادور يأمر الحراس بالدخول ومرافقتي إلى سجني الحالي.. ولكن
قبل أن أغادر القاعة هتفت الجدة بكرهٍ كبير موجهة حديثها لي
" لن تستطيعي الهروب أبداً.. الجميع سوف يراقبونكِ هنا على مدار
الساعة.. ليلاً ونهاراً.. لذلك لا تحاولي الهروب سنيورا هارفين "
وشددت الجدة النطق على كلمة سنيورا.. كأنها توجه لي إهانة.. لكن لم
أستطع التحدث.. حتى أمام التهديد والضغط الكبير..
وهكذا خرجت لينيا من القاعة برفقة الحراس.. الغموض حول موت بينيتو لم يكن قد انكشف بعد.. والقرار الذي ينتظر لينيا سيشكل مصيرها.. وعقوبة كبيرة كانت تنتظر لينيا الرقيقة.. عقوبة قد لا تصمد
أمامها...
ردحذفبارت أكثر من رائع ❤️...
__خورخي لو فقط امسكه سوف افتله وافتله حتى ارتاح ....حقير وسوف تندم على أفعالك هذه😑😡.
__ساريتا حبيبتي المسكينه😔😭 لأنها طيبه وبريئه هذه مايحدث عندما نثق بشخص بسرعه تتحطم قلوبنا.
__ميغيل ماهذا اين المبادئ والقيم🙄 التي تكلمت عنها الم تلاحظ أنها جامده لا تتحرك أو تتكلم ابدا انجرفت وراء غربتك فقط..... المسكينه لاذنب لها لماذا تعاملها هكذا لاتجعلني اكرهك اكيد سوف يفكر بها بسوء ويعاملها بطريقه غير جيده......الان اصبحت ساري بقصرك وأمام عينيك لنرى كيف سوف تنساها هههههههههه سوف تقع في الحب فهمت😁.
لينيا احببت شخصيتها قويه وواثقه في نفسها ولكن هل سوف تساعدها على الوقوف والصمود أمامهم.
بارت يجنن والأحداث رائعه تسلم ايدك ❤️❤️.
أشكركِ حياتي لأنكِ أحببتِ أحداث روايتي الجديدة
حذفشكرا على رسالتكِ الجميلة حياتي.
الغموض بدأ يأكل عقلي، والتعبير أنهى عليه. في قمة الإبداع بحق، احبببببببببت البارت، احبكِ ومتشوقة بشدة.
ردحذفحياتي شكرا لكِ من القلب
حذفأتمنى أن تنال إعجابكِ الأحداث القادمة.
الروايه روعه متتاخريش علينا في الفصل الجديد
ردحذفتسلمي يا قلبي
حذفلن أتأخر في النشر
ممكن اعرف مواعيد النشر امتى؟
ردحذفمساء كل اثنين وأحيانا كثيرة أنشر مساء الأحد
حذفوغدا الأربعاء سأنشر بارت