الخطة
المتادور سلفادور**
كانت ليالي اكستريمادورا تعج بالحياة والحماس بعد فوز المتادور الشهير..
كانت أجواء الاحتفال في القرية تملأ الهواء بالبهجة والتفاؤل.. المتادور الشهير
سلفادور دي غارسيا.. قد حقق فوزاً مذهلاً في حلبة مصارعة الثيران.. مما أثار فرحة
سُكان قريته.. الطريقة التي استخدم فيها المتادور لتجاوز التحديات والخطر أثبتت
جدارته كمصارع للثيران..
الأهالي احتفلوا في هذه الليلة الجميلة واستقبلوا بطلهم المتادور
باحتفال كبير تكريماً لهُ.. والموسيقى الحماسية امتزجت بضحكات الأطفال والتصفيق
الحار.. كانت القرية الليلة تعيش في ظل هذا الانتصار.. والفرح يملأ شوارعها..
عندما انتهى الاحتفال.. دخل المتادور سلفادور إلى قصرهِ الكبير حيث
كانت تنتظره عائلته.. كان شقيقه الأصغر بينيتو ينظر إليه بابتسامة طاغية.. لكن
سرعان ما تحولت تلك الابتسامة إلى وجه منزعج..
اقتربت من جدتي رامونا وقبلت يدها ثم حضنتُها.. ابتعدت عنها قليلا
ونظرت بسعادة إليها.. ابتسمت جدتي بوسع وقالت بنبرة سعيدة
" مبروك لك الانتصار حفيدي.. أنا فخورة بك.. لقد سحرتَ شعب
إسبانيا الليلة.. وسحرتَ قلوب الجميع.. ولكن أنا وأهل عشيرة دي غارسيا ستكون
فرحتنا أكبر في يوم زفافك "
نظرت إلى جدتي بنظرات هادئة ثم نظرت إلى ابنة عمي كارميتا
رأيتُها تنظر أمامها بتوتر وتحاول جاهدة عدم إظهار مدى ارتباكها
أمامي.. وكأنني لا أعلم بأنها تُسمم أفكار جدتي حتى أوافق على الزواج منها..
تنهدت برقة وأجبت جدتي بهدوء
" جدتي العزيزة.. سأتزوج عندما أجد المرأة المناسبة لي "
نظرت بطرف عيناي إلى كارميتا ورأيتُها تتأملني بنظرات مذهولة
ومتوترة.. ابتسمت برقة ثم تحركت ووقفت أمام شقيقي الوحيد بينيتو..
قال بينيتو بصوت مرتفع وبفرح ملحوظ.. ولكن البهجة في عيونه كانت
ممزوجة بشيء من الانزعاج.. والغضب كان يعلو في عيونه بينما كان ينظر إليّ
" مبروك سلفادور "
سألتهُ بينما كنتُ أرفع حاجبي بدهشة محاولًا فهم ما يجول في ذهن شقيقي
" شكراً لك بينيتو.. ولكن لماذا هذا الوجه الحزين والغاضب؟.. ما
هو سبب غضبك الآن؟ "
نظر بينيتو باتجاه جدتي و كارميتا ولزم الصمت.. فهمت بسرعة ما هي
رغبته.. هو لن يتكلم عن سبب غضبه أمامهم..
طلبت باحترام من جدتي وابنة عمي الانصراف.. وبعد خروجهم من الصالون
نظرت إلى شقيقي وقلتُ له بنبرة هادئة
" أصبحنا بمفردنا الآن.. يمكنك التكلم وإخباري عن سبب حُزنك
وغضبك "
وكأنهُ كان ينتظر بفارغ الصبر سماع تلك الكلمات مني.. إذ هتف بينيتو
بقهر
" لقد سئمت هذه القرية.. لم أعُد أتحمل البقاء هنا "
نظرت إليه بذهول وعرفت بأن الموضوع جداً خطير.. وكان يجب أن أتصرف
بسرعة وأفهم سبب غضب شقيقي الصغير..
أمسكت معصمهُ وجعلتهُ يجلس على الأريكة ثم جلست بجانبه.. تأملتهُ
بنظرات حنونة وسألتهُ بحزن
" بينيتو.. أخي.. لماذا كل هذا الغضب الآن؟.. كُن صادقاً معي
وأخبرني عن السبب "
هتف بينيتو بصوت يحمل غضبًا قاهرًا
" لماذا أنا غاضب؟.. تريد أن تعرف الآن سبب غضبي وحُزني.. لك ذلك..
سأُخبرك "
تأملني بنظرات حزينة وهتف بغضب
" هؤلاء الناس لا يرون سوى المتادور الشهير.. هل هناك شيء آخر
يمكنهم رؤيته أو فهمه؟.. لا أحد يهتم بي.. حتى جدتي لا تهتم سوى بك.. وتلك الغبية
كارميتا تفعل المستحيل حتى تجعلك تطلب يدها للزواج منك.. لقد سئمت الحياة هنا
"
أمسكت يدهُ ونظرت إليه بحنان قائلا
" هذا ليس صحيحاً أخي.. الجميع يحبونك هنا ويحترمونك.. ثم لديك
أنا.. أنتَ أخي وصديقي.. وأنا أحبك بشدة.. ثم أنتَ تحب هذه القرية.. أنا أتفهم سبب
غضبك و.... "
سحب بينيتو يدهُ من قبضتي وقاطعني هاتفاً بغضب
" أنا لا أُحب هذه القرية.. لا أُحبها سلفادور.. لقد كرهت هذه
القرية المملة.. لا يهتمون سوى بك وبمصارعة الثيران "
أدركت أن هناك شيئًا آخر يشغل عقل شقيقي.. وأردت أن أكتشفهُ الآن..
تأملتهُ بنظرات هادئة وسألته
" ما الذي تعنيه؟ "
تأملني بينيتو بنظرات جادة وأعلن قائلا بنبرة حازمة
" سلفادور.. أنا سأذهب من هنا.. لا أريد أن أعيش في هذه القرية
حيث يعشقون المتادور وحدهُ ومصارعة الثيران.. أريد تحقيق حُلمي.. أريد تعلم
المُلاكمة.. كما أنا أرغب في الذهاب إلى جامعة ماربيا والابتعاد عن هذا المكان إلى
الأبد "
شحب وجهي بسرعة عندما سمعت ما تفوه به شقيقي للتو.. نظرت إليه بصدمة
كبيرة.. شعرت بأن قطعة من قلبي قد تم قطعها..
فكرة أن يبتعد عني شقيقي ألمتني جداً.. ولكن حاولت أن أبقى هادئاً
أمامه.. وحاولت إقناعهُ بالعدول عن رأيه.. إذ قلتُ له بنبرة هادئة
" لكن هذا هو بيتك بينيتو.. هذه عائلتك وأصدقاؤك.. وأنا هنا
معك.. ثم الجميع يحبونك ويحترمونك هنا.. لقد توقفت عن التدريب ومُصارعة الثيران
لفترة أربعة أشهر كاملة من أجلك.. لأبقى معك.. ولأعتني بك بعد وقوعك عن ظهر حصانك
"
ولكن بينيتو كان عازماً على الابتعاد.. إذ قال بتصميم
" سلفادور.. لا تحاول إقناعي.. أنا ذاهب.. كان يمكنك أن تضع ألاف
الخدم لخدمتي بسبب إصابتي.. ولكنك من أتخذ قرار بأن تعتني بي بنفسك.. والآن بعد أن
تحسنت لا أريد البقاء هنا.. لا أستطيع العيش في هذه القرية التي تعبدك فقط.. أريد
الذهاب إلى جامعة ماربيا ومتابعة دراستي هناك.. أنتَ تعيش حياتك سلفادور.. وأنا
سأعيش حياتي.. لا تعتقد أن العالم ينتهي بحدود اكستريمادورا "
نظرت إليه بحزن.. وفي محاولة أخيرة لاستمالة شقيقي قلتُ له بحنان
" لكنك تعلم أن هذا المكان هو بيتك.. نحن عائلة واحدة هنا "
رفض بينيتو بقسوة
" لا.. ليس بيتي.. بيتي في مكان آخر.. وأنا لن أعيش تحت ظلالك
وظلال هذه القرية الضيقة.. وحياتي ليست فقط مصارعة الثيران.. سأذهب من هنا وسأعيش
حياتي كما أريد.. ولا يمكنك منعي سلفادور "
نظرت إليه بحزنٍ عميق.. حاولت أن لا أكون أنانياً معه.. حاولت أن أفهم
أسبابه.. وحاولت إقناعهُ بأن يبقى هنا حتى أهتم به بنفسي وأرعاه..
تنهدت بقوة وأمسكت يدهُ وضغطت عليها برفق.. نظرت إليه بحبٍ كبير وقلتُ
لهُ بنبرة حنونة
" أنتَ تعلم جيداً بأنني لا أرفض لك أي طلب.. وتعلم كم أُحبك..
لكن اسمعني بينيتو.. ابقى هذه السنة هنا وتابع دراستك في جامعة اكستريمادورا..
وأعدُك في السنة المُقبلة سأفعل ما تريده.. بل سأدعمك في أي قرار تتخذه "
وقف بينيتو وقال بنبرة حازمة
" لا.. لن أبقى هنا.. لا تُحاول إقناعي سلفادور.. لأنني لن أستمع
إليك.. اتخذت قراري ولن أتراجع عنه "
ودون أن يلتفت إلى شقيقه.. غادر بينيتو الغرفة بخطوات غاضبة.. ترك
وراءه شقيقه الكبير الذي شعر بالحزن والفقدان.. فالفرحة بالانتصار في المصارعة
اختفت.. وحبهُ الكبير لشقيقه لم يكن كافياً لتثبت مكانته في قلب شقيقه..
بعد مرور أسبوع**
بعد أسبوع من الاحتفالات في اكستريمادورا.. كانت الحياة في القرية
تعود إلى طبيعتها ببطء.. كان المتادور سلفادور دي غارسيا يعيش في قصره الكبير..
حيث كان المرمر والذهب يزينان كل زاوية من زواياه..
كان المتادور سلفادور يستمتع بالنوم في غرفته حيث تناثرت صور المصارعة
والانتصارات على جدران الغرفة.. وكانت الشمس قد طالعت بحيويتها عندما استيقظ
المتادور على صوت همسات الرياح الهادئة خارج نافذته.. لكن حينما بدأ يتنبه للصوت
بشكل أوضح.. أدرك أنه ليس صوت الرياح.. كانت جدته السنيورا رامونا.. تصرخ بشكل
عالٍ وببكاء.. كانت ترجمة عباراتها الحزينة وصرخاتها إلى لغة الألم المصدومة في
قلب المتادور..
كانت صرخات جدته تتردد في الممرات الفارغة
" بينيتو... حفيدي... بينيتو حفيدي الصغير... "
نظرت أمامي بذهول وارتسم القلق على وجهي.. داخل قلبي شعرت بالتوتر
والقلق حيال ما قد يكون قد حدث لشقيقي.. دون التفكير في ثيابي اندفعت للخارج وركضت
حافي القدمين..
ركضت عبر القاعات الطويلة.. وكان صوت خطوات السريعة لأقدامي يعكس قلقي
الداخلي.. عندما وصلت إلى السلالم الرخامية ركضت بشكل أسرع..
وصلت إلى الطابق السفلي حيث كانت جدتي تجلس على الأريكة في غرفة
الجلوس.. وجسدها الصغير يرتجف بين يديها.. عندما رأتني جدتي أقف أمامها اندفعت نحوي
بسرعة والدموع تنهمر من عينيها الحزينتين..
أمسكت ذراعاي وتأملتني بنظرات حزينة.. ثم صرخت جدتي وكان صدى صرختها
يتجاوز حدود القصر الضخم
" سلفادور.. بينيتو رحل.. غادر القصر والقرية ولن يعود "
نظرت إلى جدتي بذهول وبحزن.. وهمست بدهشة كبيرة
" رحل!!.. بينيتو رحل!.. لا يمكن... "
أومأت جدتي موافقة وقالت بحزنٍ عميق
" لقد غادر في الصباح الباكر.. لن يعود إلى القصر.. ولن يعود إلى
اكستريمادورا أبدًا.. حفيدي الصغير غادر القصر والقرية "
صدمتي لم تكن محصورة في عيوني فقط،.. بل امتدت إلى كل خلية في جسدي..
أغمضت عيناي وهمست بحزن
" لكن لماذا؟.. لماذا فعل ذلك؟.. لماذا غادر دونَ توديعي حتى؟
"
نظرت إلى جدتي ورأيتُها تبتسم ابتسامة مريرة وقالت بحزن
" يريد أن يعيش حياتهُ بعيداً عنا.. يريد التعلم والنجاح بشكل
مستقل.. لكنني لا أستطيع أن أفهم كيف يمكنني ويمكن للقرية أن تخسر حفيدها العظيم
بهذه الطريقة.. لماذا تركتهُ يرحل؟.. لقد أخبرتني في الأمس بأنك أقنعتهُ بالعدول
عن فكرة الرحيل من هنا.. ولكن ها قد ذهب بينيتو وتركنا "
أمسكت ذراع جدتي وساعدتُها لتجلس على الأريكة ثم جلست بجانبها.. رفعت
يدي ومسحت الدموع عن وجنتيها.. ابتسمت بحزن وقلتُ لها بنبرة هادئة
" بينيتو شاب طموح.. يريد أن يتعلم.. يريد أن يكون شخصًا مستقلاً..
لكنني خائف على حياته.. وأشعر بالقلق عليه.. كيف سيواجه العالم الخارجي؟.. ولكن
كشقيقهُ الكبير سأدعمهُ بقراره.. بينيتو لديه الحق بأن يعيش حياته "
تأملتني جدتي بنظرات مذهولة.. نظرت إليها بحزن بينما كنتُ أُفكر..
تنهدت بعمق وهمست قائلاً بحزن
" أعتقد أنني لم أفهمهُ جيدًا.. لم أقدر أن أكون شقيقاً له
بالطريقة التي يحتاجها.. كان يجب أن أهتم بهِ أكثر و... "
قاطعتني جدتي هاتفة بقوة
" لا سلفادور.. لا تقل أبداً بأنك لم تهتم بشقيقك.. أنتَ من قمتَ
بتربيته بعد وفاة والديك.. كنتَ شاباً عندما تحملتَ مسؤولية شقيقك.. بل تحملتَ
مسؤولية كل من يسكن في قريتنا.. لقد ضحيتَ بالكثير من أجل بينيتو ومن أجل عشيرة دي
غارسيا.. ولم تتزوج لغاية الآن بسبب ذلك.. كما لقد توقفت عن مُزاولة مُصارعة
الثيران لفترة أربعة أشهر حتى تعتني بشقيقك.. أنتَ سيد الرجال.. وتذكر جيداً بأنك
رأس عشيرة دي غارسيا.. وأنتَ تقوم بواجبك على أكمل وجه "
تنهدت بثقل ثم قلت لجدتي بنبرة حنونة
" الشقيق الكبير دائمًا يأخذ على عاتقه المسؤولية.. خاصةً
مسؤولية عائلته.. ولكن بينيتو يحتاج إلى الحرية ليجد طريقهُ الخاص "
رفعت رأسي وألقيت نظرة حزينة على جدتي وتابعت قائلا بتصميم
" سأغادر أيضًا.. جدتي.. يجب أن أكون بجوار بينيتو وأساعده في
بناء حياته.. سأذهب إلى مدينة ماربيا وأتأكد بأن بينيتو بخير ولا يحتاج لشيء.. قد
أغيب لأسبوع أو أكثر "
ابتسمت جدتي رغم الدموع في عينيها.. وقالت بحنان
" سلفادور.. العائلة هي أهم شيء.. اذهب وكن هناك من أجل شقيقك..
قد يحتاج إليك أكثر مما تتخيل.. ولا تعُد إلى هنا إلا عندما تتأكد بأن بينيتو بخير
ومُستقر في مدينة ماربيا "
قبلت يديها ووقفت وصعدت إلى جناحي الخاص..
وبعد مرور يومين خرج المتادور من القصر.. لكن هذه المرة لم يكن يعيش
للآخرين.. بل لنفسه ولأخيه الذي يبحث عن طريقهُ في هذا العالم الواسع..
وفي صمت الصباح.. بينما الشمس تشرق فوق اكستريمادورا.. وبينما كان
المتادور يقود سيارته مُحملاً بالأمل والتضحية من أجل الحب والعائلة.. كانت أمنيات
المتادور أن يجد بينيتو سعيداً..
فقد وجد بسرعة عنوان شقيقه الجديد في ماربيا بعد أن قام بالاتصال
بصديقهِ المُقرب جواكين وهو رئيس الشرطة في الولاية..
وصلت إلى المطار الخاص بي في اكستريمادورا وما أن ترجلت من السيارة
تبعوني رجالي باتجاه طائرتي الخاصة..
هبطت طائرتي على مُدرج المطار في ماربيا.. استقبلني مدير المطار
ورافقني باتجاه صالون الشرف.. تكلمت معهُ لمدة عشر دقائق ثم خرجت برفقة حُراسي..
كان خواكيم يقود سيارتي بنتلي باتجاه المبنى الذي يسكن به شقيقي
عندما تلقيت اتصال من رجالي وأعلموني بأن شقيقي بينيتو ليس في شقته بل في جامعة
ماربيا..
أنهيت المُكالمة وطلبت من خواكيم ليقود باتجاه الجامعة..
كانت جامعة ماربيا مكانًا ضخمًا ومعقدًا.. حيث الطلاب يتنقلون بسرعة في كل اتجاه.. وفي هذا الجو المليء بالحيوية.. قررت زيارة شقيقي بينيتو الذي بدأ دراستهُ هنا..
في هذا اليوم المُشمس.. كان المتادور يتسلل بين الطلاب الجدد الذين
كانوا يتجولون في الساحة الرئيسية.. وفيما كان يصعد السلالم الرخامية نحو الأقسام العليا.. اصطدمت به امرأة لا تقل جمالاً عن الوردة التي تنمو في حدائق قصره..
كان لقاءً غير متوقع.. وامتدت الأيدي تحاول اللحاق بالتوازن.. أمسكت بالامرأة قبل أن تسقط.. وعندما نظرت إليها.. اكتشف أن عينيها كانت مليئة بالدموع.. كانت تنظر إلى الأرض.. ولا تفصح عن وجهها.. بل لم تكن ترغب بالنظر إليّ بسبب خجلها لأنها ارتطمت بي ورأيتُها
تبكي..
همست بلغة تحمل في طياتها الأسف الصادق
" أنا آسف سنيوريتا.. هل أذيتُكِ؟.. أنتِ بخير؟ "
لم تجب المرأة.. بل ابتعدت قليلاً كأنها تخجل من وقوعها عليّ.. لم يكن لديها حتى الجرأة لتلقي نظرة على وجهي..
سألتُها بقلق عندما لاحظت انكماش عينيها وعدم استقامة كتفيها
" هل أنتِ بخير سنيوريتا؟ "
ودونَ أن تنظر إليّ همست بصوتٍ خجول
" أنا بخير "
شعرت بالدهشة تجاه هذه المرأة الجميلة التي غطت على وجهها بالشعر خجلاً مني لأنني رأيت دموعها النقية.. أخفضت رأسها أكثر إلى الأسفل كأنها تحاول إخفاء حزنها وضعفها.. عرفت أن هناك شيئًا آخر يختبئ خلف هذا الوجه الجذاب والدموع
الحزينة..
تسارعت نبضات قلبي وشعرت برغبة عميقة بضم هذه المرأة وحمايتها.. أردت
أن أمسح دموعها عن وجنتيها الشاحبتين.. ولكن طبعاً لن أفعل ذلك..
نظرت إليها بنظرات حنونة وهمست بصوت خرج من أعماق قلبي
" أنا آسف حقًا.. أرجوكِ اسمحي لي أن أساعدكِ سنيوريتا "
في هذه اللحظة.. لم تنظر المرأة إليّ.. بل اعتذرت بخجل
" شكرًا لك سنيور.. لكن لا داعي.. عليّ أن أذهب "
وهربت المرأة بخجل من أمامي.. ركضت بعيدًا دون أن تلتفت للوراء.. وقفت في مكاني أنظر إلى ظهرها المتباعد بدهشة وإعجاب..
كان هذا اللقاء العابر كفيل بترك آثار لا تُنسى.. وكلما كانت تلك المرأة تبتعد.. تركت خلفها لغزًا غامضًا وشعورًا عميقًا في قلبي..
استدرت وأكملت طريقي إلى الأعلى باتجاه مكتب
عميد الجامعة.. ولكن برأس يملأه التساؤل حول تلك المرأة الغامضة والحزينة..
استقبلني عميد الجامعة وتكلمت معهُ بخصوص شقيقي.. هذا اليوم كان اليوم
الأول لبدء العام الدراسي.. وعميد الجامعة شعر بالدهشة عندما اكتشف بأن بينيتو
ثياجو هو شقيقي..
فهمت بسرعة سبب استخدام شقيقي لعائلة والدتي.. فهو لا يريد أن يكتشف
أحد بأنهُ شقيق المتادور دي غارسيا.. لذلك طلبت من المدير حتى لا يُخبر أحد بذلك..
وطلبت منهُ عدم إعلام شقيقي بأنني أتيت لرؤيتهِ في الجامعة..
وحتى أتأكد بأن عميد الجامعة سيلتزم بوعدهِ لي كتبت شيك مصرفي بمبلغ
كبير وقدمتهُ له كتبرع للجامعة..
ووسط ذهول العميد وسعادته خرجت من مكتبه ومن الجامعة وقررت أن أذهب
إلى شقة شقيقي وأنتظره..
الشقة الكبيرة والعصرية والفخمة كانت هادئة.. حيث كان المتادور سلفادور ينتظر شقيقه بينيتو الذي لم يكن يعلم وجوده في شقته وسبب الاجتماع المفاجئ.. كان يجلس على الأريكة بشكل هادئ.. وحُراسه يقفون جانبًا مراقبين الباب بانتظار وصول بينيتو..
انفتح الباب بحذر ودخل بينيتو بخطوات ثقيلة.. وقد بدت علامات الغضب على وجهه.. وقف بينيتو أمامي وتأملني بنظرات حادة..
وهتف بصوت يحمل غضبًا
لا يمكن إخفاؤه
" ماذا تفعل هنا في شقتي؟.. ما هذا الاجتماع؟.. لقد رأيت سيارتك وسيارات حُراسك أمام المبنى وعرفت بأنك اقتحمتَ
شقتي.. ماذا تريد سلفادور؟ "
نظرت إلى شقيقي وأدركت فورًا جو الاستياء الذي يكتنفه.. تنهدت بخفة وكلمتهُ بنبرة حنونة
" أخيرًا جئت بينيتو.. هناك أمور يجب أن نتحدث عنها "
تأملني بينيتو بنظرات غاضبة وانتقل إلى وسط الغرفة وجلس على الأريكة ونظر إليّ بهدوء
وأمر حُراسي بلغة تنم عن سطوة
" اذهبوا.. أريد البقاء مع شقيقي بمفردنا "
عندما خرجوا حُراسي من الغرفة ظللت أُراقب شقيقي بنظرات هادئة..
سألني بينيتو بصوت مليء بالغضب.. وكأن الكلمات كانت قنابل متفجرة
" حسنًا.. ما الذي يدور في ذهنك متادور؟ "
أخذت نفسًا عميقًا وأجبته بنبرة هادئة
" أعتقد أننا بحاجة إلى مناقشة بعض القرارات شقيقي "
استقام بينيتو في جلسته وتأملني بنظرات لم تُعجبني.. وقال بنبرة غاضبة
" قرارات؟!.. اقتحمتَ شقتي برفقة حراسك.. وطبعاً اتصلتَ
بأحد أصدقائك حتى تعرف عنوان شقتي.. ما الذي تحاول فعلهُ سلفادور؟ "
زادت درجة الغضب في صوت بينيتو.. ولكن ظللت هادئاً أمامهُ وقررت شرح سبب وجودي في شقتهِ..
ابتسمت برقة وأجبته
" أنا هنا لأدعمك أخي "
ابتسم بينيتو بامتعاض وقال بسخرية
" دعمك؟.. لا أظن بأنني في حاجة لدعمك متادور.. أنتَ دائمًا الفائز.. أليس كذلك؟.. فجميع أوامرك يتم تنفيذها وبسرعة دون أي اعتراض من أحد.. ولكن أنا
لن أقوم بتنفيذ أوامرك بعد اليوم.. وطبعا لستُ بحاجة لأي دعمٍ منك.. خاصةً دعمك
المادي.. لقد ورثت من والدي.. لستُ بحاجة إليك.. كما أستطيع الاعتناء بنفسي "
أجبته بصوت هادئ.. غير متناغم مع جو الغضب الذي كان يحيط بي
" أنا هنا من أجلك "
كتف بينيتو يديه وتأملني بنظرات حادة وقال بغضب
" لستُ بحاجة إليك.. كما ترى بنفسك لقد استطعت الاعتناء بنفسي..
وإن أتيتَ اليوم لتطلب مني العودة إلى اكستريمادورا برفقتك.. عليك أن تعلم بأنني
لن أعود "
تأملتهُ بنظرات حنونة وأجبته
" أنا هنا لأكون بجانبك.. ليس لأسألك العودة..
أتيت اليوم لأقول لك بأنني سأقف معك وأدعمك بقرارك.. وإذا احتجت إليَّ سأكون موجوداً
من أجلك أخي "
تراجع بينيتو قليلاً في جلسته مذهولاً من كلامي الذي لم يكن يتوقعه.. نظر إلى وجهي بدهشة واعترته الحيرة.. وسألني بدهشة كبيرة وبتردد
" أنتَ لن تطلب مني العودة برفقتك إلى اكستريمادورا؟ "
وقفت ومشيت بخطوات بطيئة نحوه
وقفت أمامهُ ثم أمسكت ذراعهُ وجعلتهُ يقف.. احتضنتهُ بقوة ثم ابتعدت
عنهُ قليلا.. نظرت إلى وجهه بحنان وقلتُ له
" لن أطلب منك العودة أخي.. جئت لأكون بجانبك.. بغض النظر عن القرارات التي تتخذها.. أنا هنا لأكون شقيقًا لك.. أريدُك أن تعلم بأنني لن أعترض على أي قرار تتخذهُ "
تأملني بينيتو بنظرات سعيدة.. وتبدد الغضب تدريجياً من وجهه.. أمسك يدي وقال بصوت هادئ
" شكرًا لك سلفادور.. أنا أقدر ذلك حقًا
"
جذبتهُ إليّ وحضنتهُ بقوة وربتت على ظهره.. ابتعدت عنهُ قليلا وقلتُ له
بنبرة حنونة
" أتمنى لك حياة سعيدة.. سأكون موجوداً من أجلك في أي وقت
تحتاجني إليه.. لا تتردد من الاتصال بي إن احتجتَ لأي شيء.. كما أتيت اليوم لأتأكد
بنفسي بأنك بخير ولا ينقصك أي شيء "
جذبتهُ ليجلس على الأريكة ثم جلست بجانبه.. نظرت إليه بحنان وسألتهُ
" والآن أخبرني.. كيف كان يومك الأول في الجامعة؟ "
ضحك بينيتو بسعادة ثم قال بمرح
" المُحاضرات كانت مملة.. ولكن يوجد بروفيسورة جميلة جداً في
الجامعة.. لقد أعجبتني.. و... "
توقف بينيتو عن التكلم ثم غمزني وتابع قائلا بمرح
" لقد تبعتُها إلى مكتبها الخاص بعد انتهاء مُحاضرتها.. تلك
المُعلمة تُثيرني بجنون.. حاولت تقبيلها ولكنها استطاعت الهروب مني في اللحظة
الأخيرة "
تأملتهُ بنظرات مُندهشة ثم هتفت بغضب
" هل قمتَ بالتحرش بتلك البروفيسورة في أول يوم لك في الجامعة؟..
هل فقدتَ عقلك بينيتو؟.. إياك أن تقترب من تلك البروفيسورة مرة أخرى.. إن قدمت شكوى
ضدك قد يتم طردك من الجامعة.. أريدُك أن تعدني الآن بأن لن تتحرش بها مرة أخرى
"
تجهم وجه بينيتو وقال بسخط
" حسناً.. حسناً.. لقد فهمت.. أعدُك لن أقترب منها "
ابتسمت بوسع وتابعت الحديث مع شقيقي.. وبعد فترة ساعة غادرت الشقة.. وسمحت
لشقيقي بينيتو أن يتجه نحو مستقبل مجهول..
ولكنهما كانا متحدين ومتماسكين.. لأنهم أخوة بلا حدود..
بعد مرور شهر وأسبوع**
عندما انتهى عشاء العمل.. انطلق المتادور سلفادور إلى قصره الجوهرة.. لم يكن يتوقع أن يكون هناك أي تغيير غير عادي.. كانت ليلة هادئة.. وكان يأمل في قضاء بعض الوقت الهادئ في قصره.. ولكن عندما وصل إلى الساحة الواسعة أمام القصر.. كانت الصورة المعتادة قد تحولت إلى مشهد يثير الدهشة..
ترجلت من السيارة.. وعندما نظرت حولي.. وجدت نفسي في مواجهة حشدًا كبيرًا من الناس يقفون أمامي بترقب.. كانت الأنظار متجهة نحوي بترقب وحزن عميق.. لم أفهم ما الذي يحدث.. لكن شعرت بالقلق يتسلل إلى قلبي..
وفي هذه اللحظة.. سمعت صوت صرخات وبكاء يتسلل من داخل قصري.. كانت صرخات تحمل فيها الألم والحزن.. وكانت ترتفع في الهواء كموسيقى مؤلمة..
نظرت إلى قصري بقلق وركضت مُسرعاً باتجاهه.. وعندما دخلت إلى القصر
كان ينتظرني مشهد لا يُصدق..
رأيت جدتي رامونا تقف في وسط القاعة الفسيحة.. وعلى وجهها ملامح الألم العميق.. خدودها المتوردة وعيونها الحمراء كشفت عن حزن لا يوصف.. وكانت صرخاتها تملأ القصر وتتراقص مع صدى الجدران..
هتفت جدتي بكلمات من بين شهقاتها الباكية...
وكلما نطقت بكلمة.. اهتز قلبي
" بينيتو... بينيتو قد مات.. لقد
مات.. لقد قتلوه.. قتلوا حفيدي الصغير.. "
وقفت في مكاني أنظر إلى جدتي بصدمة كبيرة.. صدمة جعلتني أشعر بالشلل
في كل خلية في جسدي.. صدمتي كانت واضحة على وجهي الشاحب خاصةً عندما سمعت جدتي رامونا تصرخ بألم
" قتلوه.. قتلوا حفيدي الصغير والوسيم.. صغيري بينيتو مات.. لقد مات... "
كانت عباراتها ترتفع بألمٍ شديد.. كما لو أن كل كلمة كانت تطعن قلبي بسكين...
ركضت نحو جدتي بخطوات سريعة.. وعندما وصلت إليها.. جذبتني جدتي إلى حضنها بدون أن أفهم تمامًا ما الذي يحدث..
دفنت رأسها في صدري وسمعتُها تبكي بمرارة وتصرخ بوجعٍ كبير
" لقد خسرناه.. خسرنا بينيتو.. "
تجمدت في مكاني ونظرت أمامي بصدمة كبيرة.. كان الواقع يتجمع حولي بشكل غير حقيقي.. والبكاء المكثف كان يُسمع من كل زاوية في القصر..
صرخت جدتي بصوت يتدفق من قلب مُحطم
" سلفادور.. أنتَ لم تكن بجانب شقيقك لتحميه.. لم تكن هناك لتحمي
شقيقك الوحيد.. لقد قتلوه.. طعنوه بالسكين لصغيري "
ابتعدت عنها قليلا ونظرت في عمق عينيها الباكيتين وسألتُها بصوت يهتز من الصدمة والحزن
" ماذا تقولين جدتي؟.. أين بينيتو؟.. ماذا حدث؟.. هو بخير.. أنا
متأكد من ذلك.. أنتِ مُخطئة.. شقيقي بخير "
رفعت جدتي رأسها وتأملتني بنظرات متألمة وهتفت بحزن لا يوصف
" بينيتو ليس بخير.. لقد قتلوه.. كان في شقة تلك البروفيسورة..
تم طعنهُ بسكين عدة طعنات.. لقد قتلوا حفيدي.. قتلوه.. والأطباء في المستشفى لم
يستطيعوا فعل أي شيء لمساعدته.. لقد خسرنا بينيتو... "
ابتعدت قليلاً عن جدتي ونظرت
إليها بنظرات جامدة لا حياة بها.. شعرت بجسدي يرتجف.. ونار حارقة حولت قلبي إلى
رماد..
شعرت بأنني خسرت أنفاسي.. شعرت بأن روحي تحترق في نار العذاب والألم..
كنتُ واقع تحت تأثير صدمة لا مثيل لها..
ابتعدت عن جدتي عدة خطوات إلى الخلف.. وما أن استدرت رأيت ابنة عمي
كارميتا تقف بجانب شقيقها خوان.. كانا ينظران إليّ بحزن وهما يبكيان بصمت.. حاولا
الاقتراب مني لكن رفعت يدي بسرعة حتى لا يقتربا مني..
ثم وجدت نفسي أمشي بخطوات بطيئة نحو السلالم.. صعدت الدرجات ببطءٍ شديد.. الهواء في القصر كان يثقل بأثقال الأحزان.. وكل خطوة كنتُ أخطوها كانت كثقل كبير على قلبي..
عندما دخلت إلى غرفة نومي انهمرت دموعي على وجنتاي كنهر لا يتوقف.. نظرت إلى الصور العائلية على الحائط.. صور تجسد سعادة أيام لن تعود.. وضحكات لا يمكن نسيانها.. وفي واحدة من تلك الصور كان بينيتو يبتسم
ببراءة وهو يقف بجانبي.. في تلك الصورة كنتُ
أضم شقيقي وأنا أضحك بسعادة لا توصف.. ولكن الآن كنتُ أبكي على فقدانه..
" لماذا بينيتو؟.. لماذا تركتني
أنتَ أيضاً ورحلت؟.. أخي حبيبي وصغيري.. لماذا تركتني؟... "
همست بصوت مُحطم بتلك الكلمات.. وكل كلمة كانت تتساقط كأمواج من الألم.. تملكتني مشاعر من الذنب والعجز.. لم أكن قادرًا على حماية أخي الوحيد.. بسببي مات..
بينيتو مات بسببي لأنني سمحت لهُ بالابتعاد عني..
استلقيت على سريري الضخم.. وشعرت بوحشية الفراغ الذي
خلفهُ رحيل بينيتو.. كانت غرفتي ترتعد بالألم.. وصدى بكائي كان يعبّر عن حزني العميق..
كانت اللحظات تمر ببطء كبير.. وكل ذكرى جميلة تسللت إلى ذهني
قمتُ بتفتيتها بين أصابعي كما لو كنتُ أحاول التشبث بشيء من الماضي الجميل..
شهقت بقوة وهتفت بعذاب وبحزن دفين
" بينيتو كان يتمتع بالحياة.. لماذا يا إلهي؟.. لماذا سمحتَ بحدوث ذلك؟.. لماذا جعلتني أخسر شقيقي الوحيد؟.. أولا
أمي وأبي وعمي.. والآن شقيقي.. لماذا؟... "
شهقت بقوة وهتفت بوجعٍ كبير
" أنا السبب.. أنا السبب في موته.. ما كان يجب أن أسمح لهُ
بالذهاب إلى ماربيا.. بسببي مات أخي "
فجأة.. شعرت بشيء يلمس يدي.. رفعت رأسي ورأيت جدتي تقف
أمامي وعيونها ممتلئة بالدموع.. جلست بجانبي على السرير ثم رفعت يديها ومسحت دموعي..
وقالت بصوت
يحمل مزيجًا من الحزن والحنان
" حفيدي.. لا يمكنني تخيل مدى ألمك الآن.. بينيتو كان يحبك كثيرًا.. وجميعنا كنا نحبه.. خسارتهِ كبيرة علينا ولا تعوض.. ولن ينساه أحد منا "
استقمت وجلست بجانبها.. نظرت إليها بندمٍ كبير وهتفت بعذاب وبحرقة قلب
لا توصف
" لقد مات بسببي.. لو لم أسمح لهُ بالذهاب.. لو أعدتهُ بالقوة
إلى هنا في ذلك اليوم ما كان حدث معهُ ذلك الحادث المأساوي.. كلهُ بسببي أنا
"
كانت كلماتي تبدو ضئيلة أمام هذا الفقدان الهائل.. وبينما كنتُ أنظر
بندمٍ كبير إلى جدتي غرقنا من جديد بالبكاء.. لم أعد قادرًا على كبت الألم
بداخلي.. كنتُ أبكي بحرقة أمام جدتي.. وكانت كل دمعة تتساقط على
وجنتي تحمل قطعة
صغيرة من قلبي المكسور...
حضنت جدتي بقوة وهمست بصوت يحمل الندم والأسى
" لقد أخذوه مني.. لم أكن قادرًا على حمايته.. لا أستحق أن أكون متادور.. لا أستحق أن أكون رئيس عشيرة دي غارسيا "
رفعت جدتي يدها ووضعتها بلطف على كتفي
وقالت بنبرة حنونة وحزينة
" لا تلوم نفسك سلفادور.. لا يمكن لأحد منا التنبؤ بمستقبلنا.. بينيتو كان يحب الحياة.. وهو الآن في مكان أفضل.. أنتَ لا تستطيع أن تكون في كل مكان في الوقت نفسه حفيدي.. أحيانًا يفوق القدر قوتنا وعزيمتنا.. لا تُلقي اللوم على نفسك.. أنتَ لا ذنب لك بما حدث لشقيقك.. لذلك
أريدُك أن تكون قوياً في هذه المحنة الأليمة "
توقفت جدتي عن التكلم وهنا رفعت رأسي ونظرت إليها بألمٍ كبير.. حاولت
التحكم بدموعي ولكن لم أستطع..
مسحت جدتي دموعي عن وجنتاي وقالت بصوت ناعم وحزين
" الآن يجب أن تتمالك نفسك.. عليك أن تذهب إلى المستشفى لتستلم
جثة شقيقك.. مراسم الدفن ستكون بعد يومين.. ولكن أريدُك أن تعدني بأن دماء بينيتو
لن تذهب هدراً.. من قتلهُ عليه أن يدفع الثمن غالياً.. عدني بذلك سلفادور.. أريدُك
أن تعدني بأنك ستنتقم مِن مَن قتل أخاك "
نظرت إلى جدتي وأجبتُها بتصميم
" بالطبع لن أهدأ إلا بعد محاسبة من قتل شقيقي واستهدفه بهذا الشكل الوحشي.. ولكن سأفعل ذلك باستخدام القانون "
تأملتني جدتي بنظرات حزينة.. ثم وقفت وقالت قبل أن تخرج من غرفة نومي
" سوف أرافقك بنفسي.. أريدُ أن أعرف ما حدث لحفيدي الصغير..
وحينها سنتكلم في موضوع مُحاسبة الفاعلين "
بعد ساعة ذهبت برفقة جدتي وابن عمي خوان إلى مدينة ماربيا.. وعندما
وصلنا إلى المستشفى استقبلني رئيس المستشفى ورئيس الشرطة في المقاطعة..
استمعت بتركيز إلى ما حدث مع بينيتو.. وكيف تلقى مركز الشرطة مُكالمة
من امرأة تبكي بخوف وبفزع وتطلب المساعدة وجلب سيارة إسعاف إلى منزلها..
تأملني الطبيب بنظرات حزينة وقال
" لقد تم طعن شقيقك بسكين حاد في ثلاثة أماكن.. تم طعنهُ في
وركهِ وفي معدتهِ مرتين.. ولكن الطعنة في وركهِ أصابت الشريان الوركي الموصول بالشريان الحرقفي الخارج مباشرة من الأورطي الذي يعد أكبر شرايين الجسم.. وعند تعرضه لهذه الطعنة باستخدام السكين تسبب ذلك في نزيف غزير.. وبمجرد القطع يحدث هبوط حاد في الدورة
الدموية ما يؤدي إلى الوفاة خلال ربع ساعة أو 20 دقيقة على أقصى تقدير.. وهذا كان سبب وفاة شقيقك سنيور دي غارسيا.. وهذا ما كتبهُ كبير الأطباء الشرعيين
لدينا الدكتور أليخاندرو.. تقبل تعازي الحارة لك متادور "
سمعت جدتي تبكي بينما كانت تجلس بجانبي في مكتب مدير المستشفى.. تأملني
بنظرات حزينة رئيس الشرطة في مدينة ماربيا وقال
" سنيور دي غارسيا.. الشرطة تبحث الآن عن القاتل.. وفي هذه
اللحظات يتم استجواب البروفيسورة لينيا هارفين.. شقيقك كان في منزلها عندما حصل
الحادث.. لينيا هارفين هي الشاهدة الوحيدة لنا الآن "
عقدت حاجباي وتأملتهُ بنظرات جادة وقلتُ له بتصميم
" أريدُك أن تضع منع السفر لتلك المرأة خارج إسبانيا.. لا
أريدُها أن تُسافر خارج البلد دون أن يتم القبض على المجرمين.. كما لا أريد أن
يتسرب خبر وفاة شقيقي إلى الصحافة.. افعل ما في وسعك لمنع حدوث ذلك "
أجابني رئيس الشرطة موافقاً.. ولكن لم أشعر بالثقة نحوه.. كان لدي
شعور بأنهُ لن يجد قاتل شقيقي.. لذلك ما أن خرجت من المكتب اتصلت بصديقي جواكين
رئيس الشرطة في مدينة اكستريمادورا.. وطلبت منهُ أن يُتابع بنفسهِ التحقيق في قضية
مقتل بينيتو..
بعد مرور يومين**
بينما كانت تتساقط الأمطار الخفيفة من السماء.. كانت أجواء الحزن تعم القرية بأسرها.. كان المتادور سلفادور دي غارسيا يجلس بجوار قبر شقيقه الشاب بينيتو.. في موقع مقبرته الخاصة.. كانت الوجوه مليئة بالحزن.. والدموع تنساب بحرية على خديه.. كان أهالي القرية يقفون في صمت.. والكلمات كانت قليلة أمام هذا الفقدان الكبير..
كان النعش مغطى بالزهور والورود.. ورائحة البخور تملأ الهواء.. الطيور كانت ترفرف في السماء الرمادية.. وكأنها تشارك في مراسم الوداع الأخير.. المتادور لم يكن قادرًا على تصديق أنه في الوقت الحالي شقيقهُ الغالي قد أصبح جزءًا من التراب..
نظرت إلى القبر وشعرت بأنني أختنق.. الكلام لا يسعفني لكي أصف مشاعري الحقيقية.. فالمصيبة كبيرة.. لأنني أعرف شقيقي جيداً.. فهو كان أكثر طيبةً ومسالمةً مني.. ولولا إيماني الشديد بالله لما استطعت تصديق أنه مات ولن أراه مرة أخرى..
سمعت الكاهن يختم صلواتهِ قائلا بحزن
" من أصعب الأمور التي يقع فيها أيّ شخص في الحياة إلا وهي وفاة شخص قريب
عليه.. فالموت هو أصعب فراق ولا أحد يستطيع أن
يتخطى هذا الألم إلّا بالصبر..
اكستريمادورا اليوم تودع ابنها الشاب.. بينيتو دي غارسيا.. وجميع أهالي القرية يُشاركون
عشيرة دي غارسيا حزنهم في رحيل فقيدكم.. وجميعنا نُعبر لكم عن خالص تعازينا ومواساتنا.. فلترقد روحهُ بسلام "
سمعت جدتي تشهق بقوة.. نظرت إليها بحزن وأمسكت يديها برفق وابتسمت ابتسامة خفيفة.. ولكن الحزن كان يعتصر قلبي.. وهمست بألمٍ شديد
" كم أتمنى أن يكون بينيتو هنا معنا الآن "
وضعت جدتي رأسها على كتفي وأغمضت عينيها وبكت بألم..
بعد انتهاء مراسم الدفن وتلقي التعازي من الأقارب والأصدقاء وأهالي
قريتي.. اقترب جواكين ووقف بجانبي وهمس قائلا بجدية
" سلفادور.. أعتقد بأنهُ ينبغي علينا أن نتحدث.. يوجد أمر بالغ
الأهمية عليك معرفته "
أومأت موافقاً ثم استأذنت من جدتي وغادرت الصالون وصعدت باتجاه مكتبي
برفقة جواكين رئيس الشرطة في مدينة اكستريمادورا..
وقفا سويا في الغرفة الهادئة.. والتي كانت تسودها أجواء من الحزن والخيبة.. مشيت بخطوات بطيئة باتجاه النافذة
وسمعت جواكين يقول بجدية بينما كنتُ أنظر إلى الخارج بنظرات هادئة
" لقد تلقيت تقريرًا عن اعتراف لينيا هارفين.. الشاهدة الوحيدة في قضية بينيتو "
استمريت في النظر خارج النافذة أتأمل بهدوء ساحة قصري.. وسألت جواكين بسرعة
" ماذا قالت تلك الشاهدة؟ "
سمعت جواكين يقول
" لقد أكدت لينيا هارفين أنها لم تر وجوه القتلة عندما اقتحموا منزلها
وقتلوا بينيتو في الصالون.. قالت إنهم كانوا يضعون قناعًا على وجوههم.. لا يوجد شيء يفيدنا بشكل ملموس "
أخذت نفسًا عميقًا وأطلقتهُ ببطء.. ثم سألت جواكين
" إذاً.. لا يوجد أي شاهد غيرها يمكن أن يساعدنا في العثور على قتلة بينيتو؟ "
سمعت جواكين يتنهد بقوة وقال بجدية
" سلفادور.. الأمور مُعقدة أكثر من ذلك.. لدي شكوك نحو لينيا هارفين "
كلماتهِ جعلتني في حالة من الدهشة.. استدرت واقتربت ووقفت أمامهُ
ونظرت إليه بنظرات حادة
ثم سألتهُ
" لديك شكوك نحو تلك البروفيسورة في الجامعة!!.. لماذا؟ "
اقترب جواكين ووقف أمامي وقال بجدية
" أصدقاء بينيتو اعترفوا
جميعهم بأن شقيقك كان على علاقة حميمة مع البروفيسورة لينيا هارفين.. يعتقدون أنها قد تكون متورطة في الأمر.. يعتقدون بأن لينيا هارفين اتفقت مع هؤلاء الرجال الثلاثة لقتل
شقيقك حتى لا يتم فضح علاقتها المُحرمة مع أحد تلامذتها في الجامعة وتخسر وظيفتها
"
توسعت عيناي ونظرت بذهولٍ شديد إلى جواكين.. وجهي كان يعبر عن مزيج من الصدمة والغضب.. بلعت ريقي بقوة وهتفت بغضب أعمى
" هذا لا يمكن أن يكون صحيحًا.. إنها معلمته.. وكان بينيتو تلميذها.. مستحيل أن يكون قد تورط شقيقي بعلاقة حميمة مع معلمته "
تأملني جواكين بنظرات حزينة وقال
" آسف سلفادور.. جميع أصدقاء بينيتو أكدوا للمحققين في قضية
شقيقك بأن البروفيسورة لينيا هارفين كانت على علاقة حميمة مع بينيتو.. كما اعترفوا
جميعهم بأن بينيتو كان يريد أن يعرفوا الجميع بعلاقتهِ بها دونَ أن يهتم لسياسة
الجامعة وقوانينها.. ويبدوا أن ذلك لم يُعجب لينيا هارفين لذلك حاولت قتله ولكن لا
بُد بأن الأمور قد خرجت عن السيطرة في منزلها فتم قتل بينيتو بالخطأ في الصالون..
ربما كانت الخطة أن يتم خطفهُ من منزلها وقتله.. حسب الأدلة بينيتو قاومهم إذ
صالون منزل تلك المرأة كان أثاثهُ محطماً بالكامل "
استمر الصمت في المكتب لفترة.. وكأنه يمثل الركود الذي سيسبق العاصفة.. المتادور كان يفكر بتلك المعلومات الجديدة.. وكيف يمكن أن يكون مقتل
شقيقهِ مرتبطًا بتلك البروفيسورة..
تسارعت أنفاسي ونفرت عروق جسدي بكامله.. نظرت إلى صديقي وهتفت بغضب
أعمى
" لقد وعدني بينيتو بأنهُ لن يتورط مع تلك البروفيسورة في علاقة
حميمة.. مستحيل أن يكون قد كذب عليّ "
تنهد جواكين بقوة وقال بحزن
" لينيا هارفين لم تعترض ولم تُبدي أي ردة فعل عندما سألها
المُحقق إن كانت على علاقة حميمة مع تلميذها.. التزمت الصمت التام.. وهذا دليل
واضح بأنها كانت عشيقة بينيتو.. ولذلك الجامعة اتخذت قرارها سوف يتم طرد لينيا هارفين
من الجامعة ومنعها من مزاولة عملها كمعلمة في أي جامعة أو مدرسة في إسبانيا "
شحب وجهي بقوة إذ تأكدت بأن شقيقي لم يفي بوعدهُ لي وتورط بعلاقة مع
معلمته.. وبصدمة كبيرة سمعت جواكين يقول
" لقد أتى اليوم الطالب فالديس لتقديم التعازي لك ولعائلتك.. أظن
عليك أن تتكلم معهُ شخصياً متادور "
وافقت بسرعة على اقتراحه.. وما هي سوى ثواني خرج جواكين من الغرفة
وعاد بعد دقائق برفقة شاب..
وقف صديق بينيتو أمامي وقال بحزن
" متادور دي توروس.. تعازي الحارة لك سنيور.. شعرت بالصدمة اليوم
عندما اكتشفت بأنك شقيق بينيتو.. هو لم يُخبرني أو يُخبر أي أحد عن عائلته وصلة
قرابتهِ بك "
شكرتهُ بهدوء ثم سألتهُ
" هل كنتَ تعلم عن علاقة بينيتو بتلك البروفيسورة؟.. أريدُك أن
تُخبرني الحقيقة فالديس "
تأملني الشاب بنظرات متوترة وقال بحزن
" نعم سنيور.. البروفيسورة لينيا هارفين كانت على علاقة حميمة مع
بينيتو.. كانت عشيقته.. عندما بدأ العام الدراسي شعر بينيتو بالانجذاب نحو البروفيسورة
الجميلة.. وفي أقل من أسبوع كانت أصبحت عشيقته.. ما أعرفهُ بأنهُ اشترى لها الكثير
من الهدايا الثمينة.. وكان يذهب إلى منزلها ويمارس معها الحُب طيلة الليل.. ولكن...
"
كنتُ أتنفس بسرعة بينما كنتُ أسمع بذهول ما تفوه به فالديس.. وسمعتهُ
بصدمة كبيرة يتابع قائلا بحزن
" بينيتو أحبها بجنون وتعلق بها.. أراد أن يعرف الجميع بأنها
امرأته وحبيبتهُ.. ولكن أظن البروفيسورة شعرت بالخوف لذلك اتفقت مع هؤلاء الرجال
الثلاثة لخطف بينيتو وقتله.. أظن حدث شيء في منزلها وتطورت الأمور وتم قتل صديقي
"
تشنج جسدي عندما سمعت اعترافهُ.. ولكن بدون أدلة ملموسة لا يمكنني
إتهام تلك المرأة بقتل شقيقي..
تابع فالديس قائلا بحزن
" لا أظن بأن البروفيسورة شاهدة على جريمة القتل.. أظنها متورطة في الجريمة.. ويجب أن يتم سجنها ومعاقبتها.. هي وقعت في حب بينيتو.. وكان يعلم أنها خطرة.. لقد أنذرته من قبل بأن لا يثق بها ويبتعد عنها.. ولكنه لم يستمع إليّ.. هي التي قتلت بينيتو "
كان المكتب يمتلئ بالصمت المقيت بينما كنتُ أحاول أن أستوعب ما قاله فالديس عن لينيا هارفين وعلاقتها بشقيقي.. كنتُ أُفكر بشكل متسارع حول كيفية التعامل مع هذه
المعلومات الصادمة.. وفي هذا الوقت.. انفتح الباب بعنف ودخلت جدتي رامونا بخطوات ثقيلة ووجه يحمل غضبًا لا يمكن احتواؤه..
تأملتني جدتي بنظرات مصدومة وهتفت بحنجرة مليئة بالألم والغضب
" تلك المُعلمة.. هي من كانت السبب في موت حفيدي؟.. تكلم
سلفادور.. تلك البروفيسورة ليست شاهدة على الجريمة.. بل هي متورطة بها.. أجبني
متادور.. أخبرني الحقيقة "
كان وجهها ينعكس فيه غضبها ويأسها.. وعينيها تتألقان بالدموع المؤلمة.. تنهدت بقوة وأجبتُها بهدوء
" لا يوجد دليل واحد يُدينها جدتي.. لذلك يجب أن ننتظر التحقيقات
و... "
قاطعتني جدتي هاتفة بغضب وبحقد لا يوصف
" أنا متأكدة أنها قادرة على فعل ذلك.. هي من قتلت حفيدي.. سلفادور.. هل تستمع
إليّ؟.. يجب عليك أن تنتقم
منها.. يجب أن
تجلبها إلى هنا.. إلى اكستريمادورا.. وتجعلها تذوق العذاب وتعترف بجريمتها.. عليها أن تدفع ثمن ما فعلته
بحفيدي "
نظرت إلى جدتي بتردد.. وشعرت بمتاهة من المشاعر تلتف حولي.. كنتُ أعيش في لحظة تقاطع بين العدالة والألم.. وكل قرار سوف أتخذهُ
الآن قد يؤثر على حياة
الجميع..
نظرت إلى جدتي وقلتُ لها بصوت هادئ ولكن ثابت
" أنا لا أستطيع أن أكون القاضي والمنفذ.. يجب أن تأخذ العدالة مجراها بعيدا عن أي ضغط أو انتقام "
احمر وجه جدتي من الغضب وهتفت بقوة وبتصميم
" لا سلفادور.. أنتَ مُلزم بهذا الانتقام.. لقد وعدتني بأنك
ستجعل المتسببون في مقتل شقيقك يدفعون الثمن غالياً.. وأنتَ مُلزم بالوفاء بهذا
القسم.. فأنتَ رئيس عشيرة دي غارسيا.. يجب أن تجلب لينيا هارفين إلى هنا.. إلى اكستريمادورا.. أنتَ الوحيد القادر على فعل ذلك.. والقادر على جعلها تعترف بجريمتها الشنيعة.. وإن لم توافق على
الانتقام منها سأذهب بنفسي وأتصرف "
توقفت جدتي عن التكلم واقتربت ووقفت أمامي.. ووسط ذهولي الشديد تابعت
جدتي قائلة بحقد لا يوصف
" إنه من واجبك أن تنتقم.. سلفادور.. لا تدعها تفلت من العدالة.. إن فعلتَ ذلك سأذهب وأقتلها بنفسي "
استدارت جدتي وغادرت مكتبي.. وانصرف جواكين برفقة الشاب فالديس وظللت
بمفردي في المكتب..
مبادئي وأخلاقي تمنعني من السعي إلى الانتقام.. ولكن جدتي لم تترك لي خياراً آخر.. شتمت بغضب وخرجت مُسرعاً من
الغرفة وصعدت إلى جناحي الخاص..
كانت غرفة المتادور سلفادور دي غارسيا مكانًا
منعزلًا في جناحه الخاص في قصره.. الستائر الثقيلة تحجب أي ضوء من الخارج.. والأثاث الفاخر ينعكس على الذوق الرفيع
للرجل الذي كان يجلس الآن على حافة سريره وقلبهُ مُحطم
بسبب الحزن والحيرة..
كانت كلمات جدته ترن في ذهنه كصدى مؤلم.. ( إنه من واجبك أن تنتقم.. سلفادور.. لا تدعها تفلت من العدالة.. ).. ترددت هذه الكلمات في ذهنهِ والغضب تسلل إلى قلبه..
رغم أن أخلاق المتادور كانت تحثه على السير
في طريق العدالة وتجنب الانتقام.. إلا أن هذه المرة كانت مختلفة.. الضغط الذي يفرضه الواجب العائلي كان أقوى.. وهو ما جعله يتردد في الخيارات التي يمكنه اتخاذها..
" كيف أستطيع أن أتخذ هذا القرار؟ "
همس المتادور لنفسه بحزن بتلك
الكلمات.. وهو يفكر في
ما إذا كان يجب أن يسلك طريق الانتقام أم يظل مخلصًا لقيمه..
في زمن قصير.. اتخذ قراره النهائي.. لم يستطع أن يدع جدته تتسلط عليه بالتهديد.. وفي الوقت نفسه.. لم يستطع تجاهل الحقيقة المؤلمة حول مقتل
شقيقه بينيتو.. كان يعلم أن الأمور كانت تتعقد.. ولا بد من التحقق من الحقيقة بشكل أكبر..
تقدم المتادور نحو نافذة الغرفة.. أبعد الستائر ونظر إلى الخارج حيث كان يمكنه رؤية المناظر الخلابة لحديقة
القصر.. كان يعرف أن عليه أن يحرك القطع في لعبة
الحقيقة والخيانة والانتقام..
تنهد برقة وهمس قائلا بتصميم
" سأجلب لينيا هارفين إلى اكستريمادورا "
ثم تابع قائلا بصوت هادئ وثابت
" سأحاول أن أفهم ما حدث في تلك الليلة منها.. إن جلبت لينيا هارفين إلى هنا لن تحاول جدتي قتلها.. هذا
أولا.. أما ثانياً.. سأكتشف من تلك المرأة حقيقة ما حدث مع شقيقي بينيتو.. وإن كان
لها علاقة بموت شقيقي سوف أسلمها بنفسي إلى السلطات ليتم مُحاكمتها "
كانت هذه خطوة غير مألوفة بالنسبة له.. ولكنه كان يدرك أن عليه أن يتحرك بحذر.. قرر أن يكون البطل الذي يجلب العدالة دون اللجوء إلى الانتقام العنيف..
بدأ في التخطيط لخطواته.. سيحتاج إلى الاستعانة بفريق من الأفراد المحنكين والذين يثق بهم.. قرر أن يستعين بأفضل رجاله في اكستريمادورا وأن يقوموا بالتحقيق بدقة
فيما حدث.. وأيضاً ليتم جلب تلك المرأة إلى
قصره..
في النهاية.. كانت الأمور لا تزال معقدة.. ولكن المتادور كان عازمًا على كشف الحقيقة.. لن يسمح للانتقام أن يسيطر عليه.. ولكنه سيسعى للعدالة بكل وسيلة متاحة.. هذه المرة سيكون قراره.. هو الذي سوف يقرر مصيرهُ ومصير عائلته..
بينما كان المتادور يخطط للخطوات القادمة.. شعر بالحزن الثقيل يغلف قلبه.. كانت مسؤولية كشف الحقيقة تقع على كتفيه.. وهو يعلم أن الطريق لن يكون سهلاً..
نظر إلى الزهور التي تم وضعها على طاولة صغيرة بجوار النافذة.. ذكرته بالجنازة التي شهدت اليوم على حزن قريته وعلى
خسارتهِ الكبيرة.. بينما كان يفكر.. شعر بضغط يتزايد داخله.. لكنه قرر أن يتحكم في هذا الضغط بدلاً من أن يسمح له بالتسلل إليه..
رغم أن جدته كانت تطالبه بالانتقام.. قرر المتادور الابتعاد عن العنف والبحث عن الحقيقة بطريقة أكثر نضجًا.. سيعيش حياته بمبادئه وقيمه.. ولن يسمح للظلم بتحويله إلى وحش ينفذ الانتقام دون تفكير..
خرجت من غرفتي بخطوات ثابتة مستعدًا لمواجهة التحديات التي تنتظرني.. في طريقي إلى خارج القصر.. التقيت بجدتي التي كانت تنتظرني بفارغ الصبر أمام السلالم..
وما أن وقفت أمامها.. سألتني جدتي بتوتر
" سلفادور.. هل اتخذتَ قرارك؟.. هل ستجلب لينيا هارفين إلى هنا؟ "
أجبتُها بحزم.. بينما كنتُ أحاول توضيح موقفي بوضوح لها
" نعم جدتي.. سأجلبها إلى هنا.. ولكن لا بد أن يكون التحقيق عادلًا ومستندًا إلى الحقائق والأدلة.. لا أستطيع السماح للانتقام بتوجيهنا.. سأطلب من رجال عشيرتي ليجتمعوا في غرفة الاجتماعات في قصري بعد
يومين.. سأتحرى عن حياة تلك المرأة.. وبعدها سأتكلم أمام الجميع وأخبركم عن خطتي
"
رأت جدتي في عيناي قوة الإرادة والتصميم..
تنهدت براحة وقالت بنبرة حنونة
" أنت تعلم أنني أحبك "
تنهدت برقة وأجبتُها
" نعم جدتي.. وأنا أيضاً أحبكِ "
ابتسمت جدتي برضا تام وقالت بجدية
" افعل ما يتوجب عليك.. ولكن تأكد من أنك ستجلب لنا العدالة "
أجبتُها موافقا وخرجت من القصر وأمرت خواكيم بأن يُخبر رجال عشيرتي بأن
اجتماع مهم سينعقد بعد مرور يومين في صالة الاجتماع في قصري..
بعد مرور يومين**
المتادور سلفادور دي غارسيا وقف في صالة
الاجتماع الكبيرة في قصره.. وأمامه وفد من رجال عشيرة دي غارسيا وبحضور جدتهِ رامونا.. أصحاب الوفاء والشرف الذين كانوا يشكلون عمود الدعم لقريتهم اكستريمادورا.. كانت أجواء الصالة مليئة بالرجولة والتاريخ.. حيث كانوا يجلسون في حلقة حول طاولة خشبية ضخمة..
هتف المتادور سلفادور بصوتهِ الرجولي
" إخوتي وأصدقائي.. لقد جمعتكم هنا اليوم لأخبركم بما سيحدث في
الأيام القادمة.. والأهم
لأخبركم عن الخطة.. الخطة التي وضعتُها لتحقيق العدالة "
انطلقت عيون الرجال الحاضرين نحو المتادور
بفضول واهتمام.. كانت هذه المرة غير عادية.. وكانوا يعلمون أن قرارات المتادور لا تأتي بدون سبب..
" لقد تم قتل شقيقي بينيتو.. والشُبهات تنحصر على امرأة اسمها لينيا هارفين.. أصدقاء بينيتو اتهموا تلك المرأة بأنها متورطة في جريمة قتل شقيقي
"
أعلن المتادور أمامهم بهذه الحقائق.. وتناثر الصمت في الصالة..
رصد المتادور تفاعلات الرجال الذين كانوا
يتلقون الخبر بصدمة وغضب.. كانوا يعلمون جميعًا أهمية العدالة وحفظ
شرف العشيرة..
تابع المتادور قائلا بجدية
" سأجلب هذه المرأة إلى اكستريمادورا ليتم مُحاكمتها أمامكم.. ولكن لا يجوز لأحد منكم لمسها أو إيذائها.. نحن نسعى للعدالة.. ولن نسمح للغضب بأن يجعلنا نختلف عن قيمنا "
أخذت الكلمات قلوب الرجال.. ولكن ظل هناك جو من التوتر والاستياء.. كانوا يدركون أهمية العدالة.. ولكن الغضب لا يزال يراود أذهانهم..
تأملهم المتادور بجدية وقال بنبرة حازمة
" لن يتم أذية تلك المرأة في قريتي.. عندما تصل إلى هنا سيتم عقد
اجتماع لكبار رجال العشيرة.. وطبعا جدتي السنيورا رامونا ستكون موجدة في الاجتماع..
سيتم استجواب لينيا هارفين أمام الجميع.. سوف نستمع إلى ما لديها من اعترافات..
وبعدها سأصدر قراري بالحكم عليها أمامكم "
قال أحد الرجال وهو ينظر إلى المتادور بتحدي
" يجب أن يتم مُحاسبة تلك المرأة إن كانت متورطة في مقتل السنيور
بينيتو.. نحتاج إلى
خطة جيدة لخطفها وجلبها إلى هنا "
أجاب المتادور بنبرة هادئة
" بالطبع.. لكن يجب أن نتأكد من أن العملية ستكون ناجحة وبدون أي أخطاء.. يجب أن نكون حذرين.. لذلك وضعت خطة مضمونة لعدم لفت انتباه
أي أحد عن اختفاء لينيا هارفين "
نظرت إليهم بجدية وكلمتهم بنبرة حازمة قائلا
" سأحتاج لمساعدة بيريز أراغون.. و غارسيا.. وطبعا سأحتاج
لمساعدة البعض منكم لمراقبة تلك البروفيسورة طيلة الوقت.. كما سبق وطلبت من صديقي
جواكين بمراقبة هاتف تلك المعلمة على مدار الساعة "
عندما توقفت عن التكلم هتفوا الرجال جميعهم بغضب
" اسمح لنا متادور بخطف تلك المرأة وجلبها إلى هنا.. إن كانت
مذنبة عليها أن تدفع الثمن غالياً "
تنهدت بقوة وتصلب جسدي عندما هتفت جدتي قائلة
" لو سمحتم أيها السادة.. التزموا الصمت في حضور رئيس العشيرة..
لن أسمح بتاتاً بأن يتم مُعارضة قراراته.. اسمعوه أولا.. يجب أن تعرفوا ما هي
خطته.. وبعدها يمكننا التشاور معهُ بخصوصها "
جلسوا الجميع ونظروا إليّ بنظرات خجولة وبدأوا بالإعتذار مني.. لم
أغضب منهم خاصةً لأنني أتفهم سبب غضبهم ولهفتهم لتحقيق العدالة.. فالجميع في
القرية كانوا يحبون شقيقي ويحترمونه..
وقفت وأسندت قبضتاي على سطح الطاولة.. نظرت إلى الجميع وقلتُ لهم
بجدية
" لن أسمح بمعارضة خطتي وعدم الالتزام بها.. كلمتي هي القانون
هنا.. لذلك سوف يتم
تنفيذ جميع أوامري بحذافيرها..
ولن أسمح لأحد في هذه القرية بلمس شعرة واحدة من رأس لينيا هارفين دونَ إذن مُسبق
مني.. لذلك... "
توقفت عن التكلم ثم استقمت بوقفتي وتابعت قائلا
" سنجعل لينيا هارفين تأتي بنفسها إلى اكستريمادورا.. لقد تم
منعها من السفر خارج إسبانيا لحين انتهاء التحقيق.. لذلك سأجعل جدتي تلتقي بها
وتقنعها بالذهاب في رحلة سياحية إلى اكستريمادورا.. ولكن جواكين أخبرني بأن أحوال المادية
لتلك المُعلمة ليست جيدة.. لذلك سأجد طريقة لجعلها تأتي بسهولة إلى هنا "
ابتعدت عن الطاولة قليلا وتابعت قائلا لهم
" أريدُكم أن تكونوا جميعكم جاهزون لدى وصولها إلى هنا.. أخبروا
نساءكم وأطفالكم بعدم السماح لها من الخروج من القرية بأي ثمن.. راقبوها جيداً
عندما تصل.. بعد ساعة سأذهب برفقة السنيورا رامونا إلى مدينة مارينا برفقة البعض
منكم.. أتمنى أن يتم الالتزام بما طلبتهُ منكم بعدم أذية تلك المرأة بأي شكلٍ كان حتى
نكتشف منها حقيقة ما حدث.. والآن يمكنكم الانصراف "
بعد خروجهم.. وقفت جدتي أمامي وقالت بفخر
" أنا فخورة بك حفيدي.. كما أنا متأكدة بأن خطتك ستنجح.. سأذهب
وأطلب من الخدم بتوضيب حقيبتي وحقيبة ملابسك.. لن أتأخر "
بعد مغادرة جدتي الصالة تنهدت بعمق وهمست بحزن
" أتمنى أن تكون تلك المرأة بريئة.. أتمنى ذلك "
بعد مرور أسبوع**
كان المتادور سلفادور دي غارسيا يقف في مكتبه
الفخم في الشقة الكبيرة التي يمتلكها في مدينة مارينا... كان الأثاث الراقي والديكور الرفيع يعكسان ذوقه الرفيع.. وكانت النوافذ الكبيرة تطل على إطلالة ساحرة للمدينة.. كان يواجه مكتبه الذي كان مركزًا لقراراته وخططه..
فجأة دخل إلى المكتب جواكين.. صديق المتادور ورئيس الشرطة في مدينة اكستريمادورا.. كان يحمل ملفًا سميكًا ويبدو عليه التركيز
والجدية.. اقترب وصافح المتادور بتواضع واحترام..
قال جواكين محاولًا إظهار احترامه رغم جدية
الموقف
" صباح الخير سلفادور "
رد المتادور بصوت هادئ.. ولكن التوتر كان يظهر واضحًا في عينيه
" صباح الخير.. ماذا لديك اليوم من معلومات؟ "
أجابني جواكين بينما كان يُسلمني الملف
" هذه المعلومات الكاملة عن تلك المرأة.. يجب أن ترى هذا الملف
وبسرعة "
استلمت الملف منه والذي بدا بمظهره الخارجي أنه يحتوي على معلومات هامة.. عندما فتحت الملف.. ظهرت أمامي صورة لامرأة.. كانت لينيا هارفين تظهر بوضوح في الصورة.. وملامح وجهها أخذتني إلى ذلك اليوم الذي ارتطمت
بي هذه المرأة في جامعة ماربيا..
نظرت إلى الصورة بدهشة كبيرة وهمست بصوت متصدع
" لا... لا يمكن أن تكون هي "
سمعت جواكين يقول
" لقد تم التقاط هذه الصورة لها في الأمس.. كانت تمشي في الشارع
وهي شاردة ولم تنتبه بتاتا لرجالك بينما كانوا يراقبونها.. هي دائماً تذهب إلى
الحديقة العامة في الساعة الرابعة بعد الظهر.. كما أنها تبحث عن عمل ولكن تم رفضها
من قبل الجميع بسبب ملفها الأسود في الجامعة "
ظللت أنظر إلى الصورة بدهشة وصدمة.. وفجأة شعرت بأن قلبي ينكسر عندما قرأت الوثائق المرفقة.. كانت لينيا هارفين ليست فقط امرأة عابرة ارتطمت بي بالصدفة في ذلك اليوم.. بل كانت عشيقة شقيقي بينيتو.. والمشتبه بها في جريمة قتله..
" بينيتو... "
همست باسم شقيقي الراحل بحزن.. كانت الذكريات تعصف بي.. وصورة لينيا في ذهني تتعاقب كمشهد مؤلم.. وتذكرت بحزن ما قالهُ لي بينيتو في ذلك اليوم عن البروفيسورة التي
أعجبته..
سمعت جواكين يقول بنبرة حزينة
" لقد حققت بنفسي مع أصدقاء بينيتو.. وجميعهم أكدوا لي بأن لينيا
هارفين كانت عشيقة بينيتو.. وللأسف لا يوجد أي أثر للرجال الثلاثة الذين اقتحموا
منزلها في تلك الليلة وقتلوا بينيتو.. و لينيا ما زالت على أقوالها بأنها لم ترى
وجوههم بسبب الأقنعة التي كانوا يضعونها على وجوههم.. ولم يتم إيجاد سلاح الجريمة
في منزلها وجواره "
رفعت نظراتي وتأملت جواكين بنظرات حزينة وهمست بغصة
" هي كانت عشيقة بينيتو؟ "
ظن جواكين بأنني أتكلم معهُ.. إذ قال بلطف محاولًا التعاطف والتضامن
" أنا آسف صديقي.. نعم لقد كانت هذه المرأة عشيقة شقيقك.. وأكدوا جميع
أصدقائهِ في الجامعة هذه المعلومة.. لقد خالفت لينيا هارفن قوانين الجامعة بعدم إقامة أي علاقة عاطفية
مع الطلاب.. لذلك تم طردها من الجامعة بعد مرور أسبوع على وفاة بينيتو "
استمريت في تأمل صورة لينيا.. وكأنني أحاول فهم كيف تحولت علاقتها مع شقيقي إلى مأساة بهذا الشكل المأساوي..
وقفت وشكرت جواكين وبعد ذهابه أمسكت الملف وخرجت من غرفة مكتبي وتوجهت
مُسرعاً إلى غرفة نوم جدتي.. ما أن دخلت إلى غرفتها رأيتُها تجلس على السرير وهي
تحمل صورة بينيتو وتبكي..
اقتربت ووقفت أمامها وهمست بحزن
" جدتي.. أنتِ بخير؟ "
خبأت جدتي بسرعة صورة بينيتو أسفل وسادتها ثم مسحت دموعها ورفعت رأسها
ونظرت إليّ بحنان قائلة
" نعم متادور.. أنا بخير "
جلست بجانبها ونظرت إلى وجهها وقلتُ لها بجدية
" حان الوقت لنتحرك.. في الساعة الرابعة بعد الظهر سوف تذهبين
إلى الحديقة العامة.. يجب أن تتكلمي مع لينيا هارفين بأي طريقة وتُقنعيها بالذهاب
في رحلة سياحية إلى اكستريمادورا "
تنهدت جدتي براحة بينما كنتُ أُسلمها الملف.. فتحتهُ جدتي ونظرت بجمود
إلى صورة لينيا هارفين.. سمعتُها تهمس بغصة وبحقد
" إنها جميلة.. لا عجب بأنها استطاعت خطف قلب حفيدي بينيتو
"
شعرت بألمٍ خفيف في صدري ولكن تجاهلتهُ.. نظرت إلى جدتي وقلتُ لها
بتصميم
" حان الوقت لتنفيذ خطتي.. لينيا هارفين ستكون في قبضتي قريباً
"
نظر المتادور إلى صورة لينيا.. كانت مشاعره متداخلة بشكل معقد.. فكلما نظر إلى صورة لينيا.. زادت مرارة الخيبة والأسى بداخله.. كان يعلم أنه يجب عليه التحرك الآن.. لكنه كان في حاجة إلى وقت لفهم الحقائق ومواجهة الواقع المؤلم..
ولكنهُ أقسم في هذه اللحظة بأن يجعل لينيا تدفع الثمن غالياً إن كان
لها علاقة في موت شقيقه..
شكرا حبيبتي ♥
ردحذفحياتي تسلمي
حذفتحفه بجد 🤎🤎
ردحذفحبيبة قلبي شكرا
حذفالمدونه طلعت عيني علي مشتغلت بس كله يهون علشان عيونك يا قلبي
ردحذفيا قلبي أنتِ آسفة أتعبتكِ معي
حذفيمكنك متابعة رواياتي كذلك على الواتباد
الفصل حلو جدا بتمنالك التوفيق والنجاح الدائم يارب
ردحذفشكرا لكِ من القلب حبيبتي
حذفالله عليكى هافن دايما مبدعه تسلم ايدك حبيبتي
ردحذفشكرا لكِ يا قلبي.
حذفبارت أكثر من رائع ❤️.
ردحذفالبداية مع كارميتا لا اهلا ولا سهلا هههههههههه شكلها افعى صفراء سوف تزعجنا كثيرا 😂🙃.
سلفادور اعرف انت شخص جيد وصالح والحادثه التي وقعت سوف تحاول جعلك تخرج السئ الذي لديك اتجاه لينيا ولكن اتمنى أن لا تؤذيها حتى لا يأتي يوم ويكون الندم غير مفيد....اعجبني كيف يفكر وأنه لن يؤذيها أو يسمح لأحد بأذيتها أتمنى أن يحافظ على كلامه ويحميها فعلا حتى ظهور الحقيقة.
بينيتو ماهذا اول لقاء تريد تقبيلها مزعج فعلا .....هل ممكن حاول التحرش أو الاعتداء عليها المسكينه....من الممكن والاحتمال أنه قد أوهم الناس أو أخبرهم بالاكاذيب أنه على علاقه مع لينيا.
مات باكثر من طعنه 🤔 مستحيل لينيا تطعنه أكثر من مره....يعني من الممكن هناك شخص آخر مجهول اكمله عليه وقتله.
تسلم ايدك ❤️❤️.
أشكركِ يا قلبي لأنكِ أحببتِ روايتي وأحداث البارت
حذفأحببت جدا تحليلاتكِ وما كتبته
قريبا جدا سنعرف ما حدث مع لينيا وكيف مات بينيتو.
رغم انو توضحت اشياء بس زاد الغموض في اشياء ثانية، ليش احس ان اصدقاء بينيتو هم قتلوه او يعرفوا من لأن اصرارهم مب طبيعي.
ردحذفهفونتيييي احييكِ لقد تطور اسلوبكِ السردي والوصف كثيرا في هذه الرواية، اتمنى لكِ التقدم والنجاح.
احبكِ واشتقت لكِ كثيرًا...
حياتي أنتِ شكرا لكِ من القلب
حذف