رواية المتادور - فصل الأول
مدونة روايات هافن مدونة روايات هافن
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...

أنتظر تعليقاتكم الجميلة

  1. ياااي هافن بداية رائعة، وصفك للمصارعة جدًا ساحر وجميل، اممم اتمنى ان اعرف ماذا حدث لتطرد لينيا، وهل له علاقة بانتقام سيلفادور، احببت الشخصيات، ومتشوقة للقادم، احبككك، حقيقة متحمسة فأسبانيا هي بلدي المفضل...

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا لأنكِ أحببتِ الفصل الأول من روايتي يا قلبي

      حذف
  2. واخيرا وليس أخرا.شكرا هافن للنشر وبانتظارك دائما وابدا. 😀

    ردحذف
  3. روعه روعه انتي فنانه مشاء الله عليكي امتي الفصل الجديد

    ردحذف
    الردود
    1. حياتي شكرا لكِ
      لقد نشرت فصل جديد الآن
      أتمنى أن ينال إعجابكِ.

      حذف

رواية المتادور - فصل الأول

 

رواية المتادور - فصل الأول - المايسترو



المايسترو










 

لينيا هارفين**

 

في جنوب إسبانيا في منطقة تُعرف باسم المارينا.. وهي منطقة سكنية وتجارية تقع على بعد حوالي 10 كيلومترات من وسط مدينة ماربيا.. وفي شوارع هذه المنطقة الجميلة وبين أشعة الغروب الذهبية وظلال الليل المتسللة.. كانت لينيا تقود سيارتها بسرعة جنونية نحو منزل والديها..
 
لينيا.. الفتاة ذات الروح الحماسية.. كانت تقود سيارتها الصغيرة بسرعة مثيرة على الطرقات.. كانت تتلاعب بعجلة القيادة بحماس.. وكأنها تسعى للوصول إلى مصدر الحياة في زمن قياسي.. كانت الساعة السادسة مساءً.. والهواء المنعش الذي يعصف بشعرها كان يحمل معه رائحة الإثارة والترقب..
 
كانت تشعر بالحماس ينبض في قلبها.. لا تستطيع الانتظار للوصول إلى المنزل ومشاركة هذه اللحظة الفريدة مع والديها..
 
عندما وصلت إلى مدخل الحي.. حركت لينيا المقود بسرعة باتجاه الشارع الضيق الذي يضم منزل والديها الدافئ.. وقادت السيارة بخفة على الطريق الرملي والترابي.. وكلما اقتربت من البيت كلما زادت سرعتها...
 
وصلت لينيا إلى منزلها.. حيث انعكس الضوء الذهبي للغروب على واجهة البيت الأبيض.. بينما كانت تركن سيارتها بسرعة شعرت بالسعادة.. اندلعت الزهور في الحديقة مُرحبة لعودتها.. تتأرجح مع الرياح كما لو كانت ترقص على إيقاع فرحها..
 
خرجت لينيا بعجلة من السيارة.. حملت حقيبتها بسرعة وأكياس البقالة وركضت مُسرعة نحو الباب ووجهها مشرق بابتسامة مُشعة.. ظهرت سُحب الغبار الخفيفة حولها مع كل خطوة.. وكأن الطبيعة نفسها كانت تحتفل بعودتها..
 
وما أن دخلت لينيا إلى المنزل.. كان والدها البروفيسور المُتقاعد راؤول هارفين يستريح على كرسيه المفضل في غرفة المعيشة.. أما والدتها ميلينا هارفين.. كانت تعد العشاء في المطبخ.. عند رؤيتهما لابنتهما العزيزة برقت أعينهما بالفرح..
 
صاح والدها بابتسامة واسعة
 
" لينيا.. صغيرتي الجميلة "
 
أضافت والدتها ميلينا مع ابتسامة دافئة
 
" أخيراً عُدتِ ابنتي "
 
ركضت لينيا إلى المطبخ ووضعت الأكياس على الطاولة ثم حضنت والدتها وبدأت تُقبلها على وجنتيها بينما والدتها ميلينا كانت تضحك وتهتف بفرح
 
" ابنتي.. توقفي عن تقبيلي.. ههههه.. جعلتني أشعر بالدوار أيتها المشاغبة "
 
ضَحِكت بسعادة وتوقفت عن تقبيل والدتي.. نظرت إليها بحبٍ كبير بينما كنتُ ابتسم بسعادة

رواية المتادور - فصل الأول - المايسترو
 
 
ثم هتفت بملء صوتي
 
" أحبكِ أمي "
 
ضحكت والدتي بسعادة عندما شاهدتني أقفز إلى الخلف ثم ركضت إلى غرفة المعيشة وحضنت والدي بقوة وقبلتهُ على خده.. ابتسم والدي برقة وسألني بنبرة حنونة وبفضول
 
" كيف كان يومكِ؟ "
 
وقفت أمامهُ وأجبتهُ بحماس
 
" رائع.. ولكن الليلة ستكون أروع.. وكما ترى لم أشتري المزيد من الملابس لي من أجل عملي.. في النهاية اشتريت البقالة لزوجتك الجميلة "
 
قهقه والدي بخفة وسألني
 
" ولماذا ستكون هذه الليلة أروع صغيرتي؟ "
 
قفزت وهتفت بحماس
 
" سوف يصارع المتادور سلفادور دي غارسيا في حلبة لاس فينتاس الليلة.. وجميع القنوات ستبث هذا الحدث الرائع الليلة ومباشرةَ "
 
وقفت والدتي بجانبي ونظرت إليّ بذهول وهتفت بدهشة كبيرة
 
" الليلة موعد المُصارعة؟ "
 
تغيّرت تمامًا تعابير والديها.. فقد تسارع قلبهما مع الإعلان عن هذا الحدث الكبير..
 
لمعت عيوني بشغف وأجبت والدتي بسعادة
 
" نعم.. الليلة موعدها.. سيواجه المتادور سلفادور ثورًا هائجًا وشرساً جداً.. وأعتقد أن هذا الحدث سيكون شيئًا لا يُنسى "
 
قهقهت والدتي بخفة ثم نظرت إليّ بطريقة غريبة وقالت
 
" ابنتي.. ما زلتِ مُغرمة بهذا المتادور؟.. عليكِ أن تُخرجيه من عقلكِ ومن قلبكِ.. بسبب حُبكِ لهُ ترفضين جميع من تقدم لطلب يدكِ للزواج.. أصبحتِ في الثامنة والعشرين من عمركِ ولم تنسي إعجابكِ بهذا المتادور.. و... "
 
قاطعها والدي قائلا بنبرة حازمة
 
" ميلينا.. لا تُعكري مزاج ابنتنا الليلة "
 
تأملتهُ والدتي بنظرات غريبة ثم قالت بنبرة مرحة
 
" راؤول.. لقد أفسدتها بتدليلك لها.. أنتَ السبب لأنها ما زالت عزباء "
 
نظرت إلى والدتي بحزن وكلمتُها
 
" أمي.. لا أريد أن نتكلم بهذا الموضوع مرة أخرى.. ثم المتادور سلفادور هو حُلم كل فتاة إسبانية عزباء.. لستُ الوحيدة من تحلمُ به.. والآن ستبدأ المباراة.. يجب أن نشاهدها "
 
وفي هذه اللحظة.. اتسعت الابتسامة على وجوههم جميعًا.. أحضرت والدتها المُكسرات وجلست بجانب زوجها على الأريكة أمام التلفاز.. وجلست لينيا بينهما.. وكانت متحمسة للمغامرة التي ستكون شاهدة عليها الليلة..
 
فهي سترى رجل أحلامها يُصارع الليلة ببث مباشر.. وضعها المالي لم يسمح لها لتبتاع تذكرة قطار إلى مدريد.. وطبعا لم تستطع شراء تذكرة دخول إلى حلبة لاس فينتاس.. فقد بلغ سعر التذكرة في المُدرجات الخلفية سبعمائة يورو.. ووضع لينيا المادي لم يسمح لها بالذهاب ورؤية الرجل الذي تحبهُ منذ المراهقة وتشاهدهُ وهو يُصارع الثور الشرس..
 
فتح والدي التلفاز.. واكتمل الهدوء في الغرفة استعدادًا للسقوط في عالم المصارعة الإسبانية.. وبحماس لا يوصف سمعت المُذيع يهتف بحماس مُطلق
 
( كل من يُشاهدنا الليلة في هذا البث المباشر.. استعدوا لهذه الليلة الفريدة.. جميع القنوات ستنقل المباراة مُباشرةً.. المتادور العظيم سلفادور دي غارسيا عاد إلى حلبة المصارعة بعد غياب ثلاثة أشهر لظروف شخصية.. الليلة ستشهد هذه الحلبة مصارعة للثيران لا مثيل لها.. تحضروا للمفاجآت... )
 
وسط حديث المُذيع كانت لينيا تُراقب الشاشة بلهفة وبسعادة كبيرة.. كانت لينيا على أتم استعداد لمشاهدة ماتادورها المفضل يواجه أحد أشرس الثيران في حلبة لاس فينتاس في مدريد...
 
كانت الفرحة تتسارع مع كل ثانية تقترب من لحظة البداية..
 
هتفت لينيا بفارغ الصبر
 
" هيا.. أريد رؤية سلفادور "
 
قهقهت والدتي بخفة ثم سمعت والدي يهمس بمرح
 
" لقد نفذ صبر ابنتي الجميلة والوحيدة.. فهي تريد رؤية رجل أحلامها منذ المراهقة.. اصبري قليلا ابنتي سترين ماتادوركِ الوسيم بعد لحظات "
 
أمسكت الطبق الصغير والذي وضعتهُ والدتي على الطاولة أمامي وبدأت بتناول المُكسرات بينما كنتُ أنظر إلى شاشة التلفاز بتوترٍ شديد..
 
سمعت الموسيقى تصدح عالياً في الحلبة.. وسمعت المُذيع يهتف بحماس
 
( أيها السادة والسيادات.. تحضروا لمشاهدة مصارعة للثيران لا مثيل لها الليلة.. الليلة مميزة جداً.. سنشهد عودة المايسترو الكبير سلفادور دي غارسيا إلى حلبة المصارعة.. الطوريرو العظيم.. هذا المتادور هو الشخص الرئيسي.. قائد المؤدين.. الذي يقوم بقتل الثور.. يُطلق عليه لقب المايسترو.. ولقبه المحلي هو ماتادور دي توروس.. والتي تعني قاتل الثيران.. ولكن كل من في إسبانيا يعرفون بأن المايسترو دي غارسيا لا يقتل الثيران التي يواجهها بل يجعلها تنحني أمامه باحترام وتقدير.. )
 
نظرت بسعادة إلى الشاشة وهمست برقة
 
" هذا حبيبي.. ورجل أحلامي.. أتمنى أن ألتقي به شخصياً.. وقريباً "
 
سمعت والدتي تضحك بقوة.. ثم قالت بنبرة حنونة
 
" ابنتي.. أنتِ فعلا مُغرمة بهذا الطوريرو العظيم.. حُب المراهقة وإعجابكِ به لم يزول أبداً.. أتمنى أن يتحقق حلمكِ وتلتقين به شخصياً "
 
نظرت إليها بسعادة وضممتُها بقوة ثم ابتعدت قليلا عنها وهمست بنبرة حالمة
 
" عندما ألتقي به شخصياً سأعترف بحبي الكبير له.. ثم سأطلب منه أن يوقع على صورته التي أحتفظ بها دائما في محفظتي "
 
قهقه والدي بمرح.. ثم قال بحنان
 
" أنا أتمنى أن يُبادلكِ الحب هذا المتادور ويطلب يدكِ مني للزواج "
 
ذاب قلبي لدى سماعي بما تفوه بهِ والدي.. وتخيلت المتادور يُقبلني ويطلب يدي للزواج.. هو حُب مراهقتي.. عندما رأيتهُ يُصارع الثور على التلفاز لأول مرة كنتُ في سن السادسة عشر.. وأغرمت به من أول نظرة.. ولم أستطع التوقف عن حبه لهذه اللحظة..
 
تنهدت برقة وسمعت المُذيع يهتف بحماس
 
( سوف يدوم القتال لمدّة ساعتين متضمنًا الاحتفال.. سيشترك في كلّ قتالٍ ستّة ثيرانٍ وثلاثة ماتادور.. لكلّ منهم ستّة مساعدين.. ويقسم الصّراع لثلاث مراحلَ تُسهّل التغلب على الثور.. الجميع يعلمون بأن شرط الطوريرو العظيم هو عدم قتل الثيران في حضوره.. وهذا ما يميزهُ عن الجميع.. وسنرى من سيكون الفائز في نهاية هذه الليلة )
 
فجأة انتفضت من مكاني عندما رأيت الكاميرا مثبتة على البوابة.. ورأيت بسعادة لا مثيل لها رجل أحلامي يدخل إلى الحلبة.. وما أن دخل حتى جُن جنون الجماهير وبدأوا بالصراخ والتصفيق الحار.. وقفت وصرخت بحماس كبير
 
" لقد وصل.. إنه هنا.. حبيبي وصل "
 
قهقه والداي بسعادة ولكن أنا كنتُ أنظر إلى شاشة التلفاز بطريقة حالمة.. بينما قلبي كان ينبض بجنون..
 
رأيته.. رأيتهُ وهو يقف في كامل أناقتهِ ورجولته في وسط الحلبة.. كان يرتدي بدلة التريخو والتي تعني بدلة الأضواء أو ثوب الأنوار.. يُطلق هذا الاسم على ثياب المتادور بسبب اللمعان والبريق الذي تكتسبه الملابس بفضل استخدام الخيوط والمواد اللامعة والزخارف الفخمة.. تعتبر هذه الثياب جزءًا أساسيًا من تقليد المصارعة الإسبانية وتضيف عنصرًا فنيًا وجماليًا إلى أداء المتادور في الحلبة.. وحبيبي كان يبدو وسيماً جداً ببدلتهِ التريخو الذهبية..
 
تنهدت بطريقة حالمة ولم أستطع إزالة عيناي عن جمال المتادور الوسيم سلفادور..
 
وبحماس وبسعادة كبيرة تابعت المُصارعة.. وقلبي كان مليء بالتوقعات والحماس للمباراة التاريخية التي ستجمع بين المتادور والثور الهائج في حلبة لاس فينتاس في مدريد.. وكنتُ أعلم جيداً بأنهُ سيجعل الثور في النهاية ينحني أمامهُ باحترام...
 
 

المتادور سلفادور**

 
في أحضان مدريد.. تتلألأ أضواء حلبة لاس فينتاس كنجوم متلألئة في سماء الفن والإثارة.. الهمسات الحماسية للجماهير تملأ الهواء.. والتوتر يرقص على أوتار الانتظار.. وسط هذا البحر البشري المتجمع.. ينفض سلفادور غبار اللحظات الساكنة بخطى ثابتة.. يقف كالتمثال في وسط حلبة المصارعة.. حيث ترقص الرموز الإسبانية على أرضها الخصبة..

رواية المتادور - فصل الأول - المايسترو

 
كانت عيون سلفادور ترتسم بشجاعة.. تحمل حكايات الرجال الذين تربوا على ظهور الثيران.. وهم يروضون الجموح بقلوبهم المليئة بالشجاعة.. وفي هذه اللحظة..  يتجلى التحدي و الإثارة في ملامح وجهه.. كما لو أن قلبه ينبض بإيقاع غير مألوف.. لحنه يتخلل الهواء كموسيقى خفيفة تعزفها أضواء المصارعة..
 
رفعت قبعتي وقمت بتحية الشعب.. وما أن فعلت هذه الحركة حتى اهتزت أرض مدريد بكاملها بسبب انفعال الجمهور.. وصدحت أصواتهم عالياً وغمرت سماء مدريد بكاملها.. إذ كانوا يهتفون بصخب وبحماس شديد
 
( طوريرو.. مايسترو.. ماتادور دي توروس.. طوريرو العظيم... )
 
في إسبانيا.. يُطلق لقب طوريرو على القائد المؤدين.. ورغم أنني أرفض قتل الثور في الحلبة إلا أنهُ تم إطلاق لقب المايسترو عليّ.. ولقبي المحلي هو ماتادور دي توروس.. والتي تعني قاتل الثيران..
 
وقفت أنظر بسعادة إلى الجمهور الغفير.. ولأكثر من عشر دقائق ظل الجمهور يهتف بجنون باسمي وبالألقاب التي اكتسبتها على مر السنوات..
 
شعرت بالفخر.. فما أجمل من اكتساب محبة الشعب واحترامه وتقديره.. القيت التحية مرة ثانية والجمهور لم يتوقفوا عن الهُتاف وبجنون وبصخب باسمي..
 
وقفت أنظر إليهم بفخر وباحترام.. ثم قررت أن تبدأ المصارعة..
 
استدرت ورأيت المساعدين التابعين لي
 
بيكادوريس هو راكب الحصان الأول صاحب العصا.. والثاني نطلق عليه اسم ريجونيجوريس صاحب الخناجر والسكاكين..
 
طبعا لم أكن أسمح بأذية أي ثور في الحلبة في حضوري.. ولكن كنتُ أسمح للمساعدين باستخدام هذه الأدوات لإثارة الثور وجعلهِ يغضب..
 
وكل من يقاتل الثور داخل الحلبة يُطلق عليهم اسم سوبلاتيرنوس ويكون زيهم مزخرفاً بالفضة لتمييزهم عن الزخرفة الذهبية للمصارعين الرئيسيين..
 
الجميع كانوا بانتظارنا.. وما أن تم إطلاق الأبواق حتى تحركت الأحصنة وبدأوا المساعدين بإثارة الثور الضخم وجعلهِ يغضب...
 
في المرحلة النهائية وقفت وحيداً في الحلبة وأمامي الثور الغاضب.. وقفت وجهاً لوجه مع الثور الشرس والغاضب.. هذا الثور جعل اثنان من المتادور يتم نقلهما الليلة إلى المستشفى بحالة حرجة..
 
الثور وقف وحيدًا في مهب الحلبة.. يقف بهدوء غريب في زاوية مظلمة ينتظر اللحظة المناسبة لتحوله إلى عاصفة جارفة.. تأهب المتادور سلفادور للرقص مع هذا العملاق.. أما الجماهير كانوا في حالة من الترقب.. فـ حينما يبدأ الزمن في التمدد وكأنه يسكب نفسه في قالب من الصمت..
 
فجأة.. تم إطلاق صوت البوق ومدفعية الانطلاق.. واندلعت حماسة اللحظة المنتظرة.. تأهب الثور وركض في مهب الرياح كعاصفة غير مروضة.. يرفع قرونه القوية نحو السماء.. كموجة تتسارع لتحطم الصخور.. وسط هجوم هذا الثور الهائج.. المصارع سلفادور والذي لا يعرف الخوف ينظر بشجاعة إلى الثور وينتظره بهدوء ليقترب منه أكثر..

رواية المتادور - فصل الأول - المايسترو

 
يتلاقى الفنان والوحش في لحظة فارقة.. حيث يتشابك الأحمر اللامع من ملابس المتادور بأصفر رموز الإثارة المتناغمة.. يرقصون معًا في رحلة فنية وحشية.. كأنهم يخلقون لوحة حية من الجرأة والجمال..
 
في هذا العرض الملحمي.. يتحول الخوف إلى شجاعة.. والغضب إلى أناقة.. حيث يرقص المتادور مع الثور برشاقة فائقة.. يفتح قلبه للحظات التي تتوقف فيها الحياة.. ويحفر في أعماقها كمواقع تاريخية تحمل قصصًا لا تنسى..
 
في هذه اللحظات العظيمة.. أصبح المتادور والثور شخصيتين تتحدان لخلق عرض فني لا يُنسى.. مثل قصيدة تمزج بين حب الحياة وجرأة الوجود.. وسط هذا الفضاء الرمادي بين الحياة والموت.. تظهر الجمالية في الصراع.. ويصبح المتادور سلفادور بطلاً يرقص على حافة الخطر بإتقان.. ليترك بصمة فنية تعلو على جميع الخيبات وتفوز بقلوب الجمهور..
 
في أحضان مدريد.. حيث تتلاطم عواصف الشجاعة والفن.. يظهر المتادور الراقص.. سلفادور دي غارسيا.. وسط حلبة لاس فينتاس.. وكأنه لوحة فنية تستحضر ألوان الجمال ورياح الجرأة.. يعلو وجهه مزيج من الرجولة والفنون.. ينعكس على سويعات وجنابيه السوداء التي تلتف حول جسده الرياضي بأناقة لا مثيل لها..
 
بدايته كانت كفنان ينقش فصول الشجاعة على حجر الحياة.. وكل ملامح وجهه الجذابة كانت تعكس قصة السهم الذي يُطلق في فلك الغموض.. يحمل عينيه ذلك اللمعان الشجاع الذي يخترق الأفق.. كما لو كانت بوابة إلى عالم من التحديات والفنون.. وعلى جبينه.. يمتزج العرق بالقليل من السحر.. يكشف عن جاذبية اللحظة الفارقة..
 
تتلألأ بدلة المتادور بريقًا خاصًا.. ليست كملابس عادية بل كقطعة فنية تحمل توقيع المهارة والتقنية.. وبحركة جميلة خطف المتادور قلب الجماهير..


رواية المتادور - فصل الأول - المايسترو

 
 
اللون الأحمر يتسلل إلى قلوب الجماهير.. يخطف الأنفاس بمجرد ظهوره.. قرون الثور ورأسه يعبران قطعة القماش الحمراء.. وشكل لوحة فنية أثرت بقلوب الجماهير.. حيث أصبح المتادور قائدًا لسيمفونية الجمال والشجاعة.. في رقصة الحياة والموت..
 
يتسلل الضوء الذهبي إلى فتحة الحلبة.. يلمع على بشرة سلفادور.. مكشوفة تمامًا بينما يتحدى خيوط الشمس الراقصة.. جسده الطويل ينحني وينساب كالسيل الرشيق.. يكشف عن عضلاته المفتولة التي تحمل قوة الصخور وسحر الرقة في آن واحد.. كل حركة ترسل رسالة عن فن الرقص بين الحياة والموت..
 
وسط هذا السحر الذي تحول إلى فن على ساحة الحياة والموت في حلبة لاس فينتاس.. يظهر الثور بأبهى حلله.. يمثل القوة الطبيعية والجمال البري الذي يتحدى المتادور.. يلتقي الاثنان وسط تشويق اللحظة.. يصطفون ليؤدوا رقصة فنية فريدة من نوعها.. حيث يتلاقى الشجاع والوحش في رقصة تتحدث عن الحياة والموت.. وعن الجمال والقوة التي تتلاقى في هذا العرض الساحر والرائع في مدريد الفاتنة..
 
في تلك اللحظة الفارقة.. اندلعت الحماسة في حلبة لاس فينتاس كزخة برق تنير سماء المصارعة.. الجماهير.. كجموعٍ هائلة مشدوهة.. صاحوا بأصواتها التي اندلعت كأمواج عاتية.. وسط هذا البحر البشري المتجمع.. وقف المتادور سلفادور مستعدًا للرقص من جديد مع الثور الضخم الذي كان يتوسط الحلبة بثقله وقوته البرية..
 
انطلق الثور بخطى ثابتة ورأسه مرفوع.. كأنه يعلن بفخر عن حضوره الساحق.. أثرت خطواته الثقيلة على التراب المتناثر في الحلبة.. مما أضفى لحظات من التوتر الذي تقشعر له الأبدان.. كانت عيونه الكبيرة تلمع بحماس طبيعي.. وقرونه الضخمة تعلو كأبراج قوية في سماء المواجهة..
 
في الزاوية المقابلة.. وقف المتادور سلفادور بكل رشاقة وأناقة.. بدلتهُ التريخو الذهبية اللامعة كانت تلمع بلطف مع كل حركة.. كموجة من اللون الذهبي تعانق جسده الممتلئ بالقوة والجمال.. كانت عضلاته المفتولة تنبض بالحياة تحت البدلة الرائعة.. وكأنه لوحة فنية تمزج بين رياضة القتال وأناقة الفنون..
 
وبينما اقترب الثور.. اندلعت لحظة من الصمت الذي تسببت فيه جمالية اللحظة وتوترها.. كان الجمهور يترقب بترقب شديد.. يشعر بالتوتر والحماس يتسارع في عروقه..
 
عندما التقى المتادور والثور في الوسط، ارتسمت البداية الحقيقية لهذه الرقصة الفنية.. بدأت المواجهة من جديد بحركة بطيئة وجميلة.. حيث رسم المتادور دائرة خفيفة حول الثور بلمحة من الإتقان.. مما أثار إعجاب الجمهور الذي هتف بشكل متواصل..
 
كانت كل خطوة للمتادور تنطلق برجولية وثبات.. وكأنه يرقص على أنغام موسيقى لا يسمعها سوى قلبه.. وفي هذه الأثناء.. كانت عيونه تلتقط كل حركة للثور.. وكأنه يقرأ لغة القوة والطاقة التي يحملها..
 
ثم.. بدأت المواجهة في التسارع.. حيث تحولت حلبة المصارعة إلى ساحة معركة مليئة بالحركة والحياة.. المتادور تلاعب بالثور ببراعة فائقة.. يرقص حوله كفنان يتقن فن الفرسان.. الحركات الرشيقة للمتادور تتناقض بشكل جميل مع قوة الثور الهائل.. مما يخلق توازنًا فنيًا مدهشًا..
 
تصاعدت الهتافات والتصفيقات من قبل الجمهور.. وكأنهم يشاركون في هذه الرحلة الفنية.. المتادور يستخدم مهاراته لتجنب قرون الثور بلمحات رائعة.. وكأنه يقوده إلى رحلة فنية مذهلة.. كانت حلبة لاس فينتاس تشهد على اللحظات الفارقة بين الفن والحياة.. حيث اندلعت العواطف والتشويق في ساحة القتال..
 
وهكذا.. بدأت المعركة تتصاعد إلى ذروتها.. حيث ارتسمت لوحة مدهشة من الجمال والقوة في رقصة المتادور مع الثور الضخم.. تناقضت اللحظات بين السرعة والبطء.. الفن والطبيعة.. وخلقت روحًا فريدة لا يمكن تكرارها إلا في عروض المصارعة الإسبانية الفريدة..
 
بينما كانت الحماسة تلتهم الجماهير.. بدأ المتادور في تبني مواقف دفاعية حكيمة.. يراوح فيها مكانه ببراعة ليتفادى هجمات الثور الهائل.. تراقص المتادور حول الثور كما يفعل فنان ماهر يرسم لوحة بديعة بحركاته الأنيقة والسلسة.. كانت لحظات من التوازن والتفكير الاستراتيجي.. حيث كل خطوة تتطلب تركيزًا عميقًا وتناغمًا بين العقل والجسم..
 
في اللحظات التي يقترب فيها الثور.. يتلاعب المتادور بحركاته ببراعة.. يتجنب الهجمات بجسد رشيق يتأرجح بين قرون الثور بأناقة.. كانت الحلبة مسرحًا لعرض فني يجمع بين الرقص والتحدي.. حيث يتقن المتادور فن التلاعب بالمواقف ليثير إعجاب الجماهير..
 
كلما اشتدت حماسة اللحظة.. زادت حنكة المتادور وسرعته في اتخاذ القرارات.. استمر في التحرك بين قرون الثور ببراعة.. يرسم خطوطًا غير متوقعة في الهواء.. وكأنه يناقش الثور بلغة صامتة وجميلة.. كان وجوده في الحلبة يشع بالأناقة والجاذبية.. كما لو أنه يقود الثور في رحلة فنية مذهلة..
 
وفي هذه اللحظات الحرجة.. قرر المتادور الاستفادة من قوة الثور وتوجيهها باتجاه آخر.. بمهارة استثنائية.. أظهر المتادور تفوقًا استراتيجيًا.. حيث قاد الثور في دورانٍ متقن كأنه يرقص معه على لحن لا يسمعه إلا همس الرياح..
 
كانت اللحظات الصامتة التي تلت تلك الحركة الرائعة تشبه لحظة تعليق الزمان والمكان.. الجماهير كانت تحتجز أنفاسها.. وعلى وجوههم انعكست مشاعر التعجب والإعجاب.. المتادور سلفادور برع في خلق لحظة ساحرة في رحلته مع الثور..
 
ولكن لم تكن اللحظات الهادئة تستمر طويلاً.. في تبادل سريع للحركات.. استعاد الثور هيبته وبدأ بالهجوم بقوة جديدة.. المتادور لا يفقد هدوءه.. بل يرقص بين قرون الثور بكل يقين وجرأة.. كانت الحلبة تشهد على تصاعد النشوة والحماس.. حيث كل ثانية كانت تزيد من حبكة الرقصة الفنية..
 
ومع كل حركة.. كان المتادور يحاكي موسيقى اللحظة بجسده المتسارع.. حركاته الفنية تأتي كأمواج عاتية.. تسبح في أعماق الحلبة مثل فوهة بركان فني.. وفي اللحظات الأخيرة.. قرر المتادور أن يكون الفنان الذي يغلب على الوحش.. حيث قاد الثور في حركة نهائية رائعة..
 
باستخدام مهاراته الفنية.. أسقط المتادور الثور بحركة مدهشة.. كأنه يكتب النهاية الفنية لهذا العرض الملحمي.. وفي تلك اللحظة.. اندلعت الهتافات والتصفيقات من الجماهير.. كانت تحيي الطوريرو العظيم.. والذي غلب الثور الشرس دون إصابتهِ بسهم واحد..
 
المشهد تحول إلى لحظة فنية حقيقية.. حيث استمر المتادور سلفادور في الاحتفاظ بتفوقه الفني.. وقف الثور بينما كان يستعيد توازنه بعد السقوط المدهش.. اقترب بخطوات بطيئة ووقف أمام المتادور.. ثم أحنى الثور رأسه أمام الطوريرو العظيم.. وهنا الجمهور اشتعلوا حماساً وبدأوا بالتصفيق ورمي الورود باتجاه الحلبة.. تجلى على وجه المتادور ابتسامة ناجحة.. لكنها كانت خفيفة وتعكس احترامًا للثور وقوته الطبيعية..
 
عندما انخرط المتادور في لحظة الفوز.. قرر أن يحترم الثور الضخم ويختم العرض بأسلوب يليق بالفنان الكبير.. بدلًا من استمرار المصارعة والتنافس.. تحولت الحلبة إلى مسرح يحتفل بالفن والقوة.. حيث توج المتادور بيديه وهو ينحني بتواضع أمام الثور ثم أمام الجماهير..
 
الجماهير رددت هتافات الإعجاب والتقدير.. معبرة عن احترامها لفن المتادور وللثور الضخم على حد سواء.. كانت اللحظة تعكس التفاهم الفني بين الإنسان والطبيعة.. حيث اختتمت المصارعة بلحظة تأمل وجمال..
 
بينما يغادر المتادور الحلبة.. ظلت تلك اللحظات المميزة خالدة في أذهان الجماهير وتاريخ المصارعة الإسبانية.. كان المشهد ليس مجرد مصارعة بين إنسان وثور.. بل كان فصلاً من الفن والتحدي والاحترام المتبادل.. وهو ما أضفى على هذه اللحظات الساحرة أبعادًا فنية وإنسانية تتجاوز مجرد اللقاء في حلبة المصارعة..
 
وبهذا انتهى عرض المصارعة الفنية في حلبة لاس فينتاس.. حيث غادر المتادور سلفادور دي غارسيا الحلبة بكل انسجام وأناقة.. كانت القصة قد تمثلت في رقصة بين الحياة والموت.. الفن والطبيعة.. حيث كتب المتادور والثور سويًا فصلاً جديدًا في سجل المصارعة الإسبانية.. يروي عن تحدٍ وجمال لا ينسى.. وفي ذاكرة الجماهير.. سيظل هذا المشهد محفورًا كشاهد على قوة الفن وقدرة الإنسان على التفاعل بتناغم مع الطبيعة..
 
تنهدت بقوة ونظرت إلى صديقي خوان والذي كان ينتظرني بلهفة.. ركض خوان وعانقني بأخوية ثم ابتسم بوسع وقال بسعادة
 
" مثل العادة.. أبهرتَ الجمهور الليلة برقصة الموت والحياة.. مايسترو.. أنتَ الأفضل "
 
شكرتهُ ودخلت إلى الغرفة المُخصصة لي وبينما كنتُ أخلع بدلة التريخو بمساعدة مُساعدي الشاب خواكيم.. دخل خوان وأغلق الباب خلفه.. وقف أمامي وتأملني بنظرات جادة

رواية المتادور - فصل الأول - المايسترو

 
ثم قال بجدية
 
" كان يجب أن تبقى في بدلة التريخو.. ينتظرك احتفال كبير في اكستريمادورا.. أفراد العشيرة بانتظارك.. والسنيورة الكبيرة نظمت هذا الاحتفال خصيصاً من أجلك "
 
تنهدت بقوة ونظرت إلى خوان بنظرات جادة..

رواية المتادور - فصل الأول - المايسترو

 
تابعت ارتداء ملابسي وكلمت خوان بنبرة هادئة
 
" لن يحزنوا أفراد عشيرتي وأهل قريتي إن خلعت بدلة التريخو.. قررت تبديلها والاحتفال مع عشيرتي بملابس عادية.. توقف خوان عن التذمر.. يمكنك أن تذهب الآن وتنتظرني في الموقف السفلي مع حُراسي "
 
خرج خوان بسرعة وعرفت من تعابير وجهه بأنهُ ليس راضياً عن قراري.. تأملني خواكيم بسعادة وقال بينما كان يساعدني لأرتدي سترتي
 
" لا تحزن طوريرو.. السنيور خوان لا يعجبه شيء.. أقصد.. أقصد... "
 
قهقهت بخفة عندما تلعثم المراهق خواكيم واحمر وجهه لأنهُ صارحني بخصوص صديقي خوان.. نظرت إلى خواكيم بحنان وكلمتهُ قائلا بمرح لأُخفف من توتره
 
" هذا صحيح.. خوان لا يُعجبه شيء في هذه الحياة.. ولكنه ابن عمي وصديقي.. لذلك يجب أن أتحمل مزاجهُ الغريب "
 
ضحك خواكيم بسعادة ثم لدهشتي الكبيرة عانقني بقوة وقال بسعادة
 
" أحبك سنيور دي غارسيا.. وأشكرك لأنك ساعدتني وساعدت عائلتي.. "
 
توقف خواكيم عن التكلم ثم ابتعد عني وقال وهو يمسح دموعه عن وجنتيه
 
" أنا مدين لك بحياتي طوريرو.. بفضلك أصبح لدينا منزل جديد في القرية.. وبفضلك عائلتي سعيدة.. وأنا سوف أُتابع دراستي وسأعمل لديك بجهد وبإخلاص "
 
ابتسمت برقة وربتت على كتفه وقلتُ له بنبرة حنونة
 
" توقف عن شُكري خواكيم.. من واجبي أن أهتم بكم وأحمي كل من يسكن قريتي.. فأنتم عائلتي.. والآن ما رأيك أن نخرج من هنا ونتسلل ونهرب من الصحفيين.. ينتظرنا احتفال كبير في قريتنا "
 
وهكذا خرج المتادور برفقة خواكيم المراهق من الغرفة.. ولم يعرف المتادور ما يخبئهُ له القدر بعد أسبوع...
 

لينيا**


 
مضى أسبوعين منذ ليلة مصارعة الثيران.. تابعت حياتي مثل المُعتاد وكنتُ أتحضر لبدء العام الدراسي الجديد..
 
اليوم ذهبت إلى منزل صديقتي شانا.. وهي بروفيسورة في التاريخ وتُعلم في جامعة ماربيا حيثُ أعمل كذلك..
 
في الساعة السابعة مساءً توجهت إلى منزلي.. وما أن ترجلت من سيارتي ودخلت إلى المنزل رأيت والدتي ميلينا تنتظر بفارغ الصبر عودتي.. وبرفقتها والدي راؤول.. استقبلاني معاً بتوتر.. ولكن لفتَ نظري شيء.. على وجه والدي كانت ملامحه ونظراته غريبة..
 
بلعت ريقي بقوة وسألت والدي بتوتر
 
" أبي.. ما الذي يحدث؟.. أنتَ وأمي بخير؟ "
 
أخذ والدي نفساً عميقاً ثم أمسك ذراعي وجذبني إلى غرفة المعيشة.. وطبعاً تبعتنا والدتي.. جلست بجانب والدي على الأريكة وسمعتهُ يُكلمني بتوتر قائلا
 
" لينيا.. ابنتي.. لدي إعلان مهم يجب أن أخبركِ به.. ولكن أرجوكِ كوني قوية وتفهمي أسبابنا "
 
ارتعشت كلتا يداي وشعرت بالخوف.. نظرت إلى والدي بخوف ثم نظرت إلى والدتي بنظرات قلقة.. تأملتني والدتي بنظرات متوترة.. ثم قالت بصوت مليء بالحنان
 
" لينيا.. عزيزتي.. اسمعي ما سيقولهُ والدكِ.. أتمنى أن تتفهمي أسبابنا ابنتي "
 
كلماتها لم تجعلني أستريح بتاتاً.. عرفت بأنني سأسمع خبر لن يُعجبني بتاتاً..
 
أمسك والدي راؤول يدي وحضنها بكلتا يديه.. ثم قال بجدية
 
" قررنا.. أنا ووالدتكِ.. السفر إلى سويسرا.. نحن نعتقد أننا بحاجة إلى تغيير جذري في حياتنا "
 
انتابني الفزع الشديد.. نظرت إليه بعدم التصديق وترقرقت الدموع في عيناي.. ثم نظرت إلى والدتي بخوف

رواية المتادور - فصل الأول - المايسترو

 
هززت رأسي بالرفض.. ثم ضحكت ببلاهة وهمست قائلة لهما
 
" أنا لم أسمع بشكلٍ واضح.. أعد ما قلتهُ والدي "
 
تنهد والدي بعمق ونظر إلى وجهي بنظرات حنونة وقال برقة
 
" قررت أنا ووالدتُكِ السفر والعيش في سويسرا.. نحن نحتاج لهذه الرحلة ابنتي.. أنا تقاعدت من عملي.. وحان الوقت لأعيش مع زوجتي حُلمنا.. لقد كبرتِ وقمنا بتربيتكِ تربية صالحة.. أصبحتِ بروفيسورة في العلوم الاجتماعية في أهم جامعة في إسبانيا.. ولديكِ أصدقاء وحياتكِ الخاصة.. كما هذا المنزل أصبح لكِ منذ اليوم "
 
أصابني الهلع فعلياً الآن.. ارتعش جسدي بقوة وهتفت بذعر
 
" لكن لماذا؟.. وماذا عني؟.. و.. "
 
احتضنني والدي وربتَ على ظهري برقة وقال بنبرة حنونة
 
" أنتِ لديكِ حياتكِ الخاصة.. عيشي ابنتي.. استمتعي في الحياة.. اعشقي.. امرحي.. الحياة جميلة ولكنكِ تدفنين نفسكِ في عملكِ وفي هذا المنزل معنا.. حان الوقت لتعيشي وتستمتعي بالحياة.. أنا ووالدتكِ لن نتخلى عنكِ أبداً.. يمكنكِ السفر وزيارتنا في سويسرا متى ترغبين "
 
لم أستطع تحمُل صدمة ابتعادهم عني.. لم أفهم لماذا قررا الآن السفر إلى سويسرا.. وبعيون مليئة بالدموع سألتهُ بغصة
 
" ولكنني لا أريدُكما أن تبتعدا عني.. أعني.. ماذا عني؟.. كيف سأعيش من دونكم؟ "
 
اقتربت والدتي ميلينا وجلست بجانبي على الأريكة وضمتني بقوة.. ثم نظرت إليّ بنظرات حنونة وقالت
 
" نحنُ لن نفترق أبداً مهما كانت المسافات بيننا بعيدة.. سنبقى على تواصل دائم معكِ.. نريدكِ أن تعيشي حياة هادئة.. لكن الآن نحن بحاجة إلى هذا التغيير.. أنا ووالدكِ نحتاج لبعض التغيير في حياتنا.. نريد بيئة هادئة.. بعيدة عن صخب الحياة اليومية هنا "
 
أجواء الصدمة سيطرت على المنزل.. تدفقت الكلمات وكأنها كانت عقبة في حلقي..
 
نظرت إلى والدتي بحزن.. وهمست بغصة مؤلمة
 
" لكن... أبي.. أمي.. أنا لا أعلم كيف أتعايش بعيداً عنكما "
 
احتضناني والداي معاً وسمعت والدي راؤول يقول بحنان
 
" ستكونين بخير لينيا.. سنعتني بكِ من هناك.. لن تشعري بغيابنا صغيرتي لأننا سنبقى على تواصل دائم "
 
بادلتهما العناق وبدأت أبكي.. ولكن تمالكت نفسي أمامهما في النهاية.. فهما يستحقان تحقيق حلمهما والعيش في سويسرا..
 
ابتعدت عن والداي وقلت لهما بحبٍ كبير
 
" حسناً.. اذهبا.. إذا كان هذا هو ما تحتاجون إليه.. فأنا معكما.. وسنجعل من هذه التحديات فرصة لتعزيز علاقتنا "
 
لكن كنتُ أشعر بفراغ يتسع أمامي.. لم يكن هذا مجرد رحيل عادي.. بل كان بداية لفصل جديد في حياتي.. وكأنني فقدت شيئًا كنتُ أعتبرهُ أبديًا..
 
وقبل بدئ الفصل الدراسي سافرا والداي إلى سويسرا..

 

بعد مرور شهر على سفر والديها**


 
لينيا هارفين.. أستاذة العلوم الاجتماعية قسم الفلسفة في جامعة ماربيا.. والتي كانت تحظى بإعجاب الطلاب والزملاء على حد سواء.. وجدت نفسها الآن وحيدة في هذه الزاوية الباردة في مكتب عميد الجامعة..
 
عميد الجامعة.. رجل ذو مظهر حاد وملامح وجه متجعدة.. كان يجلس خلف مكتبه الضخم.. ألقى نظرة باردة على لينيا وبدا وكأنه يخترقها بنظراته الحادة.. كان هناك جو من التوتر يُشعر لينيا بصعوبة في التنفس..
 
أشار العميد بيده لأجلس وجلست بسرعة على الأريكة أمام مكتبه.. إذ قدماي لم تعُد تستطيع تحمل ثقل جسدي..
 
لم أستطع النظر إليه لأنني كنتُ أعلم ما يريدهُ مني.. نظرت بتوتر في أرجاء المكتب الفخم.. وبلعت ريقي بقوة وحاولت جاهدة السيطرة على دموعي ومنعها من الهطول من عيناي..

رواية المتادور - فصل الأول - المايسترو

 
 
" لينيا هارفين.. "
 
قال اسمي عميد الجامعة بصوتهِ الثقيل والبارد.. وتابع قائلا
 
" أنتِ هنا لأنكِ ارتكبتِ خطأً فادحًا.. وعليكِ أن تتحملي العواقب "
 
شعرت بدقات قلبي تتسارع.. ولمعت الدموع في عيناي.. لكن حاولت جاهدة تمالك نفسي.. بلعت ريقي بقوة وكلمتهُ بصوتٍ مبحوح
 
" أعلم أنني ارتكبت خطأ.. ولكن أنا هنا لأقدم اعتذاري ولأشرح السبب.. "
 
صاح عميد الجامعة مُقاطعاً حديثي
 
" توقفي عن التفوه بكلام الفارغ "
 
تأملني بنظرات كارهة وحقودة.. وهتف بقوة
 
" تعلمين جيدًا أن الخطأ الذي ارتكبتِه لا يُسامح.. الجامعة لا تحتمل مثل هذه الفضائح "
 
نظرت إليه بفزع وحاولت السيطرة على نفسي.. ولكن الدموع بدأت تتسرب رغم إرادتي على وجنتاي.. مسحت دموعي بسرعة وقلت للعميد
 
" لكن.. حضرة العميد.. أنا أحب هذه الجامعة.. وأعشق مهنة التعليم.. وكانت هذه الفضيحة نتيجة لسوء تفاهم.. اسمعني أولا لو سمحت و.. "
 
هتف العميد بغضب مُقاطعاً حديثي
 
" "لقد قرأت التقرير بالكامل.. لا مجال للتفاهم هنا.. أنتِ وضعتِ نفسكِ والجامعة في مأزق كبير.. وعليكِ تحمُل العواقب.. اللجنة التعلمية اتخذت قرارها.. وأنا وافقت عليه دون أي اعتراض "
 
حاولت أن أجعلهُ يعدل عن قراره والذي أعرفهُ جيداً.. إذ قلتُ لهُ برجاء بينما كنتُ أحاول كتم شهقاتي والتحكم برجفة جسدي
 
" أرجوك.. حضرة العميد.. لا تُفسدوا مستقبلي المهني.. أنا على استعداد لقبول أي عقوبة ترونها مناسبة.. ولكن أولا دعني أشرح لك ما حدث "
 
وقف العميد عن مقعده وهتف بغضب
 
" العقوبة!.. أنتِ لستِ بحاجة لعقوبة.. أنتِ بحاجة للطرد.. وبعد فضيحتكِ الكبيرة.. والفضيحة التي عرضتِ بها جامعة ماربيا العريقة.. صدرت لجنة التعليم والتربية في البلد قرارها.. أنتِ مطرودة أنسة لينيا هارفين.. ولن يتم صرف أي تعويض مالي لكِ.. كما سيتم سحب رخصة مزاولة التعليم منكِ.. لن تستطيعي مزاولة مهنة التعليم في إسبانيا بعد الآن.. والآن يمكنكِ الانصراف.. ولن يتم السماح لكِ بالدخول إلى الجامعة بعد اليوم "
 
تملكتني الصدمة لدى سماعي هذا القرار الفاجع.. وكأن الأرض تحطمت حولي.. وقفت وهتفت ببكاء
 
" لكن.. حضرة العميد.. أنا بحاجة إلى هذه الوظيفة.. لدي عائلة تعتمد عليَّ و... "
 
أمرني عميد الجامعة بلهجة لا تحمل في طياتها أي شفقة
 
" ليس لدي أي شيء لأقوله لكِ الآن.. غادري مكتبي وغادري جامعتي.. ولا تحاولي العودة إلى هنا لأنهُ غير مسموح لكِ بالدخول إلى جامعة ماربيا العريقة بعد الآن.. بل ليس مسموحاً لكِ بالدخول إلى أي جامعة أو مدرسة في إسبانيا "
 
خرجت من المكتب بدموع يملأها الألم والإحباط.. كانت حياتي المهنية قد انهارت أمام عيناي.. والمستقبل بدا أكثر ظلمة مما يمكن أن أتحملهُ..
 
على وجهي ملامح الصدمة والحزن.. فقدت وظيفتي بشكل غير عادل.. دون فرصة للدفاع عن نفسي أو شرح الحقيقة.. الدموع تتساقط بلا توقف وكأنها نهر لا يمكن إيقافه..
 
مسحت دموعي ومشيت في الرواق الخارجي للجامعة.. رأيت زملائي في الجامعة ينظرون إليّ بحقد وبنظرات كارهة ألمتني.. وبينهما كانت شانا.. صديقتي المخلصة.. تأملتني بنظرات فزعة وصرخت قبل أن أقترب منها
 
" ابتعدي عني.. لا تقتربي مني أيتها العاهرة "
 
وقفت أمامها وبشجاعة لم أُظهر لها انفعالي من هذه الهجمة الغير متوقعة.. تحكمت بدموعي كي لا تتساقط.. إذ كلمات شانا كان لها وقع قاسٍ..
 
رفعت رأسي بشموخ ونظرت إلى الجميع بكبرياء


رواية المتادور - فصل الأول - المايسترو

 
 
ثم سألتُها بهدوء
 
" شانا.. لماذا نعتني بالعاهرة؟ "
 
ردت شانا بصوت مليء بالازدراء
 
" أنتِ ارتكبتِ خطأ مُميت.. وجلبتِ الفضيحة والخزي للجامعة بأكملها "
 
حاولت أن أتفهم سبب غضبها مني.. وحاولت أن لا أغضب منها.. فأنا أعرف شانا جيداً.. هي ليست حقودة.. تأملتُها بنظرات هادئة وحاولت التفسير لها
 
" شانا.. أنا لم أفعل شيئًا.. العميد لم يسمع حتى قصتي و.. "
 
قاطعتني قائلة بحقد وبلا رحمة
 
" لا أهتم بقصتكِ.. أنتِ جلبتِ العار والفوضى إلى هنا.. لا تقتربي مني.. وأنا لا أريد رؤية وجهكِ مرة أخرى "
 
كنتُ مصدومة وتائهة.. لم أعرف كيف أتعامل مع هذا الهجوم غير المبرر من صديقتي الوحيدة.. رأيت وجه شانا يعبس بالازدراء.. وكأنها تلومني عن كل الشائعات والاتهامات..
 
سمعت قهقهة زملائي الساخرة.. وهنا قررت أن لا أُظهر لهم مدى ضعفي.. رفعت يدي وأشرت بها بحركة ساخرة وقلت لـ شانا
 
" لا تخافي.. لن أقترب منكِ بعد اليوم كي لا يُصيبني مرض الغباء.. وأنا أحزن لأنني في يوم صادقت امرأة غبية مثلكِ "

رواية المتادور - فصل الأول - المايسترو

 
 
وسط ذهول شانا والجميع مشيت مُسرعة واتجهت نحو سيارتي.. وهنا انهرت بالكامل وتساقطت دموعي على وجنتاي بغزارة.. لكن هذه المرة لم تكن بسبب فقداني لوظيفتي.. بل كانت بسبب فقدان صديقتي الوحيدة..
 
أوقفت سيارتي أمام منزلي وترجلت منها وركضت داخلة إلى منزلي..
 
دخلت إلى غرفة نوم والداي وجلست على سريرهما وبدأت أبكي بهستيرية..

رواية المتادور - الفصل الأول - المايسترو

 
قلبي كان يؤلمني جداً.. لقد خسرت كل شيء بسبب غلطة واحدة ارتكبتُها منذ أسبوعين.. غلطة جعلتني أخسر نفسي وأخسر كرامتي.. وأخسر وظيفتي.. وأخسر صديقتي الوحيدة..
 
رفعت رأسي وهتفت بعذاب وبوجعٍ كبير
 
" أمي.. أبي.. أنا بأمس الحاجة لكما الآن.. أحتاج لحنانكم وتفهمكم.. أحتاج لمُساعدتكم.. "
 
لم أستطع إخبار والداي بما حدث معي منذ أسبوعين.. لا أريدهما أن يقلقا عليّ.. فهما سعيدين في سويسرا..
 
تسطحت على السرير وبكيت بحزنٍ شديد.. بكيت على ما حدث.. والظلم الذي تعرضت له.. وبكيت لأنني فقدت وظيفتي ومهنتي الجميلة إلى الأبد...
 

بعد مرور أسبوع**


 
كنتُ أتناول الحلوى المطاطية بينما كنتُ أسير ببطء في حديقة العامة.. كنتُ حزينة جداً لأنهُ تم رفضي في خمسة وظائف في هذا الأسبوع بسبب سجلي الأسود في الجامعة..
 
وبينما كنتُ أمشي رأيت أمامي مقعد كبير خشبي تجلس عليه امرأة مُسنة..
 
اقتربت وجلست على المقعد.. نظرت أمامي بحزن بينما كنتُ أراقب النساء مع أطفالهم يلعبون ويضحكون بسعادة.. ابتسمت برقة وسالت دمعة حزينة على وجنتي..
 
انتفضت بذعر عندما سمعت امرأة تُكلمني بنبرة حنونة
 
" لماذا تبكين سنيوريتا؟.. من جعل فتاة شابة وجميلة مثلكِ تبكي؟.. لا بُد أنهُ رجل..  "
 
التفت نحو الصوت ورأيت تلك المرأة العجوز تتأملني بنظرات حنونة وقلقة.. مسحت دمعتي بسرعة عن وجنتي وأجبتُها باحترام
 
" سنيورا.. آسفة إن أزعجتكِ.. سأذهب و... "
 
أمسكت المرأة المسنة يدي وقالت برقة
 
" لم تُزعجيني يا ابنتي.. أعذريني بسبب فضولي.. أظن أنا من أزعجتُكِ بسؤالي "
 
ابتسمت بسعادة بينما كنتُ أتأمل وجهها الجميل.. رغم سنها الكبير فهي تمتلك ملامح جميلة.. بالتأكيد كانت امرأة جميلة جداً في شبابها..
 
سحبت يدي من قبضتها وأجبتُها باحترام
 
" لا سنيورا.. لم أشعر بالانزعاج.. بل يسرني التكلم معكِ "
 
ابتسمت العجوز بسعادة وقالت
 
" يمكنكِ مناداتي بالجدة رامونا.. ويُسعدني أن أتكلم معكِ سنيوريتا.... "
 
أجبتُها بسرعة
 
" لينيا هارفين.. وتشرفت بمعرفتكِ جدتي رامونا "
 
اتسعت ابتسامة الجدة وقالت
 
" لينيا.. هو اسم مشتق من أحد الزهور ذات رائحة العبقة الجميلة "
 
نظرت إليها بسعادة لأنها عرفت معنى اسمي.. وتبادلت الحديث مع الجدة رامونا لفترة ساعة.. أخبرتُها بأنني أبحث عن وظيفة ولكنني أجد صعوبة بإجاد وظيفة تُناسبني.. طبعا لم أُخبرها عن الحادث الذي تعرضت له..
 
في النهاية قالت الجدة رامونا بجدية
 
" عليكِ أن تذهبي في رحلة ترفيهية لتنسي حُزنكِ.. همممم.. ما رأيكِ أن تذهبي في رحلة سياحية إلى مدينة اكستريمادورا؟.. فهذه المدينة ساحرة.. الطبيعة الموجودة بها ستجعلكِ تنسين جميع ألامكِ "
 
نظرت إليها بذهول ثم فكرت باقتراحها.. أعجبتني فكرتها جداً.. وقفت وهتفت بسعادة
 
" إنها فكرة رائعة جدتي.. سأذهب من الغد إلى اكستريمادورا.. أشكركِ جدتي.. لقد استمتعت كثيراً بالتحدث معكِ.. عندما أعود إلى المارينا أتمنى أن ألتقي بكِ من جديد "
 
قبلتُها على خدها ثم ودعتُها وذهبت إلى منزلي.. ولأول منذ أسابيع أبتسم بسعادة حقيقية.. سوف أستخدم مُدخراتي وأذهب في رحلة سياحية إلى تلك المدينة الساحرة في غرب إسبانيا..
 
ولكن لينيا لم تكن تعرف ما ينتظرها من عذاب في اكستريمادورا...

انتهى الفصل











فصول ذات الصلة
رواية المتادور

عن الكاتب

heaven1only

التعليقات


إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

اتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

لمدونة روايات هافن © 2024 والكاتبة هافن ©