رواية المتادور - فصل 6
مدونة روايات هافن مدونة روايات هافن
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...

أنتظر تعليقاتكم الجميلة

  1. بارت تحفه ❤️❤️.
    ساري حبيبتي 🥹🥹🥺🥺 الي عاشته ليس سهلا ابدا ومن الصعب تجاوزه...ولكن ساري عليك أن تكوني قويه وخاصه بوجودك في منزل ميغيل لا تجعلي يحاول اذيتك أو اهانتك ابدا.
    ميغيل تصرفك ليس تصرف رجل نبيل ومحترم وإذا كنت تحب حبيبتك لماذا فعلتها مع ساري....لا تتجرأ وتحاول اذيتها لكن سوف تندم بكرا.
    تعجبني شخصية لينيا قويه وذكيه رغم الي حدث معها بقيت كذلك ولن تسمح لأحد برؤيه خوفها اتمنى أن تبقى دائما كذلك.
    كارميتا واحلام اليقظة التي تعيشها 😂😂😂😂...واضح لن تجعلنا نرتاح بسهوله.
    الجده دي كارثه كارثة بمعنى الكلمة هههههههههه تريد حفيد وبطريقه غير شرعية أيضا يخرب بيتك فعلا.
    تسلم ايدك ❤️❤️.

    ردحذف
    الردود
    1. شكراً جزيلا لكِ حياتي لأنكِ أحببتِ روايتي الجديدة وأحداث الفصل
      وأنا سعيدة لأنكِ أحببتِ شخصيات الرواية
      أتمنى أن تنال إعجابكِ الأحداث القادمة يا قلبي

      حذف
  2. ما اقدر اقول غير.... صدمة... بس احس ان لينيا عذراء اساسا...

    ردحذف

رواية المتادور - فصل 6

 

رواية المتادور - فصل 6 - الصدمة



الصدمة









 

ساريتا كاريلو**

 

في زوايا مظلمة من ماردة.. حيث الأنفاق المظلمة تتشابك تحت الشوارع الرخامية.. استقل خورخي سيارته الفارهة برفقة ساريتا.. كانت الليلة باردة.. وأضواء المدينة تتلألأ مثل جواهر متناثرة.. ظل الليل يتسلل حولهما مثل روح شريرة.. والهمس البعيد للرياح يعزف لحنًا غامضًا وحزينا..

 

قاد خورخي سيارتهُ وأخذ ساريتا إلى مبنى شبه مهجور في قلب المدينة.. كان المكان يبدو مظلمًا ومهجورًا.. لكن الهمس السري في الشوارع يروي قصصًا عن أفعال غامضة تحدث داخل تلك الجدران المُخيفة..

 

عندما توقفت السيارة.. أمر خورخي ساريتا بالنزول.. كانت عينيها باهتة وجسمها يتزاحم على السيطرة.. لقد حقنها في منزله بحقنة مُخدرة.. فأصبحت تتنفس بثقل وكانت تنفذ أوامره بلا تردد..

 

وقفت ساريتا تنظر حولها بحزنٍ عميق.. بينما كانت تبكي بداخلها من الخوف والذعر.. وقف خورخي أمامها ونظر إلى عينيها الساحرتين وقال بأمر

 

" تعالي.. حان وقت اللقاء مع السيد سوتو "

 

دخلوا إلى المبنى.. وشاهدت ساريتا بخوف عدد كبير من الرجال الملثمين يقفون في كل زاوية من المبنى وهم يحملون أسلحة الرشاش.. وهنا احترق قلب الفتاة البريئة إذ عرفت بأنها لن تنجو من المصير الذي ينتظرها الليلة..

 

وكل خطوة لها كانت كمقدمة إلى عالم آخر.. السلالم القديمة تؤدي إلى الأعلى.. وأصوات الحديد المتشابك تهمس بالأخطار المختبئة.. وصلوا أخيرًا إلى الطابق الأعلى حيث يوجد مكتب سوتو..

 

عندما دخلوا إلى المكتب.. كان سوتو ينتظرهم بابتسامة مُكِبِّلة بالظلم.. وابتسامتهُ تلك جعلت قلب ساريتا يغرق بالخوف أكثر..

 

كانت زجاجات الكحول تمتد على الرفوف.. ولوحة معدنية كبيرة تعلو مكتبه.. لاحظت ساريتا أنه كان يرتدي زيًا رسميًا.. كما لو أنه كان يستقبل ضيوفه في منتصف النهار بدلاً من منتصف الليل.. ولكن الساعة الآن كانت العاشرة مساءً.. وكانت ساريتا تقوم بعد الثواني والدقائق حتى ينتهي مفعول ذلك المُخدر من جسدها وتهرب وتعود إلى الأحضان الآمنة لوالدها الحبيب..

 

" خورخي "

 

قال سوتو بصوته الثقيل وهو يقف من كرسيه.. وتابع قائلا

 

" قدم لي ضيفتنا الجميلة.. أريد التعرف عليها "

 

مشى سوتو بخطوات بطيئة إلى الأمام.. وقف أمام ساريتا والتي كانت هادئة بسبب المُخدر.. استمتع سوتو بالنظر إلى وجه ساريتا وظهرت لمحة الرغبة في عينيه.. وشعر بأنهُ ثمل بسبب سحرها وجمالها..

 

وسمع سوتو خورخي يقول

 

" إنها ساريتا كاريلو.. فتاتي التي أخبرتُك عنها.. للأسف الغبية أفسدت جميع مُخططاتي الليلة.. لذلك جلبتُها إليك حتى نبيع عذريتها ونجني مبلغاً كبيراً "

 

" ساريتا.. "

 

همس سوتو باسمها بصوتٍ هادئ وبطريقة حالمة.. اقترب منها خطوة وأمسك طرف ذقنها بأصابعه ورفع رأسها قليلا ونظر في عمق عينيها الخائفتين.. ابتسم ابتسامة خبيثة وقال بنبرة حزينة ساخرة

 

" سوف ينحنوا الرجال أمام جمالكِ البريء.. كنتُ سأرغب بامتلاك عذريتكِ بنفسي.. ولكنني أعشق المال أكثر من النساء.. لذلك سأعرضكِ على أثرى زبون لدي.. سيدفع وبسرعة المبلغ الذي سأطلبهُ منه مُقابل عذريتكِ "

 

أبعد أصابعهُ عن ذقنها وقال بسخرية

 

" لدي بعض الأسئلة لكِ أيتُها الجميلة.. هل تعرفين لماذا أنتِ هنا؟ "

 

لم تكن هناك ردود أفعال.. الصمت القاتل كان يخيم في الغرفة.. استدار سوتو واقترب من مكتبه.. التقط زجاجة من الويسكي وصب كأسًا ببراعة.. ثم نظر إلى ساريتا وابتسم ابتسامة شريرة وقال بسخرية

 

" طبعاً تعرفين سبب وجودكِ هنا.. سوف تخسرين الليلة عذريتكِ الثمينة.. ولكن لأنكِ جميلة سأختار لكِ رجلا وسيماً.. ولأنكِ ابنة المليونير ليون كاريلو سأقوم بتهديدكِ قليلا حتى تلتزمين الصمت ولا تفتحي فمكِ الجميل بكلمة واحدة أمام والدكِ الثري "

 

وضع سوتو كأسه على الطاولة ثم اقترب من خزانة ممتلئة بالأسلحة.. فتح درفة الخزانة وأخرج خنجراً منها.. استدار ومشى ببطء ووقف أمام ساريتا.. رفع يدهُ ووضع نصل الخنجر على خدها.. ثم بدأ يمرره ببطء على بشرتها حتى في النهاية استقر نصل الخنجر على عنقها..

 

دموع الخوف والذعر كانت تلمع في عيون ساريتا البريئة.. ولكنها لم تستطع البكاء بسبب المُخدر وأوامر خورخي لها بعدم البكاء..

 

ابتسم سوتو ابتسامة شريرة ونظر في عمق عيون ساريتا وقال بتهديد

 

" عندما ينتهي مفعول المُخدر سوف أسمح لكِ بالذهاب إلى قصر والدكِ.. أعدكِ وعد شرف بأنني لن أسمح لأحد من رجالي بأذيتكِ.. ولكن بشرط.. سوف تلتزمين الصمت.. ولن تُخبري أحد عن ليلتكِ الجميلة.. وإن تكلمتِ.. سأذهب بنفسي وأقتل والدكِ أمامكِ ثم سأقتلكِ.. هل أنتِ موافقة؟ "

 

ظهرت على وجه ساريتا لمحة من الخوف.. لكنها لا تزال غارقة في تأثير المُخدر ولم تستطع التكلم..

 

أبعد سوتو الخنجر عن عنقها ثم ضحك بمرح ونظر إلى خورخي وقال بسخرية

 

" لقد نسيت بأنها تحتَ تأثير المُخدر "

 

وعندما توقف عن الضحك أمر ساريتا بنبرة مُخيفة

 

" تكلمي.. هل أنتِ موافقة؟ "

 

وبهدوء أجابته ساريتا بصوتٍ مبحوح

 

" نعم "

 

قهقه سوتو بمرح ثم وضع الخنجر على سطح مكتبه ومشى بهدوء وجلس على كُرسيه خلف المكتب ونظر إلى خورخي وأمرهُ قائلا بنبرة هادئة

 

" خذها إلى الفندق الذي أمتلكه.. سوف تهتم بها موني وتقوم بتجهيزها للزبون.. أما أنت سوف تعود إلى هنا وتبقى برفقة رجالي.. هل كلامي واضح؟ "

 

أجابه خورخي بسرعة وبخوف

 

" نعم سيدي "

 

رفع سوتو يده وأشار بيده ليخرجوا من الغرفة.. أمسك خورخي بذراع ساريتا وقادها خارج الغرفة وخارج المبنى.. ثم أخذها إلى الفندق الذي يمتلكهُ رئيسهُ سوتو...

 

عندما وصلنا إلى الفندق.. كنتُ أتأرجح بين الوعي وتأثير الجرعة القوية من المُخدر التي تم حقني بها.. خورخي الذي لا يُظهر أي مشاعر أو تردد أو شفقة.. قادني بحذر إلى المدخل الخلفي للفندق.. حيث كان يتربص الظلام والسرية..

 

فتح الحارسين الباب لنا ووقفوا جانباً لندخل.. وما أن دخلت برفقة الحقير خورخي رأيت نفسي في غرفة فسيحة والتي امتلأت بأثاث عتيق وتُحف فنية.. استقبلتنا امرأة في منتصف العمر تتسم بالقوة والقسوة في ملامح وجهها.. كانت ترتدي فستانًا أنيقًا يعكس رفاهية الفندق..

 

سمعت بذعر خورخي يُكلم تلك المرأة قائلا بفخر

 

" مساء الخير موني.. لقد أحضرت لكِ فتاة مميزة الليلة.. أوامر الرئيس سوتو كالمعتاد.. جهزيها واجعليها تبدو مثيرة وجاهزة للزبون.. وطبعا لن تستطيع الاعتراض والهروب.. تبقى خمس ساعات لينتهي مفعول المُخدر "

 

رفعت موني حاجبيها بدهشة لحظة.. ثم أعادت الهدوء إلى وجهها بينما كانت تتأملني من رأسي إلى أخمص قدماي.. ثم رفعت عينيها ببطء لتستقر في عمق عيناي الخائفتين..

 

اقتربت موني خطوة ورفعت يدها وأمسكت فكي بقبضتها ورفعت رأسي وبدأت تتأملني بنظرات أرعبتني.. ابتسمت موني ابتسامة شريرة وقالت بينما كانت تُحرر فكي من قبضتها

 

" أحسنتَ الاختيار الليلة خورخي.. الفتاة جميلة جداً.. سوف يحصل الرئيس على مبلغ ضخم جداً مقابل عذريتها "

 

ابتسم خورخي بغرور.. وبينما كانت تمسك تلك المرأة معصمي أمرت خورخي بحدة قائلة

 

" يمكنك المغادرة الآن "

 

وقبل أن يغادر خورخي سلم موني حقيبة يدي وقال بسخرية لهذه المرأة المُخيفة

 

" هذه حقيبة يدها.. أوامر سوتو بأن تضعيها في الحمام.. وعندما يزول مفعول المُخدر سيتم السماح لها بمغادرة الفندق بهدوء "

 

استلمت المرأة حقيبة يدي وحينما غادر خورخي الفندق شعرت بالذعر الشديد عندما قالت موني بأمر

 

" تعالي.. ليس أمامنا المزيد من الوقت.. يجب أن أقوم بتجهيزكِ بسرعة "

 

اصطحبتني موني بسرعة وصعدنا إلى الطابق الثاني.. كانت الهمسات والأصوات تتراقص في الممرات المظلمة.. وصلت همساتها إلى أذناي كصدى من مستنقع الجحيم..

 

وقفنا أمام باب عليه رقم عشرة.. أخرجت موني بطاقة من جيب سترتها ووضعتها على اللوحة الالكترونية في الباب ودفعته بسرعة.. اندلعت أنوار الغرفة بحذر وكشفت عن ديكور ملفت للنظر وسرير ضخم..

 

وما أن دخلت إلى الغرفة قالت موني بصوت يترنح بين السخرية والبهجة بينما كانت تُغلق الباب خلفها بهدوء

 

" أعتقد بأن الغرفة قد أعجبتكِ "

 

أخذت موني خطوة للأمام والتقطت يدي بجرأة وأخذتني إلى وسط الغرفة.. كنتُ أشعر بالضعف وبالخوف الشديد.. كان قلبي يتمزق ويحترق من الذعر.. وهذا الخوف الذي سكن قلبي وجسدي تركني بلا قوة أتأرجح في ظلمة الخوف والفزع..

 

أمرتني موني بصرامة

 

" انزعي هذه الملابس عن جسدكِ "

 

كانت الكلمات تعانق أذني وتتلاشى في الضباب الذي سيطر على عقلي.. ورغماً عني نفذت أوامرها.. كنتُ أبكي بداخلي وأتوسل من الله مساعدتي.. وما لبث أن انزلق الفستان الرقيق عن كتفي وسقط على الأرض أمام قدماي.. وبروح مُعذبة خلعت بطاعة ملابسي الداخلي ورميتُها بهدوء أمامي على الأرض.. وبوجع فتك روحي وقفت مكشوفة تمامًا أمام هذه المرأة الغريبة.. بينما عيوني كانت تعكس الذهول والخوف..

 

أخذت موني خطوة للخلف وابتسمت بفخر وقالت

 

" أنتِ جميلة جداً.. الرجل الذي سيأخذ عذريتكِ الليلة سيكون محظوظ جداً "

 

توقفت موني عن التكلم وأمسكت ذراعي وجذبتني إلى الحمام.. وضعت حقيبة يدي على طاولة صغيرة وأمرتني قائلة

 

" والآن استحمي بسرعة.. لا تغسلي شعركِ فقط جسدكِ الجميل.. لديكِ فترة خمس دقائق فقط "

 

خرجت موني من الحمام ولكنها تركت الباب مفتوحاً.. وعادت بعد لحظات قليلة ووضعت ملابسي بطريقة مُرتبة على أحد الرفوف المُعلقة ثم غادرت الحمام.. ورغماً عني نفذت أوامرها.. إذ دخلت إلى حوض الاستحمام وغسلت جسدي بهدوء.. وعندما انتهيت وقفت بخوف أنتظرها..

 

دخلت موني إلى الحمام وتأملتني بنظرات مُخيفة.. اقتربت خطوة مني وقالت بأمر

 

" والآن ارتدي هذا "

 

سلمتني رداء أبيض من الحرير.. خفيف ومثير.. كنتُ أحاول حقًا الركض والهروب من هذه الغرفة ومن هذا الفندق الذي يشبه بنظري الجحيم.. ولكن المُخدر والصدمة أخذا مجمل تركيزي.. وطبعا لم أستطع الهروب من هنا كما كنتُ أرغب وأتمنى..

 

لبست الرداء تحت أنظار موني الحادة والتي زادت من إحساسي بالعري والعجز.. كانت ترى تفاصيل جسدي العاري بوضوح أمامها.. وشعرت في هذه اللحظة وكأنني فقدت كل شيء حتى هويتي..

 

أشادت موني بابتسامة ساخرة بينما كانت تتأملني بنظراتها اللعينة

 

" أنتِ جميلة جداً "

 

اقتربت وأمسكت معصمي وجذبتني خارج الحمام.. جعلتني أجلس على طرف السرير ووقفت أمامي وقالت بأمر

 

" لن تتحركي من مكانكِ حتى يصل الزبون.. لن تنظري إليه بخوف.. ولن تفتحي فمكِ بكلمة واحدة أمامه.. وعليكِ بتنفيذ كل ما يطلبهُ منكِ.. وعندما يزول مفعول المُخدر يمكنكِ الذهاب.. ولكن إياكِ أن تحاولي التكلم مع الزبون بكلمة واحدة.. وإلا.... "

 

توقفت موني عن التكلم وأخفضت رأسها قليلا ونظرت في عمق عيناي وقالت بتهديد واضح

 

" إن فتحتِ فمكِ سوف يتم قتلكِ.. سبق وتم قتل العديد من الفتيات بسبب هذا الخطأ الصغير.. لذلك لا أنصحكِ بفعل ذلك.. فأنتِ محظوظة لأن سوتو سوف يسمح لكِ بالذهاب من هنا.. عادة يتم أخذ الفتيات من هنا ليعملوا لدى سوتو كعاهرات.. لذلك أنتِ محظوظة جداً لأنهُ سمح لكِ بالمغادرة بعد انتهاء ليلتكِ الجميلة "

 

رفعت رأسها وتأملتني بنظرات مُخيفة أرعبتني.. ابتسمت موني وقالت بنبرة خبيثة

 

" استمتعي الليلة.. الوداع أيتُها الجميلة "

 

عندما غادرت موني الغرفة.. ظلت ساريتا مكبلة بسلاسل الخوف واليأس.. جلست على طرف السرير بانتظار المصير المجهول الذي ينتظرها.. كانت تعيش لحظات قلق وترقب.. محاولة فهم الأحداث المتسارعة التي ألقتها في هذا الوضع المأساوي..

 

بينما كانت تغمرها موجات الخوف.. تساءلت ساريتا عن القرارات الخاطئة التي اتخذتها.. لماذا لم تستمع إلى والدها ليون؟.. كانت تشعر بألم الندم يملأ قلبها.. كما لو كانت تنظر إلى الخطأ الذي قامت به بكامل وضوح.. لكنها لم تكن قادرة على تصحيحه..

 

شعرت برغبة في الصراخ.. ولكن لم أجد القوة للتحرك.. الخوف المكثف ألقى بظلاله على عقلي.. حيث كنتُ اسأل نفسي إن كنتُ سأخرج حية من هذه التجربة المروعة التي تنتظرني..

 

كنتُ أجلس على طرف السرير.. لا أزال مُكبلة بأثر المُخدر الذي حقنني به خورخي.. تداخلت الأفكار والأحاسيس في عقلي.. وكنتُ أعيش في عالم من الفزع والندم..

 

تذكرت بمرارة وبندمٍ كبير كلمات والدي والتي لم أكن أعتبرها في السابق سوى جدران عابرة لحمايتي.. وتذكرت بألم أحرق روحي كلمات والدي بوضوح..

 

( ابنتي.. احذري من خورخي.. لا تثقي به أبدًا.. إنه يعمل في عالم مُظلم لا يرحم فيه الضعفاء )

 

شعرت بندم عميق لأنني لم أخذ كلام والدي على محمل الجد.. ظننتهُ يحقد على خورخي لأنهُ فقير.. وفي هذه اللحظة المظلمة غمرتني مشاعر الإحباط والعجز والندم..

 

وبعذاب كبير فكرت.. لو أنني استمعت إلى نصيحة والدي وكلامه كنتُ تجنبت ما سيحدث لي الليلة.. وأدركت الآن بأنني سأدفع ثمنًا باهظًا بسبب تسرعي وتهوري وحُبي الأحمق لذلك الحقير خورخي..

 

كنتُ أبكي بداخلي بوجع وبندمٍ كبير.. ولكن لم أستغرب عندما فقدت الشعور بذلك الحُب الغبي نحو خورخي.. كل ما كنتُ أشعر به في قلبي الآن نحوه هو الكره والغضب..

 

في هذه اللحظة.. انفتح الباب بحذر.. ودخل رجل ذو ملامح جذابة.. نبض قلبي بعنف بينما كنتُ أنظر إليه وهو يقترب.. فجأة وقف أمامي وتجمدت نظراته عليّ..

 

سمعتهُ يهمس بذهول

 

" إلهي.... "

 

كاد قلبي أن يخرج من قفصي الصدري عندما رأيتهُ يتأملني بإعجاب ونيران الرغبة كانت تشتعل في عينيه.. نظراتهِ جعلتني أشعر بالقشعريرة..

 

كان قلبي ينبض بسرعة.. وعندما بدأ هذا الرجل الوسيم يقترب مني كانت كل خطوة منه تقودني للمجهول.. كانت خطواته تجعلني أسقط في الهاوية..

 

نظرت نحو هذا الغريب بخجل وبخوف.. ولكن كنتُ أعلم بأن خوفي وخجلي لا يظهران له بوضوح.. كنتُ أشعر بالخوف والخجل.. وكنتُ عاجزة عن التصديق ما يحدث..

 

أمسك الرجل الغريب بقوة معصمي.. فشعرت بوزن يده الثقيل على معصمي.. كنتُ أشعر بالضيق والخوف يعتصران قلبي.. تجلت في عيناي نظرات الحزن واليأس.. لكن كنتُ عاجزة عن الاعتراض أو المقاومة.. إذ كانت سموم ذلك المُخدر القوي تسري في عروقي وتتحكم في جسدي.. وجعلتني عاجزة عن تحريك عضلة واحدة بسبب الأوامر التي تلقيتها..

 

بينما كنتُ أُحرك قدماي لأقف انفتح الرداء الأبيض الذي كنتُ أرتديه بانسيابية.. وكشف عن جسدي العاري..

 

بلعت ريقي بقوة ووقفت في مكاني ملتصقة بين الخجل والتوتر والخوف.. لم أكن أتخيل في أحلامي الأكثر جرأة أن أجد نفسي أمام رجل لا أعرفه عارية تماماً.. شعرت بالعار والضعف أمام هذا الغريب الذي أخذ ينظر إلى جسدي بإعجاب وبرغبة عميقة..

 

اندلعت شرارة من الرغبة في عيون الرجل الغامض.. رأيتهُ بذعر يُخفض رأسهُ وقبلني برقة وبلطف على شفتاي.. وكانت هذه القبلة الأولى من رجل لا أعرف حتى اسمه..

 

أردت البكاء.. أردت أن أصرخ وأعترض عندما جردني من الرداء وحملني ووضعني على السرير.. عرفت بأنهُ لن يتم إنقاذي الليلة.. عرفت بأنني سأخسر عذريتي بطريقة مؤلمة جداً..

 

شعرت بالألم يتسلل إلى جسدي عندما بدأ الرجل يُقبل مفاتني.. حاولت الصراخ.. لكن لا صوت يخرج من حُنجرتي.. الفزع واليأس والخوف سكنوا روحي.. واللحظات تمر كأنها ساعات طويلة.. محملة بالألم والتجربة الرهيبة..

 

شعرت بالضعف والعجز أمام هذا الرجل الذي كان على وشك أن يمتلكني بشكل مطلق.. وعندما امتلكني الشيء الوحيد الذي استطعت التفوه به هو صرخة صغيرة أطلقتها حنجرتي بسبب الألم الذي شعرت به..

 

في هذه اللحظة احترقت روحي.. في هذه اللحظة انتهت حياتي.. خسرت.. نعم لقد خسرت حياتي الآن.. خسرت حياتي وخسرت كرامتي وخسرت شرفي..

 

حاولت تجاوز هذا الجحيم الذي أعيشه.. ولكن محاولاتي بائت بالفشل.. تجمدت أسفل هذا الرجل حيث استمر في الاستمتاع بسيطرتهِ على جسدي.. وكأن كل إنش في جسدي ينتمي إليه..

 

من الساعة العاشرة والنصف لغاية الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل ظل هذا الرجل يمتلك جسدي برغبة عميقة.. كان يستريح لنصف ساعة أو ساعة ويعود ويمتلك جسدي من جديد..

 

رغم أنهُ كان رقيقاً معي إلا أنني كنتُ أحترق في الجحيم بسبب لمساته وقبلاته..

 

حاولت التصدي للألم والهوان.. ولكن كنتُ عاجزة.. انغمست في عالم مُظلم.. حيث اليأس والألم يتناوبان على مُحاصرتي.. وبينما كنتُ أُغمض عيناي في محاولة يائسة للهروب من هذا الكابوس.. تعلمت بمرارة أن بعض التجارب تترك أثراً لا يمكن مسحه..

 

وهذه التجربة لن أستطيع مسحها من ذاكرتي.. هذه التجربة لن أستطيع تخطيها.. فهذه التجربة قتلت روحي وأحرقت قلبي..

 

بينما الليل يمضي بسكونه.. كان الهواء البارد يعصف بخيوط النافذة المفتوحة.. الغرفة كانت خالية من أي ضوء.. لكن الظلال اللامعة كانت واضحة على الجدران.. تحاول الظلال أن تُحيك أسراراً تبدو مظلمة بينما الليل يمر..

 

جسدي.. والذي كان يحتضنهُ الرجل الغريب لم يعد مُلكي.. كنتُ أشعر بقوة يده التي تُعانق خصري بإحكام.. والدفء الكاذب الذي يحاول إخفاء برودة وحدتي وعذابي.. وكلما مر الوقت اندلعت النيران في روحي المُعذبة.. وزادت ثقل الأحزان والألم في صدري..

 

رفضت أن أستسلم للغفوة.. وفكرت بعذاب باللحظات التي قضيتُها في هذا الفندق المُظلم مع هذا الرجل الذي أتى مِن حيث لا أدري.. كان الفراش يحتل مركز الغرفة.. ولكن قلبي كان يعيش في محيط من الخوف والإحباط..

 

مع مرور الوقت حاولت التأقلم مع الوضع.. وانتظرت بفارغ الصبر زوال مفعول المُخدر عن جسدي.. ولكن الرجل ظل نائمًا بجانبي وهو يتنفس بسكون.. شعرت بالفراغ والحزن يتسلل في جسدي.. كما لو أن جزءًا من روحي قد تمزق..

 

وفي تمام الساعة الثالثة والنصف ليلا.. تساقطت دموعي على وجنتاي دون سابق انذار.. حاولت كتمان شهقاتي والتوقف عن البكاء.. لكن دموعي كانت تنهمر بحرية على وجنتاي.. صوت بكائي وشهقاتي الهامسة امتزجت مع صوت تنفس الرجل الذي لم يشعر بما يحدث حوله..

 

عندما انتهى أخيرًا مفعول المُخدر.. شعرت بالضعف والتشتت.. حاولت الابتعاد عن هذا الرجل دون أن أجعلهُ يستيقظ.. ابتعدت عن حضنه بحذر ووقفت على الأرض ومشيت باتجاه الحمام.. ولكن كانت خطواتي تحمل وزن الهموم والآلام التي عانيتُها طيلة هذه الليلة المريرة..

 

دخلت إلى الحمام وأغلقت الباب وانهمرت دموعي بحرية على أرضية الحمام.. كانت تنهمر دموع الألم والعار والغضب.. كانت الكلمات التي لم أستطع قولها تنهمر بصمت من خلال دموعي المريرة..

 

ارتديت ملابسي بسرعة وحملت حقيبة يدي وخرجت من المحام وتوجهت نحو الباب.. غادرت الغرفة وخرجت من الفندق هاربة من جحيمه.. لم يوقفني أحد بينما كنتُ أركض مُبتعدة عن الفندق.. ومع ذلك كنتُ خائفة لدرجة الموت من أن يتبعني أحد من هؤلاء الحُراس.. ركضت في الشارع الهادئ ثم أوقفت سيارة أجرة وأخبرت السائق بوجهتي..

 

عندما وصلت إلى المقهى ترجلت من السيارة ودفعت المبلغ المستحق للسائق.. وذهبت مباشرةً إلى الموقف حيث كنتُ قد تركت سيارتي..

 

لم أفكر سوى بالركض وحماية نفسي بسرعة.. أردت فقط الهروب من الألم الذي تسبب به الغريب الذي اقتحم حياتي الليلة.. وكلما اقتربت من الموقف زادت سرعة خطواتي وتحولت إلى جري.. كمن تهرب من كوابيس لا يمكنها تجاوزها.. بل أنا فعلا لن أستطيع تجاوز ما حدث معي الليلة..

 

وما أن دخلت إلى سيارتي أدرت المُحرك وقدت سيارتي بسرعة جنونية باتجاه قصر والدي..

 

وبأقل من ربع ساعة وجدت نفسي أمام مدخل القصر.. أطفأت مُحرك سيارتي وترجلت منها.. وقفت جامدة في مكاني عندما رأيت والداي ينتظراني أمام مدخل القصر..

 

والدها ليون.. رجل الأعمال الناجح.. ووالدتها روزا كانوا ينتظرونها بقلق.. وبمجرد أن رأوا شبح ابنتهما يظهر في الظلام.. اندلعت الأم روزا في ركضة هيستيرية نحوها..

 

لم أستطع التمييز بوضوح في ظلمة الليل.. ولكن استطعت رؤية والدتي وهي تركض بخطى متسارعة نحوي.. وسمعت والدتي روزا تهتف بجنون

 

" ابنتي.. حبيبتي.. صغيرتي ساريتا "

 

نبض قلبي بسرعة متزايدة عندما عانقتني والدتي بحنان لا يوصف.. مما أفقدني القدرة على التنفس للحظة.. وهتفت والدتي بينما كانت تبكي

 

" ساريتا.. ابنتي الجميلة.. أين كنتِ؟ "

 

استنشقت عبير شعر والدتي.. ولكن لم أجب على سؤالها.. بدلًا من ذلك ضممتُها بقوة وأطلقت العنان لدموعي..

 

بينما كانوا يتأرجحون في هذه اللحظات المؤثرة.. سمعت ساريتا أنين والدها الهادئ الذي تناغم مع سكون الليل..

 

لم يكن ليون يدرك أن الخوف الذي انتابه لساعات على ابنتهِ الوحيدة جعلهُ يبكي الآن دون شعوره بذلك.. لكنه لم يستطع تصديق أنها بالفعل أمامه.. آمنة وسالمة..

 

همس ليون بصوتٍ مُرتجف بينما كان يحتضن ابنته وزوجتهِ معاً

 

" ساريتا.. ابنتي.. أخيراً أنتِ هنا.. لماذا تأخرتِ صغيرتي؟.. أين كنتِ؟.. قلقت عليكِ كثيراً وكنتُ على وشك الاتصال بالشرطة.. كنتِ غائبة لساعات طفلتي.. لقد بحثت عنكِ كثيراً.. كنتُ خائف بأن تكوني قد هربتِ "

 

ابتعدت عن والداي وهمست بحزن بينما دموعي كانت تنهمر بلا توقف على وجنتاي

 

" آسفة أبي.. كنتُ أتمشى على شاطئ البحر "

 

لم تكن كلماتي كافية لتهدئة قلق والدي.. مسح والدي دموعه وتأملني بنظرات قلقة وسألني

 

" لم تكوني برفقة ذلك الرجل؟ "

 

مسحت دموعي وابتسمت ابتسامة خفيفة وأجبته

 

" لا.. لقد انهيت اليوم علاقتي به.. فكرت بما قلتهُ لي ووجدت بأنك مُحق.. لن أرى ذلك الرجل مرة أخرى.. بل لا أريد أي شيء يذكرني به "

 

اضطررت للكذب على والدي.. لم أستطع اخباره بما حدث معي الليلة.. لأنني لم أنسى تهديد ذلك الرجل المدعو بـ سوتو..

 

كان يجب أن أتحمل ما حدث معي الليلة.. قررت أن أحمل هذا السر بداخلي إلى الأبد.. ولن يعرف مخلوق بما حدث معي.. سأحمي والدي.. لن أتحمل أن يتم قتلهُ وقتل والدتي بسببي..

 

سمعت والدتي تقول في محاولة منها لتهدئة الوضع

 

" المهم بأنكِ بخير وبأمان صغيرتي.. تعالي حبيبتي لندخل إلى القصر "

 

دخلت إلى القصر برفقة والداي.. رأيت جميع الخدم يتأملونني بنظرات مليئة بالقلق والحنان.. ابتسمت بحزن وصعدت إلى غرفتي برفقة والداي..

 

عندما دخلت إلى غرفتي وقفت والدتي أمامي وابتسمت بسعادة.. ثم احتضنتني بقوة بينما كان والدي يتأملني بحب.. ويشعر بالامتنان لرؤيتهِ لي سالمة وبصحة جيدة..

 

ابتعدت والدتي عني وقالت بنبرة حنونة

 

" نامي صغيرتي.. تبدين مُتعبة "

 

ابتعدت والدتي وما أن كانت على وشك مغادرة غرفتي قال والدي موجهاً حديثهُ لها

 

" حبيبتي.. سأبقى قليلا برفقة ساريتا "

 

أومأت والدتي موافقة وغادرت الغرفة ثم أغلقت الباب بهدوء.. نظرت إلى والدي بتوتر بينما هو كان يتأملني بنظرات حزينة..

 

اقترب ووقف أمامي.. أمسك يدي برقة وسألني بنبرة حنونة

 

" أنتِ بخير ابنتي؟ "

 

أومأت موافقة.. لم أستطع إجابته إذ شعرت بأنني أختنق بسبب كذبي عليه..

 

تنهد والدي براحة ثم سألني من جديد

 

" هل فعلا انتهت علاقتكِ بذلك الرجل السيء؟ "

 

شعرت برغبة عميقة لأخبرهُ عن ما حصل معي الليلة.. لكن بسبب تهديد سوتو لم أستطع التفوه بحرف.. نظرت إليه بحزن وأجبتهُ بصدق

 

" نعم أبي.. علاقتي بذلك الرجل انتهت إلى الأبد.. لن أراه مرة أخرى.. آسفة لأنني خذلتُك سابقاً.. لكن أعدُك بأنني لن أخذلك مرة أخرى في حياتي كلها "

 

تأملني والدي بنظرات سعيدة ثم تنهد براحة واقترب وعانقني بقوة.. أغمضت عيناي وحاولت منع نفسي من البكاء بينما كنتُ أضع رأسي على صدر والدي الحبيب..

 

سمعت والدي ليون يقول بسعادة وبحنان

 

" أنتِ ابنتي الوحيدة ساريتا.. كل ما يهمني في هذه الحياة هو سعادتكِ.. صدقيني لو كان خورخي رجلا صالحاً كنتُ سأوافق على علاقتكِ به حتى لو كان فقيراً.. لكنهُ رجل سيء وليس مناسباً لكِ.. سوف تنسين حبكِ لهُ وبسرعة "

 

توقف والدي عن التكلم وأبعدني عنهُ قليلا.. نظرت إلى وجهه ورأيتهُ يتأملني بنظرات حنونة وسعيدة.. ابتسم والدي بوسع وقال بثقة

 

" أنتِ قوية ابنتي.. لن تندمي أبداً لأنكِ انتهيتِ علاقتكِ به.. وتذكري دائماً بأنني ووالدتكِ نحبكِ كثيراً.. لو أصابكِ أي مكروه الليلة كنتُ سأموت و... "

 

رميت نفسي على صدر والدي وعانقتهُ بقوة وهتفت ببكاء مُقاطعة حديثهُ

 

" أبي.. لو سمحت لا تلفظ تلك الكلمة مرة أخرى أمامي.. لن أسمح بأن يُصيبك أي مكروه بسببي "

 

ضمني والدي وقبلني على رأسي بخفة.. مسح برقة على ظهري بيديه وسمعتهُ يقول بنبرة حنونة

 

" لا تخافي ساريتا.. لن أترككِ أبداً طفلتي "

 

ابتعدت عنهُ ومسحت دموعي ونظرت إليه بحبٍ كبير.. ابتسم والدي وقال مُعاتبًا نفسهُ بينما كان يمسح على خدي برقة

 

" ابنتي الجميلة.. لا تبكي.. لم أكن أعلم بأنني سأكون السبب لبكائكِ الآن.. ما كان يجب أن ألفظ بتلك الكلمة أمامكِ "

 

قبلني والدي ليون برقة على وجنتي ثم ابتعد عني وقال

 

" يجب أن تنامي الآن صغيرتي.. تبدين مُرهقة كما وجهكِ شاحب قليلا.. إن كنتِ مُتعبة أستطيع الاتصال بالطبيب و.. "

 

قاطعتهُ بسرعة قائلة بتوتر

 

" أنا بخير أبي.. لا داعي لتتصل بالطبيب.. فقط أشعر ببعض الإرهاق "

 

أومأ والدي موافقا ثم تمنى لي أحلاماً سعيدة وغادر غرفتي بهدوء.. وهنا انهار جسدي وسقطت على الأرض..

 

جلست ساريتا على الأرض ضعيفة ومكسورة.. الغرفة الفخمة حولها أصبحت كمكان مهجور.. مليئة بصدى الآهات الصامتة.. لقد غادر والدها ليون.. ولكن الأثر السلبي لهذه الليلة المأساوية لازال مُلتصق بها..

 

اندفعت الدموع من عينيها بقوة.. مثل شلال متدفق من الألم والحزن.. كانت تشعر بأن جميع قطعها تنهار.. ليس فقط جسديًا ولكن أيضًا روحيًا.. الليلة كانت كابوسًا أصبح حقيقة لا تُطاق..

 

تذكرت وجه خورخي.. الذي كان الليلة يبتسم بوقاحة وبحقد.. تذكرت الماضي.. تذكرت كيف اعترف بأنهُ يحبها.. كانت كلماته الكاذبة تتردد في أذنيها.. كل كلمة كان لها ثقلها الخاص.. قال إنه يحبها.. ولكن الحقيقة ظهرت بوضوح الليلة..

 

شهقت بقوة ومسحت دموعي.. وبعذاب بدأت أُفكر.. كل كلمة حُب قالها لي خورخي كانت مجرد وسيلة لأهدافه الخاصة.. ليستغلني ويُدمّرني..

 

ضغطت على رأسي بكلتا يداي.. شعرت بتدفق الندم يملأ قلبي.. وبعذابٍ شديد بدأت أُلقي اللوم على نفسي.. كيف استسلمت لكلماته العذبة وكذبه الماكر؟.. كنتُ أشعر الآن بأنني قمت بخيانة نفسي ووالدي.. أخذني الندم إلى أعماق مظلمة.. حيث لا يوجد سوى صراخ الألم..

 

كانت الذكريات تنهال عليّ دون رحمة.. كل لحظة تلو الأخرى.. كيف امتلكني رجل غريب وسرق مني شرفي وحول حياتي هذه الليلة إلى كابوس في لحظات؟.. لقد دمر كرامتي وألقاني في دوامة من الظلام.. كانت حياتي الطاهرة تتناثر مثل الرمال بين أصابعي.. لكن الألم الذي كنتُ أُعانيه الآن لم يكن جسديًا فقط، بل كان يتسلل إلى روحي...

 

شعرت بالخيبة الكبيرة.. ليس فقط من خورخي.. ولكن من نفسي أيضًا.. لقد خذلت نفسي وخذلت والداي.. كنتُ أتمنى أن أكون أقوى وأكثر حذرًا.. لكن كنتُ مسكينة مُغرمة..

 

بينما كنتُ أندب ما فات..  قررت أن أُقاوم.. ليس من أجلي.. بل سأُقاوم من أجل والدي ووالدتي..

 

حين انتقلت إلى الغرفة في ذلك الفندق الفاخر لم أتخيل أنها ستكون هذه الغرفة هي نهايتي..

 

والآن أنا هنا في غرفة نومي في قصر والدي.. ولكن أنا الآن وحيدة.. أجلس على الأرض الباردة وأحاول فهم كيف وصلت إلى هذا الحال..

 

مسحت دموعي وتمتمت لنفسي قائلة بحزن

 

" أنا لا أستحق كل هذا.. لا أستحق ما حدث معي الليلة "

 

حاولت تجاوز الألم.. ولكن كانت الجراح أعمق مما يمكن أن أتحملها.. وقفت ببطء ونظرت بتصميم أمامي.. مسحت دموعي بعنف على وجنتاي وهمست بتصميم

 

" أُقسم بأنني لن أسمح لأي رجل بأن يقترب مني مُجدداً.. سأكون قوية.. وسوف أحيا بدون الحب الذي يمكن أن يؤذيني بهذه الطريقة المؤلمة.. لن أُسلم قلبي لأي رجل.. ولن أتزوج.. وأبي ليون لن يكتشف أبداً ما حدث معي الليلة.. سأحميه بروحي وأحمي والدتي بدمائي "

 

دخلت إلى الحمام وخلعت ملابسي ورميتُها في سلة المُهملات.. نظرت إلى جسدي ورأيت بروح ممزقة علامات قبلات ذلك الرجل مُنتشرة في كل مكان على جسدي..

 

بروح فارغة ومُحطمة تأملت تلك العلامات الواضحة على عنقي وصدري.. استدرت ببطء ودخلت إلى حوض الاستحمام.. وبدأت استحم.. ولكن عندما انتهيت من غسل شعري بدأت أفرك جسدي بعنف لأمسح علامات ذلك الرجل وكل قبلة وضعها على جسدي..

 

بشرتي أصبحت حمراء اللون مثل الدم.. ولم أتوقف عن فرك بشرتي بعنف بالصابون حتى التهبت بشرتي وكنتُ على وشك سلخها..

 

ذلك الرجل الغريب حطمني الليلة.. ووجهه انحفر في مُخيلتي إلى الأبد..

 

عندما انتهيت من الاستحمام ارتديت قميص نوم وتسطحت على السرير.. نظرت بشرود أمامي وقررت أن أقاوم اليأس والحزن.. قررت أن أستعيد حياتي وأنظر إلى المستقبل بعيون جديدة..

 

كنتُ أعلم بأنني سأحمل آثار هذه الليلة الرهيبة طوال حياتي.. لكن قررت أن أبني نفسي من جديد.. أن أكون أقوى وأكثر حكمة..

 

بعد مرور شهر**

 

كانت الغرفة الفاخرة في قصر ليون كاريلو تمتلئ بالأثاث الراقي والألوان الدافئة.. وكانت ساريتا تجلس وحيدة في الصالون.. تمسك هاتفها الخلوي وتتفحص مواقع التواصل الاجتماعي.. كانت الأفكار تتجاوزها بشكل متسارع.. وكانت تبحث عن ملجأ آمن بين صفحات الإنترنت لتخفيف حمل الأحداث الأليمة التي حدثت لها منذ شهر..

 

فجأة دخل والدها ليون برفقة والدتها روزا.. وجلسوا بجوارها.. كان الهدوء يخيم في الغرفة.. وكأن الهواء نفسه احترم هذا اللحظة الفاصلة..

 

نظرت إلى والداي بنظرات مُتعجبة.. وضعت هاتفي على الطاولة الصغيرة أمامي ولم أتوقف عن النظر إلى والدي ثم إلى والدتي بقلق..

 

تنهد والدي ليون بقوة.. ثم قال بصوتهِ الرصين

 

" ساريتا.. لدينا أمر ضروري نحن نرغب في مُناقشتهِ معكِ "

 

رفعت رأسي ببطء ووجدت نفسي تحت تأثير الأنظار الجادة لـ والداي.. شعرت بالخوف بأن يكون والدي ليون قد اكتشف ما حدث معي في تلك الليلة منذ شهر.. تسارعت أنفاسي ونبض قلبي بعنف.. بلعت ريقي بقوة وسألتهُ بتوتر

 

" ما الأمر؟ "

 

أخذ والدي ليون نفساً عميقاً قبل أن يتكلم.. تأملني بنظرات متوترة وقال بهدوء

 

" لقد اقترب عيد زواجنا الثلاثين.. قررت أنا ووالدتكِ القيام برحلة سياحية لمدة شهر أو أكثر قليلا.. نحن نريد قضاء هذا الوقت معًا.. نريد استعادة اللحظات السعيدة وتجديد الرومانسية "

 

تنفست براحة ولكن تأملت والدي بتعجُب


رواية المتادور - فصل 6 - الصدمة

 

ثم سألته

 

" رحلة سياحية؟.. ولم تبلغني عنها من قبل؟ "

 

أجابت والدتي روزا بابتسامة تحاول إخفاء قلقها

 

" لقد قررنا في اللحظة الأخيرة "

 

بالطبع كنتُ سعيدة من أجلهما.. ولكن شعرت بالخوف بأن أبقى هنا بمفردي دون حماية والدي.. ما جعلني قوية طيلة هذا الشهر هو وجود والدي وأمي بجانبي.. في هذه الفترة أحتاج إليهما وبشدة..

 

وفكرة بُعدهما عني لفترة طويلة أرعبتني قليلا.. نظرت إلى والدي وسألتهُ بتوتر

 

" لكن ماذا عني؟.. هل تتركوني هنا بمفردي؟ "

 

ابتسم والدي برقة وأجابني بسرعة

 

" بالطبع لا ابنتي "

 

ثم أمسك يدي وحضنها بيده وقال بنبرة حنونة

 

" لقد اتصلت بصديقي بيدرو استرادا.. وطلبت منه أن يستضيفك في قصره خلال غيابنا.. أنا أثق به ثقة عمياء.. سوف يعتني بكِ جيداً ويحميكِ ويهتم بكِ "

 

رغم أنني كنتُ خائفة من ابتعاد والداي عني إلا أنني أبديت اعتراضي على هذا القرار.. إذ قلتُ لوالدي بثقة

 

" أبي.. أنا لستُ طفلة.. أنا في الرابعة والعشرين.. وأستطيع الاعتناء بنفسي "

 

لكن والدي ليون أبى أن يستمع إلى اعتراضي.. إذ قال بتصميم

 

" لا أريد أن تبقي هنا بمفردك.. وعلاوة على ذلك.. أريدُكِ أن تتعرفي على صديقي بيدرو وزوجته.. بيدرو رجل رائع وسيكون في غاية الاهتمام برعايتك "

 

شعرت بالغضب يتصاعد في داخلي.. ولكن حاولت التحكم في مشاعري.. نظرت إلى والدي بحزن وقلتُ له بثقة

 

"  لا أحتاج إلى رعاية.. أنا بخير هنا.. ولدي خدم وحراس يمكنهم الاعتناء بي.. أرجوك أبي لا تُرسلني إلى منزل صديقك الغريب.. لا أريد أن أبقى برفقة ناس غُرباء "

 

رفض والدي ليون اعتراضي وقال بتصميم

 

" لقد قررت بالفعل ولن أتراجع عن قراري.. ساريتا.. ستذهبين إلى قصر بيدرو.. وهذا أمرٌ نهائي "

 

نظرت إليهِ بحزن.. كنتُ خائفة.. رغماً عني شعرت بالخوف.. أصبحت أخاف من الناس وخاصةً الرجال.. وطيلة هذا الشهر لم أخرج من قصر والدي إلى أي مكان.. كنتُ أشعر هنا بالأمان.. وأحاول نسيان ما حدث معي..

 

لم أستطع الاعتراض أكثر.. لا أريد أن يحزن والدي مني.. لذلك استسلمت وهمست بحزن بينما كنتُ أقف

 

" حسنًا.. كما تريد أبي "

 

وركضت إلى غرفتي أحتمي بها..

 

بعد مرور أربعة أيام**

 

السيارة توقفت أمام البوابة الفاخرة لقصر ميغيل استرادا.. وكان السائق سانشيز قد ترجل وفتح الباب وانتظرني ليساعدني على النزول.. خرجت من السيارة بحذر وقد كنتُ قلقة للغاية.. هواء القصر الرفيع يلفني من جميع الجهات بينما كنتُ أتأمل في مدى روعة الهندسة والفن في الهيكل الضخم..

 

في الأمس اتصل بي شخصيا صديق والدي بيدرو استرادا.. وقال بأنهُ سيرسل لي سائقهُ الخاص ليأخذني إلى قصر ابنهِ ميغيل.. شعرت بالخوف بسبب ذلك فقد كان والدي قد سافر برفقة والدتي منذ ساعات.. وعرفت متأخرة بأنني لن أكون في قصر صديقهُ بيدرو بل في قصر ابنه والذي يُدعى ميغيل..

 

اعتذر السيد بيدرو مني على الهاتف وقال  بأنهُ سافر في الأمس إلى مدريد برفقة زوجته.. وطلب مني أن لا أخاف من ابنه ميغيل لأنهُ رجل مُحترم وسيعتني بي جيداً ويحميني في فترة غياب والداي..

 

كانت الساعة الحادية عشر صباحًا.. كان توهج أشعة الشمس على الواجهة الرخامية للقصر تجعلهُ يبدو خرافيًا.. رفعت رأسي بخجل وتأملت في الجمال الأثري للمكان.. لكن السكون الجميل تمزق عندما وقف أمام المدخل رجل لم أستطع نسيانه منذ تلك الليلة..

 

لم أكن أتوقع هذا اللقاء.. بل لم أتوقع أبداً رؤية هذا الرجل مرة أخرى.. وخاصةً بعد الليلة الساخنة التي قضيتُها معهُ في ذلك الفندق في مدينة ماردة.. وعصفت الحقيقة المُخيفة في رأسي.. هذا الرجل الذي يقف أمامي الآن ويشتعل من شدة الغضب ليس سوى ميغيل ابن بيدرو استرادا..

 

وهذه الحقيقة أرعبتني للموت.. شحب وجهي بشدة وتجمدت بصدمة كبيرة أمامهُ.. لم أستطع التفوه بحرفٍ واحد بينما كان هذا الرجل يقوم بإهانتي ووصفي بألفاظ مسيئة جداً ومُهينة..

 

وعندما حاولت الدفاع عن نفسي دفعني بقوة لأسقط على الأرض بعنف.. سقطت على مؤخرتي وشعرت بألمٍ فظيع بها.. أسندت ثقل جسدي بكلتا يداي على الأرض ونظرت بذهول إلى الرجل الواقف أمامي وهو على وشك أن ينفجر من الغضب..

 

حاولت تجاوز الصدمة بينما كان ميغيل يُهينني بكلماته ويُطالبني بالرحيل.. لم أكن أعلم ماذا سيفعل عندما يكتشف من أكون..

 

كيف يمكنهُ أن يكون بهذه القسوة بينما هو يتحمل مسؤولية كبيرة بسبب ما حصل لي.. فهو أخذ عذريتي بطريقة تشبه الاغتصاب.. لم أكن أعلم إن كان يعرف بأنني كنتُ مُخدرة في تلك الليلة.. وكنتُ خائفة جداً بأن يكون يتعامل شخصيا مع ذلك الحقير سوتو..

 

ميغيل استرادا ظهر الآن أمامي كوحش قاسٍ ومُرعب.. وبينما كان السائق سانشيز يُساعدني لأقف اتخذت قراري.. ليس مُرحباً بي هنا.. وكان عليّ الرحيل والعودة إلى قصر والدي..

 

ولكن تجمدت في مكاني عندما هتف ميغيل بصدمة كبيرة

 

" أنتِ ابنة ليون كاريلو؟ "

 

توسعت عيناي ونظرت إليهِ بذهولٍ تام.. ظهر في عيون ميغيل بريق من الغضب والقرف.. كان يعتقد بأنني امرأة أخرى.. لقد ظن بأنني أتيت لأبتزه وأطلب منهُ المال.. لكن الآن.. وفي هذه اللحظة.. أصبحت ساريتا كاريلو لديه.. وهذه الحقيقة شكلت صدمة كبيرة بالنسبة له.. فهو يعتقد بأنني امرأة رخيصة أفتقر إلى الأخلاق..

 

بينما كنتُ أحاول مثلهُ تجاوز الصدمة وأجد كلمات للتعبير والدفاع عن نفسي.. امتدت يد ميغيل بسرعة وامسكت معصمي بلا رحمة.. وجذبني الحقير بقوة خلفه لندخل إلى قصره..

 

صعدنا السلالم بسرعة وكأن الزمن كان يجري بسرعة هائلة في هذه اللحظة المليئة بالتوتر والكراهية.. دخلنا إلى ممرات القصر بخطى ثقيلة.. لم يترك لي فرصة لألتفت إلى جمال الديكور أو التفكير في الفخر الذي قد يشعر به أحد أثرياء إسبانيا في منزله..

 

بماذا أفكر الآن بينما هو يجرني خلفهُ بهذه الطريقة الهمجية؟.. ربما لأنني مهندسة ديكور أهتم برؤية تصاميم القصور وهندستها وديكورها..

 

وبينما كانت ساريتا شاردة بتفكيرها وصلوا إلى باب مكتب ميغيل.. فتحهُ بسرعة ودفعها بعنف داخل الغرفة.. على وقع الدفعة تعثرت ساريتا وسقطت على الأرض أمامه.. لقد شعرت بسقوط الدموع من عينيها بينما انكفأت على ركبتيها.. كان ميغيل وحيدًا هنا معها يتفوق بقوة عليها..

 

نظرت إليه بحقد بينما كان يجلس قرفصاء أمامي وهو يتأملني بنظرات حاقدة مُرعبة..


رواية المتادور - فصل 6 - الصدمة


قرب وجهه مني وقال بحقدٍ كبير

 

" ابنة المليونير ليون كاريلو تبيع عذريتها مُقابل المال.. أليس هذا غريباً؟ "

 

بلعت ريقي بقوة وحاولت الوقوف.. لكن لم أكن قادرة على الحفاظ على توازني.. رفعت رأسي ونظرت إليه بكبرياء.. وحاولت التحدث قائلة

 

" أنا لســـ.. "

 

لكن الأحمق قاطعني هاتفاً بقسوة

 

" لا أريد سماع أكاذيبكِ.. أصبح واضحاً لي الآن بأنكِ فتاة متهورة ورخيصة ومُدللة لدرجة أنكِ مرغتِ شرف والدكِ بالوحل "

 

توسعت عيناي بذهول.. والصدمة جمدتني ولم أستطع فتح فمي والتكلم..

 

وقف الغبي وأمسك ذراعي ورفعني بعنف لأقف أمامهُ.. سحب يدهُ بقرف عن ذراعي وعاد وهتف بوجهي بحقد جنوني

 

" هل يعرف والدكِ بما فعلته؟.. بالطبع لا.. المسكين لا يعلم بأن ابنتهُ عاهرة وساقطة وليس لديها شرف "

 

كلماته هبطت كالسيوف الحادة على قلبي.. وبسبب صدمتي من كلماته رفعت يدي عاليا وصفعتهُ بكامل قوتي على وجنته..

 

شهقت بفزع عندما التف رأسهُ إلى جهة اليسار.. نظرت إلى يدي بذعر ثم أخفضتُها وخبأتُها خلف ظهري بردة فعل عفوية..

 

وقفت جامدة في مكاني أنظر إليه بذعر.. رأيتهُ يُحرك رأسهُ ببطءٍ شديد.. وتجمدت عينيهِ على وجهي وكان يتأملني بعينين مليئتين بالغضب.. في الحقيقة كنتُ أستطيع رؤية النيران تخرج من عينيه..

 

وبذعر أحرق روحي سمعتهُ يهمس بحدة من بين أسنانه

 

" سأقتلكِ أيتها الرخيصة لأنكِ صفعتني "

 

وقبل أن يتحرك ويقترب مني صرخت بذعر واستدرت وحاولت الهروب منه.. ولكنهُ أمسك ذراعي بقوة وجذبني إلى الخلف بعنف وأدارني بقسوة ليرتطم صدري بصدره..

 

رفعت رأسي ونظرت إليه بفزع.. أخفض وجههُ ونظر في عمق عيناي بنظرات أرعبتني للموت.. وعاد وهمس بكرهٍ كبير

 

" سأقتلكِ أيتُها العاهرة "

 

في هذه اللحظة.. بدا وكأن ميغيل قرر أن يتخذ خطوة قاطعة في تحديد مصيري بدون أي رحمة أو تفهم.. وبسبب خوفي الكبير منه بدأت أصرخ ورفعت كلتا يداي وبدأت أضربهُ على صدره وأحاول دفعهُ بعيداً عني..

 

ولكن فجأة توقفت عن ضربه وتجمدت بين ذراعيه بذعر عندما انفتح الباب وسمعت صوت امرأة تهتف بدهشة كبيرة

 

" ميغيل.. حبيبي.. ما الذي يحدث هنا؟! "

 

التفت بسرعة ونظرت باتجاه الباب.. رأيت امرأة جميلة تقف وهي تتأملنا بنظرات مذهولة.. رفعت رأسي ونظرت إلى ميغيل.. رأيتهُ ينظر بخوف وبتوتر إلى تلك المرأة..


رواية المتادور - فصل 6 - الصدمة

 

فجأة دفعني لأبتعد عنه.. ووقف جامداً ينظر إلى تلك المرأة.. نظرت إليه بغضب وفكرت بحقد.. هذا الحقير لديه حبيبة.. ورغم أنهُ يحبها لقد دفع القذر مبلغاً كبيراً من المال ليحصل على عذريتي..

 

في هذه اللحظة لعب الشيطان في عقلي وقررت أن أنتقم منه.. سأنتقم منهُ لأنهُ سلبني عذريتي بتلك الطريقة.. وسأنتقم منهُ لأنهُ أهانني اليوم.. كما سوف أبتزهُ بالفعل حتى أجعلهُ لا يفتح فمهُ بكلمة واحدة أمام أبي عن ما حصل بيننا في تلك الليلة..

 

ابتسمت بخبث عندما رأيت تلك المرأة تقترب لتقف أمامي وأمام ميغيل.. نظرت إليّ بنظرات تشتعل من الغيرة.. كتفت يديها على صدرها وقالت بحدة

 

" أنا أنتظر تفسيراً منك ميغيل.. من تكون هذه الفتاة؟.. ولماذا كنتَ تحتضنها منذ قليل؟ "

 

نظرت إلى ميغيل ورأيتهُ ينظر إليّ بطريقة وكأنهُ يتوسل بها حتى لا أفتح فمي وأُخبر حبيبتهُ بما فعلهُ بي في تلك الليلة.. رفعت حاجبي عاليا ونظرت إليه بغرور وبغضب..

 

بلع ميغيل ريقهُ بقوة وقال بصوتٍ مهزوز

 

" مارتا.. حبيبتي.. هذه الفتاة.. هي.. تكون... "

 

اقتربت بسرعة ووقفت أمام حبيبتهُ مارتا وصافحتُها بقوة وقلتُ لها بسعادة

 

" سنيوريتا مارتا.. تشرفت بمعرفتكِ.. أنا ساريتا كاريلو ابنة ليون كاريلو.. والدي هو صديق المُقرب من عمي بيدرو "

 

سحبت يدي من يدها ورأيتُها تتأملني بنظرات مُندهشة إذ يبدو بأنها سبق وسمعت باسم والدي طبعا.. ابتسمت بوسع ووقفت بجانب ميغيل وأمسكت يدهُ ووضعت رأسي على كتفه وسط نظراتهِ المصدومة..

 

ابتسمت بشر بداخلي بينما كنتُ أنظر إلى حبيبته بسعادة وقلتُ لها

 

" ميغيل بالنسبة لي شقيقي "

 

سمعت ميغيل يسعل بقوة بينما كان يحاول ابعادي عنه بقرف دون أن تنتبه حبيبته.. رفعت رأسي عن كتفه ونظرت إليه بتهديد.. تجمدت عينيه على وجهي بصدمة كبيرة فابتسمت بخبث وغمزته ثم ابتعدت عنهُ قبل أن يفقد أعصابهُ ويرميني بعيداً عنه..

 

نظرت إلى حبيبتهِ المُندهشة وقلتُ لها ببراءة

 

" لقد كلمني ميغيل عنكِ كثيراً.. أنتِ فعلا جميلة كما أخبرني.. بل أنتِ أكثر جمالا مما وصفكِ "

 

ابتسمت الغبية بسعادة بينما كانت تنظر إلى حبيبها الخائن واللعين.. سأنتقم منهُ شر انتقام لهذا الغبي..

 

سمعت مارتا تُكلمني بخجل

 

" حقاً!.. أعني حبيبي ميغيل أخبركِ عني! "

 

اقتربت ووقفت أمامها وقلتُ لها بسعادة

 

" نعم.. بالطبع أخبرني عنكِ.. عندما كنتُ صغيرة كان ميغيل يأتي إلى قصر والدي برفقة عمي بيدرو.. وأصبح منذ ذلك الوقت بمثابة شقيقي.. والآن والداي سافرا إلى الخارج فطلب مني ميغيل أن أبقى هنا برفقته ليهتم بي ويحميني.. فهو يخاف عليّ كثيراً لأنهُ يعتبرني شقيقتهُ الصغيرة "

 

ابتسمت مارتا واقترب من حبيبها الخائن وقبلتهُ على خده ثم قالت لهُ بنعومة

 

" حبيبي.. لماذا لم تُخبرني سابقاً عن ساريتا؟ "

 

تجمدت نظراتهِ الغاضبة على وجهي.. ونظراتهِ تلك أرعبتني بشدة.. ولكن وقفت أمامهُ أنظر إليه بكبرياء.. وتحديتهُ بنظراتي ليخبر حبيبتهُ الحقيقة.. ولكن اللعين تأملني بنظرات متوعدة أرعبتني..

 

أبعد ميغيل حبيبتهُ عنهُ قليلا وقال لها بجدية

 

" مارتا.. انتظريني هنا قليلا.. سوف أُرافق ساريتا إلى.. غرفتها لتستريح.. وبعدها سأعود ونتكلم "

 

اقترب القذر مني وأمسك ذراعي بقوة ودفعني لأمشي أمامهُ.. كتمت شهقة الألم.. وقبل أن نخرج من الغرفة نظرت إلى الخلف باتجاه حبيبته الحمقاء وهتفت قائلة لها

 

" أراكِ قريباً سنيوريتا مارتا "

 

ضحكت مارتا بسعادة وقالت

 

" حسنًا ساريتا.. يمكنكِ مناداتي مارتا فقط من دون لقب سنيوريتا "

 

سمعت الخائن يشتم بهمس ودفعني أمامهُ لأمشي.. وما أن خرجنا من الغرفة أغلق الباب بسرعة وجذبني بعنف ولطم ظهري على الحائط وحاصرني بجسدهِ الضخم..

 

رفعت رأسي ونظرت إليهِ بخوف رغماً عني.. كان وجههُ قريب جدا من وجهي.. لدرجة أنفاسهِ الغاضبة أحرقت بشرتي.. ورغماً عني تذكرت قبلاته وكيف امتلكني في تلك الليلة..

 

تأملني ميغيل بنظرات غاضبة وهمس بحدة وبتهديد

 

" سوف تندمين أيتُها الساقطة.. ما الذي جعلكِ تفكرين أنه بإمكانكِ الدخول إلى حياتي بهذه السهولة؟.. سأحول حياتكِ إلى جحيم أيتُها الرخيصة.. ومنذ هذه اللحظة أصبحتِ تحتَ رحمتي "

 

توسعت عيناي بذعر بينما كنتُ أنظر إلى عينيهِ المُخيفة.. وضع يديه على خصري وبصدمة كبيرة رأيتهُ يرفع جسدي ورماني على كتفه وبدأ يمشي بخطوات سريعة نحو السلالم..

 

ووسط ذهولي الشديد دخل إلى غرفة نوم ورماني على السرير ثم استدار ومشى باتجاه الباب.. سحب المفتاح وقال قبل أن يُغادر الغرفة

 

" استمتعي في سجنكِ الحالي أيتُها الرخيصة.. لقد أدخلتِ نفسكِ في لعبة أنتِ لستِ من مستواها ولن تخرجي منها بسهولة "

 

وغادر الغرفة وسمعتهُ يُقفل الباب بالمفتاح.. وعرفت هنا بأنني لن أنجو بسهولة من غضب ميغيل استرادا...

 

 

لينيا هارفين**

 

لينيا هارفين خرجت من القاعة الكبيرة بين حراس العشيرة.. والهمسات والنظرات الساخرة انطلقت وراءها كظلال مُظلمة.. كانت تلك القاعة المليئة بأفراد عشيرة دي غارسيا.. والذين غلبوا على الصمت الذي ساد بعد قرار المتادور بفرض الإقامة الجبرية على لينيا لفترة أسبوعين في المبنى التابع للقصر حتى تعترف بحقيقة ما حدث في تلك الليلة المشؤومة..

 

كل خطوة كنتُ أخطوها كانت تثقل قدماي تدريجيًا وأشعر بثقلها على قلبي.. الحُراس يراقبونني بانتظام.. وكأن لديهم القدرة على قراءة أعماق روحي..

 

دخلت إلى الغرفة التي كنتُ بها سابقاً وعلى الفور أغلقوا الحُراس الباب.. هنا تأملت الغرفة لأول مرة.. جدرانها البيضاء تعكس ضوء الشمس الذي يتسلل من النافذة الصغيرة.. وهي توفر نسمات من الهواء النقي.. الأثاث الأساسي يتكون من سرير بسيط وصغير.. يتوسط الغرفة طاولة صغيرة مُستديرة وكُرسي قديم.. ويوجد خزانة صغيرة في زاوية الغرفة.. رغم بساطة الأثاث.. إلا أن الغرفة تحمل جوًا من الغموض والتوتر.. والذي يظهر جليًا في الهمس الذي يملأ الأجواء..

 

خلعت سترتي ووضعتُها على الكُرسي ثم جلست على السرير تحت ضغط لا يُحتمل.. أخفضت نظراتي ونظرت بحزن إلى شرشف السرير..


رواية المتادور - فصل 6 - الصدمة

 

بدأت الدموع تتساقط ببطء على وجنتاي.. كل قطرة تحمل وزن الأحداث التي مررت بها.. تذكرت تلك الليلة المظلمة مع بينيتو.. لكن لم أتمكن من التعبير عن تلك اللحظات الأليمة.. فقط دموعي الحارقة عبرت عن مدى حُزني..

 

تذكرت تلك الليلة بوجعٍ كبير.. ذكريات تلك الليلة ظهرت أمامي كمشهد لا يُصدق..

 

ارتعش جسدي بعنف وشعرت بالحزن والألم.. كنتُ الآن أختبر أوجاع تلك الليلة مرة أخرى.. الصمت الحالك يكون أعظم أثناء الألم.. وكل جزء من جسدي كان يئن تحت العبء.. لم يعد لدي القدرة على كبح المشاعر التي تريد الخروج بجميع ألوانها..

 

شهقت بقوة ووقفت.. نظرت باتجاه اليمين ورأيت الحمام الصغير أمامي.. لم يكن هناك حوض للاستحمام.. ولكن على الأقل كان يوجد مِرشّ.. أتمنى أن يكون هناك ماء ساخن..

 

دخلت إلى الحمام وطبعا لم يكن يوجد باب ليحفظ خصوصيتي.. ولكن طبعا لن يدخل أحد إلى الغرفة دون إذن المتادور..

 

تنهدت براحة عندما وجدت أنهُ يوجد مياه ساخنة.. خلعت ملابسي ووضعتُها جانباً.. ثم بدأت أستحم..

 

كنتُ بحاجة ماسة لاستحم حتى أُريح عضلاتي المتشنجة.. عندما انتهيت من الاستحمام نظرت أمامي بحزن إذ لم أجد مناشف نظيفة.. لم يكن يوجد سوى منشفة واحدة متوسطة الحجم.. أمسكت المنشفة وجففت أولا جسدي ثم شعري..

 

ولكن فجأة سمعت صوت باب الغرفة ينفتح بهدوء وبعدها سمعت خطوات في الغرفة.. شعرت بالذعر الشديد إذ كنتُ ما زلتُ عارية..

 

نظرت بفزع باتجاه ملابسي والتي وضعتُها على غطاء المرحاض.. ولكن كان الوقت قد تأخر لأمسك ملابسي وأرتديها.. وبيدين مُرتعشتين لففت المنشفة على جسدي ونظرت بذعر أمامي...

 

تجمدت نظراتي على عينيهِ الجميلتين.. كان يقف أمامي وهو جامد في مكانه ويتأملني بنظرات غريبة...


رواية المتادور - فصل 6 - الصدمة

 

نبض قلبي مليون نبضة في الثانية الواحدة.. وذاب قلبي بالعشق بسبب نظرات المتادور والتي كان يتأملني بها..

 

كان قد بدل ملابسهُ.. إذ كان يرتدي قميص أزرق اللون جعل عينيه أكثر زرقة ورونقاً..

 

لم أستطع ابعاد نظراتي عن عينيهِ الساحرتين بينما كنتُ أرتجف أمامهُ.. ليس من البرد طبعاً.. كنتُ أرتجف من عشقي له وجماله الذي سحرني..

 

فجأة أشاح المتادور نظراتهِ بعيداً عني وسمعتهُ يهمس بتوتر

 

" آسف سنيوريتا.. لم أقصد التطفل.. لم أكن أعلم بأنهُ لا يوجد باب للحمام في هذه الغرفة.. لو سمحتِ ارتدي ملابسكِ.. سأخرج من الغرفة وسأعود في ظرف عشر دقائق "

 

وخرج مُسرعاً من الغرفة بينما ظللت واقفة في مكاني أرتجف.. سمعتهُ يهتف بغضب على الحُراس في الخارج ويأمرهم بجلب النجار بسرعة إلى هنا..

 

أفقت من جمودي وشهقت بقوة.. حاولت تهدئة قلبي وجعلهِ ينبض بهدوء.. لكن فشلت.. ارتديت ملابسي بسرعة ووقفت في وسط الغرفة أنتظر دخول المتادور..

 

سمعت طرقات خفيفة على الباب وبعدها سمعت المتادور سلفادور يسألني من خلف الباب

 

" سنيوريتا.. هل يمكنني الدخول الآن؟ "

 

نظرت إلى الباب بخجل وبطريقة حالمة.. هذا الرجل يستحق كل نبضة من نبضات قلبي.. فهو يجعلني أعشقهُ أكثر في كل دقيقة..

 

بلعت ريقي بقوة وأجبته برقة

 

" نعم سنيور.. يمكنك الدخول "

 

انفتح الباب ودخل المتادور إلى الغرفة.. لدهشتي رأيت حارس خلفهُ يدخل ووضع حقيبة ملابسي على الأرض ثم استأذن وغادر الغرفة وأغلق الباب خلفه..

 

نظرت إلى حقيبتي وتذكرت بحزن ما حدث معي في ذلك اليوم.. نظرت إلى سلفادور ورأيتهُ يقف أمامي وهو يتأملني بنظرات لم أستطع فهمها..

 

تنهد المتادور بخفة وقال

 

" هذه حقيبة ملابسكِ.. لم يتم لمسها.. أما حقيبة يدكِ وجواز سفركِ وأوراقكِ الثبوتية.. وطبعا هاتفكِ الخلوي.. لن يتم تسليهم لكِ إلا عندما تعترفين بالحقيقة "

 

اقترب المتادور خطوة باتجاهي وقال بنبرة هادئة

 

" سنيوريتا.. إن كنتِ خائفة من أحد لذلك لا تستطيعين التفوه بالحقيقة أمامنا.. أعدكِ بأنني سأحميكِ ولن أسمح بأن يؤذيكِ أحد.. يمكنكِ أن تثقي بي.. أخبريني بحقيقة ما حدث "

 

نظرت إليه بحزن.. وحتى أتهرب من الإجابة قلتُ له

 

" كيف تريديني سنيور دي غارسيا أن أثق بك بعد ما فعلتهُ بي؟.. لقد جلبتني إلى قريتك بطريقة مُلتوية.. وجعلتني أقف منذ قليل أمام رجال عشيرتك وجدتك.. لقد تم مُعاملتي وكأنني مُجرمة خطيرة "

 

تنهد سلفادور بقوة وقال بنبرة حزينة

 

" كان يتوجب عليّ جلبكِ إلى هنا ومعرفة الحقيقة منكِ.. تم تسجيل اعترافكِ بالكامل أثنان التحقيق في تلك الليلة.. سمعت جميع التسجيلات سنيوريتا.. لقد قلتِ بأن بينيتو كان في منزلكِ في تلك الليلة لأنكِ كنتِ تعطينهُ دروس خصوصية.. "

 

توقف المتادور عن التكلم واقترب خطوة أخرى باتجاهي.. نبض قلبي بعنف وشعرت بالذعر عندما تابع المتادور قائلا بغضب بينما كان ينظر إليّ بعيون تنقلب بين الغضب والتحدي مثل عاصفة في عين الإعصار

 

" أنا وأنتِ نعلم جيداً بأن اعترافكِ هذا كذب بكذب.. بينيتو كان متفوق بدراسته ولم يحتاج في حياتهِ كلها إلى مُدرس خصوصي "

 

نظرت إليه بعينين تعبس من الألم والخوف.. ولم أستطع التكلم والاعتراف له بشيء.. الصمت الذي تحكمت به رغم الضغط كان يرفع من قدرة الغرفة على استيعاب التوتر..

 

قال المتادور بصوت منخفض

 

" إن كنتِ لن تتكلمي والتزمتِ بصمتكِ وعدم الدفاع عن نفسكِ.. فلا أستطيع حمايتكِ سنيوريتا.. لكنكِ ستتحملين تبعات صمتكِ هذا "

 

نظرت إليه بحزن وأجبته بصوتٍ مبحوح

 

" ليس لدي ما أقوله.. لقد اعترفت بما حصل عندما حققوا الشرطة معي في تلك الليلة.. آسفة متادور "

 

تجمدت نظراتهِ على وجهي ورأيتهُ يحاول السيطرة على غضبه.. إذ ضم قبضتيه بقوة وقال بحدة وبخيبة أمل كبيرة

 

" إذا.. لن أستطيع حمايتكِ سنيوريتا.. ولا تلومي سوى نفسكِ بسبب ما سيحدث لكِ لاحقاً "

 

استدرا ومشى مُسرعاً باتجاه الباب.. ولكن فجأة وقف في مكانه والتفتَ ونظر إليّ بغضب


رواية المتادور - فصل 6 - الصدمة

 

وقال قبل أن يخرج من الغرفة

 

" إن غيرتِ رأيكِ ورغبتِ بقول الحقيقة لي.. أطلبي من الحارس خواكيم بأن يتصل بي.. وتذكري لديكِ مهلة أسبوعين فقط "

 

وخرج سلفادور من الغرفة بسرعة.. تركني وحدي مع صراعي الداخلي.. كانت روحي تعتصر بألم لا يوصف.. وكنتُ عاجزة عن إيجاد الكلمات التي يمكنني بها أن أصف ما أعيشهُ وأشعر به في هذه اللحظات..

 

بعد مرور أسبوع**

 

كنتُ جالسة على السرير أنظر بشرود إلى باب الحمام والذي تم تركيبهُ في ذلك اليوم عندما خرج المتادور غاضباً من غرفتي..

 

أسبوع بكاملهِ مضى منذ ذلك اليوم.. ولم أرى مرة أخرى المتادور.. كان يُرسل هاتفي الخلوي يومياً مع الحارس خواكيم لاتصل بـ والداي.. ولكن طبعا كنتُ أتكلم مع والداي عبر الهاتف تحت مراقبة خواكيم وحارس آخر..

 

لم يتبقى سوى أسبوع واحد.. وبعدها سيتم مُحاكمتي من قبل المتادور.. لم أكن أرغب بجعلهِ عدوي.. لذلك قررت الهروب من هنا..

 

اقتربت من الباب وأمسكت المقبض.. وما أن حركتهُ كتمت شهقة متفاجئة عندما انفتح الباب بسهولة.. فتحتهُ بسرعة ولدهشتي الكبيرة رأيت فقط الشاب خواكيم يجلس على كُرسي أمامي..

 

ابتسمت بتوتر وقلتُ له بتلعثم

 

" هــ.. هو.. أنا.. أقصد.. الباب كان مفتوحاً.. عليك أن تقفلهُ بالمفتاح "

 

أغلقت الباب بقوة وأسندت ظهري عليه ثم أغمضت عيناي وبدأت بلوم نفسي.. غبية لينيا.. بالطبع لن أستطيع الهروب من هنا.. لن يسمحوا لي بذلك..

 

نظرت أمامي بذهول عندما سمعت خواكيم يضحك بمرح ثم هتف من خلف الباب قائلا

 

" سنيوريتا لينيا.. يمكنكِ الخروج من الغرفة والتجول في القرية.. هذه أوامر المتادور.. لقد سمح لكِ بالتجول في القرية على راحتك.. ولكن طبعا لا يمكنكِ مغادرتها.. وطبعا غير مسموح لكِ من الدخول إلى المتاجر.. وأنا شخصياً لا أنصحكِ بفعل ذلك.. أهالي القرية غاضبون منكِ جداً.. وسوف يراقبونكِ عن كثب ولن يسمحوا لكِ بالهروب "

 

نظرت أمامي بسعادة ثم استدرت بسرعة وفتحت الباب وهتفت بفرح

 

" هل أنتَ جاد خواكيم؟.. يمكنني الخروج من هذه الغرفة؟ "

 

ابتسم برقة وأجابني باحترام

 

" نعم سنيوريتا.. أوامر المتادور اليوم كانت واضحة للجميع.. كما أنهُ منع أي أحد من الاقتراب منكِ وأذيتكِ "

 

ابتسمت بسعادة لا توصف وركضت نحو الطاولة الصغيرة ثم أمسكت بفرشاة الشعر وبدأت بتسريح شعري بينما كنتُ أبتسم بسعادة..

 

أسبوع مضى.. وهدوء الغرفة القاتمة أصبح أشدّ ارهاقاً.. إلى أن حلَّت لحظة الخلاص.. تم اعطائي فرصة نادرة للاستراحة من قيود هذه الغرفة.. وكانت خطواتي الأولى نحو الحرية..

 

خرجت بحذر من باب الغرفة وكان الحارس خواكيم ينتظرني بابتسامة مُشجعة.. وكلمني باحترام وبتفهم قائلا

 

" سنيوريتا.. سأرافقك إلى الخارج.. ولكن أوامر المتادور لكِ بأن لا تبتعدي كثيراً عن القصر.. وعليكِ بالعودة إلى هنا قبل غروب الشمس "

 

أومأت موافقة وخرجنا معًا من المبنى الضخم إلى الهواء الطلق.. حيث أشرقت الشمس بنورها ودفئها على القرية الجميلة.. استنشقت الهواء بعمق وشعرت بالنسمات اللطيفة تلامس وجهي.. لم يكن الهواء فقط يلمس خدودي.. بل كان أيضًا لمحة من الحرية المؤقتة بالنسبة لي..

 

تجولت بحرية بين شوارع القرية.. تسلقت تلة صغيرة للوصول إلى منحدر.. حيث كانت الطبيعة الخلابة تُظهر جمالها.. وأثناء هذا الارتفاع كان الأفق يُظهر لي جمالًا لا مثيل له..

 

تابعت السير نحو شوارع القرية.. لكن حين نظرت حولي لأتمتع باللحظة.. لم تكن هذه اللحظة بمنأى عن همومي..

 

في البداية بدت الأمور عادية.. لكن كلما اقتربت من سكان القرية زاد الجفاء والاستهجان.. كانت النظرات الكارهة ترافقني في كل خطوة وفي كل نفس أتنفسه.. واللامبالاة الباردة كانت اللغة السائدة في التعامل معي..

 

حاولت التصرف على طبيعتي.. ابتسمت لأهالي القرية أمامي وبدأت أُلقي التحية عليهم

 

" مرحباً سنيور.. صباح الخير سنيوريتا.... "

 

ولكن جميعهم نظروا إليّ باحتقار ثم ابتعدوا عني بسرعة وكأنني وباء خطير.. رغم شعوري بغصة مؤلمة في صدري قررت أن أظل قوية ولا أُخفي ابتسامتي وسعادتي في هذا النهار المميز.. ابتعدت عنهم قليلا.. ولكن مع كل خطوة كنتُ أسمع همساتهم الممتلئة بالانتقاد والاستهزاء والحقد..

 

وقفت فجأة في مكاني عندما سمعت امرأة تقول بكرهٍ شديد

 

" أنظروا إلى هذه العاهرة والقاتلة كيف تمشي في شوارع قريتنا بحرية.. ما كان يجب على المتادور العظيم أن يسمح لهذه القاتلة بالتجول في شوارعنا وبحرية "

 

نظرت إليها بصدمة كبيرة وشحب وجهي بقوة..


رواية المتادور - فصل 6 - الصدمة

 

رغم شعوري بالحزن والألم قررت أن أظل قوية.. نظرت إلى تلك المرأة وابتسمت برقة وتابعت المشي بهدوء في الشارع.. استمريت في الابتسام برغم الجليد الذي يكسو الأجواء حولي.. مشيت بخطوات ثابتة رافضة السماح للظروف بإلقاء ظلالها المُظلمة عليّ..

 

فجأة.. ظهرت طفلة صغيرة تركض بسرور نحوي..  وبينما كانت الطفلة تحمل وردة صغيرة بيدها وقفت أمامي وقالت بابتسامة بريئة

 

" سنيورا.. أنتِ جميلة جدًا "

 

ابتسمت بسعادة ورقت نظراتي وتأملت الطفلة بحنان.. انحنيت ونظرت بحبٍ كبير إلى الطفلة الجميلة أمامي.. ولكن قبل أن أتكلم معها وأشكرها.. لم تستمر هذه اللحظة في سعادتها.. إذ ركضت والدة الطفلة بسرعة وحملت طفلتها وهتفت الأم بصوتٍ مرتفع وبدت الكلمات واضحة بين سطور التهديد والاستنكار والحقد

 

" ابتعدي عن ابنتي أيتُها القاتلة.. إياكِ أن تقتربي منها مرة أخرى "

 

حاولت أن أعتذر منها ولكن تجمدت الكلمات في حلقي عندما رأيت عدد كبير من نساء القرية يركضون بسرعة ووقفوا حولنا وبدأوا يهتفون بكلمات مُهينة جداً لي..

 

إهاناتهم لي لم تكن هذه المرة بسبب أفعالي.. بل بسبب من أكون.. كانت تلك اللحظة الممتعة مع الطفلة الصغيرة قد تحولت إلى تجربة مريرة.. على الرغم من ذلك وقفت أمامهم وابتسمت.. لكن هذه المرة كانت ابتسامتي تحمل بين طياتها آلامًا عميقة..

 

فجأة توقفوا النساء عن شتمي عندما سمعوا صوت امرأة تهتف بغضب

 

" ما الذي يحدث هنا؟.. ابتعدوا من أمامي "

 

وتلك الصرخة أثارت ذهول الحشد.. تباعدت النساء بسرعة.. كما لو أنهن شعروا بالخوف بمجرد سماع ذلك الصوت.. رأيت نفسي وجهاً لوجه أمام فتاة جميلة جداً.. كانت تقف أمامي وهي تتأملني بنظرات تختلف عن سائر النساء.. كانت نظراتها أكثر حقداً وكراهية...


رواية المتادور - فصل 6 - الصدمة

 

كانت امرأة جميلة.. طويلة ورشيقة.. كأنها تعلو بسحرها فوق الجميع.. كانت تتأملني بنظرات حادة من رأسي إلى أخمص قدماي.. لتعود نظراتها وتستقر في عمق عيناي..

 

تجاهلت النساء الفارات من أمامنا وركزت عليّ بشكل مُهين.. تكلمت تلك الفتاة بصوت مُتعجرف

 

" إذاً.. أنتِ هي لينيا هارفين.. القاتلة... "

 

لم أجب عليها.. ليس لأنني خائفة منها.. بل لأنني لا أريد أي مشاكل في أول يومٍ لي من الحرية..

 

ويبدو بأن صمتي استفز تلك المرأة.. إذ اقتربت مني بخطوات سريعة ووقفت أمامي وقالت بكره

 

" ماذا أيتُها الرخيصة!.. لم يعجبكِ وصفي لكِ بالقاتلة؟ "

 

أجبتُها بهدوء.. لكن شعرت بالتوتر يسري في عروقي

 

" سنيوريتا.. أنا لا أريد التسبب بأي مُشكلة هنا.. فقط أردت التجول قليلا في شوارع القرية "

 

تأملتني بنظرات حاقدة وقالت بغضب

 

" أولا أنا سنيوريتا كارميتا دي غارسيا.. ابنة عم المتادور سلفادور دي غارسيا "

 

ثم قالت كارميتا وهي تقترب نحوي أكثر مُظهِرةً انزعاجها من وجودي في هذا المكان

 

" هل تعتقدين أنكِ ستخرجين من هنا دون أن تدفعي الثمن؟.. المتادور ليس للعبث.. لا يمكنكِ أن تعبثِ معه.. وأنتِ غير مُرحب بكِ في قريتنا "

 

نظرت إليها بذهول لكنها تابعت قائلة بحقد

 

" لقد عرفت بأنكِ قضيتِ ليلة كاملة معه في مدينة ماردة.. الجميع يعلمون هنا بأنكِ امرأة رخيصة.. ولكنني لن أسمح لكِ بلمس حبيبي.. هو لي.. سلفادور هو حبيبي وأنا حبيبته.. وقريباً سوف نتزوج.. وأنتِ لا تملكين الحق من الاقتراب منه "

 

في هذه اللحظة.. شعرت بألمٍ حاد في صدري.. تمنيت لو أن ذلك الألم يكون جسديًا فقط.. لكنه امتد إلى قلبي.. هل يمكن أن يكون المتادور على علاقة مع ابنة عمه؟.. هذا السؤال الثقيل طار بسرعة داخل عقلي محطمًا جميع آمالي وأحلامي..

 

تابعت كارميتا قائلة باستفزاز وبكره

 

" هنا في اكستريمادورا لا يوجد مكان لعاهرة مثلكِ "

 

على وجهي انعكست مشاعر متناقضة.. الألم.. والغضب.. والحزن.. وفي هذه اللحظة أصبحت وحيدة أكثر من أي وقت مضى.. بلا مأوى.. بين نساء القرية الكارهين لي.. وبين كارميتا.. الفاتنة التي أخذت مني قلب المتادور..

 

لكن لن أستسلم.. بدلاً من ذلك رفعت رأسي بكبرياء.. وقررت أن أظل قوية وأواجه التحديات القادمة.. أجبتُها بوقاحة لافتة

 

" أتمنى لكِ الزواج السريع من المتادور.. حتى لا يستنزف قلبكِ المُحطم من طاقته بسبب الأمل الفارغ.. وحتى لا يقتلكِ الانتظار.. وطبعا قبل أن يختار السنيور دي غارسيا فتاة أخرى غيركِ "

 

شهقت كارميتا بذهول بينما كانت تتأملني بصدمة كبيرة بسبب جوابي الوقح.. ثم.. بدلًا من مواصلة المشادة.. ابتعدت بخطوات ثابتة وعدت إلى المبنى التابع للقصر.. وبمجرد أن دخلت إلى غرفتي وأغلقت الباب.. سمحت لدموعي لتسيل بحرية على وجنتاي..

 

تخلصت من مظهر القوة الذي أظهرته أمام كارميتا.. وسمحت لنفسي بالبكاء.. أطلقت العنان للألم الذي حاصر قلبي بعد اكتشافي حقيقة علاقة المتادور مع ابنة عمه كارميتا..

 

بعد مرور خمسة أيام**

 

 

ولفترة خمسة أيام لم أخرج من غرفتي رغم أن المتادور قد سمح لي بذلك.. فبعد اكتشافي بأنهُ يُحب ابنة عمه تملكني الحزن والإحباط.. كان قلبي مُحطماً.. وكانت روحي تتألم..

 

كنتُ أجلس على السرير مثل المعتاد عندما تذكرت بأنهُ تبقى لي فترة يومين من المُهلة التي حددها المتادور سلفادور لأعترف بالحقيقة.. قررت أن أخرج اليوم وأستمتع قليلا بما تبقى لي من حرية..

 

خرجت من المبنى وتابعت المشي وسط نظرات الحُراس الغاضبة.. كان جداً مؤلماً لي أن أرى نظرات الكُره من جميع سُكان هذه القرية.. حتى المتادور لم يأتي للتكلم معي منذ ذلك النهار.. صحيح هو طلب مني إن رغبت برؤيته أن أطلب من الحارس خواكيم ليتصل به.. ولكن لم أفعل ذلك لأنهُ لا يرغب برؤيتي سوى إن كنتُ أريد أن أخبرهُ الحقيقة..

 

ولكن حقيقة ما حدث في ذلك اليوم لن يعرفها أحد سواي.. لا أحد...

 

وبينما كنتُ أمشي بخطى حذرة على الطريق الذي يمتد أمام القصر الضخم.. كانت الشمس تتألق في السماء الصافية.. ولكن قلبي كان ينبض بالقلق والحسرة.. وكل خطوة كانت وكأنها وداع الأخير لحريتي..

 

وجدت نفسي أمام مزرعة كبيرة تتألق في أشعة الشمس.. كان الهدوء يُخيم على المكان.. لكن أحست بشيء غير مألوف.. حين اقتربت.. لاحظت وجود خمسة رجال يتربصون بجوار المزرعة..

 

كانوا يرتدون ملابس خاصة بعُمال المزرعة.. تجاهلتهم ومشيت بهدوء.. ولكن فجأة سمعت رجل يهتف بسخرية

 

" انظروا شباب.. انها عاهرة بينيتو المرحوم.. أليست جميلة؟ "

 

أجابوه الرجال موافقين وبدأوا يتغزلون بجمالي ولكن بطريقة مُهينة وبألفاظ بذيئة.. كنتُ أعرف تمامًا نواياهم ورغم ذلك قررت تجاهلهم..

 

استدرت لأغادر المكان وأبتعد عنهم.. ولكن فجأة.. ركضوا ووقفوا أمامي وحاصروني من جميع الجهات.. نظرت إليهم بخوف وبترقب..


رواية المتادور - فصل 6 - الصدمة


فجأة.. هاجموني بعنف وتم سحبي بقوة إلى داخل الإسطبل القريب.. رموني بعنف على كومة من القش وبدأوا في التحرش بي بوحشية..

 

صرخت بذعرٍ شديد بينما كنتُ أقاومهم وأركل بقوة

 

" دعوني أيها الوحوش.. أتركوني.. ساعدوني.. ليساعدني أحد أرجوكم.... "

 

صفعت رجل وركلت آخر وبدأت أتخبط بينهم بجنون وأنا أصرخ بفزع

 

" ليساعدني أحد.. أرجوكم... ابتعدوا عني أيها الملاعين... "

 

وحاولت بكل قوتي الدفاع عن نفسي بينما كنتُ أصرخ بجنون طلباً للنجدة.. أمسك رجل ذراعاي وثبتهما خلف رأسي.. ورجل أمسك بقدمي اليمني وآخر أمسك بقدمي اليسرى.. وبدأ رجلين بتمزيق ملابسي..

 

صرخت وحاولت تحرير نفسي.. لكنهم حطموا كرامتي بلكماتهم وصفعاتهم.. ورغم ألمي صمدت وصرخت بصوت عالٍ لطلب النجدة

 

" ساعدوني أرجوكم.. النجدة... "

 

وعندما مزق رجل قميصي بدأت أبكي بشكلٍ هستيري.. وعندما انحنى الرجل ليقبلني.. فجأة تجمد وجهه على بُعد إنشات قليلة عن وجهي.. إذ سُمع صوت غاضب وصرخة حادة أفزعتهم

 

" ابتعدوا عنها في الحال "

 

قفزوا الرجال الخمسة إلى الخلف.. وترنحوا بفزع.. صدى الصوت المُهلك انتشر في الهواء.. ولم يكن هناك من يجرؤ على تحديه..

 

لملمت قطع قميصي الممزقة وسترت ما ظهر من حمالة صدري بها.. زحفت بذعر إلى الخلف فوق القش ورأيت من بين دموعي آخر شخص توقعت رؤيته هنا وينقذني..

 

وقفت الجدة رامونا بشموخ في وسط الإسطبل.. ونظرت إليّ بنظرات قلقة في البداية ثم غاضبة.. تقدمت الجدة بخطوات ثابتة وواثقة.. وعيونها تتلألأ بالغضب.. حملت قضيبًا خشبيًا بيدها القوية.. وكأنها سيف تحارب به.. وقفت أمام الرجال الخمسة ونظرت إليهم بنظرة استنكار واستهجان..

 

هتفت الجدة رامونا بصوتٍ حاد.. ظهر من خلاله قوتها وعزيمتها

 

" كيف تجرأتم على فعل ذلك بها؟ "

 

الرجال الخمسة تراجعوا قليلاً أمام تلك القوة الفاتنة.. ولكنهم لم يغادروا المكان.. بل نظروا إلى الجدة بفزع وباحترام..

 

تكلم أحد الرجال قائلا بصوتٍ مُرتعش

 

" سنيورا رامونا.. تلك المرأة هي من طلبت منا مُضاجعتها الآن و... "

 

وصوت صفعة قوية سُمعت في الإسطبل الكبير لدرجة أن الخيول صهلت بخوف.. كانت الجدة قد صفعت ذلك الرجل بكامل قوتها ثم هتفت بغضب

 

" اخرس.. وإياك أن تحاول الكذب عليّ مرة أخرى "

 

كنتُ أنظر إلى الجدة بامتنان وبخوف وأنا أبكي بشدة.. سالت دموع الذل على وجنتاي.. شاهدت الجدة رامونا تقترب من الرجال الخمسة بعزيمة وقوة وبدأت تصفعهم واحداً تلو الآخر وهي تصرخ بغضب أعمى

 

" كلاب.. وأشباه الرجال.. أردتم اغتصاب حبيبة حفيدي الراحل أيها الملاعين.. سوف تدفعون الثمن غاليا "

 

رفعت الجد رامونا العصا التي كانت تحملها وضربت بها ذراع الرجل الذي مزق قميصي.. وهتفت الجدة بغضب

 

" لا يُسمح لكم بالتحرش بنساء القرية.. وخاصةً بحبيبة حفيدي الراحل بينيتو "

 

أغمضت عيناي وبكيت بحزن وبخوف وبألم كبير.. سمعت صوت ضربات تلك العصا على أجساد الرجال الخمسة.. وبدأوا يطلبون من الجدة السماح..

 

فجأة سمعت الجدة رامونا تهتف بقوة

 

" خوسي.. يمكنك الدخول "

 

نظرت إلى الأمام ورأيت رجل ضخم يدخل إلى الإسطبل ووقف باحترام أمام السنيورا رامونا.. نظرت الجدة إليه وأمرته ببرود أعصاب قائلة بينما كانت تُسلمهُ العصا

 

" لقنهم درساً لن ينسوه الآن.. حتى يتعلموا أن لا يلمسوا نساء رجال عائلة دي غارسيا "

 

توقفت عن البكاء ورأيت ذلك الرجل الضخم يبدأ بضرب الرجال الخمسة بطريقة أرعبتني للموت.. صرخات الرجال الخمسة المتألمة ملأت الإسطبل بكامله.. ولم يتوقف ذلك الرجل المدعو بـ خوسي عن ضربهم حتى أمرتهُ الجدة ليتوقف.. ثم طلبت منه إخراج الرجال الخمسة من هنا..

 

عندما أصبحت بمفردي مع الجدة رامونا.. رأيتُها تقترب مني بهدوء.. وقفت أمامي وأمرتني بغضب

 

" أعطني يدكِ "

 

ضممت القطع الممزقة بذراعي اليمنى على صدري ورفعت يدي اليسرى أمام الجدة.. أمسكت يدي وساعدتني لأقف.. ثم سحبت يدها من يدي وخلعت سترتها ووضعتها على كتفي وقالت بأمر

 

" ارتديها بسرعة "

 

ارتديت السترة أمامها ووقفت جامدة أنتظر أوامرها.. اقتربت السنيورا مني وأمسكت طرف ذقني بأصابعها ورفعت رأسي ونظرت بغضب إلى أثار الصفعات على وجهي..

 

وبدهشة كبيرة سمعتُها تسألني بغضب

 

" هل لمسكِ رجل آخر من بعد حفيدي بينيتو؟ "

 

نظرت إليها بذهول ولم أستطع الإجابة.. هتفت الجدة رامونا بنفاذ صبر

 

" تكلمي.. هل مارستِ الجنس مع رجل آخر غير حفيدي؟ "

 

الصدمة جمدتني بالكامل.. ولكن استطعت أن أهمس بكلمتين فقط

 

" لا سنيورا "

 

أبعدت الجدة أصابعها عن ذقني وأمرتني بحدة

 

" اتبعيني "

 

مشيت خلفها خارجة من الإسطبل.. وعندما وصلنا إلى القصر أمرتني الجدة رامونا لأذهب إلى غرفتي.. ظننت بأن عذابي لهذا اليوم قد انتهى بينما كنتُ أدخل إلى غرفتي..

 

ولكن لم أكن أعرف ما ينتظرني بعد يومين....

 

 

المتادور سلفادور**

 

 

كانت أقدار المتادور سلفادور تترقب عودته إلى قصر الجوهرة في اكستريمادورا بلهفة.. بعد غياب دام عشرة أيام.. حيث اضطر للسفر إلى مدريد للتفرغ لأعماله.. عاد الآن وكأنه يعود إلى عرشه الذي لطالما حكمهُ بيد قوية..

 

في اللحظة التي وصل فيها إلى القصر.. هرع خواكيم الحارس المخلص نحوه بسرعة.. وكأنه كان ينتظر عودته بلهفة.. هتف خواكيم بفرح وهو يقف بحرارة أمام المتادور مباركاً عودته

 

" سنيور دي غارسيا.. متادور سلفادور.. أهلاً بعودتك "

 

شكرهُ المتادور بنبرة حنونة ثم قال لهُ خواكيم

 

" أنا سعيد لأنك عدتَ وبسرعة إلى اكستريمادورا "

 

رد المتادور بابتسامة واجتاز الرواق الواسع.. سارع خواكيم خلفه وقال باحترام

 

" متادور.. الجدة تنتظرك في جناحها.. لديها رغبة مُلحة في رؤيتك.. لقد طلبت السنيورا رامونا رؤيتك فور عودتك "

 

وقفت ونظرت إلى خواكيم بتساؤل.. ثم سألت خواكيم عن المرأة التي استحوذت على أفكاري طيلة فترة غيابي عن القرية

 

" سنيوريتا لينيا.. هل هي بخير؟.. هل نفذتَ أوامري بخصوصها؟.. هل اعترضت جدتي على أوامري في غيابي؟ "

 

أجاب خواكيم مؤكداً

 

" نعم سنيور.. لقد سمحنا للأنسة لينيا بالتجول بحرية في القرية.. و السنيورا رامونا وافقت على ذلك.. و سنيوريتا لينيا بخير.. ولكن الغريب بأنها لم تخرج من غرفتها منذ خمسة أيام "

 

نظرت إليه بتعجُب وسألته

 

" ماذا تقصد؟.. هل هي مريضة؟.. لماذا لم تخرج من غرفتها رغم سماحي لها بفعل ذلك؟ "

 

تأملني خواكيم بنظرات حزينة وقال

 

" سنوريتا لينيا خرجت من غرفتها بعد أن اتصلتَ بي في ذلك اليوم.. ورغم أنك طلبتَ مني كي لا أتبعها وأُراقبها إلا أنني فعلت ذلك.. لقد تبعت سنيوريتا لينيا.. ولكن أهالي القرية أهانوها جداً.. كما سمعتُها تتشاجر مع سنيوريتا كارميتا.. واليوم خرجت البروفيسورة من غرفتها ولكن رأيتُها تعود منذ ساعتين برفقة الجدة رامونا "

 

توقعت أن يحدث معها ذلك.. شعرت بالحزن لأن أهل قريتي أهانوا نجمتي الجميلة.. وطبعا كارميتا نثرت سمومها في وجه لينيا.. كان يجب أن أطلب من خواكيم أن يبقى معها ليحميها..

 

تنهدت بقوة وأمرت خواكيم قائلا

 

" اسمعني جيداً خواكيم.. منذ هذه اللحظة لن تترك لينيا هارفين بمفردها.. إن خرجت من غرفتها أريدُك أن ترافقها وتحميها من الجميع.. لا تسمح لأحد بإهانتها أو التكلم معها بطريقة سيئة.. سوف تكون مُرافق لينيا الخاص بعد عودتك من الجامعة.. وإياك أن تُهمل دراستك.. اتفقنا؟ "

 

ابتسم خواكيم بسعادة وأجابني باحترام موافقاً.. شكرتهُ وصعدت السلالم باتجاه جناح جدتي..

 

وقفت أمام الباب وفتحتهُ بحذر.. تنفست بارتياح ودخلت إلى الجناح بانتباه.. رأيت جدتي رامونا تجلس على الكرسي الضخم في قاعة الجناح.. ولكن ما لفتَ انتباهي كان التصميم الذي رأيتهُ في عينيها..

 

" سلفادور.. حفيدي الوسيم.. أخيراً وصلت "

 

هتفت جدتي بسعادة بتلك الكلمات بينما كنتُ أقترب لأقف أمامها.. اخفضت وجهي وقبلت جبينها برقة ثم جلست بجانبها وقلتُ لها بنبرة حنونة

 

" كيف حالكِ جدتي؟ "

 

ابتسمت جدتي برقة وقالت

 

" أنا بخير طوريرو.. كيف كانت رحلتك؟ "

 

أجبتها بسرعة بلطف واحترام.. لكن لاحظت توترًا غريبًا في جو الغرفة

 

" مملة كالعادة.. انشغلت بأمور شركة الشحن والفندق.. والآن.. أخبريني جدتي.. لماذا أردتِ رؤيتي فور وصولي إلى هنا؟ "

 

قالت جدتي بصوت هادئ.. وهي تدعوني للاستماع بانتباه

 

" حان الوقت لنتحدث عن لينيا هارفين "

 

أجبتُها بجدية

 

" تحدثي جدتي "

 

" التشاور والنقاش استمر لفترة طويلة مع رجال العشيرة اليوم منذ ساعتين.. الجميع متفق على أن عقوبة لينيا هارفين يجب أن تكون قاسية "

 

قالت جدتي تلك الكلمات وكأنها تُلمح إلى قرار جماعي.. وعندما حاولت التكلم من جديد قاطعتُها قائلا بجبروت وبحزم

 

" أنا الرئيس لهذه العشيرة.. القرار يعود لي "

 

انبهرت الجدة بجرأته ولكنها استمرت بتوجيه كلماتها بعمق قائلة

 

" صحيح.. أنتَ هو الرئيس.. لكن يجب عليك سماع آراء شعبك واحترام قرارهم "

 

فقدت التحكم وهتفت بحدة

 

" أنا الوحيد القادر على فرض العقوبة واختيارها "

 

قالت جدتي بسرعة وبصوتٍ حازم

 

" لا.. سلفادور.. لن تستطيع أن تفرض قرارك الشخصي في هذا الأمر "

 

ثم تابعت جدتي قائلة بصوت ينبعث منه الحكمة والقوة والتصميم

 

" أريد منك أن تجعلها تلد لي طفلاً.. حفيداً يملأ هذا القصر ويعوضني عن غياب بينيتو "

 

تجمدت في مكاني وتوسعت عيناي بدهشة كبيرة وهتفت بصدمة لا حدود لها

 

" ماذا؟ "

 

تحدثت جدتي ببساطة لكن كلماتها تحمل وزنًا كبيرًا

 

" لقد قررت عقوبة لينيا هارفين.. وجميع رجال العشيرة وافقوا على قراري.. يجب على لينيا هارفين أن تنجب طفلًا يعوضنا عن فقدان بينيتو.. وهذا الطفل يجب أن يكون منك.. بسببها خسرنا بينيتو.. لذلك عليها أن تدفع ثمن خسارتنا له بهذه الطريقة "

 

فاجأتني كلمات جدتي بقوة.. وظهرت على وجهي ملامح الصدمة.. شعرت كما لو أن الأرض انزلقت من تحت قدماي.. وطبعاً كان من المستحيل أن أوافق على قرار جدتي.. فكيف لي أن ألمس امرأة شقيقي وأجعلها تحمل مني.. بل من المستحيل أن أوافق على الزواج من حبيبة شقيقي الراحل..

 

نظرت إلى جدتي وهتفت بحدة وبتصميم وبحزم

 

" من المُستحيل أن أوافق على هذا القرار.. بل من المُستحيل أن أوافق على الزواج من المرأة التي أحبها شقيقي "

 

رفعت جدتي رامونا حاجبها عاليا وقالت بنبرة هادئة

 

" من طلب منك الزواج من لينيا هارفين؟.. طبعاً لن تتزوجها.. أريدها أن تنجب لك ابن من دون زواج.. فأنتَ المتادور سلفادور دي غارسيا.. رئيس عشيرة دي غارسيا.. أنتَ المتادور العظيم.. على زوجتك أن تكون عذراء ولم يتم لمسها من أي رجل "

 

وكلماتها هذه جعلتني أتجمد في مكاني بذهول.. ووقعت تحت تأثير صدمة لا مثيل لها....

 

انتهى الفصل














فصول ذات الصلة
رواية المتادور

عن الكاتب

heaven1only

التعليقات


إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

اتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

لمدونة روايات هافن © 2024 والكاتبة هافن ©