رواية المتادور - فصل 7
مدونة روايات هافن مدونة روايات هافن
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...

أنتظر تعليقاتكم الجميلة

  1. هااااافنن البارت في قمةةةةة قمةةةةة قمةةةةةةةة الرووووووعةةةةةةة حرفيا اخ فاقدة شغف القراءة طول الأجازة ورجعه لي في لحظات، حبيت فكرة اضافة الاسطورة وتطور الاحداث بشكل غير متوقع، والغموض الذي يلف حول لينيا، اااااء فقط يمكنني ان اقول ان البارت حقًا رائع سلمت يداكِ، احبكككك

    ردحذف

رواية المتادور - فصل 7

 

رواية المتادور - فصل 7 - روح مُقابل روح



روح مُقابل روح










 

ساريتا**

 

كنتُ أجلس على السرير دون أي حِراك.. كنتُ جامدة في مكاني مثل التمثال أنظر إلى الباب بصدمة كبيرة بعد خروج ذلك الغبي ميغيل استرادا من الغرفة وإقفالهِ للباب بالمفتاح..

 

ارتعش جسدي بقوة.. وفي هذه اللحظة سالت دموعي بكثرة على وجنتاي..

 

كنتُ واقعة تحت تأثير الصدمة.. صدمة لا مثيل لها.. لم أتخيل للحظة واحدة أن أرى من جديد الرجل الذي سرق مني عذريتي في تلك الليلة.. ظننت ببساطة بأنني لن أراه في حياتي كلها مرة أخرى.. ولكن القدر كان قاسياً معي.. قاسياً جداً.. جعلني ألتقي وبسرعة بهذا الرجل الذي حطمني وسرق شرفي مني في تلك الليلة المؤلمة..

 

مسحت دموعي عن وجنتاي ولكن عادت دموعي المُتساقطة من عيوني لتُبللها من جديد.. صحيح تمالكت نفسي أمامهُ ولم أنهار عندما رأيته.. ولكن الآن سمحت لنفسي بأن أنهار وأُظهر ضعفي وخوفي..

 

جلست على السرير الفخم في غرفة النوم حيث وضعني ذلك المتوحش ميغيل دون رحمة.. كانت دموعي تتساقط بلا توقف.. وجوانب الخوف تتلاشى في عيوني تاركة وراءها آثار الحزن والاضطراب.. لم أتخيل أبداً أن أجد نفسي محبوسة في هذا القصر الضخم.. مكبلة بأغلال الخيبة والخوف والصدمة..

 

مرت أيام كثيرة على تلك الليلة الساخنة التي قضيتُها رغماً عني مع ميغيل.. لكن الأمور اتخذت منعطفًا مظلمًا ومخيفًا.. وجدت نفسي في هذه الحالة المأساوية..

 

مسحت دموعي وقررت الهروب من هنا وبسرعة.. كان يجب أن أهرب من هذا القصر المُظلم والرجل الذي تحوم حوله ظلال الشك والغموض.. كانت خيوط الخوف والأمل متشابكة في عقلي.. ولكن الحاجة المُلحة للحرية دفعتني إلى اتخاذ خطوة جريئة..

 

وقفت ومشيت بحذر إلى الشرفة.. فتحت الباب الزجاجي برفق وخرجت إلى الشرفة.. نظرت أمامي بإحباط.. كنتُ في الطابق الثالث وكان من الصعب جداً أن أتصلق الجدار وأنزل إلى الأسفل..

 

شتمت بعصبية ولكن تجمدت في مكاني عندما رأيت شرفة مُلاصقة لشرفتي.. ابتسمت بخبث إذ كان من السهل عليّ تسلق حاجز الشرفة والقفز إلى الشرفة الثانية..

 

تسلقت الحاجز وقفزت إلى الشرفة المجاورة لغرفتي..  استنشقت الهواء بسعادة بينما همس الرياح كان يعزف لحناً من الحرية حولي.. دخلت إلى الغرفة ووقفت جامدة أنظر أمامي بدهشة كبيرة إذ اكتشفت بأنني في غرفة نوم رجالية إذ أثاثها لونه أسود..


رواية المتادور - فصل 7 - روح مُقابل روح

 

الأثاث كان فارهًا وأنيقًا.. ولمعت ألوانه السوداء بأناقة فاخرة.. وقعت في حيرة حين اكتشفت أنني في غرفة نوم ميغيل استرادا عندما رأيت لوحة ضخمة له مُعلقة على الحائط أمامي.. الرجل الذي دخل إلى حياتي بهذه الطريقة المروعة يُحب نفسهُ كثيرا ويضع لوحات له في غرفة نومه.. مغرور وغبي..

 

خرجت بهدوء من غرفة نومه لأتفاجأ برؤيتي لصالون وغرفة جلوس كبيرة أمامي.. وعرفت بأنني في جناح الخاص للمتوحش وملك الغباء ميغيل استرادا..

 

نظرت باتجاه غرفة الجلوس وشعرت بالضياع والتوتر.. كل شيء يخص هذا الرجل يُشعرني بالخوف وبالعار.. كلما نظرت إلى أثاث جناحه أتذكر بمرارة تلك الليلة.. ركضت باتجاه الباب وفتحته.. خرجت بهدوء من الجناح وبدأت أبحث عن طريقة للخروج من هذا القصر دون أن ألفت انتباه أي أحد.. رأيت سلالم أمامي وهيأت نفسي للنزول وأتسلل خارج القصر وأرحل نهائياً من هنا وإلى الأبد..

 

وبينما كنتُ أنزل السلالم بحذرٍ شديد بدأت أُفكر بتوتر.. بعد هروبي من هنا لا أظن ذلك الغبي سيفتح فمهُ ويتفوه بكلمة واحدة أمام أبي.. طبعا لن يفعل ذلك.. فحينها حبيبتهُ سوف تكتشف ما حدث وقد تتخلى عنه..

 

وقفت في وسط الردهة ونظرت بتوتر أمامي.. وبينما كنتُ أتأكد بعدم وجود أي أحد ركضت مُسرعة باتجاه الباب الرئيسي للقصر.. ولكن قبل أن أصل إليه ارتطم جسدي بقوة بجسد صلب مثل الصخر.. وسمعت صرخة مُرتعبة لامرأة

 

" احترسي ساريتا "

 

شهقت بألم عندما أمسكت قبضتين قويتين ذراعاي بقوة.. رفعت رأسي بسرعة وكتمت شهقة ذعر عندما رأيت ميغيل استرادا يتأملني بنظرات قاتلة وهو يضغط على أسنانهِ بقوة..


رواية المتادور - فصل 7 - روح مُقابل روح

 

بلعت ريقي بقوة عندما سمعتهُ يهمس بنبرة غاضبة وبتهديد

 

" كيف واللعنة خرجتِ من الغرفة أيتها اللعينة؟ "

 

طبعاً لم تسمعهُ حبيبته إذ سمعتُها تقول وهي تقترب لتقف بجانبنا

 

" ميغيل.. دع المسكينة سوف تُحطم ذراعيها "

 

نظر ميغيل إلى حبيبته وحرر ذراعاي بسرعة وابتعد عني وقال بتوتر لـ مارتا

 

" حبيبتي.. اذهبي إلى غرفة الطعام.. سأتكلم قليلا مع ساريتا "

 

ولكن مارتا قالت بسرعة وهي تمسك يدي

 

" لا حبيبي.. يمكنك أن تتكلم مع ساريتا بينما نتناول وجبة الغذاء "

 

ثم نظرت مارتا إليّ وتابعت قائلة بنبرة حنونة

 

" كنتُ أتكلم مع ميغيل وطلبت منه أن يدعوكِ للغداء.. ولكنهُ قال بأنكِ مُتعبة.. ولكن كما أرى أنتِ بخير.. هل ترغبين بتناول وجبة الغداء برفقتنا؟ "

 

كنتُ على وشك الرفض ولكن سمعت ميغيل يُجيب بسرعة قائلا بغضب لم تنتبه لهُ حبيبته

 

" هي لا تريد.. فهي تشعر بالإرهاق.. و.... "

 

نظرت إليه بحقد ثم نظرت إلى مارتا وقاطعت حديث ميغيل قائلة بنبرة خبيثة

 

" موافقة.. يُسعدني تناول وجبة الغداء برفقتكِ مارتا "

 

ووسط نظرات ميغيل الغاضبة مشيت برفقة حبيبته باتجاه غرفة الطعام..

 

كنتُ أجلس على الكُرسي أنظر بسعادة إلى ديكور غرفة الطعام وأثاثها الفخم عندما سمعت مارتا تُكلمني

 

" ساريتا.. كم سوف تدوم فترة إقامتكِ هنا؟ "

 

نظرت إليها بهدوء ولكن قبل أن أُجيبها هتف ميغيل بنبرة حادة

 

" يومــ.. "

 

قاطعتهُ بسرعة قائلة بينما كنتُ أنظر إلى مارتا ببراءة

 

" اليوم وصلت إلى القصر.. ولكن ستدوم فترة إقامتي هنا لشهرٍ كامل.. وربما أكثر "

 

توقفت عن التكلم ونظرت بتهديد إلى ميغيل الغاضب وتابعت قائلة بنبرة هادئة

 

" وطبعا أخي العزيز ميغيل وافق على استضافتي هنا.. بل طلب مني البقاء لفترة شهرين.. فهو اشتاق إليّ كثيراً "

 

سعل ميغيل بقوة ورأيتهُ باستمتاع يشرب كوب من الماء بينما وجههُ أصبح أحمر اللون مثل الدماء..

 

سمعت مارتا تقول بأنها سعيدة بذلك وبأنها متشوقة لتتعرف عليّ أكثر.. وطبعا الخائن ميغيل لزم الصمت ولم يتوقف عن النظر إليّ بنظرات قاتلة ومُدمرة..

 

لن أكذب.. رغم أنني كنتُ أنظر إليه بتحدي إلا أنني كنتُ خائفة منه..

 

عندما أخيراً انتهيت من تناول الطعام وقفت واستأذنت وركضت هاربة من نظرات ميغيل الغاضبة.. وبينما كنتُ أصعد السلالم ركضاً صرخت بذعر عندما أمسكت قبضة قوية ذراعي وتم إجباري على الوقوف..

 

شهقت بذعر عندما تم وضع يد على فمي لكتم صرختي.. رأيت ميغيل يقف أمامي وهو يشتعل من الغضب.. تأملني بنظرات حاقدة وهمس قائلا بغضب وبكرهٍ واضح

 

" أنتِ لعنة يجب عليّ التخلص منها وبسرعة.. حان الوقت لتعرفي من أكون أيتها العاهرة.. حان الوقت لتعرفي بأن اللعب معي لن يكون سهلا "

 

أزال يدهُ عن فمي ولصدمتي الكبيرة رفع جسدي عالياً من خصري ورماني على كتفه وركض ساعداً إلى الطابق الثالث.. وضع المفتاح بالقفل ثم فتح الباب ودخل إلى الغرفة..

 

" اااعععععععععععه.. تباً لك أيها الغبي "

 

صرخت بألمٍ شديد بتلك الكلمات بعد أن رماني الأحمق ميغيل على الأرض بعنف لأسقط بقوة على مؤخرتي وظهري..

 

وقف اللعين يتأملني بنظرات حاقدة وباستمتاع.. كلن يشعر الحقير بالسعادة لأنني أتألم.. ثم رأيتهُ يمشي باتجاه الباب الزجاجي التابع للشرفة.. أقفلهُ اللعين بالمفتاح ووضع المفتاح في جيب سترته.. ثم استدار واقترب بخطوات سريعة ووقف أمامي..

 

شهقت بذعر عندما أمسك ميغيل ذراعي اليسرى وجذبني بقوة لأقف أمامهُ.. تخشب جسدي بكامله عندما رأيت وجهي قريب جداً من وجهه.. حاولت تحرير ذراعي من قبضته لأبتعد عنه لكن لم أنجح إذ جذبني بعنف ليلتصق جسدي الصغير بجسده..

 

أغمضت عيناي بخوف عندما استنشقت رائحة عطره والتي لم أستطع نسيانها للحظة واحدة منذ تلك الليلة.. نبض قلبي بسرعة عجيبة عندما سمعت ميغيل يقول بنبرة حادة وبتهديد وبكلمات مُهينة جداً

 

" أنتِ لستِ سوى فتاة مُدللة عديمة الشرف والأخلاق.. إن اقتربتِ مرة أخرى من حبيبتي مارتا سأقتلكِ "

 

رغم خوفي الكبير منه إلا أنني فتحت عيناي ونظرت إليه بتحدي قائلة

 

" إن كنتُ أنا عاهرة ماذا تكون أنت؟.. أنتَ رجل خائن ووضيع.. لقد دفعتَ ثمن عذريتي أيها القذر لتحصل عليها بينما لديكِ امرأة تُحبها.. هل تعرف مارتا بحقيقتك القذرة؟.. طبعا لا.. والآن أنتَ تُهاجمني وتُلقي كل اللوم عليّ.. أنتَ حالياً تشعر بالخوف مني حتى لا أفضحك أمام حبيبتك وأجعلها تعرف بأنك لستَ سوى رجل خائن وعديم الشرف "

 

احمرت عينيه ورأيت بذعر عروق عنقه تشتد وتتصلب.. حاولت الابتعاد عنه لكن فجأة رأيت رأسي يلتف بقوة باتجاه اليمين.. وصرخة متألمة خرجت من حُنجرتي..

 

أغمضت عيناي بشدة وشعرت بصدمة كبيرة.. لأول مرة يتم صفعي وإهانتي ومن قبل رجل لعين لا أعرفه.. حركت رأسي ببطء ونظر إليه بحقد لا يوصف.. ثم صرخت بملء صوتي

 

" أيها الحقير.. إياك أن تصفعني مرة أخرى وإلا.... "

 

اقترب ميغيل وأمسك كتفي وجذبني إليه وقاطعني هاتفاً بغضب

 

" وإلا ماذا يا ابنة ليون كاريلو؟.. لا يمكنكِ تهديدي أيتها الساقطة.. أستطيع تدميركِ وتدمير حياتكِ كلها بكلمة واحدة مني لوالدكِ الشريف "

 

بلعت ريقي بقوة ومنعت نفسي من البكاء أمامه.. لا أريدهُ أن يرى مدى خوفي وضعفي.. نظرت إليه بكبرياء وأجبتهُ بتهديد قائلة

 

" وأنا كذلك أستطيع تدميرك بكلمة واحدة مني أمام حبيبتك مارتا.. خائن.. فأنتَ لستَ سوى رجل خائن.. لا يمكنك تهديدي ميغيل استرادا.. إن فضحتَ ما حدث بيننا في تلك الليلة أمام والدي سوف أُدمرُك أيضاً.. لذلك سأعقد معك اتفاقية تُرضي الطرفين "

 

حرر كتفي من قبضته وابتعدت بسرعة خطوتين إلى الخلف بعيداً عنه.. رأيت ميغيل يتأملني بنظرات مصدومة..


رواية المتادور - فصل 7 - روح مُقابل روح

 

بلعت ريقي بقوة وتابعت قائلة بثقة

 

" سأبقى هنا في قصرك لفترة شهر.. وبعدها سأذهب إلى الأبد.. لن أقترب منك ولن أتكلم مع حبيبتك.. وأنتَ كذلك لن تحاول لمسي والاقتراب مني.. سأنسى بعدها بأنني تعرفت عليك.. وأنتَ عليك فعل المثل.. ولن أتفوه بكلمة واحدة عن ما حصل في تلك الليلة أمام أحد.. وأنتَ عليك فعل المثل.. أنتَ ستعيش بسلام وبسعادة مع مارتا.. وأنا سأعيش حياتي براحة.. أظن هذا الحل يُناسبنا.. لذلك يجب أن توافق عليه "

 

ولكن لدهشتي الكبيرة اقتراحي لم يُعجب الغبي ميغيل.. إذ اشتعل جسدهُ بفعل الغضب وصرخ بكبرياء وبحقد

 

" من المستحيل أن أعقد اتفاقية مع عاهرة مثلكِ.. من تظنين نفسكِ لتقومي بتهديدي؟.. أنا ميغيل استرادا.. لا أحد يستطيع تهديدي وخاصةً في قصري.. أنا هو من يتحكم في مصيركِ أيتُها الساقطة.. وعليكِ أن تخافي مني لأنني لن أرحمكِ "

 

تأملتهُ بنظرات مذهولة وشهقت بقوة عندما اقترب ووقف أمامي ونظر في عمق عيناي وتابع قائلا بحقد

 

" سوف تُنفذين جميع أوامري دون أي اعتراض.. وإلا حطمتكِ أيتُها البائسة.. ولن تخرجي من هذه الغرفة إلا بموافقتي.. ولن تتكلمي مع أحد في قصري إلا عندما أسمح لكِ بفعل ذلك.. أنتِ رهينة في قبضتي الآن ولن أرحمكِ "

 

وغادر الغرفة وأقفل الباب بالمفتاح..  كنتُ جامدة في مكاني أنظر إلى الباب بصدمة كبيرة بينما دموعي كانت تسيل بكثرة على وجنتاي..

 

وبعد وقتٍ طويل شهقت بقوة ومسحت دموعي عن وجنتاي.. جلست على الأريكة ونظرت بتعاسة أمامي ثم همست بحرقة

 

" هل هو غبي إلى هذه الدرجة؟.. لماذا لم يوافق على الاتفاقية التي عرضتُها عليه؟ "

 

هو لا يفهم بأنني خائفة منه لدرجة الموت.. هو لا يعرف بأنهُ من الصعب عليّ أن أكون تحت سقفٍ واحد مع الرجل الذي اغتصبني في تلك الليلة.. هو لا يعلم بأنني أكرههُ أكثر من ذلك السافل خورخي..

 

بكيت بتعاسة وبحرقة قلب على نفسي.. لماذا يحدث ذلك معي؟.. لماذا أنا؟.. إلهي ساعدني...

 

وهكذا ظللت أبكي بحزن لفترة طويلة بينما كنتُ أشعر بالخوف مما يخبئهُ لي المستقبل مع ميغيل استرادا...

 

 

الجدة رامونا**

 

في جناحها الفخم داخل قصر المتادور.. كانت الجدة رامونا دي غارسيا تجلس على عرشها الرخامي الضخم.. كانت غرفتها تمتاز بالفخامة والأثاث الفاخر.. ولكن في هذه اللحظة.. كان وجهها يُعبر عن جو من الجدية والاهتمام..

 

حولها الخدم يتحركون بكل احترافية.. ولكن هناك شخص واحد يبرز.. حارسها الشخصي.. خوسي.. فهو ليس فقط حارسها الشخصي بل الرجل الوحيد الذي تثق به في هذا القصر ثقة عمياء.. طبعاً من بعد حفيدها المميز المتادور سلفادور..

 

نظرت إلى الخدم وأمرتهم بهدوء

 

" انصرفوا "

 

وبهدوء وبسرعة انصرفوا جميع الخدم من الجناح بكامله..

 

نظرت إلى حارسي الشخصي وهمست بنبرة مُنخفضة بينما كنتُ أُفكر

 

" خوسي "

 

ثواني ورأيتهُ يقف أمامي وهو يتأملني باحترام.. تنفست بعمق ثم قلتُ له بصوت ينبض بالقوة

 

" أريدُك أن تطلب من الخادمة أريا لتأتي إلى جناحي.. لا تدع أحد ينتبه لذلك "

 

الحارس خوسي الذي كان يعرف أهمية أوامر الجدة أومأ موافقاً.. مُظهراً احترامه وفهمه لأوامر السنيورا رامونا.. غادر الغرفة ليبحث عن الخادمة أريا ويجلبها إلى جناح الجدة بسرية تامة..

 

بعد دقائق قليلة.. دخلت أريا بتواضع وتوجهت نحو الجدة رامونا..

 

وقف خوسي أمام الباب وكتف يديه ونظر إليّ.. نظرت إلى الخادمة أريا ورأيتُها تقف أمامي وقالت بلباقة واحترام

 

" سنيورا.. بماذا يمكنني أن أخدمكِ سيدتي؟ "

 

ابتسمت ابتسامة خفيفة وكلمتُها بهدوء

 

" أريا.. أنا بحاجة إلى خدمتكِ في مهمة بالغة الأهمية بالنسبة لي.. وما سأطلبهُ منكِ لا أريد لأحد أن يعلم به "

 

تأملتني أريا بدهشة وقالت باحترام

 

" بالطبع سنيورا رامونا.. لن أتفوه بحرف أمام أحد "

 

تنهدت براحة وقلتُ لها بثقة

 

" أنا أعلم جيداً بأنكِ لن تتفوهي بحرف أمام أحد.. لذلك أنا أثق بكِ "

 

وقفت عن الكُرسي واقتربت منها.. وقفت أمامها وقلتُ لها بنبرة هادئة

 

" أريا.. اسمعي جيداً ما سأطلبهُ منكِ.. أريدكِ أن تتكفلي بمراقبة لينيا هارفين.. أريدُكِ أن تعرفي إن كانت لينيا حامل من حفيدي الراحل بينيتو "

 

تفاجأت أريا بالطلب.. لكنها لم تُظهر أي علامة من الارتباك.. بل أجابتني باحترام

 

" بالطبع سنيورا.. سأقوم بذلك من أجلكِ.. ولكن كيف يمكنني معرفة إن كانت حامل؟.. فهي مسجونة في الغرفة داخل المبنى الخاص بالحُراس "

 

ابتسمت بخفة وأجبتُها

 

" ذلك المبنى كان سيتم ترميمهُ.. لكن أعمال الترميم توقفت بعد وفاة حفيدي بينيتو.. سيطلب المتادور قريباً مُتابعة أعمال الترميم في المبنى.. المهم.. الغرفة التي تم وضع لينيا هارفين بها لا يوجد بها وسائل للراحة.. وطبعا الحُراس سوف يتكلمون.. المرأة الحامل تحدث معها عوارض كثيرة.. لذلك راقبي الحُراس وخاصةً خواكيم.. فقد طلب المتادور من خواكيم أن يهتم بنفسهِ بطلبات تلك المرأة.. حينها ستعرفين وبسرعة إن كانت تلك المرأة حامل.. وأريدُكِ أن تخبريني وبسرعة إن عرفتِ بأي شيء "

 

أجابت أريا باحترام موافقة وغادرت جناحي.. تنهدت بعمق وجلست على الأريكة.. اقترب الحارس خوسي وكلمني باحترام قائلا

 

" سنيورا.. سامحيني إن كنتُ أتدخل بأمور لا تعنيني.. ولكن ماذا ستفعلين إن كانت تلك المرأة حامل من حفيدكِ الراحل السنيور بينيتو؟ "

 

نظرت إليه بحزن وأجبته

 

" حينها سوف تتغير الكثير من الأمور خوسي.. عليك فقط أن تنتظر وسترى ما سيحدث "

 

تأملني خوسي بنظرات حزينة وقال

 

" سامحيني سنيورا.. ولكن ماذا لو كانت تلك المرأة بريئة وليست حامل من حفيدك؟.. ماذا ستفعلين حينها؟ "

 

تنهدت بقوة وقلتُ لهُ بثقة

 

" لينيا هارفين ليست بريئة... اليوم في الاجتماع لم تتفوه بحرفٍ واحد ولم تُدافع عن نفسها.. صمتها قد أدانها "

 

وقفت بهدوء وطلبت من خوسي مُغادرة جناحي ثم دخلت إلى غرفة النوم.. جلست على طرف السرير ونظرت بحزنٍ عميق إلى صورة حفيدي بينيتو..

 

سالت دموعي بحزن على وجنتاي.. ضممت صورة بينيتو على صدري وهمست بحرقة قلب

 

" حفيدي.. حبيب قلبي.. رحيلك دمرني.. لقد اشتقت إليك كثيراً.. "

 

شهقت بقوة وتابعت قائلة بحرقة

 

" أنا أعدُك بأنني سأنتقم على كل قطرة دماء نزفتها.. سأنتقم من تلك المرأة.. لينيا هارفين.. كما أخذت منك روحك سوف أخذ منها روح "

 

استلقيت على ظهري ووضعت اللحاف فوق جسدي.. ولكن ظللت أضم صورة حفيدي بينيتو إلى صدري بينما كنتُ أبكي بحزن وبألم على فُراقهِ لنا وموته بتلك الطريقة المؤلمة..

 

بعد مرور يومين**

 

بعد مرور يومين دخلت الخادمة أريا إلى جناحي بسرية تامة ودون أن ينتبه لها أحد.. كنتُ أشعر بالتوتر الشديد.. إذ لم أتوقع أن تأتي أريا بعد مرور يومين لتراني..

 

رغم توتري ابتسمت بخفة وسألتُها بلهفة

 

" أريا.. هل استطعتِ أن تكتشفي إن كانت لينيا حامل؟ "

 

أومأت أريا بتأكيد وقالت

 

" نعم سنيورا.. قمت بالتحقق وراقبت الحُراس وخاصةً خواكيم جيداً.. لينيا ليست حامل.. لقد طلبت اليوم من خواكيم توفير بعض الأشياء الضرورية لها.. ومنها فوط صحية.. و خواكيم أتى وطلب مني بخجل بعض من الفوط الصحية ليسلمها لـ لينيا هارفين "

 

ابتسمت برضا وقلت بهدوء

 

" أحسنتِ أريا.. أنا أثق تمامًا في قدراتك وإخلاصكِ الكبير لي.. اذهبي الآن.. واحرصي على أن تبقى الأمور في سرية تامة "

 

ولكن بعد خروج الخادمة أريا من الجناح شعرت الجدة رامونا دي غارسيا بالفراغ يغلف قلبها.. كانت آمالها قد تلاشت مع نبأ عدم حمل لينيا هارفين..

 

مشت الجدة رامونا بخطوات بطيئة وفتحت الباب الزجاجي للشرفة.. تركت الهواء البارد يتسلل إلى الغرفة ويهمس مع لحن الستائر الذي يرقص بفعل هواء الليل..

 

كانت خيبة الأمل تنقشع على وجه الجدة.. فقد كانت تتوقع أن تكون لينيا حامل.. أملاً بتعويض فقدان حفيدها بينيتو.. كانت تحلم بأن يكون لديها حفيد يحمل في طياته الأمل والحياة بعد رحيل بينيتو الذي كان يُشكل السرور في حياتها..

 

تمتمت الجدة بحزن

 

" لم أكن أتوقع أن تكون الأمور بهذا الشكل.. يبدو أن الحظ لا يبتسم مع لينيا هارفين في هذا الوقت "

 

لكن بدلاً من أن تستسلم لليأس.. تلقت الجدة فجأة فكرة غير تقليدية.. كانت تتأمل في كيف يمكنها الحصول على تعويض لخسارتها.. وليس من خلال طلب الموت لـ لينيا.. بل من خلال التأكيد على وجود حفيد يعيد الحياة إلى قلبها المكسور..

 

في هذه اللحظة فكرت الجدة رامونا في انتقام جديد.. ليس على شكل عقوبة.. بل كفرصة لتبدأ حياة جديدة.. فجأة.. شرارة تألقت في عينيها.. كما لو كانت قد وجدت حلاً جديداً لمعضلتها.. أخذت ترسم خططها في عقلها.. مصممة على تحقيق هذا الانتقام الذي ينعكس بالإيجاب على حياتها..

 

ومضت الأيام ببطءٍ شديد.. ورغم غياب المتادور عن القرية الجدة رامونا لم تتوقف عن التفكير كيف ستنتقم من لينيا..

 

واليوم بينما كنتُ أتنزه برفقة خوسي قرب القصر مشياً على الأقدام سمعت صوت صرخات مُرتعبة لفتاة تطلب النجدة..

 

اقتربت مُسرعة باتجاه الاسطبل ولكن قبل أن ندخل إليه وقفت جامدة في مكاني أنظر بغضب أعمى إلى ما يفعلونه هؤلاء الحمقى بفتاة حفيدي..

 

أمسكت يد خوسي ومنعتهُ من التدخل.. بل نظرت إليه وقلتُ لهُ بأمر

 

" أعطني تلك العصا بجانبك.. وانتظرني هنا.. وإياك أن تدخل دون إذني "

 

وهكذا دخلت إلى الإسطبل وأنقذت لينيا من العاملين في الإسطبل لدى حفيدي سلفادور.. وطلبت بعدها من خوسي بإخراجهم من هنا..

 

نظرت إلى لينيا بغضب.. إذ بداخلي ألقيت اللوم عليها بسبب ما حدث معها الآن.. لماذا أتت إلى الإسطبل وبمفردها؟.. هي تبحث عن المشاكل بكل تأكيد..

 

وهنا.. وفي هذه اللحظات اتخذت قراري والذي لن أتراجع عنه أبداً.. على لينيا هارفين أن تنجب لي حفيد في أسرع وقت..

 

هذا سيكون عقابها.. روح مُقابل روح.. وإن لم توافق ستكون روحها هي الثمن..

 

وما أن عُدت إلى القصر طلبت وبسرعة عقد اجتماع طارئ مع رجال عشيرة دي غارسيا.. والجميع وافقوا على قراري.. ولم يتبقى سوى موافقة المتادور.. وهو سيكون مُجبراً على تنفيذ هذا العقاب..

 

وكما هو الحال دائمًا.. كانت السنيورا رامونا تعرف كيف تلعب بخيوط السلطة والتأثير.. وكان لديها القدرة في هذا اليوم على توجيه مصائر الآخرين وتحقيق مآربها الخاصة..

 

 

المتادور سلفادور**

 

 

نظرت إلى جدتي وهتفت بحدة وبتصميم وبحزم

 

" من المُستحيل أن أوافق على هذا القرار.. بل من المُستحيل أن أوافق على الزواج من المرأة التي أحبها شقيقي "

 

رفعت جدتي رامونا حاجبها عاليا وقالت بنبرة هادئة

 

" من طلب منك الزواج من لينيا هارفين؟.. طبعاً لن تتزوجها.. أريدها أن تنجب لك ابن من دون زواج.. فأنتَ المتادور سلفادور دي غارسيا.. رئيس عشيرة دي غارسيا.. أنتَ المتادور العظيم.. على زوجتك أن تكون عذراء ولم يتم لمسها من أي رجل "

 

وكلماتها هذه جعلتني أتجمد في مكاني بذهول.. ووقعت تحت تأثير صدمة لا مثيل لها..

 

كانت الكلمات التي قالتها جدتي رامونا تدور في عقلي مثل عاصفة هائلة.. شعرت بالصدمة تتسلل إلى جسدي كالبرق.. كنتُ أتأمل الوجه الهادئ لجدتي.. وكأنني أُحاول فهم القوة التي جعلتها تطلب شيئًا مني بهذا الجنون..

 

الصدمة التي أصابتني في هذه اللحظة كانت واضحة على وجهي.. وقلبي كان ينبض بسرعة من الغضب.. كنتُ أعلم أن جدتي لديها قوة كبيرة في العشيرة.. ولكن لم أكن أتوقع أبدًا أن تصل إلى هذا الحد.. أن تُقنع رجال عشيرة دي غارسيا بهذا العقاب الجنوني على لينيا هارفين..

 

كانت الأفكار تدور في رأسي بشكل فوضوي.. كنتُ أُحاول تفسير ما حدث.. كيف يمكن لجدتي التفكير في شيء كهذا؟.. شرف النساء لدينا لا يمكن التلاعب به.. حتى لو كانت لينيا هارفين عشيقة شقيقي الراحل لا يمكننا أن نُجبرها على فعل ذلك بسبب الانتقام..

 

كنتُ أعلم بأنني سأواجه تحديات في حياتي.. ولكن هذا الاقتراح كان أمرًا لا يمكن تصديقه..

 

نظرت جدتي إليّ ببساطة وهدوء.. وقالت بصوت ثابت

 

" أريد من لينيا هارفين أن تحمل لك طفلًا.. وطبعاً كما ذكرت لكَ منذ قليل من دون زواج.. فهي ليست امرأة شريفة.. فهي كانت عشيقة حفيدي بينيتو.. والله وحدهُ يعلم كم عاشرت من الرجال قبله.. واليوم اعترفت لينيا لي وبكل وقاحة بأنهُ لم يلمسها رجل من بعد بينيتو.. لذلك عليك أن تجعلها تحمل بطفلك.. وهذا الطفل سيكون تعويضاً لنا عن خسارتنا لـ بينيتو "

 

لم أستطع تصديق ما سمعته.. كما لو أن كلمات جدتي كانت مُجرد كابوس.. تأملتُها بصدمة كبيرة وهمست بتساؤل

 

" ماذا؟!! "

 

لكن جدتي لم يُظهر على وجهها أي علامة عن التراجع.. بل قالت بحزم

 

" أنا السنيورا الكبيرة لعشيرة دي غارسيا.. وأنتً زعيم هذه العشيرة.. سلفادور.. يجب أن تفهم.. هناك مهمة تنتظرك.. أنتَ مُلزم على تحقيق هذا الانتقام.. فمن مات هو شقيقك.. وتلك المرأة إما هي مُشتركة في جريمة قتله.. وإما هي تتستر على القاتل لتحميه.. لذلك أنا وجميع رجال عشيرة دي غارسيا اتخذنا قرارنا.. روح مُقابل روح "

 

نظرت إلى جدتي ورفضت بقوة وبغضب هاتفاً

 

" هذا لا يمكن أن يكون حلاً.. لينيا ليست لعبة يمكن أن نلعب بها لتحقيق أهدافنا.. وخاصةً لتحقيق أهدافكِ من الانتقام منها.. ما تريدينهُ جدتي ضرباً من الجنون.. وأنا من المستحيل أن أوافق عليه "

 

بينما كنتُ أهتف بتلك الكلمات رأيت الغضب يتسلل إلى عيون جدتي.. وفجأة.. تأملتني جدتي بنظرات غريبة وتحدثت بكل هدوء قائلة

 

" إذا لم توافق على جعل لينيا هارفين تحمل بطفلٍ منك.. سأطلب من خوان.. ابن عمك.. أن يقوم بهذه المهمة "

 

هذه الكلمات تسللت إلى ذهني كالسهم.. حيث فقدت القدرة على التصديق.. والصدمة تملكتني وجعلتني أجمد دون حركة أمام جدتي..

 

تجمدت في مكاني والصدمة لم تتركني.. فكرة أن يلمس خوان لينيا هارفين أحرقت قلبي بشدة دونَ أن أفهم السبب.. وطبعاً تملكني الغضب وأحرقني بسبب جنون جدتي..

 

اقتربت من جدتي خطوة ولأول مرة في حياتي أصرخ بوجهها بغضب أعمى وبقلة احترام

 

"  أنتِ فقدتِ عقلكِ جدتي.. لينيا امرأة وليست لعبة ترمينها لأي رجل من عائلة دي غارسيا ليجعلها تحمل منه.. تذكري جيداً بأنها كانت حبيبة بينيتو.. طبعا بينيتو أحبها وإلا ما كان لمسها "

 

لكن الجدة رامونا ظلت هادئة وهي تقول بتصميم

 

" سلفادور.. إنها الطريقة الوحيدة للتعويض.. إما أن تقبل أو أجعل خوان يُنفذ ذلك من أجل عشيرته.. في النهاية خوان من العائلة وهو حفيدي الثاني.. ودماء عائلة دي غارسيا تجري في عروقه "

 

فقدت السيطرة تماماً على نفسي.. وغضبي تفجر بشكلٍ عنيف.. نظرت إلى جدتي بتصميم وهتفت بحدة

 

" لن أوافق على هذا الجنون.. لا يمكنكِ أن تُجبريني على فعل شيئًا كهذا.. ولن أسمح لابن عمي خوان بلمس لينيا "

 

لكن جدتي رامونا ظلت هادئة وقالت بثقة

 

" سلفادور.. أنا لا أُجبرك.. اعتبر ذلك خيارًا لك.. وإذا لم توافق.. سأتخذ الإجراءات اللازمة مع خوان.. تذكر جيداً بأنك رئيس هذه العشيرة.. من واجبك أن تستمِع لطلبات أفراد عشيرتك.. والجميع وافقوا على هذا العقاب "

 

الصدمة كانت جداً وقعها قاسياً عليّ.. بطريقةٍ ما سيتم إجباري على تنفيذ هذا العقاب على حبيبة شقيقي..

 

وجدتي رامونا لم تتراجع عن قرارها.. بل تابعت قائلة بثقة

 

" سلفادور.. أنتَ تفهم جيدًا مدى أهمية هذا لعائلتنا.. خوان هو جزء من عائلتنا أيضًا.. ولكن أنا شخصياً أُفضل أن يكون الطفل من لحمك ودمك "

 

أثارت هذه الكلمات غضبًا لا أستطع السيطرة عليه بداخلي.. هتفت بصوت يعبر عن مدى غضبي وصدمتي

 

" جدتي.. أنتِ فعلًا فقدتِ عقلكِ.. كيف يمكنكِ أن تتحدثي عن شيء كهذا؟.. بل كيف تطلبين مني مُعاشرة حبيبة شقيقي الراحل وجعلها تحمل بطفلي؟.. من المستحيل أن أوافق على هذا الجنون "

 

لم تهتم جدتي رامونا لصرختي ورفضي القاطع وغضبي.. بل قالت ببساطة

 

"  لا يوجد حل آخر سلفادور.. إما أو توافق على هذا القرار أو أطلب من خوان تنفيذه "

 

ارتعش جسدي من جراء اشتعال الغضب بداخلي.. وتملكتني رغبة عميقة بتحطيم كل ما يوجد حولي من أثاث.. ولكن من أجل جدتي تمالكت نفسي بصعوبة..

 

سمعت جدتي تسألني ببساطة وبهدوء أعصاب

 

" هل توافق أم لا؟.. سلفادور.. عليك أن تعلم بأنهُ بعد يومين سيتم عقد اجتماع هنا في القصر.. رجال العشيرة يريدون منك شخصيا أن تُصدر هذا الحُكم أمامهم وأمام لينيا هارفين.. لذلك عليك أن تُقرر الآن.. هل أنتَ موافق على جعل لينيا تحمل بطفل منك؟.. أم تريد من خوان تنفيذ ذلك؟! "

 

فقدت السيطرة على نفسي.. غطيت وجهي بكلتا يداي بينما انهرت جالساً على الأريكة وأنا في حالة من الصدمة والغضب..

 

أبعدت كلتا يداي عن وجهي ونظرت إلى جدتي بعيون مليئة بالصدمة.. نظرت بذهولٍ لا يوصف إلى السيدة الوحيدة التي أعتبرُها قوة لا تُقهر.. كانت الغرفة تعكس مدى صدمتي.. حيث طغى الصمت الثقيل على الأجواء.. وكأن الزمن توقف في هذه اللحظة الثقيلة..

 

وقفت جدتي رامونا أمامي بوجهٍ خالٍ من أي تعبير.. كمن تقف أمام تحدٍ هائل وتعلم جيدًا كيف تواجهه.. تنهدت جدي بقوة وقالت بنبرة حنونة

 

" سلفادور.. يجب أن تفهم أن هذا هو الحل الوحيد.. لينيا حطمت عائلتنا.. أحبت شاب أصغر منها في العُمر وتسببت في موته.. هي مُذنبة.. لو لم تكن مُذنبة لما كانت التزمت الصمت ولم تُدافع عن نفسها أمامنا.. أنا أتفهم جيداً ما تشعرُ بهِ الآن حفيدي.. أنا أعلم جيداً كم أنتَ رجل شهم وصاحب مبدأ.. ولكن العائلة أهم من أي شيء آخر "

 

نظرت بغضب إلى جدتي بسبب مُحاولتها لإقناعي..


رواية المتادور - فصل 7 - روح مُقابل روح

 

ولكن بسبب حُبي واحترامي الكبير لها لم أستطع مُجادلتها.. بل سألتُها بكلمات خرجت من فمي بصعوبة

 

" أليس هذا ظلمًا بحق لينيا؟.. ماذا سيحدث لها بعد إنجابها لطفلي؟.. هذا إن وافقت على هذا الجنون.. أخبريني جدتي.. ماذا سيحدث لـ لينيا هارفين بعد إنجابها للطفل؟ "

 

رفعت جدتي رامونا يدها بحركة هادئة وقالت بينما كانت تُعدل ضفيرة شعرها وتدفعها إلى خلف كتفها

 

" طبعاً يمكنها الذهاب من هنا دونَ أن يتعرض لها أحد.. سينتهي الانتقام فور إنجابها لطفلك.. وطبعاً لن يتم السماح لها برؤية الطفل.. عندما تلد لينيا الطفل سيتم حرمانها منه.. هذا هو عقابها.. طبعاً نحن لا نريد أي أذى للناس.. ولكن في بعض الأحيان يجب أن نأخذ قرارات صعبة للحفاظ على العائلة والمصلحة العامة للعشيرة.. لينيا ستدفع ثمن موت بينيتو بهذه الطريقة.. روح مُقابل روح "

 

ووسط ذهولي الشديد تابعت جدتي قائلة

 

" ستكون لينيا بخير.. وبمجرد ولادتها للطفل.. يمكننا أن نعود إلى حياتنا الطبيعية.. وهي كذلك.. ولكنها لن ترى طفلها أبداً.. هذا الطفل سيكون ابنك أي حفيد عائلة دي غارسيا والوريث الشرعي والأول لك.. وعندما تتزوج على زوجتك أن تعتبر ابنك هو ابنها وتحبه وتقوم بتربيته تربية صالحة "

 

أردت أن أُصدق أن كلام جدتي ليس حقيقيًا.. ولكن الواقع كان يُجبرني على التقبل..

 

نظرت جدتي إليّ بعمق وسألتني بهدوء

 

" متادور.. القرار يعود إليك.. هل تختار أن تكون رئيسًا لعائلتك وتحمل مسؤولياتك؟ "

 

استمر الصمت لفترة.. حيث كان الصمت يطفو في الهواء كأثقال ثقيلة.. في هذه المعركة بين الانتقام وبين مبادئي خسرت.. نعم لقد خسرت أمام هذا الانتقام..

 

للأسف لن أستطيع الرفض.. لا يُمكنني كرئيس لهذه العشيرة وكأخ لـ بينيتو أن أرفض.. لقد أصدروا الحُكم عليّ وليس فقط على لينيا هارفين..

 

ثم.. بصوت مكسور وبهزيمة أجبت جدتي بهدوء

 

" موافق.. سأفعلها "

 

بداخلي شيء كان يرفض رفضاً قاطعاً أن يلمس خوان امرأة شقيقي.. لذلك وافقت مُرغماً على تنفيذ هذا العقاب الجنوني..

 

ولكن عندما رأيت جدتي تبتسم بسعادة.. وقفت ونظرت إليها بغضب وقلتُ لها بتصميم

 

" سأفعلها.. ولكن أنا الوحيد من سوف يُقرر متى سيتم تنفيذ هذا العقاب.. لن يقترب أحد من لينيا هارفين ويلمس شعرة واحدة من رأسها منذ هذه اللحظة.. ولن تتدخلي بقرارتي بعد الآن جدتي.. أنا هو رئيس هذه العشيرة.. أنا من يتخذ القرارات.. وهذه المرة الأولى والأخيرة التي سأسمح بها لأحد باتخاذ أي قرار نيابةً عني.. خاصةً أنتِ جدتي "

 

وبينما كانت تقف جدتي بكبريائها أمامي.. شعرت بأنني جزء من عرش لا أرغب في التواجد فيه.. لكن قررت أن أحمي لينيا بأي ثمن من عائلتي.. حتى لو كان الثمن هو جزء من قلبي ومبادئي..

 

للأسف لن أستطيع وقف تنفيذ هذا الانتقام.. ولكن وعدت نفسي في هذه اللحظة أن أحمي حبيبة أخي مهما كلفني ذلك...

 

غادرت جناح جدتي وصعدت إلى الطابق العلوي.. دخلت إلى جناحي الخاص بينما كانت الأفكار تدور في رأسي بشكل فوضوي..

 

الطريقة التي استخدمتها جدتي رامونا لتضغط عليّ لم تُعجبني بتاتاً.. خلعت سترتي ورميتُها بعيداً ثم جلست على الأريكة أُفكر..

 

وبينما كنتُ أُفكر تذكرت كلمات جدتي وكيف أعلنت ببرود عن رغبتها في أن تنجب لينيا طفلًا من دون زواج.. إما مني أو من خوان.. طبعاً كنتُ أرفض هذا الفكر تمامًا.. كنتُ مُتمسك برفضي بشدة وأحسست بالغضب يتصاعد داخلي لأن جدتي أجبرتني على القبول..

 

سمعت طُرقات خفيفة على الباب.. وبعد أن سمحت للطارق بالدخول رأيت خواكيم يفتح الباب ثم يُغلقهُ بهدوء ووقف أمامي وتأملني بنظرات قلقة..

 

عقدت حاجباي بينما كنتُ أنظر إليه إذ عرفت بأنهُ يشعر بالخوف من شيء.. فسألتهُ بسرعة

 

" خواكيم.. أنتَ بخير؟ "

 

أجابني بتوتر قائلا

 

" متادور.. سامحني لأنني صعدت إلى جناحك الخاص دون استئذان مُسبق.. أنا بخير سنيور.. ولكن.. لكن... "

 

وقفت واقتربت منهُ ووضعت يدي على كتفه وسألتهُ بنبرة حنونة

 

" ما الذي يُخيفك خواكيم؟.. تكلم.. لا تخف مني أبداً "

 

بلع خواكيم ريقهُ بقوة وقال بصوتٍ هامس وكأنهُ خائف أن يسمعهُ أحد خارج جدران جناحي

 

" أنا لستُ خائفاً منك متادور.. أنا فقط.. هو.. السنيورا رامونا و سنيوريتا لينيا حدث شيء بينهما اليوم "

 

نظرت إليه بنظرات مُتعجبة ثم سألتهُ بدهشة

 

" ماذا تقصد؟.. أخبرني خواكيم وبسرعة "

 

تأملني خواكيم بنظرات متوترة ثم قال بسرعة

 

" العاملون في الاسطبل حاولوا اليوم الاعتداء على سنيوريتا لينيا.. ولكن السنيورا رامونا أنقذتنا في آخر لحظة.. والحارس خوسي رمى العُمال الخمسة في القبو داخل المبنى التابع للقصر.. وأنا بالصدفة منذ قليل سمعت خوسي يضربهم ويقوم بتعذيبهم في ذلك القبو وهم كانوا يطلبون السماح وأنهم لن يقتربوا من جديد من سنيوريتا لينيا "

 

كان الغيم يعلو جبيني.. ووجهي ينطق بلغة الغضب والاستياء.. خرجت من جناحي بخطوات سريعة بينما قلبي كان ينبض بسرعة مع كل خطوة.. خرجت من القصر وركضت باتجاه المبنى.. وما أن دخلت إلى المبنى وقفوا الحُراس جانباً وتأملوني بنظرات خائفة..

 

تابعت الركض نحو القبو.. كانت السلالم تحت أقدامي تصدح بصوت خطواتي الثقيلة.. صوت صرخات العُمال الخمسة تسرب إلى أذناي.. وكلما اقتربت من القبو استطعت السماع وبشكلٍ أوضح صرخاتهم المتألمة..

 

ركلت الباب بقدمي فانفتح وارتطم بعنف على الحائط.. عندما دخلت إلى القبو وجدت الحارس خوسي يقف في وسط الغرفة وهو يراقب العمال الخمسة الذين كانوا ملقين على الأرض تحت سيطرة السوط..

 

تأملني خوسي بنظرات مُندهشة ثم ابتعد بسرعة ووقف جانباً ونظر إلى الأسفل هرباً من نظراتي الغاضبة.. وسرعان ما ألقيت نظرة حادة على وجوه العُمال الذين كانوا ينظرون إليّ بعيون مليئة بالخوف والألم.. كانت لحظة صمت محبطة تسيطر على القبو..

 

ضغطت قبضتاي بقوة وهتفت بغضب أعمى

 

" ماذا فعلتم أيها الملاعين؟ "

 

ثم هتفت بصوت يرتفع بغضب متصاعد

 

" هل فقدتم عقولكم لتتصرفوا وأثناء غيابي كذلك بتلك الهمجية مع امرأة شقيقي.. سوف تدفعون الثمن غالياً أيها الملاعين "

 

ركضت نحو خوسي وسحبت من يدهِ السوط.. ثم وقفت أمام العُمال الخمسة الذين كانوا ملقين على الأرض.. وهتفت بغضب أعمى

 

" لن أسمح بحدوث ذلك مرة أخرى في قريتي.. ولن أسمح لأي رجل بلمس شعرة واحدة من رأس لينيا هارفن بعد الآن "

 

وفورًا بدأت بجلدهم بالسوط.. والكلمات الغاضبة خرجت من فمي بينما كنتُ أجلدهم دون أي رحمة أو شفقة

 

" هل ظننتم بأنكم سوف تهربون من العقوبة بعد أن حاولتم الاعتداء على حبيبة شقيقي الراحل؟.. لن أسمح لكم حتى بالنظر إليها نظرة عابرة صغيرة.. سوف تدفعون الثمن غالياً أيها الكلاب وأشباه الرجال "

 

تفجر السوط بضراوة على الظهور المكشوفة للعمال.. والصراخ والصرير كان يعلو في القبو..

 

لم أتوقف عن جلدهم رغم أنني سلخت جلدهم.. ووجوههم كانت تعكس الألم والخوف..

 

بينما كان المتادور يجلد العُمال الخمسة كانت كل ضربة تشهد على غضبه واستيائه العميق.. كانت كل ضربة من السوط تحمل كل نبضة من نبضاته الغاضبة..

 

حاول خوسي التدخل.. لكن ما أن اقترب مني هتفت بغضب جنوني عليه

 

" خوسي.. إن اقتربتَ خطوة أخرى مني سأقوم بجلدك أنتَ الآخر لأنك لم تُخبرني بما حدث اليوم فور وصولي إلى القرية "

 

ابتعد خوسي عني بسرعة وهو يعتذر مني بخوف.. لم أستطع لومهُ لأنهُ يشعر بالخوف مني الآن.. يحق لهُ أن يخاف مني.. فهذه المرة الأولى التي يرى بها غضبي..

 

الأوجاع الناتجة عن السوط كانت صرخة تحذير لأي شخص آخر يفكر في التطاول على من يحميه المتادور.. العمال توسلوا منهُ الرحمة والمغفرة.. ولكن الغضب في عيون المتادور كان لا يُظهر أي علامة على الانحسار..

 

توقفت أخيراً عن جلدهم عندما انتهيت من تأديبهم.. نظرت إلى الجراح في ظهورهم دون أي شفقة.. رميت السوط بعيداً وهتفت بأمر

 

" خوسي.. أريد جميع أهالي القرية في ساحة قصري الآن.. سأجعل الجميع يرون كيف سيكون عقاب كل رجل يحاول التعدي على امرأة في قريتي.. تحرك بسرعة "

 

ركض خوسي خارجاً من القبو بفزع.. نظرت إلى العُمال بحقارة ثم بصقت على الأرض وهمست بحقد

 

" تستحقون الإعدام أيها القذرون.. ما سأفعلهُ بكم بعد قليل سوف يُعلكم عدم لمس امرأة رغماً عنها ومحاولة الاعتداء عليها "

 

غادرت القبو وهتفت للحُراس بحدة وأمرتهم

 

" اجلبوا لي ذلك الحقير غارسيا.. وكذلك هؤلاء العُمال الخمسة.. وارموهم في ساحة قصري "

 

توجه المتادور بسرعة إلى الخارج يحمل في عينيه الغضب الذي لا يمكن أن يخفيه.. ومشى مُسرعاً باتجاه الاسطبل.. اقترب من حصانهِ الجميل إيتان.. واسمهُ يعني الجبار والقوي وذي السلطة..

 

قفز المتادور على ظهر حصانه وهمس بأذنهِ برقة

 

" إيتان.. حصاني الجميل.. اشتقتُ إليك كثيراً "

 

صهل حصاني بقوة وكأنهُ يقول لي بأنهُ اشتاق إليّ هو أيضاً.. داعبت وجههُ بيدي ثم قلتُ له

 

" حان الوقت لأنتقم من هؤلاء الرجال.. وأنتَ صديقي سوف تُساعدني بذلك "

 

صهل إيتان بقوة ثم ركض مُسرعاً باتجاه قصري.. وقف إيتان في وسط ساحة قصري والتي امتلأت بأهل قريتي.. طلبت إعادة الأطفال إلى منازلهم ثم أمرت خمسة من حُراسي بجلب خمس أحصنة إلى الساحة..

 

خرجت جدتي إلى الساحة ووقفت بين الناس تتأملني بنظرات مذهولة.. عندما وصلوا الحُراس الخمسة مع الأحصنة هتفت بصوتٍ مُرتفع وبغضب

 

" أهالي قريتي الأحباء.. اليوم سوف يتم مُعاقبة هؤلاء الرجال أمامكم لأنهم تجرأوا وتحرشوا بامرأة في قريتي.. هنا في هذه القرية لن أسمح بتاتاً بحدوث ذلك.. فكل امرأة تسكن هذه القرية هي تحتَ حمايتي.. ومن يحاول تخطي أوامري سيدفع الثمن غالياً "

 

نظرت إلى رجالي وأمرتهم بحدة

 

" أربطوا أذرُع العُمال الستة بالحبال.. ثم أربطوا الحبال بالأحصنة.. سيتم جر أجسادهم بطريقة مُهينة في كامل طُرقات القرية.. ليرى الجميع العقاب الذي سينالهُ كل رجل يحاول التعدي على امرأة في قرية اكستريمادورا "

 

قفزت عن ظهر حصاني إيتان وسحبت الحبل الذي تم ربط أذرع غارسيا به.. فأنا لم أنسى بتاتاً ما فعلهُ غارسيا بـ لينيا في ذلك اليوم.. ربطت الحبل على عنق إيتان ثم قفزت على ظهره ولكزتهُ بكعب حذائي بخفة.. صهل إيتان بقوة وكأنهُ يستعد لمواجهة الجميع من أجلي.. ثم بدأ يعدو بسرعة.. وتبعوني الحُراس الخمسة على الأحصنة بعد أن قاموا بربط الحبال...

 

جميع أهالي القرية وقفوا ينظرون بذهول وبتوتر.. طبعا غارسيا والرجال الخمسة لم يستطيعوا الركض أمام سرعة الأحصنة.. لذلك سقطت أجسادهم على الأرض وبدأت أجسادهم تتأرجح على الطرقات..

 

مشهد تأرجُح أجسادهم بالتراب وعلى طُرقات القرية كان مُذلا.. أوقفت حصاني في ساحة القرية وتوقفت الأحصنة خلفي.. قفزت عن ظهر حصاني وقمتُ بفك الحبل وحررت غارسيا..

 

أمرت حُراسي بفك الحبال وتحرير العُمال الخمسة.. ثم أمرت رجالي بأخذهم إلى المستشفى في القرية وبعدها يتم تسليمهم إلى مركز الشرطة في اكستريمادورا..

 

وقفت أمام سُكان قريتي وهتفت بقوة

 

" هذا سيكون عقابي لكل من يحاول مُخالفة أوامري والتهجم على أي امرأة في قريتي.. وبعدها السجن سيكون مصيرهم.. وكل من يحاول أذية لينيا هارفين سيكون عقابي له أسوأ بكثير.. فقد عرفت كيف تم مُعاملتها من قبل البعض منكم أثناء غيابي عن القرية.. ولن أسمح بتكرار ما حدث مرة أخرى "

 

ساد الصمت قليلا في ساحة القرية ثم بدأوا النساء يهتفون بقوة

 

" عاش المتادور سلفادور.. عاش المتادور... "

 

قفزت على ظهر حصاني وأمرت حُراسي بالعودة.. وانطلقت بحصاني العربي الأصيل إيتان بسرعة البرق مُبتعداً عن الجميع.. جعلت حصاني يتجه نحو الحقول وتوجهت إلى البحيرة والتي تقع في الأرض التي أمتلكها..

 

أوقفت حصاني أمام البحيرة وربطت اللجام على غصن الشجرة.. اقتربت وجلست على الصخرة الصغيرة أمام بحيرة دورا..

 

تتميز هذه البحيرة بالمياه النظيفة والنقية التي تُحيط بها المناظر الطبيعة الرائعة التي قد تجعلك لا ترغب في العودة إلى منزلك..

 

تنهدت بحزن بينما كنتُ أتذكر ما أجبرتني عليهِ جدتي.. نظرت أمامي بحزن وهمست بغصة كبيرة

 

" سامحني بينيتو.. سامحني شقيقي.. سامحني لأنني مُرغم على لمس المرأة التي أحببتها "

 

كنتُ على ثقة بأن بينيتو قد أحب لينيا.. فأنا من قمتُ بتربيتهِ بنفسي.. من المستحيل أن يكون بينيتو على علاقة معها إن لم يُحبها.. خاصةً لأنهُ تربى على القيم والأخلاق.. لقد ربيتهُ على الصدق والعدالة والأمانة والأدب واحترام الآخرين والتواضع..

 

نظرت إلى البحيرة وتنهدت بقوة...


رواية المتادور - فصل 7 - روح مُقابل روح

 

وبينما كنتُ أنظر إلى البحيرة تذكرت قصة الأسطورية الخاصة بهذه البحيرة..

 

تحكي الأساطير القديمة أنه في هذه المنطقة عاشت امرأة تدعى دورا.. كانت امرأة فائقة الجمال ولكنها لم ترغب بالزواج سوى برجل أحلامها..

 

وفي يوم وبينما كانت دورا تمشي على هذه الصخور القريبة من البحيرة شاهدت جسد يطفو في المياه.. ركضت وانتشلت ذلك الجسد وأخرجته من البحيرة.. لتتفاجأ دورا برؤية جسد رجل ولكن طبقة صلبة صغيرة تُشبه الحراشف كانت تُغطي كامل جسدهِ العاري..

 

ولكن بعد لحظات اختفت تلك الحراشف.. تقول الأسطورة بأن دورا شعرت بالخوف ولكنها لم تهرب من ذلك الرجل والذي كان فاقد الوعي.. بل قامت بمساعدته ووضعت معطفها على جسده.. وعندما استيقظ ذلك الرجل أحبتهُ دورا من النظرة الأولى..

 

كان الرجل أبكم ولكن دورا لم تهتم.. ومع الأيام أحب الرجل الغريب دورا وتزوجها.. وعاش الزوجان مع بعضهما وكانا يُحبان بعضهما حبا جماً.. بنيا منزلاً صغيراً بين الأشجار الجميلة على ضفاف هذه البحيرة الصغيرة..

 

ولكن في يوم من الأيام استيقظت دورا ولم تجد زوجها.. ذهلت و فزعت ولم تصدق ما حصل.. كيف اختفى زوجها فجأة؟!.. وبدأت المسكينة تُحطم كل شيء أمامها و تبكي و تبكي وتصرخ لزوجها ليعود.. و لم تتوقف عن البكاء بينما كانت تبحث عنه..

 

بحثت عنهُ المسكينة كثيراً ولم تستسلم أبداً.. ولكنها لم تجده.. وبعد مرور عدة أشهر أهالي القرية شعروا بالقلق عليها إذ لم تعُد دورا تأتي إلى القرية وتبحث وتسأل عن زوجها.. فذهب بعض الأهالي إلى البحيرة وشعروا بالذهول عندما لم يجدوا أي أثر للمنزل ولـ دورا.. اختفوا فجأة وكأنهُ قد انشقت الأرض وابتلعتهم كما حدث لزوجها..

 

يُقال أن زوجها كان ملك هذه البحيرة.. وقرر أخذ زوجته إلى عالمه بعد أن أخفى المنزل..

 

تبقى قصة أسطورية لا تمت للواقع بصلة.. ولكن كنتُ أُحب في صغري سماع هذه القصة كثيراً من والدتي ومن جدتي.. وكنتُ أُخبر بينيتو عنها في كل ليلة قبل أن ينام عندما كان طفلا..

 

تنهدت بعمق ووقفت.. قررت العودة إلى القصر.. أريد أن أرتاح.. فقد أنهكني التفكير...

 

 

لينيا هارفين**

 

كانت لينيا تجلس في غرفتها تحاول إخفاء جراحها النازفة بكل هدوء.. الدموع تسيل بلا توقف على وجنتيها.. وصوت بُكائها الضعيف كان يتسلل إلى الزوايا الهادئة من غرفتها يشير إلى ألم لا يمكن إخفاءه.. كان هجوم العمال عليها وتهديدهم وضربهم لها ومُحاولتهم لاغتصابها قد ترك آثارا عميقة على روحها..


رواية المتادور - فصل 7 - روح مُقابل روح

 

كانت لينيا قد استحمت وارتدت ملابسها فور عودتها إلى هذه الغرفة.. لم تستطع التوقف عن البقاء لفترة ساعتين ونصف كاملتين..

 

كنتُ حزينة جداً.. وقلبي يؤلمني بشدة.. نظرت أمامي وهمست بتعاسة

 

" بينيتو.. ليتك هنا معي.. أحتاج لحمايتك وبشدة.. لو تعلم ما يفعلونهُ بي.. أنا أتألم.. أتألم بشدة... "

 

بينما كنتُ أمسح دموعي الحارة سمعت صرخة هائلة من خارج القصر.. انفجر صدى تلك الصرخة في أرجاء القرية مثل صاعقة مفاجئة.. كانت صرخة المتادور الغاضب يمكن سماعها حتى أصبحت هزيمة لصمت القرية..

 

توقفت عن البكاء ونظرت أمامي بذهول ثم همست بسعادة

 

" المتادور هنا.. إنهُ هنا... "

 

قفزت من مكاني بينما كنتُ أتساءل عما حدث.. ما الذي جعل المتادور يغضب إلى تلك الدرجة؟..

 

ركضت باتجاه النافذة الصغيرة آملة أن ألتقط لمحة عن مصدر هذا الصوت الرنان.. لكن النافذة الضيقة لم تكن تكفي لتكشف لي الوضع في الساحة الخارجية..

 

حاولت رفع رأسي وإدخاله بين القضبان الحديدية في النافذة لأرى حبيبي وأعرف لماذا هو غاضب.. ولكن انحشر رأسي بين القضبان..

 

صرخت بألم وحررت رأسي من بين تلك القضبان الحديدية.. نظرت بحزن إلى الخارج وهمست بقهر

 

" ما الذي يحدث؟.. أريد أن أعرف "

 

وفي هذه اللحظة.. وعلى الرغم من ألمي وضعفي شعرت بأن روحًا جديدة قد تملكتني.. عندما أسمع صوت حبيبي أشعر بالأمان والطمأنينة..

 

لمعت عيوني بالعشق عندما سمعت كلمات المتادور خارج القصر.. هتف المتادور يتلك الكلمات المُهددة وكان صوته يحمل وعدًا جديدًا للعدالة والانتقام..

 

ابتسمت بسعادة لا توصف إذ عرفت بأن حبيبي قد اكتشف ما فعلوه بي هؤلاء العُمال اليوم.. والآن هو يريد مُعاقبتهم..

 

تنهدت بطريقة هائمة وهمست بعشق

 

" كم أُحبك سلفادور دي غارسيا.. حبيبي الوسيم "

 

سمعت صهيل الأحصنة في الخارج.. لم أفهم ما يحدث.. ولم أكتشف كيف سوف يُعاقب هؤلاء العُمال.. ولكن فكرة أنهُ سيفعل ذلك بهم من أجلي جعلتني أهيم أكثر بعشقه...

 

ابتعدت عن النافذة وجلست على السرير.. ضممت الوسادة إلى قلبي وفكرت بفارس أحلامي المتادور.. لطالما أحببته.. أحببتهُ منذ مُراهقتي.. وكان حُلمي الوحيد أن ألتقي به..

 

ولكن تحقق حُلمي بطريقة مؤلمة جداً.. ومع ذلك ما زال سلفادور يتربع على عرش قلبي.. جعلني أحبهُ أكثر.. وهذا ما يُخيفني.. فهو يكرهني..

 

عاد الحُزن ليسيطر على عقلي وقلبي.. استلقيت على السرير ونظرت أمامي بخوف.. بعد يومين سوف يتم إصدار الحُكم عليّ من قبل رئيس عشيرة دي غارسيا.. حبيبي سوف ينتقم مني بسبب وفاة شقيقه بينيتو..

 

أغمضت عيناي وسالت دموعي الحزينة على وجنتاي.. شهقت بقوة وهمست برجاء

 

" أرجوك حبيبي.. لا تظلمني.. لن أتحمل إن كان عقابك لي قاسياً.. أرجوك سلفادور.. لا تؤلمني وتُحطم قلبي "

 

تنهدت بقوة وبدأت أتذكر تلك الليلة التي قضيتُها برفقة المتادور في مدينة ماردة.. وبعد وقتٍ طويل غرقت بالنوم ورأيت كابوساً مُرعباً عن تلك الليلة.. ليلة مقتل بينيتو....

 

بعد مرور يومين**

 

استيقظت في الصباح وشعرت بالتوتر والرهبة إلى درجة أنني لم أرد سوى البقاء في الفراش.. شعرت بالخوف وبألم في أمعائي.. كنتُ خائفة جداً.. فاليوم سيتم إصدار الحُكم عليّ.. شعرت بالرغبة بالتقيؤ.. ولم أستطع السيطرة على رجفة جسدي..

 

إحساس بداخلي كان يُخبرني بأن انتقام المتادور سيكون مُخيفاً..

 

وقفت ومشيت باتجاه حقيبة سفري.. أخرجت ملابس سوداء وارتديتُها.. كنتُ وكأنني أتحضر لتنفيذ حُكم الإعدام عليّ..

 

جلست على الكرسي وانتظرت.. انتظرت.. انتظرت بخوف دخول المتادور أو أحد الحُراس.. ولكن أصبحت الساعة السادسة والنصف مساءاً ولم يدخل أحد.. لم يدخل سوى خواكيم ليضع لي صينية الطعام مثل عادته في الصباح وأثناء الظهر..

 

بينما كنتُ أنتظر كانت دموعي تنساب بحرية على وجنتاي.. فجأة شهقت بذعر عندما سمعت طرقات خفيفة على الباب وبعدها سمعت الشاب خواكيم يقول باحترام

 

" سنيوريتا.. هل تسمحين لي بالدخول؟ "

 

ارتعش فكي بعنف بينما كنتُ أنظر بذعر إلى الباب.. بلعت ريقي بقوة وهمست بصوتٍ مبحوح

 

" تفضل "

 

دخل خواكيم الى الغرفة بهدوء.. كانت الغرفة مضاءة بشكل خافت.. ورغم الدفء الذي كان ينبعث منها إلا أنني شعرت بالبرودة والتوتر..

 

وقف خواكيم أمامي وقال بلباقة

 

" سنيوريتا.. يجب أن ترافقيني.. المتادور ينتظركِ "

 

وقفت بحذر ومسحت دموعي بسرعة ثم خرجت برفقة خواكيم.. وكل خطوة كانت كثقل ثقيل على قلبي.. دخلنا إلى قصر المتادور ومررنا في الممرات الرخامية حتى وصلنا أمام ذلك الباب الضخم والذي يؤدي إلى تلك القاعة الكبيرة والمُرعبة..

 

فتحوا الحُراس الباب أمامي ورأيت نفسي أدخل بخطوات مُرتعشة وبطيئة إلى قاعة الاجتماع..

 

كانت اللحظات تمر ببطء.. كأن الزمن يتراجع في محاولة لإطالة هذه اللحظات الأخيرة قبل مواجهة الانتقام..

 

أمامي كانوا رجال عشيرة دي غارسيا.. وعلى رأسهم المتادور سلفادور.. رئيس العشيرة كان يقف بجوار جدته رامونا.. السيدة القوية التي كانت تلقب بـ " أم العشيرة ".. سبق وأخبرني بذلك خواكيم والذي لم يدخل الآن إلى القاعة برفقتي..

 

شعرت بالصدمة لدى رؤية المتادور.. حبيبي.. الذي كنتُ أحلم أن يكون لديه دور آخر في حياتي.. لكن أدركت أنني الآن عرضة للحكم والقرارات الصارمة بسبب الانتقام..

 

تحولت الرفاهية في الصالة إلى جو من التوتر لدى دخولي.. وقفت أمام العديد من رجال عشيرة دي غارسيا.. وكانوا يراقبونني بترقب.. جدة المتادور.. السنيورا رامونا.. كانت تقف بجانب حبيبي وكانت عينيها تلمع بقوة..

 

كانت الأنظار تتجه نحوي بحقد يتناقض مع جو الفخامة في الصالة.. ألقى المتادور سلفادور نظرة جادة نحوي ثم اقترب ووقف أمامي على بُعد خطوات عديدة.. وعلت أصوات الهمس بين رجال العشيرة..

 

تأملني المتادور بنظرات لم أستطع فهمها.. ثم قال بصوت حازم

 

" لينيا هارفين.. أنتِ الآن أمام رئيس وقادة عشيرة دي غارسيا.. المُهلة التي أعطيتُها لكِ لتعترفي قد انتهت.. ولكن لأكون عادلاً.. سوف أسألكِ للمرة الأخيرة.. أخبرينا بما حدث بالتفصيل في ليلة مقتل شقيقي بينيتو.. هل تعرفين من هو القاتل؟.. هل أنتِ متورطة بالحادث؟ "

 

نظراتي الحزينة كانت الإجابة الوحيدة له.. رأيتهُ يتأملني بنظرات متوترة وكأنهُ يطلب مني التكلم.. لكن لم أفعل.. كما لقد أعياني الخوف وأنا أُفكر فيما قد يفعلونهُ بي..

 

من نظراتهِ عرفت بأنهُ كان غاضباً بسبب صمتي.. بدأ جسدي يرتجف بشكلٍ خفيف.. وانعكست الأنوار على عيون المتادور بشكل يخلق ظلالاً غامضة..


رواية المتادور - فصل 7 - روح مُقابل روح

 

نظراتهِ الغاضبة ألمتني.. رأيتهُ ينظر إلى الجميع ثم استقرت نظراتهِ عليّ.. أطلق المتادور سلفادور نظرة حادة نحوي.. واجتمعت الأنظار علينا..  كنتُ أشعر وكأن الهواء اختنق حولي وكأن الزمن توقف عن الجري..

 

وبينما كنتُ أحاول السيطرة على خوفي جاءت عبارات المتادور لتهزّ كياني.. إذ بصوت قوي وصارم.. أعلن المتادور سلفادور

 

" بروفيسورة لينيا هارفين.. استمعي إلى قرار العشيرة.. بناءً على الأحداث الأخيرة.. وبسبب تكتمكِ الدائم وعدم الاعتراف لنا بما حدث في تلك الليلة.. فإن الحُكم كان صارمًا "

 

كنتُ أتوقع ذلك.. ولكن رغم ذلك كلماتهِ كانت بمثابة طعنة حادة في قلبي..

 

صمت مأساوي كان يخترق الأجواء.. ثم بصوت ثابت وغير متحيز.. أعلن المتادور قرارهُ القاسي بصوت مُرتفع وواضح

 

" روح مُقابل روح.. ستعيشين في عذاب الفراق بروفيسورة.. عليكِ أن تنجبي لي طفلاً خارج إطار الزواج.. وبعد ولادة الطفل سوف تتحررين.. ولكن لن يُسمح لكِ برؤية ابنكِ أبدًا "

 

تجمدت نظراتي بذهولٍ شديد على وجهه..


رواية المتادور - فصل 7 - روح مُقابل روح

 

لم أتوقع بتاتاً أن أتلقى هذا الحجم الكبير من القسوة من حبيبي.. تجمدت في مكاني وهمست بصوت خافت

 

" ماذا؟ "

 

ضربتني الصدمة بشدة.. كانت عيوني مفتوحتين بلا رؤية.. كما لو كنتُ أُحاول فهم حقيقة ما حدث.. تسارعت نبضات قلبي وكانت كل ضربة منه تجعلني أفقد الهواء..

 

سمعت كلمات المتادور تتردد في أذناي كصدى مؤلم ( روح مُقابل روح.. ستعيشين في عذاب الفراق بروفيسورة.. عليكِ أن تنجبي لي طفلاً خارج إطار الزواج.. وبعد ولادة الطفل سوف تتحررين.. ولكن لن يُسمح لكِ برؤية ابنكِ أبدًا ) تلك الكلمات كانت كأشواك تخترق قلبي وروحي ومشاعري..

 

كانت لحظة صمت محطمة.. ولم أكن قادرة على التحرك.. راقبوني الجميع وكأنهم ينتظرون ردة فعلي بفارغ الصبر..

 

في هذه اللحظة.. اندلعت صرخة عنيفة من حنجرتي

 

" اااااااااااااااعععععععععععععههه..... "

 

صرختي كانت تعكس الألم الهائل الذي اجتاحني.. كانت صرخة من القلب.. تحمل كل الأحزان والإحباط..

 

انهمرت الدموع على وجنتاي بلا توقف.. كانت صدمة حقيقية تعمّ المكان.. وكأنها انفجار غير متوقع داخل قلبي..

 

أمامي.. كان المتادور يقف جامدًا وساكنًا.. وهو يراقب ردة فعلي بعيون لا تعكس إلا القسوة.. كان وجهي معبأ بالألم والصدمة.. وقلبي ينزف من ألم لا يُحتمل.. على الرغم من جميع الاحتمالات التي فكرت بها وكيف سيقوم المتادور بمُعاقبتي.. ولكن لم أتوقع بتاتاً هذا العقاب القاسي والخالي من الرحمة منه..

 

لحظة بعد لحظة شعرت بالألم يتسارع ويتسلل إلى كل خلية في جسدي.. كنتُ أسأل نفسي بوجعٍ كبير كيف يمكن لشخص مثلهُ أن يكون بهذه القسوة.. كيف يمكن للحب أن يتحول إلى مصدر للألم العظيم بداخلي..

 

عندما نطقت شفاه المتادور بالحكم القاسي أدركت بأنهُ الآن يكشف عن وجهه الحقيقي أمامي...

 

بدأت الصدمة تتحول الى الغضب العارم داخل قلبي.. تحول كل هذا الحب والعاطفة إلى جرح عميق.. بدأت أشعر بالغضب يتصاعد بداخلي.. ولم أعد قادرة على السيطرة على نفسي..

 

نظرت إلى الجميع وهتفت بغضب أعمى

 

" هل فقدتم عقولكم جميعًا؟!.. ما الذي تفعلونه؟!.. لا أستطيع التصديق كم بلغت بكم الحقارة لتفعلوا ذلك بي "

 

ثم نظرت إلى المتادور والذي كان يتأملني بنظرات حزينة ومُندهشة.. تأملتهُ بنظرات حاقدة وهتفت بجنون

 

" كيف يمكن لشخص مثلك أن يفعل هذا؟! "

 

راقبت الجميع بصمت وبنظرات غاضبة.. ولكن لم يكن هناك أي تحرك أو ردة فعل من قبلهم.. كانت كلماتي قد وقعت كالصاعقة عليهم وأخرستهم.. ولكن رأيت انعدام الشفقة في نظراتهم.. وكان الصمت يحكم الآن..

 

فجأة.. اندلعت في نوبة من البكاء العنيف.. نظرت إلى المتادور بوجعٍ كبير وهمست من بين شهقاتي

 

" أنت.. أنتَ كنتَ مُختلف عنهم... كيف يمكن أن تكون بهذه القسوة؟ "

 

ثم نظرت إلى الجميع وهتفت بعذاب وبألمٍ كبير

 

" أنتم ظالمون.. كان معهُ حق بينيتو أن يبتعد عنكم جميعًا.. لقد فقدتم عقولكم.. لا يمكنكم مُعاقبتي بذلك.. لن أسمح لكم بتحطيمي "

 

اهتزت كلماتي في الهواء.. ولكن لم أجد رداً.. كان المتادور يقف أمامي صامتًا وثابتًا.. لا يُظهر أدنى علامة من التراجع.. صرخت بيأس مرارًا وتكرارًا.. وكل مرة كانت صرختي تتخذ طابعًا من اليأس والغضب

 

" لن أسمح لكم بفعل ذلك بي.. أنتم مجانين.. لن أسمح لكم بتحطيمي أبداً.. لن أسمح لكم... "

 

في هذه اللحظة شعرت بأن حياتي انقلبت رأسًا على عقب.. وأنا الآن بمفردي أواجه مصيرًا غامضًا وقاسيًا.. بينما كنتُ أفهم تمامًا أن هذا الانتقام سيغير حياتي إلى الأبد..

 

الرجل الذي كنتُ أحبهُ.. المتادور سلفادور.. كان قد خيّب جميع أمالي وفاجئني بقسوته وقراره الظالم.. بينما الصدمة تتسلل إلى عقلي دموع الغضب واليأس كانت تنهمر بغزارة على وجنتاي..

 

انفجرت وصرخت بوجه المتادور بغضب وبوجعٍ كبير

 

" أنتَ لا تختلف عنهم.. أنتَ ظالم أيضًا.. فقدتَ إنسانيتك.. أنتَ مثلهم.. ليس لديك قلب "

 

المتادور ظل صامتًا.. وجهه لا يعبر عن أي مشاعر.. الغضب في قلبي كان يتزايد.. وكنتُ أرى في عينيه تأكيدًا لقراره القاسي.. لكن لم يكن لدي الرغبة في الاستسلام..

 

بدأت أهتف بغضب وبسرعة.. وكل كلمة كانت تطير من لساني كالنيران الهائجة

 

" أنتَ تظن نفسك فوق الجميع.. تظن نفسك ملكاً.. لكنك لستَ سوى رجل حقود.. أنا لن أكون الضحية.. هل تظن أنني سأتركك تنتصر؟.. في أحلامك لن أسمح لك بأن تنتصر.. لن أسمح لك بلمسي أبداً "

 

فجأة.. استدرت وهربت من وسط القاعة وركضت نحو الباب بسرعة.. فتحت الباب بعنف ورأيت الحُراس يقفون أمامي وحاولوا إمساكي.. قاومت بكل قوتي.. ولكن سمعت المتادور يهتف بغضب

 

" اتركوها... "

 

تجمدوا الحُراس أمامي وسمعت سلفادور يهتف من جديد بصوت ملء القاعة.. وكأن غضبه كان يرتفع مع كل كلمة

 

" اتركوها تذهب.. لا أحد يلمسها "

 

تراجعوا الحراس وسمحوا لي بالخروج.. ركضت بسرعة وخرجت من القصر بينما قلبي كان ينبض بسرعة فائقة.. لقد كانت الأفكار تتلاطم في عقلي.. محاولة فهم الوضع الذي وقعت فيه..

 

أمسكت أنفاسي بصعوبة بينما قلبي كان ينبض بالغضب والصدمة في الوقت نفسه..

 

" أنتم جميعكم ظالمون.. لا قلب لديكم.. لستم من البشر "

 

هكذا همست لينيا لنفسها بينما كانت تجتاز البوابة الكبيرة.. كان الليل يلفظ بظلمته على ساحة القصر.. ولكن القمر كان يلقي ضوءً خافتًا يكشف عن عبوس وجهها وحزنها وألمها..

 

خرجت لينيا من البوابة مُسرعة.. وكأنها تهرب من شيء غير مرئي.. الهواء الليلي كان باردًا على وجهها.. وصوت خطواتها السريعة كان يتردد في الليل الهادئ.. ومع كل خطوة كانت تسمع صدى صوت المتادور وهو يهتف بقلق

 

" سنيوريتا.. توقفي.. سنيوريتا انتظري.. لا أحد يقترب منها.. ابتعدوا من أمامي.... "

 

لكن لينيا لم تكن تنوي الانتظار.. كانت تركض بسرعة نحو الاسطبل الذي ظهر أمامها كظلام ساكن.. دخلت في سرعة وأغلقت الباب خلفها بحذر.. حيث ألقت ظلال الظلام بلباسها الأسود...

 

الاسطبل كان مظلمًا.. ولكن عيون لينيا سرعان ما اعتادت على الظلام.. ركضت إلى الزاوية البعيدة واختبأت بين القش والأعلاف حيث الهدوء والعتمة..

 

سمعت  المتادور يهتف باسمي بينما كان يركض بجانب الاسطبل.. رفعت كلتا يداي وكتمت فمي بهما حتى لا يسمع المتادور صوت شهقاتي..

 

رواية المتادور - فصل 7 - روح مُقابل روح

 

سمعتهُ يأمر بعض الرجال ليبحثوا عني من جهة الشمال وأمر مجموعة من الرجال ليتفرقوا ويبحثوا عني.. ولكن قبل ذهابهم أمرهم المتادور بغضب بعدم لمسي وأذيتي إن وجدوني..

 

كانت ليلة مُظلمة تختبئ فيها الأشباح في الظلام.. وملامح القلق تعبس وجه لينيا وكأنها تحمل عبء العالم على كتفيها.. صهيل الأحصنة في الاسطبل كان كالوحش الذي يتجه نحوها.. ولكن الخطر الحقيقي كان في كلمات المتادور التي ترددت في الهواء كصدمات كهربائية

 

" خوان.. سأدخل إلى الاسطبل لجلب إيتان.. وبعدها سأذهب للبحث عن البروفيسورة.. اذهب في سيارتك وابحث في الشوارع.. إن وجدتها اتصل بي بسرعة "

 

وقفت بسرعة وبدأ جسدي يرتجف من الخوف.. وفي هذه اللحظة عرفت أن الطريقة الوحيدة للهروب والمُتاحة لي الآن هي بأخذ حصان..

 

تقدمت بحذر نحو احدى الغرف.. فتحت بابها بهدوء.. وجدت نفسي أتبادل النظرات مع حصان أسود ضخم يقف هادئًا في زاوية غرفته.. كانت عيناه تشعان بالذكاء والقوة.. بدا وكأنهُ يفهم ما يحدث وأنني بحاجة لمساعدته..

 

تقدمت بخطوات بطيئة نحو هذا الحصان الرائع.. وقفت أمامه وحدقت في عيونه الساحرة.. كان الحصان يعلم أن هناك شيئًا غير عادي سيحدث الليلة..

 

أما الحصان فقد تحرك ببطء واقترب قليلاً مني.. في هذه اللحظة كان هناك تفاهم وسحر غريب بيننا.. رفعت يدي بحذر ولمست جبين الحصان.. وكأنني أنقل له بعضًا من السلام الذي فقدته..

 

نظرت إلى عينيهِ برجاء وهمست برقة

 

" ساعدني... "

 

توقفت عن التكلم عندما سمعت باب الاسطبل يتم فتحه.. تملكني الذعر.. قررت الهروب من هذه القرية حتى لو كان ذلك يعني التعرض للخطر.. صعدت بحذر على ظهر الحصان الأسود.. وبينما كنتُ أجلس شعرت بالقوة الجارفة للحصان..

 

وعندما سمعت خطوات المتادور تقترب ارتكبت خطأ كبيراً.. إذ لكزت بقوة الحصان بكعب حذائي.. سمعتهُ يصهل بغضب ثم انطلق راكضاً بسرعة مُخيفة خارجاً من غرفته ومن الاسطبل..

 

صرخت بذعر عندما كنتُ على وشك الوقوع عن ظهره.. فتشبثت بعنف بعنق الحصان وأغمضت عيناي وبدأت أصرخ بفزع..

 

" لينياااااااا.. إيتان توقف.. تباً... سيقتلها... "

 

سمعت المتادور يهتف بخوف وبقلق بتلك الكلمات.. وكلماتهِ أرعبتني أكثر..

 

وسط هواء الليل البارد كان الحصان يركض بسرعة مُرعبة.. كنتُ خائفة لدرجة الموت.. فجأة تناهى إليّ صوت حوافر خلفي.. كأن شياطين الأرض تُطاردني..

 

نبض قلبي بعنف عندما سمعت سلفادور يهتف بقوة

 

" سنيوريتا.. ارفعي جسدكِ قليلا وحاولي أن تمدي ذراعكِ اليمنى إلى الخلف.. لا تخافي.. سوف أنقذكِ "

 

هززت رأسي بالرفض.. كنتُ خائفة جداً ولم أستطع رفع جسدي وإبعاد يدي عن عنق هذا الحصان المُخيف.. كان المتادور يمتطي صهوة حصان ويتبعني..

 

ثم فجأة استطاع المتادور أن يصل بمحاذاة حصاني.. اقترب أكثر وحاول إمساك سترتي لكن سمعت بذعر الحصان الأسود يصهل بغضب وركض بسرعة البرق.. وصدى صرخاتي ملأ الوادي بكامله..

 

فجأة توقف الحصان في مكانه وشعرت بجسدي يطير عالياً.. وبينما كان جسدي يطير صرخت بذعر لا يوصف ثم فجأة ارتطم جسدي في مياه باردة ودخلت المياه في فمي..

 

فتحت عينياي وحاولت النظر أمامي ورؤية أي شيء.. ولكن لم أرى سوى الظلام.. ثم فجأة ارتطم رأسي بشيءٍ صلب وبعدها غرقت في عالم الظُلمات...

 

انتهى الفصل















فصول ذات الصلة
رواية المتادور

عن الكاتب

heaven1only

التعليقات


إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

اتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

لمدونة روايات هافن © 2024 والكاتبة هافن ©