رواية المتادور - فصل 16
مدونة روايات هافن مدونة روايات هافن
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...

أنتظر تعليقاتكم الجميلة

رواية المتادور - فصل 16

 

رواية المتادور - فصل 16 - أريدُ طفلاً



أريدُ طفلاً













 

ساريتا**

 

صعدت ساريتا درجات السلم بخطوات سريعة وابتسامة ساحرة تزين وجهها.. حماسها يتجلى في كل خطوة تقترب بها من غرفتها, حيث كانت تترقب لحظة اللقاء القادمة مع ميغيل في الساعة الواحدة ظهراً.. وعندما وصلت إلى باب غرفتها, فتحته بسرعة ودخلت إلى غرفتها وركضت باتجاه خزانة الملابس, وسرعان ما انغمست في عالم الموضة والأناقة...

 

انعكس بريق الشمس الدافئة من خلال نوافذ الغرفة المفتوحة, مما أضفى على الأجواء لمسة من الدفء والبهجة.. كانت ساريتا واقفة أمام خزانتها, تتأمل بين ملابسها بحماس متزايد, وكأن كل قطعة منها تحمل السر لإطلالة ساحرة..

 

نظرت حولها بعيون مشرقة, تتأمل بين ملابسها المتنوعة, وتلمع عيناها عندما تتسلل لها أفكار المظهر الذي ستتبناه في هذا اللقاء الخاص.. بدأت بالبحث بين الفساتين الفاخرة والتنانير الأنيقة والبلوزات الراقية, لكنها في النهاية وبعد مرور ساعة انجذبت لفستان أبيض مذهل, كان الفستان ينبض بالرقة وبأناقة خالدة وجمال طبيعي يليق بمناسبة اللقاء..

 

بفرح لا يوصف, بدأت ساريتا بحماس غير مسبوق في تجهيز نفسها, وهي تهتم بكل تفصيل صغير من إطلالتها.. بدأت بالاستحمام لتنعم بإحساس منعش, وبعد مرور ساعة توجهت إلى المرآة حيث بدأت في تصفيف شعرها بأناقة, وتطبيق لمسات خفيفة من المكياج الذي أبرز جمال عينيها وابتسامتها الساحرة, ثم اختارت الإكسسوارات المناسبة..

 

وفي تماما الساعة الثانية عشر والنصف ظهراً وقفت ساريتا أمام المرآة تنعم بنظرة نهائية على إطلالتها الرائعة, وشعرت بالرضا من مظهرها وبالثقة التامة.. كانت تنظر إلى نفسها في المرآة بابتسامةٍ مشرقة, مُبديّة سعادتها العارمة بما هو قادم..

 

عندما انتهت أخيراً ساريتا من تجهيز نفسها, خرجت إلى الشرفة ووقفت تنتظر بفارغ الصبر وصول ميغيل إلى قصره.. كانت الشمس تشرق بأشعتها الذهبية, تلمع على وجه ساريتا ببريقٍ خاص, يزيد من جمالها ورونقها..

 

الهواء النقي كان يعانق وجهها الجميل بينما كانت تترقب بفارغ الصبر وصول ميغيل, وقلبها ينبض بشدة في انتظار لحظة اللقاء المميزة..

 

وفي هذه اللحظة المميزة, رأت ساريتا سيارة ميغيل تدخل من البوابة الخارجية للقصر وتقف في الساحة, مما أثار فرحة لا توصف داخل قلبها, حيث أطلقت ابتسامة براقة تعكس سعادتها الغامرة..

 

ابتسَمْت بوسع, وهمست بسعادة

 

" لقد أتى, إنهُ هنا... "

 

استدارت وخرجت راكضة من غرفتها ثم نزلت بسرعة وخرجت من القصر, وقفت أمام ميغيل الذي ترجل من السيارة بأناقة وجمال لا يصدق..

 

وهنا, وقفت ساريتا وجهاً لوجه مع ميغيل, وسط جو من الدهشة والإعجاب.. وقف ميغيل أمامها يحاول التقاط أنفاسه بينما تلتقط عيناه الجميلتان جمال ساريتا الذي خطف أنفاسه وسرق نبضات قلبه..


رواية المتادور - فصل 16 - أريدُ طفلاً

 

لم تتمالك ساريتا فرحتها وسرعان ما هرعت لتحتضنه بعفوية, ولكنها قبل أن تبتعد عنه لم ترى ساريتا نظرات ميغيل المُندهشة والحنونة, ولم تسمع شهقتهُ الناعمة عندما ضمته بقوة والتصق جسدها الصغير به, ولم تعرف ساريتا بأنها أشعلت نار الرغبة في جسد ميغيل استرادا..

 

ابتعدت ساريتا عنه وتبادلا الابتسامات البراقة, وغمرتهما الفرحة بلحظة هذا اللقاء المُنتظر, حيث تلاقت أرواحهما بسحر لا يوصف في هذه اللحظة الفريدة..

 

نظرتْ إلى ميغيل بسعادة بينما كنتُ أبتسم لهُ أجمل ابتساماتي, ولكن عندما نظرت إليه تسللت الدهشة والسعادة إلى قلبي..

 

شعرت ساريتا بالتوتر بسبب مشاعرها الغريبة الآن, ولكنها قالت بابتسامة خجولة ترتسم على شفتيها, وعينيها تلمع بالدهشة والفرح

 

" لقد أتيت.. للحظة ظننت بأنك لن تأتي ميغو.. لكن ها أنت هنا, أنا سعيدة جدًا لأنك أتيت "

 

حمحم ميغيل بتوتر بينما كان يتأملني بنظرات غريبة, ثم ردّ بابتسامةٍ دافئة وقال بصوتٍ هادئ مليء بالحنان

 

" إن لم أكن سآتي, كنتُ سأتصل بكِ على الفور لأخبركِ بسبب غيابي "

 

شعرت بالارتياح من كلماته, فتنهدت برقة واستمريت في التأمل في عينيه, وفي هذه اللحظة شعرت بأن كل شيء الآن يبدو أفضل..

 

حمحم ميغيل بقوة, ثم ابتعد وفتح باب السيارة بأدب, ودعا ساريتا لتصعد.. وعندما جلست ساريتا في المقعد الأمامي, بدأ ميغيل في قيادة سيارته الفخمة في شوارع مدينة اكستريمادورا.. وفي طريقهم, بدأ ميغيل يشرح بحب واهتمام لـ ساريتا عن المباني التراثية وتاريخ المدينة الغني وثقافتها الفريدة, بينما ساريتا كانت تستمع بانتباه وبإعجاب وعاطفة إلى كل كلمة يقولها..

 

عندما وصلوا إلى المطعم الفخم على شاطئ البحر, أوقف ميغيل سيارته أمام المطعم ببراعة, ولم يمضِ وقت طويل حتى خرج من السيارة برفقة ساريتا وهو يضع يده على ظهرها بلطف.. لكن قبل أن يستطيعوا أن يخطوا خطوةً واحدة, فجأة ظهر فتى في عمر الخامسة عشر وهو يركض نحوهم بسرعة, يحمل في يديه باقة كبيرة من الورود الحمراء..

 

عندما وقف الفتى أمام ميغيل, طلب منه بحماس وابتسامة واسعة على وجهه

 

" سنيور, هل ترغب في شراء وردة جميلة لحبيبتك؟, لدي الأفضل والأجمل "

 

ثم سحب الفتى من الباقة وردة حمراء ورفعها أمام وجه ميغيل, وتابع الفتى قائلا بحماس وبرجاء

 

" سنيور, اشتري مني هذه الوردة الجميلة لحبيبتك, سنيوريتا الجميلة ستشعر بالسعادة وبالحُب إن قدمتَ لها هذه الوردة "

 

شعرت بالتوتر يسري في أعماقي, بينما كنتُ أُراقب ميغيل الواقف بجانبي وهو جامد تماماً ويتأمل الفتى بنظرات مصدومة..

 

في هذه اللحظة, تبادل ميغيل وساريتا نظرات الدهشة والتوتر, كان الصمت يعم الجو, وكانت كلمات الفتى تتردد في أذنيهما..

 

احمر وجهي بكامله من جراء الخجل بينما كنتُ أنظر إلى ميغيل, شعرت بالتوتر يتسلل إلى قلبي ويحرقه.. حبيبته!!.. هذه الكلمة ترددت في رأسي مراراً وتكراراً.. ولم أعرف ماذا أفعل وكيف أتصرف في هذه اللحظة المفاجئة..

 

وعندما كنتُ على وشك فتح فمي وأقول بأنني لستُ حبيبته, سمعت الفتى يسأل ميغيل بحزن

 

" سنيور, لن تشتري مني وردة لحبيبتك الجميلة؟ "

 

تأملني ميغيل بنظرات غريبة, وتجمدت عيناي على عينيه بقوة سحرٍ عجيب.. سمعت حركة بجانبنا وعرفت بأن الفتى بائع الورود يبتعد.. وهنا لدهشتي الكبيرة حرك ميغيل وجهه بسرعة باتجاه الفتى, وعلى وجهه تلألأت ابتسامة دافئة, وأخذ يضحك بلطف, ثم استوقف الفتى وسألهُ بود

 

" لا تذهب, كم تريد من النقود مُقابل هذه الوردة الجميلة؟ "

 

ابتسم الفتى بسعادة وركض ووقف أمام ميغيل وأجاب بسرعة

 

" أنا لا أعرف, لكن لدي ورودًا جميلة جدًا, ادفع المبلغ الذي تريدهُ سنيور "

 

ووسط ذهولي الشديد, اختار ميغيل وردة واحدة بكل عناية وقال بابتسامة

 

" شكرًا لك, هذه الوردة ستجعل حبيبتي سعيدة جدًا "

 

في هذه اللحظة دفع ميغيل بسخاء للفتى, وما أن ابتعد بائع الورود استدار ميغيل ونظر إليّ بنظرات هادئة وحنونة..

 

شعرت ساريتا بتوترٍ يتسلل إلى كل خليةٍ في جسدها.. كانت تتلوى في مكانها, تترقب الوقوع, وتحاول أن تكون هادئة, لكن قلبها كان ينبض بسرعةٍ فائقة..

 

شعرت بشعور غريب بداخلي, الحزن.. نعم شعرت بالحزن لأنهُ اشترى أمامي أجمل وردة حمراء رأيتُها في حياتي لحبيبتهُ مارتا.. لماذا شعرت بالحزن بسبب ذلك؟!.. لا أدري!!.. ولكن كل ما أعرفه بأنني شعرت برغبة عميقة بالبكاء وسحب الوردة من يد ميغيل ورميها بعيداً ثم أعود إلى القصر..

 

ولكن لم أفعل ذلك, إذ تجمدت في مكاني بصدمة كبيرة عندما سمعت ميغيل يهمس بنبرة حنونة

 

" هذه الوردة لكِ, ساريتا "

 

تبادلت ساريتا و ميغيل النظرات بين بعضهما بتوتر وبخجل, كانت الكلمات تتلاشى أمام هذه اللحظة الساحرة, وكانت الكلمات تعجز عن التعبير عن ما يجتاح قلوبهما.. الخجل تغلب على الحديث, والتوتر يتغلغل في جوهرهما, فكان الصمت يعتلي المكان بشكلٍ لا لبس فيه في هذه الأجواء الرومانسية..

 

ووسط ذهولي الكبير, لا أعرف كيف رفعت يدي لأستلم منهُ تلك الوردة الجميلة..

 

عندما استلمت ساريتا الوردة من يد ميغيل, تلامست أصابعهما معًا وتلاقت نظراتهما ببعضها, كما لو كانت الثواني تمر كالسنوات بينهما.. كانت هذه اللحظة تشع بسحرٍ لا يُضاهى, وكأن الزمن توقف في مكانه ليشهد هذا اللقاء الرومانسي الجميل بينهما.. كانت هذه اللحظة مليئة بالرومانسية والجمال ومشاعر لا يمكن نسيانها بينهما..

 

ووقفا لوقتٍ طويل جامدين, بينما أصابعهم مُتشابكة ببعضها برقة, لم يكن هناك حاجة للكلمات, فالنظرات التي تبادلوها قالت كل شيء..

 

ثم, بعد لحظة من الصمت الجميل, ابتعد ميغيل قليلا عني وسحب يدهُ بسرعة من يدي..

 

قالت ساريتا بصوتٍ خافت, وهي تبتسم برقة, تارةً تنظر إلى عينيه, وتارةً أخرى تنظر إلى الأرض بخجلٍ طفولي

 

" شكراً لك, الوردة جميلة جداً.. لقد أحببتُها "

 

سمعت ميغيل يهمس بصوتٍ مُنخفض

 

" وأنا كذلك أحببتُها... "

 

رفعت رأسي ونظرت إليه بعدم الفهم, وسألته

 

" لم أفهم!.. ماذا أحببت؟ "

 

نظر ميغيل إلى البعيد وقال بسرعة وبتوتر

 

" الوردة, فهي جميلة جداً "

 

ابتعد ميغيل قليلاً ثم ابتسم ببرود, وطلب مني بتهذيب لأُرافقهُ لندخل إلى المطعم.. فأجبتهُ موافقة بابتسامة مليئة بالخجل, واستعدت لقضاء الوقت في أجواءٍ من الرومانسية والسحر داخل المطعم الفاخر برفقة ميغيل..

 

دخلت ساريتا برفقة ميغيل إلى المطعم الفخم قرب الشاطئ, وكانت الأجواء دافئة ومليئة بالسحر والرومانسية.. انعكست الأضواء اللطيفة على وجوههما, مُضيفةً جوًا من الجمال والسكون على المكان..

 

أمسك ميغيل بيديها برفق ووجه إليها ابتسامة دافئة, ثم سحب بيدهِ اليسرى الكرسي برفق ليساعد ساريتا لتجلس, وعندما جلست, ابتسمت ساريتا ابتسامة خجولة مليئة بالشكر والامتنان بينما كانت تسحب يدها من قبضة ميغيل, وهما يتبادلان النظرات الهادئة والجميلة, وكانت اللحظة كلوحة فنية تنبض بالانسجام..

 

كانت أبجديات الجمال تتلألأ في تلك اللحظة, فالمكان كان مزيجًا من الألوان الدافئة والديكور الراقي, والحديث الهادئ للزبائن الذين يتناولون طعامهم بسكينة وسرور..

 

كانت الأجواء المحيطة بهما كالقصص الخيالية, حيث يتوافق الجمال الطبيعي للشاطئ مع أناقة المطعم, ويخلقا جوًا رومانسيًا لا يُضاهى.. كنتُ كلما نظرت إلى ميغيل, كنتُ أشعر بأن قلبي ينبض بقوة وبسعادة..

 

وفي حالة من السكون الساحر انتشلنا النادل من شرودنا بابتسامة ودية, وسألنا عن ما نرغب بطلبه.. ابتسم ميغيل وسألني بنبرة هادئة

 

" ساريتا, هل يوجد نوع مُعين من الأطعمة ترغبين بتناوله؟ "

 

ابتسمت برقة وأجبته بخجل

 

" لا, ولكن إن أردت اختر بنفسك من القائمة "

 

استلم ميغيل القائمة برفق, وبينما كان يتصفحها بانتباه, اختار أفضل أصناف الطعام الإسباني بعناية.. وبعد ذهاب النادل ساد الصمت بيننا مرة أخرى..

 

وسط جوّ الأناقة والسحر, وجدا أنفسهما جالسين في مطعمٍ فاخر على ضفاف البحر, حيث تعالت نغمات الموسيقى الهادئة وانعكست أشعة الشمس على مياه البحر الزرقاء أمامهم..

 

بينما كنا نستمتع بالجو الهادئ والمنظر الساحر, سمعت ميغيل يسألني بلطف

 

" هل تشعرين بالارتياح هنا, ساريتا؟, هل أعجبكِ المطعم؟ "

 

أجابت ساريتا بخجل بينما كانت عيناها تلمع ببريق السعادة

 

" نعم, أشعر بالارتياح, وأعجبني المطعم حقًا.. إنه مكان رائع, شكرًا لك على اختياره "

 

ابتسم ميغيل برضا, ثم بدأ يتحدث بلطف وسلاسة, يحاول جاهدًا تهدئة أعصاب ساريتا وجعلها تشعر بالراحة

 

" أنا سعيد لأنكِ تشعرين بالراحة.. أردت فقط أن نقضي وقتًا جميلًا معًا ونستمتع بالجو الرائع هنا.. وأعتقد أن هذا المطعم هو المكان المثالي لذلك.. هل تعرفين؟ لا يوجد أجمل من مشاركة وجبة لذيذة مع شخص لطيف "

 

نظرت إليه بدهشة كبيرة عندما قال بأنني لطيفة.. ولا أعلم ما حدث لي, إذ شعرت بالسعادة وبدأ قلبي ينبض بعنف.. ولزمت الصمت, إذ لم أستطع التكلم أمام ميغو..

 

ابتسم ميغيل بوسع وتابع الحديث قائلا

 

" هذا المطعم مميز بالنسبة لي, دائما أتي برفقة صديقي المتادور سلفادور إلى هنا عندما نكون بحاجة لقضاء بعض من الوقت بعيداً عن الجميع "

 

وبينما كان ميغيل يتحدث, شعرت بالتوتر يتلاشى تدريجيًا, وبدأت أستمِع بانتباه إلى كلماته, كنتُ أشعر بأن كلامه يسري إلى قلبي بلطف ودفء..

 

ابتسمت برقة وسألته

 

" منذ متى تعرف المتادور سلفادور؟, أتمنى أن ألتقي به شخصياً, فأنا من أكبر المُعجبات به, وشاهدت آخر مُباراة له في مدريد, كانت مُصارعة الثيران في تلك الليلة أشبه بالحُلم "

 

ابتسم ميغيل بوسع وقال بحماس

 

" منذ الطفولة, فوالدي كان صديق مُقرب جداً من والد المتادور المرحوم., وكان سلفادور صديقًا مخلصًا لي, كان معي في كل الأوقات الصعبة والسهلة.. لم يكن صديقًا فحسب, بل كان أخًا لي, شخصًا أحبه بصدق وأثق به ثقة عمياء "

 

بينما تمتلئ الأجواء بالحنان والسكينة, بدأ ميغيل يُخبر ساريتا عن صديقه المُفضل, المتادور سلفادور.. إذ أضاف ميغيل بدفء

 

" أحببت سلفادور كأخي الحقيقي, فهو لم يكن مجرد صديق, بل كان دائمًا هنا بجانبي, يدعمني ويقف بجانبي في كل لحظة.. لقد كان دائمًا مصدر القوة والدعم بالنسبة لي, وأنا ممتن لهذا الدعم الذي لا يُقدَّر بثمن.. فهو وقف بجانبي عندما رفضت العمل في شركة والدي وأردت أن أبدأ بعمل خاص بي من الصفر, دون أي دعم من والدي "

 

توسعت عيناي ونظرت بدهشة كبيرة إلى ميغيل, إذ ذكرني بنفسي.. فأنا مثله رفضت العمل مع والدي ورفضت دعمهُ المادي لي وبدأت العمل بعد تخرجي من الجامعة..

 

وفيما يتحدث ميغيل عن صداقتهِ العميقة مع سلفادور, انعكس الحب والاحترام في كل كلمة ينطق بها, ويبدو واضحًا أنه يعتبر سلفادور جزءًا لا يتجزأ من حياته وقلبه.. ولكن أنا شعرت بالحزن وبالغيرة قليلا من صداقتهِ مع المتادور, فأنا ليس لدي أصدقاء, بل لم يكن لدي صديقة مُقربة.. وتمنيت في هذه اللحظة لو كان لدي صديقة حنونة ومُحبة..

 

انتهى الغداء بين ساريتا وميغيل بهدوء ممتع, حيث أمضوا وقتًا مليئًا بالحديث والضحك والتبادل الوديّ.. و ساريتا لم تملّ من مشاهدة تعابير وجه ميغيل المليئة بالحيوية والاستمتاع, وشعرت بالسعادة البالغة لوجوده بجانبها..

 

وضعت الوردة الحمراء الجميلة في حقيبة يدي, وبعد خروجنا من المطعم, توقفنا قليلاً قبل الصعود إلى السيارة, إذ فجأة, وقف ميغيل أمامي وأمسك معصمي برقة وسألني

 

" ما رأيكِ إذا تمشينا على شاطئ البحر لبعض الوقت؟ "

 

نظرت إليه بدهشة كبيرة في البداية, ثم أخفضت نظراتي وتأملت يدهُ التي كان يمسك بها مُعصم يدي برقة.. لم أستطع إبعاد ذراعي, بل شعرت بدفء غريب ينتشر من ذراعي إلى كامل جسدي..

 

رفعت نظراتي وتأملت وجه ميغيل بخجل, ودونَ شعور مني ابتسمت بسعادة ووافقت بخجل قائلة له

 

" موافقة, ميغو "

 

ابتسم ميغيل ابتسامة خطفت أنفاسي وجعلتني أقف مدهوشة أمامه, إذ ابتسامتهُ جعلته يبدو أكثر وسامةً وجاذبية, ولدهشتي أمسك ميغيل يدي وضم أصابعي بأصابعه ثم مشينا باتجاه الشاطئ..

 

كنتُ أنظر إلى البحر براحة وبسعادة, أستمتع بكل لحظة من النسيم العليل وصوت الأمواج الهادئة, لقد أحببت هذه اللحظات التي أقضيها مع ميغيل في الهواء الطلق, وخاصة على الشاطئ..

 

فجأة توقف ميغيل ونظر إليّ, وسألني بعفوية وبمرح

 

" هل ترغبين بتناول المثلجات؟ "

 

ابتسمت بسعادة وأجبته بحماس

 

" نعم, بالتأكيد.. فأنا أعشق المثلجات "

 

وسط ضحكاتنا السعيدة ركضنا معًا باتجاه المحل الصغير الذي كان يبيع المثلجات.. وعندما وصلنا إلى المحل, اخترت نكهتي المفضلة, ولم يتأخر ميغيل في طلب مثلجات له أيضًا..

 

وبينما كنا نمشي بهدوء على رمال الشاطئ, فجأة وقف ميغيل وتأملني بنظرات غريبة وقال بنبرة متوترة

 

" ساريتا, يوجد على أنفكِ بعض من.. من... "

 

وقفت أمامهُ ونظرت إليه بهدوء, فجأة اقترب مني خطوة ورأيتهُ يرفع يدهُ ببطء ومسح برقة أنفي بأصبعه, ثم أخفض أصبعهُ إلى الأسفل ومسح برقة شفتاي..

 

تجمدت أمامهُ بينما كنتُ أنظر في عمق عينيه بضياع.. بلعت ريقي بقوة ونبض قلبي بعنف عندما همس ميغيل برقة

 

" ساريتا.... "

 

رمى ميغيل المثلجات على الرمال, ثم أخفض رأسه وأغمض عينيه, وقبل أرنبة أنفي برقة بشفتيه, ثم أخفض رأسهُ قليلاً وقبلني...


رواية المتادور - فصل 16 - أريدُ طفلاً

 

أغمضت عيناي وتجمدت أمامه مثل التمثال.. كانت شفتيه تُقبل شفتاي بقبلة جعلت عظامي ترتعش..

 

شعرت بالصدمة, وشعرت بالخوف, وشعرت بالذعر.. تذكرت بخوفٍ عميق تلك الليلة.. تذكرت برعب ما فعلهُ بي ميغيل في تلك الليلة وكيف سلبني شرفي بينما أنا كنتُ تحتَ تأثير ذلك المُخدر.. ولكن الآن كنتُ في كامل وعيي..

 

خوف لا مثيل له جعلني أتجمد أمام ميغيل.. لم أستطع المُقاومة, لم أستطع التحرك والابتعاد عنه..

 

فجأة, توقف ميغيل عن تقبيلي وأبعد وجهه قليلا عن وجهي.. تأملني بنظرات مذهولة وكأنهُ كان متفاجئ من تلك القبلة..

 

تساقطت دموعي على وجنتاي بينما كنتُ أنظر إليه بحزن وبخوف.. ابتعد ميغيل خطوة إلى الخلف, وهمس بتوتر

 

" ساريتا, أنا.. أنا... اووهههه.... "

 

تأوه بألم إذ التف رأسهُ بعنف بسبب صفعتي القوية التي تلقاها على وجنته اليمنى.. حرك رأسهُ ونظر إليّ بذهول, بينما أنا كنتُ أبكي وأشهق أمامهُ...

 

رفعت أصبعي السبابة أمام وجهه, وهتفت ببكاء

 

" إياك, ثم إياك أن تحاول لمسي أو تقبيلي مرة أخرى "

 

استدرت وركضت مُبتعدة عنه بينما كنتُ أبكي بتعاسة وبخوف.. سمعت ميغيل يهتف بقوة

 

" ساريتا, انتظري.. ساريتا.... "

 

شهقت بقوة عندما أمسكني ميغيل بذراعي وجعلني أتوقف عن الركض.. ثم وقف أمامي ونظر إليّ بحزن وقال بندم

 

" آسف.. أنا آسف, ساريتا.. لا أعرف ما أصابني.. لا أعرف لماذا فعلت ذلك.. سامحيني لو سمحتِ.. أرجوكِ, توقفي عن البكاء.. أنا فعلا آسف "

 

سحبت ذراعي من قبضته ونظرت إليه بغضب وهتفت ببكاء

 

" دائماً ما تفعل بي ذلك.. دائماً.. تؤلمني ثم تطلب مني السماح "

 

مسحت دموعي ونظرت إليه بحقد, ثم دفعتهُ بكلتا يداي على صدره لكنهُ لم يتحرك, بل ظل جامداً أمامي وهو يتأملني بنظرات حزينة..

 

شهقت بقوة, ثم هتفت بغضب وبحرقة قلب

 

" لقد دمرتني في تلك الليلة, دمرتني.. وما زلتَ تفعل ذلك بي لغاية الآن.. أنا أكرهُك ميغيل استرادا.. أكرهُك "

 

شعرت بأنني أختنق, ولم يعد باستطاعتي التنفس.. استدرت وحاولت الركض ولكن سقطت بقوة على ركبتاي على الرمال, وباستسلام شرعت أبكي بتعاسة وبحزن أحرق روحي..

 

رأيت ميغيل يجلس على ركبتيه أمامي وبدأ يتأملني بنظرات حزينة وبندم.. بلع ريقهُ بقوة وهمس برقة

 

" أنا آسف ساريتا.. سامحيني "

 

شهقت بقوة ولم أستطع التوقف عن البكاء بينما كنتُ أنظر إليه بوجعٍ كبير.. أمسك ميغيل كتفاي وجذبني إليه وضمني بقوة.. وضعت رأسي على صدره وبكيت بدمار كُلي.. بكيت بعذاب وبحزن وبألم..

 

سمعتهُ يهمس بحزن

 

" لا أعلم ما تُخفينهُ عني بخصوص تلك الليلة, لكنني آسف ساريتا.. لو سمحتِ لا تبكي "

 

لم أستطع التوقف عن البكاء بينما كان يضمني ميغيل بقوة وهو يمسح برقة على شعري وظهري.. وبعد وقتٍ طويل عندما هدأت قليلا, وقف ميغيل وحملني برفق ومشى بهدوء نحو موقف السيارات.. وضعني بعناية في المقعد بجانب السائق, ثم جلس قرفصاء ونظر إليّ بحزن قائلا وهو يمسح دموعي عن وجنتاي

 

" توقفي عن البكاء, لو سمحتِ.. أنا أعتذر, لا أعلم بصدق ما يحدث لي عندما أكون بجانبكِ "

 

أبعد يدهُ عن وجنتي, وتابع بحزن قائلا

 

" إن كان ما سأقولهُ لكِ الآن يُريحكِ قليلا فلا مانع لدي.. لن أقترب منكِ مرة أخرى, ولن ألمسكِ بأي شكلٍ كان.. سأضع حدود بيننا.. أنتِ ضيفة في قصري, لن أسمح لأي أحد بإزعاجكِ أو أذيتكِ حتى لو كان ذلك الشخص أنا "

 

استقام وأغلق الباب بهدوء, ثم جلس في المقعد خلف المقود وقاد سيارته باتجاه قصره..

 

ولكن ميغيل لم يكن يعلم بأن ساريتا كانت تُخطط لتحطيمه قريباً.. بل قريباً جداً..

 

عندما وصلنا إلى القصر ترجلت من السيارة وصعدت إلى غرفتي.. وبدأت أُفكر بما سأفعله بملك الغباء..

 

كان ميغيل قد غادر بسرعة بعد أن ترجلت من سيارته.. انتظرته ليأتي في المساء ولكنه تأخر كثيرا..

 

كانت الساعة العاشرة والنصف ليلاً عندما كنتُ أقف على الشرفة أنتظر بفارغ الصبر وصول ميغيل إلى القصر, وقلبي كان ينبض بشدة من الحماس والشوق لرؤيته, إذ سأبدأ فعلياً بتنفيذ خطتي والانتقام منه..

 

وبينما كنتُ أقف بملل أنتظره, فجأة, سمعت صوت البوابة الخارجية يتم فتحها.. رفعت رأسي ونظرت أمامي بجمود..


رواية المتادور - فصل 16 - أريدُ طفلاً

 

رأيت سيارة ميغيل تقترب وتقف في الباحة الأمامية, استدرت وخرجت راكضة من غرفتي ونزلت السلالم بسرعة..

 

جلست على الدرجات وبدأت أُصدر صوتًا متألمًا وأنا أمسك بقدمي اليُسرى..

 

" أوه, أوه, واااه... اااه.. ااااااااوووهههه....... "

 

صرخت بألم مزيف وكأنني أُعاني من إصابة خطيرة, وأنا أُحاول التصرف بما لدي من موهبة في التمثيل, مع أنني فاشلة في التمثيل ولكن يجب أن أنجح لأحصل على قلب ميغيل في أسرع وقت ثم أُحطمهُ وأذهب إلى الأبد من هنا...

 

وبينما كان يصعد ميغيل السلالم, وقف بصدمة كبيرة عندما رأى ساريتا تبكي وهي تحتضن قدمها اليسرى بيديها.. وقف بصدمة كبيرة, وجسده ملأه الرعب, شعر بالخوف يتسلل إلى قلبه وانتابته حالة من القلق الشديد, وبدأ يركض بسرعة نحوها, وجلس قرفصاء أمامها, يتطلع إلى عينيها بانتباه شديد, ثم سألها بصوت مليء بالخوف

 

" ساريتا, ماذا حدث؟ هل أنتِ بخير؟ "

 

نظرت إليه بألم مُزيف وحاولت البُكاء بسرعة أمامه, ولأجعل نفسي أبكي أمامهُ وبسرعة, تذكرت تلك الليلة المشؤومة معه في الفندق في مدينة ماردة.. هنا فتحت فمي وأطلقت صرخة متألمة حقيقية وبدأت أبكي بتعاسة..

 

أمسك ميغيل طرف ذقني ورفع رأسي برقة, ثم نظر في عمق عيناي الباكية وهتف بقلقٍ شديد

 

" ساريتا, لو سمحتِ توقفي عن البكاء وتكلمي معي.. ماذا حدث لكِ؟ لماذا تبكين؟, تكلمي صغيرتي "

 

توقفت عن البكاء ونظرت إليه بدهشة كبيرة عندما قال كلمة صغيرتي, لكن عُدت إلى البكاء بسبب تصرفهِ الحنون معي.. لم أفهم ما يحدث لي بسبب هذا المُغفل, لكنهُ يجعلني أبكي فعلا بسبب حنيتهُ معي الآن..

 

ومن خلال دموعي المتدفقة والصوت المكبوت, قلتُ له بتمثيل جيد

 

"  أوه ميغو..  قدمي تؤلمني جداً, لقد وقعت على السلالم وأنا أصعد, والآن أشعر بألم شديد بها.. هي تؤلمني جداً "

 

توسعت عيناي بذهولٍ شديد عندما احتضنني ميغيل برفق وحنان, توقفت فعلا عن البكاء وتجمدت في حضنه بصدمة كبيرة..

 

ابتعد ميغيل عني قليلا ثم نظر بحنان في عمق عيناي, مسح دموعي برفق عن وجنتاي.. وقال برقة وبحنية ليجعلني أطمئن

 

" لا بأس صغيرتي, سأهتم بكِ.. لا تبكي ساريتا, سوف تكونين بخير.. أنا هنا وسأعتني بكِ جيداً "

 

أوه تباً, كنتُ فعلا واقعة تحتَ تأثير الصدمة رغم أنني أريدهُ فعلاً أن يتصرف معي بهذه الطريقة.. وبينما كنتُ أنظر إليه بدهشة كبيرة, حملني ميغيل برفق وصعد إلى غرفتي..

 

وضعني برفق على السرير ثم جلس بجانبي, وبصمت غريب وبدهشة لا مثيل لها تتبعت تحركات وتصرفات ميغيل العجيبة..

 

إذ رأيتهُ يمسك قدمي اليسرى ثم وضع أسفلها وسادة, أزال حذائي ثم جوربي برقة ورأيتهُ يتأمل قدمي بعناية كبيرة وباهتمام..

 

وعلى الرغم من قلق ميغيل العميق على ساريتا, شعر بالراحة عندما علم أن الأمر لم يكن خطيرًا.. إذ ابتسم برقة ونظر إلى ساريتا وقال بحنان

 

" لا تخافي صغيرتي, لا يوجد ورم أو التواء في الكاحل أو أي كدمة.. ولكن مع ذلك سأذهب لأجلب لكِ بعض من الثلج وأضعهُ على قدمكِ, ثم سأتصل بالطبيب ليأتي و.... "

 

اللعنة, يريد جلب طبيب, سيفضح خطتي الطبيب إن أتى إذ سيعرف بسرعة بأن قدمي بخير وليست مُصابة.. وحتى لا أنفضح أمام ميغو, قاطعتهُ بسرعة قائلة بتوتر

 

" لا, لا داعي بأن تتصل بالطبيب.. فقط سأضع عليها الثلج وسوف تتحسن بسرعة "

 

تأملني ميغيل بنظرات قلقة وقال بنبرة حنونة

 

" هل أنتِ متأكدة؟.. لا أريدُكِ أن تتألمي ساريتا "

 

بلعت ريقي بقوة بينما كنتُ أنظر إليه بدهشة كبيرة ثم بحزن, هو لا يريدني أن أتألم مع أنهُ هو سبب آلامي كلها..

 

تنهدت بحزن وأجبته

 

" أنا متأكدة, لا داعي بأن يرى الطبيب قدمي "

 

ابتسم ميغيل برقة ثم وقف وقال بحنان

 

" حسناً.. سأذهب لأجلب لكِ بعض من الثلج ربما يُساعدكِ بتخفيف الألم.. لن أتأخر "

 

ولدهشتي الكبيرة رأيت ميغيل يستدير وركض مُسرعاً خارجاً من غرفتي, وتركني هنا بمفردي أتصارع بأفكاري ومشاعري الغريبة..

 

عاد ميغيل إلى الغرفة وهو يحمل معه منشفة صغيرة مليئة بمُكعبات الثلج.. كانت الغرفة تشع بالضوء الخافت والذي كان ينعكس على الجدران باللون الفاتح, مما أضاف جوًا من السكينة والدفء إلى المكان..

 

جلس ميغيل ببطء على طرف السرير, ووضع الثلج برفق على قدمي, بدأ يمرره بلطف عليها وعلى كاحلي السليم ليُخفف من آلامي.. ماذا سيفعل إن اكتشف بأنني بخير وأقوم بالتمثيل عليه لجذب انتباهه؟.. سيقتلني بدون شك..

 

في هذه اللحظة, كانت مشاعري تتدفق بشكل متناقض.. فرحة بسيطة غمرتني لأنني أدركت أن ميغيل يهتم بي فعلا ويبذل جهدًا لمساعدتي, ولكن في الوقت نفسه, كنتُ أشعر بالحرج والانزعاج لأنني تسببت في إزعاج ميغيل بهذه الطريقة المُلتوية.. وكنتُ أتساءل إن كانت فقط قدمي هي من استحقت لدى ميغيل كل هذا الاهتمام والعناية, أم هو فعلا يهتم بي!!...

 

وبينما كنتُ أُفكر, لم أستطع سوى مُلاحظة نظرات ميغيل المليئة بالاهتمام والحنان التي كان يلقيها عليّ.. الصمت الذي سيطر على الغرفة لم يكن صمتًا مزعجًا, بل كان هادئًا ومطمئنًا, مليئًا بالتفاهم والتعاطف...

 

شعرت بأصابع ميغيل تلمس بشرة قدمي بهدوء وبنعومة فائقة.. نظرت بسرعة إلى قدمي ورأيتهُ يلمسها بحنان فائق جعلني أرتعش بلذة بسببها..

 

أغمضت عيناي وسمعت بوضوح صوت نبضات قلبي المُتسارعة, ثم سمعت ميغيل يسألني بقلق

 

" هل تؤلمكِ؟.. هل تشعرين الآن بالألم عندما ألمسها؟.. إن أردتِ يمكنني أخذكِ الآن إلى المستشفى, وهناك في قسم الطوارئ سأطلب من الأطباء تصوير قدمكِ بالأشعة السينية "

 

نظرت إليه بسرعة وتجمدت عيناي على وجهه الوسيم, بلعت ريقي بقوة وقررت مواصلة تمثيلي عليه, ولكن شعرت بالسعادة الخفية لأنني تمكنت من جذب انتباه ميغيل بشكل كبير.. ابتسمت له شاكرة وأجبته بهدوء

 

" لا داعي لأن نذهب إلى المستشفى, سأكون بخير بعد أن ترتاح قدمي قليلاً "

 

ابتسم برقة وقال بنبرة حنونة

 

" حسناً.. إن كنتِ ترغبين بعدم الذهاب إلى المستشفى فلا بأس بذلك.. ولكن إن شعرتِ بالألم لاحقاً أخبرني بسرعة لأتصرف "

 

أومأت لهُ موافقة وشعرت بالدفء يملأ قلبي بينما كنتُ أرى كيف أن ميغيل يبذل كل هذا الجهد بدون تردد لمجرد أن يجعلني أشعر بالراحة والرعاية.. تمنيت في هذا الوقت لو أنني أستطيع التعبير عن مدى امتناني وشُكري له بشكل أفضل, لكن كلمات الشكر رفضت الخروج من حُنجرتي, فأنا ما زلت أريد الانتقام منه..

 

فجأة وقف ميغيل وهو يحمل المنشفة بقبضتيه, وبدأ ينظر إليّ باهتمام وبحنان, والصمت يسود الغرفة.. تبادلنا النظرات بصمت وهدوء, كأن كلمات العناية والدعم كانت تنتقل بيننا بدون حاجة للكلام..

 

فجأة انحنى قليلا وأمسك يدي برفق وقال بصوت هادئ وهو يتأملني بنظرات حنونة

 

" ستتحسنين, لا تقلقي.. ستصبحين بخير.. في الصباح سآتي لأطمئن عليكِ وأرى قدمكِ قبل ذهابي إلى الشركة, والآن تصبحين على خير ساريتا, وأحلام سعيدة لكِ "

 

ولكن قبل أن يُغادر غرفتي وقف أمام الباب ونظر إليّ, وقال برقة

 

" إذا احتجتِ إلى أي شيء, فأنا هنا.. تمنياتي لكِ بالشفاء السريع "

 

وغادر الغرفة وسط نظراتي الضائعة التي كانت تتبعه بسبب حنيتهُ الغريبة واهتمامه بي في هذه الليلة المُظلمة..

 

وبالرغم من أنني شعرت بالأسى بسبب رحيله, إلا أن قلبي امتلأ بالسرور والاطمئنان.. وسوف تبقى الصورة الودية والحنونة لـ ميغيل استرادا تراودني في هذه الليلة الهادئة..

 

أغمضت ساريتا عينيها بهدوء وهي تبتسم برقة بينما كانت تتذكر كل لحظة قضتها اليوم مع ميغيل.. ولكنها لا تعلم بأن القدر يُخبئ لها الكثير من المفاجآت ومن الأحزان والدموع...

 

 

لينيا هارفين**

 

عندما غادر المتادور سلفادور غرفة لينيا بغضب متراكم في قلبه, بدأ الهدوء يعم الغرفة وامتلأت بأصوات همسات الظلام المُهمل.. لكن هذا الهدوء لم يكن إلا وهمًا يُعاد إلى الواقع القاسي بصوت بكاء لينيا, صوت ينطلق من عمق قلبها المجروح..


رواية المتادور - فصل 16 - أريدُ طفلاً

 

وهي مستلقية على السرير, عانقت لينيا وسادتها بينما دموعها تتساقط بحرية على وجنتيها البيضاء.. كانت تبكي بمرارة, كأنها تفرغ كل ألمها وحزنها في كل قطرة من دموعها الحارقة.. تتأوه بأنين مكبوت, وتحاول بين الفينة والأخرى استنشاق الهواء بينما تعانق الألم..

 

الأفكار تلتف حولها كالحبال المتشابكة, وكل فكرة تزيد من وجع قلبها.. تذكرت بحرقة قلب وبعذاب لحظة غضب سلفادور وانزعاجه الشديد من تصرفها الخاطئ, كانت هذه الذكرى تزيد من قسوة المشهد في ذهنها..

 

ولكن الألم الحقيقي لم يكن في غضب سلفادور, بل في الشعور بخيبة أملها الكبيرة من نفسها.. كانت هذه اللحظة المؤلمة حين أدركت أن كلمتها البسيطة قد جرحت قلب من أحبت, كلمتها تلك جرحت بعمق الرجل الوحيد الذي تعشقهُ حتى النُخاع, وهذا ما جعلها تتساءل عن قدرتها على تغيير مشاعر الآخرين نحوها...

 

شعرت لينيا بوجع حاد في قلبها, وكأنه يتمزق قطعًا واحدة تلو الأخرى.. ضغطت يديها بقوة على صدرها محاولة إيقاف هذا الألم الجارح, ولكن كل ما حققته هو المزيد من الدموع المنهمرة..

 

كانت لينيا تريد أن تتوقف عن البكاء, أن تتوقف عن هذا الشعور القاسي الذي يغزو كيانها, لكنها لا تجد القوة لفعل ذلك.. وكلما حاولت السيطرة على نفسها, زادت أحاسيسها بالضعف واليأس..

 

في هذه اللحظة الحرجة, تذكرت لينيا كلمات سلفادور المؤلمة وكيف أثرت فيها بعمق.. تذكرت تفاعله الغاضب والمتجهم, وهي لا تستطيع سوى أن تشعر بالندم العميق على ما فعلته..

 

وفي هذه اللحظة, اتخذت لينيا قرارًا صعبًا وهو أن تبتعد عن سلفادور, تبتعد عنه لتعيش في عزلتها الداخلية وحزنها العميق, بعيدًا عن عيونه الغاضبة والمتألمة, فتتحول إلى صورة مبتعدة وباردة تتجنب أي تقارب معه..

 

استمرت لينيا في البكاء بصمت مؤلم, همسات الحزن كانت تتلاطم في أرجاء الغرفة الهادئة, وقلبها ينزف ألمًا وحزنًا..

 

وبوجعٍ كبير همست

 

" لماذا بينيتو؟ "

 

ثم عادت وهمست بهذا السؤال الذي يعصر قلبها بقوة

 

" لماذا بينيتو؟, لماذا كان علي أن تكون شقيق الرجل الوحيد الذي أحببته في حياتي, ومنذ مراهقتي؟ "

 

هذه التساؤلات المؤلمة كانت تتلاشى في ليلها الدامس, وسط أمواج الحزن والندم..

 

مع تقدم ساعات الليل وتعبها المتراكم, بدأت لينيا تشعر بالإرهاق يتسلل إلى كل ألياف جسدها.. دموعها تجف على وجنتيها ببطء, تاركة وراءها آثارًا ملحية, ولكن الحزن لا يزال يتدفق في عمق روحها..

 

وبينما يسودها شعور بالإرهاق, تتسلل النوم الهادئ إلى عينيها المتعبتين.. وبدأت الراحة في التسلل إلى كل خلية من جسدها المتعب, وهي تترنح بين وعيها وغفوتها, كانت تستسلم ببطء لهذا النعاس المليء بالهدوء..

 

يغلف السكون الغرفة ببطء, وهدأت تلك الهمسات المؤلمة, في حين يبقى الوجع الصامت يتأرجح في عمق قلبها.. تتمدد لينيا على السرير برفق, وهي تغرق في بحر من الأحلام والأفكار الملتوية, مع دموع خفيفة تتساقط ببطء وهي تنساب على وجنتيها كنسيم خجول يلامس الورد في حقل هادئ..

 

وهكذا, بين لحظات الوعي والغفوة, تمضي لينيا في عالمها الخاص, حاملة معها أعباء مشاعرها الثقيلة وأحلامها المضطربة وكوابيسها عن تلك الليلة المؤلمة التي توفي بها بينيتو...

 

كانت لينيا تطفو في عالم الأحلام الممتلئ بالكوابيس المؤلمة, وسط أوجاع قلبها وأمنياتها المتلاشية.. لاحت الطرقات القوية على باب غرفتها, فاستفاقت فجأة بذعر وقلبها ينبض بسرعة متزايدة..

 

نظرت لينيا باتجاه الباب وهي تتمنى في صمت داخلي أن يكون سلفادور قد أتى ليتكلم معها ويبث في روحها قليلاً من السلام..

 

اندفعت لينيا بحماس من سريرها, تراهن بقلبها المُنفطر على أن سلفادور قد أتى ليتحدث معها.. كانت تتمنى أن ترى وجهه الحبيب, تسعد بحضوره وتنتعش بلمحة من عطفه..

 

تسابقت خطواتها نحو الباب, وهمست بابتسامة عريضة تعكس فرحتها الكبيرة بزيارته

 

" سلفادور, لقد أتيت.. أتيتَ لتراني حبيبي "

 

ثم قبل أن تصل إلى الباب همست لينيا بصوتٍ مليء بالترقب والفرح

 

" أعدُك حبيبي لن أدعك تحزن بسببي مرة أخرى "

 

عبثت لينيا بملابسها بسرعة, متوهجة بأمل اللقاء المنتظر.. ركضت باتجاه الباب تعلوها السعادة والتفاؤل, ولكن القدر ينتظرها بشيء آخر..

 

فتحت الباب بحذر, ولكن ما واجهته لم يكن ما كانت تتوقعه.. بدلاً من سلفادور, كان الحارس خواكيم ينظر إليها بعيون مليئة بالاحترام والتفاني, كانت تلك النظرة تُعبر عن الواجب المُلقى على عاتقه..

 

قال خواكيم بصوتٍ هادئ

 

" صباح الخير سنيوريتا "

 

ثم تابع قائلا باحترام

 

" لقد أتيت بأمر من السنيور سلفادور لأصحبكِ إلى غرفتكِ القديمة في مبنى الحراس القريب من القصر "

 

لم تستطع لينيا إخفاء حالة الحزن والخيبة التي انتابتها.. كانت كل تلك الأحلام الوردية والآمال المتعلقة بـ سلفادور تتلاشى أمام عينيها, وفي مكانها بقي الواقع البارد والمر..

 

" خواكيم!!!... "

 

همست باسمهِ بتساؤل وكأنني أُحاول التأكد بأن ما تراه عيناي الآن صحيح, بأن خواكيم هو من يقف أمامي وليس سلفادور حبيبي.. ولكن للأسف كنتُ أرى بشكلٍ واضح..

 

بلعت ريقي بقوة, وهمست بحزن

 

" هل يمكنك أن تنتظرني قليلا, من فضلك.. يجب أن أقوم بتوضيب ملابسي في الحقيبة "

 

أجابني خواكيم باحترام وبصوت مليء بالتفهم

 

" بالطبع سنيوريتا, خذي وقتكِ.. سأنتظركِ هنا "

 

بعد مرور نصف ساعة, بينما كانت لينيا تضع أخر لمساتها على ملابسها, نظرت إلى المرآة لتجد خواكيم ينتظرها بصبر حاملاً حقيبتها بيده وهو ينظر إلى البعيد..

 

خرجت لينيا من غرفة الضيوف بخطواتٍ مترددة وكل خطوة تبدو أثقل من الأخرى, تعتريها مشاعر الخيبة والضياع والحزن, وفي حين كانت تسير بجانب خواكيم, لم تستطع إخفاء ألمها وحُزنها..

 

بينما كنتُ أخرج من القصر برفقة الحارس خواكيم, راقبت بحزن المنظر الخلاب للباحة الأمامية للقصر والبسمات الدافئة لأزهار الحدائق, واستمتعت بحزن بنسيم الهواء العليل الذي كان يُلطف حرارة الحُزن بداخلي.. لكن فجأة وقفت وتجمدت في مكاني, توقف الزمن كأن كل شيء حولي قد تلاشى وتبخر في لحظة واحدة, ولكن فقط كان هو, المتادور سلفادور, كان وقفاً في الباحة الأمامية للقصر..

 

وقف المتادور سلفادور بكل هيبته وأناقته ومظهرهِ الملكي, يتحدث بصوت هادئ مع رئيس حراسه بيريز الذي يقف بجانبه.. نظرت إليه بعينين مليئتين بالحنان والحب, ولكن لم أجذب انتباهه..

 

كان سلفادور يتحدث بجدية مع رئيس حراسه بيريز, وكلماته كانت كالسيوف تتقاطع في الهواء.. لكن لم أستطع سماع أي كلمة, كان كامل تركيزي عليه هو ووجههُ الجميل..

 

وقفت لينيا تنظر بحنان وحب عميق إلى سلفادور دون أن ينتبه لها.. كانت تشعر كأنها تريد أن تصرخ باسمه, تطلب منه أن يلتفت وينظر إليها, أن يلقي بنظرة تؤكد لها أنها لا تزال مهمة في عالمه.. لكنها لم تحصل على ما تتمناه, ولم تجد القوة لتحريك شفتيها حتى والتكلم معه..

 

ثم, كما لو أن الزمن قد توقف تماماً, شعر المتادور بشيء غريب, كأن هناك شيئًا يحاول الاتصال به ويجذبهُ بقوة..

 

" لينيا... "

 

همس المتادور باسم لينيا بصوت بالكاد خرج من حُنجرته, لدرجة رئيس حُراسه لم يسمعه يهمس باسمها..

 

كان قد شعر المتادور بوجود لينيا, ولم يستطع تجاهلها.. استدار سلفادور ببطء ووقعت عيونه على لينيا.. فألقى بنظرة غاضبة وباردة نحوها...


رواية المتادور - فصل 16 - أريدُ طفلاً

 

لم أستطع إخفاء دهشتي وحتى حُزني بسبب نظراتهِ الكارهة لي والباردة, وبينما كنتُ أنظر إليه كان جسدي يرتعش بحنينٍ وشوقٍ له..

 

وفي لحظة صادمة, استدار المتادور وأخذ مفتاح سيارته من يد بيريز, ومشى بخطوات سريعة باتجاه سيارته متناسياً وجودي بالكامل..

 

ترنح جسدي وكنتُ على وشك الوقوع على الأرض, لكن خواكيم تحرك بسرعة وأمسك ذراعي وأسند جسدي وهتف بقلق

 

" سنيوريتا, أنتِ بخير؟ "

 

لم أستطع النظر إلى خواكيم والرد عليه.. كنتُ أنظر بوجعٍ كبير إلى سلفادور وهو يصعد إلى سيارته دونَ أن يهتم بي أو يشعر بالقلق عليّ, لم يكترث بالنظر إليّ بعد صرخة خواكيم القلقة, لقد تجاهل الأمر تماماً..

 

قلبي احترق بالألم والخيبة والحُزن, بينما كنتُ أُراقب سلفادور وهو يغادر بسرعة دون أي اهتمام..

 

حاولت أن أتخطى أوجاع قلبي بسبب تصرف سلفادور البارد معي, لكن لم أستطع.. عرفت بأنني كسبت عدو جديد لي بسبب تصرفي المُتهور في الأمس..

 

ومع رحيله, بدأت دموعي تتساقط بلا توقف, كنتُ أشعر بألم لا يُطاق في صدري, لم أستطع تحمُل هذا الإهمال المؤلم الذي شهدتهُ من حبيبي, لا يمكنني تحمله..

 

" سنيوريتا, أنتِ بخير؟ "

 

سمعت خواكيم يسألني من جديد وبقلق إن كنتُ بخير.. مسحت دموعي بسرعة وابتعدت عنه وأجبته بصوتٍ مُنخفض

 

" أنا بخير "

 

اقترب بيريز ووقف أمامنا وتأملني بنظرات باردة ثم تكلم مع خواكيم قائلا

 

" بُني, لماذا ما زلتَ تقف هنا؟.. عليك تنفيذ أوامر المتادور بسرعة.. رافق سنيوريتا لينيا إلى غرفتها القديمة بسرعة "

 

هنا تذكرت بحزن كيف تواصل معي بيريز وأتى إلى منزلي.. ابتسمت بمرارة ونظرت إلى بيريز وسألتهُ بحزن

 

" إذاً, سلفادور هو من أرسلكَ لتشتري سيارتي في ذلك اليوم؟, أين هي سيارتي؟ "

 

تأملني بيريز بنظرات هادئة, وأجابني باحترام قائلا

 

" سنيوريتا, هذه كانت الأوامر, وكنتُ مُلزم بتنفيذها.. ونعم, المتادور هو من اشترى سيارتكِ.. والآن السيارة لم تعُد لكِ, لذلك لا يمكنني إخباركِ أين هي السيارة الآن "

 

ابتسمت بسخرية, وأجبته

 

" طبعاً لن تُخبرني, ثم السنيور سلفادور دي غارسيا لن يُبقي سيارة قديمة وشبه مُعطلة داخل أملاكه الثمينة.. لا بُد أنهُ رماها في مكب للنفايات "

 

مشيت بخطوات سريعة واتجهت نحو المبنى المُخصص للحُراس, صعدت إلى غرفتي ثم فتحت الباب ودخلت دون أن أنتظر خواكيم.. جلست على السرير أحاول جاهدة منع نفسي من البكاء, وما هي سوى ثواني معدودة طرق خواكيم الباب ودخل إلى الغرفة ووضع حقيبة ملابسي على الأرض, ولكنهُ ظل واقفاً في مكانه يتأملني بنظرات متوترة..

 

تنهدت برقة وقلتُ لهُ بهدوء

 

" شكراً لك خواكيم, يمكنك الذهاب "

 

ولكن خواكيم ظل واقفاً أمامي وهو يتأملني بنظرات متوترة, ثم سمعتهُ يقول بنبرة حزينة

 

" سنيوريتا, لا تحزني من والدي.. فأبي يحترمكِ كثيراً, كما هو متأكد بأنكِ بريئة.. أما سيارتكِ, السنيور سلفادور أمر بإرسالها إلى الشركة ليتم تصليحها, ثم وضعها هنا في الموقف السفلي الخاص بسياراته, ولا يسمح لأحد سوى لوالدي بقيادتها والاهتمام بها وتنظيفها "

 

نظرت إليه بامتنان..


رواية المتادور - فصل 16 - أريدُ طفلاً


ثم ابتسمت برقة وقلتُ له

 

" أشكرك خواكيم لأنك أخبرتني بذلك "

 

ابتسم خواكيم بوسع, ثم قال بجدية

 

" لقد طلب مني المتادور أن أجلب لكِ هاتفكِ مثل العادة لتتصلي بوالديكِ "

 

نظرت إليه بسعادة ورأيتهُ يُخرج هاتفي الخلوي من جيب سترته, ثم اقترب ووقف أمامي, وقبل أن يُسلمني الهاتف قال خواكيم بخجل

 

" ولكن سنيوريتا, سأبقى مثل العادة أنتظركِ حتى تُنهي المُكالمة.. آسف, ولكنها أوامر المتادور "

 

أومأت موافقة بينما كنتُ أستلم منهُ هاتفي.. اتصلت بوالدي, وما هي سوى ثواني معدودة سمعت صوتهُ الحبيب على قلبي وهو يهتف بسعادة

 

( ابنتي الجميلة, كيف حالكِ؟.. لقد اشتقت إليكِ كثيراً.. أنتِ بخير؟.. وعملكِ في الجامعة بخير؟ )

 

عندما سمعت صوت والدي راؤول تساقطت دموعي بسرعة على وجنتاي.. ابتسمت بحزن وحاولت التكلم مع والدي دونَ أن أجعلهُ ينتبه لحزني وبأنني أبكي

 

" أنا بخير, وعملي في الجامعة رائع, أبي, حبيبي, لقد اشتقت إليك كثيراً.. أين أمي؟, أنتما بخير؟ "

 

سمعت بسعادة والدي يُخبرني بأنهما بخير.. ثم بدأ يُخبرني كم هو سعيد برفقة والدتي في منزلهما الجديد في سويسرا..

 

استمعت بصمت إلى حديث والدي لأكثر من ربع ساعة, بينما دموعي كانت تسيل بصمت على وجنتاي دون توقف.. أمي كانت في السوق لذلك لم أستطع التكلم معها..

 

تنهدت برقة ثم قلت لهُ

 

" ستبدأ مُحاضرتي بعد قليل, يجب أن أُنهي المُكالمة.. أحبك أبي, أرسل قبلاتي الحارة لأمي "

 

ودعني والدي وتمنى لي التوفيق, انهيت المُكالمة وسلمت هاتفي لـ خواكيم والذي كان يتأملني بحزن.. أخذ مني الهاتف ثم غادر غرفتي بهدوء..

 

في الساعة الثالثة والنصف ظهراً**

 

 

كانت لينيا تجلس في غرفتها الهادئة, تسترخي بجوار النافذة الصغيرة وهي تنظر من بين قضبانها الحديدية إلى الخارج وتستمع إلى همس الرياح المنعشة, لكن فجأة, اخترقت صيحات الضجيج الصاخبة هدوء غرفتها الساحر, تسبقها خطوات متثاقلة على السلالم خارج غرفتها..

 

تجمدت للحظة, بينما قلبي كان ينبض بشدة, تسابقت أفكاري في عقلي, إذ ظننت في لحظة أن سلفادور قد أتى لزيارتي, وهذه الفكرة أشعلت الشوق في قلبي وجعلتني أشعر بالحماس والتوتر في الوقت نفسه..

 

وقفت بسرعة, ثم هرعت بخطوات سريعة نحو الباب, فتحتهُ بحذرٍ شديد, ونظرت إلى الخارج بفارغ الصبر, لكن ما رأيته جعلني أشعر بالخوف والرعب الشديد..

 

كان هناك رجل يتحدث بصوتٍ مليء بالقوة والسلطة, وهو يصعد السلالم برفقة خمسة من حراسه, وكان يأمرهم بالمراقبة وعدم السماح لأي حارس من حراس المتادور بالاقتراب من هذا المكان..

 

" راقبوا المكان جيداً, لا تسمحوا لحُراس سلفادور بالصعود إلى هنا.. لا أريد أي إزعاج من قبلهم "

 

شعرت بقلبي يرتفع إلى حُنجرتي وقد غلبني الخوف الشديد من ذلك الرجل, لكن حاولت أن أبقى قوية وأجمع شجاعتي لمواجهة هذا الرجل..

 

أغلقت الباب بهدوء ووقفت بجانبه ملتصقة بالحائط, نظرت بفزع أمامي بينما كنتُ أُفكر كيف يمكنني حماية نفسي من هذا الرجل..

 

رواية المتادور - فصل 16 - أريدُ طفلاً

 

فجأة, انفتح الباب بقوة ودخل الرجل إلى الغرفة, ووقف أمامي وبدأ يتأملني بنظرات الإعجاب والدهشة وهو يبتسم ابتسامة مُرعبة.. بينما أنا كنتُ أُحاول بكل جُهدي إخفاء الرعب الذي اجتاح قلبي..

 

أغلق الباب بهدوء تام واقترب مني خطوة, تحركت بسرعة وابتعدت عنه خطوات عديدة.. ابتسم بسخرية ورأيتهُ يقف وهو يُسند ظهرهُ على الحائط ثم نظر إليّ بنظرات لم تُعجبني أبداً..

 

رواية المتادور - فصل 16 - أريدُ طفلاً


 

بلعت ريقي بقوة, ثم سألتهُ بهدوء

 

" ماذا تريد؟ "

 

سمعتهُ بذعر يقول بهدوء مُرعب

 

" أريدُكِ سنيوريتا "

 

توسعت عيناي بذعر وبدأ قلبي يقرع مثل الطبول عندما رأيت خوان دي غارسيا يقترب مني بخطوات بطيئة, كنتُ خائفة منه بشدة, إذ كنتُ أقف بمواجهة الرجل الذي اغتصب المسكينة أريا.. ونظراتهِ التي كان يتأملني بها أشعلت الرعب في قلبي..

 

عرفت بسرعة من يكون, فهو ابن عم سلفادور الوحيد, كان يجلس بجانب جدتهِ رامونا عندما تم مُحاكمتي من العشيرة للمرة الثانية..

 

رجعت خطوات عديدة إلى الخلف, ولكن فجأة وقفت عندما أعاقني السرير.. نظرت بذعر في أرجاء الغرفة, وما أن استقرت نظراتي على باب الحمام, فتحت فمي وأطلقت صرخة رُعب حقيقية وحاولت الركض باتجاه الحمام...

 

" ااااااععععععععــــ.... ممممممممم.... "

 

ولكن خوان دي غارسيا كان أسرع وأقوى مني.. إذ ركض بسرعة وضمني بعنف إلى صدره وكتم فمي بقبضة يده, جعلني أختنق..

 

بدأت أُقاومهُ بكامل قوتي بذعر وأنا أُحاول ابعادهُ عني وركله وصفعه, ولكنهُ شتم بغضب وفجأة شعرت بجسدينا يسقطان بعنف على السرير, وحاصرني بجسدهِ الضخم, ثقل جسدهِ الضخم شل حركة جسدي, ويدهُ على فمي كانت تُخنق صرخاتي داخل حُنجرتي..

 

سالت دموعي بذعر على وجنتاي, إذ عرفت بأنه الآن سيتم اغتصابي مثلما حدث مع أريا.. ولن يُنقذني أحد....

 

 

خوان دي غارسيا**

 

 

في الصباح الباكر, استيقظ خوان على وقع ضوء أشعة الشمس المتسلل من بين الستائر الثقيلة.. استمع إلى غناء العصافير خارج نافذته, وشعر بالنشاط يعم جسده.. استرخى للحظات قبل أن يقرر النهوض..

 

اتجه خوان نحو الحمام, استحم بنعومة ورشاقة, وسمح للماء الدافئ بأن ينزلق على جسده, وجعله يشعر بالانتعاش والاستعداد ليوم جديد..

 

رواية المتادور - فصل 16 - أريدُ طفلاً

 

وبينما كان يغسل شعره نظر أمامهُ حيث انعكست صورته الضبابية في المرآة المغطاة بالبخار..

 

خرج من الحمام وارتدى ملابسه السوداء بأناقة, متأكداً من أنه يظهر بأفضل حلة.. كان اللون الأسود يليق بطبيعتهِ الجادة والقاسية والحازمة..

 

وعندما انتهى نزل إلى غرفة الطعام حيث كانت جدته رامونا وشقيقته كارميتا ينتظرانه بفارغ الصبر.. ولكن غياب سلفادور كان بارزاً..

 

جلست على الكُرسي ثم نظرت إلى جدتي وقلتُ لها

 

" صباح الخير جدتي.. أين هو سلفادور؟ "

 

أجابت كارميتا بسرعة بحزن واستياء

 

" لقد طلبَ بإرسال وجبته إلى جناحه "

 

رفعت حاجبي ونظرت إلى شقيقتي بدهشة, ثم قلت بسخرية

 

" هذا تصرف جديد من المتادور.. يبدو بأن هناك من أغضبه, لذلك لا يرغب برؤية أحد "

 

ثم نظرت إلى جدتي وتابعت قائلا لها بسخرية

 

" جدتي, يا ترى, هل أنتِ من جعلتِ سلفادور يغضب؟ "

 

تأملتني جدتي بنظرات غاضبة وهتفت بحنق

 

" خوان, عليك أن تلتزم حدودكَ معي.. وجوابي لك هو لا, لستُ أنا من أغضبته "

 

سمعت كارميتا تضحك بقوة, ثم عندما هدأت قالت بنبرة خبيثة

 

" ليس جدتي من أغضبت سلفادور, بل تلك القاتلة لينيا هارفين "

 

نظرت إلى شقيقتي بسرعة وتأملتُها بدهشة كبيرة عندما تابعت قائلة بخبث

 

" لقد أمر سلفادور بأن تعود لينيا هارفين إلى غرفتها في مبنى الخاص بالحُراس, ربما ضاجعها في الأمس وشعر بالقرف منها "

 

وفوراً هتفت جدتي بغضب

 

" كارميتا, يكفي.. أنتِ تجلسين على طاولة الطعام, إياكِ أن تتكلمي بقلة أدب مرة أخرى.. وتذكري جيداً بأنهُ على لينيا هارفين أن تحمل بطفل سلفادور وبسرعة "

 

اعتذرت كارميتا من جدتي وتابعت بهدوء تناول طعامها.. كان الطعام مُعداً بعناية, ورائحة القهوة الطازجة تعبق في الهواء.. بدأت بتناول وجبتي بهدوء, ولكن نظرت بطرف عيناي إلى جدتي والتي كانت تحتسي فنجانها بصمت..

 

بينما كانت الأصوات تتبادل في الغرفة بصمت محترم, كلمت جدتي بهدوء

 

" لن تستطيع أريا العمل هنا لفترة أسبوع أو أكثر حتى تتحسن "

 

لم تُعجب كلماتي أم العشيرة, جدتي رامونا, التي رفعت حاجبيها عالياً وعارضتني بقوة هاتفة بغضب

 

" لماذا؟.. هي مُجرد خادمة هنا وعليها إتمام عملها.. سلفادور يدفع لها بسخاء مُقابل خدمتها لنا.. إن كانت لا تستطيع العمل يمكنها مُغادرة القصر, لماذا يجب علينا تحمُلها؟.. يمكننا أن نجد خادمة جديدة "

 

ومع ذلك، بقي خوان هادئًا, وأكمل تناول طعامه.. ثم, بعدما انتهى, أخذ فوطة صغيرة ليمسح بها فمه, ثم وقف بهدوء ووجه كلماته بجدية لجدته

 

" أريا لن تكون خادمة لديكِ بعد الآن, بل ستكون خادمتي الخاصة.. تذكري جدتي, سبق واتفقنا معاً على ذلك في الأمس "

 

احمر وجه جدتي بغضب, نظرت إليها بنظرات أتحداها بها حتى تُعارضني, لكن جدتي تأملتني بنظرات غاضبة وقالت رغماً عنها

 

" حسناً.. إن كان هذا ما تريدهُ فلك ذلك "

 

ابتسمت بوسع, ثم قلتُ لها بهدوء

 

" على فكرة جدتي, نسيت أن أُخبركِ.. أشقاء أريا هم هنا في القصر مع شقيقتهم.. وسوف يظلون معها هنا "

 

شهقت كارميتا بذهولٍ شديد, بينما كلماتي سقطت مثل الصاعقة على جدتي, لكنها عادت بسرعة لتجدد حواسها وتتمالك نفسها أمامي وأمام كارميتا..

 

وبنبرة حادة قالت جدتي

 

" هذا ليس قصرك حتى تجلب مُشردين إليه وتجعلهم يسكنون به "

 

ابتسمت بسخرية وقلتُ لها قبل أن أخرج من غرفة الطعام

 

" سأتكلم مع سلفادور بخصوص أشقاء أريا.. وأنتِ تعلمين جدتي بأنهُ لن يعترض "

 

عندما خرجت من غرفة الطعام ومن القصر, لم أتوقع أن أرى ابن عمي سلفادور على وشك المغادرة بسيارته مازيراتي الفاخرة.. لكن بينما كان سلفادور يتحضر للصعود في سيارته, لم أتردد في الهتاف باسمه بصوت عالٍ لأجعلهُ يتوقف

 

" سلفادور... "

 

وبالفعل جذبت انتباه سلفادور بسرعة, إذ توقف في مكانه ثم استدار ونظر إليّ وهو يبتسم, ثم اقترب ووقف أمامي وسألني بابتسامة ودية, وهو يُراقبني بفضول

 

" صباح الخير خوان.. ما الأمر؟ "

 

أجبتهُ بسرعة قائلا

 

" صباح الخير سلفادور, أنا بخير.. فقط أريد أن أتكلم معك بموضع هام.. هل أنتَ على عجلة من أمرك, أم يمكنني التكلم معك الآن؟ "

 

تأملني سلفادور بنظرات قلقة وقال

 

" بالطبع خوان, لستُ على عجلة من أمري.. جعلتني أقلق, تكلم "

 

كلمتهُ بسرعة

 

" في الأمس, ذهبت إلى منزل رودريغو سيرانو لطلب المال الذي يدين لي به في الكازينو.. "

 

بدأت بسرد الأحداث التي جرت في اليوم السابق, وأنا أُحاول التركيز على الأمور الهامة التي يجب أن يطلع سلفادور عليها, إذ تابعت بسرعة قائلاً له

 

" وجدت رودريغو يضرب أبنائه بعنف مع ابنتهِ أريا, فاضطررت لإيقافه وجلب أريا وأشقائها الثلاثة إلى هنا لحمايتهم من والدهم "

 

نظرت إلى سلفادور أبحث في عيونه عن التفاعل.. رأيتهُ ينظر إليّ بغضب ثم همس بحدة

 

" ذلك الرجل يجب أن ينال عقابهُ وفي أسرع وقت "

 

غمزت سلفادور, وكلمتهُ بسرعة

 

" دعني أتكفل بفعل ذلك به "

 

تبدلت ملامح وجه سلفادور إذ ابتسم بسعادة وربتَ على كتفي بقوة ثم سحب يده وقال

 

" خوان, أنا فخور بك, لقد قمتَ بالشيء الصحيح.. بالطبع أشقاء أريا سيبقون هنا في قصري, فهم أمانة بين يدينا الآن.. سأتكلم مع بيريز وسأطلب منه بتجهيز غرفة خاصة لهم في قصري.. ولكن لا أُريدُك أن تقتل رودريغو, فقط اجعلهُ يتأدب قليلا ويتوقف عن مُعاملة أولاده بعنف "

 

شكرتهُ بسرعة, ووعدتهُ بأنني لن أقتل رودريغو.. ثم اقترحت عليه بأن تكون أريا خادمة خاصة لي.. تأملني سلفادور بنظرات غريبة, لكنهُ وافق بسرعة قائلا

 

" بالطبع, لا مشكلة في ذلك.. سأتحدث معها, ثم سأتكلم مع جدتي لتوضيح الأمور "

 

شعرت بالسعادة, وأجبتهُ بسرعة

 

" لا داعي بأن تتكلم مع جدتي, لقد أخبرتُها بذلك منذ قليل وهي وافقت.. أما أريا, ليس لديها مُشكلة بأن تكون خادمتي الخاصة "

 

ثم طلبت من سلفادور التحدث مع مديرة المدرسة المحلية القريبة من القصر لتسجيل أشقاء أريا في المدرسة ومتابعة عامهم الدراسي.. وافق سلفادور بود وبدون أي تردد, معبراً عن رغبته في تأمين مستقبل أشقاء أريا بأفضل شكل ممكن..

 

شكرتهُ بصدق, وبينما كان سلفادور يتكلم مع بيريز بخصوص أشقاء أريا, ذهبت برفقة خانتو إلى الكازينو..

 

في الساعة الواحدة ظهراً, تلقيت مُكالمة من سلفادور.. أخبرني بأنهُ تكلم مع مديرة المدرسة ووافقت بسرعة بتسجيل أشقاء أريا ومُتابعة عامهم الدراسي, ولكن كان يوجد مُشكلة صغيرة, وتلك المُشكلة التي أخبرني عنها سلفادور قررت حلها بنفسي..

 

في تمام الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر, كنتُ أصعد السلالم في مبنى الحُراس برفقة خانتو وأربعة من حُراسي الشخصيين.. كنتُ قد دخلت إلى المبنى دونَ أن ينتبهوا لي حُراس سلفادور..

 

صعدت إلى غرفة البروفيسورة لينيا هارفين ودخلت دونَ استئذان, ولكن وقفت في مكاني أنظر إليها بإعجاب رغم أنها كانت ترتدي ملابس بسيطة.. ماذا أفعل؟, فهي جميلة, وأنا أعشق النساء الجميلات.. ولكن للأسف رغبتي السابقة بها اختفت بعد أن تذوقت بطتي القبيحة..

 

ولدهشتي الكبيرة شعرت البروفيسورة بالخوف مني وبدأت تصرخ وحاولت الهروب مني, فهجمت عليها بسرعة وكتمت فمها بيدي وحضنتُها بقوة إلى صدري حتى لا تهرب.. ولكنها قاومتني بشراسة مثل اللبوة المُفترسة.. ولأجعلها تهدأ رميتُها على السرير وحاصرت جسدها الصغير بجسدي..

 

نظرت إليها بذهول عندما رأيتُها تبكي وهي ترتعش أسفلي بعنف.. نظرت إليها بدهشة, ثم أبعدت وجهي قليلا عن وجهها وقلتُ لها بنبرة هادئة

 

" لا تخافي, أنا لن أؤذيك بروفيسورة.. أريد فقط طلب خدمة صغيرة منكِ.. لذلك اهدئي لو سمحتِ.. سوف أُزيل يدي عن فمكِ وسأبتعد عنكِ, فقط لا تصرخي.. اتفقنا؟ "

 

توقفت لينيا عن البكاء ونظرت إليّ بتعجُب, ثم هزت رأسها موافقة.. تنهدت براحة وأبعدت يدي عن فمها بهدوء ثم ابتعدت عنها ووقفت أنظر إليها بنظرات هادئة وساكنة حتى أجعلها تثق بي..

 

جلست لينيا بسرعة وكتفت يديها على حضنها, تأملتني بنظرات متوترة, ثم سألتني بصوتٍ مُرتجف

 

" ماذا تريد مني؟ "

 

ابتسمت بخبث وأجبتها بسخرية

 

" عادة النساء الجميلات لا يخافون مني بروفيسورة, بل يرمون أنفسهم عليّ.. أنتِ مُختلفة عنهم "

 

شعرت بالدهشة بسبب ردة فعلها السابقة معي, إن كانت عاهرة فعلاً لم تكن ستخاف مني كما فعلت منذ قليل..

 

تأملتني لينيا بنظرات حادة, وقالت بعنفوان

 

" أنا لستُ من ذلك النوع من النساء, والآن تكلم, ماذا تريد مني؟ "

 

تنفست بقوة, ثم قلتُ لها بنبرة هادئة

 

" أريا لديها ثلاثة أشقاء, رافاييل في الحادية عشر, والتوأم رامون و رامو في العاشرة من عمرهم.. والدهم اللعين لم يُدخلهم هذه السنة إلى المدرسة, شهرين كاملين فاتتهم من العام الدراسي.. ولكن تم تسجيلهم اليوم في المدرسة القريبة من القصر.. ولكنهم يحتاجون لمعلمة خاصة لتُساعدهم بدراسة ما فاتهم من دروس.. هل توافقين على مُساعدتهم سنيوريتا؟ "

 

تأملتني لينيا بنظرات مُندهشة.. حسناً للأمانة يحق لها أن تتأملني بتلك الطريقة, فأنا كنتُ أشعر بالدهشة من نفسي وبسبب تصرفاتي مع أريا وأشقائها الثلاث..

 

فجأة, ابتسمت لينيا وقالت بهدوء

 

" بالطبع, أنا موافقة.. سوف أُساعدهم "

 

ابتسمت بوسع وشكرتُها, ولكن شعرت بالذهول عندما قالت لينيا بهدوء تام

 

" لا تشكرني سنيور.. لقد وافقت من أجل أريا, وليس لأنك طلبتَ مني ذلك "

 

نظرت إليها بذهول, ثم ضحكت بقوة, وعندما توقفت عن الضحك وضعت يدي على قلبي وقلتُ لها بسخرية

 

" اوتش, هذا مؤلم, كنتُ أظن بأنكِ وافقتِ على مُساعدتهم بسبب سحري الخاص.. هذا مُحزن "

 

تأملتني لينيا باستهزاء, ثم ابتسمت بسخرية وقالت

 

" سحرُك الخاص لا يؤثر بي سنيور "

 

ثم وقفت لينيا أمامي وتابعت قائلة بجدية

 

" سنيور خوان, حاول أن لا تستخدم سحرك الخاص على أريا, فهي فتاة بريئة جداً "

 

تجمدت نظراتي بحدة على عينيها, حاولت التأكد من نظراتها إن كانت قد اكتشفت ما فعلتهُ بـ أريا.. لكن لا, لا أظن بأنها عرفت..

 

رفعت رأسي عاليا وأجبت البروفيسورة بغرور

 

" لا تتدخلي سنيوريتا بشؤني الخاصة.. ثم أريا هي خادمتي الخاصة "

 

استدرت وغادرت الغرفة ثم خرجت من المبنى وذهبت باتجاه القصر.. أردت رؤية أريا لأطمئن عليها وأُخبرها عن مدرسة أشقائها وبأن لينيا هارفين سوف تُساعدهم بواجباتهم المدرسية.. ولم أفهم سبب لهفتي الكبيرة لرؤية أريا...

 

 

لينيا هارفين**

 

 

عندما خرج خوان من غرفتي, تنهدت براحة, ثم تمنيت أن يكون كلام أريا صادقاً, بأن سنيور خوان لم يغتصبها بل هي سلمت نفسها له لأنها تحبه..

 

تنهدت بعمق, وهمست بحزن

 

" أتمنى أن يُحبها خوان, أريا رقيقة وبريئة جداً "

 

توقفت عن التفكير بهما, ثم بدأت أُفكر بـ سلفادور كعادتي, وكنتُ أشعر بالحنين إليه في كل لحظة تمرّ بي..

 

بعد مرور يومين**

 

مضى يومين كاملين ببطء وبحزن على لينيا, رغم أنه كان مسموحًا لها بالخروج من غرفتها والتجول في القرية, إلا أن حزنها لم يفارقها.. ولكن في صباح هذا اليوم الجميل قررت لينيا أخيراً أن تخرج وتذهب لرؤية أريا وتتعرف على أشقائها الثلاثة..

 

خرجت لينيا من غرفتها في الصباح الباكر, وأحست بنسمات الهواء الطلق تلامس وجهها برقة.. كانت تشعر بالحماس والفضول لتتعرف على أشقاء أريا الثلاثة, وقد كانت مهمتها الأولى في هذا الصباح الاطمئنان على أريا..

 

وجدت نفسي أمام الباب الخلفي للقصر المخصص للخدم.. دخلت بحذر ووجدت إحدى الخادمات تمر بالقرب مني, وقفت أمامها وسألتُها بود

 

"عذراً, هل يمكنكِ أن ترشديني إلى غرفة أريا, لو سمحتِ؟ "

 

وقفت الخادمة وتأملتني بنظرات كارهة.. ثم قالت بنبرة جافة وبحقد مكبوت وهي تُشير بيدها نحو الدرج المؤدي إلى الطابق الأول

 

" إنها الغرفة الثالثة على اليمين في الطابق الأول.. فالخادمة أريا أصبحت مميزة في هذا القصر, سنيور سلفادور بنفسه أمر بتجهيز تلك الغرفة لها ولأشقائها الثلاثة, كما تم وضع ثلاثة أَسِرَّة في تلك الغرفة من أجلهم, لم أرى في حياتي أوقح من أريا.. فقد فرضت نفسها وأشقائها الثلاثة على المتادور, لقد استغلت طيبتهُ لتسكن في هذا القصر "

 

لم أهتم بما قالته عن أريا, بدا واضحاً لي بأنها تشعر بالغيرة من أريا.. توجهت بسرعة نحو الدرج, وصعدت بهدوء حتى وصلت إلى الطابق الأول.. وبمجرد وصولي, ذهبت مباشرةً نحو الباب الثالث الموجود على اليمين..

 

طرقت الباب بلطف, وسمعت صوت أريا تقول

 

" تفضل "

 

فتحت الباب ببطء ودخلت إلى الغرفة, فوجدت ثلاثة صبية صغار في العمر يجلسون على طرف السرير بجانب شقيقتهم أريا التي كانت تبتسم بفرح لدى رؤيتها لي..

 

قالت أريا ببهجة

 

" صباح الخير سنيوريتا "

 

أغلقت الباب بهدوء واقتربت منهم بابتسامة واسعة, وسألت أريا بلطف بينما كنتُ أنظر إلى الصغار بعاطفة

 

" صباح الخير أريا.. من هؤلاء الأولاد الوسيمون؟ "

 

أشارت أريا إلى الصبية وقالت

 

" اقتربي سنيوريتا لأُعرفكِ على أشقائي الثلاثة.. هؤلاء هما التوأم رامو و رامون, وهما في العاشرة من العُمر, أما هذا الصبي الجميل هو شقيقي رافاييل, وهو في الحادية عشر من عمره "

 

لم أستطع إلا أن أشعر بدهشة كبيرة عندما رأيت التوأم, فكانا يتشابهان إلى درجة صعب جداً التمييز بينهما, ولم أكن قادرة على تمييز من هو منهما رامو و رامون..

 

وقفوا الصبية الثلاثة, وجلس التوأم على الأريكة وضموا بعضهما ونظروا إليّ بخجل..

 

رواية المتادور - فصل 16 - أريدُ طفلاً


أما رافاييل الكبير وقف يتأملني بنظرات هادئة..

 

رواية المتادور - فصل 16 - أريدُ طفلاً


 

فجأة سمعت رافاييل يسألني

 

" سنيوريتا, أنتِ صديقة شقيقتي؟, وسوف تكونين مُعلمتنا الخاصة؟.. أريا أخبرتنا عنكِ منذ يومين.. أنتِ جميلة جداً سنيوريتا "

 

ابتسمت بوسع وشكرت رافاييل, ثم اقتربت وجلست على الأريكة, ثم نظرت إلى الصبية الثلاثة وقلتُ لهم بحنان

 

" نعم, أنا صديقة شقيقتكم أريا, وأخيرا تعرفت عليكم أيها الوسيمون.. وأنا جداً سعيدة لأنني سأكون معلمتكم الخاصة وأُساعدكم بواجباتكم المدرسية "

 

ابتسموا الصغار بخجل ثم أحد التوأم كلمني قائلا بسعادة

 

" غداً سنذهب إلى المدرسة.. سنيور خوان أمر العم بيريز بأخذنا إلى المدرسة في سيارتهِ الليموزين.. أنا أُحب السنيور خوان فهو لطيف معنا جداً.. ولكنني أُحب المتادور أكثر لأنهُ سمح لنا بالبقاء في قصرهِ الجميل واللعب في الحديقة "

 

نظرت إلى أريا ورأيتُها تنظر بتوتر وبحزن إلى شقيقها.. نظرت إلى التوأم وسألتهم بمرح

 

" حسناً, بما أنني تعرفت عليكم اليوم, اسمحوا لي بأن أُخمن من هو رامو ومن هو رامون بينكما "

 

أشرت بأصبعي السبابة إلى الطفل من ناحية اليمين وقلت بمرح

 

" أنتَ رامو "

 

ضحكوا التوأم بسعادة ثم هتف الصبي باعتراض وهو يضحك

 

" لا سنيوريتا, أنا رامون "

 

ثم لدهشتي وقف التوأم أمامي وتبادلوا أماكنهما لأكثر من خمس مرات, ثم وقفا جامدين أمامي, وبدأ التوأم يضحكان ويقولان بنبرة مرحة

 

" والآن, من هو رامو, ومن هو رامون؟ "

 

فشلت فشلا ذريعاً بالتفرقة بينهما.. ولأكثر من ربع ساعة كنتُ أحاول تحديد من هو رامو ومن هو رامون.. وامتلأت الغرفة بضحكاتنا السعيدة...

 

لم أستطع إلا أن أنضم إلى ضحكاتهم السعيدة, في النهاية استسلمت وقلتُ لهم وأنا ابتسم بفرح

 

" حسنا, أنا أستسلم.. أعتقد أنني سأحتاج إلى بعض الوقت للتمييز بينكما "

 

تأملتني أريا بنظرات حنونة وقالت بامتنان

 

" أشكركِ سنيوريتا لأنكِ وافقتِ على إعطاء أشقائي دروسًا خصوصية.. وشكراً على زيارتكِ لي اليوم "

 

ابتسمت برقة وأجبتُها بصدق رغم حُزني

 

" لا داعي لتشكريني, سأشعر بالسعادة إن مارست مهنة التعليم من جديد "

 

نظرت أريا في عمق عينياي واستطاعت رؤية حُزني رغم محاولاتي لإخفائه, ولكنها لتجعلني أنسى حُزني نظرت إلى أشقائها وهتفت بمرح

 

" لا تسمحوا لها بالذهاب من هنا قبل أن تستطيع التفرقة بينكما "

 

استمرت الضحكات والمزاح في الغرفة, وكانت بداية جميلة لصباح جديد في حياتي مع صديقتي الجديدة وأشقائها الثلاثة...

 

المتادور سلفادور**

 

بعد مرور يومين على تلك الحادثة بين المتادور ولينيا*

 

بعد يوم طويل ومُتعب في الشركة, عاد المتادور سلفادور إلى قصره, كانت الشمس تغيب ببطء في أفق السماء الملونة بألوان الغروب, وتألقت أشعتها الأخيرة على واجهة القصر الرائعة, مما جعلها تبدو وكأنها قلعة سحرية في عالم الأحلام..

 

وفي هذا الوقت الساحر, حيث الهدوء يسود المكان, بينما كانت سيارة المتادور تدخل من البوابة الخارجية للقصر, لم يكن هناك سوى أصوات خفيفة تتداعى من بعيد, تنبعث من حديقة القصر الخلفية..

 

سمعت صوت ضحكات سعيدة جعلتني أتوقف عن مُتابعة قراءة الملف على حاسوبي المحمول أمامي, أغلقت الحاسوب ونظرت إلى الخارج من نافذة سيارتي, شاهدت لينيا تلهو مع أشقاء أريا في الحديقة الخلفية للقصر وهي تلعب معهم..

 

كانت الأشجار ترقص مع نسمات الهواء اللطيفة, والأزهار تفوح بعطرها الفواح, وسط هذا المشهد الخلاب كانت لينيا تبتسم ببراءة وهي تلعب مع أخوات أريا وتُحاول الإمساك بأحد منهم..

 

نظرت إليها بحزن بينما كنتُ أتذكر بحرقة وبألمٍ كبير كيف همست لينيا باسم شقيقي المرحوم وهي بين أحضاني.. لينيا لا تعلم كم جعلتني أتألم عندما همست باسم شقيقي بينيتو.. شعرت بطعنة حادة في قلبي, وصدري كان يحترق بقوة.. شعرت بأنني أخون ذكرى شقيقي بسبب لمسي لحبيبته.. وشعرت بألمٍ كبير أحرق روحي عندما عرفت بأن لينيا تُحب بينيتو ولم تكن مُجرد عشيقة له...

 

بعد ما حدث بيننا في تلك الليلة قررت تجاهل لينيا ومُحاربة مشاعري الغريبة نحوها.. لا أستطع الإنكار بأن ساكورا تُعجبني, بل تُعجبني جداً كامرأة, ولا أستطيع الإنكار بأنني أشعر برغبة عميقة بأن أجعلها لي..

 

تنهد سلفادور بقوة وأمر سائقه بالتوقف بسرعة, وبمجرد أن توقفت السيارة, خرج المتادور بخطوات هادئة ووقف بعيدًا يراقب اللقطة الجميلة التي تتكون أمامه.. كانت لحظة رائعة عندما رأى لينيا تضحك بسعادة وهي تضم شقيق أريا الأكبر رافاييل بذراعيها بقوة.. ولكن في داخله شعر بالنار تأكل جسده, حيث لفت انتباهه لينيا وهي تتلقى قبلة بريئة من رافاييل على خدها..

 

الغيرة تجتاح قلبه بقوة, فتغلبت على كل شيء, حتى على غضبهِ منها.. لم يكن يستطيع التحكم في شعوره, فكان يشعر بأنه يختنق بسبب هذا الشعور الذي يأكل منه الآن.. فرغم صغر سن رافاييل إلا أن سلفادور شعر بالغيرة منه لأنهُ قبل ساكورا على خدها..

 

استدرت ومشيت بخطوات غاضبة نحو القصر, رأيت رئيس حُراسي بيريز يركض ويقف أمامي باحترام.. وقفت ونظرت إليه بغضب وأمرته بحدة

 

" اجلب لي الصبي رافاييل إلى مكتبي في الحال "

 

تأملني بيريز بدهشة, ولكنهُ سُرعان ما قال باحترام

 

" بالطبع سنيور "

 

رأيتهُ يبتعد واتجه نحو الحديقة الخلفية للقصر.. دخلت بخطوات غاضبة إلى قصري وصعدت إلى مكتبي, وجلست على الكُرسي خلف المكتب بانتظار الصبي رافاييل..

 

دقائق قليلة دخل الصبي رافاييل بحذر, ووقف أمام مكتبي وهو يرتعش من الخوف..

 

وعندما وصل رافاييل, رأى المتادور وقد تجلدت ملامحه بالجدية والغضب.. فبدأ المسكين يرتعش بخوف وهو ينظر إليه بفزع..

 

تنفس المتادور بقوة وقال بنبرة جادة وحادة

 

" عندما سمحت لك ولأشقائك بالبقاء في قصري, تكلمت معكم بضرورة احترام حدودكم وآدابكم في قصري وفي التعامل مع لينيا وأختكم.. ما هو تفسيرك لهذا السلوك اليوم؟ "

 

رمش رافاييل بقوة, ثم همس بخوف

 

" سنيور دي غارسيا, أنا لم أفعل شيء قد يُغضبك مني "

 

تأملتهُ بنظرات تشتعل من الغيرة, وقلتُ له بجدية

 

" بل فعلت, لقد قبلتَ ساكورا على خدها في حديقة قصري منذ قليل "

 

لا أعلم من كانت دهشتهُ أعمق من الآخر, أنا أم الصبي رافاييل.. بعد فوات الأوان انتبهت بما فعلته وكيف تصرفت أمام رافاييل, وبأنني قلت كلمة ساكورا أمامه..

 

رافاييل, الذي كان يشعر بالخوف والاستغراب, أجاب بتردد

 

" ساكورا؟!.. سنيور أنتَ تقصد سنيوريتا لينيا بـ ساكورا؟.. ثم ماذا تعني كلمة ساكورا؟ "

 

أغمضت عينيّ لثواني ثم نظرت إلى رافاييل وقلتُ له بسرعة

 

" لا تعني شيئاً تلك الكلمة.. والآن أخبرني عن سبب تصرفك الطائش "

 

لدهشتي الكبيرة, ابتسم رافاييل ونظر إليّ بعيون ممتلئة بالحب والحنان, وقال بسعادة

 

" سنيور, لقد فعلت ذلك لأنني أحبها, أردت أن أُظهر لها مدى حبي واهتمامي بها, وأن أقول لها بأنني أرغب في أن أكون جزءً من حياتها, أنا أريد أن أتزوجها عندما أُصبح في الثامنة عشر "

 

تجمد الجو في المكتب, وظل الصمت يسيطر على الأجواء, بينما تُداعب الرياح أغصان الأشجار خارج النافذة, ورقصت أوراقها كأنها تحاول تهدئة عاصفة لا ترحم داخل قلب المتادور..

 

عندما سمعت كلمات الصبي, شعرت بنار الغيرة تشتعل في قلبي.. هذا الصبي يحب لينيا, وبسبب ذلك شعرت بألم عميق يعتصر قلبي..

 

ودون شعور مني, هتفت باعتراض

 

" لا يمكنك أن تُحبها وتتزوجها.. فهي أكبر منك بسبعة عشر سنة.. هي كبيرة جداً بالنسبة لك أيها الصغير.. عليك أن تنساها وتهتم فقط بدروسك, هل كلامي واضح؟ "

 

لدهشتي الكبيرة, ابتسم رافاييل بوسع وسألني

 

" هل تُحبها أيضاً متادور؟.. إن كنتَ تُحبها, سأنسى حُبي لها من أجلك فقط "

 

سقط فكي إلى الأسفل من هول الصدمة.. حسناً بسبب براءة الصبي وحديثهُ العفوي معي, تجمدت أتأملهُ بصدمة كبيرة ولم أستطع التفوه بكلمة واحدة أمامه..

 

ووسط جمودي, اقترب رافاييل من المكتب ونظر إليّ بسعادة, ثم قال بجدية

 

" لا تقلق سنيور, سرُك بأمان معي.. لن أُخبر أحد بأنك تُحب سنيوريتا لينيا.. وأعدُك لن أُقبلها مرة أخرى على خدها حتى لا تحزن "

 

توسعت عيناي أكثر من الصدمة بينما كنتُ أنظر إليه.. اللعنة, صبي في الحادية عشر من عمره جعلني أخرس وأشعر بالغيرة منه.. تباً, ما الذي يحدث لي؟.. أنا طبعاً لا أُحب ساكورا.. أنا فقط مُعجب بها, لا أكثر من ذلك..

 

حمحمت بتوتر, وقلتُ له بهدوء

 

" يمكنك الانصراف الآن "

 

قهقه رافاييل برقة, ثم قال قبل أن يخرج من مكتبي

 

" حاضر سنيور, ولا تقلق لن أتفوه بكلمة أمام أحد عن سرك.. سنيوريتا لينيا تستحق حُبك لها.. الوداع سنيور "

 

بعد ذهاب رافاييل, وقفت أمام النافذة ونظرت بشرود أمامي, وفكرت بحزن.. لا يجب أن أشعر بالغيرة عليها, ساكورا ليست لي, ولن تكون.. يجب أن أتحكم بنفسي وبمشاعري.. يجب أن أفعل ذلك...

 

استدرت وخرجت من مكتبي وصعدت إلى جناحي, إذ قررت أن أستحم أولاً, وبعدها أستريح قليلا, فقد أرهقني العمل اليوم, وأرهقني التفكير بـ لينيا..

 

 

لينيا**

 

مضى أسبوع كامل على عودتي إلى هذه الغرفة في مبنى الخاص بسكن الحُراس.. لكن الأيام مرت ببطء وبحزن عليّ.. رغم أنه كان مسموحًا لي بالخروج من غرفتي والتجول في القرية, ورغم أنني كنتُ أُعطي دروسًا خصوصية لأشقاء أريا, إلا أن الحُزن لم يُفارقني.. وشوقي لـ سلفادور تضاعف أضعافاً عن السابق..

 

كان المتادور يتجنب رؤيتي تماماً, كأنني وباء خطير ومُعدي.. اشتقت إليه بجنون, وكنتُ في كل لحظة أتذكر قبلاته ولمساته لي, وكنتُ أحترق بنار الحُب والشوق..

 

كانت الساعة الثالثة بعد الظهر عندما قررت الخروج من غرفتي والذهاب لرؤية الأولاد الثلاثة لأقوم بمساعدتهم مثل عادتي بدروسهم..

 

ولكن ما أن دخلت إلى المطبخ, لم أرى سوى رامون و رافاييل يتناولان وجبة الغداء معاً, سألتهم بقلق عن الصغير رامو, فأجابني رافاييل بهدوء بأن رامو ليس جائعاً وهو في غرفتهم.. شعرت بالقلق على الصغير, فـ أريا كانت برفقة السنيور خوان منذ الصباح, فقد غادرت برفقته ولم تأتي لغاية الآن..

 

صعدت إلى الطابق الأول ودخلت إلى غرفة أريا التي تتشاركها مع أشقائها الثلاثة.. ولكن ما أن دخلت إلى الغرفة سمعت صوت بكاء.. بحثت بقلق في أرجاء الغرفة ورأيت الصغير رامو يبكي بحزن وهو يجلس على الأريكة..

 

" رامو... "

 

همست بقلق باسمه, وفوراً توقف الصغير عن البكاء ووقف ونظر إليّ بخوف.. ركضت ووقفت أمامهُ ثم جلست قرفصاء أمامه وتأملتهُ بنظرات قلقة, ثم سألتهُ بخوف

 

" لماذا تبكي صغيري؟.. هل ضربك أحد في المدرسة؟.. أخبرني حبيبي, لا تخف "

 

شهق رامو بقوة, وعاد يبكي بكثرة وهو يتأملني بنظرات حزينة جعلت قلبي يحترق..


رواية المتادور - فصل 16 - أريدُ طفلاً

 

مسحَ دموعه بسرعة عن وجنتيه وقال ببكاء

 

" سنيوريتا, لقد رسبت في امتحان الرياضيات اليوم.. اااااعععععععع..... "

 

نظرت إليه بحنان, ثم حضنتهُ بقوة إلى صدري ومسحت ظهرهُ برقة, وقلتُ لهُ بحنان

 

" لا بأس حبيبي, لا تبكي.. لا تخجل لأنك رسبتَ في الامتحان, لم يمضي على دخولك إلى المدرسة سوى أيام معدودة فقط.. سوف أُساعدك أكثر وأُعلمُك كل ما فاتك من دروس "

 

لكن رامو ابتعد عني ونظر إليّ وهو يبكي, وقال بحزن أحرق روحي

 

" لا سنيوريتا, أنتِ لا تفهمين.. لقد رسبت بسببكِ في الامتحان.. إجاباتي كلها كانت صحيحة, فأنتِ ساعدتني في الأمس, امتحاني كان سهل جدا بالنسبة لي "

 

عقدت حاجباي ونظرت إليه بعدم الفهم.. في الحقيقة أشقاء أريا أذكياء جدا ومُجتهدين, لم يكن صعباً عليّ جعلهم يفهمون ويتعلمون بسرعة دروسهم..

 

وقفت وحملت رامو بكلتا يداي, ثم جلست على الأريكة وجعلت رامو يجلس في حُضني.. مسحت دموعه برقة, وسألتهُ بنبرة حنونة

 

" لم أفهم صغيري!.. كيف رسبتَ في امتحانك اليوم بسببي؟ "

 

شهق رامو بقوة, واجابني بحزن وببكاء

 

" أستاذ الرياضيات, عندما سلمني ورقة الامتحان أجبت على الأسئلة كلها بسرعة لأنها كانت سهلة جداً بالنسبة لي, وكنتُ أول من سلم ورقة الامتحان له.. وعندما رأى الأستاذ ورقتي طلب مني أن أقف, ثم قال لي بأنني ولد ذكي جداً, ثم سألني من يقوم بمساعدتي بدروسي, فأجبتهُ بأنكِ أنتِ سنيوريتا من تُعطيني دروس خصوصية وتُساعدني بواجباتي المدرسية "

 

تأملتهُ بنظرات هادئة, ثم سألتهُ برقة

 

" حسناً, هذا صحيح صغيري, ولكنك ولد ذكي جداً ومُجتهد.. والآن أخبرني, لماذا رسبتَ في الامتحان؟ "

 

شهق رامو بقوة وعاد ليبكي بعنف, وقال ببكاء أحرق قلبي

 

" عندما سمِع الأستاذ باسمكِ, كتبَ كلمة راسب على ورقة امتحاني, ورمى الورقة بوجهي, وقال كلام سيء عنكِ "

 

عندما سمعت ما تفوه به رامو, شعرت بالغضب يسكُن كل خلية في جسدي.. وكنتُ في هذه اللحظة على استعداد تام لضرب ذلك الأستاذ اللعين..

 

وبصدمة كبيرة, سمعت رامو يُتابع قائلا ببكاء

 

" لقد قال الأستاذ بأنكِ امرأة قاتلة وعاهرة, وقال بأنهُ لا يُناسبهُ أن يقوم بتعليمي "

 

هنا وفي هذه اللحظة كان الغضب قد سيطر عليّ.. وضعت رامو على الأريكة وسألتهُ بهدوء يُخفي الاعصار الذي يسكن بداخلي

 

" ما هو اسم ذلك الأستاذ؟ "

 

أجابني رامو بسرعة

 

" الأستاذ ديسوتو هارتيغا "

 

وقفت بهدوء وأمسكت بيد رامو وساعدتهُ ليقف أمامي.. مسحت دموعه عن وجنتيه, ثم قبلتهُ على خده وقلتُ له برقة

 

" سأتصرف مع ذلك الأستاذ الوقح.. لا تبكي بسببه حبيبي.. أولاً سوف تعطيني ورقة امتحانك, ثم ستزل إلى الأسفل وتتناول وجبة غدائك.. وبعدها ستصعد وتبدأ بحل واجباتك المدرسية لحين عودتي.. اتفقنا؟ "

 

أومأ رامو موافقاً, ثم عانقني بقوة وقال

 

" أحبكِ جداً سنيوريتا, كلنا نحبكِ, خاصةً شقيقتي أريا, فهي تحبكِ كثيراً "

 

بادلتهُ العناق وقلتُ لهُ بحنان

 

" وأنا أحبكم كثيراً صغيري "

 

ابتعد رامو عني ثم ركض ووقف أمام الطاولة وفتح حقيبتهُ المدرسية وأخرج منها ورقة, ثم وقف وسلمني الورقة.. نظرت إلى ورقة الامتحان وقمت بقراءة الأسئلة والأجوبة بدقة.. وكما توقعت جميع إجابات رامو كانت صحيحة, وهنا اشتعل بي الغضب أضعافاً عن السابق..

 

خرجت من الغرفة برفقة رامو ونزلنا إلى الأسفل.. عندما تأكدت بأن رامو بدأ بتناول وجبة الغداء خرجت من القصر وأنا على وشك قتل أحدهم..

 

خرجت لينيا وفي عينيها لمعة الغضب المُميت.. تلك النيران التي تتلاطم في داخلها, كانت تشتعل بغضب لا يمكن أن ينطفئ, بينما قلبها كان يعصف به الغضب والاستياء من الظلم الذي تعرض لهُ رامو بسبب أنها مُعلمتهُ الخاصة..

 

وفور رؤيتي للحارس خواكيم هتفت بقوة

 

" خواكيم... "

"وفوراً الحارس الوفي الذي كان يراقب المكان من بعيد التفتَ نحو لينيا ثم ركض ووقف أمامها وقال باحترام

 

" نعم سنيوريتا "

 

تنفست بقوة وسألتهُ بغضب

 

" أين يسكن المُعلم ديسوتو هارتيغا؟ "

 

خواكيم أدرك تمامًا مدى الغضب الذي يجتاح لينيا.. فأجابها بدهشة

 

" سنيوريتا, إنه يسكن في حي الأسوار, شارع الجوهرة الساطعة, منزل رقم 123 "

 

سألتهُ بأن يُرشدني بدقة إلى الموقع وكيف أذهب إلى ذلك العنوان مشياً على الأقدام.. أرشدني بدقة كيف أذهب, ثم حاول خواكيم معرفة سبب غضبي وسؤالي عن عنوان ذلك المُعلم, لكن أمرتهُ بأن يبقى هنا وغادرت المكان مُسرعة..

 

دون أن أُلقي نظرة إلى أي شخص آخر, خرجت من القصر بخطوات ثابتة وواثقة.. سمعت خطوات خلفي وعرفت بأن خواكيم يتبعني.. ودونَ أن أنظر إليه أمرتهُ بغضب

 

" لا تتبعني.. عُد إلى القصر في الحال "

 

حاول خواكيم الاعتراض لكن تجاهلتهُ ومشيت بخطوات سريعة وغاضبة باتجاه منزل ذلك الحقير.. في هذه اللحظات لم أُفكر سوى في الانتقام من الظلم الذي تعرض له رامو على يد ذلك المُعلم الوغد..

 

وفيما كانت لينيا تمشي على الأقدام نحو منزل المُعلم ديسوتو, لم تلاحظ السيارة الرمادية التي توقفت فجأة في وسط الطريق, ولم تُلاحظ لينيا تلك العينين تتبعها بنظرات حادة ومُندهشة..

 

وصلت لينيا أخيرًا إلى منزل المُعلم ديسوتو.. وبينما وقفت أمام الباب, خيوط الغضب كانت تتشابك في عقلها, جعلتها تطرق الباب بعنفٍ شديد, وكان صوتها يُشبه دوي الرعد, يعلن وصول العاصفة..

 

سمعت صوت رجل من داخل المنزل يهتف بغضب

 

" حسناً, حسناً, أنا قادم.. توقف عن طرق باب منزلي "

 

فجأة انفتح الباب وظهر أمامي رجل في عقدهِ الرابع من العمر.. في البداية نظر إليّ بنظرات غاضبة, ولكن عندما استوعب رؤيتهُ لي بدأ يتأملني بنظرات الإعجاب وهو يبتسم بخبث..

 

رفعت رأسي ونظرت إليه بكبرياء وسألتهُ بحدة

 

" هل يمكنني التكلم معك قليلا؟ "

 

اتسعت ابتسامتهُ الخبيثة, وأجابني بهدوء وهو يبتعد إلى الخلف عدة خطوات

 

" بالطبع بروفيسورة, تفضلي بالدخول "

 

دخلت خطوتين إلى داخل المنزل, وقبل أن يُغلق الباب هتفت بحدة

 

" لا تغلق الباب, سأتكلم معك هنا "

 

ابتسم اللعين وهو يقترب ليقف أمامي, ثم كتف يديه على صدره وسألني بهدوء

 

" يا ترى ما هو سبب زيارتكِ لي وفي منزلي بروفيسورة؟ "

 

نظرت إليه باحتقار, ثم رفعت ورقة امتحان رامو أمام وجهه, وهتفت بغضب

 

" أتيت لأطلب منك تصحيح خطأك اللعين, عليك أن تقوم بإعادة تصحيح امتحان رامو ووضع العلامة الصحيحة له والتي يستحقها "

 

قهقه الحقير بتسلية, ثم قرب وجههُ ونظر إليّ بنظرات كارهة, وسألني بتحدي

 

" وإن لم أفعل, ماذا ستفعلين بروفيسورة؟ "

 

هذه المرة ابتسمت بخبث, وأجبتهُ بتهديد واضح

 

" إن لم توافق, سأذهب وأكتب رسالة إلى وزير التربية وأشرح لهُ ما حدث مع الطفل رامو سيرانو, وأُقدم شكوى بحقك, ثم سأضع مع رسالتي امتحان رامو, وبعدها سأختم الظرف بختم المتادور الخاص وأرسلهُ إلى مكتب الوزير.. وبعدها سنرى إن كنتَ ستظل تعمل كمعلم في أي مدرسة داخل إسبانيا "

 

احمر وجههُ من جراء الغضب, ثم رأيتهُ بذعر يقترب مني خطوة, وفوراً دق ناقوس الخطر بداخلي.. حاول الحقير سحب ورقة الامتحان من يدي, لكن صرخت بذعر وابتعدت عنه إلى الخلف قبل أن يسحب الورقة من يدي..

 

تأملني بنظرات كارهة, وهتف بغضب وبحقد

 

" سأقتلكِ قبل أن تفعلي ذلك بي أيتها العاهرة "

 

نظرت باتجاه باب المنزل, ولكن كان من المستحيل أن أصل إليه, فركضت مبتعدة عنه إلى غرفة المعيشة.. ولكن الحقير استطاع الوصول إليّ, إذ أمسك ذراعي وجذبني بعنف إليه..

 

ولكن قبل أن أبدأ بمقاومته والصراخ, شهقت بألم وبدهشة كبيرة عندما قبضة قوية أمسكت ذراعي وتم سحبي بعنف إلى الخلف..

 

نظرت باتجاه اليسار ورأيت بفزع شل روحي المتادور يقف بجانبي وهو يتأملني بنظرات مُشتعلة من الغضب, ونظراتهِ تلك أرعبتني للموت..

 

" سلفادور!!... "

 

همست باسمهِ بذهولٍ شديد, ولكنهُ فجأة دفعني إلى الخلف بعنف وأبعدني عنه.. كانت عيناه تلمعان بالغضب المُرعب..  ثم رأيتهُ بصدمة كبيرة يقترب من ديسوتو, لم يكن هناك تردد في خطواته, بل كانت تنبعث منها قوة لا تُقهر.. وبلا تردد, وجه لكمة قوية نحو وجه المعلم, فسُمِعَ صدى صوت اللكمة وملأ الغرفة كالرعد.. فسقط ديسوتو على الأرض وهو يتأوه بألمٍ شديد وبدأت الدماء تسيل من أنفه..

 

ثم استدار سلفادور بغضب أعمى, ونظر إلى لينيا التي كانت تقف في مكانها وهي تحت تأثير الصدمة.. بينما توارت تفاصيل الوقت والمكان.. ضاعت لينيا في غيوم من الخوف والارتباك..

 

تنفس سلفادور بغضب ونظر إلى المُعلم بنظرات قاتلة, وهتف بغضب أعمى

 

" سأقتلك أيها الحقير إن حاولتَ لمسها مرة أخرى "

 

سارع سلفادور بالتقدم بسرعة نحو لينيا, وأمسك ذراعها بقوة وأخرجها بعيدًا عن المنزل الذي كانت ترتجف أركانه من هول الوقعة ومن غضب المتادور العاصف..

 

نظرت إليه بذعر وحاولت سحب يدي من قبضته, لكن لم أستطع.. شعرت بالخوف منه ومن غضبهِ المُرعب, نظرت إلى وجهه برجاء وهمست بفزع

 

" سلفادور, أنتَ تؤلمني.. أترك يدي لو سمحت "

 

ظننتهُ لم يسمعني بينما كان يُجبرني على السير بخطوات مُتعثرة وسريعة خلفه.. بلعت ريقي بقوة وهتفت بذعر

 

" سنيور, توقف أرجوك "

 

لكنهُ لم يهتم وكأنهُ لم يتلقى صدى صوتي في أذنيه الصلبة..

 

حاولت لينيا بكل قوتها جعلهُ يتوقف, ولكن بلا جدوى.. كان المتادور سلفادور يسحبُها خلفهُ في باحة المنزل الصغيرة بعنف, دونَ أن يهتم بنظرات المندهشة من المارة, إذ وقف عدد قليل من أهالي القرية ينظرون بذهول إلى رئيس عشيرة دي غارسيا وهو يسحب خلفهُ لينيا بعنف خارج منزل المُعلم الوسيم والأعذب..

 

قفزت دموع الألم من عينيها, ولكن حتى هذا لم يلمس قلب سلفادور الحجري.. حاولت لينيا جعلهُ يتوقف, وحاولت جاهدة التخلص من قبضته, لكنها وجدت نفسها فجأة تُحمل على كتف سلفادور بقوة..

 

رفعت رأسي ونظرت بذهول أمامي, رأيت بعض من النساء ينظرون إليّ بنظرات الحسد ثم الحقد.. وبعدها رأيت حُراس المتادور يبعدون الناس من أمامنا..

 

أغمضت عيناي وهتفت بخوف

 

" سنيور, أرجوك توقف.. ماذا تفعل؟.. أنزلني.. أنزلني.. "

 

بينما كانت تصرخ لينيا بخوف.. أمر سلفادور حُراسه بالعودة إلى القصر بسياراتهم وبتنفيذ الأمر على الفور, وطبعاً انطلقوا بذعر في اتجاه الخروج من هذا الكابوس المرير ومن غضب رئيس عشيرتهم..

 

وضع سلفادور لينيا بقوة داخل المقعد بجانب السائق, ثم أغلق الباب بقسوة.. ارتعش جسد لينيا بقوة وهي تنظر أمامها بذعر تُحاول الهروب من جو الخوف و اليأس والحزن الذي غمرها, وكأنها تسعى للهروب من مأساتها القادمة..

 

سارع سلفادور بقيادة سيارته مازيراتي الفخمة بسرعة مذهلة تاركة خلفها سحابة من الغبار, وقاد باتجاه طريق مختلف عن الطريق الذي كان يؤدي إلى قصره..

 

كانت الشوارع تمضي بسرعة وكأنها تحاول أن تمحو كل آثار الأحداث السابقة, لكن قلب لينيا الحزين والخائف لم يجد راحة, وكان يترك وراءه نبضات مؤلمة كلما تنفست..

 

بينما كانت لينيا تجلس في المقعد بجانب السائق في سيارة سلفادور, شعرت بأن قلبها ينغرس في الفزع عندما رأته يقود باتجاه الغابة.. الأشجار التي تتلاقى في الأفق بدت لها كالوحوش العملاقة على وشك الهجوم عليها.. وكلما اقتربوا من الغموض الذي يلف الغابة, زادت حدة الخوف في داخلها..

 

نظرت إلى سلفادور بخوف بينما كنتُ أضم ورقة الامتحان إلى صدري بقوة, بلعت ريقي وهمست بذعر

 

" سنيور, أنتَ تخيفني.. أنا كنـــ... "

 

قاطعني هاتفاً بغضب أرعبني للموت

 

" اخرسي.. من الأفضل لكِ سنيوريتا أن لا تتكلمي "

 

ارتعشت كل عظمة في جسدي من الرعب بينما كنتُ أنظر إلى سلفادور بخوف لا مثيل له.. وبيد مُرتعشة وضعت ورقة الامتحان في جيب قميصي ونظرت أمامي بخوف..

 

وفيما كانت لينيا تتساءل عن مصيرها الآن وما سيفعلهُ بها سلفادور, توقفت السيارة فجأة في أعماق الغابة.. نزل سلفادور من السيارة بحركة سريعة, ثم فتح الباب وقبض بقوة على معصم لينيا, مما جعلها تشعر بوخز حاد يمتد في جسدها..

 

سحبني سلفادور بعنف لأخرج من السيارة, ولكن ما أن خرجت حررت يدي من قبضته وحاولت الهروب منه, لكنهُ أمسك ذراعي بسرعة وجذبني بعنف نحوه ليلتصق صدري بصدرهِ العضلي..

 

" أين تظنين نفسكِ ذاهبة سنيوريتا؟ "

 

صاح سلفادور بصوت قاسٍ ومُرعب, مما جعل لينيا ترتجف من الخوف في حضنه..

 

رفعت رأسي ونظرت إلى عينيهِ القاسيتين بخوف, حاولت فتح فمي والتكلم معه لأجعلهُ يهدأ ويتوقف عن إخافتي, لكن سلفادور أمسك عظام فكي بقبضتهِ القاسية ورفع رأسي بقوة وهتف بغضب جنوني

 

" لا أريد سماع صوتكِ اللعين أمامي, فهمتِ؟ "

 

ترقرقت الدموع في عيناي وأومأت مُرغمة موافقة.. ابتعد عني قليلا ولكنهُ لم يُحرر معصمي من قبضته القاسية..

 

حاولت لينيا التهرب من قبضته القاسية, لكن دون جدوى.. بدأ سلفادور يسير بخطوات سريعة, وهو يجر لينيا خلفه بقوة..

 

تجاوزوا الأشجار ومجموعات الأوراق المتساقطة, حتى وصلوا أخيرًا إلى تلك البحيرة الهادئة التي شهدت على لقاءهما الرومانسي قبل أسبوع وعدة أيام.. كانت المياه تتلألأ تحت أشعة الشمس المتسللة من خلال الأشجار, وكان الهدوء يُخيم في المكان كالسحر..

 

وقف سلفادور أمام البحيرة وهو يمسك معصم لينيا بقوة, حيث تراقصت الذكريات في عقله بين لحظات السعادة السابقة التي جمعتهُ بـ ساكورا منذ مدة هنا, وبين خيبة أملهِ وغضبهِ من لينيا اليوم.. بينما كانت لينيا تنظر إلى وجهه القاسي, تذكرت اللحظات الجميلة التي قضتها معه في هذا المكان, ولكن هذه المرة كانت الأمور مختلفة تمامًا..

 

نظرت إليه بفزع, وهمست بصوت مُرتجف

 

" ماذا تريد مني؟.. لماذا جلبتني إلى هنا؟ "

 

لم يرد سلفادور, بل استمر في السير بخطوات ثابتة نحو البحيرة, حتى وصل إلى حافتها الرملية.. ألقى نظرة قاسية على لينيا, ثم ألقى بها بقوة على الرمال..

 

سقط جسدي بعنف على الرمال, وشعرت بألم فظيع في ظهري.. حاولت رغم ألمي التحرك والزحف إلى الخلف والهروب, لكن تجمدت بسرعة في مكاني عندما هتف سلفادور بغضب جنوني أرعبني للموت

 

" إياكِ أن تتحركِ "

 

سالت دموعي بكثرة على وجنتاي بينما كنتُ أنظر إليه بخوف أحرق روحي.. ورغم أن جسدي كان يرتعش بعنف من الخوف, أسندت ذراعاي على الرمال ورفعت ظهري قليلا, ثم همست بخوف

 

" ماذا تريد مني؟.. لماذا نحنُ هنا؟ "

 

تجمدت الدماء داخل شراييني عندما رأيت سلفادور يخلع سترتهُ ويرميها بعيداً, ثم أزال ربطة عنقه ورماها بإهمال على الرمال, وبينما كان يقوم بفك أزرار قميصهُ بهدوء, سمعتهُ يقول بنبرة حادة وغاضبة

 

" أريدُ طفلا "

 

ارتخى جسدي كليا على الرمال وتجمدت دموعي على وجنتاي عندما تابع سلفادور قائلا وهو يخلع قميصهُ ويرميها بعيداً

 

" حان الوقت سنيوريتا لتحملي بطفلي.. سأحرص على مُضاجعتكِ رغم أنكِ عاهرة رخيصة.. سأحرص على جعلكِ تحملين بطفلي, وعندما تلدين طفلي سأرميكِ خارج قصري وخارج حياتي وخارج اكستريمادورا إلى الأبد "

 

أما لينيا, فقد بقيت في مكانها تتأمل المكان الذي شهد على بداية عشقها الكبير لـ سلفادور.. والذي يبدو الآن أن هذه البحيرة ستشهد على نهاية مأساوية لها...

 

انتهى الفصل
















فصول ذات الصلة
رواية المتادور

عن الكاتب

heaven1only

التعليقات


إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

اتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

لمدونة روايات هافن © 2024 والكاتبة هافن ©