رواية المتادور - فصل 22
مدونة روايات هافن مدونة روايات هافن
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...

أنتظر تعليقاتكم الجميلة

رواية المتادور - فصل 22

 

رواية المتادور - فصل 22 - الاعتراف



الاعتراف













ميغيل استرادا**

 

في هذا المساء الهادئ, تسلل ميغيل استرادا بخطوات ثابتة إلى قصرهِ الفخم, تحمله أنفاس الليل الباردة.. كان يحمل بين ذراعيه جسد ساريتا النائمة بفعل المخدر, جسدها الهش ينعكس عليه ضوء القمر الباهت من النوافذ العالية.. شق طريقهُ عبر الممرات الطويلة المزينة باللوحات العتيقة والأثرية والسجاد الفاخر, ووجهه مرآة لمزيج من الحزن والعزم..

 

وصل إلى السلم الكبير, حيث صعد بهدوء وثقل في قلبه, كل درجة تحمل ثقل مشاعره.. عندما وصل إلى الغرفة المُعدة  لفراشته, فتح الباب برفق حتى لا يصدر أي صوت رغم أن ساريتا كانت نائمة بعمق بسبب مفعول المُخدر..

 

دخل ميغيل إلى الغرفة المزينة بألوان هادئة وإضاءة خافتة, ووضع ساريتا برفق على السرير المغطى بملاءات من الحرير الأبيض.. جلس بجانبها وعيناه لا تفارقان وجهها البريء, وأخذ يُحدق في ملامحها التي كانت تبدو وكأنها منحوتة من الأحلام..


رواية المتادور - فصل 22 - الاعتراف

 

رفع يدهُ بخفة باتجاه وجه ساريتا, وداعب خدها برقة لا مثيل لها, وكأنهُ يلمس شيئًا مقدسًا.. أخذ نفسًا عميقًا قبل أن يبدأ في الحديث بصوت متهدج وحزين, وهو يعلم أنها لن تسمعه, لكن قلبه كان بحاجة للتعبير

 

" ساريتا... فراشتي الجميلة... "

 

تنهد برقة, وعاد وتكلم بصوت هامس قائلا

 

" لماذا حطمتِ قلبي؟ أنا الذي عشقتُكِ بجنون, كنتِ كل عالمي, والآن أنا ضائع بدونكِ.. قلبي يحترق من أجلكِ فراشتي الجميلة "

 

صمتَ للحظة, وكأنهُ ينتظر منها إجابة, لكن الصمت كان سيد الموقف..

 

تنهدت بعمق بينما كنتُ أنظر إلى وجهها الجميل بعذاب أحرق قلبي وروحي.. بلعت ريقي بقوة, وتابعت بغصة وبألم قائلا

 

" سأخبركِ سرًا, رغم كل الألم الذي سببتهِ لي, ورغم أنني على وشك الزواج من امرأة لا أحبها, فقط لأجعلكِ تظنين أنني لا أشعر بشيء تجاهكِ, إلا أنني لا أزال أعشقكِ, عشقي لكِ لم يتغير ولن يتغير.. أنا أعشقكِ بجنون ساريتا كاريلو.. وسأبقى أعشقكِ إلى الأبد, حتى آخر نفس لي في هذه الحياة "

 

اغرورقت عيناه بالدموع, لكنهُ تمالك نفسه بسرعة.. لم يكن يريد أن يظهر ضعفه حتى في هذه اللحظة الخاصة..

 

أغمضت عيناي وتنفست بوجعٍ كبير بينما كنتُ أضع يدي على قلبي والذي كان يؤلمني بشدة.. نظرت إلى فراشتي النائمة وهمست بعذاب وبحرقة

 

" آه, ساريتا, كم تمنيت لو كانت الأمور بيننا مختلفة, لو كنتِ أنتِ المرأة التي سأمضي معها حياتي.. لكنكِ للأسف لا تشعرين بمشاعر الحُب نحوي "

 

لامست أصابعهُ خصلات شعرها برفق وكأنه يودعها في صمت.. ثم همس بحرقة قلب

 

" زواجي من مارتا لا يعني لي أي شيء, سأتزوج منها فقط لأُظهر لكِ بأنني لا أهتم بكِ, بأنكِ لم تقتلي روحي عندما اعترفتِ لي بأنكِ كنتِ تتلاعبين بمشاعري.. لكنكِ قتلتِ قلبي وأنفاسي وكياني وروحي, لقد حطمتِ قلبي وفؤادي.. النار التي أشعلتِها في قلبي لا يُمكن لأحد إخمادها "

 

توقفت عن التكلم وأبعدت يدي عن شعرها.. نظرت إليها بحزن, وتابعت قائلا بصوتٍ مبحوح وبغصة

 

" الشيء الوحيد الذي أعرفه بأنني لن أنساكِ أبداً.. سأظل أحبكِ إلى الأبد.. ساريتا, سوف تظلين في قلبي محفورة بداخله إلى الأبد, وسوف تظلين فراشتي الجميلة حتى نهاية العُمر "

 

نهضت ببطء, وألقيت نظرة أخيرة على وجهها الهادئ قبل أن أُغادر الغرفة.. أغلقت الباب خلفي بلطف, ومشيت عبر الممر المُظلم الذي بات يُشعرني بالوحشة.. دخلت إلى جناحي الخاص, حيث كل شيء يبدو مختلفًا وباردًا, لا شيء يبعث الدفء في قلبي المثقل بالهموم..

 

فتحت باب غرفة نومي, ودخلت ونظرت بحزن في أرجاء الغرفة.. مشيت باتجاه غرفة ملابسي ووقفت أمام احدى اللوحات.. نظرت إلى وجهي في اللوحة والذي تم رسمهُ بطريقة مُتقنة وفنية وساحرة.. نظرت إلى العينين, شعرت وكأنها تتأملاني بغضب وبخيبة أمل كبيرة.. ميغيل القديم الذي تم رسمهُ في هذه اللوحة قد اختفى نهائيا, ومكانهُ الآن ميغيل جديد يعيش في ظلام الألم والبؤس بسبب الحُب..

 

تنهدت بعمق ورفعت كلتا يداي وأزحت اللوحة قليلا.. نظرت إلى الخزنة وقمت بسرعة بوضع بصمة أصبعي ثم ضغطت على اللوحة الرقمية في الخزنة واخترت الأرقام السرية.. فتحت الخزنة وأخرجت هاتف ساريتا, نظرت إلى الشاشة بنظرات مُتعجبة عندما رأيت مكالمات كثيرة من والديها, فراشتي الجميلة كانت سجلت رقم والدها باسم والدي الحبيب, أما رقم والدتها باسم والدتي الجميلة.. وكان يوجد مُكالمات كثيرة من رقم غريب ورسالة صوتية منه..

 

ابتسمت برقة عندما حاولت فتح الهاتف وسماع الرسالة, لكن فراشتي كانت تحمي هاتفها من المتطفلين مثلي, إذ لم أستطع فتح الهاتف فقد طلب بسرعة وضع بصمة الأصبع..

 

لذلك غادرت جناحي مسرعا ودخلت إلى غرفة ساريتا, وطبعا وضعت بصمة أصبعها على شاشة الهاتف.. وقفت بهدوء وفتحت الرسالة الصوتية التي تبين لي على الفور بأنه تم إرسالها من والدها.. وبهدوء تام سمعت رسالة والد ساريتا

 

( طفلتي الجميلة, أتمنى أن تكوني مستمتعة في قصر صديقي بيدرو.. حاولت الاتصال بكِ اليوم من هذا الرقم لكنكِ لم تُجيبي.. أردت إخباركِ بأن والدتكِ روزا قد نسيت هاتفي وهاتفها في طائرتي الخاصة, لذلك لا تقلقي إن حاولتِ الاتصال بنا, نحن بخير ونستمتع كثيراً في جزيرة غران كناريا.. سأخبركِ بسر, والدتكِ تعمدت إخفاء هواتفنا في طائرتي حتى لا يتم إزعاجنا من أحد, وخاصةً حتى لا أعمل وأتوقف عن تلقي مُكالمات تخص شركاتي.. تعرفين والدتكِ هي شريرة أحيانا ولكنني أعشقها بجنون.. أحبكِ كثيراً طفلتي الجميلة, سوف نتصل بكِ بعد أسبوع عندما تنتهي رحلتنا في جزيرة غران كناريا.. كوني بخير مُدللتي.. أنا وأمكِ نعشقكِ بجنون )

 

ابتسمت برقة عندما سمعت رسالة والدها.. مسحت الرسالة وشعرت بغصة مؤلمة في صدري لأنني سمعتُها ولأنني أخذت بالقوة هاتف فراشتي وأخفيتهُ عنها..

 

نظرت إلى فراشتي النائمة, وهمست بحزن

 

" سوف أُعيد لكِ الهاتف بعد انتهاء حفلة الخطوبة, حينها سوف تكونين حرة.. بعد انتهاء الحفلة سوف ترحلين بعيداً عني وإلى الأبد "

 

أمسكت هاتفي الخلوي واتصلت بوالدي بيدرو.. ثواني قليلة سمعتهُ يُجيبني بنبرة هادئة قائلا

 

( بُني, كيف حالك؟ لماذا تتصل بي في هذا الوقت المتأخر؟ أنتَ بخير ميغيل؟ )

 

أجبت والدي بسرعة قائلا

 

" أنا بخير أبي, لا تقلق.. فقد أردت أن أُخبرك بأن حفلة خطوبتي على مارتا ستكون بعد ثلاثة أيام في قصري, أتمنى أن تأتي برفقة والدتي.. فـــ... "

 

قاطعني والدي هاتفاً بدهشة كبيرة

 

( ما اللعنة التي تفوهتَ بها للتو؟ وماذا عن ســ.. تباً, هل أنتَ جاد بكلامك؟ كيف واللعنة سوف ترتبط بتلك الفتاة؟ )

 

نظرت أمامي بتعجُب, وكلمته بهدوء

 

" أبي, لماذا أنتَ غاضب؟ مارتا هي حبيبتي إن كنتَ لا تتذكر ذلك.. كما سأتزوجها بعد أسبوعين "

 

بدهشة كبيرة سمعت والدي يشتم بغضب ثم أنهى المُكالمة.. نظرت إلى هاتفي بذهول وحاولت الاتصال بوالدي وبأمي ولكنهما لم يُجيبا على مُكالماتي لهما.. في النهاية استسلمت وتوقفت عن الاتصال بهما..

 

استدار ميغيل وغادر الغرفة مُسرعاً, دخل إلى جناحه, ثم فتح باب غرفة نومه, ودخل إلى حيث كان السرير الكبير ينتظره.. جلس على حافته, ووضع رأسه بين يديه, ليفكر في كل ما جرى.. لم يكن القرار الذي اتخذه سهلاً, بأن يرتبط بامرأة لا يُحبها.. لكنه كان يعرف أن هذه هي الطريقة الوحيدة لإخفاء مشاعره وحماية قلبه من المزيد من الألم..

 

في هذه الليلة, كانت النجوم تراقب من السماء العالية, وكأنها تشهد على قصة حب مليئة بالشجن والألم, قصة ميغيل و ساريتا التي لم تكتمل..

 

في الصباح, ذهبت إلى غرفة ساريتا وجلست على طرف السرير وراقبتُها بحزن, وانتظرتُها حتى تستيقظ..

 

شعرت بالألم الشديد في قلبي عندما استيقظت فراشتي ورأيتها تتأملني بنظرات مُرتعبة.. خوفها مني ألمي بقوة, ومع ذلك حاولت أن أظل هادئاً ولا أجعلها ترى مدى عمق ألمي..

 

وعندما أخبرتني فراشتي بأنها اتصلت بوالدها عرفت على الفور بأنها تكذب.. فذهبت وجلبت لها الهاتف لتتصل بوالديها.. كنتُ أعلم بأنهما لن يُجيبا على مكالمتها, ولكن قررت مُجراتها في اللعبة حتى لا تكتشف بأنني فتحت هاتفها وسمعت رسالة والدها..

 

ثم خرجت من غرفة فراشتي وأقفلت الباب بالمفتاح.. نزلت إلى الطابق الأرضي وأمرت رئيس الخدم بإرسال وجبات الطعام لفراشتي بعد أن سلمته نسخة من مفتاح غرفتها.. كما أمرتهُ بأن ينتبه جيدا كي لا تهرب.. وبينما كان رئيس الخدم يتأملني بنظرات حزينة غادرت قصري بهدوء, كنتُ أعلم بأن جميع العُمال في قصري والحُراس أصبحوا يعرفون عمق مشاعري نحو ساريتا, خاصةً عندما اكتشفت بأنها هربت..

 

ذهبت إلى شركتي وأغرقت نفسي في العمل حتى أنسى ولو قليلا فراشتي, لكنني فشلت بفعل ذلك, ولم أستطع إزالتها من عقلي ومن أفكاري...

 

 

ساريتا**

 

بعد مرور يومين**

 

كانت الشمس قد بدأت تشرق ببطء, ترسل أشعتها الأولى لتبدد ظلام الليل, عندما استيقظت ساريتا وبدأت تبكي من جديد بعد قضائها لأسوأ ليلة في حياتها..

 

ففي الأمس دخل ميغيل استرادا إلى الغرفة وقال لها بنبرة هادئة بأنها ستكون حرة بالذهاب بعد انتهاء حفلة خطوبته, ثم قال لها بأنهُ سوف يسلمها هاتفها وحقيبة يدها قبل مغادرتها لقصره.. ثم فتح باب الشرفة وغادر الغرفة بهدوء وترك ساريتا غارقة في صدمتها وألم قلبها الكبير..

 

كان صعباً عليها جداً أن تتقبل هذا الواقع المرير, أن ترى الرجل الذي أحبته يرتبط بفتاة غيرها..

 

عندما توقفت ساريتا أخيراً عن البكاء, وقفت في الشرفة الكبيرة المطلة على باحة القصر.. كانت ترتجف وعيناها متورمتان من البكاء الذي لم يتوقف طوال الليل.. نظرت بحزن إلى العمال الذين كانوا مُنهمكون في تزيين الباحة والقصر وتحضير كل شيء لحفل الخطوبة الذي سيقام الليلة, حيث سوف يرتبط ميغيل رسمياً بحبيبته مارتا.. الرجل الذي عشقته بجنون سوف يُعلن رسمياً خطوبته الليلة من فتاة أخرى..

 

شاهدت الشاحنات تدخل وتخرج من الباحة, تحمل الزهور البيضاء والزينة البراقة, وكأنها تنذر ببداية حياة جديدة لـ ميغيل, حياة لن تكون هي جزءًا منها..

 

تساقطت الدموع من عينيها تلقائياً ولم تستطع ساريتا التوقف عن البكاء.. دموعها كانت تنهمر بغزارة, وقلبها يتكسر مع كل لحظة تمر..


رواية المتادور - فصل 22 - الاعتراف

 

كانت تفكر بمرارة في الرجل الذي أحبته بروحها وجنونها, الآن يستعد للزواج من امرأة أخرى خلال أسبوعين..

 

مسحت دموعها بيد مرتجفة, وحاولت جمع شتات نفسها, وقالت لنفسها بصوت خافت

 

" لن أسمح لهم برؤية ضعفي.. لن يعرف ميغيل بأنهُ تغلب عليّ وجعلني أحترق في نار عشقي له "

 

قررت ساريتا أن تظهر قوية في هذه الليلة, أن تُظهر لـ ميغيل ولحبيبته مارتا وللجميع أنها قادرة على المضي قدمًا, وبأنها قوية وسعيدة من أجلهما, حتى لو كان قلبها يتألم..

 

وهكذا, ظلت ساريتا طيلة اليوم تُراقب بحزن العُمال يدخلون ويخرجون من القصر.. راقبت بتعاسة التحضيرات وكيف تم تحويل باحة القصر إلى حديقة مزينة بالورود وأشرطة الدانتيل البيضاء.. فقد تم تزيين الباحة بشكلٍ رائع, وكأن الليلة سيتم الزفاف وليس حفل خطوبة..

 

في المساء**

 

وقفت ساريتا أمام خزانة ملابسها, واختارت أجمل فستان اشترته في ذلك اليوم, فستان كُحلي اللون كان يُظهر جمالها الأخاذ ويبرز عينيها اللامعتين.. ارتدت الفستان, وصففت شعرها بعناية, ووضعت لمسات خفيفة من المكياج لتخفي آثار البكاء..

 

عندما جهزت ساريتا نفسها, وقفت أمام المرآة, تأملت صورتها التي بدت متألقة رغم الحزن الذي يعتمل في قلبها.. عندما جاء رئيس الخدم وفتح باب غرفتها بأمر من ميغيل, شعرت بشيء من القوة ينبعث في داخلها.. خرجت من الغرفة بخطوات واثقة, متجهة نحو صالة الاحتفال حيث كان جميع الضيوف قد تجمعوا للاحتفال بخطوبة ميغيل استرادا..

 

ما أن دخلت إلى الصالة, حتى شعرت بثقل الحزن والألم يُخيم على قلبها.. كان ميغيل يقف بجانب مارتا, يمسك يدها بلطف وهو يبتسم ويتحدث مع بعض الضيوف وكأن السعادة قد ملأت قلبه.. مشهدهم معًا كان كخنجر يخترق قلبها, لكنها تماسكت.. رفعت رأسها عالياً, ورسمت على شفتيها ابتسامة خفيفة, وتقدمت بخطوات رشيقة نحو الحشد


رواية المتادور - فصل 22 - الاعتراف

 

رغم الألم الذي كان يتصاعد في صدرها مع كل خطوة, تمكنت ساريتا من أن تبدو ساحرة, أن تبدو وكأنها تعيش أسعد لحظاتها الليلة.. تحدثت مع الضيوف, ضحكت, ومزجت بين الأحاديث بابتسامات مصطنعة, لكن عيناها كانتا تبحثان عن عيني ميغيل, أرادت أن يرى جمالها, أن يرى قوتها, أن يدرك ما فقده..

 

في هذه اللحظات, كان ميغيل يُراقب ساريتا بصمت من بعيد وبطرف عينيه, شعور معقد يختلج في داخله.. كان يتألم بعمق, إذ كان يرى القوة في ملامحها, الجمال الذي لا يمكن إخفاؤه.. وبينما كان يمسك بيد مارتا, لم يستطع إلا أن يشعر بنبضة حزن في قلبه, نبضة تذكره بحب لم يعد من الممكن تحقيقه..

 

وعندما التقت نظرات ساريتا و ميغيل, حاولت ساريتا اظهار السعادة في نظراتها..

 

مشت بخطى واثقة نحو ميغيل و مارتا, شعرها يتأرجح برفق مع كل خطوة, وعيناها تشعان بتصميم مزيج من القوة والحزن.. عندما وصلت إليهما, ابتسمت ابتسامة تشِع بالثقة والإصرار, رغم الألم الذي كان يعصف بقلبها.. وقالت بصوت ثابت وبسعادة مُصطنعة

 

" تهانينا لكما على الخطوبة, أتمنى لكما كل السعادة "

 

نظر ميغيل إليها بعيون متسعة, وكأنه يبحث عن شيء في وجهها.. أما مارتا, التي كانت تبتسم بأدب, قالت بهدوء

 

" شكرًا لكِ ساريتا.. نحن سعداء للغاية, خاصةً لأنكِ هنا وتُشاركيننا فرحتنا الليلة "

 

رغم الألم الذي كان يقطع نياط قلبها, حافظت ساريتا على ابتسامتها الجميلة.. لكن عندما استأذن ميغيل منها قائلاً

 

" شكرا لكِ ساريتا.. والآن بالإذن منكِ, فقد حان الوقت لأفتتح الحفلة بالرقصة الأولى مع حبيبتي "

 

شعرت ساريتا كأن سهمًا قد اخترق قلبها.. بقيت في مكانها, تشاهد ميغيل وهو يقود مارتا برفق إلى ساحة الرقص.. بدأت الفرقة الموسيقية تعزف لحنًا رومانسيًا وساحرًا, وتمايلت مارتا بين ذراعي ميغيل بانسجام تام..


رواية المتادور - فصل 22 - الاعتراف

 

كانت ساريتا تتأمل المشهد, تشعر بالألم يتضاعف مع كل حركة, مع كل ابتسامة.. كانت ترى الحب في عيون ميغيل وهو يراقص مارتا, وكان ذلك يمزقها من الداخل..

 

لم تعد تستطيع التحمل أكثر, شعرت بأنها على وشك الانهيار.. خرجت مسرعة من صالة الاحتفال, ودموعها على وشك التساقط من عينيها.. ركضت نحو مدخل القصر الرئيسي, تُحاول الهروب من الألم الذي كان يلاحقها..

 

فجأة توقفت ساريتا عن الركض, فقد رأت رجلًا يرتدي بدلة سوداء رسمية يدخل إلى القصر.. تقدم الرجل نحوها بخطوات بطيئة, وعيناه تلمعان بشيء من الخبث.. عندما وقف أمامها, ارتسمت على وجهه ابتسامة شيطانية وقال بنبرة خبيثة

 

" ساريتا كاريلو, هل اشتقتِ إليّ, حبيبتي؟ "

 

ارتعش جسد ساريتا, وعيناها اتسعتا بذعر

 

" خورخي لاريفا... "

 

تمتمت ساريتا بصوت مُنخفض باسم الرجل الذي دمر حياتها, وهي تشعر بالخوف يتسرب إلى أعماقها.. كان خورخي يُمثل كل ما كانت تحاول الهروب منه, والآن ها هو هنا  يقف أمامها, يعيد إليها ذكريات مؤلمة كانت تظن أنها قد دفنتها للأبد في تلك الليلة المؤلمة...

 

 

المتادور سلفادور**

 

في يوم مشرق تحت شمس إسبانيا الدافئة, كان سلفادور يستعد للتدريب داخل حلبة مصارعة الثيران الخاصة به, المحاذية لقصره الفخم.. تلك الحلبة التي تشهد تدريباته الدائمة لمواجهة أقوى وأشرس الثيران.. كان اليوم يتدرب على مواجهة الثور هاغون, المعروف بشراسته وقوته الكبيرة, والذي كان لقبهُ الوحش..

 

ما أن خرجت من المبنى شعرت بوجود لينيا وهي تراقبني من بعيد, لكن قررت أن لا أنظر باتجاهها حتى لا يتشتت ذهني وأنا أستعد لمواجهة الثور الوحش هاغون..

 

ركزت كل حواسي على الثور الضخم أمامي, متجاهلاً النبضات السريعة التي أثارتها رؤية لينيا في قلبي.. كانت الرياح تحمل رائحة العشب ونسمات خفيفة, تضفي جواً من الهدوء المتناقض مع جو الحلبة المتوتر..

 

عندما انتهيت من التدريب بعد جولة شاقة مع الوحش هاغون, وقفت ألتقط أنفاسي وأنا أتحدث مع رجالي عن أداء الثور وعن الخطوات التالية في التدريب.. عندما انتهيت من حديثي معهم, استدرت ونظرت في الأرجاء لأبحث عن لينيا هارفين, لكن للأسف ساكورا كانت قد ذهبت, ربما عادت إلى القصر!..

 

بخطوات سريعة, توجه إلى المبنى المجاور للحلبة, حيث الغرف المخصصة للمصارعين وخاصةً له.. هناك, بدل ملابسه بسرعة, مرتدياً ملابسهُ الأنيقة.. ولم يمضي وقت طويل حتى كان يمتطي حصانه إيتان, الخيل الذي يرافقه في رحلاته عبر المراعي الشاسعة المحيطة بالقصر..

 

كان يجول ببطء, يتمتع بالمناظر الطبيعية التي تحيط به, عندما لاحظ من بعيد امرأة تركض داخل المرعى.. أوقف سلفادور حصانهُ إيتان بسرعة, وحدق بدهشة كبيرة لبضع لحظات ليتمكن من تمييزها, وبدأ قلبهُ ينبض بعنف عندما أدرك أن تلك المرأة هي ساكورا, إنها لينيا هارفين.. وازدادت ضربات قلبه جنونًا عندما رأى الثور هاغون قريباً جداً منها..

 

تملك الخوف قلب سلفادور, وشحب وجهه بشدة, وصرخ بجنون

 

" لينيااااااااااااا... لا!.. حبيبتي.. حبيبتي.... "

 

لم ينتبه سلفادور لنفسه عندما صرخ كلمة حبيبتي, كان قلبهُ على وشك أن ينفجر من الخوف والقلق على لينيا.. حرك حصانه بسرعة نحوها.. كان إيتان يركض بكل قوته, وقفز فوق السياج المحيط بالمرعى بمهارة.. لم يكن لدى سلفادور الوقت للتفكير, فقط رغبة واحدة لإنقاذ ساكورا بأي طريقة من الوحش هاغون...

 

عندما وصلت إلى لينيا, قفزت عن ظهر حصاني بقوة, وركضت نحوها بأقصى سرعة أمتلكها.. دفعت جسد لينيا بكامل قوتي بعيداً عن مسار الثور الذي كان يتقدم بغضب نحوها.. ارتفع جسد لينيا عاليا وسقطت على الأرض, لكن لم يكن لدي الوقت للتأكد من سلامتها.. رميت نفسي بسرعة متدحرجاً على الأرض, ولكن ما أن رفعت رأسي بسرعة عن التُراب وجدت نفسي في مواجهة الثور هاغون الذي لم يتوقف..

 

بمهارة فائقة وبدافع الحماية, قفزت بسرعة ووقفت لمواجهة الثور محاولاً إبعاده عن لينيا.. كان الثور هائجاً وغاضباً.. لكن بشجاعة وإصراري على حماية لينيا وقفت في مواجهة الخطر دون تردد..

 

رفعت كلتا يداي عاليا وأشرت بهما بقوة للفت انتباه الثور وابعاده عن حبيبتي ساكورا.. وصرخت بغضب هاتفا له وكأنهُ سيفهمني

 

" اقترب هاغون.. تعال إليّ أيها الوحش.. إن اقتربتَ منها سأقتلك بكلتا يداي "

 

أطلق الثور هاغون خوار غاضب وركض باتجاهي بسرعة مُخيفة.. استطعت بسهولة الابتعاد من أمامه مُستخدمًا مهاراتي في مصارعة الثيران..

 

رأيت الوحش هاغون ينظر إلى الخلف عندما صرخت لينيا بذعر

 

" سلفادور.. احترس أرجوك "

 

رأيت بذعر الثور يستدير ويركض مُبتعداً عني باتجاه لينيا, إذ بغريزته اكتشفَ هاغون خوف وضعف لينيا, وبالنسبة له كان يريد التخلص منها لأنها دخلت أراضيه وأشعلت غضبه أكثر بعد هزيمته أمامي في حلبة التدريب..

 

كان الهواء مشبعًا بالتوتر عندما شاهد سلفادور بخوف الثور هاغون يقترب من لينيا.. كان الثور يتقدم نحوها بسرعة, ووجهه القاسي وقرونه الحادة تهددان حياتها..

 

ركضت بكل قوتي خلف الثور, وهتفت بجنون

 

" ساكوراااااااا.. ابتعدي بسرعة من أمامه.. اهربي بسرعة... "

 

وعندما اقتربت منه, دفعت الثور بكتفي مُستخدماً قوتي البدنية وثقل جسدي, محاولاً إبعاده عن لينيا التي كانت تقف جامدة بصدمة كبيرة أمامه..

 

تدحرج الثور على الأرض, مطلقًا صوتًا غاضبًا وعميقًا.. نظرت إلى لينيا بينما كنتُ أتنفس بسرعة مُخيفة, وهتفت بأمر

 

" أهربي.. أهربي من هنا.. غادري المرعى بسرعة "

 

لكن بصدمة كبيرة رأيت لينيا تبكي وهي تنظر إليّ بخوف, ثم هزت رأسها بالرفض.. اشتعل الغضب بداخلي لأنها لم تُنفذ أوامري لها وتهرب.. كنتُ خائف على سلامتها وهي ببساطة ترفض الهروب من هنا..

 

نظرت إليها بغضب وهتفت بسرعة

 

" قلتُ لكِ اهربي.. غادري المكان بسرعة "

 

لكن لينيا ظلت بعناد واقفة في مكانها وهي تنظر إليّ بخوفٍ عميق وتبكي..

 

لم يكن هناك وقت للتفكير والتصرف, فكل ثانية كانت حاسمة, لو بيدي كنتُ حملت ساكورا وركضت ووضعتها في مكان أمن بعيداً عن الثور.. لأول مرة أعرف بأن لينيا امرأة عنيدة, بل عنيدة جداً..

 

نظرت إلى الثور, رأيتهُ بدهشة كبيرة يقف بسرعة على أقدامه, موجهاً نظراته الحمراء الغاضبة نحوي.. ودون أن أنظر إلى لينيا هتفت بغضب جنوني وبحدة

 

" اهربي من هنا ساكورا "

 

وركضت نحو الثور مرة أخرى قبل أن يتحرك باتجاهي, وعندما اقتربت منه, قفزت بسرعة وبخفة غير متوقعة وجلست على ظهره, ممسكًا بقرنيه بقوة..

 

في هذه اللحظة كانت لينيا تقف في مكانها وهي تنظر إلى سلفادور بخوفٍ شديد وبصدمة لا مثيل لها.. لم تتوقع أن يفعل سلفادور تلك الحركة وبسرعة غريبة..

 

المتادور كان يجلس على ظهر الثور الشرس وهو يمسك بقرنيه بقوة, كانت قبضته قوية وإرادته لا تلين, محاولاً تحريك رأس الثور بعيدًا عن اتجاه لينيا..

 

بدأ الثور يقفز بجنون في مكانه, محاولاً إسقاط سلفادور عن ظهره.. لكن المتادور كان أكثر تصميمًا, تشبث بقوة بقرني الثور, مستخدمًا كل عضلاته للبقاء ثابتًا في مكانه..

 

الثور هاغون كان يقفز ويرتطم بالأرض بقوة, محاولاً التخلص من سلفادور.. الأرض كانت تهتز تحت أقدامه, والصوت كان يصم الآذان.. مع كل قفزة, كان سلفادور يشعر بالألم في جسده وفي عضلاته, لكن عينيه لم تفارقا الهدف, حماية لينيا بأي ثمن..

 

لينيا، التي كانت لا تزال متجمدة من الصدمة, بدأت تستعيد وعيها تدريجيًا.. رأت سلفادور وهو يقاتل ببسالة, يحاول السيطرة على الثور الهائج.. لم تستطع أن تتحرك, كانت مشدوهة بقوة وشجاعة سلفادور..

 

أخيرًا, بعد معركة شرسة, تمكن سلفادور من السيطرة على الثور وإبعاده, مستخدمًا مهاراته وقوة جسده التي صقلها على مدار سنوات من التدريب.. بدأ الثور يهدأ قليلاً, متعبًا من المقاومة المستمرة..

 

استغل سلفادور الفرصة, وأطلق صرخة قوية, مما جعله يبدو وكأنه انتصر في صراع مع الطبيعة نفسها.. ببطء, بدأ سلفادور في توجيه الثور بعيدًا عن لينيا, مستخدمًا قوة جسده وإرادته التي لا تُقهر..

 

عندما أصبح الثور بعيدًا بما يكفي, قفز سلفادور عن ظهره, متراجعًا ببطء بينما يحافظ على عينيه مثبتتين على الثور هاغون بعد أن استنفذ معظم طاقته, وقف في مكانه للحظة, ثم انسحب ببطء بعيدًا..

 

بعد أن تأكد من أن الخطر قد زال, التفت سلفادور نحو لينيا, كان وجهه مغطى بالعرق والتراب, وعيناه تلمعان بالقلق والحنان..

 

وهنا, في هذه اللحظة, انهارت دفاعات سلفادور بكاملها, إذ همس بحنان لا مثيل له بينما كان ينظر إلى لينيا

 

" ساكورا, حبيبتي... "

 

أخيرًا اعترف سلفادور بمشاعره نحو لينيا هارفين, لم يعد باستطاعته مُحاربة حبهِ لها وإنكاره.. انهزم أمام الحُب وسقط مستسلماً له بالكامل..

 

ابتسمت براحة وهتفت بحنان وبحبٍ كبير

 

" ساكورا... "

 

ثم ركضت باتجاه لينيا.. رأيتُها تركض باتجاهي وهي تبكي وتصرخ بجنون

 

" سلفادور... سلفادور... سلفادور.... "

 

اقتربت منها وقبل أن أصل إليها بخطوتين رمت لينيا نفسها عليّ بقوة.. ضممتُها بقوة إلى صدري, ثم جلست على الأرض وحضنت جسدها برفق..


رواية المتادور - فصل 22 - الاعتراف


 

ساكورا كانت تبكي بشكلٍ هستيري وهي تضم ظهري بذراعيها.. أبعدتُها قليلا عني وتحققت من سلامتها, ثم قلتُ لها بصوتٍ خافت مُرتجف من الإرهاق بينما كنتُ أمسح دموعها عن وجنتيها برقة

 

" أنتِ بخير ساكورا, لا تخافي.. لقد انتهى كل شيء.. توقفي عن البكاء, لو سمحتِ "

 

نظرت لينيا إليّ بعينين متسعتين من الصدمة, ثم أجهشت بالبكاء المرير, وقالت وهي تشهق وجسدها يرتعش بقوة

 

" كُدتَ أن تموت بسببي.. كنتَ على وشك الموت بسببي.. أنا آسفة, آسفة...  "

 

نظرت إليها بحنان واحتضنتُها إلى صدري بقوة.. تركت ساكورا تبكي براحتها على صدري, بينما كنتُ أحاول جعلها تهدأ وتتوقف عن البكاء وأنا أهمس لها بحنان بأنني لم أمت وبأنني بخير..

 

كان الاثنان جامدين في سكون وهما يحتضنان بعضهما بقوة.. سلفادور كان يجلس على التراب وهو يحتض لينيا إلى صدره وكأنهُ خائف من أن يخسرها..

 

لقد أدرك سلفادور بأنهُ يعشق لينيا بجنون, بل اعترف لنفسه بأنهُ أحبها عندما شاهدها لأول مرة في الجامعة..

 

أدرك سلفادور بأن ما حدث بينهما اليوم كان أكثر من مجرد مواجهة مع ثور هائج بالنسبة له.. كانت تلك اللحظة التي أدرك فيها مدى عمق الروابط التي تجمعهُ مع ساكورا, وكيف يمكن لتلك الروابط أن تكون قوية بما يكفي لتتحدى أي خطر..

 

تنهدت بقوة بينما كنتُ أُمسد ظهر ساكورا بيدي برقة.. حبيبتي.. نعم ساكورا هي حبيبتي, هي المرأة الأولى التي أحببتُها في حياتي كلها..

 

اعترفت لنفسي بحبي الكبير لـ ساكورا.. هذا الاعتراف لم يكن سهلا عليّ, لم يكن سهلاً عليّ بأن أعترف لنفسي بهذا الحُب الكبير.. ولكن بحزن دفين قررت الاحتفاظ بمشاعري لنفسي.. لن أستطيع الاعتراف لها بمشاعري نحوها, فهي ما زالت تُحب شقيقي الراحل بينيتو..

 

ألم كبير شعرت به داخل قلبي, ألم لم أستطع تحملهُ.. لقد أحببت امرأة أخي.. أحببت امرأة لن تكون لي أبداً.. وهذا مؤلم جدا...

 

فجأة, توقفت لينيا عن البكاء وسمعتُها بذعر تشهق بقوة وكأنها على وشك الاختناق.. أبعدتُها قليلا عني ونظرت بخوف إليها.. كانت لينيا على وشك الإغماء بين ذراعاي..

 

نظرت إليها بقلق وهتفت بخوف مزق أحشائي

 

" ساكورا, أنظري إليّ.. تنفسي بهدوء.. هل تسمعينني؟ ساكورا؟! "

 

تأرجح رأس لينيا ثم سقط بهدوء على صدري.. تسارعت أنفاسي وهتفت بخوفٍ عميق

 

" حبيبتي.. لا!.. لينيا!.. حبيبتي!... "

 

رفعت رأسها بكلتا يداي ونظرت بذعر إلى وجهها.. كانت فقدت وعيها تماما وذلك أرعبني للموت عليها.. وقفت بسرعة وحملت لينيا بـ ذراعاي ثم أطلقت صفيراً قوياً.. ثواني معدودة رأيت حصاني إيتان يقترب باتجاهي..

 

عندما وصلت إلى القصر, اقترب بيريز بسرعة ووقف أمام حصاني وسألني بتوتر

 

" سنيور, أنتَ بخير؟ ما بها سنيوريتا لينيا؟ "

 

نظرت إلى بيريز بغضب وسمحت له بأن يحمل لينيا ثم قفزت عن ظهر حصاني وسحبت جسد لينيا من بين ذراعين بيريز.. نظرت إليهِ بغضب بينما كنتُ أضم بكلتا ذراعاي جسد لينيا على صدري, وهتفت بغضب أعمى

 

" أعد حصاني إلى الاسطبل, ثم أريدُك أن تذهب وتتحرى بسرعة عن سبب دخول لينيا هارفين إلى المرعى.. ولا تعود بيريز إلا عندما تكتشف السبب "

 

نظروا رجالي جميعهم إليّ بذهولٍ شديد, بينما بيريز أجابني باحترام موافقاً ثم استدار وأخذ حصاني إلى الاسطبل..

 

دخلت إلى قصري وأنا أحمل لينيا.. رأيت جدتي تقترب ووقفت أمامي ونظرت بدهشة إلى لينيا, ثم رفعت نظراتها وتأملتني بنظرات متوترة, ثم سألتني بهدوء

 

" لماذا أنتَ مُتسخ سلفادور؟ ماذا حصل لك؟ وما بها البروفيسورة؟ "

 

أخبرت جدتي باختصار بما حدث, وعندما انتهيت نظرت إليها بغضب وقلتُ لها بحدة وبتهديد واضح

 

" سيذهب بيريز ليكتشف سبب دخول لينيا إلى ذلك المرعى.. إن عرفت بأنهُ تم إجبارها على ذلك, سأقوم بمحاسبة الفاعل بنفسي.. سأقتل من فعل ذلك بها, مهما كان سأقتله "

 

شحب وجه جدتي بقوة ولزمت الصمت.. لأول مرة لم تعترض جدتي على قراري, بل وقفت جانباً بصمت وتركتني أصعد بهدوء إلى غرفتي..

 

 

الجدة رامونا**

 

كانت فترة بعد الظهر هادئة عندما وقفت رامونا دي غارسيا, أم العشيرة, على شرفتها المطلة على الحديقة الخلفية لقصر الماتادور الكبير.. كانت نظراتها حزينة ومتأملة, تتبع خطوط الأفق البعيدة وكأنها تبحث عن إجابات لتساؤلاتها الداخلية.. الهواء كان مشبعًا برائحة الأرض, وأشعة الشمس الذهبية تلقي بظلال خافتة على أوراق الأشجار المتمايلة..

 

بينما كانت غارقة في أفكارها, سمعت صوت بوابة الموقف السفلي الخلفي تنفتح.. انحنت قليلاً لتنظر باتجاه الصوت, وبدهشة شاهدت إحدى سيارات خوان تخرج بهدوء من الموقف وتتجه نحو البوابة الخلفية للقصر الخاصة بالعمال..

 

نظرت رامونا بدهشة إلى تلك السيارة التي تبتعد عن القصر بهدوء, لم تستطع رؤية السائق بسبب لون الأسود للزجاج.. وأخذت تفكر بغرابة حول من يقودها.. كانت تعرف أن حفيدها خوان ذهب منذ الصباح إلى شركته بسيارة مختلفة ولم يعد لغاية الآن..

 

استدارت رامونا بسرعة, ونادت على حارسها الشخصي خوسي, الذي كان واقفًا بوقار بجانب الباب.. وما أن اقترب خوسي ووقف أمامها, سألته بصوت يملأه القلق

 

" خوسي, هل تعلم أين هي لينيا هارفين؟ "

 

أجاب خوسي باحترام

 

" البروفيسورة لينيا هارفين خرجت منذ ساعتين تقريبًا برفقة الخادمة أريا, سيدتي "

 

شحب وجه رامونا عندما سمعت في الخارج صوت أشقاء أريا وهم يهتفون بسعادة باسم شقيقتهم بعد عودتهم من المدرسة.. خرجت بسرعة إلى الشرفة, لترى أريا تستقبل أشقائها الثلاثة الصغار.. وفوراً ظهر التوتر بوضوح على ملامح وجه أم العشيرة..

 

نادت رامونا بسرعة وسألت أريا بتوتر

 

" أريا, هل تعلمين أين هي لينيا؟ "

 

رفعت أريا رأسها عالياً ونظرت باتجاه الشرفة.. نظرت إلى أم العشيرة بحزن, ثم أجابت بتهذيب

 

" نعم, سنيورا.. لقد تركتها منذ قليل قرب حلبة المصارعة والمرعى "

 

نبض قلبي بسرعة عندما سمعت ما قالته أريا.. استدرت ونظرت إلى حارسي خوسي وأمرته بقلق

 

" بسرعة اذهب وتأكد إن كانت حفيدتي كارميتا في غرفتها.. ولا تدع أحد ينتبه لك "

 

أجاب باحترام موافقاً ثم غادر مُسرعاً جناحي.. ووقفت أنتظر عودته وأنا أفرك كلتا يداي ببعضها بتوترٍ شديد..

 

غاب خوسي لبضع دقائق, وعندما عاد, كانت تعابير وجهه تنم عن قلق.. وقف أمامي وقال بسرعة

 

" سيدتي, سنيوريتا كارميتا ليست في غرفتها "

 

شهقت بقوة وشعرت بالذعر يجتاح قلبي, بينما أفكاري كانت تُلاحقني.. نظرت أمامي وهمست بذعر

 

" كارميتا بكل تأكيد ذهبت خلف لينيا "

 

تركت الشرفة بسرعة وتوجهت إلى غرفة حفيدتي كارميتا.. خطواتي كانت سريعة وقلبي كان يخفق بتوتر شديد.. وصلت إلى غرفة كارميتا ووقفت أمام الباب, أنتظر بقلق..

 

الوقت كان يمر ببطء قاتل, وكانت عيناها تراقبان الباب بترقب.. لم تكن تعلم ما الذي ستواجهه, لكنها كانت تشعر بأن هناك خطبًا ما, وأن الأمور قد خرجت عن السيطرة مع حفيدتها..

 

أخيرًا, سمعت خطوات خفيفة تقترب.. تنفست بعمق, وحاولت تهدئة نفسي, لكن كنتُ مستعدة لأي شيء.. عندما ظهرت كارميتا أمام الباب, هرعت نحوها بينما ملامح القلق لم تفارق وجهي.. أمسكت يدها وجعلتُها تدخل إلى غرفتها ثم أغلقت الباب.. نظرت إليها بتوتر, ثم سألتها بحزم, بينما عيناي كانت تلمعان بالقلق

 

" كارميتا, أين كنتِ؟ "

 

نظرت كارميتا إلى جدتها ببراءة قائلة

 

" جدتي, كنتُ أتمشى فقط في حديقة القصر "

 

نظرت إليها بغضب وهتفت بحدة

 

" إياكِ أن تكذبي عليّ.. لقد رأيتكِ وأنتِ تغادرين القصر في إحدى سيارات شقيقكِ.. إلى أين ذهبتِ؟ "

 

تأملتني كارميتا بتوتر, ثم قالت بصوتٍ مُرتعش

 

" جدتي, أنا ذهبت لأتجول قليلا في القرية.. ولكن رأيت البروفيسورة لينيا تتجول قرب المرعى, لذلك عدت إلى القصر لأنني شعرت بالتشاؤم عندما رأيت تلك المرأة "

 

أمسكت ذراعها وهززتُها بقوة, ثم هتفت بغضب أعمى

 

" أنا هي من ستجعلكِ تشعرين بالتشاؤم إن لم تُخبريني الحقيقة والآن.. تكلمي, ماذا فعلتِ بـ لينيا هارفين؟ تكلمي قبل أن أقتلكِ "

 

سحبت كارميتا ذراعها من قبضتي, ثم هتفت بغضب وبجنون

 

" ماذا جدتي؟ هل أصبحتِ الآن تُدافعين عن تلك القاتلة؟ حسناً جدتي, سأخبركِ بما فعلتهُ بها.. لقد حاولت قتلها.. أردت أن أقتلها لأنني رأيتُها برفقة سلفادور صباح اليوم قرب تلك البحيرة اللعينة.. أردت أن أدهسها في السيارة لعدة مرات حتى أتأكد بأنها ماتت.. لكن اللعينة استطاعت الهروب مني في آخر لحظة "

 

شحب وجهي بشدة بينما كنتُ أنظر إلى كارميتا بصدمة كبيرة.. وشحبَ وجهي أكثر عندما ضحكت كارميتا بشكلٍ هستيري, ثم هتفت بشكلٍ جنوني

 

" في الصباح تبعت سلفادور عندما أخذ تلك العاهرة على ظهر حصانه.. لقد رأيت سلفادور يُقبلها أمام تلك البحيرة ويُداعبها كأنها حبيبته.. حفيدكِ سلفادور وقع في حُب تلك الساقطة لينيا هارفين.. افرحي جدتي الآن, حفيدكِ المُفضل أصبح يعشق المرأة التي قتلت شقيقه "

 

رفعت يدي عاليا وصفعت كارميتا بكامل قوتي بينما كنتُ أنظر إليها بغضب أعمى.. وقفت كارميتا تتأملني بنظرات مذهولة وهي تضع يدها على خدها مكان الصفعة..

 

كانت حفيدتي تتأملني بنظرات مصدومة بالكامل, فهذه المرة الأولى التي تمتد يدي عليها وأصفعها.. تسارعت أنفاسي وهتفت بغضب جنوني

 

" كذب.. هذا كذب.. حفيدي سلفادور, من المستحيل أن يقع في حُب تلك المرأة التي تسببت في موت شقيقه.. هو فقط يقوم بتنفيذ العقاب على تلك المرأة حتى يجعلها تحمل بطفله "

 

بدأت كارميتا تبكي, ثم هتفت بمرارة

 

" لا جدتي, سلفادور يُحبها.. لقد رأيت كيف كان ينظر إليها ويُقبلها ويلمس جسدها.. لقد خسرت سلفادور إلى الأبد.. تلك القاتلة استطاعت أن توقعه في عشقها "

 

احتضنت كارميتا بقوة حتى اجعلها تتوقف عن البكاء.. شعرت ببعض الراحة لأنها لم تقتل لينيا, لكن القلق لم يزل يسيطر على قلبي.. تنهدت بقوة وقلتُ لها بنبرة جادة

 

" يجب أن نكون حذرين يا عزيزتي.. هناك أمور كثيرة تحدث حولنا, وأريدكِ أن تبقي بأمان دائمًا.. اسمعيني جيداً كارميتا, سلفادور من المُستحيل أن يقع في حُب لينيا هارفين.. وإن حدث ذلك, سوف أقتل لينيا بنفسي.. لن أسمح لها بأن تسلب مني حفيدي الثاني "

 

ابتعدت قليلا عن كارميتا, وتابعت قائلة لها بجدية بينما كنتُ أنظر في عمق عينيها الباكيتين

 

" سلفادور سيكون لكِ, ولن أسمح بحدوث غير ذلك "

 

ابتعدت خطوتين إلى الخلف عن حفيدتي, وتابعت قائلة بثقة

 

" لا أريدُكِ أن تُكرري ما فعلته اليوم بتلك المرأة.. أنتِ سوف تكونين زوجة سلفادور وأم أطفاله.. إن اكتشف المتادور ما فعلته اليوم بتلك المرأة سيكون عقابهُ كبيرا لأنكِ خالفتِ أوامره وحاولتِ أذية تلك المرأة اللعينة "

 

بدأت أُفكر بحل سريع لأُخرج كارميتا من هذه الورطة التي أوقعت نفسها بها.. نظرت إلى حفيدتي وقلت بجدية

 

" قد لا تُخبر لينيا حفيدي سلفادور بما حدث معها منذ قليل, وهذا لمصلحتكِ كارميتا.. أريدُكِ أن تظلي هنا في غرفتكِ ولا تحاولي الخروج منها حتى أطلب منكِ فعل ذلك.. هل كلامي واضح؟ "

 

أجابتني كارميتا بتوتر

 

" نعم جدتي.. ولكن ماذا سأفعل إن اكتشف سلفادور ما فعلتهُ اليوم بتلك العاهرة؟ "

 

ابتعدت رامونا قليلاً لتتفحص وجه حفيدتها, ثم قالت بصوت ناعم وبثقة

 

" لينيا هارفين لن تتفوه بحرف واحد أمام حفيدي عن ما حصل معها اليوم.. سأتصرف بنفسي, لا تقلقي عزيزتي "

 

بهذه الكلمات, خرجت رامونا من غرفة كارميتا ونزلت إلى الطابق الأرضي, وعقلها مشغول بالتفكير في الأحداث الغريبة التي بدأت تتكشف أمامها نحو حفيدها وتلك البروفيسورة المجرمة, وما الذي قد تحمله الأيام القادمة من مفاجآت..

 

جلست رامونا على الأريكة في الصالون الكبير بعد أن طلبت من حارسها الشخصي خوسي أن يُخبرها بسرعة لدى عودة البروفيسورة إلى القصر.. وانتظرت رامونا بتوتر عودة لينيا هارفين إلى القصر..

 

ولكن بعد مرور ساعة تقريباً, شعرت رامونا بالخوف عندما سمعت خارج القصر صوت حفيدها سلفادور يهتف بغضب..

 

وقفت واقتربت بخطوات مُرتعشة نحو المدخل, ولكنها نظرت بذعر لا يوصف عندما رأت سلفادور يدخل وهو يحمل جسد لينيا بذراعيه وهي فاقدة الوعي.. وبخوف لا مثيل له سمعت رامونا كلام حفيدها, لقد أخبرها بما حدث, ولكنهُ كذلك أطلق تهديداً أرعب روحها واحرقها بشدة.. سلفادور سيقتل من كان السبب في دخول لينيا إلى المرعى.. والمُرعب أكثر بأنهُ كان صادقاً في تهديده...

 

كانت الشمس تُلقي بأشعتها الخافتة عبر النوافذ الضخمة لقصر دي غارسيا, بينما جلست رامونا على الأريكة في الصالون, قلبها يخفق بخوف وترقب.. كانت تنتظر بقلق نزول سلفادور من غرفته بعد أن سمع عن ما حدث من لينيا هارفين في المرعى.. كانت تعلم أن سلفادور لن يهدأ حتى يعرف الحقيقة كاملة..

 

فجأة، سمعت رامونا صوت سلفادور يهتف بغضب لرجاله في الخارج ويأمرهم بدخول القصر.. وقفت رامونا بسرعة, يداها ترتعشان, وخطت بضع خطوات لتلتقي بحفيدها في الممر.. كانت تعلم أن عليها التدخل قبل أن يتخذ سلفادور أي قرارات متهورة نحو حفيدتها كارميتا..

 

بمجرد أن وقفت أمامه, حاولت رامونا التوسل إليه لتجعله يهدأ

 

" سلفادور, حفيدي, أرجوك اهدأ واستمع إليّ أولاً "

 

أبعدها سلفادور قليلاً, عينيه تشتعلان بالغضب, وقال بنبرة حادة

 

" جدتي, سأذهب بنفسي لأعرف ما حدث مع لينيا وما أجبرها على دخول المرعى.. لينيا لم تستيقظ من إغمائها حتى الآن.. وأنا لن أقف مكتوف اليدين حتى تستيقظ, يجب أن أكتشف وبسرعة ما حدث معها.. أُقسم بأنني سأقتل من فعل ذلك بها وعرض حياتها للخطر "

 

شعرت رامونا بصدمة عميقة وهي تراقب حفيدها يخرج برفقة رجاله من القصر, عيناها تتابعانه بدهشة وقلق.. لم تكن تتوقع هذا التصعيد, وكانت تخشى مما قد يكتشفه سلفادور..

 

بعد أن خرج سلفادور, صعدت رامونا بسرعة إلى جناحه.. دخلت غرفة نومه بحذر, لتجد لينيا تحاول الجلوس على الفراش, نظراتها مملوءة بالدهشة والتوتر..

 

" لينيا... "

 

همست باسمها بتوتر بينما كنتُ أقف بجانب السرير.. تأملتني لينيا بنظرات مُتعجبة, وبسرعة قلتُ لها برجاء

 

" لو سمحتِ, لا تخبري سلفادور بما حدث اليوم.. لا تذكري أي شيء عن سبب دخولكِ إلى المرعى "

 

نظرت لينيا إليّ بحزن, وسألتني بنبرة متألمة

 

" سنيورا, هل أنتِ من أرسلتِ ذلك السائق ليقتلني؟ "

 

هززت رأسي بسرعة بالرفض, ولمعت عيناي بالدموع عندما قلتُ لها بصدق

 

" لا, لم أفعل ذلك.. لقد كانت حفيدتي كارميتا, هي من فعلت ذلك بكِ, هي من حاولت دهسكِ بسيارة شقيقها.. أرجوكِ, لينيا, سلفادور أقسم على قتل الفاعل إذا عرف الحقيقة.. لا أريد خسارة حفيد آخر.. أتوسل إليكِ كجدة وكأم بأن لا تُخبري سلفادور بما حدث, سيقتل كارميتا, وأنا لن أستطيع تحمُل خسارة حفيد آخر "

 

نظرت لينيا بحزن إليّ, وقالت بصدق

 

" لا تخافي سنيورا, لن أُخبر السنيور سلفادور بما حدث اليوم.. ولكن من الأفضل أن لا تُحاول حفيدتكِ قتلي مرة أخرى "

 

تنفست براحة عميقة، وشكرتها بحرارة قبل أن أخرج من الغرفة

 

" شكرا لكِ.. أشكركِ لأنكِ لن تُخبريه بالحقيقة.. وأنا أعدُكِ بأن كارميتا لن تحاول الاقتراب منكِ وأذيتكِ مرة أخرى, بل لن أسمح لها بأذيتكِ بعد اليوم "

 

أومأت لينيا موافقة وظلت صامتة بينما كنتُ أخرج من الغرفة.. كنتُ واثقة تمامًا بأن لينيا ستحافظ على سرها, وتحمي حفيدتي من عواقب هذه الكارثة..

 

بينما كانت رامونا تغادر الغرفة, شعرت بالامتنان العميق تجاه لينيا, وأملت في قلبها أن تتجاوز العائلة هذه الأزمة بأقل الأضرار الممكنة.. وتمنت أن لا يكتشف سلفادور في الخارج ما فعلته كارميتا, ويظل ما حدث اليوم سراً دفيناً..

 

 

ميغيل**

 

كانت القاعة الفخمة داخل قصر ميغيل مكتظة بالضيوف, تتألق بأضواء الشمعدانات الكريستالية وألوان الزينة الفاخرة التي تليق بحفل خطوبة ضخم..

 

ميغيل, بطل الأمسية, كان يرقص مع خطيبته مارتا على أنغام موسيقى رومانسية تعزفها فرقة محترفة.. كانت نظراته تتوزع بين وجه مارتا وبين حبيبته ساريتا التي بدت جميلة بشكل لا يوصف, وكانت تقف أمامهُ في القاعة, بثوبها الكحلي الذي أظهر جمالها بشكل لافت وجعلهُ يفقد أنفاسه..

 

بينما كان يدور في الرقصة مع مارتا, كان يراقب ساريتا بنظرات جانبية.. كانت تقف بعيدة, تنظر إليه وإلى مارتا وهما يرقصان, وتعبيرات الحزن واضحة على وجهها.. شعر بمرارة تسري في قلبه وهو يرى الألم في عينيها.. وبدأ ميغيل يُفكر بضياع.. بالطبع فراشتي حزينة لأنها ترغب بالابتعاد عني وبسرعة وتقوم بعد الدقائق والثواني حتى تنتهي الحفلة وتذهب..

 

أما ساريتا التي كانت تنظر بحزن نحو ميغيل و مارتا, ورغم محاولتها إخفاء مشاعرها, كان الألم واضحًا في عينيها.. لم تستطع تحمل المزيد, فتحركت بسرعة وحاولت الهرب من هذا المشهد الذي يمزق قلبها..

 

عندما بدأ ميغيل يشعر بتشتت نظراتها وحركتها, رأى ساريتا تتحرك بخطوات سريعة نحو باب الخروج.. أنهى ميغيل الرقصة بسرعة, التفت إلى الضيوف بابتسامة مُصطنعة, وقال بصوت مُرتفع لكن عينيه كانتا تبحثان عن ساريتا

 

" أرجو أن تستمتعوا بوقتكم الليلة, وشكرًا لكم على حضوركم حفل خطوبتنا "

 

بمجرد أن انتهى من كلامه لم ينتظر ردود الأفعال, بل ركض ميغيل بسرعة خارج القاعة ليتبع ساريتا بقلق, كانت مشاعره متناقضة بين القلق والغضب، لكنه لم يتوقف للحظة.. وعندما خرج إلى الممر الرئيسي للقصر, توقفت خطواته فجأة, دهشة كبيرة كانت ترتسم على وجهه عندما رأى ساريتا تقف أمام رجل..


رواية المتادور - فصل 22 - الاعتراف

 

لم يكن هذا الرجل عادياً, تذكره ميغيل بوضوح, كان هو نفسهُ ذلك الشخص الذي رآه في مكتب رئيس العصابة سوتو في الفندق في تلك الليلة.. تذكر ميغيل بغضب أعمى تلك الليلة, وتذكر ذلك الرجل.. إذ كان من المستحيل أن ينسى وجه ذلك الرجل الذي كان يقف خلف مكتب سوتو كحارس له..

 

ازداد غضبه عندما شاهد ذلك الرجل يمسك بيد ساريتا, فهتف بقوة

 

" ساريتا... "

 

استدارت ساريتا بسرعة, وعيناها مليئتان بالخوف.. ولكن عندما رأت ميغيل التمعت عينيها بالدموع.. ركضت نحوه بسرعة وهي تهتف باسمه

 

" ميغيل!.. ميغيل... ميغيل... "

 

وعندما وصلت إليه, عانقته بقوة, دون أن تهتم لنظرات بعض الضيوف المستغربين.. ضم ميغيل ساريتا بقوة, ونظراته تشتعل بالغضب والقلق.. عندما نظر مجددًا باتجاه الرجل, لم يجده.. اختفى كأنه لم يكن موجودًا أبدًا..

 

ابتعدت عن ساريتا وأمسكت معصمها, ثم جذبتُها بسرعة خلفي.. صعدت إلى مكتبي ودخلت إليه, ثم دفعت ساريتا بقوة وأغلقت الباب بعنف..

 

اقتربت منها ببطء والغضب والغيرة يشعان من عينيّ.. وقفت أمامها على بُعد خطوة صغيرة منها, وهتفت بوجهها بغضب اعمى

 

" كيف سمحتِ لنفسكِ برؤية ذلك الرجل في قصري؟ "

 

اتسعت عينا ساريتا من الذعر, وبدأت تتكلم بتلعثم

 

" أنــ.. أنا.. ميغيل, أرجوك, لم أكن أعرف... لم أكن أعلم أنهُ هنا... "

 

قربت وجهي من وجهها ونظرت بغضب في عمق عينيها وقاطعتُها هاتفاً بحدة

 

" هل تعلمين من هو؟ بالطبع أنتِ تعرفينه, هل كنتِ تعملين معه؟ هل أنتِ جزء من تلك العصابة في ذلك الفندق؟ تكلمي واللعنة... "

 

تأملتني ساريتا بنظرات مذهولة وحزينة


رواية المتادور - فصل 22 - الاعتراف

 

بدأت دموعها تتساقط على وجنتيها, وهمست بصوتٍ مُرتعش

 

"  لا, ميغيل, أُقسم لك, لا علاقة لي به وبتلك العصابة "

 

حدقت بحقد إلى وجهها وهتفت بغضب جنوني

 

" لقد تعرفت على ذلك الرجل.. أتذكرهُ جيدًا, وأعلم أنهُ يعمل مع عصابة سوتو.. ماذا كان يفعل هنا؟ وكيف دخل إلى قصري؟ تكلمي قبل أن أقتلكِ.. اعترفي لي بالحقيقة.. اعترفي... "

 

تأملتني ساريتا بنظرات مُنكسرة, مسحت دموعها وحاولت أن تجد الكلمات المناسبة, وبغضب سمعتُها تقول ببكاء

 

" ميغيل, صدقني.. لم أكن أعلم.. رأيته فجأة هنا, ولم أستطع التصرف.. كنتُ خائفة منه و... "

 

أمسكت كتفيها وبدأت أهزها بعنف وأنا أهتف بجنون

 

" كاذبة.. أنتِ امرأة كاذبة وعاهرة ورخيصة... "

 

توقفت عن هزها.. لكن فجأة, رفعت ساريتا يدها وصفعتني بكامل قوتها على وجنتي اليمنى.. توسعت عيناي بصدمة كبيرة عندما بدأت ساريتا تبكي بشكلٍ هستيري, ثم هتفت بجنون وهي تضربني على صدري بكلتا يديها

 

" أنا لستُ عاهرة, ولستُ كاذبة, ولستُ رخيصة.. بل أنتَ ميغيل استرادا الكاذب والعاهر والرخيص.. أنا أكرهُك بجنون لأنك اغتصبتني في تلك الليلة بينما كنتُ تحتَ تأثير المُخدر اللعين.. اغتصبتني مراراً وتكراراً في تلك الليلة بينما أنا لم أستطع الاعتراض, لم أستطع منعك, حتى لم أستطع البكاء.. فقط دمعة واحدة تمردت وسقطت من عيني واحرقت قلبي وحياتي كلها في تلك الليلة اللعينة "

 

تجمدت قدماي في مكانها, شعرت بالبرد في كامل أنحاء جسدي, وفتحت فمي ونظرت ببلاهة وبصدمة كبيرة إلى ساريتا.. ظننت نفسي للحظة أتخيل بأنها قالت تلك الكلمات والتي كادت أن تُسبب لي بجلطة.. ولكن بصدمة كبيرة سمعت ساريتا تهتف بجنون بعد أن توقفت عن ضرب صدري

 

" كنتَ تعلم بأنني تحتَ تأثير المُخدر القذر الذي حقنني به خورخي السافل.. فأنتَ زبون دائم في ذلك الفندق اللعين.. كم فتاة بريئة اغتصبتها ميغيل استرادا وسرقتَ منها عذريتها ودمرتَ حياتها بالكامل؟ اعترف.. كم فتاة اغتصبتها داخل ذلك الفندق؟ "

 

شهقت بقوة طلباً للهواء بينما جسدي بكامله كان يرتعش بعنف.. إعصار مُدمر اجتاح جسدي ودمر قلبي وروحي..

 

الصدمة كانت أكبر بكثير من أن أتحملها.. هذا الاعتراف من ساريتا هز كياني ودمر عالمي وكل شيء من حولي..

 

صفعتني ساريتا على خدي بقوة وهتفت بدمار كُلي

 

" تكلم أيها الحقير؟ لماذا أنتَ صامت؟ اعترف أمامي والآن.. كم فتاة اغتصبت في ذلك الفندق؟ لا بُد أنك دفعتَ الكثير من المال لتغتصبهن وتحصل على عذريتهم.. والآن وبكل وقاحة تتهمني بأنني مُشتركة مع تلك العصابة القذرة.. "

 

ارتعش فكي بقوة واصطكت أسناني ببعضها بعنف.. تجمدت نظراتي على وجه ساريتا بصدمة لا مثيل لها عندما تابعت هاتفة بمرارة

 

" أنتَ لستَ سوى مُغتصب لعين وقذر.. ويجب أن تدفع الثمن غالياً لأنك اغتصبتني "

 

فجأة انفتح باب الغرفة وسمعت صوت رجل يهتف بغضب جنوني

 

" ميغيل استرادا, سأقتلك أيها القذر لأنك اغتصبتَ ابنتي.. سأقتلك أيها السافل "

 

كنتُ جامد في مكاني تحتَ تأثير الصدمة.. رأيت ليون كاريلو يدخل إلى مكتبي وخلفه زوجته, ورأيت والدي ووالدتي يدخلان إلى المكتب وخلفهما سلفادور..

 

ركض ليون كاريلو وأمسكني من ياقة قميصي وجذبني بقوة إليه, ثم سحب مسدسهُ من الحزام عن خصره ووضع فوهة المسدس في وسط جبيني..

 

نظر ليون في عمق عيناي المصدومة, وهتف بغضب جنوني

 

" عليك أن تموت أيها السافل, والآن... "

 

" لا أبي, أرجوك, لا تفعل... "

 

صرخة ساريتا المذعورة وصرخة أمي, وصرخة سلفادور, وصرخة والدي, صدحت بقوة في أرجاء الغرفة..

 

ثم صوت طلقة نارية ملء الغرفة.. وبعدها ساد صمت مُخيف أشبه بصوت الموت....


انتهى الفصل





العودة إلى فصل 21 ᐸ



العودة إلى الفصل 19 ᐸ



العودة إلى الفصل 17 ᐸ





فصول ذات الصلة
رواية المتادور

عن الكاتب

heaven1only

التعليقات


إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

اتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

لمدونة روايات هافن © 2024 والكاتبة هافن ©