رواية المتادور - فصل 25
مدونة روايات هافن مدونة روايات هافن
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...

أنتظر تعليقاتكم الجميلة

  1. البااااارت رااااااااائع و محمس جدا

    ردحذف
    الردود
    1. شكراً لأنكِ أحببتِ البارت وأحداثه.

      حذف
  2. البارت تحفه كالعاده ياريت متتاخريش في نزول البارت الجديد

    ردحذف
    الردود
    1. تسلمي يا قلبي
      سأحاول عدم التأخر بالنشر

      حذف

رواية المتادور - فصل 25

 

رواية المتادور - فصل 25 - خطة جميلة ودموع



خطة جميلة ودموع











 

ميغيل**

 

 

" ساريتا... "

 

همس ميغيل باسم ساريتا بصوت خافت, وكأنها كانت آخر شيء يفكر فيه قبل النهاية.. أغمض عينيه بشدة, وقبض على المقود بأيدٍ مرتعشة.. سمع صوت تحطم مدوٍ, وصوت زجاج يتناثر, ثم كان هناك ظلام دامس...

 

في هذه اللحظة, اختفى كل شيء.. لم يعد هناك ألم, ولا دموع, ولا ندم, مجرد ظلام وسكون.. كانت اللحظات الأخيرة من الوعي تمثل له نهاية دوامة العذاب التي كان يعيشها, تاركًا وراءه حياة مملوءة بالأخطاء والخطايا..

 

بعد ما بدا وكأنه دهر, بدأ ميغيل يستعيد وعيه ببطء.. كان هناك صوت بعيد للصفارات, وضوء وامض يختلط بالظلام.. شعر بألم شديد في كل جزء من جسده, لكنه كان ما زال على قيد الحياة..

 

فتح عينيه بصعوبة, ورأى حوله حطام سيارته والشاحنة المدمرة.. كان وجهه مغطى بالدماء, وجسده محطم, لكنه كان يعرف أن الألم الجسدي لا يقارن بالألم النفسي الذي كان يعاني منه..

 

" إنهُ السنيور ميغيل استرادا, وهو ما زال على قيد الحياة.. بسرعة أفسحوا الطريق لرجال الإسعاف, لقد وصلوا.. يجب أن يتم نقلهُ وبسرعة إلى المستشفى "

 

سمعت صوت رجل يهتف بتلك الكلمات, ثم سمعت رجال يجيبونه باحترام موافقين ونادوه بحضرة الضابط.. عرفت في هذه اللحظة بأن رجال الشرطة هنا..

 

أغمضت عيناي وسالت دمعة متألمة وحزينة على وجنتي بينما كنتُ أُفكر بفراشتي الجميلة ساريتا.. لم أكن أعلم إلى أين سيأخذني هذا الطريق الجديد, لكن كنتُ أعرف أن حياتي لن تكون كما كانت من قبل..

 

كان هناك صوت صفارات لسيارة الإسعاف يقترب, وأشخاص يهرعون لإنقاذي.. شعرت بيدين ترفعني بلطف, وهمسات حنونة مطمئنة بأنني سأكون بخير..

 

" لا تخف سنيور استرادا, نحن رجال الإسعاف.. ستكون بخير.. حاول أن تظل مستيقظاً, لا تُغلق عينيك.. ستكون بخير سنيور.. سيتم نقلق وبسرعة إلى المستشفى "

 

بينما كان يتم نقلي إلى المستشفى, كنتُ أُفكر بحبيبتي ساريتا, وكيف يمكنني أن أُكفر عن خطاياي.. كنتُ أعلم أن الطريق إلى الخلاص سيكون طويلاً وشاقاً, لكن كنتُ مستعدًا لمواجهة أي شيء من أجل تصحيح ما أفسدته..

 

ساريتا, حبيبتي وفراشتي الجميلة, سامحيني.. فكرت بعذاب أحرق روحي وكياني بينما كنتُ أغرق من جديد في ذلك العالم المُظلم..

 

في هذه اللحظة, بدأ مشوار جديد في حياة ميغيل, مليء بالألم والعذاب, لكنه أيضًا مليء بالأمل في أن يتمكن من استعادة جزء من إنسانيته..

 

عندما استيقظ ميغيل, وفوراً شعر بشيء غريب يُحيط به..


رواية المتادور - فصل 25 - خطة جميلة ودموع


 

فتح عينيه ببطء, وكان يشعر بثقل جفونه.. ما أن تأقلمت عينيه على الضوء الساطع حتى لاحظ أنه في غرفة بيضاء بالكامل.. نظر حوله بارتباك, كانت الجدران والأسقف والأرضية ناصعة البياض, مما أعطى للمكان شعورًا بالصفاء والهدوء..

 

نظر ميغيل حوله, رأى جهازًا لمراقبة نبضات القلب والتنفس متصل به, وصوت النبضات الإلكترونية يملأ الغرفة برتابة مطمئنة.. كانت هناك أنابيب موصولة بذراعه, وانتهت بأنبوب طويل معلق في كيس بلاستيكي يحتوي على سائل شفاف, معلق على حامل معدني بجانبه..

 

شعرت بوجعٍ طفيف في جسدي, لكن تحملته.. بدأت أُفكر بضياع عن سبب وجودي هنا.. مع الوقت, تلاشت السحب الضبابية من ذهني, وبدأت أتذكر أحداث اليوم السابق..

 

تذكرت بعذاب حقيقة ما فعلتهُ بفراشتي ساريتا, تذكرت بوضوح كيف رأيت ذلك السافل داخل قصري وهو يتكلم مع فراشتي وما فعلته بعدها بسبب شعوري بالغيرة وكيف تلقيت صدمة حياتي.. تذكرت بألمٍ كبير كيف دافعت عني ساريتا ومنعت والدها من قتلي..

 

تذكرت كيف وبخني والدي وكيف كنتُ السبب بدموع والدتي.. تذكرت كيف غادرت قصري ورأيت فجأة تلك الشاحنة أمامي, تذكرت تلك الضربة القوية على صدري ورأسي, والشظايا الخشنة التي اخترقت جسدي.. شعرت بألم خفيف في أماكن متفرقة من جسدي, ولكن كنتُ محاطًا بهدوء مستشفى آمن..

 

في هذه اللحظة, دخل طبيب إلى الغرفة بخطوات هادئة وبوجه مُشرق وابتسامة دافئة.. وقف عند نهاية السرير وقال بصوت مطمئن

 

" صباح الخير, ميغيل.. كيف تشعر اليوم؟ "

 

حاولت الإجابة, لكن صوتي خرج ضعيفًا

 

" أنا... بخير, أظن.. شكراً لك حضرة الطبيب.. لكن, ماذا حدث لي؟ "

 

ابتسم الطبيب بلطف وأجاب

 

" هذا جيد.. أردت أن أطمئنك بأنك ستكون بخير.. لقد تم جلبك إلى المستشفى أمس في حالة حرجة.. تعرضت لضربة قوية على صدرك ورأسك, وكان جسدك ممتلئًا بشظايا كبيرة خشنة.. ولكن تم معالجتك بسرعة ووقف النزيف وتقطيب جراحك.. لقد تم مراقبتك جيدًا خوفًا من حدوث نزيف داخلي, لكن لحُسن الحظ, نجوتَ من الخطر وأنتَ الآن بخير.. أما بخصوص جراحك, لا أريدُك أن تقلق بسببها فلن تترك أي أثر على جبهتك وجسدك عندما تُشفى تماما "

 

تنهدت بارتياح, وأجبت الطبيب بصوت ضعيف ولكن بامتنان

 

" شكراً لك حضرة الطبيب "

 

ابتسم الطبيب بلطف وقال

 

" هذا واجبي, لا داعي للشُكر.. سأسمح الآن بدخول الزوار.. أتمنى لك الشفاء العاجل, وقريباً جداً سأسمح لك بالخروج من المستشفى "

 

خرج الطبيب من الغرفة, وبعد لحظات دخلت والدة ميغيل, جوليانا, وهي تبكي وتهتف باسمه

 

" ميغيل!.. ابني, ابني ميغيل.. يا حبيبي... "

 

ركضت نحو السرير ووقفت بجانبه, ثم انحنت وعانقتني بقوة ولكن بحذر.. كانت تبكي على كتفي وهي تقول من بين شهقاتها

 

" لقد خفت أن أفقدك, ميغيل.. ابني, حبيبي, أنتَ حياتي كلها.. أنا لا أستطيع العيش بدونك يا ولدي.. ظننت أنني فقدتك يا ابني الوحيد.. الحمد لله أنك بخير "

 

كانت شهقاتها مختلطة بالكلمات, تحاول أن تُعبر عن فرحتها وقلقها في آن واحد.. شعرت بالعاطفة الجياشة, وحاولت تحريك يدي اليسرى لأضعها برقة على كتف أمي, قائلاً بصوت متهدج بينما دموعي بدأت تتساقط بكثرة على وجنتاي

 

" أمي, حبيبة قلبي, أنا بخير, لا تقلقي.. توقفي عن البكاء لو سمحتِ "

 

بينما كانت جوليانا تعانق ابنها, دخل بيدرو, والد ميغيل, إلى الغرفة.. كان يبكي وهو ينظر بسعادة إلى ابنه.. ثم هتف بفرحٍ كبير

 

" ميغيل, ابني "

 

نظرت إلى والدي.. كانت دموعه تملأ عينيه وتتساقط بكثرة على وجنتيه الشاحبتين, لكنهُ كان يبتسم بسعادة.. ركض والدي بيدرو نحو السرير وأمسك بيدي بكلتا يديه وهو يبكي ويقول

 

" ابني, قلبي.. سامحني, ميغيل.. لقد تكلمت معك بطريقة جارحة قبل الحادث.. لم أكن أعلم بأنني كنتُ على وشك خسارتك إلى الأبد.. كلمتُك بطريقة جارحة وصفعتُك, رغم أنك تستحق.. لكن لن أتحمل خسارتك.. كدتُ أن أموت من الخوف عليك و... "

 

قاطعتهُ بصوت هادئ قائلا

 

" لا بأس, أبي.. كنتُ أستحق كل كلمة قلتها لي مع الصفعتين بسبب ما فعلتهُ بـ ساريتا.. أنا الآن هنا, وهذا ما يهم.. كما أنا آسف لأنني خذلتكما بسبب ما فعلته بـ ساريتا.. ولكن أعدُك أبي, عندما أخرج من المستشفى سأتزوجها, ثم سأنتقم مِن مَن كان السبب في تعاسة ساريتا "

 

ابتعدت أمي عني ونظرت إليّ بنظرات جادة.. مسحت دموعها ثم قالت بجدية

 

" ميغيل, حان الوقت حتى تعترف لوالدك بما حدث بينك وبين ساريتا كاريلو "

 

نظر والدي إلى أمي بنظرات مُستفهمة, ثم تأملني بنظرات متوترة, وسألني

 

" ميغيل, هل تُحب فعلاً ساريتا كاريلو؟ أخبرني الحقيقة.. هل فعلاً اغتصبتها؟ "

 

لم أستطع التوقف عن البكاء بينما كنتُ أنظر إلى يدي التي كان والدي ما زال يحتضنها بكلتا يديه المُرتعشتين.. شهقت بضعف وهمست بألم كبير

 

" أنا لا أُحبها, بل أنا أهيم في حُبها.. للأسف لقد اغتصبتُها, ولكن دونَ معرفتي بذلك "

 

شهق والدي بيدرو بقوة, ثم همس بعدم الفهم

 

" لا أفهم!, ماذا تقصد بأنك اغتصبتها دون معرفتك بذلك؟ هل كنتَ ثملاً؟ "

 

نظرت إلى والدي بحزن, وبدأت بوجعٍ كبير أعترف أمامهُ بكل شيء.. أخبرتهُ بصدق كيف ذهبت برفقة سانتياغو إلى ذلك الفندق اللعين, وكيف دفعت المبلغ ودخلت إلى الغرفة ورأيت ساريتا..

 

أخبرت والدي بوجعٍ كبير كيف بسبب إعجابي الكبير بـ ساريتا في تلك الليلة لم أنتبه بأنها كانت جامدة بينما كنتُ أمارس معها الحُب..

 

بكيت بندم لا حدود له, ثم أغمضت عيناي وهمست بيأس وبحزن

 

" أبي, لقد أحببتُها من النظرة الأولى.. أحببت ساريتا حتى قبل أن أعرف اسمها.. ومثل الغبي لم أتوقف عن مُعاشرتها في تلك الليلة.. كنتُ اغتصبها وأنا لا أدري بذلك.. ثم رأيتها في قصري.... "

 

أخبرت والدي بكل ما فعلته بالمرأة التي أحببتُها بجنون, لم أكذب عليه لدرجة أنني أخبرته كيف دمرتني ساريتا عندما اعترفت لي بأنها كانت تتلاعب بمشاعري..

 

عندما انتهيت من سرد الحقيقة ابتعد والدي عني ونظر إليّ بعينين مُتسعتين من الصدمة.. بلع ريقهُ بقوة, وهمس بعدم التصديق

 

" لا!.. لا!.. يوجد سوء تفاهم كبير.. ابنة ليون كاريلو من المستحيل أن تقوم ببيع عذريتها وجسدها.. ميغيل, لم تُفكر بذلك سابقاً؟ كيف واللعنة صدقتها بأنها باعت جسدها لتتسلى؟ إلهي.. يوجد سر كبير تُخفيه ساريتا عنك, وعليك بُني أن تعرفهُ وفي أسرع وقت "

 

مسحت دموعي ونظرت إلى والدي بتفكيرٍ عميق.. سابقاً لم أهتم بتحليل الأمور, ولكن الآن لن يوقفني شيء عن معرفة الحقيقة والانتقام مِن مَن كان السبب في دماري ودمار فراشتي الجميلة..

 

نظرت إلى والدي بنظرات جادة, وقلتُ له بتصميم وبثقة

 

" ساريتا بريئة جداً, سأحميها مهما كلفني ذلك.. سأعرف الحقيقة قريباً وسوف أُحاسب كل من كان السبب في دمارها "

 

ابتسم والدي بوسع, ثم غمزني وقال بجدية

 

" عليك أن تعلم بُني, الزفاف سيتم في موعده.. كما أنا شخصياً لن أُخبر صديقي ليون بما اكتشفته, لا أريدهُ أن يقتلك إن عرف الحقيقة.. كما سأدعمك بكامل قوتي حتى تنتقم من أجل ساريتا ومن أجلك "

 

كانت الغرفة مليئة بالعواطف المتشابكة, بين الحب والندم والتسامح.. جلس بيدرو و جوليانا بجانب ميغيل, متشبثين به وكأنهم لن يتركوه مرة أخرى.. وبدأت العائلة تتحدث بهدوء.. في هذه اللحظة, شعر ميغيل بقوة الروابط الأسرية, وكم هي ثمينة هذه اللحظات التي تجمعهم معاً.. كما عرف ميغيل بأن حياته وحياة ساريتا سوف تتغير بكاملها..

 

في صمت مليء بالمشاعر, غادر والدا ميغيل الغرفة, تاركين ابنهما للراحة بعد اللحظات العاطفية الجياشة التي شهدوها.. لم تمر سوى دقائق قليلة حتى دخل المتادور سلفادور إلى الغرفة بخطوات هادئة.. كان سلفادور رجلاً قوي البنية, بوجه يحمل آثار المعارك العديدة في حلبة المصارعة, لكن اليوم كان هناك حزن عميق في عينيه..

 

كان وجه سلفادور يحمل مزيجاً من الحزن والراحة.. وقف عند مدخل الغرفة لبضع ثوانٍ, ينظر إلى صديقه ميغيل المستلقي على السرير..


رواية المتادور - فصل 25 - خطة جميلة ودموع

 

تقدم بخطوات بطيئة نحو السرير ونظر إلى ميغيل بعينين مليئتين بالألم والحزن, ثم قال بابتسامة خفيفة

 

" ميغيل, صديقي, أنا سعيد بأنك بخير.. رغم الألم الذي أشعر به بسبب كذبكَ عليّ بشأن ساريتا, إلا أن رؤيتك حياً تعني لي الكثير.. جعلتَ الجميع يشعرون بالخوف عليك صديقي "

 

نظرت إلى سلفادور بنظرة ممزوجة بالندم والأسى, تنهدت بعمق وأجبته بصدق قائلا

 

" سلفادور, آسف لأنني أقلقتُك عليّ.. ثم أنا لم أكذب عليك بشأن ساريتا.. لم يكن هناك كذب بيننا.. يجب أن تعرف الحقيقة كاملةً.. الحقيقة هي أنني... أنا.... "

 

تجمد سلفادور في مكانه, ينظر بذهول إليّ.. ثم قاطعني بسرعة وسألني بتوتر

 

" ما هي الحقيقة؟ ماذا حدث في تلك الليلة؟ "

 

تنهدت بعمق وأغمضت عيناي للحظة قبل أن أفتحها لمواجهة صديقي.. بلعت ريقي بضعف وأجبته بحزن

 

" في تلك الليلة, لم أكن أعرف بأنني أقوم باغتصاب فتاة بريئة.. كانت هناك مؤامرة أكبر مما كنا نظن.. ساريتا كانت ضحية مثلي, وهناك من كان وراء كل ما حدث.. أنا لم أكذب عليك سلفادور سابقاً ولن أفعل الآن, في تلك الليلة لم أكن أعلم بأن ساريتا تحتَ تأثير المُخدر وبأنني واللعنة كنتُ أغتصبها وأسلب منها شرفها بدون رحمة "

 

اتسعت عينا سلفادور بدهشة وذهول.. ثم سألني بسرعة

 

" من كان وراء هذا؟ كيف لم ترى الحقيقة؟ أخبرني بما حدث حتى أستطيع مساعدتك "

 

أجبته بصوت مرتجف

 

" لا أعلم كل التفاصيل بعد, لكنني أعرف أن هناك شخصاً ما قام بتدمير حياتي وحياة ساريتا.. والآن, كل ما أريده هو العدالة, أريد الانتقام مِن مَن دمر حياتنا.. سأعرف الحقيقة قريبا وسأتصرف "

 

بدأت بسرد كل ما حدث لـ سلفادور.. أخبرته بدقة عن كل شيء أتذكرهُ في تلك الليلة.. ثم أخبرتهُ بحزن كيف اعترفت ساريتا في الأمس بأنني اغتصبتُها بينما هي كانت تحتَ تأثير مُخدر لعين.. أخبرتهُ بألمٍ كبير بأن ساريتا تظنني كنتُ أذهب دائما إلى ذلك الفندق لاغتصب فتيات بريئات..

 

عندما انتهيت من سرد كل شيء.. صدم سلفادور من الحقيقة, ولم يستطع الكلام للحظات, عينيه تحدقان إليّ وهو يحاول استيعاب الحقيقة الجديدة.. ثم, وضع سلفادور يده على كتفي وقال بنبرة حازمة ومليئة بالعزم

 

" ميغيل, لن تكون وحدك في هذا.. سأساعدك بكل قوتي حتى ننتقم من كل من تسبب في هذا الدمار, في دمار حياتك وحياة ساريتا.. لن ندعهم يفلتون بما فعلوه.. حان الوقت حتى أتدخل.. سوف أتصل بصديقي جواكين, فقد نحتاج لمساعدته.. يبدو صديقي بأنك تورطت مع عصابة كبيرة لذلك سنحتاج لمساعدة رئيس الشرطة في المُقاطعة "

 

شعرت بموجة من الامتنان تجاه صديقي, لكن لم أستطع الرد, فقط نظرت إلى سلفادور بعينين ممتلئتين بالدموع..

 

تأملني سلفادور بنظرات حزينة ثم قال

 

" لا تبكي ميغيل, أنتَ أخي ومن واجبي حمايتك ومساعدتك "

 

شهقت بضعف وأجبته بوجعٍ كبير

 

" أشكرُك سلفادور, لكن قلبي يؤلمني جداً, فهو يحترق من الداخل لأنني قُمت بأذية ساريتا.. أنا أُحبها بجنون, بينما هي تكرهني بجنون.. أنا في نظرها مُجرد مُغتصب سافل.. أشعر بأنني قذر لدرجة لن أستطيع النظر إلى وجهي في المرآة.. أشعر بالحقد على ذاتي, أشعر بالقرف من نفسي.. لا أستطيع تحمُل الحقيقة بأنني مُجرد مغتصب لعين... "

 

شهقت بقوة, ثم هتفت بضعف بينما كنتُ أحاول عدم البكاء كطفل صغير أمام صديقي سلفادور

 

" في حياتي كلها لم أتخيل للحظة واحدة بأنني قد أُصبح واحداً من هؤلاء المجرمين المغتصبين.. كنتُ وما زلتُ أكره كل رجل يغتصب امرأة.. تخيل الآن كم أكره نفسي وأتمنى الموت.. لم أكن أعرف بأنني كنتُ أغتصبها في تلك الليلة, ولم أنتبه بأنها كانت جامدة أسفلي بينما كنتُ..... "

 

توقفت عن التكلم وشهقت بقوة وبحرقة قلب بينما كنتُ أتذكر بتعاسة تلك الليلة..

 

ابتسم سلفادور برقة بينما كان ينظر إليّ بحزن, وقال بنبرة حنونة وبثقة

 

" ساريتا لا تكرهُك.. فقد رأيت بنفسي كيف دافعت عنك حتى لا يقتلك والدها.. أنا متأكد بأنها تُحبك.. كما لا تقُم بلوم نفسك صديقي, لأنك كنتَ ضحية مثل ساريتا في تلك الليلة "

 

تمنيت أن يكون كلام سلفادور عن ساريتا صحيحاً, لكن بداخلي كنتُ أعرف بأنهُ ليس كذلك.. ساريتا من المستحيل أن تُحب الرجل الذي اغتصبها وليس لمرة واحدة بل لمرتين..

 

شهقت بقوة وهتفت بعذاب وبحرقة قلب قائلا

 

" أنتَ لا تفهم سلفادور, في تلك الليلة كنتُ أُخطط بعدم لمس الفتاة عندما أدخل إلى الغرفة, وفي الصباح كنتُ سأُغادر الفندق ولا أنظر إليه مرة أخرى.. لكن عندما وقعت عيناي على ساريتا, لا أعرف ما أصابني.. كل ما أردته هو أن تكون لي, أن أمتلكها وأجعلها مُلكي في تلك الليلة.. أحببتُها من النظرة الأولى ولم أفهم مشاعري في ذلك الوقت "

 

وبينما كنتُ اُفكر بحزن, سمعت سلفادور يقول ويسألني بنبرة جادة

 

" أتفهم ما حدث معك, ميغيل.. ثم, هل فعلاً ساريتا حامل بطفلك؟ "

 

رفعت نظراتي وتأملتهُ بحزنٍ عميق, ثم أجبته

 

" لا!.. لا أعتقد ذلك.. أظن بأنها كذبت على والدها حتى لا يقتلني ويُسجن "

 

ابتسم سلفادور بوسع, ثم قال بمرح

 

" كذبت لتحميك من الموت, وليس حتى لا يقتلك والدها خوفاً عليه كي لا يتحول إلى مُجرم "

 

نبض قلبي بعنف عندما سمعت ما قالهُ سلفادور.. ابتسمت برقة وتمنيت أن يكون إحساس سلفادور صحيحاً..

 

وبينما كان صديقي يتأملني بنظرات مُشجعة ومُتفهمة, سمعت صوتًا مألوفًا ينادي باسمي بقلق

 

" ميغيل!.. ميغيل.... "

 

أبعد سلفادور يدهُ عن كتفي ثم غمزني وودعني وغادر الغرفة ليتركني بمفردي مع ساريتا..

 

كانت ساريتا, بوجهها المرهق وعيونها المليئة بالقلق, تدخل الغرفة بسرعة.. عند رؤيتي لها, أغمضت عيناي وأدرت رأسي إلى الناحية الأخرى, غير قادر على مواجهتها.. كان الندم والخجل يملآن قلبي, والشعور بالذنب لما حدث لها بسببي لم أستطع تحملهُ..

 

شعرت بالخجل والندم يعصفان بداخلي.. كانت دموعي تتساقط ببطء على وجهي عندما همست بصوت مكسور لم تستطع ساريتا سماعه

 

" لا أستطيع النظر إليكِ, ساريتا.. أنا آسف على كل شيء حبيبتي... "

 

تقدمت ساريتا نحو السرير, ووضعت يدها برقة على ذراع ميغيل.. ثم همست بحزن

 

" ميغيل, أنا هنا, ولن أتركك.. أنتَ بخير؟ "

 

رغم شعوري بالألم الجسدي سحبت ذراعي وأبعدتُها عن يدها.. تابعت البكاء بصمت وحاولت خنق شهقاتي حتى لا تسمعها ساريتا..

 

بلعت ريقي بقوة وهمست بحدة

 

" لا تلمسيني, غادري الغرفة "

 

سمعت ساريتا تشهق بدهشة, ثم بوجعٍ كبير سمعتُها تُكلمني بنبرة حادة وغاضبة

 

" أنتَ فعلاً مُغفل.. هل تظن بأنني أتيت إلى هنا حتى أطمئن عليك؟ هاااه, غبي فعلاً.. أتيت مُجبرة إلى هنا حتى لا يُلاحظ والدي مدى سعادتي بما حدث لك.. في الحقيقة كنتُ أتمنى لك الموت حتى أستريح منك.... "

 

غصة مؤلمة ألمت قلبي بعد سماعي بما تفوهت بهِ فراشتي.. تساقطت دموعي بصمت على وجنتاي وحاولت السيطرة على ذلك الألم في قلبي.. وبحزن عميق سمعت ساريتا تُتابع قائلة بحقد

 

" أتيت لأقول لك حتى تفعل ما في وسعك كي لا يتم الزفاف بعد أسبوعين.. فأنا من المستحيل أن أرتبط برجل قذر ومُغتصب مثلك.. كما أنا لستُ حامل بطفلك, لقد كذبت على والدي حتى لا يتحول إلى قاتل ويمضي طيلة حياته في السجن بسببك أيها الحقير "

 

رغم كل الألم والندم وقلبي الذي كان يحترق بشدة بسبب كلمات ساريتا الجارحة لي, ظللت صامتًا, غير قادر على مواجهتها تمامًا, تاركًا حقدها لي يُحرقني ويُحول روحي إلى رماد مُشتعل..

 

سمعتُها بعذاب تتكلم بنبرة كارهة

 

" حقير وجبان.. لا تستطيع مواجهتي الآن لأنك مُجرد رجل لعين وجبان وقذر.. أنا لم أُدافع عنكَ في الأمس, بل كنتُ أحاول منع والدي من قتلك كي لا يتحول إلى مُجرم بسببك.. أنا أكرهُك ميغيل استرادا ولن أوافق على الزواج منك مهما حدث.. عندما تخرج من المستشفى حاول ما في وسعك لمنع حدوث الزفاف "

 

لم أستطع الرد, كانت الكلمات تخنقني, والوجع في قلبي يزيد.. كنتُ أعلم بأنني ظلمتُها كثيراً, وأنه يجب عليّ مواجهة الحقيقة, لكن في هذه اللحظة, لم أستطع النظر في عينيها, كان من الأفضل لي أن أبقى في صمتي المؤلم..

 

" أكرهُك بجنون ميغيل استرادا.. وصدقني سأقتُلك بنفسي إن لم توقف الزفاف بأي ثمن "

 

ثم قالت ساريتا بصوت مُختنق من الألم

 

" أنتَ جبان, ميغيل.. جبان وكاذب.. أكرهُك لكل ما فعلتهُ بي "

 

سمعت خطواتها تبتعد ثم سمعت صوت الباب ينفتح, وخرجت ساريتا بعدها وأغلقت الباب بهدوء خلفها, تاركة وراءها صمتًا موحشًا.. ثم سمعتُها تتكلم مع أحد وعرفت على الفور بأنهُ والدها

 

" أبي, ميغيل قد نام الآن, فهو ما زال مُتعباً.. يمكنك زيارتهُ في الغد برفقة والدتي.... "

 

بعدها لم أسمع كامل حديثها لأنهم ابتعدوا عن الغرفة.. هنا غرقت الغرفة في صمت مطبق, حيث شعرت بأن الغرفة تضيق عليّ.. ثم, وكأن السد قد انكسر, بدأت أبكي بصوت مُرتفع.. كنتُ مستلقيًا على السرير, دموعي تسيل بحرارة على وجهي, وجسدي يرتجف من شدة البكاء..

 

كل لحظة من كلام ساريتا الجارح كانت تتردد في ذهني, كل كلمة كانت كالسيف يخترق قلبي.. شعرت بالعار والخزي والندم يغمراني كالموج العاتي.. كنتُ أدرك الآن أن أفعالي قد دمرت كل شيء جميل, وأنني قد فقدت ساريتا إلى الأبد..

 

هنا أطلقت صرخة عميقة متألمة وشرعت أبكي بجنون وأنا أهمس ببكاء وبعذاب لا مثيل لهُ

 

" سامحيني حبيبتي, سامحيني أرجوكِ.. أنا آسف.. آسف.. آسف.. لم أكن أعرف فراشتي.. لم أكن أعرف.. كان يجب أن أموت في الأمس.. أنا أستحق الموت بسبب ما فعلتهُ بكِ.. لقد اغتصبتكِ وأهنتكِ وعذبتكِ حبيبتي.. سامحيني... "

 

استمريت في البكاء, وصوت البكاء تحول إلى شهقات مكتومة, وجسدي كان يرتجف من الألم.. كنتُ أشعر بالعجز الكامل, وكأن كل طاقة الحياة قد تلاشت مني.. حاولت رفع يدي لأمسح دموعي, لكن شعرت بالضعف الشديد حتى في هذه الحركة البسيطة..

 

كانت دموع ميغيل تُعبر عن عمق الألم الداخلي, عن الذكريات المؤلمة, وعن الشعور بالذنب الذي لا يمكن محوه.. كان يتمنى لو يستطيع إعادة الزمن إلى الوراء, ليصحح أخطاءه ويحصل على ثقة وحب ساريتا, لكنه كان يعرف أن هذا مستحيل...

 

في وسط هذا العذاب, أدرك ميغيل أنه يجب عليه أن يواجه حقيقة أفعاله, وأن يحاول بكل ما أوتي من قوة أن يكفر عن خطاياه, مهما كان الثمن.. لكنه في هذه اللحظة, لم يكن قادرًا على رؤية أي بصيص أمل, وكان كل ما يراه هو الألم والندم الذي يغمره..

 

مرت دقائق, وربما ساعات, وهو في حالة البكاء والعذاب هذه, حتى غرق في نوم مضطرب, والدموع لا تزال تتساقط على وجهه, تعبيرًا عن الألم الداخلي الذي لا ينتهي..

 

 

ساريتا**

 

داخل جناح الضيوف الفخم في قصر المتادور, دخلت ساريتا بخطوات بطيئة ومترددة, تحاول السيطرة على مشاعرها المتضاربة.. الجو كان مشحونًا بالتوتر, والإضاءة الخافتة تضفي على المكان شعورًا بالكآبة.. نظرت حولها لتجد والدها, ليون, واقفًا أمامها بوجه جاد وعينين متفحصتين..

 

تكلم ليون بنبرة هادئة ولكنها تحمل في طياتها الكثير من الجدية

 

" ساريتا, أريد أن أسألكِ سؤالاً, وأريد إجابة صادقة منكِ "

 

أومأت بخوف موافقة, تنهد والدي بقوة, وسألني بنبرة هادئة

 

" هل أنتِ فعلاً حامل بطفل ميغيل أم كذبتِ عليّ لإنقاذه من الموت على يدي الليلة؟ "

 

بلعت ريقي بصعوبة, وشعرت بثقل السؤال يضغط على صدري.. نظرت إلى والدتي روزا, التي كانت تقف بجانب والدي بوجه ممتلئ بالقلق.. ثم نظرت مرة أخرى إلى والدي, وعرفت أنه لا مفر من الحقيقة.. سيكتشف والدي وبسرعة بأنني كذبت عليه..

 

" لا, لستُ حامل يا أبي "

 

اعترفت بصوت مرتجف بينما كنتُ أنظر بخجل وبتوتر إلى والديّ.. وتابعت قائلة بصوتٍ مُرتعش

 

" كذبت عليك حتى لا تقتل ميغيل.. كنتُ خائفة أن تفعل شيئًا لا يمكن إصلاحه "

 

اشتعلت عينا ليون بالغضب, وملامحه أصبحت قاسية.. ارتعشت يداي بقوة عندما سألني والدي بنبرة غاضبة

 

" إذن, هل كذبتِ عليّ كذلك عندما قلتِ بأن ميغيل لم يغتصبكِ؟ "

 

ترددت للحظة, ثم أجبته بتوتر

 

"لا أبي, لم اكذب عليك, ميغيل لم يغتصبني "

 

كنتُ أعلم بأن والدي سيقتل ميغيل الليلة إن أخبرتهُ الحقيقة, وبسبب حُبي اللعين لـ ميغو لم أستطع قول الحقيقة لوالدي..

 

سألني والدي للمرة الثانية بنبرة قاسية وجافة

 

" ساريتا, أنتِ لا تكذبين عليّ؟ هل تقولين الحقيقة؟ ميغيل استرادا لم يغتصبكِ؟ "

 

أجبتهُ بصوتٍ مُنخفض

 

" لقد قلتُ لك الحقيقة أبي.. ميغيل لم يغتصبني "

 

نظر ليون إلى ابنته بتفحص, ثم سأل بغضب مكبوت

 

" إذاً لماذا قلتِ له الليلة أنهُ اغتصبكِ ويجب عليه أن يدفع الثمن غاليًا؟ لقد سمعتُكِ ما أن اقتربت من باب الغرفة, بل جميعنا سمعنا ما قلتهِ له في تلك اللحظة "

 

شعرت بأن الأرض تهتز تحت قدماي, أخذت نفسًا عميقًا قبل أن أُجيبه بتوتر

 

" كنتُ أبتز ميغيل كي لا تتم خطوبته على مارتا.. قلت ذلك لأنها كانت آخر طريقة لي لأحتفظ به.. أنا أحبهُ يا أبي "

 

كانت الكلمات تخرج من فمي بصعوبة, وكنتُ أشعر بثقل الحقيقة والتي قد يكشفها والدي بسرعة وفي أي لحظة الآن.. كنتُ أعرف أن ما فعلته خطأ, لكن كنتُ مستعدة لفعل أي شيء من أجل حُبي اللعين لـ ميغيل.. إن مات لن أتحمل ذلك أبداً, خاصةً إن مات على يد والدي ليون..

 

نظر ليون إلى ابنته بحزن عميق, وبينما كان على وشك التكلم تجمدت الكلمات في فمه ونظر إلى ابنته وزوجته بنظرات مُتعجبة, ثم همس بدهشة كبيرة

 

" ما هذه الصرخات؟ ماذا يحدث في قصر المتادور؟ "

 

نظرت بتوتر إلى والدي, وهتفت بخوف

 

" هناك من يصرخ لطلب الإسعاف! يجب أن نخرج ونرى ما يحدث "

 

وما أن حاولت التحرك من مكاني, أمسك والدي ذراعي ونظر إليّ بنظرات جامدة, ثم قال بهدوء مخيف

 

" ساريتا, ادخلي إلى غرفة النوم واستريحي.. نحن مُجرد ضيوف هنا في قصر ماتادور.. سنعرف لاحقاً ما يحدث "

 

حاولت الاعتراض هاتفة بقلق

 

" لكن أبي, ماذا لو أصاب صديقتي أريا أي مكروه؟ لقد رأيتُها منذ قليل على السلالم "

 

بلعت ريقي بقوة عندما تأملني والدي بنظرات غاضبة, ثم هتف بقسوة وبأمر

 

" نفذي ما طلبتهُ منكِ ساريتا.. أنتِ لن تخرجي من هذا الجناح إلا بأمر مني "

 

نظرت إلى والدي بحزن ثم دخلت إلى احدى غُرف النوم وجلست بقهر على السرير وأنا أُكتف كلتا يداي على صدري..

 

بعدما غادرت ساريتا الغرفة ودخلت إلى احدى الغُرف, وقف ليون في مكانه للحظات, ينظر إلى الفراغ.. التفت إلى زوجته روزا التي كانت تنظر إليه بقلق وحزن, وقال لها بحزنٍ عميق وبخيبة أمل كبيرة

 

" روزا, ابنتنا تكذب "

 

ثم قال ليون بصوت خافت مُحمل  بالألم

 

" لقد كذبت علينا أكثر من مرة هذه الليلة.. لا أعلم ماذا حدث لها, ولا أعرف ما فعلهُ بها ميغيل استرادا, ولا أعلم كيف يمكننا مساعدتها.. لكن قلبي يؤلمني على ابنتنا الوحيدة.. أنا أعرف ابنتي جيداً, من المستحيل أن تُسلم نفسها وجسدها لأي رجل مهما كانت تحبه خارج إطار الزواج.. لقد قمنا بتربيتها بشكلٍ جيد, ساريتا من المستحيل أن تفعل ذلك وتُرخص من قيمتها ومن شرفها وشرف عائلتها "

 

أخذت روزا بيد زوجها بلطف, محاولة تهدئته.. ثم قالت له بنبرة حنونة ولكن بصوت مُنخفض كي لا تسمعهم ساريتا من داخل غرفتها

 

" ليون, ربما الحُب غير ابنتنا.. إنها تُحب ميغيل بشدة, وهذا الحب جعلها تفعل أشياء لا تُصدق.. نحن نحتاج أن نفهمها وندعمها, حتى لو كانت تُخطئ "

 

أغمض ليون عينيه للحظة, محاولاً استجماع أفكاره.. ثم نظر إلى زوجته وهو يُفكر, كان يعلم أن الطريق أمامهم لن يكون سهلاً, ولكن كان عليه أن يجد طريقة لمساعدة ابنته, مهما كان الثمن..

 

نظر ليون إلى زوجته, ثم قال بصوتٍ مُنخفض

 

" سأفعل ما بوسعي لمساعدة ابنتنا.. ولكن يجب علينا أن نكون حذرين, لأننا نتعامل مع مشاعر معقدة وأكاذيب متشابكة.. علينا أن نكتشف الحقيقة الكاملة "

 

أمسك ليون بيد زوجته وضمها برقة, ثم تابع قائلا بغصة

 

" روزا, حبيبتي.. أريدُكِ هذه الفترة أن تظلي بجانب ابنتنا, لا أريدُكِ أن تبتعدي عنها للحظة واحدة.. وحاولي جعلها تُخبركِ حقيقة ما حدث بينها وبين ميغيل استرادا منذ وصولها إلى قصره.. إن كانت ساريتا تقول الحقيقة سيتم زواجها في موعده على ميغيل.. أما إن كانت تكذب و ميغيل اغتصب ابنتي فعلا, سأقتلهُ بنفسي وسأشرب كذلك من دمائهِ النتنة "

 

هزت روزا رأسها موافقة, وعيناها تلمعان بالدموع.. ثم قالت بصوتٍ مبحوح

 

" سنفعل ذلك معًا, ليون.. سنقف بجانب ابنتنا ساريتا, ونحميها من الجميع "

 

أومأ ليون موافقاً, ثم نظر بدهشة باتجاه الشرفة عندما سمع صوت صفارات سيارة الإسعاف.. سمع زوجتهُ روزا تسألهُ بقلق

 

" هذه سيارة إسعاف!.. ما الذي يحدث هنا في القصر؟ "

 

حاولت روزا الاقتراب من الشرفة, ولكن ليون أوقفها بسرعة, إذ هتف بتصميم قائلا لها

 

" لا تخرجي.. لا نريد التطفل على عائلة المتادور.. لو كانوا بحاجة للمساعدة كنا سنعرف وبسرعة.. أتمنى أن يكون الجميع بخير "

 

داخل غرفة ساريتا**

 

كانت ساريتا تجلس على الأريكة المخملية الفاخرة في غرفة النوم الواسعة والمضاءة بنعومة من الأضواء الخافتة المنبعثة من الشمعدانات الذهبية المثبتة على الجدران المزينة بلوحات زيتية قديمة.. كانت الغرفة مضاءة بأضواء ناعمة تعكس رفاهية المكان, لكن ذلك لم يخفف من حُزن ساريتا.. كان المساء هادئًا في قصر المتادور, ولكنه لم يكن هادئًا في قلب ساريتا.. كانت ترتدي ثوبًا طويلًا من الساتان الكُحلي اللون الذي يعكس بريقه اللامع بهدوء على الأثاث الفخم المحيط بها..

 

كانت عيناها مغمضتين ووجهها مشوهًا من الألم, والبكاء يتسلل من أعماق روحها ليملأ الغرفة بصوت مكتوم.. كانت دموعها تتساقط على خديها بصمت, وهي تفكر في الرجل الوحيد الذي أحبته بصدق في حياتها, ميغيل استرادا..

 

كانت تتذكر بوضوح كيف كان ميغيل على وشك الموت برصاصة والدها الليلة, وكيف أنقذته في اللحظة الأخيرة عندما تحركت بسرعة ورفعت يد والدها ليون عالياً, مباعدة بينه وبين المسدس.. تلك اللحظة التي تحركت فيها ساريتا بسرعة ورفعت يد والدها ليون عاليًا, لم تغادر ذهنها.. كان قلبها يتفجر بالألم والخوف من أن يفقد ميغيل حياته بسببها..

 

مسحت ساريتا دموعها بأناملها الرقيقة, وهمست بحزن عميق

 

" رغم كل ما فعلهُ ميغيل بي, لا أريده أن يموت بسببي.. أحبه بكل جوارحي "

 

كانت كلماتها تعبيراً صادقاً عن حُبها العميق الذي لا يزال ينبض في قلبها..

 

فجأة, وقفت بسرعة وشهقت بقوة ووضعت يدي على قلبي, هامسة بذعر

 

" ميغيل! "

 

نظرت حولي بضياع, غير قادرة على فهم سبب الخوف المفاجئ على ميغيل في هذه اللحظة.. حاولت أن أهدأ, لكن لم أستطع, إذ لم أستطع التخلص من هذا الشعور المُقلق في قلبي.. هززت رأسي لتطرد هذا الشعور المُقلق وقررت أن أنام..

 

نظرت إلى حقيبة ملابسي التي وضعها الخدم منذ قليل في الغرفة, وبحزن خلعت فستاني ودخلت لأستحم.. كانت المياه الدافئة تهدئ جسدي قليلاً, لكنها لم تستطع تهدئة عواطفي المتضاربة..

 

استيقظت في الصباح الباكر, ونزلت إلى الطابق الأرضي برفقة والديّ.. كانت الشمس تشرق وتضفي نورها على القصر الفخم, لكن داخلي كان لا يزال مظلماً بالحزن والقلق..

 

كان القصر يبدو هادئًا بشكل غير اعتيادي, عندما جلست بهدوء على طاولة الإفطار المزينة بأفضل الأدوات الفضية والخزفية, ولكن لاحظت بسرعة غياب المتادور وجدته أم العشيرة, السنيورا رامونا دي غارسيا..

 

وما هي سوى لحظات حتى دخلت كارميتا, ابنة عم المتادور, وألقت التحية على الجميع بنبرة حزينة قائلة

 

" صباح الخير, أعتذر منكم على غياب المتادور سلفادور وجدتي رامونا.. شقيقي خوان كان يُنظف مسدسهُ في الأمس وخرجت رصاصة بالخطأ وأصابته.. هو الآن في المستشفى "

 

نظرت إليها بحزن وقلتُ لها بصدق

 

" ما حدث مع شقيقكِ أمر مؤسف فعلاً.. أتمنى لهُ الشفاء العاجل "

 

شكرتني كارميتا, ثم سمعت والدي يُكلمها بنبرة حزينة

 

" سمعنا ضجيجاً في ليلة الأمس وصوت صفارات سيارة الإسعاف, لكن لم نرغب في التطفل.. نشعر بالحزن بسبب ما حدث لشقيقك خوان, ونتمنى له الشفاء العاجل سنيوريتا "

 

شكرته كارميتا بامتنان, لكنها فجأة نظرت إليّ وقالت

 

" لكن هناك شيء آخر... ميغيل كذلك تعرض لحادث سير مساء الأمس بعد انتهاء الحفل, وهو أيضاً في المستشفى "

 

تجمدت نظراتي على وجه كارميتا ونظرت إليها بصدمة عميقة


رواية المتادور - فصل 25 - خطة جميلة ودموع


 

توسعت عيناي ونظرت إليها بفزع.. فجأة, وقفت وصرخت بذعر شديد

 

" ميغيل! "

 

بدأت أبكي وأنتحب بشكل هستيري بينما جسدي كان يرتعش بجنون, وكنتُ غير قادرة على السيطرة على مشاعري.. كان الخوف على ميغيل يُسيطر على كل جزء من كياني..

 

وقف ليون مع زوجته روزا بسرعة واقتربا من ساريتا, وحاولا تهدئتها.. كان ليون يقول بلطف وهو يُعانق ابنته

 

" ساريتا, اهدئي.. سيكون بخير "

 

لكن كنتُ غارقة في عالم الخوف.. كنتُ أبكي بشكل هستيري وأنا أهمس بفزع باسم ميغيل.. شعرت بالخوف الشديد على ميغو وقلبي على وشك أن ينفجر من سرعة نبضاته.. نظرت إلى والدتي وهتفت ببكاء مرير بينما كنتُ أمسك كلتا يديها

 

" أمي, أريد أن أرى ميغيل.. يجب أن أذهب إليه.. أريد رؤيته, أرجوكِ "

 

ثم نظرت إلى والدي, وهتفت لهُ بتوسُل

 

" أبي, أرجوك.. خذني إلى المستشفى في الحال, أريد أن أرى ميغيل وأطمئن عليه.. أرجوك, أبي "

 

تأملني والدي بنظرات حزينة, ثم أومأ موافقاً.. احتضنتني والدتي روزا بقوة, وحاولت تهدئتي بلمساتها الحانية.. ثم قالت بنبرة حنونة

 

" ابنتي, لا تخافي, سنذهب حالاً.. لا تقلقي يا عزيزتي, ميغيل سيكون بخير "

 

حاول ليون وزوجتهِ روزا تهدئتها بقدر ما يستطيعان, وأخذا بيدها بحنان ليقوداها خارج القصر.. كان قلبهما مليئاً بالحزن على حال ابنتهما, لكنهما كانا مصممين على فعل كل ما بوسعهما لتهدئتها وتقديم الدعم الذي تحتاجه في هذه اللحظات العصيبة.. غادروا القصر بسرعة, وركبوا السيارة متوجهين إلى المستشفى, كل منهم يحمل في قلبه أمل أن يجدوا ميغيل بخير..

 

عندما دخلت إلى غرفة ميغيل في المستشفى, شعرت بارتعاش في قلبي وكأن الهواء قد اختفى من حولي.. كانت الغرفة مليئة برائحة الأدوية والمطهرات, وصوت الأجهزة الطبية أضاف من توتري.. هناك على السرير الأبيض, كان ميغيل مستلقيًا, وجهه شاحب جدًا, وجروح وكدمات تملأ جسده.. ولكن لفتَ نظري الجرح العميق فوق حاجبه الأيمن وكدمة كبيرة تغطي جزءًا كبيرًا من وجهه جعله يبدو وكأنه خرج من معركة شرسة..

 

شعرت بالذعر بينما كنتُ أقترب بسرعة من السرير, لم أستطع منع دموعي من الانهمار بينما كنتُ أرى حبيبي في هذه الحالة.. وقفت بجانب السرير ومددت يدي ببطء نحو ذراعه, لمستُها برقة كأنني أخشى أن أجعلهُ يتألم أكثر.. نظرت بقلق إلى الجراح والكدمات على ذراعيه وكتفه الأيمن, والجرح العميق أسفل خصره كان يزيد من خوفي عليه..

 

نظرت إلى ميغيل والذي كان يدير وجهه إلى الناحية الأخرى, ولم أستطع رؤية سوى القليل من وجهه.. مسحت دموعي بسرعة وهمست بصوت مُهتز

 

" ميغيل, أنا هنا, ولن أتركك.. أنتَ بخير؟ "

 

لكن رد ميغيل جاء قاسيًا كالسيف, حيث أبعد ذراعه عن قبضتي بشدة وقال بحدة

 

" لا تلمسيني, غادري الغرفة "

 

تجمدت في مكاني للحظة, لم أستطع تصديق ما سمعته.. شعرت بجرح عميق في قلبي.. كلماته كانت كالسيف الذي مزق روحي.. ومع ذلك, قررت أن أتظاهر بالقوة أمامه.. كذبت عليه بمرارة, محاولة إخفاء حُبي العميق خلف قناع من القسوة.. وقلتُ لهُ كلمات مليئة بالألم والزيف.. كذبت عليه, وكل كلمة نطقت بها كانت تخنقني..

 

ثم استدرت بسرعة وغادرت الغرفة.. حاولت عدم البكاء والسيطرة على نفسي أمام والديّ اللذين كانا ينتظراني خارج الغرفة بقلق.. حاولت التماسك, ولكن الألم كان يُمزقني من الداخل..

 

عندما وصلنا إلى قصر المتادور, استأذنت من والدايّ بصوت متعب

 

" أنا متعبة قليلا, سأصعد إلى غرفتي "

 

نظرا إليّ بحنان وأومآ برأسيهما موافقين, وعندما صعدت إلى غرفتي, انهرت تمامًا.. جلست على السرير وأخفيت وجهي بين يداي وغرقت في بكاء شديد.. كانت دموعي تسيل بلا توقف, تُمزق قلبي وتعتصر روحي..

 

أنا أُحب ميغيل بصدق, ورؤيتي لهُ في تلك الحالة المؤلمة وتلك الكلمات الحادة التي وجهها لي زادت من ألمي..

 

شعرت بالندم لأنني كذبت عليه, لكن كنتُ أعرف أنني لا أستطيع تحمُل فكرة فقدانه, حتى لو كان يجب عليّ أن أتظاهر بالعكس..

 

كانت كلمات ميغيل القاسية تتردد في ذهني, تزيد من ألمي ومُعاناتي.. ولكن رغم كل شيء, لم أستطع أن أكره ميغيل حقًا.. حُبي له كان أعمق من أي جرح أو إهانة, وهذهِ الحقيقة تُمزقني من الداخل..

 

في هذه اللحظات المظلمة, شعرت بأنني وحيدة تمامًا, أتألم بشدة في صمت هذه الغرفة الفخمة..

 

وبعد مرور وقتٍ طويل, مسحت دموعي ونظرت بحزن أمامي وهمست برقة

 

" لماذا أحببتُك ميغيل استرادا؟ حُبي لك هو سبب دماري "

 

ابتسمت بمرارة ثم همست بحزن

 

" سأحتفظ في قلبي بحُبي لك.. سأتحمل وجعي وعذابي, المهم أنك بخير "

 

استمرت ساريتا في البكاء, لكن في قلبها كان هناك بصيص أمل بأن الغد قد يجلب معه فرصة جديدة, فرصة لتصحيح الأخطاء واستعادة ما فقدته..

 

 

 

خانتو بارفيو**

 

كانت باحة القصر الأمامية تنبض بالحياة والرجال يتحركون بانضباط وتناسق وكل في موقعه.. وقف خانتو, الصديق المُقرب ورئيس حرس خوان دي غارسيا, بهيبة تليق بمكانته, منتظرًا بفارغ الصبر نزول خوان برفقة شقيقته كارميتا, وأم العشيرة السنيورا رامونا, وطبعا مع المتادور سلفادور.. كان الهواء منعشًا, والأضواء تضيء الباحة الفخمة بنعومة, بينما سياراتهم الفاخرة تنتظر بصبر..

 

شعر خانتو بحزن عميق يعتصر قلبه عندما رأى حُب حياته, كارميتا دي غارسيا, تخرج من القصر برفقة المتادور سلفادور.. كان سلفادور يضع يده بحميمة على ظهرها, ويمشيان جنبًا إلى جنب باتجاه السيارة الفاخرة., كان مشهدًا مفعمًا بالحميمية, لكن خانتو شعر بأن قلبهُ يتكسر ببطء وهو يراقب حُب حياته تسير بجانب رجل آخر..

 

راقب خانتو بتوتر وبحزن شديد كارميتا وهي تجلس على المقعد بجانب السائق وهي تضحك بسعادة..


رواية المتادور - فصل 25 - خطة جميلة ودموع


جلست كارميتا على المقعد بجانب السائق, وكانت تضحك بسعادة لأنها ستذهب الليلة برفقة سلفادور إلى الحفل.. كانت ابتسامتها تضيف نورًا إلى الليل, ولكن بالنسبة لـ خانتو كانت كسكين يغوص في قلبه, وكسهم ناري يخترق روحه..

 

بدأ خانتو يُفكر بحزن وألم بحبه المستحيل لـ كارميتا, الذي كان ينمو منذ اللحظة الأولى التي شاهدها فيها عندما كان مُراهقاً وأتى إلى القصر برفقة والده الذي عمل كسائق خاص للسنيور ألمادوا, والد خوان.. فمنذ تلك اللحظة, وقع في حبها بلا رجعة..

 

كانت الأفكار تتزاحم في عقل خانتو, كان يعرف أن حلمهُ الكبير بأن تحبه كارميتا في يوم من الأيام لن يتحقق أبداً بل مستحيل, خاصة لأنها واقعة في عشق ابن عمها سلفادور..

 

وبينما كان خانتو يُفكر بحزن وألم كبير في هذا الحب المستحيل, فجأة, اقترب منه خوان وهمس في أذنه, حتى لا يسمعه أحد من رجاله, قائلاً

 

" خانتو, توقف عن النظر إلى شقيقتي كارميتا.. يجب أن تحاول نسيانها, فهي لن تحبك أبدًا "

 

انتفضت بخفة, إذ فاجأني خوان بحركته وكلماته.. ابتسم خوان بحزن وتابع بهمس قائلا حتى لا يسمعه رجاله

 

" حان الوقت لكي تنسى حُبك لها.. من المستحيل أن تنظر إليك كارميتا كما تنظر إلى سلفادور, هي للأسف تعشق ابن عمي بجنون "

 

تابع خوان بحزن بعد أن رأى نظراتي الحزينة له

 

" كنتُ أتمنى لو أن شقيقتي كارميتا تنسى حُبها المستحيل لـ سلفادور وتقع في حب شخص آخر, شخص يستطيع أن يحبها بحق, مثلك.. ولكن القدر لم يكن في صالحك, صديقي "

 

ابتسمت بمرارة, إذ كنتُ أعلم بأن صديقي خوان كان يحاول مُساعدتي, لكن الألم كان عميقاً جداً بداخلي.. خوان هو الوحيد الذي يعرف سري, سر حُبي العميق لشقيقتهِ كارميتا.. رغم أنني أنحدر من عائلة فقيرة ولا أمتلك الكثير من المال, لكن خوان كان دائما يتمنى لو كانت كارميتا تعشقني بدلا عن سلفادور..

 

منذ لقائي الأول بـ خوان أصبحنا أصدقاء.. أحببتهُ بصدق وكنتُ وسأظل دائماً مُخلصاً له.. ورغم محاولات خوان العديدة لمساعدتي مادياً, إلا أنني رفضت أخذ فلساً واحداً منه غير راتبي طبعاً, ومع ذلك خوان كان كريماً جداً معي ومع عائلتي, فهو يُرسل دائما المال لوالدتي وأشقائي رغم اعتراضي الشديد على ما يفعله.. ولكن كنتُ كلما أعترض على سخائه ومساعدتهِ لعائلتي إلا أن خوان كان يُهددني بأنهُ لن يتكلم معي مرة أخرى إن اعترضت ورفضت ما يفعله ليساعد عائلتي..

 

رافقت بصمت خوان وأم العشيرة, متجهين برفقة الحراس إلى قصر ميغيل استرادا.. كان الوقت يمضي ببطء, وكل لحظة تزيد من ثقل الألم على قلبي..

 

عندما وصلنا إلى القصر, كانت الأضواء الفخمة والتصميم الراقي يُضيف جمالاً إلى الحفل.. راقبت من بعيد كارميتا تجلس على الطاولة برفقة عائلتها, تضحك وتبتسم للسنيور سلفادور طيلة الوقت.. كنتُ أُراقبها من بعيد وأنا لا أستطيع إلا أن أشعر بمرارتي وحُزني يزدادان.. وقلبي كان يُعاني بصمت..

 

كانت الأضواء اللامعة والضيوف والموسيقى الجميلة تشكل إطاراً رائعاً للحفل, لكن أنا لم أستطع الاستمتاع بأي منها.. كانت عينيّ تتابعان كارميتا, وهي تبدو كالأميرة بجانب فارسها, المتادور سلفادور..

 

افتتح السنيور ميغيل الحفل برقصتهِ الأولى مع خطيبته مارتا.. كنتُ أقف في الخلف أُراقب من بعيد, غير قادر على الاقتراب وإمساك كارميتا وإبعادها عن المتادور..

 

كنتُ أعلم أن حُبي لـ كارميتا كان مستحيلاً, لكن ذلك لم يُخفف من ألمي.. كنتُ أُشاهدُها وهي تتحدث مع سلفادور, تضحك وتبتسم بسعادة, وكأن العالم كله يتمحور حولهما..

 

ابتلعت غصة مؤلمة في قلبي, محاولاً أن أكون قوياً.. كان دوري كرئيس للحرس يتطلب مني التركيز والانتباه, لكن لم أستطع منع نفسي من التفكير في تلك اللحظات التي رأيت بها كارميتا لأول مرة, طفلة جميلة في التاسعة من عمرها تركض في حدائق القصر, وكيف كبر حُبي لها يوماً بعد يوم..

 

فجأة, غادر ميغيل الصالة وترك خطيبته بمفردها تقف مثل الحمقاء وهي تنظر خلفه بذهول.. وبدأ التوتر ينتشر بين الضيوف.. راقبت بقلق عندما تبعه المتادور بسرعة.. كانت الهمسات تدور بين الحاضرين, وكلهم يتساءلون عما يحدث..

 

وبعد مرور أكثر من ربع ساعة, عاد سنيور ميغيل إلى الصالة الفخمة, واعترف أمام الجميع بحبه لامرأة أخرى تُدعى ساريتا كاريلو.. بدأ الناس يهمسون بالفضيحة, وكان الكلام السيء يدور حول ميغيل.. ولكن فجأة وقف خوان أمام الجميع وهتف بملء صوته بأن مارتا امرأة خائنة إذ قامت بخيانة ميغيل معه.. في هذه اللحظة, شعرت بالفخر بصديقي خوان, هو رجل رائع بحق..

 

كان الجو مليئًا بالتوتر, ولكن خوان بكلماته الجريئة, منحَ ميغيل الدعم الذي يحتاجه.. نظرت إلى صديقي بحب واحترام, متمنياً لو أن كارميتا تستطيع رؤية قوته وشجاعته كما أراه.. كارميتا للأسف ليست مُقربة كثيراً من شقيقها خوان وهذا يُحزنني..

 

فجأة أشار لي خوان من بعيد لأقترب منه, وبأقل من ثواني أصبحت أمامه.. تأملني خوان بنظرات جادة قائلا

 

" خانتو, أريدُك أن تأخذ جدتي وشقيقتي إلى القصر.. سأبقى قليلا حتى أطمئن على سلفادور وصديقه ميغيل "

 

أجبتهُ موافقاً, ولكن قبل أن أتحرك من مكاني, تابع خوان قائلا بهمس

 

" هل أنتَ متأكد بأن رجالي في القصر يُراقبون أريا جيداً؟ لا أريدها أن تهرب مرة أخرى "

 

ابتسمت بخفة, وأجبته بثقة

 

" نعم, خوان.. هم يراقبونها جيداً أثناء غيابي عن القصر.. أريا لن تستطيع الهروب مرة أخرى.. لا تقلق صديقي, عندما أصل إلى القصر سوف أُراقبها بنفسي مثل العادة "

 

هز خوان رأسهُ موافقاً وقال بأنهُ يثق بي ثقة عمياء, ثم ابتعد عني.. اقتربت من أم العشيرة و كارميتا وقلتُ لهما باحترام

 

" سنيورا, سنيوريتا, لو سمحتما رافقاني.. سنيور خوان طلب مني أن أُخرجكما من هنا وأُعيدكما إلى القصر "

 

وقفت السنيورا رامونا وقالت بحزن

 

" من الأفضل أن نذهب الآن ونعود إلى القصر.. هذه الفضيحة ستكون على لسان جميع أهالي اكستريمادورا منذ هذه اللحظة "

 

ابتعدت السنيورا رامونا برفقة بعض من رجالي.. اقتربت ووقفت بجانب كارميتا وقلتُ لها بنبرة حنونة

 

" سنيوريتا, رافقيني لو سمحتِ "

 

رفعت يدي نحوها لأمسك يدها, لكن كارميتا نظرت إلى يدي بقرف, ثم رفعت نظراتها وتأملتني بغضب, وهمست بحقد كبير

 

" وكأنني سأسمح لك بلمس يدي أيها المُغفل.. لا أريد أن أُصاب بجرثومة إن لمستني.. ابتعد من أمامي فأنا لا أحتاج لمساعدتك لأمشي أيها الأحمق "

 

نظرت إليها بحزن بينما قلبي كان ينزف من الألم.. منذ صغرها كرهتني كارميتا بجنون, ولم أكن أعرف السبب.. ربما لأنني فقير.. للأسف رغم مُعاملتها القاسية لي إلا أنني مثل الغبي ظللت أُحبها..

 

تنهدت بعمق ومشيت خلفها.. وبينما كنتُ أقود السيارة باتجاه قصر المتادور, تمنيت لو بإمكاني إزالة حُبي لـ كارميتا من قلبي, ولكن كنتُ أعلم بأنني لن أستطيع فعل ذلك مهما حاولت..

 

عندما وصلنا إلى القصر, ظللت في الخارج لمراقبة القصر جيداً, طبعاً لمراقبة أريا وعدم السماح لها بالهروب إن حاولت فعل ذلك.. ولدهشتي الكبيرة رأيت أريا تخرج من القصر وهي تنظر حولها بتوتر.. كانت ستهرب المسكينة ولكن منعتُها من فعل ذلك ورافقتُها إلى غرفة خوان..

 

لكن ربما ما فعلته الآن كان أكبر خطأ ارتكبته في حياتي.. فما أن وصل خوان إلى غرفته أخبرته عن سبب وقوفي أمام الباب, تعجبت من هدوئه ولأنهُ ابتسم..

 

طلب مني خوان لأذهب وأستريح في غرفتي داخل مبنى الحراس, لكن ظللت واقف أمام السلالم بتردد.. شعور غريب بداخلي منعني من الذهاب, وظللت أقف في مكاني أنظر بتوتر.. فجأة, سمعت صوت طلقة نارية.. توسعت عيناي بذعر وهتفت بفزع لا يوصف باسم خوان, ثم ركضت ودخلت إلى غرفته..

 

كنتُ أقف في ساحة القصر الأمامية وأنا أنظر إلى يدي التي تلطخت بدماء خوان.. كنتُ أبكي بمرارة بعد ذهاب سيارة الإسعاف من القصر.. شعرت بالذنب بسبب ما حدث لصديقي.. لو تركت أريا تهرب لما كان خوان تعرض لطلق ناري, وهو الآن بين الحياة والموت بسببي..

 

ركضت وأخذت سيارة خوان وقدتُها مسرعاً إلى المستشفى, فقد سمعت رجال الإسعاف يتكلمون مع سنيورا رامونا وهم يخبرونها بأنهم سينقلون حفيدها إلى أقرب مستشفى من القصر..

 

عندما وصلت, دخلت إلى المستشفى وسألت موظف الاستعلامات عن خوان, فأخبرني بسرعة بأنهُ تم نقله إلى غرفة العمليات في الطابق السفلي الأول..

 

وقفت بعيداً خارج غرفة الانتظار القريبة من غرفة العمليات.. كنتُ أُراقب الجميع بحزن وبتوتر.. نظرت إلى كارميتا, شعرت بقلبي يعتصر بشدة عندما رأيتها مُنهارة وهي تبكي وتهتف لجدتها بأنها لن تتحمل إن حصل أي شيء لشقيقها..

 

في هذه اللحظة, تمنيت لو بإمكاني الدخول ومُعانقة كارميتا ومسح دموعها عن وجنتيها الشاحبتين.. تمنيت لو يُمكنني التخفيف من ألمها وضمها إلى  صدري بقوة.. والأهم تمنيت أن يكون صديقي بخير, إن حصل له أي شيء لن أُسامح نفسي أبداً...

 

سلفادور دي غارسيا**

 

بعد مرور ستة أيام على وجود خوان في المستشفى**

 

كان خوان يستلقي بهدوء على سريره داخل الغرفة الفخمة في المستشفى بعد مرور ستة أيام كاملة على وجوده بها.. كانت الغرفة مضاءة بنعومة, والأجهزة الطبية تحيط به, تصدر أصواتًا منتظمة, ولكنها لم تُخفف التوتر من قلبه القلق.. كان يشعر بالضعف والوهن والضياع, والجدران البيضاء تحيط به كأنها تضيق عليه..

 

كان خوان يتأمل السقف, يغوص في أفكاره العميقة والمليئة بالحزن.. كان يتذكر بمرارة كيف أطلقت أريا عليه النار بينما هو كل ما كان يريد فعلهُ أن يضمها إلى صدره ويعترف لها بأنهُ لن يؤذيها مرة أخرى..

 

في هذه اللحظة, دخل سلفادور الغرفة بخطوات هادئة, وقف بجانب السرير, ونظر إلى خوان بحزن وحب كبيرين..


رواية المتادور - فصل 25 - خطة جميلة ودموع

 

كانت عيناه تعبران عن الكثير من المشاعر التي لم تستطع الكلمات التعبير عنها..

 

اقتربت ببطء وأمسكت بيد خوان, شعرت ببرودة بشرته مُقارنة بحرارة مشاعري وجسدي.. أمسكت يد خوان بلطف, وقلتُ لهُ بثقة

 

" أنا سعيد لأنك بخير, خوان.. لا تحزن بسبب ما حدث لك.. أعلم أن الأمر صعب عليك تقبلهُ, لكنني أعدُك, سأفعل المستحيل من أجلك.. سأجلب لك أهم الأطباء في العالم حتى تُشفى بسرعة وتستطيع السير من جديد على قدميك "

 

ظل خوان صامتاً, ينظر إليّ بحزن عميق.. لم أستطع تجنب التفكير في حياتهِ السابقة وكيف تغيرت بشكل جذري في لحظة واحدة بسبب الخادمة أريا سيرانو..

 

شعرت بالألم بينما كنتُ أنظر إلى خوان, ابن عمي الرجل الذي يُرعب اسمهُ الجميع في اكستريمادورا, أصبح الآن رجُل مُقعد ومهزوم الروح ومُحطم..

 

تنهدت بحزن, ثم عانقت خوان بحذر, وهمست بتصميم

 

" سأساعدك بكامل قوتي, حتى لو تطلب ذلك صرف جميع أموالي وبيع ممتلكاتي كلها.. سأجعلك تمشي مجدداً على قدميك, لذا لا تحزن وكُن قوياً.. سنتخطى هذا معاً.. أعدُك بذلك "

 

ابتعدت عنهُ قليلا ونظرت إليه, ظل خوان صامتًا, لكنهُ كان ينظر إليّ بامتنان عميق وبتقدير.. لم يكن هناك حاجة للكلمات, فقد كانت العاطفة المتبادلة بيننا واضحة..

 

أخذت نفساً عميقاً قبل أن أتكلم بجدية مع خوان

 

" لقد وضعت أريا في الزنزانة داخل قصري.. وأخبرت رجال الشرطة بأنكَ تعرضتَ لطلق ناري بالخطأ بينما كنتَ تُنظف مسدسك الخاص, حتى يتم محاكمة أريا من قِبل عشيرتنا.. صديقي جواكين ساعدني كثيراً وأوقف التحقيق بسرعة بالحادث "

 

تغيرت ملامح وجه خوان بسرعة, إذ فجأة, نظر خوان إلى سلفادور بحدة, وقال بسرعة وبحزم

 

" لن تتم مُحاكمة أريا من قِبل العشيرة حتى أعود إلى القصر.. أريد أن أكون موجوداً عندما تتم مُحاكمتها.. سمعتني سلفادور؟ أريد أن يتم مُحاكمتها أثناء وجودي "

 

رفعت حاجبي عالياً ونظرت إلى خوان بنظرات مُتعجبة.. ابتسمت برقة, ووافقت على الفور قائلا له حتى يطمئن

 

" حسنًا, سأفعل ذلك.. فقط استرح الآن.. وتذكر وعدي لك, بأنك ستعود وتمشي مرة أخرى على قدميك.. سأعود لزيارتك في الغد "

 

وقفت للحظة, نظرت إلى ابن عمي بحزنٍ عميق قبل أن أُغادر الغرفة.. كنتُ أشعر بالألم على حال خوان, ولكن كنتُ مصممًا على فعل كل ما بوسعي لأُعيد إليه الحياة التي يستحقها..

 

غادرت المستشفى وأنا أشعر بثقل كبير على صدري.. كانت فكرة أن ابن عمي قد لا يمشي مجددًا تملأ قلبي بالحزن, ولكن كنتُ مصممًا على تحويل هذا الألم إلى قوة وعزيمة لمساعدة خوان في محنته..

 

وصلت إلى قصر الجوهرة وتوجهت مُسرعاً إلى الطابق السفلي الثاني حيثُ تقع الزنزانات.. مشيت بخطوات سريعة نحو الزنزانة الكبيرة, وما أن وقفت أمام الحُراس حتى تحركوا بسرعة وفتحوا باب الزنزانة أمامي وهم يُلقون التحية عليّ باحترام..

 

في الزنزانة الباردة والمظلمة داخل قصر المتادور, كانت أريا تجلس على الأرض, عيناها مليئتان بالخوف والقلق.. كان المكان مظلماً ورطوبته تزيد من شعورها بالعزلة رغم وجود صديقتها لينيا..

 

وقفت أمام بوابة الزنزانة بينما كنتُ أشعر بثقل في صدري.. كانت الزنزانة مظلمة قليلاً, والإضاءة الخافتة تزيد من شدة التوتر., نظراتي كانت صارمة بينما كنتُ أستعد لمواجهة الحقيقة.. دخلت الزنزانة بخطوات ثابتة وعينيّ تلمعان بالغضب والتصميم..

 

ما أن دخلت إلى الزنزانة, رأيت لينيا تقف بهدوء وهي تنظر إليّ بنظرات مذهولة وحزينة.. أبعدت نظراتي عنها ونظرت باتجاه أريا, التي كانت تجلس على الأرض, ملامح وجهها تظهر علامات الخوف والتوتر.. وقفت أريا بسرعة ونظرت إليّ بخوف بينما وجهها كان شاحب جداً..

 

بعد أن أغلقوا الحُراس الباب, نظرت إلى أريا بنظرات حادة, وسألتُها بينما عيوني كانت تفيض بالغضب

 

" أريا, لماذا أطلقتِ النار على ابن عمي؟ تلكمي, وإياكِ أن تكذبي عليّ, أريا.. إن كذبتِ عليّ لن أرحمكِ أبداً.. أريد أن أسمع الحقيقة الآن.. ماذا حدث بينكِ وبين خوان في تلك الليلة؟ "

 

رأيت أريا تنظر بذعر إلى لينيا.. نظرت بسرعة إلى لينيا ولدهشتي رأيتُها تُحرك رأسها بخفة وكأنها تُشجع أريا على التكلم معي..

 

تأملتني أريا بخوفٍ عميق, ثم رفعت رأسها ببطء ونظرت بذعر شديد في عمق عيناي.. ترددت للحظة, ثم قالت بصوتٍ هامس بالكاد سمعته

 

" صدقني ماتادور, لم أقصد فعل ذلك به.. كنتُ خائفة منهُ كثيراً... "

 

توقفت أريا عن التكلم, فسألتُها بسرعة

 

" لماذا كنتِ خائفة منه؟ "

 

رأيت أريا ترتعش بقوة, أخفضت نظراتها, ثم انطلقت الكلمات من فمها بسرعة, كأنها كانت تحتاج إلى إخراجها منذ زمنٍ طويل

 

" كنتُ خائفة.. كنتُ خائفة من أن يغتصبني من جديد... "

 

كانت كلماتها كالسهم الذي اخترق صدري.. تجمدت في مكاني للحظة, ثم اقتربت منها بسرعة, أمسكت كتفيها بقوة وسألتُها بحدة

 

" متى فعل ذلك؟ متى اغتصبكِ؟ وإن كنتِ تكذبين عليّ, سأقتلكِ بنفسي "

 

تجمدت أريا مجدداً, خوفها من سلفادور, والذي كان يبدو طاغياً.. لكنها رأت شيئاً في عينيه, ربما فرصة للخلاص..

 

رفعت أريا رأسها ببطء ونظرت في عمق عيناي بذعر, وقالت بصوتٍ مبحوح ومُرتجف

 

" لم أكذب عليكَ, سنيور.. لقد فعل ذلك قبل شهر ونصف.. جدتك, سنيورا رامونا, تعرف الحقيقة, لكنها هددتني ألا أتكلم.. قالت إنها ستخبر الجميع بأنني عشيقة خوان, وأنه لن يصدقني أحد إن قلتُ لهم الحقيقة بأن السنيور خوان قد اغتصبني "

 

أبعد سلفادور ببطء يديه عن كتفيها وتجمد بصدمة كبيرة, كل كلمة من كلمات أريا كانت تضربه كالمطرقة.. نظر إليها بعيون واسعة, عاجزًا عن تصديق ما يسمعه..

 

" خوان اغتصبكِ وجدتي تعرف؟ وهددتكِ؟ "

 

كانت كلماته تخرج بحذر, كأنها تتحطم في الهواء قبل أن تصل إلى مسامعه..

 

كانت أريا تبكي الآن, دموعها تتساقط بغزارة على وجنتيها الشاحبتين.. وبعذابٍ كبير سمعتُها تقول

 

" نعم, سنيور سلفادور.. أم العشيرة هددتني, كانت تخاف على سمعة العائلة.. قالت إن أحدًا لن يصدقني, وبأن الجميع سيعتقدون أني كاذبة "

 

تجمدت بصدمة كبيرة ولم أستطع النطق, الكلمات تحجرت في حلقي.. كانت الصدمة والخيبة تملآن وجهي.. لم أستطع تصديق ما سمعته, ولكن كنتُ أرى الصدق في عيني أريا المملوءتين بالخوف والألم والدموع..

 

شعرت بفراغ رهيب في داخلي, وكأن العالم بأسره قد انهار من حولي.. كيف يمكن لـ خوان أن يفعل شيئاً كهذا؟ وكيف يمكن لجدتي أن تتستر على مثل هذه الجريمة؟..

 

ساد الصمت الزنزانة, كان يمكن سماع صوت أنفاسي فقط.. نظرت بحزن عميق إلى أريا, كنتُ أشعر بالدمار, بالحزن, وبخيبة الأمل.. لم أكن أعرف ما الذي يجب عليّ فعلهُ بعد الآن..

 

تحولت مشاعر الغضب بداخلي إلى حزن عميق.. نظرت إلى أريا, رأيت امرأة مكسورة ومُحطمة, ضحية للخيانة والخوف والغدر..

 

قلتُ لها بصوت مُنخفض قبل أن أستدير وأُغادر الزنزانة بهدوء مخيف

 

" أنا آسف, بسبب ما فعلهُ خوان وجدتي بكِ "

 

نظرت إلى أريا للحظة أخيرة, ثم غادرت الزنزانة.. كانت خطواتي بطيئة, وكأن حمل العالم كله على كتفي.. لم أكن أعرف كيف سأواجه هذه الحقيقة المروعة, ولكن كان عليّ أن أجد طريقة للتعامل معها, للحفاظ على شرف العائلة والبحث عن العدالة لـ أريا..

 

كانت خطواتي ثقيلة بينما كنتُ أمشي في الممر, كل خطوة تزيد من شعوري بالضياع.. كيف يُمكنني إصلاح هذا الخراب؟ كيف يُمكنني أن أستعيد الثقة والأمان في قصري؟...

 

دخلت إلى جناحي الخاص وأغلقت الباب خلفي بهدوء.. نظرت إلى الفراغ أمامي, بينما أفكاري كانت تتشتت بين الحقيقة التي اكتشفتُها والقرارات الصعبة التي يجب عليّ اتخاذها..

 

مشيت عدة خطوات, ثم فجأة وقفت وجلست على ركبتاي أمام صورة والدي.. نظرت إلى صورته, وهمست بألم كبير

 

" أبي, ساعدني.. كيف يجب أن أتصرف الآن مع هذه الحقيقة المُرعبة؟ ماذا يجب أن أفعل؟ "

 

أغمضت عيناي وفكرت بألم بما يجب أن أفعله.. وبعد وقتٍ طويل وقفت ببطء وخرجت من جناحي متجهاً نحو باب القصر, حيث كانت التحديات الأكبر تنتظرني, وكنتُ أعلم أن الطريق أمامي سيكون طويلاً وصعباً للغاية..

 

 

خوان دي غارسيا**

 

بعد مرور أسبوعين على وجود خوان في المستشفى**

 

كان النهار مشرقًا ونسمات الهواء العليل تتسلل عبر النافذة المفتوحة, جالبة معها روائح الزهور إلى غرفة خوان في المستشفى.. بعد أسبوعين من الصراع مع الألم والأمل والحزن, كان الوقت قد حان لـ خوان دي غارسيا ليغادر المستشفى..

 

جو الغرفة كان مزيجًا من التوتر والأمل، والكرسي المتحرك الجديد كان ينتظر بجانب السرير، جاهزًا لاستقبال خوان في رحلتهِ الجديدة..

 

كان خوان يجلس على السرير وهو ينظر بغضب وبقرف إلى الكرسي المتحرك الموضوع بجانبه.. كانت جدته رامونا تقف بجواره, تقول بنبرة حنونة

 

" لا تقلق حفيدي, ستعتاد على الكرسي المتحرك.. إنه مؤقت فقط, حتى تستعيد قوتك وتُشفى تمامًا من الشلل "

 

بجانب السرير, وقف خانتو, صديق المخلص ورئيس حرس خوان دي غارسيا.. اقترب من السرير وحمل خوان برفق وحذر, رفعهُ عن السرير ووضعهُ بحذر على الكرسي المتحرك..

 

" شكراً لكَ صديقي, أنا مُمتـــ... "

 

بدأ خوان يتكلم ويشكر صديقه, ولكن قبل أن يُكمل كلماته, اقتربت كارميتا بسرعة ودون سابق إنذار, دفعت خانتو بعيداً وقالت لهُ بقرف

 

" ابتعد, سأدفع الكرسي المتحرك بنفسي لشقيقي "

 

شعرت بالغضب الشديد, وهتفت بغضب أعمى على شقيقتي

 

" كارميتا, اعتذري من خانتو حالاً, ثم اخرجي من الغرفة "

 

كانت عيناه تقدحان شرراً, وصوتهُ يعكس مدى استيائه العميق..

 

نظرت كارميتا بصدمة كبيرة إليّ, لم تكن تتوقع هذه القسوة مني.. لكن خوفها من غضبي دفعها للامتثال لأوامري, إذ قالت بصوت مختنق

 

" خانتو, أنا آسفة "

 

ثم ركضت وغادرت الغرفة مسرعة, بينما دموعها تتساقط على خدودها كالنهر..

 

كان الصمت يلف المكان, بينما خانتو كان ينظر إليّ بحزن.. تنهد برقة, ثم قال بنبرة حزينة

 

" سنيور خوان, ما كان يجب عليك أن تقسو على شقيقتك كارميتا هكذا.. أنا لستُ متضايقًا.. إنها تمر بوقت صعب, ونحن جميعًا نعلم كم هي محبوبة لديك "

 

نظرت إلى خانتو بجدية, وقلتُ له بتصميم وبحزم

 

" خانتو, توقف عن الدفاع عنها.. كارميتا أصبحت لا تُطاق.. على أحد أن يقوم بتربيتها من جديد, وبما أنني شقيقها الكبير والمسؤول عنها, سأقوم بذلك.. لن أسمح لها بإهانتك أو إهانة أي شخص آخر مرة أخرى "

 

كانت جدتي رامونا تراقب الموقف بصمت, ولكنها حاولت التدخل, إذ قالت بتوتر

 

" اهدأ خوان, نحن جميعًا نُحب كارميتا ونعلم أنها لم تقصد الإساءة.. علينا أن نكون متفهمين وصبورين معها.. فهي حزينة وقلقة عليك و... "

 

محاولتها لتهدئة الأمور باءت بالفشل, إذ قاطعت جدتي هاتفاً بغضب وبحدة وتصميم

 

" جدتي, الحب والتفاهم لا يعنيان السماح بالسلوك السيء.. يجب أن تتعلم كارميتا حدودها واحترام الآخرين, خاصة مع أصدقائي المخلصين.. هذه المرة لن أتراجع.. سأعيد تربيتها مهما كلف الأمر "

 

كان الصمت يسود الغرفة بعد كلمات خوان وانفجار غضبه على كارميتا.. خانتو لم يقل شيئًا, لكنه شعر بالامتنان العميق تجاه خوان على دعمه.. أما الجدة رامونا, بالرغم من حزنها لرؤية غضب خوان ومُشاجرته معها ومع كارميتا, عرفت في قرارة نفسها أن خوان مُحق.. التحديات كانت كبيرة, ولكن الإيمان بقدرة العائلة على التغلب عليها كان أقوى..

 

كان يومًا مشمسًا, ودفء أشعة الشمس يغمر شوارع اكستريمادورا.. موكب خوان كان يسير ببطء, محاطًا بالسيارات والحراس, بينما كان أهالي البلدة يقفون على جانبي الطريق يهتفون بفرح ويصفقون لخروج خوان من المستشفى.. كانت الوجوه مبتسمة, والأصوات ترتفع بالدعاء والتمنيات بالشفاء التام..

 

عندما وصل الموكب إلى القصر, استقبلهم الجميع بحفاوة.. كانت الأعلام ترفرف, والزهور تنثر في الهواء, وأصوات الناس تعلو بالتهليل والتصفيق.. أما المتادور سلفادور كان يقف في المقدمة مع كبار رجال العشيرة..

 

قال سلفادور بابتسامة واسعة وهو يحتضن ابن عمه بحرارة

 

" مرحبا بك, خوان.. الحمد لله على سلامتك, كل ما نتمناه لك هو الشفاء العاجل "

 

وقف المتادور بجانب خوان, يحيي الحاضرين بابتسامة واسعة وثقة كبيرة.. تقدم رجال العشيرة الكبار, برفقة خوان و المتادور سلفادور والجدة رامونا, نحو قاعة الاجتماع حيث ستتم محاكمة أريا أمام الجميع..

 

قبل أن نصل إلى الصالة, نظرت أمامي بحزنٍ عميق.. تذكرت بألم كيف أتى سلفادور لزيارتي في اليوم السابع على وجودي في المستشفى, وسألني بغضب إن كنتُ اعتصبت فعلا الخادمة أريا سيرانو..

 

أجبتهُ بصدق, وبكلمة واحدة اعترفت له.. إذ قلتُ لهُ ببساطة " نعم "... وبعدها ساد صمت فظيع بيننا..

 

ولكن لصدمتي الكبيرة, سلفادور قال بتصميم وبغضب رغم اعترافي له بأنني اغتصبت أريا, قال بأن المُحاكمة سوف تتم فـ أريا كانت ستقتلني ويجب أن يتم مُحاسبتها.. ولكن الذي صدمني أكثر بأن سلفادور قال بغضب بأن حكمه سيكون الموت على زهرة القمر خاصتي..

 

كنتُ متوتراً وقلقاً للغاية, فأنا لم أنم في الأمس بينما كنتُ أُحاول إيجاد طريقة سريعة لإنقاذ أريا من الموت, فأنا لا أريدها أن تموت رغم غضبي الكبير منها بسبب ما فعلته بي.. ولكن إن قرر سلفادور فعل شيء لا يُمكن لأحد الاعتراض حتى لو كانت جدتي..

 

قاعة الاجتماع كانت واسعة وفخمة, مزينة بالأثاث العتيق والتحف الفنية النادرة.. دفع سلفادور بنفسه الكُرسي المُتحرك باتجاه الطاولة المستطيلة والكبيرة والتي كانت تحتل نصف الغرفة..

 

نظرت إلى الأرض, رأيت بحزن عباءة جدتي رامونا ما زالت مرمية على الأرض في مكانها منذ ذلك اليوم الذي تم به محاكمة لينيا.. لا أحد تجرأ على رفع العباءة عن الأرض منذ ذلك اليوم..

 

جلس الجميع في مقاعدهم المخصصة, بينما كان الجو مشحونًا بالتوتر والترقب.. أوقف سلفادور الكرسي المتحرك ثم سمعتهُ يهتف بملء صوته

 

" أدخلوها إلى القاعة "

 

في وسط القاعة, وقفت أريا, ووجهها يحمل مزيجًا من الخوف والذهول.. نظراتها تتنقل بين الوجوه بقلق, ولكن ما أن استقرت عينيها عليّ شحب وجهها أكثر وتجمدت نظراتها بذهول على وجهي.. ثم رأيتُها تنظر إلى الأسفل وهنا تجمدت عينيها بصدمة كبيرة على الكُرسي المُتحرك الذي كنتُ أجلس عليه..


رواية المتادور - فصل 25 - خطة جميلة ودموع

 

وبينما كنتُ أنظر إليها بنظرات غاضبة وجامدة, سمعت سلفادور يقول بنبرة حازمة

 

" اليوم اجتمعنا هنا في القاعة لمُحاسبة الخادمة أريا سيرانو.. فقد تجرأت على إطلاق النار على ابن عمي خوان, وبسببها أصبحَ مُقعداً.. لن يتم التغاضي عن تصرفها الإجرامي, وستتم محاكمة أريا أمام الجميع الآن "

 

بدأت المحاكمة.. وقف سلفادور أمام أريا, وتحدث أمام الجميع قائلا بنبرة جادة

 

" أيها الحاضرون, نحن هنا اليوم لنستمع إلى ما حدث ونقرر مصير أريا بناءً على ما سترويه لنا "

 

ثم التفتَ سلفادور نحو أريا وقال

 

" أريا سيرانو, لديكِ الآن الفرصة الوحيدة لتروي الحقيقة كاملة.. يمكنكِ التكلم الآن أمامي وأمام جميع الحضور والدفاع عن نفسك "

 

نظرت أريا إلى ابن عمي بنظرات مُرتعبة, رأيتُها تبلع ريقها بقوة وفتحت فمها قليلاً لتتكلم, لكن لم تتفوه أريا بكلمة واحدة.. تجمدت في مكانها ثم نظرت إليّ بحزن وبصدمة كبيرة..

 

عاد سلفادور وسأل أريا لأكثر من ثلاث مرات عن سبب إطلاقها للنار عليّ في تلك الليلة, ولكن أريا لم تتوقف عن النظر إليّ بينما أنا كنتُ أنظر إليها بنظرات مُتعجبة بسبب صمتها الغريب..

 

في هذه اللحظات, كان الجو مشحونًا بالتوتر والترقب.. نظرات الحضور كانت تتغير, من الدهشة إلى الصدمة, ومن ثم إلى الغضب بسبب صمتها القاتل..

 

في النهاية, نفذ صبر سلفادور, إذ اقترب من أريا وهتف بغضب بوجهها

 

" تكلمي, اعترفي بالحقيقة أمام الجميع.. هذه فرصتكِ الأخيرة حتى تعترفي بالحقيقة, إن لم تفعلي سيكون حُكمي عليكِ هو الموت.. هل تفهمين ما أقولهُ لكِ, أريا؟ "

 

ودون أن تُزيل أريا عينيها عني, همست بصوت بالكاد سمعته

 

" لقد فهمتُك سنيور سلفادور.. أنا لن أُدافع عن نفسي أمامك سنيور وأمام رجال العشيرة, فليس لدي ما أقوله "

 

تعالت الشهقات بين الحاضرين, بينما أنا كنتُ أنظر إلى أريا بصدمة كبيرة.. كان يُمكنها بسهولة قول الحقيقة أمام الجميع, حينها كان سلفادور سيعفو عنها وبسرعة ويسمح لها بمغادرة القصر.. كنتُ شخصياً أتوقع منها فعل ذلك, فقد طلبت من خانتو ورجالي بخطفها فور خروجها من القصر, ولكن بسبب ما فعلته أريا الآن تغيرت خطتي بكاملها, لذلك سوف أستخدم الخطة البديلة..

 

وقف سلفادور ونظر إلى أريا بخيبة أمل كبيرة, ثم استدار لمواجهة الجميع, وتحدث بصوت ثابت

 

" لقد سمعتكم جميعًا, أريا سيرانو ليس لديها ما تقوله لتُدافع عن نفسها.. سأقوم الآن بما هو ضروري لتحقيق العدالة, سأُعلن أمامكم عن حُكمي النهائي عليها "

 

تجمد الجميع في مكانهم, وصمت القاعة كان ثقيلًا كالجبال.. نظر سلفادور إلى جدته رامونا, وقال بصوت مخنوق

 

" حُكمي على أريا سيرانو سيكون المــ... "

 

قاطعت سلفادور هاتفاً بقوة

 

" سلفادور, اسمح لي بأن أُعلن الحُكم عليها كما تستحقه بنظري "

 

رأيت سلفادور يتأملني بتلك النظرات, وكأنهُ أزال حملاً ثقيلاً عن كتفيه.. ارتفعت أصوات الهمسات في القاعة, والوجوه تعبر عن الحيرة والغضب.. سلفادور وقف بجانبي وقال بنبرة هادئة

 

" خوان, أنتَ الوحيد من يحقُ له أن يتخذ القرار والعقاب المناسب على أريا.. تفضل, يمكنك إعلان حُكمك عليها أمام الجميع "

 

بلعت ريقي بقوة ونظرت بجمود إلى أريا, ثم قلت بصوت مُرتفع

 

" أريا سيرانو, لن أحكم عليكِ بالموت لأنهُ سيكون رحمة لكِ.. قررت أن يكون عقابي لكِ هو أن... "

 

توقفت عن التكلم عندما رأيت جسد أريا يرتعش بقوة.. تابعت بثقة وبتصميم قائلا

 

" حُكمي هو, سوف تكونين خادمتي إلى الأبد "

 

رأيت أريا تتأملني بنظرات حزينة ومتألمة بينما القاعة كانت غارقة بصمت غريب.. تنفست بعمق, ثم تابعت قائلا بجيدة تامة

 

" أنا لم أنتهي هنا.. أنتِ سوف تكونين خادمتي إلى الأبد, ولكن... "

 

شعرت بنظرات الحضور عليّ, والجميع يُصغون إليّ بانتباه شديد وبصمت.. تابعت بهدوء تام قائلا

 

" ولكن, سوف تُصبحين زوجتي رسمياً اليوم.. زوجتي بالاسم فقط ولكن خادمتي لمدى الحياة "

 

وسط شهقات المفاجئة التي ملأت الغرفة من الحضور, نظرت إلى سلفادور والذي كان يقف بجانبي وهو يتأملني بدهشة كبيرة.. تنهدت برقة وقلتُ لهُ بتصميم

 

" أريدُك أن تأمر بجلب كاهن القرية إلى هنا, حتى يقوم بمراسم الزفاف أمام رجال العشيرة.. أريا سيرانو ستكون زوجتي من اليوم "

 

ساد الصمت للحظة في القاعة, ثم بدأ الجميع بالموافقة على القرار الذي اتخذته..

 

كان خوان ينظر إلى أريا بعزيمة, وهو يرى كيف كانت تنظر إليه بعينين مُتسعتين من الصدمة.. كان خوان يعرف أن الطريق أمامه طويل وصعب مع أريا, ولكنهُ كان واثقًا من أنه سيعود أقوى مما كان, وسيوف يُنفذ انتقامهُ الصغير من أريا..

 

 

المتادور سلفادور**

 

كانت الشمس تنعكس على نوافذ القاعة الكبيرة حيث وقف سلفادور بهدوء وهو ينظر بدهشة كبيرة إلى ابن عمه خوان بينما كان كاهن القرية يُعلن أمام رجال عشيرته بعبارات رسمية أن خوان وأريا أصبحا زوجًا وزوجة.. الهتاف بين الحاضرين كان باهتًا, مليئًا بالتوتر والذهول من هذا الحدث المفاجئ والسريع والغير المتوقع من خوان دي غارسيا..

 

راقبت بابتسامة رقيقة خوان وهو يقوم بتوقيع وثيقة الزواج.. أما أريا, المسكينة, لم تستطع التوقيع بسبب رعشة يدها الواضحة.. نظرت بتسلية عندما رفع خوان يدهُ وأمسك بيدها, وجعلها تُبصم على وثيقة الزواج, وهي تُراقبهُ بعيون متسعة مليئة بالخوف والارتباك والصدمة.. كانت هذه اللحظة تحمل بين طياتها الكثير من الألم والحب والتضحية.. أوه, نعم, التضحية.. فابن عمي خوان تنازل عن كبريائه أخيراً ليحمي المرأة التي يُحبها من الموت فتزوجها..

 

انتهى الحفل بسرعة, والمُحزن في الأمر خوان لم يسمح لأحد بتهنئتهِ وكأنهُ يحاول الهروب من الواقع, إذ غادر القاعة مُسرعا بعد أن طلب من صديقه خانتو بجلب زوجتهِ والتي كانت تقف جامدة وهي لا تشعر بأي شيء حولها..

 

وبينما كان الحضور يتفرقون, اقتربت جدتي رامونا ووقفت أمامي, كانت ملامح وجهها تُعبر عن غضب عارم, إذ وجهها كان احمر اللون بفعل الغضب.. ولأول مرة صرخت جدتي بوجهي بنبرة غاضبة مُتهدجة

 

" كيف وافقتَ على هذه المهزلة؟ كيف سمحتَ بحدوث هذا الزواج اللعين؟ كيف سمحتَ أن يتزوج حفيدي خوان من تلك الخادمة القاتلة؟ "

 

نظرت إلى جدتي بهدوء وقلتُ لها ببساطة

 

" ما حدث الآن هو نتيجة صمتكِ عن ما فعلهُ خوان بـ أريا وتستُركِ عليه "

 

كانت كلماتي كصفعة على وجهها, جمدتها في مكانها.. نظرت إلى جدتي بخيبة أمل كبيرة, وقلتُ لها بحزن

 

" لن أسامحكِ على ما فعلته بالمسكينة أريا والظلم الكبير الذي لحق بها بسببكِ.. كان يجب اليوم أن تتحملي كذلك عواقب أفعالكِ مثلما فعل خوان.. عل الأقل لدي أمل ضئيل بأن خوان قد يتغير من أجل زوجته للأفضل, لكن أنتِ جدتي من المستحيل أن تتغيري مع الأسف "

 

وقفت رامونا تنظر بصدمة عميقة إلى سلفادور, بينما كان يبتعد عنها بعد أن قال لها تلك الكلمات القاسية.. وشعرت بالخوف العميق لأنها خسرت حُب واحترام حفيدها ورئيس عشيرة دي غارسيا..

 

ابتعدت عن جدتي ببطء, تركتُها واقفة بصدمة عميقة.. خرجت من القاعة ونزلت إلى الطابق السفلي الثاني, إذ كنتُ أشعر برغبة كبيرة لرؤية ساكورا, المرأة التي أعشقُها, والتي قررت تركها في الزنزانة حتى تكتمل خطتي.. كانت خطته محسوبة بعناية بعد اكتشافي ما فعله خوان بـ أريا..

 

كنتُ أُخطط لهذا اليوم بهدوء بعد اكتشافي ما فعله خوان بتلك المسكينة أريا.. تذكرت بسرعة كيف ذهبت وتكلمت معه في المستشفى في اليوم الثاني لاكتشافي الحقيقة, ومن ردة فعله عرفت بأن خوان يعشق أريا بجنون..

 

كانت خطتي بسيطة, لكن كنتُ أعلم أن تأثيرها سيكون عميقًا.. أردت أن أجعل خوان وجدتي والجميع يصدقون بأنني سأحكُم على أريا بالموت, حتى أجعل خوان يتصرف بتهور ليحميها.. وهذا ما حدث بالفعل, إذ قرر خوان الزواج من أريا ليحميها..

 

أما أريا, لم أُخبرها بأن خوان ما زال على قيد الحياة ولكنهُ للأسف فقد قدرته على السير.. كنتُ أرغب برؤية ردة فعلها عندما ترى خوان في القاعة أمامها, حتى أتأكد من شكوكي نحوها.. ونعم, شكوكي كانت صحيحة, أريا ما زالت تُحب ابن عمي الأحمق والمتهور خوان رغم ما فعلهُ بها..

 

كنتُ أعلم منذ زمنٍ طويل بمشاعر أريا نحو ابن عمي, ولكن للأسف خوان قام بأذيتها بشكلٍ مُرعب وتأخر كثيراً حتى يتنازل عن كبريائه اللعين من أجلها..

 

بينما كنتُ أنزل السلالم, كنتُ أُفكر بما حدث منذ قليل في القاعة.. كنتُ أعلم جيداً بأن خوان لن يجعل أريا خادمته كما قال أمام رجال العشيرة, فهو يُحبها.. ولكن ما لا يعرفهُ خوان بأنني لن أسمح له بعد اليوم بأذية أريا, خاصةً لأنها أصبحت زوجته ومن عائلتي.. أريا سيرانو أصبحت أريا دي غارسيا منذ قليل, وهي ستكون تحتَ حمايتي دائما..

 

أما ساكورا الجميلة, تركتُها غصباً عني في تلك الزنزانة حتى لا يشعر أحد بالريبة, وتعتليه الشكوك إن أخرجتُها منها.. ولكن وضعت خطة جميلة حتى أجعل ساكورا تُسامحني بسبب ردة فعلي المُتسرعة في ليلة وقوع الحادث..

 

ما أن دخلت إلى الزنزانة, رأيت بحزن لينيا منهارة بالبكاء.. اقتربت منها, وما أن رأتني وقفت بسرعة ونظرت إليّ  بعيون ملتهبة, وصفعت وجنتي بكامل قوتها.. ثم هتفت بوجهي بحرقة وغضب وألم كبير

 

" أكرهُك, أكرهُك بجنون سلفادور دي غارسيا, لأنك قتلتَ أريا.. أنتَ مًجرد قاتل لعين وقذر "

 

كانت ساكورا تظن ببراءة بأنني أمرت بقتل أريا.. نظرت بدهشة إلى لينيا بعد صفعها وشتمها لي.. رفعت يدي ولمست وجنتي المُلتهبة بأصابعي برقة بينما كنتُ أُفكر بسعادة وبدهشة كبيرة بأن ساكورا قوية وهي تُجيد الصفع جيداً..

 

ودون تردد اقتربت منها وضممتُها بقوة إلى صدري, ثم قلتُ لها بتصميم ولكن بنبرة عاشقة لم تنتبه لها ساكورا مثل عادتها

 

" ساكورا, ستدفعين الثمن غالياً لأنكِ صفعتني.. فلا أحد سبق وتجرأ على صفعي سابقاً "

 

حاولت لينيا مُقاومتي وهي تحاول دفعي بكلتا يديها على صدري لأبتعد عنها, لكنها لا تعلم بأنها أشعلت الرغبة في جسدي بسبب حركاتها البريئة والعفوية تلك.. وسمعتُها باستمتاع تهتف بغضب

 

" دعني أيها القاتل.. لا تلمسني.. أكرهُك أيها القاتل وعديم الرحمة.. أكرهُك "

 

ابتسمت بوسع, ولأُغيظها قلتُ لها

 

" بعد صفعكِ لي لن أترككِ أبداً, ساكورا "

 

أخفضت رأسي بسرعة, ثم قبلتُها برغبة عميقة, كانت قبلتي مزيجاً من الغضب والحب والندم والاعتذار..

 

حاولت لينيا المقاومة في البداية, ولكن مع مرور اللحظات, استسلمت للحب الذي كانت تخفيه في قلبها.. كانا يحتضنان بعضهما بقوة ويتبدلان القبلات الحارة بعشقٍ كبير, كأن العالم من حولهما قد اختفى تماماً, ولم يبقَ سوى الحب والألم الذي يجمعهما..

 

عندما توقفت أخيراً عن تقبيلها, أبعدت وجهي قليلا عن وجهها ونظرت بحنان إلى عينيها الجميلتين.. كانت لينيا تتأملني بنظرات ضائعة, ثم فجأة, رفعت يدها وحاولت صفعي, لكن تحركت بسرعة وأمسكت معصمها وجمدت يدها قبل أن تقوم بصفعي..

 

بدأت لينيا تبكي وهي تحاول تحرير يدها من قبضتي, وهتفت بغضب وبحزن بوجهي

 

" حقير وسافل.. إياك أن تلمسني مرة أخرى أيها القاتل و... "

 

قاطعتُها قائلا بحنان

 

" أنا لم أقتل أريا "

 

نظرت لينيا إليّ وكأنها لم تفهم ما قلتهُ لها للتو.. هزت رأسها بالرفض وهتفت بغضب وهي تبكي بمرارة

 

" لقد قتلتَ صديقتي الوحيدة.. أريا كانت بريئة, هي لم تكذب عليك.. ابن عمك اغتصبها وليس لمرة واحدة بل لأكثر من مائة مرة.. وأنتَ ماذا فعلتَ بها للمسكينة؟ قتلتها لأن ابن عمك قد توفي بسببها.. في الحقيقة كان يستحق الموت, لكن هي لا.. أريا لم تكن تستحق الموت.. أكرهُك بجنون "

 

ابتسمت برقة وقلتُ لها بصوتٍ مُرتفع حتى تسمعني وسط شهقاتها

 

" ساكورا, أنا لم أقتلها.. سمعتني؟ أنا لم أقتل صديقتكِ.. كما خوان لم يمُت, هو نجى من الرصاصة بأعجوبة, ولكنهُ مع الأسف أصبح مُقعداً.. ربما هذا كان عقابهُ من الله حتى يجعلهُ يتوب.. كما منذ قليل تزوج خوان من صديقتكِ "

 

تجمدت نظرات لينيا في عمق عيناي, ثم توقفت عن البكاء, وهمست بذهولٍ شديد

 

" ماذا قلت؟ أنتَ لا تكذب عليّ؟ أريا ما زالت على قيد الحياة و خوان كذلك؟ وهو.. هو.. أنتَ لا تكذب, أليس كذلك؟! "

 

قهقهت برقة وأجبتُها بنبرة حنونة قائلا

 

" لا ساكورا, أنا لا أكذب عليكِ.. عادةً أنا لا أكذب, كما لا أُحب من يكذب عليّ "

 

تجمدت نظراتها على وجهي, ثم فجأة, ضحكت لينيا بسعادة, ثم عانقتني بقوة وهي تهتف بسعادة

 

" شكراً لك.. شكراً لك.. أنا أحــ... ممــ.. أنا ممتنة لك كثيراً "

 

ضحكت بسعادة, ثم أبعدت لينيا قليلاً عني.. نظرت إليها بسعادة عندما تأملتني بنظرات خجولة وهمست بارتباك

 

" أنا آسفة لأنني صفعتُك و.. وشتمتُك "

 

ابتسمت بوسع, وقلتُ لها برقة

 

" اعتذاركِ مرفوض ساكورا.. لقد جرحتِ كبريائي ورجولتي "

 

قهقهت بخفة عندما تأملتني ساكورا بنظرات حزينة ومتألمة ثم قالت بتوتر وبحزن

 

" أنا آسفة "

 

رفعت يدي وأمسكت طرف ذقنها ورفعت رأسها برقة عالياً.. نظرت في عمق عينيها الساحرتين وقلتُ لها بحنان

 

" ساكورا, كم أنتِ رقيقة وجميلة.. إن صفعتني ألف صفعة من المستحيل أن أحزن منكِ "

 

اقتربت منها خطوة صغيرة حتى التصق صدري بصدرها الجميل.. ودون أن أتوقف عن النظر إليها قلتُ لها بصوتٍ مبحوح من الرغبة والعشق

 

" أريدُكِ ساكورا.. أريدُكِ, ليس من أجل العقاب والانتقام بل لأنني أريدُكِ كامرأة.. أريدُكِ أن تكوني لي "

 

أغمضت عيناي وقبلتُها بعشقٍ كبير.. عندما بادلتني لينيا القبلة بخجل نبض قلبي بسرعة مُخيفة, ولم يعُد باستطاعتي الصبر أكثر..

 

توقفت عن تقبيل ساكورا, ثم حملتُها وخرجت من الزنزانة بعد أن هتفت للحراس بفتح الباب, وصعدت أمام نظرات الجميع إلى جناحي الخاص وأنا أحمل ساكورا بعناية بذراعي..

 

دخلت إلى غرفة النوم, وضعت لينيا برفق على السرير, ثم وقفت وبدأت بإزالة ملابسي ورميها بعيداً.. جلست بجانب لينيا ونظرت إليها بنظرات عاشقة, ثم همست برقة

 

" كوني لي.. كوني لي الليلة ساكورا "

 

أغمضت لينيا عينيها وهمست برقة وبخجل

 

" نعم, سأكون لك سلفادور "

 

نبض قلبي بجنون وبدأت بإزالة ملابسها كلها عن جسدها, ثم جلست أنظر بإعجاب وبعشق كبير إليها..

 

انتباه: مشهد جريء, لن يتم كتابة التفاصيل الكاملة في هذا البارت, ولكن يوجد كلمات ووصف قد لا يتقبلهُ البعض**

 

حاصرت جسد لينيا بجسدي.. أخفضت رأسي وبدأت بتقبيل كل إنش من وجهها نزولا إلى عنقها ثم ترقوتها, ثم ثديها الجميل, ثم بطنها, ثم استقرت شفتاي على منطقتها الحميمة..

 

تأوهاتها الجميلة أشعلت جسدي بنار حارقة تفجرت من الرغبة.. عظامي كانت تحترق من الحُب ورغبتي العميقة بها..

 

لم يعُد باستطاعتي الصمود أكثر أمام جمالها الأخاذ وحُبي العميق لها.. رفعت رأسي ونظرت بحنان إلى وجهها, ثم همست برقة

 

" لا تخافي مني ساكورا, سأكون رقيقاً معكِ.. لن أؤذيكِ "

 

بدأت بتقبيلها بنعومة بينما كنتُ أمسك عضوي الذكري ووجهته نحو فتحة مهبلها الجميلة.. دفعت عضوي الذكري برقة بداخلها, ولكن ما أن فعلت ذلك شهقت لينيا بألم ولكنها لم تتوقف عن مُبادلتي القبلات الحارة والراغبة..

 

دفعت عضوي بداخلها أكثر فأكثر.. شعرت بأنني في الجنة, ساكورا كانت ضيقة جداً..

 

وعندما أصبح عضوي الذكري بكاملهِ بداخلها تأوهت بمتعة بينما كنتُ أُقبلها.. لم أتخيل بتاتا بأن يكون شعوري بها بهذا الجمال والإحساس الرائع..

 

حاولت السيطرة على نفسي وعلى رغباتي المُدمرة نحوها, بدأت أدفع برقة بداخلها حتى تعتاد على حجم عضوي الذكري بداخلها..

 

ولكن بعد لحظات قصيرة, تفجرت مشاعرنا.. ارتخى جسد لينيا أسفلي وسمعتُها تتأوه بمتعة بينما كنتُ أُقبلها.. ولأنها المرة الأولى التي أُمارس بها الحُب مع ساكورا قررت أن أتحكم بمشاعري ورغباتي وأُمارس معها برقة ونعومة حتى لا أؤذيها..

 

مارست الحُب معها بطريقة ناعمة وساحرة.. أردت أن تكون ممارستي الأولى للحُب معها مميزة وجميلة..

 

لم أبتعد عن ساكورا للحظة واحدة, ولم أتوقف عن تقبيلها طيلة الوقت بينما كنتُ أدفع برقة بداخلها وأُداعب جسدها وألمسهُ بحنان بكلتا يداي..

 

وبعد وقتٍ طويل, طويل جداً, تأوهت بمتعة وبسعادة لا مثيل لها بينما كنتُ أقذف سائلي المنوي بداخلها..

 

انتباه: انتهى المشهد الجريء**

 

كنتُ أتنفس بسرعة بينما كنتُ أنظر بحنان إلى وجه ساكورا والذي كان أحمر مثل الدماء بسبب خجلها مني..

 

رفعت يدي ولمست برقة خدها, وقلتُ لها بنبرة حنونة وبعشق كبير

 

" ساكورا, شكراً لأنكِ كنتِ مُلكي الليلة.. أنتِ جميلة, جميلة جداً "

 

احمر وجه لينيا أكثر بينما كانت تتأملني بنظرات خجولة جداً.. ابتعدت عنها ورفعت جسدي عاليا.. ولكن فجأة, تجمدت نظراتي بذعر وبصدمة كبيرة عندما رأيت قطرات صغيرة من الدماء تُلطخ عضوي الذكري..

 

نظرت بسرعة إلى جسد لينيا من الأسفل نحو مهبلها, رأيت بصدمة كبيرة قطرات صغيرة من الدماء عليه وعلى شرشف السرير..

 

شحب وجهي بشدة وتجمدت نظراتي بصدمة لا حدود لها عندما عصفت الحقيقة في رأسي.. لينيا كانت عذراء..

 

ارتعشت يداي بقوة بينما كنتُ أرفع نظراتي ببطء لتستقر في عمق عينيها الخائفتين.. لينيا كانت تنظر إليّ بنظرات مُرتعبة وخائفة, بينما أنا كنتُ واقعاً تحتَ تأثير الصدمة..

 

شهقت بقوة طلباً للهواء, ثم همست بصوتٍ مهزوز

 

" لينيا, أنتِ كنتِ عذراء؟ كيف ذلك؟! كيف تكونين عذراء بينما كنتِ عشيقة بينيتو؟ "

 

رأيت لينيا تبكي بخوف وهي تتأملني بنظرات مُرتعبة.. أمسكت ذراعها ورفعتُها لتجلس.. نظرت إليها بصدمة كبيرة وسألتُها بوجعٍ كبير

 

" كنتِ عذراء؟ لماذا كذبتِ عليّ وأوهمتني وأوهمتِ الجميع بأنكِ كنتِ عشيقة شقيقي؟ تكلمي.. أخبريني الحقيقة, أرجوكِ "

 

بدأت لينيا تبكي بمرارة, ولكنها لزمت الصمت, لم تتفوه كعادتها بكلمة واحدة..

 

نظرت إليها بحزن, ثم سألتُها بمرارة

 

" لماذا فعلتِ ذلك؟ لماذا كذبتِ عليّ؟ ما الذي تُخفينهُ عني بخصوص بينيتو؟ كيف مات؟ ما هو السبب؟ أخبريني الحقيقة "

 

لكن لينيا لم تفتح فمها وتتكلم.. أغمضت عيناي بشدة ثم هتفت بوجعٍ كبير وبندم

 

" لو كنتُ أعلم بأنكِ ما زلتِ عذراء لم أكن سألمسكِ بتاتاً.. ما كنتُ سألمسكِ.. ماذا فعلتِ بي وبنفسكِ؟ لماذا؟ لماذا كذبتِ عليّ لينيا؟ "

 

لكن لينيا لم تفتح فمها وتتفوه بكلمة واحدة, بل كانت تبكي بحزن وهي تنظر بخوف إلى سلفادور..

 

أما سلفادور, كان جامد في مكانه مُغمض العينين وقلبهُ يحترق لأنهُ سلب عذرية المرأة التي يعشقها بجنون.. كان يظن بأنها ليست عذراء, وكان قد تقبل هذه الفكرة وبأنها كانت عشيقة شقيقه الراحل وتعايش معها.. ولكن أن يسلبها بنفسه عذريتها وخارج إطار الزواج ذلك ألمهُ بجنون..

 

وقف سلفادور بهدوء, أشاح نظراته بعيداً عن لينيا وعن جسدها العاري أمامه.. تنهد بأسى, ثم قال بألمٍ عميق

 

" أنا آسف "

 

وتوجه مُسرعاً إلى الحمام وكأنهُ يهرب من مواجهة الحقيقة.. أغلق سلفادور الباب, ثم أسند رأسهُ عليه وبدأ يبكي بصمت وبحرقة.. لو كان يعلم بأن لينيا عذراء كان تزوجها منذ البداية ليحميها من عقاب عشيرته.. ولكنها لزمت الصمت وكذبت عليه وجعلتهُ يظن بأنها كانت عشيقة شقيقهِ الراحل..

 

وبينما كان سلفادور يبكي, كان يعلم بأن الوقت سيكشف كل شيء, سيكشف حقيقة ما حدث بين لينيا و بينيتو.. وهو سيكون معها حتى يواجهان المصير, أياً كان....

 

أما لينيا, جلست تبكي بصمت وبحرقة قلب وهي تضم جسدها العاري بكلتا يديها.. أغمضت عينيها بشدة, وبدأت تتذكر الماضي.. بدأت تتذكر ما حدث معها منذ اللحظة الأولى بدخولها إلى الجامعة وفي اليوم الأول الدراسي...

 

انتهى الفصل

















العودة إلى الفصل 21 ᐸ



العودة إلى الفصل 19 ᐸ



العودة إلى الفصل 17 ᐸ






فصول ذات الصلة
رواية المتادور

عن الكاتب

heaven1only

التعليقات


إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

اتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

لمدونة روايات هافن © 2024 والكاتبة هافن ©