رواية ماركيز الشيطان - فصل 19 - عصافير الحُب
مدونة روايات هافن مدونة روايات هافن
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...

أنتظر تعليقاتكم الجميلة

  1. تسلمى ايدك 🌸😏💕😆🌸❣️😘💋😘❣️😍😘✌💘❤💯💕😍😍😍😘💋💘💖💕❤💓💞💯

    ردحذف
    الردود
    1. حبيبتي قلبي شكرااااااااااااااااااااااااااااااااااا

      حذف
  2. 😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍 جميييييييل جدا

    ردحذف
  3. 😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍

    ردحذف
  4. الفصل رااائع اي هيا مواعيد النشر 😍🥺

    ردحذف
    الردود
    1. تسلمي حياتي
      الفصل القادم مساء الثلاثاء

      حذف
  5. تهبل روايتك هافن ابداع لا حدود ليه

    ردحذف
  6. البارت رائع كالعادة وحبيت فخامة الأحداث وأسلوب السرد الجميل والمبسط وكما قلت سابقا تجعلينا نقع في حب كافة الشخصيات في الرواية

    ردحذف

رواية ماركيز الشيطان - فصل 19 - عصافير الحُب

 

رواية ماركيز الشيطان - فصل 19 - عصافير الحُب



عصافير الحُب



مونرو بيلاتشو**



كنتُ أجلس باسترخاء على المقعد خلف مكتبي بينما أطرق قلمي الذهبي على طرف المكتب بخفة وأنظر بشرود أمامي وبتفكيرٍ عميق.. رالبيكا أول أنثى تجعلني أشعُر بتلك المشاعر الجميلة.. هي أول أنثى دخلت إلى قلبي وتربعت على عرشه..

 

أريدُها بجنون لكن يجب أن أصبر عليها لأنها مُحافظة جدا وخجولة.. هي أول فتاة نقية ألتقي بها في حياتي كلها.. أنا رجل في الخامسة والثلاثين ورأيت نساء على عدد شعر رأسي.. لكن لم أرى في حياتي كلها امرأة مثل رالبيكا.. بسببها بدأت أتغير وأصبحت رحيما بمعاملتي مع الأخرين كما يصفني بابلو مؤخرا..

 

ابتسمت برقة بينما كنتُ أتذكر ما حصل في الأمس.. لقد استطاع بابلو الكشف عن أحد الجواسيس التابع لرجال ريكو بيلوني من بين حرسي.. وبدل أن أقوم بتعذيبه وقتله كما أفعل عادةً أرسلتهُ ببساطة و بهدوء إلى ريكو مع رسالة صغيرة مني.. لا تلعب بالنار لأني سأجعلها تُحرقك بالكامل..

 

كان منظر بابلو المتفاجئ مُضحك جدا.. لقد جهز غرفة التعذيب وحتى حفر قبراً في الغابة المجاورة لقصري لذلك الخائن.. لكن أصابه الذهول لأنني لم ألمس شعرة واحدة من ذلك الخائن بل أرسلته إلى سيده مع رسالة صغيرة مني..

 

لم أشعُر برغبة لتعذيبه وقتله إذ كان عقلي وتفكيري كله مع رالبيكا.. وعرفت سبب ذلك.. أنا مونرو بيلاتشو وقعت في المحروم.. لقد أحببت وبجنون رالبيكا بوسيني.. إن اكتشف أعدائي ذلك سوف ينتقمون مني من خلالها لذلك يجب أن أكتم ما أشعُر به نحوها لحمايتها من الجميع..

 

لقد سكنت في قلبي وروحي بسبب حنيتها وعاطفتها الكبيرة نحو شقيقتها الصغيرة.. كادت أن تُضحي بعذريتها ونقائها من أجل إنقاذ شقيقتها..

 

أظلمت عيناي عندما تذكرت ما حصل في تلك الليلة.. عندما أنقذتُها من كاسترو بيلوني أردت الانتقام منها بسبب ما فعلته لكن عندما اكتشفت السبب قلبي نبض بسرعة لأجلها فقط.. وعندما استيقظت رالبيكا في حضني في الصباح طلبت منها أن لا تُخفي عني أي أسرار من جديد وبأنني سوف أساعدها مهما كانت الظروف..

 

وعندما خرجنا من القبو وقفت وسألتُها إن أذاها كاسترو وشعرت بغضبٍ عظيم عندما أخبرتني بما فعله بها.. لقد صفعها وأراد اغتصابها وسجنها لديه حتى يمل منها.. وهنا قررت أن أجعله يدفع ثمن ما فعلهُ بها وغاليا وجداً.. أغمضت عيناي وتذكرت بالتفصيل ما حصل منذ شهرين في تلك الليلة التي حاسبت بها كاسترو بيلوني..

 

فلاش باك - عودة إلى الماضي**

 

كان قلبي يغلي من الداخل بسبب معرفتي بما فعلهُ كاسترو بـ رالبيكا.. صحيح بأن كاسترو صديق مُقرب مني وتاجر أسلحة وزبون مهم جداً لدي إلا أنه تخطى حدوده مع رالبيكا وقررت تصفيتهُ بنفسي..

 

بعد ذهاب رالبيكا إلى غرفة تبديل الملابس.. هتفت بأعلى صوتي

 

" بابلو.. مانويل.. أريدكما في مكتبي وفي الحال "

 

كانت نيران الغضب تشتعل بأحشائي بينما كنتُ أمشي بعصبية ذهابا و إيابا داخل غرفة مكتبي و بابلو يقف بهدوء كعادته أمامي أما مانويل كان يرتجف من الخوف وهو يقف بجانب بابلو.. بالطبع سوف يرتجف من الخوف لأنني عندما أكون بهذه الحالة الجميع يعلم بأن هناك من أغضبني ويجب تصفيتهُ بسرعة..

 

" من سنقتل الليلة سيدي؟ "

 

سمعت بابلو يسألني ببرود أعصاب كعادته وفورا توقفت بأرضي والتفت ناحيته وابتسامة شريرة ظهرت على ثغري.. ثم وقفت عارما أمامهما و تكلمت بنبرة جامدة

 

" كاسترو بيلوني من سنقتله الليلة.. فليتجهز الجميع.. سوف نقوم بزيارة صغيرة إلى قصرهِ الليلة "

 

رغم نظرات بابلو المتفاجئة إلا أنه لم يسألني عن أسبابي لتصفية كاسترو بل أجابني باحترام موافقا وخرج من مكتبي برفقة مانويل..

 

في المساء وما أن دخلت من بوابة قصر كاسترو ترجل رجالي ورفعوا مسدساتهم والتي تم وضع جهاز كاتم الصوت على فهوة أسلحتهم وبأقل من عشرين ثانية تم قتل حُراس كاسترو وبعدها برفقة الرجال اقتحمنا القصر.. قتل رجالي كل من في القصر من خدم و حُراس لأنني طبعا لا أريد شهودا.. وتابعت طريقي إلى مكتبه..

 

اقتحمت الغرفة بفردي ولسعادتي رأيته يجلس على الأريكة بينما عاهرة تجلس على ركبتيها أمام أقدامه وتمتص له عضوه الذكري.. رفعت مسدسي وأطلقت النار على رأسها ببرود أعصاب وسقط رأسها الدامي في حضنه.. انتفض كاسترو برعب وأبعد رأسها عنه بعنف ونظر إليّ بذهول وهتف بدهشة وبخوف

 

" مونرو!!!... ما اللعنة التي فعلتها؟!.. لماذا قتلتها؟!!.. ثم لماذا أنتَ هنا؟! "

 

أدخل عضوه المنتصب داخل سرواله ثم وقف وتقدم ليقف أمامي.. عينيه المتفاجئة نظرت إليّ بعد ثواني برعبٍ كبير.. أظن بأنهُ اكتشف سبب تواجدي هنا في قصره.. رفعت مسدسي بوجهه وقلتُ له ببرودٍ مُخيف

 

" كان اتفاقنا واضح كاسترو.. ستنال من رالبيكا برضاها الكامل وليس بالغصب.. لكنك صفعتها واستغليت ضعفها وسبب موافقتها لبيع نفسها لك وأردتَ سجنها لديك واغتصابها لحين أن تمل منها.. لذلك أنتَ يا صديقي نقدتَ الاتفاقية بيننا.. وأنتَ تعلم جيداً من يفعل ذلك معي يتم تصفيته "

 

رفع يديه أمامي باستسلام وقال برعب

 

" اهدأ مونرو.. ثم هل جُننت!!!.. إنها مُجرد خادمة.. كما أنني لم أنل منها لأنك أتيت.. و... لااااااااااااااا.. لا تفعل أرجوك.. مونرو انتظر..... "

 

هتف برعب في الأخير عندما وجهت مسدسي نحو جبهته.. ارتعش بجنون وحدق بذعرٍ كبير إلى عيناي وهتف بخوفٍ كبير

 

" أنا صديقك.. لن تقتلني بسبب تلك العاهرـــــ... لاااااااااـــــ.... "

 

هتف برعب في النهاية عندما همست له ببرود

 

" وتنعتها بالعاهرة أمامي.. غبي.. الوداع كاسترو "

 

فتح فمه ليتوسل مني الرحمة لكن كان الأوان قد فات إذ ضغطت على أصبع الزناد وخرجت الطلقة لتصيب وسط جبهته..

 

سقط أمامي على الأرض واستدرت وخرجت بهدوء من الغرفة.. وبعدما خرجت من قصره وأمرت رجالي بحرقهِ بالكامل..

 

انتهى الفلاش باك**

 

أوه نعم لقد أنهيت حياة كاسترو بيدي لأنه خالف الاتفاقية معي وبسبب ما فعلهُ بامرأتي.. والآن شقيقهُ الغبي ريكو يُريد الانتقام مني لأنني قتلت شقيقه كاسترو.. الغبي لا يعلم بأن اللعب معي ليس سهلا..

 

طرقات خفيفة على الباب انتشلتني من تفكيري.. آذنت للطارق بالدخول ورأيت بابلو يدخل وهو يحمل بيديه ملفين..

 

" سيدي.. لقد سلمني المُحقق الملف الخاص بـ رالبيكا.. والملف الآخر أرسله الرجال من ديفون عن شارلي ديكنز "

 

وضعهم أمامي على سطح المكتب وأشرت له بالانصراف.. نظرت إلى الملفين وقررت أن أبدأ بقراءة ملف شارلي ديكنز.. صحيح أنها لم تعُد تعني لي شيئا لكن أنا ما زلتُ أرغب وبشدة بالانتقام من إيثان بوربون لأنه تجرأ على لكمي في تلك الليلة..

 

ضحكت بشدة عندما رأيت التقرير.. رجالي راقبوها جيدا.. هي كانت حامل من إيثان بوربون والغبي عندما اكتشف حملها سافر إلى ديفون ولكن شقيقه ماركو أجاد اللعب بمهارة معه..

 

لقد تتبع رجالي تلك الممرضة التي اتفقت مع إيثان والتي تم طردها بعد سفره.. والغبية اعترفت لهم بسرعة خوفا من أن يقتلوها بأنها اتفقت مع إيثان ليأخذ عينة من الطفل لعمل تحليل الحمض النووي لمعرفة إن كان الطفل ابنه.. وقالت أن إدارة المستشفى والسيد ماركو بوربون اكتشفوا الخطة وبدلوا الأطفال وتم طردها بعدها..

 

إذا إيثان بوربون تم التلاعب به.. يستحق ذلك الغبي.. ربما لاحقا قد أستفيد من تلك المعلومات..

 

ثم نظرت إلى ملف رالبيكا وابتسمت برقة وهمست

" أظن ما موجود في هذا الملف أعرفهُ مسبقا "

 

لذلك قررت عدم قراءته ثم وقفت وحملت الملفين ووضعتهم في خزنتي..

 

مضت الأيام بسرعة وأصبحت رالبيكا عالمي.. طلبت من بابلو بوضع حارس لها ليتبعها أينما ذهبت بسرية تامة من أجل حمايتها من ريكو.. كنتُ خائف بأن يكتشف سرها و بأنني أحبها وينتقم مني من خلالها..

 

واليوم أتت رالبيكا إلى القصر في الصباح ولكنها استأذنت مني بالانصراف لتذهب إلى منزلها وسمحت لها بذلك.. كانت تبدو متوترة على غير عادتها وشعرت بالقلق الشديد عليها.. لذلك اتصلت بشقيقتها وأخبرتني أن اليوم هو عيد ميلاد رالبيكا وقالت لي حتى لا أقلق عليها ربما هي ذهبت إلى السوق لتشتري شيئا.. وطلبت من إيميليا حتى لا تُخبر رالبيكا عن اتصالي عندما تأتي في المساء..


شقيقتها اكتشفت من أكون منذ فترة.. والغريب طلبت مني إيميليا أن لا أُخبر رالبيكا بأنني أتصل أحيانا وأتكلم معها لأطمئن عليها.. لم أهتم بأسبابها ورأيت بأن ذلك أفضل حتى لا تعلم حبيبتي بمشاعري نحوها في الوقت الراهن..


شعرت بالسعادة لمعرفتي بأن اليوم هو عيد ميلاد حبيبتي النقية.. لذلك قررت أن أُفاجئها بهدية مميزة.. ولأول مرة في حياتي أذهب بنفسي إلى السوق وأشتري فستان لامرأة مميزة لي وخاتم للخطبة..

 

نعم اخترت خاتم رائع يشبه لون عينيها الجميلة لأطلب يدها الليلة.. لكن عندما وصلت إلى شركتي تلقيت اتصال من الحارس الذي يتبعها وأعلمني بأنها ذهبت إلى عيادة طبيب نسائي.. دب القلق في قلبي عليها وبدأت أتصل بها لكنها لم تُجيب على اتصالاتي..

 

أصابني القلق الشديد عليها وتوترت.. واتصلت بهاتف منزلها علها تكون قد عادت وقررت العودة إلى قصري.. وعندما سمعت صوتها لم أستطع التحكم بغضبي وهتفت بغضب عليها لأنها لم تُجيب على اتصالاتي.. ثم عاودت الاتصال بها وسألتُها بلهفة إن كانت بخير أو تشكو من شيء لكنها طبعا أنكرت ذلك وقالت لي بأنها بخير..

 

إحساس بداخلي أنبأني بأنها تكذب لذلك اتصلت بالحارس الذي يراقبها وأمرته أن يذهب إلى عيادة ذلك الطبيب ويكتشف السبب خلف زيارتها له ولو بالتهديد..

 

ولكن عندما رأيت رالبيكا أمامي ترتدي الفستان الذي اخترته لها بنفسي نظرت إليها بإعجابٍ كبير وخفق قلبي بعنف.. بدت مُذهلة ورائعة الجمال بذلك الفستان وتسريحة شعرها.. بدت كملاك وكم رغبت بمعانقتها وتقبيلها بنهم لكني فضلت الانتظار للمساء..

 

عندما وصلت إلى توسكانا تركت رالبيكا في يختي برفقة بعض من رجالي لحراستها وذهبت إلى مطعم سباريتا لأني سأجتمع مع تاجر أسلحة ويجب أن أعقد معه صفقة مهمة..

 

لكن فور دخولي إلى المطعم رأيت أكثر شخص كريه في حياتي يجلس على طاولة برفقة رجلين ويتكلم معهما براحة.. إيثان بوربون القذر هنا!!.. يا للصدف العجيبة..

 

تعكر مزاجي لرؤيتي له لكن تابعت التقدم إلى ركن المطعم حيث تم حجز طاولة خاصة باسمي.. لم ينتبه لوجودي ذلك القذر لكني أردته أن يفعل ذلك بكل سرور..

 

كنتُ أعقد الصفقة مع التاجر وانتبهت لوقوف بوربون وذهابه باتجاه الحمام.. أشرت بـ عيناي لـ بابلو الواقف أمامي مع رجلين للحراسة وفورا فهمني.. استأذنت من التاجر ووقف وتوجهت نحو الحمام ومشى خلفي بابلو مع الحارسين..

 

ما إن دخلت رأيت إيثان بوربون يقف أمامي وهو يغسل يديه.. وضعت يدي بجيب سروالي وتأملته بهدوء


رواية ماركيز الشيطان - فصل 19 - عصافير الحُب


شاهدني في المرآة وفورا أغلق الصنوبر ومسح يديه بالمحرمة ثم استدار ونظر إليّ ببرود قائلا

 

" ما أجمل هذا اليوم وأسعده.. مونرو بيلاتشو بشحمه ولحمه في توسكانا أمامي.. كم أنا سعيد برؤية وجهك القبيح أمامي الآن.. كيف حال أنفك؟.. يبدو بأنك خضعت لعملية تجميلية به لإعادتهِ لسابق عهده قبل أن أحطمهُ لك "

 

رفعت يدي بسرعة وسحبت مسدسي بفورة غضب ووجهته نحو رأسه.. رفع إيثان حاجبيه عاليا ثم كتف يديه ونظر بتسلية إليّ


رواية ماركيز الشيطان - فصل 19 - عصافير الحُب

 

ثم قال بسخرية

 

" هل تعلم.. وجود الأسلحة مع الأطفال يُشكل خطراً كبيراً على المُجتمع.. كيف سمحت لك الحكومة بحمل السلاح؟!.. غريب!!.... "

 

اصطكت أسناني بقوة وقلتُ له بفحيح

" الأطفال شبهُك يتم التلاعب بهم بسهولة.. أنتَ بوربون أغبى بكثير مما كنتُ أتوقع.. "

 

ثم ابتسمت بخبث وأخفضت سلاحي ثم وضعتهُ في الحزام على خصري وتابعت قائلا له

" قريبا جدا سوف أستمتع كثيراً.. انتظر هدية صغيرة مني لك قريبا.. أتمنى أن تُعجبك "

 

قهقهت بقوة عندما حدق بوجهي بغضبٍ بارد وعدم اهتمام واستدرت وأمرت رجالي بالذهاب لكن قبل أن أخطو خطوة واحدة التفت ونظرت إليه بخبث قائلا

 

" هل تعلم.. أجمل شعور في الحياة هو الأبوة.. صحيح أنا لم أختبرهُ  لغاية هذه اللحظة لكن هكذا سمعت.. ما أجمل أن يكون لك ابن تحتضنه إلى قلبك وتلعب معه وتنتظره وتغضب على أمه والجميع لأجله.. وتريد أن تقوم بشراء الكون له وتنفيذ كل ما يرغب به.. أليس كذلك بوربون؟! "

 

حدق إلى عيناي بطريقة كأني فقدت عقلي.. قهقهت بقوة ثم استدرت قائلا له قبل أن أخرج

 

" نلتقي قريبا بوربون.. الوداع "

 

سمعت بخبث إيثان يهمس بدهشة قائلا

" ما هذا الهراء الذي تفوه بهِ هذا المعتوه؟! "

 

ابتسمت بخبث بينما كنتُ أتوجه نحو طاولتي وفكرت بخبث.. هراء هممم؟!!.. سترى قريبا إيثان بوربون عن أي هراء أتكلم.. وقفت بجانب بابلو وهمست له قائلا

 

" بدأ اللعب مع بوربون.. ارسل رجلا لمراقبة قصر ماركو وعندما يتم رمي نفايات القصر.. أريده أن يبحث لي بها عن أي شيء يخص الطفل ويجلبه لي في الحال.. هناك فحص للحمض النووي سيجري قريبا.. وعندما يذهب بوربون من المطعم اجلب لي شوكته والمحرمة أسفل طبقه.. مفهوم؟ "

 

أجابني موافقا.. وهذا ما حصل ذهب بوربون من المطعم برفقة الرجلين والذين كانا برفقته وقبل أن يتم تنظيف الطاولة ذهب بابلو بسرعة وأخذ الشوكة التي تناول بها حلواه مع المحرمة التي مسح بها فمه ووضعهم بكيس بلاستيك.. ابتسمت برضا تام وقررت متابعة الصفقة مع التاجر بهدوء..

 

ولكن بسبب بوربون تعكر مزاجي وعندما وصلت إلى اليخت جعلت رالبيكا تخاف مني.. تسرعت و حاولت أن أُعبر لها عن ما يعتمل بداخلي لكني أخفقت.. لذلك قررت أن أصبر عليها أكثر وأحتفل الليلة بعيدها بهدوء..

 

عندما كنا في مطعم فورتوناتو أردت أن أطلب يدها بطريقة رومانسية لكن تعكر صفو سعادتي برؤيتي لتلك العاهرة أدريانا.. وانتابتني الشكوك من جديد لرؤيتي لـ رالبيكا خائفة منها.. شكوكي ازدادت بسبب كلام أدريانا.. 


أنا لستُ مُصاباً بجنون الارتياب لكن شعور بداخلي أخبرني بأن رالبيكا تُخفي عني سراً خطيراً.. وعندما حاولت معرفة الحقيقة منها انتابني شعور قوي بأنها تكذب..

 

ولكن لم أستطع سوى أن أُعبر لها بحنان لدى عودتنا إلى اليخت عن حُبي لها.. مارست معها الحب برقة مُتناهية.. أردت أن تكون تجربتها الأولى مميزة لأنها تستحق ذلك.. هي أول فتاة عذراء أمارس معها الحب من أعماق قلبي.. هذه المشاعر التي أغدقتُها عليها ولم أبخل بإظهارها لها كانت كفيلة لإظهار مدى عشقي لها دون أن أتفوه لها بذلك..

 

وعندما انتهينا أهديتُها خاتم الخطبة الذي اخترتهُ بنفسي لها لكن لم أطلب يدها لأنني فضلت أن أصبر قليلا لحين اكتشافي ما هي علاقتها الحقيقية بتلك العاهرة أدريانا.. ثم حضنتُها إلى صدري وادعيت النوم.. كنتُ أعلم بأنها حزينة بسبب شيء ولم تستطع النوم لوقتٍ طويل لكني تركتُها تظنني نائم حتى في النهاية غرقت معشوقتي في النوم..

 

تأملت وجهها بحزن وقلتُ لها بهمس

" لا تُخيبي أملي بكِ حبيبتي.. لا تفعلي  ذلك بي.. فقلبي لن يحتمل.. "

 

لم أستطع النوم بسبب تفكيري المستمر وتذكرت الملف الذي أرسله لي المحقق عن رالبيكا والذي رميته بإهمال في خزنتي دون أن أتفقده.. لذلك في الساعة الرابعة فجرا خرجت من الغرفة وتوجهت إلى قمرة القيادة.. كان يختي يرسو في ميناء فلافيا وقررت أن أذهب إلى قصري وأرى الملف بسرعة..

 

لكن قبل ذهابي إلى الشركة اتصل بي الحارس الذي عينته لمراقبة وحماية رالبيكا وقال

 

( سيدي.. كنتُ أحاول منذ الظهيرة في الأمس الاتصال بكِ لكنك لم تتلقى اتصالاتي.. لقد قال لي الطبيب أن الأنسة رالبيكا أتت في الأمس إلى عيادته لتجري عملية ترميم لعذريتها )

 

شحب وجهي بشدة وتعرق جبيني وارتعشت يداي بعنف لدى سماعي لما تفوه به.. تجمدت نظراتي بصدمة وشعرت بألمٍ كبير في قلبي.. لم أستطع أن أصدق ما سمعته أذناي لذلك سألتهُ بصوتٍ مبحوح بالكاد خرج من فمي

 

" هل أنتَ متأكد من كلامك؟.. ربما كذب عليك الطبيب!.. أو ربما ظنك تسأله عن مريضة أخرى!!... "

 

أجابني فوراً وبثقة تامة

 

( لا سيدي أنا متأكد من كلامي.. الطبيب شعر بالخوف لدى رؤيته لمسدسي.. رفض في البداية رفضا قاطعا الاعتراف لي عن سبب زيارتها له لكن عندما هددته بالقتل أخبرني فوراً بأن الأنسة رالبيكا بوسيني أتت إليه لتخضع لعملية استعادة العذرية.. وأعلمني بأنه رمم لها عذريتها ودفعت له مبلغ ألف يورو نقدا وجعلني أرى الوصل أيضا )

 

أحسست بأنني وقعت من علو شاهق وأحسست بثقلٍ في معدتي وبألمٍ شديد في قلبي.. أنهيت الاتصال معه ونظرت بعدم التصديق أمامي.. كل ما كنتُ أراه الأن هو السواد في عيناي.. لقد خدعتني!!.. خدعتني بعذريتها وأنا مثل الأحمق صدقتُها.. خدعتني ببراءتها ونقائها وعفتها.. لكن لماذا فعلت ذلك بي؟!.. لماذا؟!!...

 

لم أكن واللعنة سأهتم إن لم تكن عذراء.. لم أكن سأهتم لذلك واللعنة.. لكن لماذا فعلت ذلك بي؟!.. ما هي أسبابها؟!... لماذا خدعتني وقالت لي بأنها عذراء ثم بعد سنة أجرت تلك العملية؟!.. ما هي غايتها من خداعي؟!.... هل هي متفقة مع أدريانا؟!.. لا مستحيل!!...

 

أمرت خمسة من رجالي بالبقاء في اليخت وحراسة رالبيكا وتوجهت إلى شركتي برفقة بابلو و مانويل وحُراسي الباقيين... يجب أن أرى الملف في الحال وأكتشف حقيقتها... وأول ما فعلته لدى وصولي إلى شركتي ودخولي إلى مكتبي هو سحب الملف من الخزنة... جلست على الكرسي خلف مكتبي وارتعشت يدي الممسكة بالملف..

 

كنتُ متردد بقراءته لكني فتحته بهدوء وبدأت أقرأ كل المعلومات.. في البداية كتب لي أين ترعرعت وكم تبلغ من العمر وكيف توفي والديها.. وهنا كانت صدمتي.. والديها تم قتلهما في ذلك اليوم الذي تم به اغتيال رئيس الوزراء السابق بيترو بوربون.. كانت رالبيكا حينها في سنتها الأولى في الجامعة تدرس المحاماة..

 

" كانت تدرس المحاماة؟!.. "

 

همست بنبرة متفاجئة ثم تابعت القراءة و يا ليتني لم أفعل.. اكتشفت بصدمة بأنها تركت جامعتها لتعمل خادمة في قصر إيثان بوربون.. خفق قلبي بقوة وشعرت بأناملي ترتعش.. رالبيكا كانت تعمل خادمة لدى إيثان بوربون لفترة ثماني سنوات لعينة؟!!!... لماذا لم تخبرني بذلك؟!.. لماذا كذبت عليّ وقالت لي بأنها كانت تعمل لدى أدريانا كخادمة؟!!!...

 

شعرت بألمٍ كبير في قلبي وتملكني غضب جنوني عندما قرأت أنه منذ حوالي ثلاث سنوات تقريبا فجأة طردها إيثان بوربون من قصره ثم استخدم نفوذه ولم يسمح لها بالعمل في القصور والمطاعم الفخمة في منطقة دي فالكوني.. وأشار المحقق أنه عندما طردها إيثان من العمل لديه في تلك الليلة فقدت أصبعها الخنصر وتم قص شعرها بالكامل..

 

وكتب لي التواريخ بدقة وهنا انتبهت لشيء مهم.. في ذلك التاريخ تلك العاهرة أدريانا اعتزلت مهنتها بسبب حادث بسيط حصل معها.. ولم يعلم أحد ما هو الحادث.. لكن لاحقا عندما ضاجعت تلك القذرة رأيت علامة إكس كبيرة وقبيحة على صدرها.. تلك العلامة كانت واضحة جدا رغم أنها وضعت وشما فوقها لإخفائها..

 

اشتعل بي الغضب لاكتشافي لكل تلك الحقائق.. منذ البداية كذبت عليّ.. هل هي متفقة مع إيثان يا ترى؟!.. لا!!.. لا أظن ذلك..

 

غضبت من نفسي لأنني كالأحمق ما زلتُ أبرر لها كذبها عليّ.. سحبت هاتفي ورأيت الساعة تشير إلى السادسة والنصف صباحا.. اتصلت بـ بابلو وأمرته قائلا بحدة

 

" اذهب في الحال إلى منزل تلك القذرة أدريانا واجلبها إلى المستودع في شركتي "

 

أجابني موافقا وبعد نصف ساعة دخل إلى مكتبي بهدوء قائلا ببرود كعادته

 

" هي في المستودع سيدي "

 

ابتسمت بخبث وقلتُ له

" اجلب عدة التعذيب ولا تتأخر "

 

أجابني موافقا و وقفت بسرعة واتجهت نازلا إلى المستودع.. رأيتُها تبكي برعب وهي مكبلة اليدين والساقين وتم وضع شريط لاصق على فمها.. عندما رأتني توسعت عينيها برعب وبدأ جسدها يرتعش بقوة.. اقتربت منها وانحنيت وسحبت الشريط عن فمها ونظرت إلى عينيها بهدوءٍ مُخيف قائلا لها باستهزاء في البداية ثم بأمر

 

" مرحبا أدريانا.. أهلا بكِ في ضيافتي هنا.. آسف المكان قذر قليلا لكن من يدري قد لا تخرجين سالمة منه أبدا.. ما علينا.. لكن أعدُك ستكون إقامتكِ هنا مسلية لي.. أخبرني الآن وبالتفصيل الممل عن علاقتكِ بـ رالبيكا وكل ما تعرفينهُ عنها.. و.. ولا أريد سوى الحقيقة.. فهمتِ أم أعيد كلامي؟ "

 

بلعت ريقها بقوة وقالت بصوتٍ مهزوز

" مونرو.. أنا لا أعلم شيئا و.. أاااااااااااههه..... "

 

صرخت بألمٍ كبير عندما أمسكت بخصلات شعرها بقوة وجذبت رأسها عاليا وقلتُ لها بفحيح

" تكلمي قبل أن أقتلع لكِ لسانكِ من محله.. تكلمي واللعنة.. "

 

شرعت تبكي بهستيرية وقالت برعب من بين شهقاتها

 

" هي كانت خادمة لدى إيثان بوربون.. ومعلوماتي عنها أنها كانت عشيقته.. ولكنها غضبت منه عندما شعر بالملل منها واهتم بخادمتهِ الجديدة شارلي.. كنتُ في تلك الأثناء على علاقة بـ إيثان.. وفي يوم أتت رالبيكا وقالت لي بأن إيثان بوربون يخونني مع عاهرته الجديدة.. وطلبت مني مبلغ خمسين ألف يورو لتجعله يبتعد عنها.. وأنا بسبب محبتي له وافقت ودفعت لها كامل المبلغ.. لا أعلم ما فعلته لتتخلص من عشيقتهُ شارلي لكنها نجحت إذ إيثان رماها خارج قصره.. "

 

توقفت عن التكلم وشرعت تبكي بعنف.. أرخيت قبضتي عن شعرها ونظرت بدهشة وحزن أمامي.. رالبيكا كانت عشيقة إيثان؟!... ألمني قلبي بعنف لاكتشافي ذلك.. كم كنتُ غبي.. كم كنتُ أحمق وظننتُها بريئة..

 

اشتعل بي الغضب أضعافا وهتفت بجنون بوجه تلك الساقطة

" تكلمي ماذا حدث بعدها؟!.. تكلمي واللعنة... "

 

انتفضت برعب وقالت ببكاء

 

" رالبيكا أرادت إيثان لها.. لذلك تخلصت من شارلي وتبقى أنا.. أرادت التخلص مني أيضا.. لذلك أوهمت إيثان بكلام سيء عني وقالت له بأنني حاولت رشوتها مقابل أن تتجسس عليه وتسلمني معلومات عنه وعن نسائه.. لكنها لم تعلم بأن إيثان فقد صوابه بسبب ما قالته وقام بخطفنا معا وتعذيبنا خاصة عندما اكتشف المبلغ الذي حولتهُ على حساب خادمتهِ رالبيكا..اكتشف بأنها خانته للحصول على المال مقابل أن تتجسس عليه لمصلحتي.. "

 

ثم شهقت بقوة وتابعت قائلة ببكاء

 

" هو من حفر على صدري تلك العلامة لأنني حاولت الحصول على معلومات عنه من خادمته.. وجعل خمسة وعشرين من رجاله يغتصبوني ويغتصبون خادمته العاهرة.. رالبيكا أفعى وعليك أن تكون حريصا منها.. فهي خائنة وعاهرة وتبيع جسدها لمن يدفع لها أكثر.. أنا لا ذنب لي بشيء.. هي السبب بما حصل لي وانتهاء مهنتي.. هي السبب في كل تعاستي.. هي السبب بكل ما حصل لي "

 

ثم توقفت عن البكاء وحدقت بخبث إلى عيناي وقالت

 

" رغم ما فعله بي إيثان بوربون إلا أنني شعرت بالسعادة لأنه قص لها شعرها وقطع لها أصبعها الخنصر.. تلك العاهرة تستحق ما حصل لها.. ولدي معلومات بأنها قبل أن تعمل لديك تواصلت مع بوربون.. احترس منها مونرو فهي ستجعلك تقع في غرامها لتحصل على المال.. همها الوحيد في الحياة هو المال ثم المال.. انتبه منها لأنني أظن بأنها تعمل لصالح إيثان.. بالطبع هي تتجسس عليك لمصلحة إيثان.. انتبه منها جيدا مونرو "

 

" اااااااااااااععععععععععععههه..... "

 

صرخت صرخة جنونية عبرت بها عن مدى غضبي وألم قلبي.. لم أستطع أن أتحمل ما سمعته.. قلبي تحطم وسواد مُخيف لفني.. لقد لعبت بي وأنا بغباء صدقتُها.. كل شيء كان مُجرد خدعة منها.. كانت عشيقة لـ إيثان كما تم اغتصابها من كل رجاله وأنا بغباء ظننت نفسي أول من لمسها... ألم رهيب فتك بقلبي.. ألم لم أستطع احتماله..

 

شعرت بالغضب من أدريانا ومن رالبيكا ومن العالم حولي وخاصة من نفسي لأنه تم التلاعب بي من قبل فتاة عاهرة.. وقررت أنه حان الوقت لأنتقم من الجميع وخاصة رالبيكا و إيثان القذر..

 

نظرت إلى بابلو وقلتُ له بأمر

" أعطني سكين في الحال "

 

أومأ موافقا وفتح حقيبة سوداء كبيرة وأخرج منها سكين كبير.. استلمته منه وأمرت الرجال بفك وثاق يديها.. ابتسمت تلك الحمقاء بسعادة لظنها بأنني سأحررها لكنها لا تعلم ما ينتظرها.. أمسكت يدها اليمنى وأمرت الحارس أمامي قائلا بأمر

 

" ثبت جسدها جيدا ولا تدعها تتحرك "

 

بدأت أدريانا تهتف برعب وهي تُحدق بوجهي بذعرٍ كبير

 

" مونرو.. ماذا تفعل؟!... لاااااااااااااا... دعوني.. أنا لا ذنب لي.. رالبيكا السبب.. لا مونرو لا تفعل أرجوك.. لااااااااااااااااااااا.... أاااععععععععهههههههههههههه.. "

 

صرخت بألمٍ جنوني في النهاية عندما ثبت يدها اليمنى على الأرض وقطعت لها أصبعها الخنصر.. بكت بجنون لكني لم أهتم بل أمسكت بأصبعها المقطوع ورميته بوجهها قائلا

 

" كان يجب على الغبي إيثان أن يفعل ذلك بكِ.. لكنه غبي "

 

ثم أمسكت بيدها اليسرى وثبتُها على الأرض وقطعت بالسكين أصبعها الخنصر والتقطه ورميته بوجهها الباكي قائلا لها ببرود أعصاب مخيف

 

" هذا لأنكِ هزأتِ منها ليلة أمس بسبب أصبعها المقطوع ولأنكِ قبلتني وجعلتني أشعر بالقرف.. الآن أصبحتِ بأصبعين مقطوعين وليس واحد "

 

رميت السكين على الأرض وقلتُ لـ بابلو بأمر

" صرخاتها ألمت رأسي.. أكتم لها أنفاسها قبل أن أقطع رأسها من مكانه.. ثم كبل يديها ودعها تزف للموت.. لكنها هرة بسبعة أرواح لن تموت للأسف "

 

وما أن اقترب منها بابلو غابت عن الوعي بسبب ألامها.. راقبته بملل وبغضبٍ بارد يُكبل يديها ويضع شريط لاصق على فمها.. وعندما انتهى نظرت إليه ببرود قائلا

 

" أريد شارلي بوربون هنا وفي أسرع وقت "

 

أجابني موافقا وخرج من المستودع برفقة نصف الرجال أما الباقين أمرتهم برئاسة مانويل بالذهاب إلى يختي وجلب تلك الخائنة إلى قصري..

 

انتقامي سوف يشمل الجميع والأهم تلك الكاذبة العاهرة والمُخادعة رالبيكا.. ما ستراه مني لن يتحمله عقلها المقرف.. أما إيثان بوربون سأنتقم منه عبر شارلي أم طفله والذي لا  يعرفُ به..

 

 

إيثان**

 

كنتُ في توسكاني برفقة صديقين لي أشرب القهوة.. تناولت قطعة من الحلوة برفقتهم عندما رأيت ذلك المغفل مونرو بيلاتشو يدخل إلى المقهى.. 


بالطبع رأيته لكن قررت أن أتجاهله فلا مزاج لي للتشاجر معه.. ولكن عندما دخلت إلى الحمام تبعني الحقير برفقة رجاله..


لم أرد أن أغضب بسبب غبائه وكلماتهِ المستفزة لي والتي لا معنى لها.. ذلك المغفل أعطاني درسا عن الأبوة!!...

 

ما هو قصده يا ترى!!.. فكرت قليلا لكن قررت عدم الاهتمام بكلماته الغبية مثله وقدتُ عائدا إلى دي فالكوني..

 

أوقفت سيارتي أمام أتوليه المصمم العالمي ليو فالونتي إذ سبق وطلبت منه أن يصمم لي بدلة جديدة.. عندما خرجت من المبنى رأيت سيارة قادمة باتجاه الموقف ولكن تلك السيارة كانت على وشك الاصطدام بفتاة على دراجتها الهوائية.. ركضت بسرعة وأمسكت بتلك الفتاة حتى لا تقع وبيدي الثانية أمسكت بدراجتها

 

" أنستي انتبهي.. أنتِ بخير؟!.. لا تخافي فــ... "

 

تجمدت الكلمات في حلقي وقلبي اللعين نبض بشكلٍ جنوني وتوسعت عيناي بصدمة عندما رأيتُها أمامي.. تملكتني الصدمة لرؤيتي لها أمامي.. وهمست بعدم التصديق وبذهولٍ شديد

 

" شارلي؟!!!!...... "

 

ظننت نفسي أحلم و أراها أمامي مثل عادتي.. ابتعدت عنها ورغما عن إرادتي نظرت إليها بعاطفة كبيرة و باشتياق مهول.. إنها هي.. شارلي هنا وكانت بين أحضاني منذ قليل.. وكم بدت جميلة كما أذكر جيداً وناعمة و.. يا إلهي.. بماذا أفكر الآن؟!.. ما إن رأيتُها حتى نسيت كليا ما فعلتهُ بي..

 

" مرحباً إيثان "

 

صوتها الرقيق والناعم أعادني إلى رشدي وهنا عاد الكره والغضب يعصف بداخلي.. نظراتي الحنونة والمشتاقة لها تحولت إلى باردة وحاقدة.. حاولت الدخول إلى سيارتي دون أن أبالي لها لكنها أمسكت بذراعي وطلبت مني عدم الذهاب..

 

خفق قلبي الخائن بشدة من أجلها ومع ذلك حاولت تجاهله قائلا لها ببرود

" لا يوجد كلام بيننا "

 

لكن جسدي الخائن ارتعش بقوة عندما احتضنتني بشدة وألصقت جسدها بظهري وهمست قائلة لي برجاء

 

" لا تذهب أرجوك.. دعنا نتكلم لو سمحت "

 

تحكمت برعشة جسدي بصعوبة وكم رغبت في هذه اللحظة أن أستدير وأقبلها بعنف وأسحق شفتيها بشفتيّ وأجعلها مُلكي إلى الأبد.. لكني لا أستطيع فعل ذلك..

 

لا أستطيع وهذا ألمني جدا.. لكن أمامها أضعف.. أنا ضعيف أمامها ولم أستطع بسبب نظراتها لي سوى إدخالها إلى سيارتي بقوة ثم وضعت دراجتها وحقيبة يدها في صندوق سيارتي وقدتُ السيارة إلى وجهة لا أعلمها..

 

لم أستطع أن أتكلم معها رغم أنني رغبت وبشدة أن أهتف بوجهها بكل الألم الذي يعتمر في قلبي وأصرخ بوجهها وأطالب بمعرفة أسبابها الحقيقية لخيانتها لي..

 

شعرت بنظراتها تتأملني وكم رغبت بسحقها في أحضاني وجعلها لي.. لكني منعت نفسي عن فعل ذلك بصعوبة وقررت أخذها إلى تورينو إلى مكاني السري.. فهناك كنتُ أذهب دائما وأشاهد غروب الشمس وأفكر بـ شارلي..

 

تفاجأت عندما كلمتني باللغة الإيطالية وقالت لي بأنها اشتاقت لي.. اعتصر قلبي بقوة كأن يدا خفية أمسكته وعصرته بشدة.. هل تريدُ قتلي؟!.. هل هي تستمتع بتعذيبي؟!!..

 

كم رغبت بإخبارها بأنني كنتُ أموت في كل دقيقة كل تلك السنوات وأنا أتمنى رؤيتها وسماع صوتها.. لكن لا أستطيع الاعتراف لها بذلك حتى بلغتي الأم لأنها تعلمتها وستفهمني الآن..

 

وعندما أوقفت سيارتي في مكانها المعتاد في ذلك المكان أردت معاقبتها بشدة لأنها تؤلمني.. شارلي هي نقطة ضعفي الوحيدة في هذه الحياة.. حتى أنني خسرت ماركو بسببها..

 

هتفت بوجهها بجنون خاصة عندما ارتعبت مني وطلبت مني عدم قتلها.. مستحيل أن أؤذيها في حياتي كلها لأنني سأموت إن أصابها أي مكوره..

 

وبغباء لم أستطع سوى تقبيلها بشغف.. شعرت بأنني في الجنة وأنا أمارس معها الحب بجنون.. قلبي كان سينفجر ولم أستطع أن أكون رقيقا معها.. لأكثر من سنتين ونصف لم ألمس امرأة.. لم أستطع لمس أي امرأة بعد شارلي.. حُبي لها يفوق قدرتي على التحمل.. أمامها أضيع وأُصبح طوع يديها وتحت تصرفها..

 

شعرت بالغضب من نفسي لأنني ضعفت ومارست الحُب معها.. هي خانتني مع ماركو والأهم هي زوجته وأم طفله.. إلهي ما الذي فعلته الآن؟!.. فكرت بدمار وشعرت بتأنيب الضمير لأنني ضعفت أمامها..

 

سبق وحلفت ووعدت نفسي بأن لا ألمسها أبدا بعد اختطافي لها.. حلفت بأنني لن أفعل من أجل ماركو لكني نكثتُ حلفاني.. لذلك أهنتُها وكتبت لها شيكا بقيمة خمسين ألف يورو ورميته على صدرها وخرجت بانهيار من السيارة..

 

كم أردت الموت بينما كنتُ أسمح نحيبها وبكائها المرير.. لقد ألمتُها بشدة لكنني مرغم على فعل ذلك.. ما كان يجب أن ألمسها لأنها مُحرمة عليّ..

 

تقطع قلبي عندما رأيتُها تخرج من السيارة وتركض بعيدا.. أنا أحبُها واللعنة ولا أستطيع رؤيتها منهارة أمامي.. ومثل الغبي ركضت خلفها واحتضنتُها بشدة إلى صدري.. وكم تألم قلبي لسماعي لها تبكي وهي تُخبرني بأنها لم تقم بخيانتي مع ماركو.. وهنا تأكدت بأنني خسرتُها عندما تركتُها بغباء بسبب وعدي لأمها..

 

هي تُحبني كما أفعل.. تجاوبها معي يُثبتُ لي ذلك.. مارست معها الحب للمرة الثانية ولم أهتم لشيء.. بئساً لكل شيء وللجميع.. لن أفكر سوى بسعادتنا.. إن كانت تريدني وتحبني سوف تتطلق من ماركو وتكون معي إلى الأبد..

 

اتخذت قراري النهائي وأخبرتها به.. ولسعادتي الكبيرة وافقت.. أخيرا حبيبتي الجميلة شارلي سوف تكون لي..

 

كنتُ أشعر بسعادة لا توصف.. سعادة فقدتُها منذ زمنٍ طويل جدا.. ربما قراري الذي اتخذته بسرقة شارلي من ماركو أناني جداً لكني مجرد رجل يعشق بجنون.. رجل لا يستطيع نسيان معشوقته والعيش من دونها..

 

في اليوم الثاني جهزت مفاجأة جميلة لـ شارلي على العشاء.. كنتُ سوف اصطحبُها إلى مطعم لا فوليا ماتا وهو أشهر مطعم في دي فالكوني..

 

وأردت أن أعترف لها الليلة بمشاعري نحوها وأخبرها كم أعشقها ثم سوف اصطحبُها إلى منزلي السري وأمارس معها الحب بجنون.. لكن جميع خُططي ذهبت أدراج الرياح عندما دخل ماركو إلى مكتب رومانوس ولكمني وهتف بوجهي بأنني خطفت شارلي..

 

توقف الزمن من حولي وشعرت بالبرد في كامل أنحاء جسدي.. وكاد قلبي أن يتوقف عن النبض خوفا عليها.. حبيبتي شارلي تم اختطافها!!.. وهنا تملكني غضب مخيف.. وقررت أن أقتل من تجرأ على فعل ذلك بها.. إن لمس شعرة واحدة منها هو وكل من يُحب سوف يكونون في عداد الأموات..

 

خرجت من مكتب رومانوس وتوجهت إلى مكتبي.. كان جميع رجالي يقفون أمامي بصمت بينما أنا أشتعل من الداخل.. نظرت إليهم وقلتُ لهم بأمر وبحدة

 

" سنذهب فوراً ونجد ذلك القذر و اليوم قبل الغد.. يجب أن نجد شارلي في أسرع وقت.. وكل من يعترض طريقنا سيتم تصفيته "

 

وخرجت برفقتهم بعد أن حملت سلاحي وتوجهت إلى مكتب هنري.. كان رومانوس قد سبق واتصل به لدى وصولي إلى مكتبهِ في مقر الشرطة برفقة رجالي.. وسمح لي باستخدام أجهزة المراقبة ورؤية كاميرات الطرقات لكنه قال لي بأنه سيذهب لرؤية الماركيز..

 

بعد ذهابه استخدمت أجهزة الشرطة بمساعدة المختصين وشعرت بالصدمة عندما رأيت تلك السيارات الرباعية الدفع تسير بهدوء حول قصر ماركو..

 

تملكني الغضب الشديد لأن كل تلك السيارات تم إزالة لوحة الرقمية عنها لعدم معرفة من هو مالكها.. ثم تبعناها عبر الكاميرات على الطرقات وشاهدت برعب كيف دخلت تلك السيارات خلف شارلي على بُعد شارعين من قصر ماركو ثم اختفت..

 

هتفت بجنون على ذلك الرقيب قائلا بحدة

 

" أين ذهبوا؟!.. كيف اختفت تلك السيارات اللعينة عن كاميرات المراقبة في الشارع؟!.. تأكد من جديد ربما نراهم في كاميرات أخرى "

 

نظر إليّ بأسف قائلا

" آسف سيد بوربون الكاميرات في الشوارع وعلى طريق العام توضح لنا بأنهم عندما دخلوا إلى ذلك الشارع الفرعي لم يخرجوا منه من جديد "

 

ضغطت بشدة على أسناني وهمست له بحدة

" كيف واللعنة حدث ذلك؟!.. ألا يوجد كاميرات مراقبة في ذلك الشارع؟ "

 

أجابني بأسف

" لا سيد بوربون.. لا يوجد كاميرات في الشوارع الداخلية.. ربما يجب أن تتحقق بنفسك وتذهب لرؤية كاميرات مراقبة المحلات في تلك الشوارع الفرعية و.... "

 

قبل أن يُكمل كلامه أشرت بسرعة لرجالي ليخرجوا وخرجت من مقر الشرطة وتوجهت بسرعة إلى ذلك الشارع الذي اختفت به شارلي.. 


خمس ساعات لعينة وأنا أدخل إلى كل متجر وأطلب من أصحابها السماح لي برؤية كاميرات المراقبة الخارجية لديهم.. وبعد جُهدٍ كبير استطعت أخيرا اكتشاف وجهة تلك السيارات وانتابتني الصدمة الشديدة..

 

شعرت بالصدمة لاكتشافي بأن تلك السيارات توجهت إلى شمال دي فالكوني وتحديدا باتجاه مقر أهم الشركات.. ومنها شركة ذلك اللعين مونرو بيلاتشو.. تجمدت كل حواسي وفورا شكوكي اتجهت نحوه.. إنه هو من خطف شارلي؟!.. نعم هو.. كلامه لي في الأمس يوحي بذلك..

 

أصابني التشنج وبدأ عبوسي يتحول لغضب عارم.. فتطاير الشرر من عيناي ونفرت عروق رقبتي وضربت كفّاً بكف وهتفت بحقدٍ مميت

 

" ذلك الحيوان الخسيس خطف معشوقتي.. سأقتلك مونرو بيلاتشو "

 

هتفت بجنون في النهاية وأمرت رجالي جميعهم بحمل أسلحتهم والتوجه نحو شركته.. عندما وصلنا ترجلت من السيارة ومشيت بخطواتٍ سريعة برفقة رجالي واقتحمت شركته.. لم أهتم لصرخات الموظفين والرعب الذي ساد المكان عندما اقتحمت برفقة رجالي الشركة..

 

الذعر والرعب سيطر على جميع الموظفين لدرجة جعلتهم ينهمرون بالبكاء خوفا على حياتهم.. حاصر بعض من رجالي الموظفين في الطابق الأول وبدأت بالتفتيش عن شارلي.. طابق تلو الأخر والآخر والآخر ثم آخر لكن لا أثر لها.. وذلك الحقير مونرو لا أثر له في الشركة..

 

شعرت بأنني سأفقد عقلي في هذه اللحظات.. لذلك وبغضبٍ عاصف أمسكت بحارس شركة مونرو من خوانيقه ووضعت فهوة مسدسي على جبينه وقلتُ له بفحيحٍ مُرعب

 

" أين هي؟!.. تكلم قبل أن أُفجر لك دماغك المقرف "

 

طالعني بنظرات مرتعبة و بخوفٍ شديد وببكاء وقال بصوتٍ مخنوق بسبب ضغطي على عنقه

 

" لا أعلم سيدي عن من تتكلم.. لكن يوجد مستودع سري في الشركة "

 

أبعدت يدي عن عنقه وأمسكته بسرته ورميته أمامي ليقع على الأرض ثم أمسكت بذراعه وقلتُ له بأمر

 

" أرشدني فوراً إلى ذلك المستودع.. هيا تحرك "

 

ارتعش بخوف وبدأ يسير أمامي.. تبعته مع رجالي وبدهشة عندما وصلنا إلى الطابق السفلي أسفل الأرض رأيته ضغط زر في لوحة ثم إخفائه خلف جدار خشبي متحرك لا يمكن ملاحظته.. وفورا رأيت الجدار أمامي يتحرك وظهر مستودع كبير أمام عيناي..

 

رميت الحارس على الحائط ولطمت رأسه بقوة وفورا سالت الدماء من رأسه وغاب عن الوعي..

 

رميت جسده على الأرض ودخلت ونظرت أمامي بقلق.. لا يوجد أثر لأحد.. مشيت ببطء أتفحص كل ركن بداخل ذلك المستودع الكبير والفارغ وفجأة قبض قلبي عندما رأيت بقعة كبيرة من الدماء على الأرض..

 

شعرت بروحي تنسحب من جسدي وتوسلت إلى اللّه بداخلي.. أرجوك لا تدع مكروها يُصيب شارلي.. افعل بي ما تشاء لكن شارلي لا.. احميها أرجوك..

 

انحنيت ولمست الدماء الجافة على الأرض وشعرت برغبة قوية للبكاء.. كانت هنا.. شارلي كانت هنا بالتأكيد... إن كانت هذه دمائها سأقتل مونرو بيدي.. سأقتله... سأقتله بنفسي..

 

وقفت بانهيار وحاولت أن أتحكم بغضبي وخوفي عليها وأمرت رجالي قائلا

 

" سوف نتوجه في الحال إلى قصر ذلك الحيوان "

 

وخرجت من شركته وتوجهت بسرعة جنونية إلى قصره.. ما ان رأيت قصره أمامي ضغطت بكامل قوتي على دوّاسة الوقود وحطمت البوابة الحديدية وأوقفت السيارة بعنف أمام القصر.. حاوطني حراس مونرو من كل الجهات لكنهم تفاجئوا بوجود رجالي يقفون خلفهم وهم يشهرون أسلحتهم على رؤوسهم..

 

ترجلت من سيارتي ببطء ووقفت أمامهم وأمرت رجال مونرو بهدوء مُخيف قائلا

 

" أخفضوا أسلحتكم وارموها أمامي بالدور.. حركة أخرى وسيتم إعدام الجميع برصاصة في رؤوسكم "

 

بدأوا يرمون أسلحتهم أمامي بالدور وعندما انتهوا أمرتهم بحدة قائلا

 

" أجثوا جميعا على رُكبكم.. تحركوا "

 

وعندما فعلوا ظل رجالي خلفهم بينما أنا نظرت بكره إلى باب القصر وهمست بينما كنتُ أمشي بخطوات سريعة نحوه

 

" سأقتل ذلك السافل الآن "

 

فتحتُ الباب بهدوء ودخلت..

 

هدوئي ذلك لا يصف ما بداخلي من أعاصير.. هرب الخدم برعب من أمامي لدى رؤيتهم لي أدخل وبيدي مسدسي.. أول ما رأيته أمامي في الصالون هو ذلك القذر مونرو يجلس بهدوء على الأريكة وهو يرتشف الويسكي ثم وضع الكأس على الطاولة أمامه ووضع ساقا فوق الأخرى وتأملني بنظرات حادة


رواية ماركيز الشيطان - فصل 19 - عصافير الحُب
 

رفع حاجبه عالياً قائلا بغرور وهو يتأملني ببرود

 

" عجباً.. عجباً.. إيثان بوربون بشحمه ولحمه في قصري المتواضع!.. فعلا يا للعجب!!.. ما سبب زيارتك لي المفاجأة والغير المرغوب بها بوربون؟ "

 

خلعت نظراتي ببطء ووضعتُها بجيب قميصي ثم رفعت سلاحي أمام وجهه وحدقت إليه بحقدٍ كبير وسألتهُ بحدة


" أين هي؟! "

 

أرخى ظهره على ظهر الأريكة وقال بملل


" من؟ "

 

اشتعل بي الغضب أكثر وتقدمت خطوة منه ثم قلتُ له بحدة وبغضبٍ مهول

" لا تتذاكى عليّ بيلاتشو.. أين هي شارلي؟ "

 

رفع حاجبيه بدهشة ثم أشار لي بيده نحو السلاح قائلا

" أولا أخفض هذا السلاح واجلس ودعنا نتكلم بهدوء "

 

لكن عندما لم أستجب لطلبه شعرت بحركة خلفي وفورا التفت ورأيت ثماني رجال مسلحين يتقدمون ليقفون خلفي وهم يصوبون أسلحتهم نحوي وسمعت مونرو يقول بخبثٍ واضح

 

" هل ظننت بأن رجالي في الخارج فقط؟!.. غبي مثل عادتك بوربون.. أخفض سلاحك واجلس لنتكلم بهدوء أو خسرتَ حياتك يا.... بطل "

 

أدرت رأسي وحدق إليه بكرهٍ شديد ثم قلتُ له من بين أسناني بحدة

 

" هل تظن فعلا بأن رجالك الثمانية سوف يستطيعون التغلب عليّ؟!.. أنتَ تعلم جيدا بأنني أستطيع قتلهم في أقل من ثانية "

 

قهقه مونرو بقوة ثم رفع يده اليمنى وأشار بها ناحية اليسار.. توجهت نظراتي بسرعة نحو اليسار ورأيت أكثر من خمسة عشر حارس يدخلون إلى الغرفة ويتقدمون باتجاهي ووقفوا حولي وهم يرفعون أسلحتهم نحو رأسي..

 

" اللعنة... "

 

همست بغضب وسمعت مونرو يقول بخبث

 

" هناك المزيد أيضا.. هل تعلم بأنهُ لدي قناصون على سطح القصر يوجهون أسلحتهم نحو رجالك في الخارج.. أي حركة منهم سيتم قتلهم بسرعة.. للأسف سمعت بأنك اقتحمت شركتي لسببٍ مجهول لذلك أخذت احتياطاتي إذ توقعت زيارتك لي.. والآن اجلس ودعنا نتكلم بهدوء "

 

اصطكت أسناني ببعضها بغيظ وأخفضت سلاحي ووضعته خلف ظهري وثبته بالحزام ووقفت وتأملتهُ بحدة وبكرهٍ كبير


رواية ماركيز الشيطان - فصل 19 - عصافير الحُب


تقدمت ببطء وجلست بهدوء أمامه على الأريكة وتبادلنا النظرات الكارهة لبعضنا البعض.. تنهد مونرو بقوة ثم أخفض ساقه وسألني ببرود أعصاب

 

" هل تريد كأسا من الويسكي؟.. هذا من آداب الضيافة.. ومن كرم الضيافة يجب أن أستقبل ضيفي بحماس وكرمٍ شديدين.. في النهاية الضيف ضيف "

 

غلت الدماء في عروقي وأجبته بحدة

" اعفني من كرم ضيافتك مونرو.. أين هي شارلي؟ "

 

حدق بحزن إلى وجهي ثم قال ببرود

" لا أعلم أين هي.. ثم لماذا تظن بأن فتاتك.. أوه لا.. أقصد زوجة شقيقك ماركو.. لماذا تظنها لدي؟!.. وما دخلي أنا بها!!.. "

 

تسارعت أنفاسي بقوة وتحكمت بصعوبة بغضبي وقلتُ له بحدة

" توقف بيلاتشو عن اللف والدوران وادخل مباشرةً في صلب الموضوع.. لماذا خطفتَ شارلي؟.. وأين هي الآن؟ "

 

تأفف مونرو بعصبية ثم استقام بجلسته وقال لي ببرود

" لا دخل لي بها.. زوجة أخاك ليست لدي "

 

ثم وقف بهدوء وأولاني ظهره وسكب لنفسه وسكي ثم رفع الكأس ونظر إليه بشرود قائلا

 

" سوف أكون كريما معك وأسمح لك أيضا بالتفتيش في منزلي والبحث عنها.. لكنك لن تجدها للأسف لأنني لستُ من خطفها.. فهي لا تهمني بتاتا.. ربما يجب أن تبحث عن أعداء أخرين لك غيري أنا.. وترى الحقيقة بنفسك.. أعني بأن لا دخل لي بما حصل معها "

 

شعرت بأنه صادق.. وتملكني إحساس بالإحباط الشديد.. ولكن قبل أن أُجيبه سمعت رنين هاتفي.. أمسكته بسرعة وعندما أردت إغلاقه تجمدت عندما رأيت رقما غريبا.. ربما تكون شارلي!.. ضغطت بسرعة على الشاشة ووضعت الهاتف على أذني وخفق قلبي بعنف عندما سمعت صوتها الفزع

 

( إيثاااان.. أين أنت؟!.. تعال بسرعة إليّ..  أنا خائفة جدا )

 

وقفت بسرعة وهتفت لها بقلق وبسعادة لسماعي صوتها

" أين أنتِ حبيبتي؟!.. لا تخافي سآتي في الحال.. فقط أخبريني أين أنتِ؟! "

 

لم أنتبه بأنني ناديتُها حبيبتي بسبب لهفتي وسعادتي لسماع صوتها.. استدرت ولم أهتم لنظرات مونرو لي الباردة والخبيثة بل مشيت بسرعة من أمام رجاله وخرجت من قصره وأشرت لرجالي بالانسحاب وسمعت شارلي تقول بنبرة فزعة

 

( لقد هربت.. أنا خائفة جداً.. أنا في شارع العام بجانب محطة للوقود اسمها باتلي للوقود.. أرجوك إيثان تعال بسرعة أنا خائفة جدا بأن يجدوني.. أنا أتصل بك من داخل مكتب تلك المحطة )

 

هتفت لها بلهفة بينما كنتُ أصعد في سيارتي

" حبيبتي لا تخافي.. أنا قادم.. لا تُقفلي الخط ابقي معي ولا تغلقي الخط مهما حدث.. دقائق وأكون عندكِ "

 

قدتُ سيارتي بسرعةٍ جنونية نحو تلك المحطة بينما طيلة الوقت كنتُ أتكلم معها بلهفة وأناديها بحبيبتي دون أن أنتبه لنفسي.. كانت تبكي.. وبكائها المرير هو كل ما كنتُ أسمعهُ منها عبر الهاتف.. وذلك أخافني عليها للموت..

 

أوقفت سيارتي أمام تلك المحطة ورميت هاتفي بجيب سروالي وترجلت بسرعة منها وركضت نحو المكتب وأنا أهتف بجنون

 

" شاااااااارلي.. شارلي.. شارلي حبيبتي "

 

رأيتُها أمامي تقف بجانب مكتب صغير وهي تبكي بشدة.. ولدى رؤيتها لي سقطت سماعة الهاتف الأرضي من يدها وهتفت بقوة

 

" إيثاااااااان.. حبيبي "

 

ركضنا معا وتعانقنا بشدة.. كنتُ بالحرف الواحد أعتصرها بقوة إلى قلبي بينما كنتُ أستنشق رائحة شعرها وأُقبل رأسها بجنون.. لم أستطع أن أصدق عيناي بأنها أمامي سالمة ولا تشكو من شيء..

 

بكائها المرير ألم قلبي بشدة.. رفعت كلتا يداي وأمسكت وجنتيها وأبعدت رأسها برقة عن صدري ونظرت بعاطفة جياشة إلى عينيها الباكية وقلتُ لها بحرقة

 

" توقفي حبيبتي عن البكاء.. دموعكِ تقتلني "

 

وأمطرت وجهها بقبلاتٍ عديدة ثم سحقت شفتيها بقبلة عاطفية.. عبرت بها عن مدى عشقي الكبير لها وخوفي عليها وسعادتي لأنها بخير.. فصلت القبلة وحضنت رأسها بشدة إلى صدري وقلتُ لها بحرقة

 

" لا تبكي حبيبتي.. أنا هنا.. لن يصيبكِ أي مكروه طالما أنا حيّ وأتنفس "

 

شهقاتها فتكت بقلبي.. وكم وددت لو بإمكاني الآن أن أقتل من تسبب بإخافتها وبكائها.. حملتُها برقة كالعروسة بين يداي ومشيت خارجا من تلك المحطة.. فتحت الباب ووضعت شارلي بخفة على المقعد ولكن قبل أن أغلقه أمسكت بيدي اليمنى وقالت لي من بين شهقاتها

 

" لا تُعيدني إلى قصر ماركو أرجوك.. أريدُ أن أبقى معك.. أرجوك لا تتركني "

 

نظرت إليها بدهشة بسبب طلبها.. لكن عدت وابتسمت لها برقة وقلتُ لها بحنان لتهدأ

" لن أعيدكِ إليه.. لا تخافي.. مكانكِ معي إلى الأبد "

 

ابتسمت لي برقة ثم أغمضت عينيها وتنهدت براحة.. أغلقت الباب ثم أمرت رجالي بالذهاب إلى قصر الماركيز وصعدت خلف المقود وقدتُ سيارتي بهدوء.. نظرت إلى شارلي بطرف عيناي ورأيتُها نائمة كطفلة صغيرة وهي تُكتف يديها في حضنها..

 

أبعدت يدي اليمنى عن مقود السيارة وأبقيت يدي اليسرى عليه ثم أمسكت بيد شارلي اليسرى وشبكت أصابعي بأصابعها وتابعت قيادة السيارة بهدوء..

 

وصلت إلى قصري وعندما دخلته رأيت بلانكا تقف أمامي ومعالم الرعب على وجهها.. شهقة مُرتعبة خرجت من فمها عندما رأت من أحمل بين يداي.. لطمت خديها بكلتا يديها وقالت بحسرة وبخوفٍ كبير

 

" يا إلهي!!.. يا إلهي!.. لماذا خطفتها سيدي؟!.. لماذا فعلتَ ذلك؟!!.. هي بريئة.. يا إلهي إنها أم.. شارلي لديها طفل ينتظرها في المنزل ولديها زوج.. الرحمة يا إلهي و... "

 

قاطعتُها بملل قائلا قبل أن أتوجه نحو المصعد الكهربائي

" بلانكا.. أولا أنا لم أخطفها.. وثانياً توقفي عن ندب حظ شارلي واخرجي طاقتكِ السلبية في ممارسة واجباتكِ واتركي الحزن والندب للبائسات "

 

سقط فكها إلى الأسفل وقهقهت بخفة بسبب شكلها المذهول جراء كلماتي لها وصعدت نحو غرفتي ووضعت شارلي بخفة على سريري.. وضعت الغطاء عليها وقررت أن أتركها تنام قليلا وعندما تستفيق سوف أستوجبها وأعلم منها حقيقة ما حصل وكيف هربت والأهم يجب أن أكتشف منها من خطفها حتى أنتقم منه بنفسي..

 

أمسكت بهاتفي وكتبت رسالة إلى الماركيز أعلمه بها بأنني وجدت شارلي وأنها في قصري... بعد مرور نصف ساعة كنتُ أجلس بهدوء في غرفة المعيشة عندما سمعت صوت ماركو الغاضب..

 

" أين هي زوجتي.. إيثاااااااااان.. أين هي شارلي؟!... "

 

تأففت بغيظ ونظرت نحو الباب ورأيته يدخل بعاصفة ليقف أمامي وهو يتنفس بسرعة وينظر إليّ بنظرات قاتلة.. أملت رأسي للجانب وقلتُ له بملل

 

" مساء الخير ماركو.. مضى زمن طويل جدا لم تأتي به إلى قصري و.. "

 

قاطعني هاتفا بحدة

" توقف.. توقف عن التفوه بالسخافات.. أنا أعلم جيدا بأنك من خطفها وافتعل تلك المسرحية السخيفة لتُظهر نفسك كبطل أمامنا والأهم أمامها.. أين هي؟!.. تكلم "

 

وقفت بسرعة ونظرت إليه وجها لوجه بتحدٍ.. حدقت بعمق إلى عينيه وقلتُ له من بين أسناني بحدة

 

" لو لم تكن شقيقي كنتُ أنهيت حياتك بيدي منذ زمنٍ بعيد.. أنا لم أخطف شارلي.. افهم ذلك ماركو.. لستُ أنا من فعلها.. ولغاية الآن لم أكتشف من خطفها لكن عندما أعرف سوف أنهيه بيدي لأنه تجرأ وخطف شارلي "

 

نظر بغضب إلى عيناي ثم مطَّ شفته السفلية وهزّ رأسهُ رفضا قائلاً باستهانة

 

" هل تظنني غبي لأصدق كلامك؟!.. مستحيل أن أصدق كلمة واحدة تفوهتَ بها.. أنا أعرفك جيداً إيثان.. أنتَ فعلتَ ذلك لتنتقم مني ومنها.. أنا أعلم جيداً بأنك استغليتها واستغليت طيبتها وخدعتها في الأمس لتنتقم... ومنذ متى أصبحتَ قاتلا بدم بارد وتريد قتل من خطفها؟!.. يكفي أن يديك قد تلطخت بالدماء سابقا.. استفق إيثان قبل أن تُدمر نفسك والجميع "

 

اشتعل الغضب بداخلي وبسرعة أمسكته من عنقه وطرحته على الأرض وبدأت بلكمه...

 

" لااااااااااااااا.. إيثان توقف.. توقف.. توقف أرجوك.. سوف تقتله.. إيثااااااااان... "

 

صوت صرخات شارلي المرتعبة جعلتني اهدأ وتوقفت عن لكم ماركو.. التفت نحو اليمين ورأيتُها تقف أمامنا وهي تبكي وتنتحب بشدة.. اقتربت وأمسكت بيدي وأبعدتني عن ماركو ثم جثت أمامه وشرعت تبكي وهي تمسح الدماء عن وجهه بيديها..

 

اشتعلت الغيرة في قلبي وأردت التحرك وإبعادها عنه لكن تجمدت بصدمة عندما رأيتُها تلتفت ونظرت إليّ بحزن وبغضب وهتفت بوجهي بحرقة قائلة

 

" لن أسامحك أبدا لأنك ضربت أخاك الأكبر.. لو تعلم ما فعلهُ ماركو من أجلي ومن أجل طفلي ستندم إلى الأبد صدقني.. ستندم أشد الندم على ما فعلتهُ بشقيقك "

 

ابتسمت باستهزاء وقلتُ لها بغضب وبقلبٍ متألم وأنا أشير بأصبعي السبابة إليه

 

" إياكِ أن تُدافعي عنهُ أمامي.. ثم ماذا عنه هو؟!.. هااااااااا!!!.. تكلمي... لقد قتلني عندما تزوجكِ وجعلكِ حامل بابنه.. لقد قتلني عندما سرقكِ مني.. والآن يتهمني بأنني خطفتكِ لأنتقم و... "

 

قاطعتني شارلي قائلة ببكاء وهي تقف وتساعد ماركو بالوقوف

 

" يكفي.. لقد اكتفيت.. أنا خطفني شخص بالخطأ ثم اعتذر وحررني.. لم أرى وجهه ولم أتعرف عليه لأنه كان يخفي وجهه بقناع.. ركضت هاربة خوفا من أن يكون يكذب عليّ واتصلت بك لتأتي.. هذا ما حصل وانتهى الموضوع هنا.. أشكرك لأنك أتيت و أنقذتني.. لكن أنا مكاني مع زوجي وطفلي.. الوداع إيثان.. "

 

رأيتُها بذهولٍ شديد تمسك بيد ماركو وتخرج برفقته بهدوء من قصري.. كنتُ أقف كالتمثال أنظر إليهما حتى اختفيا من أمامي.. لم أستطع ان أستوعب ما قالته للتو وما فعلته.. لقد اختارت ماركو.. للمرة الثانية تختار ماركو وتتركني مُشتتا مُعذبا خلفها..

 

أغمضت عيناي بشدة وهتفت بجنون

" أكرههاااااااااااااا.. أنا أكرهكِ شارلي ديكنز "

 

كم كنتُ غبي.. للمرة الثانية تخدعني.. للمرة الثانية تؤلمني.. صعدت ركضا إلى مكتبي وجلست بانهيار على الاريكة بعد تدميري للمكتب.. جلست بقهر أنظر إلى الدمار أمامي وهنا وعدت نفسي بأن أُخرج شارلي من قلبي نهائيا وإلى الأبد..


 

رومانوس**

 

" ماريساااااااااااا... "

 

هتفت بذعرٍ شديد عندما رأيتُها تسقط عائبة عن الوعي وجسدها على الأرض وهي شاحبة كالأموات والأطفال يصرخون برعب ثم شرعوا بالبكاء بفزعٍ كبير..

 

نظرت بغضبٍ مميت إلى ماريتا وهتفت بوجهها بينما كنتُ أُبعد الأطفال عن ماريسا

 

" خذيهم فورا إلى جناحهم.. وحسابكِ لاحقا معي "

 

شهقت ماريتا بخوف وقالت برعب

" سيدي سامحني.. لكن الأطفال كانوا ينتظرونك كعادتهم في غرفة ألعابهم.. وعندما سمعوا صوت مراوح الهليكوبتر ركضوا مُسرعين إلى هنا ولم أستطع منعهم سيدي.. سامحني سيدي لم أستطع منعهم من النزول "


تسارعت أنفاسي وأمرتُها ببرود بأخذ الأطفال إلى غرفهم وتهدئتهم.. اصطحبت الأطفال معها وهي تهمس لهم بأن ماريسا بخير ولا يخافوا.. حملت ماريسا وهتفت بوجه لوكاس قائلا بأمر

 

" اتصل فورا بـ ماركو فليأتي في أسرع وقت إلى قصري.. بسرعة تحرك "

 

أجابني موافقا وصعدت إلى الطابق الثالث ودخلت إلى جناحي ووضعت ماريسا برفق على سريري ثم جلست بجانبها وأمسكت بيدها اليمنى وحضنتُها بيداي وهمست لها بحزن

 

" آسف ملكتي.. لم يكن يجب أن ترينهم الليلة.. لم يكن يجب أن يحدث ذلك.. كنتُ أعلم بأن ذلك سيحدث.. كنتُ أعلم بذلك.. أرجوكِ كوني قوية لأجلنا وتحملي قليلا.. أرجوكِ "

 

سمعت رنة هاتفي تشير إلى أنني تلقيت رسالة نصية .. أخرجت هاتفي من جيبي ونظرت إلى الشاشة ورأيت رسالة من إيثان.. قرأت الرسالة وعقدت حاجباي بتفكير.. لقد وجد شارلي لكنه أخذها إلى منزله وهي نائمة حاليا.. لماذا لم يُعيدها إلى قصر ماركو؟!.. ماذا ينوي على فعله إيثان؟!..

 

لم أهتم لتحليل ذلك وانشغلت بالنظر إلى ملكتي.. بعد دقائق دخل ماركو إلى الغرفة ووقف بجانب السرير وهمس بقلق قائلا

 

" ماذا حصل لها؟!.. اتصل بي لوكاس لكن لم أفهم منه سوى أن ماريسا أصابتها صدمة وغابت عن الوعي.. ماذا فعلت لها الآن رومانوس؟! "

 

حدقت بغضب إليه وقلتُ له بهمس

" وماذا برأيك فعلت؟!.. اغتصبتُها أمام الجميع وأخبرتُها بأنني شيطانها المقرف والمُشوه.. تباً.. لم أفعل لها شيئا.. هي فقط  رأت الأطفال وسمعتهم يهتفون لها أمي ثم عانقوها باشتياق ولهفة كبيرة وغابت عن الوعي بعدها "

 

شهق ماركو بدهشة ثم نظر بأسف إليّ وقال بهمس

 

" أعتذر.. ظننت بأنك لم تتمالك نفسك وقبلتها.. أعني أنا حقا اعتقدت بأنك فعلتَ شيئا من هذا القبيل.. آسف.. لكن ما حصل محزن جدا.. ثم نحن كنا نتوقع حدوث ذلك قريبا... في النهاية الأطفال مُتلهفون بشدة لرؤيتها ولم يستطيعوا سوى مناداتها بأمي لدى رؤيتهم لها.. لذلك سوف نقول لها ما اتفقنا عليه مسبقا.. لا تقلق رومانوس سوف يسير كل شيء كما خطط له مُسبقاً.. والآن دعني أفحصها بهدوء "

 

تنهدت بعمق ووقفت وأفسحت له ليقترب ويجلس على طرف السرير بجانبها.. فحص ضغطها ودقات قلبها وتنهد براحة قائلا

 

" هي بخير سوف أجعلها تستفيق.. أظن ربما من الأفضل أن تخرج وتدعني بمفردي معها عندما تستفيق.. يجب أن أتكلم معها قليلا على انفراد "

 

نظرت إليه بغيظ وقلتُ له بعدم الرضا

" كيف تريدني أن أتركها وهي بهذه الحالة؟!.. لا أستطيع فعل ذلك ماركو.. لن أخرج "

 

حدق ماركو إلى وجهي وهو يرفع حاجبه بدهشة ثم هز رأسه بعجز قائلا

 

" سيد عاشق توقف عن التصرف كالمراهقين.. سوف تُخيفها بتصرفاتك المتملكة نحوها.. عليك أن تُعطيها بعض من الحرية خاصةً الآن لأنها رأت الأطفال.. هيا أُخرج قليلا سوف أجعلها تستفيق "

 

تأففت بغيظ وقلتُ له بغضب ثم بخبث

 

" توقف عن مناداتي بسيد عاشق.. وعلى فكرة.. إيثان أرسل لي رسالة على هاتفي.. لقد وجد شارلي "

 

توسعت عينيه بذهول ثم تنهد براحة وقال

" الحمدُ اللّه.. كيف وجدها؟!.. هل هي في قصري؟!.. ومن قتل اليوم؟!.. ربما سيحتاج إلى محامي بارع حتى يُخلصه من حبل المشنقة.. سوف أشكره لأنه أنقذها وأعيين له أفضل المُحامين في البلد "

 

قهقهت بخفة وقلتُ له

" لا أظنهُ قتل أحدا اليوم.. لم يُخبرني بذلك.. و شارلي في قصر إيثان حاليا "

 

استمتعت لرؤيتهِ ممتعض ثم سمعته يهمس من بين أسنانه بغيظ

" سأريه.. هو يتحداني.. الغبي لا يعلم بأن شارلي ليست سوى كشقيقة بالنسبة لي.. عندما تستيقظ ماريسا سأذهب إلى قصره وأستمتع بإغضابه "

 

قهقهت بخفة وعندما رأيته يمسك بقارورة العطر استدرت رغما عني وخرجت بهدوء من الغرفة لكن وضعت أذني على الباب لأتنصت عليهما.. يبدو بأن هذه العادة سوف تُرافقني لمدة طويلة...

 

 

ماريسا**

 

تحركت جفوني ببطء وفتحت عيناي وأول ما رأيته هو وجه ماركو القلق..

 

" ماركو!!!... "

 

همست باسمهِ بإرهاق وبدهشة وحاولت الجلوس.. أمسك ماركو بذراعي وساعدني بالجلوس ونظرت في الأرجاء أتأمل المكان بذهول.. رأيت غرفة مساحاتها كبيرة جداً وأثاثها فخم جداً وبدا واضحا بأنها غرفة نوم لرجل بسبب لون الأثاث الداكن.. نظرت إلى وجه ماركو وسألته بإرهاق

 

" أين أنا؟!!... "

 

ابتسم لي برقة ثم قال

" في قصر الماركيز.. لقد أُغمي عليكِ و... "

 

وهنا تذكرت ما حصل معي.. انتفضت وأمسكت بيد ماركو وضغط عليها بشدة وهتفت بذعرٍ كبير

 

" ماركو.. الأطفال!!.. الأطفال!.. لقد نادوني بأمي و عمتي.. أين هم؟!.. أريدُ رؤيتهم أرجوك.. أين أطفالي؟!.. أريدُ طفلتي أرجوك.. أين هي تلك الطفلة؟!!.. أرجوك أريدُ رؤيتها "

 

نظر ماركو بدهشة إليّ ثم بحزن وربتَ على يدي بخفة قائلا بحزنٍ شديد

 

" إنهم في جناحهم الخاص.. ثم عن أي طفلة تتكلمين؟!.. أنتِ ليس لديكِ طفلة ماريسا "

 

هززت رأسي بعنف رفضاً وسالت دموعي بكثرة وبللت وجهي بالكامل وقلتُ له بمرارة

 

" أنتَ لا تعرف شيئا.. لا تعرفُ شيئاً.. هي لم تمُت.. قلبي يشعُر بها.. أريدُ رؤيتها.. أريدُ رؤية الأطفال أرجوك.. ثم.. "

 

توقفت عن البكاء وتذكرت وجوه الأطفال.. تجمدت عيناي على عيون ماركو بينما في عقلي كنتُ أسترجع صورة الطفلة الصغيرة.. تلك الطفلة تشبه شخصا أعرفهُ جيداً!!...

 

والطفلة الأكبر منها بسنة أو أكثر تُشبه أيضا شخصا أعرفه!!.. أما الصبي.. ذلك الطفل الجميل شبهته بسرعة إلى الماركيز.. نظرت بتمعُن إلى عيون ماركو ورفعت يدي ومسحت دموعي وسألته بنبرة جافة

 

" هم أطفال الماركيز أليس كذلك؟!... "

 

أجابني بهدوء قائلا

" التوأم أطفاله.. أما إيلينا الطفلة الأكبر هي ابنة شقيقته "

 

هززت رأسي بإيجابية ثم سألته بنبرة جادة

" كم عمر الأطفال؟!.. أجبني ماركو كم يبلغون من العمر؟.. التوأم ما هي أعمارهم بالتحديد؟ "

 

توسعت عينيه وحدق بذهول إلى عيناي ثم حمحم وقال بتوتر

" أظن بأنهم يبلغون من العمر سنتين وخمسة أشهر وأسبوعين بالتحديد.. لماذا تسألين ماريسا عن أعمارهم؟! "

 

أشرت برأسي رفضا وقلتُ له

" لا مستحيل!!.. ليس صحيحا!!.. ليس صحيحا!.. أنتَ متأكد من أعمارهم؟! "

 

أجابني بسرعة قائلا

" نعم مُتأكد.. كان رومانوس في سويسرا في تلك الفترة عندما زوجــ.. أممم.. زوجته المرحومة ولدت التوأم وتوفيت المسكينة بسبب مضاعفات حصلت معها بعد الولادة "

 

شعرت بخيبة أمل كبير عندما سمعت ما قاله.. كانت الشكوك بدأت تنتابني بشدة نحو الماركيز.. لكن عندما سمعت كلمات ماركو شعرت بإحباطٍ شديد..

 

نظرت بحزن إليه وفكرت بتعاسة.. الماركيز ليس هو شيطاني!.. لماذا دائما أشعر بأنه هو؟!.. ثم أنا لم أنجب توأم بل طفلة واحدة..

 

كما عُمر ابنتي الآن يجب أن يكون بالتحديد سنتين وشهرين وأسبوعين ويوم.. أنا أحفظ هذا التاريخ جيداً ومن المستحيل أن أنساه في حياتي كلها.. يجب أن أتوقف عن التفكير بأن الماركيز هو ذلك القاتل المغتصب.. ثم الماركيز كان متزوج!!.. المسكين هو أرمل ولديه توأم!!.. المسكين.. وأطفاله تيتموا ولم يشعروا بحنان ومحبة والدتهم لهم... لكن لماذا نادوني بأمي؟!!...

 

تنهدت بحزن ثم وقف ونظرت أمامي بعجز وقلتُ لهُ بخجل

 

" سوف يظن الماركيز بأنني معتوهة الآن ومجنونة.. أنتَ تعلم كم أعشق الأطفال.. أنا لا أعلم ما أصابني عندما نادوني بـ.. بأمي... "

 

ثم نظرت إليه وفركت يداي ببعضها بتوتر وسألته

" لماذا نادوني أطفال الماركيز بأمي؟!.. هل تعلم السبب؟ "

 

وقف ماركو وأشاح بنظراتهِ إلى البعيد ثم سمعته يهمس قائلا بنبرة حزينة

 

" أنتِ تُشبهين جداً والدتهم المرحومة.. هم يعرفونها من صورها و.. وأظن عندما شاهدوكِ أمامهم ظنوا بأنكِ هي.. الماركيز كان يجعلهم دائماً يشاهدون صور والدتهم.. أرادهم أن يتعرفوا عليها و.. ولذلك ظنوا بأنكِ هي بسبب الشبه الكبير بينكما "

 

خفق قلبي بقوة وشعرت برعشة تسير في كامل أنحاء جسدي.. المساكين ظنوا بأنني أمهم!!.. أغمضت عيناي بشدة وفكرت بأسى.. لذلك الماركيز يُعاملني بطريقة مميزة.. لأنني أشبه زوجته المرحومة.. لكني لستُ هي.. عليه أن يفهم ذلك..

 

تنهدت بقوة ثم فتحتُ عيناي وقلتُ له بنبرة باردة

 

" الماركيز لديه عشاء عمل الليلة.. أظن يجب أن أخرج وأعتذر عن الإزعاج الذي تسببتهُ له.. وإن أراد مني البقاء للعشاء سأبقى "

 

أشار لي موافقا وتبعني نحو الباب.. خرجنا من الغرفة ورأيت الماركيز يجلس بهدوء على أريكة في وسط الصالون الضخم.. نهض بسرعة لدى رؤيته لنا وتقدم نحونا ووقف أمامنا.. كانت عينيه جامدة لا حياة بها.. نظراته أخافتني لأنها ذكرتني بشيطاني وشعرت بقلبي ينبض بسرعة مُخيفة..

 

" سلامتُكِ أنسة ماريسا.. إن كنتِ تشعرين بالتعب يمكنكِ الذهاب برفقة ماركو "

 

سمعته يُكلمني بنبرة جافة وعملية.. أشحت بنظراتي إلى الأسفل ونظرت إلى حذائه الأسود الثمين وقلتُ له بخجل

 

" آسفة سيدي بخصوص ما حصل منذ قليل.. أظن بأنني أخفت أطفالك.. لم أقصد فعل ذلك.. كنتُ مُتعبة قليلا ولكني أشعُر بتحسُن الأن.. لن يتكرر ما حصل أعدُك سيدي.. و أتمنى أن تسمح لي بالبقاء فأنا لا أريد أن أخذلك سيدي "

 

رفعت رأسي ورأيت نظراتهِ الحادة تتحول لتصبح رقيقة وقال بهدوء

 

" جيد.. يمكنكِ البقاء.. العشاء سيبدأ بعد ربع ساعة "

 

ثم وجه حديثه لـ ماركو قائلا بالإيطالية

" لا تُخبرها عن الأطفال أكثر مما فعلت.. ومن الجيد بأنك تذكرت العُمر الذي اتفقنا عليه سابقا.. اصطحبها إلى صالون الشرف فالسفير رامون قد وصل ويجب أن أستقبلهُ بنفسي "

 

وخرج بهدوء من الجناح وسمعت ماركو يتنهد بقوة.. التفت ونظرت إليه بتمعُن وسألتهُ بقلق

" ماذا قال لك بالإيطالية؟!.. لماذا أشعر بأنك تُخفي مع الماركيز شيئا عني؟! "

 

عقد ماركو حاجبيه بدهشة وقال بسرعة

" وماذا سأخفي عنكِ أنا والماركيز؟!.. لا تقلقي ماريسا لا يوجد أسرار نُخفيها عنكِ هو فقط أمرني بأن اصطحبكِ إلى صالون الشرف لأن ضيفه قد وصل ويريد أن يستقبله "

 

ثم أشار لي بيده لأتقدم وبدأت بالسير وخرجنا معا من الجناح وتوجهنا إلى الطابق الأول.. كنتُ أجلس على الأريكة وأنا أنظر بشرود أمامي.. لم أستطع أن أتوقف عن التفكير بالأطفال.. وجوههم انطبعت في مُخيلتي.. شعرت بالحزن الشديد لأني أخفتهم.. المساكين ظنوا بأني والدتهم..

 

سمعت صوت خطوات تقترب.. رفعت رأسي ونظرت أمامي ورأيت الماركيز يدخل برفقة رجل يبدو من أصول لاتينية وخلفهم كان يسير ثلاثة رجال.. وقفت ونظرت إليهم ببرود.. تقدم الرجال ووقفوا أمامي وسمعت الماركيز يتكلم بالإنكليزية قائلا

 

" سعادة السفير.. هذه ماريسا لودر سكرتيرتي.. "

 

ثم وجه حديثه لي قائلا

" ماريسا أقدم لكِ سعادة السفير الإسباني رامون أراغون.. سوف أعقد معه صفقة مهمة جداً لبيع أجهزة إلكترونية لذلك طلبت حضوركِ الليلة "

 

تقدم ذلك الرجل ذو الملامح اللاتينية والذي تبين بأنه إسباني الأصل وحدق بإعجابٍ واضح إليّ ثم ابتسم ابتسامة مثيرة ورفع يده ليصافحني قائلا


" مساء الخير أنسة ماريسا "

 

لم أستطع سوى رفع يدي ومصافحته قائلة بهدوء

" مساء الخير سعادة السفير.. تشرفت بمعرفتك "

 

لكن عندما أردت سحب يدي من قبضته شهقت بخفة عندما رفع يدي ولثمها برقة بينما لم يُزل نظراته عن وجهي.. لم تُعجبني نظراته  لي أبداً..

 

وشعرت بعدم الارتياح خاصة عندما قال وهو يُحاوط كف يدي بيديه ويمنعني من سحبها..

 

" الشرفُ لي لأنني تعرفت عليكِ سنيوريتا.. هل أنتِ مكسيكية الأصل!.. أعتذر عن سؤالي لكن لديكِ جمال المكسيكيات.. فهم يتميزون بجمال كاريزمي باهر مثلكِ بالتمام "

 

خرجت شهقة قوية من فمي عندما أمسك الماركيز رومانوس بذراعي التي يمسكُ بها السفير وجذبها بقوة بعيدا ثم أمسكني بها وضغط على معصمي بشدة قائلا ببرود مُخيف للسفير

 

" رامون.. توقف عن التغزل بسكرتيرتي.. أولا هي ليست مكسيكية وثانيا هي لديها حبيب "

 

توسعت عيناي بصدمة وحدقت إليه بذهولٍ شديد.. ما الذي تفوه به للتو؟!.. أنا لدي حبيب؟!!.. ولكن سقط فكي إلى الأسفل من هول الصدمة عندما قال السفير بخبث للماركيز

 

" هل السنيوريتا الجميلة هي حبيبتُك ماركيز؟ "

 

ولرعبي أجابهُ الماركيز بتصميم وبكل ثقة

" نعم.. هي كذلك.. لذلك أبعد عينيك عنها فهي لي "

 

تجمدت الدماء في شراييني وشحب وجهي بشدة.. ما الذي يحصل الآن؟!.. ما هذا الهراء الذي تفوه به؟!.. ولصدمتي قهقه السفير بمرح وأجابه

 

" يا لك من محظوظ رومانوس.. دائما تحصل على الأفضل "

 

احمر وجهي بشدة وشعرت بـ وجنتاي تحترقان من شدة الخجل.. شعرت بلساني يلتصق في حلقي ولم أستطع التفوه بكلمة واحدة وأعترض خاصة عندما بدأ الرجال بالسير نحو غرفة السفرة.. بينما الماركيز كان يمسك بمعصمي بقوة دون أن يُعطيني وقتًا للتفكير أو الاعتراض وسحبني خلفه..

 

كنتُ غاضبة جداً من الماركيز بسبب ما تفوه به للسفير لكن ربما فعل ذلك حتى يضع حداً للسفير ويتوقف عن التغزل بي.. نظرت بإعجاب عندما دخلت ورأيتُ قاعة الطعام الملوكية..

 

دخل الجميع إلى القاعة والتي كانت لا تختلف عن باقي المنزل من حيث الفخامة والبذخ والذوق الرفيع.. فقد امتدت طاولة طعام الضخمة في منتصف الغرفة وهي تكفي لأربعين شخصا على الأقل وقد امتلأت جدرانها كذلك باللوحات الثمينة والتحف الأثرية كانت منتشرة في كل ركن..

 

ولدهشتي حرر معصمي أخيرا وسحب لي الماركيز مقعدا على يمين الكرسي الذي يترأس طاولة الطعام فتوجهت إليه لأجلس عليه بهدوء شاكرة إياه بصوتٍ هامس.. ثم رأيته يحتل المقعد المجاور لي والذي يترأس الطاولة.. واستقر السفير ورجاله الثلاثة في الجهة المقابلة من الطاولة..

 

تأملني السفير بنظرات غامضة ولكن كان الإعجاب واضحا بها مما جعلني أشعر بعدم الارتياح نحوه من جديد.. ثم نظرت بطرف عيناي إلى الماركيز وكانت نظراته لي وللسفير مُخيفة جدا والتي تؤكد أن الحرب على وشك الاندلاع في أية لحظة حول تلك الطاولة..

 

إلهي دع هذه الليلة تمضي على خير.. همست بداخلي برجاء وبدأ الخدم بتقديم الطعام بعد إشارة من رئيس الخدم حيث تم وضع أمامنا أطباق تم ملؤها بحساء مينيستروني كبداية للوجبة وهو من أشهر أنواع الشوربات في إيطاليا..


انهمك الجميع في احتسائها بصمت تخللته بعض الأحاديث الجانبية بين السفير والماركيز.. ثم تم تقديم سلطة الكابريزي.. و اليروسكيتا كمقبلات.. وتم تقديم طبق الأوسوبوكو.. وكذلك تم وضع أشهر الأطباق الإيطالية باللحم..

 

كنتُ عابسة لآن الحديث كان باللغة الإسبانية.. الآن حتى اكتشفت بأن الماركيز يتكلم اللغة الإسبانية أيضا وبطلاقة.. لماذا طلب تواجدي معه الليلة إن كان سيتكلم مع ضيوفه بلغة بلدهم والتي يتقنها جيداً؟!.. فكرت بحزن وحدقت في الطبق الذي أمامي بقوة وكأن حياتي تعتمد عليه وأنا ادعوا الله أن يستمروا في تجاهلي حتى نهاية الوجبة..

 

نظرت إلى طبق كرات اللحم الإيطالي الشهير والذي يبدو شهياً جداً.. لكن كنتُ قد فقدت شهيتي تماما فأخذت أحرك الطعام في الطبق الذي أمامي منتظرة بفارغ الصبر أن تسنح لي الفرصة بالذهاب من هنا والعودة إلى قصر ماركو..

 

بعد مرور ساعة بدأ الخدم برفع الأطباق استعدادًا لتقديم الحلوى والقهوة وانتقلنا إلى غرفة ضيوف الشرف.. كنتُ أشعر بالملل الشديد وتمنيت لو أنني لم أعترض على طلب الماركيز وذهبت برفقة ماركو.. ارتشفتُ القليل من القهوة ونظرت بشرود إلى اليسار.. 


رأيت بذهول السفير يتأملني بنظرات حادة.. نظراتهِ لي لم تُعجبني أبداً وأخافتني..


رواية ماركيز الشيطان - فصل 19 - عصافير الحُب


أشحت نظراتي عنه بسرعة واستقرت نظراتي على الماركيز.. بلعت ريقي بخوف عندما رأيتهُ يتأمل السفير بنظرات قاتلة مُرعبة.. كان جفنهُ الأيمن وحاجبه يرتعشان من شدة الغضب.. 


شعرت بالخوف منه ومن نظراتهِ المُرعبة للسفير ولكن فجأة سمعت جلبة كبيرة وصوت طفلة تبكي وامرأة تهتف بذعرٍ واضح باللغة الإيطالية

 

" إيلينا.. أنستي الصغيرة توقفي أرجوكِ "

 

لم أفهم ما كانت تقوله تلك المرأة لكن نبض قلبي بعنف عندما رأيت تلك الطفلة الجميلة تدخل إلى قاعة الطعام وهي تبكي وتنتحب.. ساد الصمت في الغرفة لدا دخولها وعندما رأتني هتفت ببكاء وركضت ناحيتي وهي ترفع يديها عاليا

 

" عمتي.. أريدُ عمتي.. ابتعدي نانا.. أنا أريدُها.. أريدُ رؤية عمتي الجميلة "

 

شهقت بقوة عندما رمت بنفسها عليّ وعانقتني بشدة وهي تبكي قائلة لي بالإنكليزية ببكاء ألم قلبي

" لا تسمحي لها بأخذي.. أرجوكِ عمتي لا تسمحي لها.. أنا أريدُ البقاء معكِ.. لقد اشتقتُ لكِ كثيراً.. "

 

ارتعش جسدي بعنف ونظرت إليها بصدمة كبيرة.. توقفت الطفلة عن البكاء وانتفض جسدها بقوة عندما وقف الماركيز وهتف بحدة وبحزم

 

" إيلينا.. عودي فورا إلى غرفتك "

 

أغرقت الطفلة وجهها في صدري وأحسست بقلبي ينقبض بسرعة جنونية ولم أستطع سوى مُبادلتها العناق والهمس لها بهدوء

 

" لا تخافي حبيبتي "

 

نظرت إلى الماركيز برجاء وقلتُ له

" سيدي.. لا تغضب منها.. إنها طفلة "

 

وفورا نظراتهِ الغاضبة هدأت ورأيتهُ ينظر إليّ بحنانٍ واضح.. بلعت ريقي بقوة وضممت الطفلة الباكية إلى صدري أكثر وقلتُ له

 

" سيدي.. هل تسمح لي أن أضعها في سريرها بنفسي؟.. هي خائفة وتظن بأنني عمتها و.. "

 

قاطعني قائلا برقة

" يمكنكِ ماريسا.. ماريتا سوف ترافقكِ إلى جناح إيلينا "

 

الطفلة اسمها إيلينا!.. اسمها جميل وناعم.. فكرت بحنان ثم سمعت الماركيز يتكلم بهدوء بالإيطالية مع الطفلة وفورا رفعت رأسها عن صدري وتوقفت عن البكاء ثم ابتسمت بسعادة وهتفت بالإيطالية

 

" حقا خالي؟!.. عمتي ستأتي دائما لزيارتنا؟!.. وهي لن تتركنا أبدا!.. "

 

أشار لها برأسه موافقا وهو يبتسم برقة وفورا ابتعدت الطفلة عني وركضت وهي تضحك بشدة ورمت نفسها على الماركيز والذي التقتها بيديه ورفعها وقبل وجنتيها ثم أنزلها بهدوء لتقف على الأرض وقال لها بالإيطالية

 

" هيا اذهبي برفقتها لكن تذكري جيدا ما اتفقنا عليه "

 

أومأت له بسعادة موافقة ثم ركضت لتقف أمامي وأمسكت بيدي وجعلتني أقف وقالت بفرحٍ طفولي

 

" تعالي عمتي.. أريدُ أن أريكِ غرفتي وألعابي والفستان الجديد الذي اشتراهُ لي خالي.. يشبه فستان ساندريلا وهو جميل جداً.. وخالي روم أهداني حذاء كريستالي أيضا "

 

ابتسمت بحنان بينما تلك الطفلة الظريفة والجميلة تسحبني خلفها وهي تُكلمني بفرح وتقفز وتضحك بسعادة لا توصف.. أحببت تلك الطفلة كثيراً دون أن أعلم السبب.. كنتُ أبتسم لها بحنان وتركتُها تأخذني إلى جناحها الخاص.. نظرت بإعجابٍ كبير عندما دخلت إلى غرفتها الزهرية..

 

أول ما لفت نظري هو سريرها والذي يشبه القصر.. هذه الغرفة تُحاكي الخيال.. حكاية سندريلا الخياليّة مجسّدة في غرفةٍ واحدة... تصميم سيوقظ حتماً الطفلة الحالمة بداخلي..

 

قهقهت بخفة عندما جذبتني نحو غرفة ملابسها وجعلتني أرى فستانها الجديد مع حذائه الكريستالي ثم فساتينها كلها.. كانت تتكلم معي بحماس ولهفة شديدين وبعدها دخلنا غرفة الألعاب الخاصة بها وجعلتني أرى جميع ألعابها.. وبعد مرور نصف ساعة سمعت تلك المرأة تقول بالإنكليزية موجهة حديثها للصغيرة إيلينا بالإنكليزية

 

" أنستي الصغيرة.. يجب أن تنامي.. سيغضب الماركيز لأنكِ خالفتِ أوامره.. ثم السيدة ماريسا لديها التزامات مع خالكِ "

 

نظرت الطفلة بحزن إلى وجهي وسألتني

" أنسة ماريسا.. هل يمكنكِ أن تقرئي لي قصة قبل أن أنام؟.. خالي روم دائما ما يفعل ذلك لكن لديه ضيوف الليلة.. لو سمحتِ وافقي "

 

نظرت إليها بحنان ولم أستطع رفض طلبها وأجبتُها موافقة.. قفزت بسعادة ولدهشتي حضنتني بقوة وقبلت وجنتاي بقبلات لا تُحصى.. حضنتُها بشدة وتخيلت نفسي أحتضن طفلتي.. وبجهد استطعت حبس الدموع في عيناي.. ابتعدت عنها وابتسمت لها ابتسامة نابعة من قلبي ووقفت وأمسكت بيدها ودخلنا إلى غرفة النوم..

 

جلست بجانبها على طرف السرير ونظرت بحزن إلى الرواية التي أعطتني إياها.. هي باللغة الإيطالية وأنا لا أجيدها.. لكن من الرسوم اكتشفت بأنها قصة الأميرة النائمة.. أغلقت الكتاب وبدأت أروي لها قصة الأميرة النائمة..

 

أغمضت إيلينا عينيها وهي تبتسم بسعادة ثم فجأة أمسكت بيدي اليمنى وضغطت عليها بخفة وسمعتُها تسألني بنعاس

 

" عمتي.. عديني بأنكِ لن تتركينا من جديد؟.. عديني بأنكِ ستأتين كل يوم لزيارتي أنا و مابيلا و جيف؟ "

 

نظرت إليها بدهشة وفكرت.. المسكينة تظن بأنني عمتها!.. ثم هل التوأم اسمهما مابيلا و جيف؟!.. يبدو ذلك.. ابتسمت برقة قائلة لها بنعومة

 

" نعم حبيبتي.. أعدكِ سوف أتي كل يوم لزيارتكم "

 

اتسعت ابتسامتها أكثر وما هي سوى لحظات حتى غرقت بنومٍ عميق.. نظرت إليها بتمعُن ثم دون شعور مني أخفضت رأسي وقبلت وجنتها برقة وهمست قائلة لها بحنان

 

" أحلاما سعيدة إيلينا "

 

استقمت ووقفت وما أن استدرت رأيت تلك المرأة تقف وهي تنظر إليّ بنظرات حنونة.. ابتسمت لها بخجل وتبعتُها إلى الخارج.. بينما كنا ننزل على السلالم سمعتُها تقول

 

" سيدة ماريسا.. لقد وعدتِ أنستي الصغيرة بزيارتها كل يوم هي والتوأم.. هي حساسة جدا فلا تُخيبي أملها لذلك يجب أن تفي بوعدكِ لها "

 

نظرت إليها بدهشة ولم أستطع النطق بكلمة.. شعرت بأن كلامها لي يُشبه التحذير.. ربما لأنها تُحب الأطفال جدا فعلت ذلك.. عندما وصلنا إلى الأسفل همست لها بهدوء قائلة

 

" لا تقلقي سيدتي.. لن أُخيب أمل الصغيرة إيلينا "

 

وقفت وحدقت باحترام إليّ ثم قالت

" ناديني ماريتا سيدتي.. وأنا سعيدة بقراركِ.. سيفرح الأطفال كثيراً برؤيتكِ كل يوم "

 

ابتسمت لها بخجل وشعرت بتأنيب الضمير.. لماذا وعدت الطفلة بزيارتي لها كل يوم؟.. قد يغضب مني الماركيز ويظن بأنني أريد التطفل على حياتهِ الشخصية وأطفاله.. ماذا سأفعل الآن؟!.. أنا في موقف مُحرج جداً..

 

دخلت إلى الصالون ولدهشتي رأيت الماركيز يجلس بفرده على الأريكة.. يبدو بأن السفير ورفاقه قد غادروا وهذا أفضل... وقفت ماريتا أمامه وكلمته بالإيطالية.. عندما انتهت وقف الماركيز وظهرت معالم الارتياح على وجهه وحدق بسعادة إليّ وابتسم برقة


رواية ماركيز الشيطان - فصل 19 - عصافير الحُب


ثم اتسعت ابتسامتهُ أكثر وقال بسعادة

 

" زيارتكِ للأطفال سوف تُفرحهم جداً.. أشكركِ ماريسا لأنكِ وافقتِ على طلب صغيرتي إيلينا.. إذا منذ الغد سوف تُرافقيني من الشركة إلى قصري لرؤية الأطفال.. اتفقنا ! "

 

يا إلهي بماذا ورطت نفسي؟!.. فكرت برعب ومع ذلك أومأت له موافقة.. اتسعت ابتسامته أكثر وأشار لي بيده لكي أتبعه.. مشيت بهدوء بجانبه بينما كنتُ أنظر حولي بإعجابٍ كبير.. يتكون هذا القصر من خمسة طوابق ويطل على مشهد رائع لمدينة دي فالكوني.. أرضية القصر مرصعة بالكامل بالرخام انتهاءً بالأسقف..

 

ولفت نظري وجود عدد كبير من اللوحات لأشهر الرسامين العالميين للأساطير اليونانية الكلاسيكية القديمة.. وكذلك يوجد تُحف وتماثيل نادرة وأثرية في كل غرفة وهي تُقدر بالملايين..

 

دخلنا إلى غرفة الجلوس وتجمدت بأرضي عندما رأيت قفصا كبيرا تم وضعه على طاولة متوسطة الحجم في ركن الغرفة.. نظرت إلى الطيور في داخل القفص وترقرقت الدموع في عيناي


رواية ماركيز الشيطان - فصل 19 - عصافير الحُب

 

" إنها عصافير الحُب!!.. "

 

همست بتلك الكلمات دون أن أشعُر وتقدمت باتجاه تلك الطاولة ووقفت أمامها أنظر بسعادة إلى تلك الطيور الجميلة..

 

رؤيتي لهذه الطيور جعلتني أتذكر شقيقي ماثيو.. تذكرت بألم ذلك اليوم عندما توسلت لحبيب قلبي ماثيو ليشتري لي طيور الحُب ورفض كليا شرائها لي وهذا أحزنني جدا.. ظن بأنني سوف أمل منها بسرعة كما فعلت مع الهر كاتو..

 

لكن حبيبي ماثيو لكي يُرضيني ويجعلني أسامحه لأنه أحزنني اشترى لي مذكرات وردية اللون.. مستحيل أن أنسى دفتر مذكراتي والذي رافقني لغاية نهاية سعادتي وبداية عذابي.. مذكراتي تلك فقدتُها مثلما فقدت ماثيو وكل شيء غالي على قلبي..

 

لم أشعُر بقطرات الدموع تسيل من عيناي إلا عندما سمعت سيدي الماركيز يهمس قائلا بحزن

 

" لا تبكي ماريسا.. أرجوكِ لا تفعلي "

 

انتفضت بقوة واستدرت ناحية اليمين ونظرت إليه بدهشة كبيرة.. كان يقف بجانبي لا يبتعد عني سوى خطوة واحدة.. وكانت عينيه تتأملني بحزنٍ شديد.. وبدا واضحا بأن رؤيتهِ لدموعي لم تُعجبه بتاتاً.. تقدم مني خطوة وأصبح لا يُبعده عني سوى إنشات قليلة..

 

ولدهشتي الكبيرة لم أتحرك لأبتعد عنه.. بل رفعت رأسي كالمسحورة وحدقت باستسلام إلى عينيهِ الجميلة.. لم أفهم ما يحدثُ لي الآن.. ولم أفهم ما تُحاول عينيه القول لي.. كل ما أعرفه أنني تجمدت بهدوء أمامه أنظر بضياعٍ شديد إلى عينيه الزرقاء..

 

رفع يدهُ اليمنى ومسح بإبهامه دموعي عن وجنتاي برقة مُتناهية.. شعرت ببشرتي تحترق مكان لمس إبهامهِ لها.. وسمعتهُ بدهشة يهمس قائلا بصوتٍ حنون

 

" لا تبكي أبداً أمامي بعد الآن... "

 

وأخفض إبهامه ومسح رُكن شفتاي به ببطء ثم عاد ليهمس لي قائلا بالإيطالية

 

Regina del mio cuore

ملكة قلبي

 

لم أفهم ما معنى كلماته تلك لكن تسارعت نبضات قلبي وتجمدت مكاني وكأني واقعة تحت سحر يجعلني لا أقوى على إبعاد عيناي عن عينيه الجميلة.. نظرت في أعماق عينيه الجميلة و راودني ذلك الشعور مجدداً وتبادر إلى ذهني سؤال وحيد.. لماذا عينيه تُشبه وكثيراً عيون الشيطان؟!.. لماذا هو؟!...

 

ولكن فجأة أفقت من ذلك السحر عندما رأيتهُ يُخفض رأسه وكادت شفتيه أن تُلامس شفتاي

 

" لاااااااااااااااا..... "

 

هتفت بحدة وانتفضت مُبتعدة عنه خطوتين إلى الخلف وتسارعت أنفاسي وبدأ جسدي يرتعش بقوة.. كنتُ أُحدق إلى عينيه برعبٍ شديد.. كاد أن يُقبلني منذ لحظة!.. هل ظن بأنني سهلة المنال؟!.. هل حاول التقرب مني بسبب شبهي لزوجته المتوفية؟!...

 

شعرت بألمٍ خفيف في صدري ولم أهتم لرؤيتي لنظراتهِ المُندهشة.. حدقت ببرود إليه قائلة بجفاف

 

" ماركيز.. يجب أن تتذكر جيداً بأنني لستُ زوجتُك التي خسرتها.. أنا سكرتيرتك.. أنا مُجرد موظفة لديك.. فقط لا غير.. و أظن حان الوقت لأذهب.. لو سمحت سيدي اتصل بـ ماركو و.. "

 

تجمدت ملامحه وقال ببرود مُقاطعا حديثي له

 

" أنسة لودر.. أنا أعلم جيداً بأنكِ لستِ زوجتي... "

 

توقف عن التكلم وتأملني بحزن ثم تابع بالإيطالية قائلا حتى لا أفهمه

" لكنكِ لي.. وقريباً جداً سوف تكونين زوجتي وأم أطفالنا "

 

حمحم بخفة بينما كان ينظر ببرود إلى عيناي وتابع قائلا بالإنجليزية

" سوف يُعيدكِ سائقي إلى قصر ماركو إن أردتِ "

 

ثم تنهد بخفة ونظر نحو القفص ووضع يديه بجيبي سرواله وبعد لحظات سمعتهُ يهمس قائلا

 

" هل تعلمين أن البعض من ذكور طيور الحُب تحزن بعد موت إناثها أو عند هروب الأنثى وتُصاب بحالة من الحزن وقد تؤدي هذه الحالة للوفاة لبعض الذكور "

 

نظرت إليه بضياع ثم همست قائلة بهدوء

" لا.. لم أكن أعلم بذلك "

 

التفت وحدق بوجهي بهدوء ثم عاد لينظر إلى تلك الطيور وسمعتهُ يتكلم بنبرة حزينة


" الحب من أجمل الأشياء في حياتنا ويمكن أن نقول أنه من لم يعرف معني الحب فإنه لم يتعرف على سر كبير من أسرار الوجود.. وعصافير الحُب تتعرف عليه بسهولة وببساطة... طيور الحُب حساسة جداً خاصةً الذكور.. فهو لا يستطيع العيش بعيدا عن الأنثى خاصته.. ولديه حاسة قوية جداً.. هذه الطيور لديها ميزات كثيرة.. يستطيع مثلا تخزين 150 صورة في الثانية في دماغه بينما الإنسان يستطيع تخزين 16 صورة فقط "

 

كلماته عن الحُب كانت جميلة جداً.. هل أحب زوجته إلى تلك الدرجة؟!.. تساءلت بداخلي ثم ابتسمت برقة لسماعي لتلك المعلومات عن طيوري المفضلة وخاصةً من الماركيز.. لا أعلم لكني شعرت بالسعادة لأنه يعرف تلك المعلومات عن طيور الحُب.. وسمعتهُ يُتابع قائلا

 

" طير الحُب يرى العالم من حوله بالألوان.. وكذلك يستطيع سماع أصوات من 400 الي 20000 هرتز و يستطيع تخزين الأصوات في ذاكرتهِ أيضا.. ولديه القدرة على التعرف على الأشخاص وتمييزهم.. كما الانثى تستطيع الإحساس بالجنين داخل البيضة عندما يتحرك و تشعر أيضا بالفرخ عندما يكون على وشك الفقس "

 

ثم التفت ونظر إلى عيناي بعمق وهمس قائلا

" إن أعجبتكِ هذه الطيور فهي لكِ.. يمكنكِ أخذها "

 

نظرت إليه بدهشة وخفق قلبي بقوة.. لم أستطع التفوه بكلمة واحدة بسبب دهشتي الكبيرة.. ابتسم برقة ثم قال بنبرة جادة

 

" إنها لكِ.. اعتبريها هدية من أطفالي "

 

هززت رأسي رفضا وما أن فتحت فمي لكي أعترض رفع يده اليمنى ووضع أصبعه السبابة على شفتاي وقال بهمس

 

" لا ترفضي هديتي المتواضعة لكِ.. ثم أنتِ سوف تهتمين بالطيور أكثر بكثير من خدمي.. احرصي على أن يكونا بخير وسعداء ولا تجعليهما يفترقان عن بعضهما أبداً "

 

ارتعشت شفتاي بسبب لمسهِ لهما بأصبعه وحدقت إلى عينيه بضياعٍ كبير.. ولا أعلم كيف لكني أومأتُ له برأسي بخفة موافقة.. ابتسم تلك الابتسامة الرقيقة والتي باتت مرسومة في مُخيلتي ثم أبعد أصبعه عن شفتاي وقال لي بنبرة جافة قليلا قبل أن يستدير ويخرج

 

" سوف يوصلكِ لوكاس إلى قصر ماركو.. عمتِ مساءً "

 

وخرج من الغرفة بينما أنا كنتُ أقف جامدة أنظر بشرود أمامي.. دخل لوكاس إلى الغرفة وابتسم لي باحترام ثم تقدم وأمسك بالقفص وقال بتهذيب وهو يشير لي بيده نحو الباب

 

" أنسة ماريسا.. تفضلي لو سمحتِ "

 

تقدمت ومشيت خارجة من الغرفة ومن القصر وشعرت بالإحراج الشديد عندما رأيت سيارة الماركيز البنتلي الليموزين أمامي وفتح حارس لي الباب الخلفي وانتظرني لأصعد..

 

كنتُ أجلس على المقعد وأنا أنظر بشرود تام إلى عصافير الحُب.. تذكرت بخجلٍ كبير كيف كلمني الماركيز عنهم وكيف كاد أن يُقبلني.. لو فعلها لا أعلم كيف كانت ستكون ردة فعلي!!.. أنا لا أستطيع السماح لأي رجل بالتقرب مني ولمسي.. لا أستطيع.. خاصةً هو..

 

صحيح الماركيز رجل بكل ما تحملهُ الكلمة من معنى.. رغم وسامتهِ المدمرة فهو لديه قدر كبير بالثقة بالنفس و يتصف بالرجولة والشجاعة والشهامة.. وهو أيضا كريم و مُحترم..

 

وهو يحاول التقرب مني لشبهي الكبير بزوجته المتوفية.. لكنني لستُ هي وعليه معرفة ذلك.. ثم أنا مُجرد حُطام امرأة.. كل رُكن في داخلي مُحطم.. والحزن مزق روحي واخترق شغاف قلبي.. أنا لستُ مناسبة لأي رجل وخاصةً له..

 

وصلت إلى قصر ماركو وصعدت بهدوء إلى غرفتي وأنا أحمل ذلك القفص بيدي.. وضعتهُ على المنضدة بجانب النافذة ونظرت إلى طيور الحُب برقة.. ما أجملهما.. لطالما أحببت تلك الطيور منذ صغري..

 

دخلت إلى الحمام و استحممت ثم ارتديت قميص نوم أسود محتشم وتسطحت على السرير ونظرت نحو العصافير وهمست قائلة لهما

 

" أحلاما سعيدة عصافيري الجميلة "

 

ثم أغمضت عيناي وفكرت بالماركيز وبعد لحظات غرقتُ لأول مرة بنومٍ عميق خالٍ من الكوابيس..

 

في الساعة الثامنة صباحا بالتحديد وصلت إلى الشركة وصعدت في المصعد المخصص للموظفين إلى الطابق الأخير.. تنهدت براحة بينما كنتُ أضع حقيبة يدي في الخزانة خلف مكتبي.. ثم نظرت إليها بشرود وفكرت بالماركيز.. لماذا بدأت أشعر بلهفة قوية للذهاب إلى العمل؟!.. وما سبب تفكيري المستمر به؟!..

 

كنتُ غارقة بتفكيري ولم أنتبه لوجود شخص ما يراقبني بصمت.. أحسست بحركة خلفي وفورا التفت لأجد سيد رومانوس يقف أمام مكتبي بجسده الضخم وهو يرتدي بدلة سوداء رائعة ويحمل بيده اليمنى علبة متوسطة الحجم بيضاء اللون..

 

كان يبدو جذاب لدرجة مدمرة بتلك البدلة السوداء الأنيقة بينما عيناه كانت تتأملني بطريقة غريبة جعلت الدماء في عروقي تغلي..

 

شعرت بـ وجنتاي تلتهبان بحمرة الخجل بسبب نظراتهِ الفاحصة لي.. رفعت يدي المرتعشة وأبعدت خصلات شعري خلف أذني وقلتُ له بتوترٍ واضح

 

" صباح الخير سيدي الماركيز "

 

أخفض نظراته وحدق إلى تلك العلبة في يده ثم رفع نظراته لتستقر على عيناي وتحدث بنبرة هادئة قائلا

 

" صباح الخير ماريسا "

 

ثم رفع يده اليمنى نحوي وتابع قائلا

" هذه لكِ "

 

نظرت إلى العلبة وبيدٍ مرتعشة أمسكت بها وحاولت أن أتحاشى لمس أصابعه وأمسكت بتلك العلبة وفتحت غطائها وشهقت بدهشة عندما رأيت أحدث نوع هاتف خلوي بها.. رفعت عيناي وحدقت إلى وجهه وهمست بذهول

 

" إنه هاتف خلوي!!.. لمن هو؟!.. "

 

ابتسم برقة ثم قال بهدوء

" إنه لكِ.. أنتِ لا تملكين هاتف لذلك أمرت المحاسب بشرائه على نفقت الشركة لأنني بحاجة للتواصل معكِ من أجل العمل "

 

" لكن... "

 

حاولت الاعتراض لكنه رفع يده أمام وجهي ومنعني من متابعة التحدث قائلا بتصميم

 

" من دون لكن.. هو لكِ.. تم شحنه ووضع شريحة جديدة به.. وتم حفظ رقمي الشخصي به ورقم الهواتف الأرضية لقصري.. وأيضا رقم إيثان و لوكاس.. قد تحتاجين يوما ما للاتصال بهم.. والأن أريدُكِ أن تطبعي لي ملف شركة أراغون لقد أرسلته لكِ عبر البريد الإلكتروني.. اطبعيه وضعيه على مكتبي ثم لدي اجتماع بعد نصف ساعة مع شركة روتيس للمحروقات أريدكِ أن ترافقيني أنتِ و سارلفي إلى ذلك الاجتماع "

 

" حسناً سيدي "

 

أجبته بهدوء ورأيته يستدير ويتوجه داخلا إلى مكتبه.. جلست على الكرسي وحدقت بدهشة إلى الهاتف.. كان يمكنه أن يطلب من قسم المحاسبة بشراء هاتف عادي لي وليس هذا الهاتف الثمين.. حركت كتفي بعدم اكتراث ووضعت الهاتف بجيب سترتي..

 

كنتُ أجلس على الكرسي خلف مكتبي أفكر للمرة المليون بليلة الأمس وهديته لي اليوم.. انتفضت بخوف عندما سمعت صوت امرأة تهتف بحنق وبحدة بالإيطالية

 

" أيتُها الغبية هل أنتِ صماء؟.. الماركيز رومانوس دي فالكوني موجود؟.. أريدُ رؤيته "

 

رفعت رأسي عاليا وحدقت بذهولٍ شديد إلى تلك المرأة الجميلة والأنيقة الواقفة أمامي.. كانت تبدو كأنها ممثلة أو عارضة أزياء بسبب طولها الفارع..

 

ثيابها أنيقة جدا ومن ماركة عالمية.. كانت تتأملني بنظرات كارهة لم أعرف سببها.. يبدو أنها تريد رؤية السيد رومانوس إذ لم أفهم منها كلمة مما تفوهت بها سوى اسمه.. ابتسمت لها ببرود قائلة

 

" آسفة سيدتي أنا لا أتكلم الإيطالية.. لكن إن أردتِ رؤية الماركيز يجب أن تأخذي موعداً مسبقا منه.. الماركيز لديه اجتماع بعد خمس دقائق ولن يستطيع رؤيتكِ.. لذلك أعطني اسمكِ الكامل ورقم هاتفكِ وسوف أتصل بكِ لكي أحدد لكِ موعداً مع السيد "

 

نظراتها لي الكارهة تحولت إلى غاضبة وفجأة خبطت يدها بقوة على سطح مكتبي جعلتني أنتفض في مكاني وهتفت بحقد بوجهي قائلة بطلاقة بالإنكليزية

 

" هل أنتِ غبية؟.. أولا كيف وظفكِ رومانوس في شركته وأنتِ لا تُجدين اللغة الإيطالية؟.. أيتُها الحمقاء أنا لم أطلب موعدا معه.. أنا أريدُ رؤيته في الحال "

 

وقحة وعديمة الأخلاق.. من هذه؟!.. فكرت بغيظ و نظرت إليها ببرود قائلة

 

" لا يمكنكِ الدخول ورؤية الماركيز دون موعد مُسبق سيدتي.. والآن من بعد إذنك لدي عمل.. اتصلى بعد ساعة وسوف أحدد لكِ موعدا مع الماركيز "

 

فتحت فمها وبدأت تشتُمني من بين أسنانها بحدة

" أيتُها الوقحة والغبية والعـــ..... "

 

لكنها توقفت عن شتمي عندما انفتح باب المكتب وخرج سيد رومانوس من مكتبه ووقف جامدا أمام الباب وهو يُحدق بصدمة كبيرة إلى تلك المرأة الوقحة.. نظراته المندهشة لتلك المرأة أخافتني.. من هي؟!.. من تكون بالنسبة له؟!...

 

رأيت تلك المرأة تستدير ونظرت بذهول وبسعادة إلى الماركيز


رواية ماركيز الشيطان - فصل 19 - عصافير الحُب


ثم هتفت بسرور وبنعومة ولهفة واضحة


" حبيبي.... "

 

حبيبي؟!!!... هتفت بصدمة بداخلي بتلك الكلمة ونظرت بذهولٍ شديد إليها ورأيتُها تركض وترمي بنفسها عليه واحتضنته بشدة ودفنت رأسها بصدره وهي تبكي..

 

رأيت بدهشة كبيرة الماركيز ينظر إليها بذهولٍ شديد ثم رفع يديه وربتَ على ظهرها بلطف ثم أبعدها عنه ونظر إلى وجهها وقال بصوتٍ هامس بنبرة متفاجئة

 

" بيانكا؟!.. لماذا أتيتِ إلى هنا؟ "

 

لم تُجيبه بل رفعت رأسها وقبلتهُ على شفتيه أمامي قبلة حميمة جدا... ارتعش جسدي بقوة وجحظت عيناي وحدقت بذهولٍ شديد إليهما.. وأحسست بألمٍ شديد وغريب في قلبي.. لم يُعجبني بتاتا ما تراه عيناي الآن.. وشعرت بالحزن الشديد خاصة عندما فكرت بأسى.. الماركيز لديه حبيبة؟!!!!....


انتهى الفصل












فصول ذات الصلة
رواية ماركيز الشيطان

عن الكاتب

heaven1only

التعليقات


إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

اتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

لمدونة روايات هافن © 2024 والكاتبة هافن ©