رواية ماركيز الشيطان - فصل 14 - عينيه
مدونة روايات هافن مدونة روايات هافن
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...

أنتظر تعليقاتكم الجميلة

  1. 💖💖💖💖💖💖💖❤❤❤❤❤🌹🌹🌹💗💗💗💗💘💘💘

    ردحذف
  2. الردود
    1. شكرااااااااااااااااااااااااا

      حذف
  3. في انتظار البارت القادم ياريت سرعه النشر 🥰🥰🥰🥰❤

    ردحذف
  4. 💕😍💕😍💕😍💕💕😍💕💗💖😘😘💗💖😘♥️♥️💖💖😘😘😘😘💖😘😘💖بارت تحفه تسلم ايدك ياقلبي بجد مش قادرة اوقف دموعي💔😭😭 وأنا بقرأ البارت ده بجد هايل روووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووعه 💗💔💗💝💗💗💝💗💝💗💝💗💗💝💝💝💗💗💗💗💗😭😭💝💝💗💗💝💝😭😭😭💔💔💔

    ردحذف
  5. تسلم الأيادي طريقة سردك للأحداث رائعة وتعطي الشخصيات حقها لكن لو تركزي اكثر على الماركيز وقصته لان الشخصيات الاخر اخذت مساحة كبيرة طغت على بطلي القصة وتقبلي مودتي غاليتي .

    ردحذف
  6. ييييي رؤؤؤؤؤؤؤعة رؤؤؤؤؤؤؤعة بيجنن 😍😍😍😍😍😍😍😍♥♥♥♥♥♥♥لاتتأخري حبي ه‍اڤن علينا بالبارت الجاي

    ردحذف
  7. يعطيك العافية جدا رائع البارت والرواية خطيرة انت مبدعة كالعادة .. 💕💕

    ممكن طلب ياقمر تنشرين بارتين أو ثلاث مع بعض والله من كثر حماسي ما أبي أقطع القراءة . إذا ممكن

    ردحذف

رواية ماركيز الشيطان - فصل 14 - عينيه

رواية ماركيز الشيطان - فصل 14 - عينيه




عينيه




مونرو بيلاتشو**



كنتُ أقف أمام طاولتي الخاصة في الملهى الليلي أتكلم مع بابلو رئيس حرسي و مع مانويل حارسي الشخصي عندما شعرت بلمسة خفيفة على كتفي.. في البداية لم أعر الأمر أهمية إذ ظننت إحدى العاهرات تجرأت ولمستني لكن عندما تكرر الأمر غضبت لأن كل العاهرات في هذا الملهى يعلمون جيداً بأنني أكره أن يتم لمسي من قبلهم دون إذني.. لكن عندما تم لمسي للمرة الثالثة عرفت فورا بأن من تجرأ على لمسي ليست إحدى العاهرات بل غبي يريد أن يُنهي حياتهُ على يدي الليلة..

 

استدرت وهتفت بغضب على ذلك الولد الغبي.. من كان يقف أمامي ليس سوى شاب غبي أحمق يبدو مذعوراً وشكلهُ مذري.. لكن أحسست بالصدمة عندما سمعت ما هتف به ونظرت فوراً إلى يده.. حدقت بدهشة إلى يدهِ اليمنى الممسكة بمحفظتي.. كيف واللعنة لم يسرقها فبداخلها مبلغ بالنسبة لي هو لا شيء لكن بالنسبة له هو مبلغ جدا كبير وبسهولة كان يستطيع أخذه والاستفادة منه..

 

نظراتي المندهشة استقرت على الجُرح مكان أصبعه المبتور.. بدى الجُرح جديد إذ كان واضحا بأنه في طور التعافي بسبب الأنسجة الجلدية الجديدة وظهور ندبة به.. لديه أصبع مبتور؟!!!.. هذا غريب!..

 

والأغرب عندما علمت بأنها فتاة.. تبا إنها فتاة وليست بأي فتاة بل فتاة جميلة أيضا و وقحة.. لو لم تسلمني محفظتي كنتُ قتلتُها بنفسي لأنها نعتتني بالغبي... والمدهش بأنها لم تهتم لإعطائي لها بطاقة بها رقمي الشخصي.. يبدو بأنها لم تكتشف هويتي ومن أكون فعلا.. بعد ذهابها لم أهتم بما حصل وقررت أن أستمتع بوقتي في الملهى..

 

بعد مرور يومين قررت الذهاب إلى ملهى ليلي و الاحتفال بنجاح صفقة بيع الأسلحة.. كنتُ أجلس باسترخاء في المقعد الخلفي في سيارتي الجاكوار الجديدة عندما سمعت بابلو يسألني

 

" سيد بيلاتشو.. إلى أي ملهى ليلي ترغب بالذهاب إليه والاحتفال؟ "

 

رفعت نظراتي وحدقت بوجهه ببرود ولا أعلم السبب لكن في هذه اللحظة رأيت في مُخيلتي تلك الفتاة صاحبة الأصبع المبتور وفورا أجبتهُ بهدوء

 

SOLE

 

أومأ برأسه موافقا و رأيتهُ يتكلم عبر الجهاز ويتواصل مع حراسي لإعلامهم بوجهتي.. ظهر شبح ابتسامة خبيثة على ثغري بينما كنتُ أفكر بتلك الفتاة.. لم أفهم سبب تفكيري بها الآن ربما لأنها تبدو مُختلفة عن باقي العاملات في الملهى.. هززت رأسي بعدم اكتراث وفكرت بسعادة بنجاح الصفقة التي قمتُ بتوقيع عقدها اليوم مع صديقي كاسترو بيلوني...

 

توقفت السيارة أمام باب الملهى وفتح بابلو لي الباب.. خرجت بهدوء وتبعني رجالي إلى داخل الملهى.. فور دخولي إلى الملهى بدأت بمراقبة المكان بملل.. بينما كنتُ أمشي ببطء فجأة تجمدت نظراتي ناحية اليسار عندما رأيت ذلك الحارس القذر برونو يمسك بذراع تلك الفتاة ويجذبها بالقوة ورغما عنها نحو إحدى الغرف الخاصة بالموظفين..

 

عقدت حاجباي ونظرت إليهما بعينين ثاقبتين.. يبدو واضحا بأنهُ لا ينوي على الخير أبدا مع تلك الفتاة.. وما همي ربما هي عاهرته وأراد تأديبها.. لكن مقاومتها له ولغة جسدها الرافضة كانت ظاهرة بوضوح.. لم أهتم لهما لكن قبل أن أشيح بنظراتي عنهما رأيت بدهشة برونو يرميها داخل الغرفة ثم دخل وسحب المفتاح وأغلق الباب..

 

مشيت ببطء بينما كنتُ أنظر باتجاه ذلك الباب بشرود.. 


رواية ماركيز الشيطان - فصل 14 - عينيه


لن أتدخل فلتتحمل تلك العاهرة نتيجة أفعالها.. مشيت خطوتين لكنني توقفت بأرضي وحدقت بغضب نحو الباب.. اللعنة لماذا أنا مُهتم في الأصل لما يحصل معها الآن!.. فلتذهب إلى الجحيم هذا ليس من شأني..

 

" هل أنتَ بخير سيدي؟ "

 

سمعت بابلو يسألني بنبرة قلقة.. زفرت بغضب وشتمت بهمس وبغيظٍ شديد

" اللعنة.. تبا لها وله "

 

التفت نحو بابلو وأمرتهُ ببرود

" اتبعني برفقة الرجال ولا تتدخل قبل أن أُخبرك بفعل ذلك "

 

لم أكترث لنظراتهِ المستغربة بل استدرت ومشيت بسرعة نحو ذلك الباب وأنا أشتُم بغضب.. وقفت أمام الباب وحدقت بصدمة كبيرة إليه عندما سمعت صوت صرخات تلك الفتاة وطلبها للنجدة.. شتمت بغضب إذ علمت بأنه ينوي على اغتصابها ذلك القذر.. تملكني غضب جنوني وكورت قبضتاي بشدة ثم رفعت قدمي ورفست الباب بكامل قوتي ورأيته ينفتح ويطير لداخل الغرفة مُصدرا صوتا قويا مُزعجاً..

 

لم أتخيل في حياتي كلها أن أنقذ بنفسي فتاة لا أعلم اسمها حتى.. حتى أنها ليست من نوعي و لا تُعجبني بتاتاً إذ لا يوجد بها ذرة أنوثة.. وبدهشة من نفسي قررت مساعدتها أيضا.. ربما السبب يعود لنجاح صفقتي اليوم!..

 

رالبيكا.. اسمها جميل وناعم مثلها.. اكتشفت اسمها في اليوم الأول لدخولها إلى قصري.. كانت هادئة ومُطيعة ومهذبة جداً.. بدت لي مثل الراهبة.. يبدو بأنها ما زالت عذراء رغم بلوغها الثلاثين من عمرها..

 

كنتُ أضحك من أعماق قلبي عليها عندما تخرج من غرفتي وجناحي ووجهها أحمر من شدة الغضب والغيظ.. رغم كل ما أفعلهُ بها لم تشتكي أبداً ولم تعترض على أي أمر من أوامري والتي لا تنتهي.. ومع مرور الأيام والأشهُر زاد اقتناعي بأنها ما زالت عذراء.. هذه الفتاة مكانها في الدير وليس في قصري.. وبسبب ذلك لم أهتم لنبش ماضيها ومعرفة كل شيء عنها لأنها تبدو بريئة جداً وحمقاء لدرجة اللعنة..

 

بعد مرور تسعة أشهر على وجودها في قصري اعتدت على تواجدها الدائم وطلبت من بابلو بالخفاء أن يراقبها طيلة وجوده في القصر حتى يحميها من الخدم والعمال الرجال.. لم أرد أن يقترب منها أحد ويؤذيها ويفسد براءتها الجميلة.. حتى أنني ولدهشتي الكبيرة لم أفكر بالنيل منها رغم معرفتي بأنها عذراء.. بل على العكس كنتُ أحترمُها وأحترم بأنها حافظت على نفسها كل تلك السنوات... ودائما بيني وبين نفسي كنتُ أقول بأن مكانها ليس هنا بل في الدير كراهبة..

 

كنتُ أضاجع تلك القذرة أدريانا وألعق بلساني العلامة الموجودة على صدرها.. رغم أنها وضعت وشم لتغطي مكان العلامة إلا أنها لم تختفي وظلت العلامة القبيحة ظاهرة بوضوح.. لكن بها شيء يجذب الرجل لعضها بأسنانه وجعلها تتورم وتحمر..

 

عندما انتهيت وقفت وأشرت لها بيدي ناحية الباب حتى تذهب وقلتُ لها بأمر

" يمكنكِ الذهاب الآن لقد اكتفيت منكِ أدريانا.. سأحول لكِ المبلغ على حسابكِ في الغد "

 

استدرت بنية التوجه إلى الحمام لكنني توقفت عندما سمعتُها تقول

" مونرو أنا لا أرغب بالذهاب.. ما رأيك بجولة أخرى؟.. سوف أمتعُك أكثر و.. "

 

التفت نحوها وحدقت بغضب إليها وهتفت بوجهها بحدة

" عليكِ أن تفهمي أدريانا بأنني قد اكتفيت منكِ الليلة.. هيا اذهبي من هنا ومن قصري فوراً قبل أن أفقد أعصابي وأقتلكِ "

 

رأيت الرعب الشديد في عينيها وهذا أعجبني.. ابتسمت برضا تام عندما وقفت وبدأت ترتدي ملابسها.. استدرت ومشيت نحو الحمام ودخلته.. أغلقت الباب وتوجهت نحو حوض الاستحمام..

 

عندما انتهيت من الاستحمام دخلت إلى غرفتي وأمسكت بالهاتف وضغطت على رقم ثلاثة.. ثواني قليلة وسمعت رئيس خدمي يقول

 

( سيد بيلاتشو.. بماذا يمكنني أن أخدمك؟ )

 

أمرتهُ بحدة هاتفاً

" أرسل رالبيكا في الحال إلى غرفتي.. أريدها أن تُغيير ملاءة السرير وأغطية الوسائد واللحاف في أسرع وقت "

 

( كما تأمر سيدي )

 

أجابني بسرعة ووضعت السماعة في مكانها وتنهدت براحة.. ابتسمت بخبث بينما كنتُ أنظر إلى عضلاتي في المرآة أمامي.. لم أكن أرتدي سوى البوكسر القصير.. سوف تُصاب رالبيكا بصدمة كبيرة عندما تراني بهذا الشكل الآن.. لم أرى في حياتي كلها فتاة مُحافظة وخجولة مثلها..

 

سكبت كأس ويسكي ووقفت أنتظر قدوم رالبيكا.. ثواني وسمعت طرقة خفيفة على الباب.. ابتسمت بشر ورشفت القليل من كأسي وسمحت لها بهدوء لتدخل.. وفور دخولها إلى غرفتي رأيتُها تتجمد بأرضها وهي تُحدق بصدمة كبيرة إلى جسدي.. ثواني قليلة واكتسى اللون الأحمر كامل وجهها الصغير وأشاحت بنظراتها نحو السرير وسمعتُها تتكلم بتلعثم قائلة

 

" ســ.. سيــ.. سيدي.. لقــ.. لقد أتـ.. أتيت لتغيير المــ.. الملــ.. الملاءة و... "

 

تصنعت الغضب وهتفت بوجهها

" أيتُها الحمقاء أعلم بذلك.. هيا تحركي ولا تقفي أمامي مثل الصنم "

 

رأيت جسدها يرتعش بوضوح ومع ذلك لم تنظر باتجاهي بل مشت ببطء نحو السرير وبدأت بتغيير الملاءة بهدوء.. جلست على الأريكة أراقبها باستمتاع وهي تعمل.. إنها أول فتاة لا تكترث للفت انتباهي لها وجعلي أضاجعها بعنف.. بل هي أول فتاة طاهرة أتعرف عليها في حياتي كلها..

 

ودون أن أشعُر ابتسمت برقة بينما كانت عيناي تتبع تحركاتها لحظة بلحظة.. رنين هاتفي الداخلي أوقفني عن مراقبتها.. نظرت نحو الهاتف بغيظ ثم وقفت واقتربت نحو المنضدة ونظرت إلى شاشة الهاتف ورأيت رقم اثنان.. وهو خاص بـ بابلو.. عقدت حاجباي ورفعت السماعة وهتفت بغيظ..

 

" تكلم.. ماذا تريد؟ "

 

أجابني بتوتر قائلا

 

( سيدي.. هناك ما يجب أن تراه في كاميرات المراقبة.. لقد لفت نظري شيئا غريباً واعتقد بأنك يجب أن تراه بنفسك وفي الحال )

 

حدقت أمامي بتعجُب وسألته

" داخل القصر أم خارجه؟ "

 

فهم فورا ما أعنيه وأجابني

 

( كاميرات بداخل القصر سيدي... لقد حصل شيء غريب في الممر الذي يؤدي إلى غرفة الجلوس وغرفة الصالون وعليك أن تراه بنفسك )

 

نظرت أمامي بعدم الرضا ووضعت السماعة في مكانها.. إن كان الأمر سخيف سأقتل بابلو لأنه أوقفني عن مراقبة رالبيكا والاستمتاع بمشاهدتها تعمل بتوتر وهي خجلة لحد اللعنة مني..

 

خرجت من غرفتي واتجهت نحو غرفة ملابسي ارتديت طقم أسود وحذاء أسود ثم سرحت شعري ولحيتي الجميلة وخرجت من جناحي وتوجهت نحو غرفة المراقبة في القبو..

 

دخلت إلى الغرفة ورأيت بابلو برفقة حارسين ينظرون إلى الشاشات ويتهامسون.. 


رواية ماركيز الشيطان - فصل 14 - عينيه


التفتوا إلى الخلف وبسرعة وقفوا وحنوا رؤوسهم لي باحترام ثم رفعوها وبدأ بابلو يتحدث

 

" سيد بيلاتشو.. لو لم يكن الأمر بالغ الأهمية لم أكن سأتصل بك.. يجب أن ترى بنفسك ما حصل "

 

أومأت له موافقا ومشيت ببطء نحو الشاشات ووقفت أنظر إليها.. جلس بابلو على كرسي بجانبي وأشار لي نحو شاشة في الوسط قائلا

 

" سأعيد الكاميرات حتى ترى بنفسك عما أتكلم سيدي.. ركز سيدي على هذه الشاشة لو سمحت "

 

نظرت إلى الشاشة أمامي بينما بابلو كان يعمل على لوحة التحكم بالنظام الخاصة بالكاميرات.. تجمدت عيناي بذهول عندما رأيت رالبيكا تمشي بهدوء في الممر وفجأة انتفضت برعب ورجعت خطوتين إلى الخلف ثم اختبأت خلف الحائط وهي تضع يديها على قلبها ويد على فمها وهي ترتعش بوضوح..

 

" اللعنة.. هي خائفة جداً.. لكن لماذا؟! "

 

همست بدهشة وسمعت بابلو يُكلمني قائلا

" انتظر وسترى بنفسك سيدي "

 

ثواني ورأيت بدهشة أدريانا تمشي ببطء ثم تتجه نحو اليمين لتصل إلى الصالون ثم البهو وتخرج من قصري دون أن تنتبه لوجود رالبيكا المُختبئة خلف الحائط ناحية اليسار..

 

رالبيكا يبدو أن لديها معرفة مسبقة بتلك العاهرة!!.. وأيضا هي خائفة من أن تراها أدريانا في قصري؟.. لكن ما هو السبب وكيف واللعنة راهبة مثلها تعرف عاهرة مقرفة مثل أدريانا؟!!!!..

 

تساءلت بداخلي بدهشة ثم أمرت بابلو قائلا

" أعد الكاميرا على وجه رالبيكا أريدُ الرؤية وبوضوح تام تعابير وجهها "

 

الكاميرات المثبتة في قصري هي من أهم الكاميرات الحديثة.. تلتقط المشاهد بوضوح وجودة عاليين على نحو يساعد في إبراز أدق التفاصيل في اللقطات المقربة مع إمكانية تعديل المشاهد و لعزل الجسم المُراد التركيز عليه وزيادة تأثيره البصري..

 

ضبط بابلو الكاميرا ورأيت بوضوح تام الخوف والرعب في عيون رالبيكا.. كانت خائفة لحد اللعنة من أن تراها أدريانا.. حتى أنها كانت ترتعش بشكلٍ جداً واضح..

 

" إذا خادمتي المخلصة رالبيكا لديها معرفة مُسبقة بتلك العاهرة! "

 

همست بغضبٍ شديد بينما كنتُ أنظر إلى الشاشة أمامي بعيون ثاقبة.. أمسكت بربطة عنقي في الأسفل وضغط عليها بقبضتي بشدة..

 

حدقت بحقد إلى الشاشة وإلى وجه رالبيكا المذعور.. هناك مبرر لحالة الهلع التي أصابتها لدى رؤيتها لـ أدريانا في قصري.. إذا يبدو أن لخادمتي الراهبة أسرار كثيرة تُخبئها عني وسأعمل على اكتشاف كل تلك الأسرار قريبا.. أمرت  بابلو قائلا بحدة

 

" تحرى لي عنها.. أريد معرفة كل شاردة وواردة في حياتها.. من هم أقاربها.. معارفها.. أين تعلمت.. تحركاتها السابقة والحالية.. كل شيء... أريد كامل المعلومات عنها وبدقة في أقرب وقت.. هل كلامي واضح؟ "

 

أجابني فورا موافقا وخرجت من الغرفة بغضب وتوجهت إلى مكتبي.. كنتُ أنظر بحقد أمامي وأفكر بغضب كيف ممكن لفتاة مثل رالبيكا أن تكون على معرفة بعاهرة مثل أدريانا.. إن كانت تُمثل عليّ البراءة سأجعلها تدفع الثمن غاليا.. فلا أحد تجرأ على خداعي مسبقا ونجى بفعلته.. أنا مونرو بيلاتشو لا يُخفى عليّ شيء..

 

انتشلني من أفكاري رنين الهاتف الداخلي ورأيت رقم الخاص بالحراس في الخارج.. ضغط على زر تلقي الاتصال ثم ضغط على مُكبر الصوت وسمعت الحارس يقول

 

( سيدي.. السيد كاسترو بيلوني هنا.. وهو يرغب برؤيتك و.. )

 

قاطعتهُ قائلا

" أدخله فوراً واطلب منه أن يصعد إلى مكتبي "

 

مضت خمس دقائق بالتحديد قبل أن أرى صديقي كاسترو يدخل إلى مكتبي وهو يصفر باستحسان وهو يرفع حاجبيه إلى الأعلى ويبتسم بخبث.. أغلق الباب خلفه و مشى بسرعة نحو مكتبي.. نظرت إليه ببرود وهو يرمي بجسده على الكرسي أمام مكتبي ويضع ساقا فوق الأخرى وينظر بخبث وبسعادة إلى وجهي قائلا

 

" من أين حظيت بتلك الحلوة الجميلة أيها المحظوظ؟.. خادمتك تلك حلوة جدا وجميلة وقد أعجبتني.. سأنال منها قريبا.. أوه لن يرتاح لي بال قبل أن أفعل وأضاجعها بعنف "

 

عقدت حاجباي ونظرت إليه بتعجُب تام وسألته

" عن من تتكلم أيها الغبي؟.. أي حلوة جميلة وأي خادمة؟ "

 

اتسعت ابتسامته الخبيثة وقال

" أقصد تلك الخادمة الجديدة.. تبا لعينيها الجميلتين ما أحلاهما.. لقد نعتني بالغبي والمنحرف عندما رأيتُها على السلالم ولم تسمح لي بالاقتراب منها.. أعجبتني و.. "

 

توقف عن التكلم ونظر بعمق إلى عيناي ثم تابع قائلا

" كم تريد لتتخلى عن خدماتها لك وتسلمني إياها؟.. سأدفع لك بسخاء "

 

اصطكت أسناني  ونظرت إليه بغضبٍ شديد إذ علمت على الفور عن من يتكلم.. شعرت بالغضب والنفور منه وهتفت بوجهه قائلا

 

" كاسترو عليك أن تفهم رالبيكا ليست للبيع.. ثم هي ما زالت عذراء ومحافظة جداً.. ليست كباقي خادماتي لن تسمح لك بالتقرب منها ولمسها مهما حلمتَ بذلك وحاولت "

 

قهقه بخبث ثم قال بتصميم

" إذا هي صعبة المراس و لم ترمي بشباكها عليك!.. هذا رائع.. أريدها "

 

انحنى ووضع يديه على طرف مكتبي وقال بلهجة جادة

 

" ما رأيك أن نتراهن عليها.. إن حصلت عليها ستدفع لي مليون يورو نقدا.. و إن خسرت سأدفع لك مليونين يورو نقداً.. هممم.. ما رأيك؟.. هل توافق على هذا الرهان؟ "

 

استقمت في جلستي وعضلاتي البارزة أصبحت مشدودة ورفعت رأسي عاليا ونظرت إليه بتفكيرٍ عميق.. لا أظنها ستوافق أبداً على عرضه بل قد تشوه له وجهه الوسيم..

 

ابتسمت بخبث وفكرت بمتعة.. سأستمتع جداً برؤيتهِ غاضبا وهو ينوح لأنها شوهت له وجهه الوسيم ويبكي بقهر لأنه سيدفع لي مليونين يورو لخسارتهِ الرهان.. لقد كادت أن تفعل بي ذلك في يوم.. ذلك اليوم أمام المسبح في قصري لن أنساه أبداً..

 

ابتسمت بوسع وأجبتهُ بهدوء

" موافق.. سأقبل بهذا الرهان لكن بشرط "

 

ابتسم كاسترو بسعادة وأجابني

" رائع.. وما هو الشرط يا ترى؟! "

 

أملت رأسي إلى الجانب وقلتُ له

 

" لديك فترة أسبوع واحد فقط حتى تنال منها.. أسبوع واحد فقط حتى تنالها وإلا انتهى الرهان وسيتوجب عليك بدفع مليونين يورو لي ونقدا.. وفي حال استطعت النيل منها سأدفع لك وبرحابة صدر مليون يورو.. وصدقني ستكون مهمتك صعبة جداً لذلك عليك بالبدء بجمع المبلغ لي منذُ هذه اللحظة يا صديقي "

 

قهقه كاسترو باستمتاع ثم قال

 

" في أحلامك.. فلا يوجد امرأة رغبتُها على وجه الأرض استطاعت الفرار من بين يداي.. لذلك أنا موافق على شرطك.. وسترى بنفسك قبل نهاية هذا الأسبوع سأحصل عليها وبرضاها الكامل أيضا "

 

هززت رأسي بأسف عليه.. فهو لا يعلم بأنها ستصده وقد تقتلع لحم يده قبل أن تمتد عليها.. سأكون أكثر من سعيد عندما أرى بنفسي ما ستفعل به رالبيكا.. وهكذا اتفقنا على هذا الرهان وبدأنا نتكلم بأمور العمل..

 

بعد مرور ثلاثة أيام كنتُ في غرفة الاجتماع في شركتي عندما تلقيت اتصال من كاسترو.. نظرت بغيظ إلى هاتفي.. لقد ألم لي رأسي بحديثه الدائم وشكوته لي عن رالبيكا.. الغبي عرض عليها مبلغ جداً ضخم ليضاجعها لكنها صفعته وشتمته واشتكت عليه أمامي منذ يوم...

 

ادعيت الدهشة أمامها وقلتُ لها بأنني سأتكلم معه وأوقفه عند حده.. والآن لماذا يتصل بي ذلك الغبي!!.. أوقفت الاجتماع ووقفت ومشيت إلى زاوية الغرفة وتلقيت اتصاله.. لكن قبل أن أتفوه بحرف سمعتهُ يهتف بسعادة قائلا

 

( مونرو أيها اللعين لقد كسبتُ الرهان.. كسبته.. كسبته.. أخيراً نجحت )

 

توسعت عيناي بصدمة وهمست قائلا له بذهول

 

" كسبتَ الرهان!!.. ماذا تعني؟!! "

 

سمعتهُ يضحك بقوة ثم قال بغرور

( لقد وافقت.. خادمتك الحلوة وافقت.. اتصلت بي منذ قليل وأعلمتني بموافقتها على بيع نفسها لي مقابل خمسمائة ألف يورو.. وهي تريدها نقدا والليلة.. لذلك يا صديقي يتوجب عليك بإحضار المبلغ الذي اتفقنا عليه في الصباح لأنني الليلة سوف أستمتع مع خادمتك العذراء.. الوداع )

 

وأنهى المكالمة وهو يضحك بشدة و باستمتاع.. كنتُ أقف جامداً بذهول أنظر إلى الحائط أمامي ويداي ترتعشان بقوة.. الحقيرة ليست سوى غاوية.. و مومس.. عاهرة باعت نفسها بمبلغ زهيد..

 

كاسترو كان أذكى مني بكثير واستطاع معرفة نقطة ضعفها.. المال.. لقد وافقت على بيع نفسها له مقابل مبلغ خمسمائة ألف يورو.. كانت تمثل البراءة والعفة أمامي ربما حتى تلفت نظري إليها.. قذرة وحقيرة.. تلك الراهبة القذرة ليست سوى غاوية مال..

 

سأطردها من قصري بعد أن ينال منها كاسترو... فكرت بإصرار بذلك وكملت الاجتماع بينما الغضب كان قد سيطر عليّ بالكامل..

 

رالبيكا**

 

كنتُ أحمل بين يداي مناشف السيد بينما كنتُ أمشي ببطء خارج القصر متوجهة نحو حوض السباحة.. بلعت ريقي بقوة عندما رأيت السيد مونرو قد تمدد فوق المقعد أمام حوض السباحة وهو يستمتع بدفء أشعة الشمس واضعًا نظراتهِ الشمسيّة لحماية عينيه من ضوئها الساطع محاولًا الاسترخاء..

 

تشنجت عضلات معدتي باضطراب وخفق قلبي بقوة لدى رؤيتي لجسده الجميل والعضلي.. لكني أخذت عدة أنفاس لأطرد هذا الشعور غير المريح الذي يسيطر عليّ بالكامل..

 

إلهي ساعدني أرجوك.. أنا يجب أن أتخطى حُبي له.. أنا لستُ له أو لأي رجل آخر.. أنا لستُ لأحد.. فتاة مثلي مريضة نفسياً ومُدنسة لا تُصلح لأي رجل..

 

فكرت بحزن بذلك وشيت ببطء نحوه بينما كنتُ أحاول جاهدة منع نفسي من النظر إلى جسدهِ البرونزي الجميل.. وقفت أمام المقعد ونظرت إلى قدماي بخجل وهمست قائلة له بخجل

 

" سيدي.. لقد جلبتُ لك المناشف كما أمرت "

 

جلس باعتدال و أبعد نظارتهِ الشمسية عن عينيه وحدق بوجهي ببرود وهتف بنفاذ صبر قائلا

 

" لماذا لا تستعملين عقلكِ الناشف قليلا.. ضعيها على الطاولة.. ألا ترين بأنني أحاول الاسترخاء والنوم بهدوء.. أكان من الضروري أن تُفسدي قيلولتي بالتكلم معي.. ضعيها هنا واجلبي لي شرابا باردا مع الثلج وصحن فواكه.. بسرعة تحركي أيتُها الحمقاء "

 

كنتُ أنظر إليه بصدمة وبخوف ثم بحزن بسبب غضبه ونعته لي بالحمقاء وبصاحبة العقل الناشف.. غبي وحقير.. كيف أحببت لعين مغرور ومتكبر مثله؟!.. معهُ حق أنا فعلا غبية وجداً حمقاء..

 

وضعت المناشف على الطاولة الصغيرة بجانب مقعده واستدرت وتوجهت نحو الباب الخلفي للقصر ودخلت إلى المطبخ.. كنتُ في قمة حزني وغضبي من نفسي بينما كنتُ أحمل بكلتا يداي صينية ضخمة وأمشي بهدوء نحو حوض السباحة.. كنتُ أنظر إلى الأسفل نحو الأرض ولم أنتبه بأن السيد كان قد وقف واقترب من حافة الحوض ليقفز ويسبح..

 

وقبل أن يقفز ودون أن أنتبه له ارتطمت به وطارت الصينية ووقعت على الأرض ووقع كل ما بها على خصر وساقين السيد وتحطمت كل شيء أسفل قدميه.. وبفزعٍ كبير رأيت خط من الدماء يسيل أسفل ركبته في ساقهِ اليسرى.. بينما الشراب لوث قدميه ولطخ لباس السباحة الذي كان يرتديه..

 

" ااااااااااااعععععععععععععععععععهههههههه.... "

 

هتفت برعب ورجعت خطوة إلى الخلف عندما رأيت بذعرٍ كبير ما ارتكبتهُ بحماقة.. يا إلهي ماذا فعلت؟!!.. يا إلهي ساعدني سيقتلني الآن.. هتفت بذعر بداخلي وشعرت بقلبي يهوى أسفل قدماي وأنا أنظر للغضب المشتعل في عينيه الجميلة.. ارتعش جسدي بقوة عندما هتف بوجهي بصوتٍ حاد وخشن

 

" أيتُها الغبية.. هل أصبحتِ عمياء أيضا مع كمية الغباء التي تلفكِ!!... أين كان نظركِ وعقلكِ أيتُها المغفلة والحمقاء؟.. أنظري إلى الأوساخ والقذارة التي تسببتِ بها أيتُها الغبية والمعتوهة.. ااااااااععععععععععع.. لقد لوثتِ الأرض والأهم شورت السباحة وساقاي.. أيتُها الحمقاء والمعتوهة سأقتلكِ "

 

ارتعش جسدي بكامله برعب وعندما رأيتهُ يرفع قدمه المصابة فوق الزجاج المحطم ويقترب ناحيتي.. صرخت بفزع واستدرت وحاولت الهروب منه لكن يدين قاسيتين أمسكتا بكتفي وأدارني بعنف وجذبني بسرعة والتصق جسمي بجسده واصطدم وجهي بصدره البرونزي العاري بقوة وخرجت من فمي صرخة قوية مذعورة.. وتملكني الرعب بسبب اقترابهِ الشديد مني..

 

أغمضت عيناي وبدأت أقاومه وأضرب صدره العضلي بقبضتي لأتحرر منه.. غاب عقلي عن ما أفعله إذ الخوف كان قد تملكني.. أصبح لدي خوف من اقتراب الرجال مني إلى هذه الدرجة.. كنتُ أصرخ بجنون وأبكي وأنا أتلوى بين يديه وأضربه وأخدش له صدره بأظافري القصيرة..

 

لم أسمع ما كان يهتف به.. كنتُ أبكي برعب وأنا أهتف بجنون وأقاومه

 

" لااااااااااا.. دعني.. دعني.. لا تلمسني أيها الحقير.. لا تلمسني دعني.. لااااااااااااا.. أرجوك أتركني "

 

اهتز جسدي بقوة بسبب هزه العنيف لي.. وهنا سمعتهُ يصرخ بحدة

 

" توقفي أيتُها المجنونة.. هل فقدتِ عقلكِ؟.. توقفي.. هل تظنين بأنني سأغتصبكِ هنا وأحصل على عذريتكِ أمام مسبحي.. اجمدي وتوقفي أيتها الحمقاء عن المقاومة وخدشي وإلا قتلتك "

 

كنتُ أبكي بشكلٍ جنوني وأرتعش بقوة.. لكن لدى سماعي لما هتف به توقفت عن مقاومته ورفعت رأسي عاليا وفتحت عيناي ونظرت من بين دموعي إلى عينيه المُخيفة..

 

حاولت الابتعاد عنه وتحرير نفسي من قبضته على كتفاي لكنه ضغط قبضتيه بعنف وشعرت بالألم وحاولت من جديد الابتعاد عنه لكن اختل توازني وحاول هو الإمساك بي بإحكام لكن بسبب تحركاتي العنيفة ارتطمت قدمي على ساقه المصابة وخرجت صرخة قوية من فمي عندما اختلى توازننا وسقطنا معا في حوض السباحة..

 

سيقتلني الآن... هتفت نفسي برعب بينما كنتُ أخرج من أسفل المياه وبصقت المياه من فمي وبدأت أشهق وأسعُل بقوة.. فتحت عيناي لكن بسبب خصلات شعري المبتلة حجبت عني الرؤية بوضوح.. رفعت كلتا يداي وأبعدت شعري إلى الخلف وشهقت بقوة ونظرت نحو السيد برعبٍ كبير.. كان يقف أمامي وهو في قمة غضبه لدرجة أن المياه كانت تتبخر من رأسه بسبب غضبهِ المُشتعل والشديد..

 

بكيت برعب وهتفت له بتوسل

 

" أرجوك سامحني.. لم أقصد.. لم أقصد.. أنا آسفة سيدي "

 

حاولت أن أستدير لأخرج من الحوض لكنه أمسكني من معصمي وجذبني بعنف وحدق بشكلٍ مُرعب إلى عيناي الباكية.. حاولت تحرير معصمي من قبضته لكنه ضغط عليه أكثر لدرجة أنه حبس الدماء به وهتف بحدة وبجنون بوجهي

 

" أيتُها الحمقاء والمُعقدة.. لا تدعيني أرى وجهكِ أمامي طيلة هذا اليوم وإلا قتلتكِ.. أغربي من أمامي في الحال "

 

اهتز جسدي بقوة رعباً منه لكن لدهشتي لم يُحرر معصمي لأذهب كما أمرني أن أفعل بل رأيت بفزع عينيه تستقر إلى الأسفل ناحية صدري والذي كان يعلو ويهبط بجنون..

 

أخفضت نظراتي ورأيت برعب أن قميصي المبتل كان قد التصق بجسدي وأظهر بوضوح شكل صدري و حلماتي.. خرجت صرخة مُرتعبة من فمي وسترت بيدي اليسرى صدري وحدقت برعب إلى وجه السيد مونرو.. رأيتهُ يبلع ريقهُ بقوة ونظر بتوترٍ غريب إلى عيناي ثم حرر معصم يدي اليمنى من قبضته وهمس بصوتٍ خشن

 

" اذهبي فورا قبل أن أُغير رأيي.. اذهبي أيتُها الحمقاء "

 

شهقت بقوة واستدرت فوراً وسبحت باتجاه السلالم وصعدته وخرجت من الحوض وأمسكت منشفة كبيرة وسترت بها جسدي وركضت داخلة إلى القصر..

 

كنتُ أبكي بصمت بينما كنتُ أجفف شعري بالسيشوار في غرفة تبديل الملابس الخاصة بالخدم.. كنتُ قد بدلت ملابسي المبتلة بطقم جديد وعندما انتهيت من تجفيف شعري القصير والذي أصبح طوله أسفل عنقي وضعت السيشوار على المنضدة ونظرت بأسى أمامي..

 

رواية ماركيز الشيطان - فصل 14 - عينيه


الآن سيعلم فعلا بأنني مريضة نفسيا ولدي رهاب من اقتراب الرجال مني..

 

" مُعقدة... "

 

همست بحزن بتلك الكلمة التي وصفني بها.. أنا فعلا أصبحت مُعقدة بسبب ما حصل معي.. إن طردني الآن من العمل لن أستغرب ذلك منه أبداً.. لقد تخطيت حدودي معهُ اليوم وتصرفت بطريقة هستيرية رغما عني..

 

تنهدت بحزن وخرجت من الغرفة وطيلة اليوم كنتُ أنتظر بقلق أن يكلمني رئيس خدمه ويُخبرني بأنهُ تم طردي من العمل لكن لدهشتي لم يحدث ذلك أبداً.. وشكرت ربي لأن السيد مونرو أشفق عليّ ولم يطردني من العمل..

 

وبعد مرور شهر على حادث حوض السباحة.. كنتُ أمشي في الممر مُتجهة إلى الطابق الأول عندما رأيت برعب أدريانا ليماسو أمامي.. لا أعلم كيف تحركت بسرعة قبل أن تراني واختبأت خلف الجدار الفاصل للممر وغرفة الجلوس.. وضعت يد على فمي أكتم بها شهقاتي المرتعبة ويد على قلبي لأجعل نبضاته المتسارعة تهدأ..

 

شعرت بالرعب لرؤيتي لها هنا.. إذا هي تلك المرأة التي أتت برفقة السيد في الظهيرة وذهبت برفقتهِ إلى جناحه الخاص كما أخبرني الخدم.. إلهي لماذا هي؟!.. لماذا من بين كل نساء الكرة الأرضية جلبها السيد مونرو حتى يضاجعها؟!!...

 

كنتُ خائفة لحد اللعنة من أن تراني وينفضح سري أمام السيد بيلاتشو.. إن اكتشف ما حصل معي أو عرف بأنني كنتُ أعمل خادمة في قصر السيد إيثان سيظن بأنني جاسوسة أعمل لمصلحة السيد بوربون و.. يا إلهي هو لن يصدقني أبداً ولا أريد أن أعرف ما قد يفعلهُ بي إن اكتشف سري وما فعلتُه وما حصل لي.. ولحُسن حظي خرجت تلك الحقيرة من القصر دون أن تراني..

 

كنتُ خائفة وأنا أفكر بما قد يحصل لي إن عرف السيد بسري بينما كنتُ أغير ملاءة سريره.. تنهدت براحة بعد خروجه من غرفته وجلست بانهيار على السرير أنظر بحزن أمامي.. أتمنى أن لا تأتي مجدداً تلك اللعينة إلى القصر حتى لا تفضحني.. عادة السيد بيلاتشو لا يجلب نفس العاهرة مرتين إلى قصره فكل يوم يأتي بواحدة مختلفة.. أتمنى أن لا تعود إلى هنا هذه اللعينة..

 

عندما انتهيت من ترتيب سريره وجناحه خرجت وتوجهت إلى الأسفل.. لقد انتهى دوامي ويجب أن أعود إلى منزلي.. كنتُ أنزل على السلالم عندما رأيت أمامي رجل ضخم ملامحهُ جذابة لكنهُ مُخيف جدا كان يصعد بهدوء على السلالم.. أشحت بنظراتي عنه ونزلت ببطء لكن تجمدت برعب عندما رأيتهُ يقف أمامي يسد الطريق عليّ وهو بعيداً عني بدرجتين.. بلعت ريقي بقوة وحدقت إلى عينيه بفزع رغما عني..

 

كان يتأملني بطريقة مُرعبة للنفوس كأنهُ يُجردني من ملابسي.. رغم ارتدائي سروال وقميص واسعين إلا أنه لم يتوقف عن التحديق بي بطريقة مستفزة ومُرعبة..

 

" أنتِ خادمة جديدة هنا أليس كذلك؟ "

 

لم أنظر إلى وجهه بل تعمدت النظر إلى البعيد وقلتُ له باحترام

" نعم.. أعذرني سيدي.. لكن يجب أن أذهب "

 

حاولت التحرك والابتعاد عنه لكن القذر أمسك بمعصمي وقال

" لم أسمح لكِ بالذهاب يا حلوة.. دعينا نتعرف أولا "

 

توسعت عيناي برعب وحاولت تحرير معصمي من قبضته ونجحت وهتفت بوجهه برعب

" لا تلمسني أبداً.. والآن ابتعد عني "

 

لم أهتم بأنهُ قد يكون ضيف مهم للسيد إذ كنتُ خائفة لحد اللعنة منه.. لكن القذر لم يهتم بل قهقه بمرح وقال بإعجابٍ واضح أثار القرف بداخلي

 

" رائعة.. أحب المرأة الجميلة والقوية.. فعادة ما تكون المرأة مثلكِ شرسة في الفراش.. ما هو اسمكِ يا حلوة؟ "

 

توسعت عيناي بذهول ثم حدقت بقرف إلى عينيه وهتفت بحدة بوجهه

" غبي ومنحرف وقليل الأدب.. إياك أن تتكلم معي مجددا "

 

استغليت دهشته وركضت إلى الأسفل وخرجت بعد أن ودعت الجميع.. في صباح اليوم الثاني ترجلت من الباص وبدأت بالسير نحو قصر السيد.. حسنا في الأسبوع الأول للعمل لي لديه كان يُرسل لي سائقهُ الخاص لجلبي لكن لاحقا قال لي ببرود بأن أجد طريقة للقدوم إلى قصره لأنهُ لن يُرسل لي سائقهُ الخاص من جديد لجلبي إلى قصره.. طبعا لم أعترض على أوامره ففي النهاية أنا مُجرد خادمة لديه فقط..

 

مشيت ببطء نحو القصر وألقيت التحية على الحراس عندما فتحو لي البوابة.. تقدمت ورأيت بدهشة سيارة بوجاتي بيضاء مركونة أمام القصر..

 

هذه ليست سيارة السيد فكل السيارات الخاصة به لونها إما أسود أو أزرق.. لم أهتم لمن تعود وتابعت السير لكن تجمدت بذهول عندما رأيت باب السائق ينفتح وخرج منها ذلك المنحرف وبدأ يسير باتجاهي..

 

" تباً.. ماذا يريد هذا القذر مني الآن؟! "

 

همست بقرف وأمسكت بكلتا يداي بحقيبة يدي وضغطت قبضتاي عليها بشدة وحدقت بتوتر إليه.. وقف أمامي بعيدا عني بخطوة واحدة ورغم قربه الشديد مني إلا أنني لم اخف كثيراً منه بسبب وجود الحُراس في الحديقة.. حدقت ببرود إلى وجهه وشعرت بالاشمئزاز لدى رؤيتي لابتسامتهِ المقرفة

 

" مرحبا يا حلوة "

 

تأملتهُ بكره وحاولت السير لكنه تحرك فوراً ومنعني من السير بسبب جسدهِ الضخم.. شعرت بالتوتر وهتفت بوجهه بغيظ

 

" ماذا تريد؟.. لو سمحت لدي عمل ولا أرغب بالتأخر عليه وإلا غضب مني السيد بيلاتشو و.. "

 

توقفت عن التكلم عندما قاطعني قائلا

" أولا دعيني أُعرفكِ على نفسي.. أنا كاسترو بيلوني في خدمتكِ يا حلوة.. و بالنسبة لما أريده.. أريدُكِ ببساطة وسأدفع لكِ بسخاء إن وافقتِ على الخروج برفقتي الليلة "

 

جحظت عيناي وحدقت بصدمة كبيرة إليه ثم بذعرٍ وغضبٍ شديد.. ودون أن أشعُر رفعت يدي وصفعتهُ بكامل قوتي على خده الأيمن وهتفت بوجهه بغضبٍ مهول

 

" حقير و قذر و سافل.. أنا لستُ سلعة حتى تقوم بشرائها أيها اللعين "

 

وركضت برعب ودخلت إلى القصر من الباب الجانبي المخصص للخدم... وليومين كاملين لم يتركني بسلام ذلك الحقير كاسترو كنتُ أراه أمامي طيلة الوقت ولم أفهم لماذا السيد بيلاتشو لم يتكلم معه ويمنعه من الاقتراب مني كما وعدني.. إذ لقد اشتكيت له عن تصرف صديقه معي في الأمس لكن ها هو صديقه القذر أمامي يبتسم لي بإغراء و بقذارة..

 

كتفت يداي أمام صدري وقلتُ له بقرف

" ماذا تريد؟ "

 

ابتسم تلك الابتسامة المقرفة وقال وهو يرفع يده اليمنى أمام وجهي ورأيتهُ يمسك بين أصابعه بطاقة مربعة صغيرة قائلا بهدوء

 

" اسمعيني لمرة واحدة ولن تندمي.. هذه بطاقتي الشخصية بها رقمي الخاص.. سأدفع لكِ أي مبلغ تطلبينهُ مني من أجل الحصول عليكِ.. فقط ليلة واحدة أطلب.. وعرضي سيستمر لنهاية هذا الأسبوع.. ليلة واحدة فقط هو طلبي وسأدفع أي مبلغ تطلبينه وكذلك نقدا إن أردتِ "

 

احمر وجهي من شدة الغضب ورفعت يدي بنية صفعه لكنه أمسك بمعصمي وجمدها ووضع بكف يدي بطاقته وقال بهمس لكن بحدة

 

" لا لن تصفعيني من جديد.. اتصلي بي يا حلوة.. وتذكري جيداً سأدفع لكِ بسخاء "

 

كنتُ على وشك شتمه وتحرير معصمي من يده ورمي بطاقته بوجهه لكن تجمدت عندما رأيت السيد مونرو يقف في وسط الغرفة وهو يُحدق بنا بعدم الرضا وبنظراتٍ حاقدة تشتعل من شدة الغضب..

 

سحبت يدي بسرعة من قبضة ذلك المغفل وحشرت برعب بطاقته بجيب سروالي.. شعرت بالخوف بأن يراها السيد مونرو بيدي ويظن بأنني رضخت لصديقه القذر..

 

" كاسترو حان الوقت لنذهب "

 

قال السيد ببرود لا يُعبر عن مدى غضبهِ موجها حديثه لصديقه ثم تأملني ببرود واستدار وخرج بهدوء.. وسمعت بغيظ ذلك المغفل يقول قبل أن يذهب

 

" اتصلي بي يا حلوة في أي وقت.. أنتظر اتصالكِ بفارغ الصبر "

 

انتفضت بغيظ بعد ذهابه وصعدت إلى جناح السيد لأنظفه ونسيت كليا وجود بطاقته بجيبي.. بعد ساعة وبينما كنتُ أنظف سمعت رنين هاتفي.. مسحت يداي وأخرجت هاتفي من جيبي ورأيت رقم شقيقتي.. ابتسمت برقة وضغطت على الشاشة ووضعت الهاتف على أذني قائلة بسرور

 

" إيميليا حبيبتي أنا في العمل ولــ... "

 

خرست عندما سمعت صوت امرأة غريبة تتكلم قائلة

 

( مرحبا آنسة رالبيكا.. معكِ الشرطية جوليان.. آسفة لإعلامكِ أن شقيقتكِ إيميليا موسيني قد تعرضت لحادث اصطدام خطير بالقرب من مقر الشرطة في المقاطعة.. وتم نقلها إلى مستشفى بوربون.. أتمنى أن تأتي أولا إلى مركز الشرطة واستلام أغراض شقيقتك.. إن لم تستطيعي القدوم إلى المركز سيصل الضابط إلى المستشفى بعد ساعة.. آسفة لإعلامك لكن السائق استطاع الفرار ولكن الدوريات تلاحقه ونعدكِ سنجده و.. )

 

لم أسمع كامل حديثها إذ أصابتني رجفة عجيبة وشعرت بالأرض تميد بي.. وقع هاتفي على الأرض ونظرت بصدمة كبيرة أمامي ثم هتفت بهستيرية

 

" إيميلياااااااااااااااا.... "

 

شرعت أبكي بجنون وانهار جسدي وخذلتني قدماي وسقطت جاثية على ركبتاي أبكي بعنف

 

" لا إلهي أرجوك.. لا تفعل ذلك بي.. لا تحرمني من شقيقتي الوحيدة أرجوك "

 

بكيت بشكلٍ هستيري وانتحبت بعنف وأنا أتوسل اللّه بحماية إيميليا وإنقاذها وحتى لا يحرمني منها.. بعد مدة حاولت أن أتماسك ونظرت من بين دموعي إلى هاتفي.. أمسكته ووقفت بساقين ترتعشان ومسحت دموعي وركضت بانهيار خارجة من الجناح.. رأيت رئيس الخدم أمامي وطلبت منه بأخذ إجازة لأمرٍ ضروري وعائلي.. وافق بأن أذهب عندما شاهد مدى خوفي ورعبي..

 

لم أُبدل ملابسي فقط أخذت حقيبة يدي وخرجت مُسرعة من القصر وبدأت أركض على الطرقات وأنا أبكي بتعاسة.. أوقفت سيارة أجرة وطلبت منه التوجه بأسرع ما يمكنه إلى مستشفى بوربون..

 

كنتُ منهارة وأنا أجلس على الأرض أمام غرفة العمليات.. كانت إيميليا تخضع لعملية جراحية خطيرة ولم يستطع أحداً أن يُخبرني بحالتها فقد طلبوا مني الممرضات لأصبر قليلا وأنتظر خروج الطبيب لأطمئن عليها.. ثلاث ساعات مضت بينما كنتُ أجلس أمام باب الغرفة دون أن أتوقف عن البكاء للحظة واحدة..

 

كنتُ خائفة ومنهارة لحد اللعنة وأنا أصلي وأدعو بداخلي أن ينقذها اللّه.. إن خسرتُها سأموت.. سأموت إن حصل لها شيء.. بعد نصف ساعة خرج الطبيب من غرفة العمليات.. مسحت دموعي ووقفت بسرعة ونظرت إليه بذعر وبرجاء.. وقف الطبيب أمامي وقال بهدوء

 

" هل أنتِ قريبة للآنسة إيميليا؟ "

 

أومأت له موافقة وقلتُ له بتوتر وبخوف

 

" إيميليا شقيقتي.. أنا رالبيكا شقيقتُها الكبيرة.. أرجوك دكتور طمني عنها لو سمحت.. هل هي بخير؟!.. هل حـ.. "

 

قاطعني قائلا بهدوء وبحزن

" اتبعيني لو سمحتِ ودعينا نتكلم بهدوء في مكتبي الخاص "

 

تبعتهُ إلى الطابق المخصص لمكاتب الأطباء ودخلت إلى مكتبه الخاص وجلست أمامهُ على الكرسي بينما جسدي كان يرتعش بقوة وقلبي ينبض بشكلٍ جنوني.. جلس على كرسيه خلف مكتبه ونظر إلى وجهي بشفقة قائلا

 

" وصلت شقيقتك إلى المستشفى بوضعٍ حرج جداً.. الشرطي أعلمنا باسمها بعد رؤيته لبطاقة هويتها.. للأسف الشديد لديها إصابات جدا خطيرة في الرأس والوجه وكسور في اليدين والساقين.. أوقفت النزيف وأجريت لها عملية جراحية في الرأس وأزلت شظايا الزجاج عن وجهها وتم تجبير يديها وقدمها اليسرى.. سأكون صريحا معكِ أنسة رالبيكا وأتمنى أن تتفهي الوضع "

 

كنتُ أبكي بشدة لدى سماعي لوضع حبيبة قلبي.. تنهد الطبيب بحزن لدى رؤيته لدموعي وتابع قائلا

 

" يجب أن تكوني قوية من أجلها.. هي ستحتاج إليكِ في هذه الفترة.. كما يجب أن تعلمي بأن شقيقتكِ تحتاج وفي أسرع وقت لإجراء عملية تجميلية في وجهها.. لقد تشوه أكثر من نصفه بسبب الزجاج ويجب أن تخضع في أسرع وقت لعملية به وإلا لن تزول أثار الجروح عن وجهها إلى الأبد.. إن تأخرت شقيقتي على إجراء العملية في وجهها سيكون من الصعب جداً إجراء عميلة لاحقا لإخفاء الندبات به "

 

شهقت بألم وسالت دموعي أضعافا على وجنتاي وأجبتهُ بسرعة قائلة ببكاء

 

" إذا فلتخضع لتلك العملية بأسرع وقت.. إيميليا يجب أن تتحسن "

 

أومأ لي موافقا لكنه قال

 

" آنسة موسيني.. العملية تكلفتها جداً باهظة والطبيب المختص لن يجري لها العملية قبل أن تدفعي كامل مصاريف المستشفى "

 

خفق قلبي بعنف وارتعشت أوصالي بقوة.. نظرت بخوف إليه وسألته بغصة

" ما هي تكلفة العملية حضرة الطبيب؟ "

 

تنهد بعمق وطلب مني لأنتظر قليلا وخرج من مكتبه.. بعد مرور ربع ساعة دخل إلى المكتب برفقة رجل يبدو في عقد الخامس من العمر.. ابتسم لي برقة وقال

 

" آنسة موسيني.. أنا مدير المستشفى ولقد كلمني الطبيب عن حالة شقيقتكِ.. آسف بخصوص الحادث ولكن حاليا أنتِ مدينة للمستشفى بمبلغ مائة وثلاث وستون ألف يورو.. وإن أردتِ أن تخضع شقيقتكِ لعملية التجميل في وجهها سيكون عليها المكوث لمدة شهرٍ كامل في المستشفى والمصاريف الكاملة ستكون خمسمائة ألف يورو.. ويجب أن تُسددي نصف المبلغ خلال يومين على الأقل ثم سأمهلكِ أسبوع لدفع ما تبقى من المبلغ "

 

تسارعت أنفاسي واقشعر جسدي وشحب وجهي بشدة.. إلهي كيف سأحصل على هذا المبلغ الكبير؟!!!... فكرت برعب ولكن رغم ذلك أجبتهُ بسرعة وبثقة لا أعلم من أين امتلكتُها

 

" موافقة.. سأدفع نصف المبلغ خلال يومين.. لكن على شقيقتي أن تخضع لتلك العملية في أسرع وقت "

 

جعلني ذلك الرجل أوقع على أوراق خاصة للمستشفى ثم أخبرني بوجود الشرطة في الخارج وأنهم يرغبون بالتكلم معي.. نصف ساعة مضت وذلك الضابط كان يتكلم معي ويُخبرني عن الحادث بعد أن سلمني حقيبة إيميليا.. كنتُ أبكي بانهيار عندما سمعت منه كيف حصل معها الحادث.. لقد صدمها ذلك السائق وهي تعبر الشارع رغم أن إشارة المرور كانت حمراء.. كانت عائدة إلى المنزل سيراً على الأقدام ولم تذهب بسيارة أجرة لكي توفر من المصروف عليّ..

 

حبيبتي إيميليا أرادت أن تُخفف من المصروف وتمشي سيراً على الأقدام رغم اعتراضي الدائم على فعلتها تلك.. 


وأخبرني الشرطي بأسف بأن السائق قد مات أثناء المطاردة بينما عناصر الشرطة كانوا يلاحقونه إذ أصيب برصاصة في رأسه.. وأخبرني بحزن بأن ذلك السارق هو مُشرد وكان قد سرق تلك السيارة وللأسف لا يمتلك فلساً لأقوم بتحصيله منه من أجل نفقات علاج شقيقتي.. عند ذهاب الشرطي بكيت بتعاسة وقررت أن أذهب إلى المنزل لأجد حلا في أسرع وقت لدفع نصف المبلغ على الأقل للمستشفى..

 

فتحت الدُرج في المنضدة الموجودة بجانب سريري وأمسكت بالعلبة المخملية ووضعتُها بحضني.. فتحت غطائها ونظرت إلى مجوهرات والدتي.. هذه المجوهرات هي كل ما تبقى لنا من أمي.. احتفظت بها لأعطيها هدية لشقيقتي الحبيبة في يوم تخرجها من الجامعة.. لكن يبدو بأنني لن أفعل ذلك..

 

وضعت العلبة بحقيبة يدي وخرجت من المنزل وتوجهت إلى أقرب محل لبيع المجوهرات.. شعرت باليأس لأنني لم أحصل سوى على عشرين ألف يورو مقابل بيع مجوهرات أمي.. مبلغ جدا صغير ولن يوافقوا عليه في المستشفى.. حاولت الذهاب إلى أحد البنوك وطلب قرض كبير لكن المدير ضحك عليّ وطردني خارج البنك بطريقة مهذبة..

 

ماذا عساي أن أفعل الآن؟!.. فكرت بانهيار وبتعاسة بينما كنتُ أسير على الطريق باتجاه المستشفى.. فجأة تذكرت السيد ماركو بوربون.. هو طيب القلب وسوف يساعدني بكل تأكيد.. ركضت بسعادة نحو المستشفى لكن كل أمالي انهارت عندما أخبروني بأن السيد بوربون قد سافر إلى الخارج برفقة زوجته ولن يعود في القريب العاجل..

 

ظللت طيلة الليل أبكي بحزن و بتعاسة أمام غرفة العناية الفائقة الخاصة بشقيقتي.. ماذا سأفعل؟!.. كيف سأستطيع جمع كل هذا المبلغ؟!.. لا أحد سوف يساعدني ولا يوجد طريقة أستطيع بها جمع كل هذا المبلغ!!.. حتى لو قمتُ ببيع منزلنا الصغير لن يسُد ولو القليل من ربع المبلغ..

 

لقد سئمت من قساوة الحياة.. وغشيت عيناي دموع العجز وسالت على وجنتاي الشاحبتين.. وقفت ووضعت يدي بجيب سروالي.. عقدت حاجباي عندما لمست شيئا رقيقا.. أمسكتهُ بأصابعي ورفعت يدي ونظرت بدهشة إلى بطاقة ذلك المنحرف كاسترو بيلوني..

 

وطيلة الليل كنتُ أنظر إليها كأنها الطريق الوحيد لخلاصي.. كيف يمكنني أن أستسلم له بينما لدي رهاب كبير من الرجال؟!.. كيف يمكنني أن أستسلم له بينما أنا أعشق السيد مونرو؟!!!.. بل كيف لي أن أتقبل لمساتهِ لجسدي بينما أنا لا أستطيع أن أتقبل لمسات العابرة للرجل الذي أحبه؟؟!!!..

 

" لا يوجد حل آخر أمامي.. يجب أن أكون قوية وأتخطى خوفي من أجل إيميليا.. يجب أن أفعل ذلك من أجلها "

 

همست بتصميم رغم الذعر الذي ملأ كياني بأكمله.. وأتى الصباح وأصبحت الساعة الحادية عشر ثم الساعة الواحدة ظهراً وأنا ما زلتُ أجلس على الأرض أمام غرفة العناية الفائقة..

 

" يكفي.. "

 

همست بإصرار رغم خوفي الكبير ووقفت ونظرت إلى البطاقة بيدي ثم أخرجت هاتفي وطلبت رقم ذلك القذر بأصابع مرتعشة.. سالت دموعي بعجز وبقهر وبعذاب على وجهي عندما سمعت صوته المقرف في أذني

 

( من المتكلم؟ )

 

شهقت بصوتٍ مكتوم وأجبتهُ بنبرة مرتعشة وبسرعة لكي لا أُغير رأيي في أخر لحظة

 

" سيد بيلوني.. أنا موافقة على عرضك.. سأكون لك لهذه الليلة لكن مقابل خمسمائة ألف يورو وأريدُها نقدا الليلة.. سأنتظرك أمام مستشفى بوربون في الساعة الخامسة وعندما أستلم منك المبلغ سأذهب برفقتك إلى أي مكان تريده "

 

ثواني قليلة مضت من الصمت.. كنتُ أستطيع سماع تنفسهِ السريع عبر الهاتف.. اقشعر بدني بقوة عندما سمعته يتكلم بنبرة فرحة ومنتصرة

 

( موافق.. سأكون في الساعة الخامسة أمام المستشفى )

 

أنهيت المكالمة وجلست على الأرض بانهيار أبكي بتعاسة وأنا أضم رأسي بكلتا يداي.. لا بأس.. لا بأس إن فعلت ذلك من أجلها.. في النهاية لقد سبق وتم لمس جسدي بالرغم عن إرادتي.. و.. و لا بأس إن حصل مجدداً.. سأتحمل من أجل عينيها فقط..

 

وفي الساعة الخامسة بالتمام رأيت كاسترو يقف أمام مدخل المستشفى وهو يمسك بيده حقيبة رمادية اللون كبيرة ومربعة الشكل.. اقترب وسلمني إياها وهو ينظر بخبث إلى عيناي..

 

استلمت الحقيبة وطلبت منه أن ينتظرني لأدخل وأدفع الحساب لكنه رفض رفضا قاطعا وقال لي بنبرة تهديد وهو يداعب وجنتي بإبهامه برقة شعرت بأنني سأتقيأ بسبب لمسته

 

" لا يا حلوة لن تذهبي بنقودي إلى أي مكان من دون مرافقتي لكِ.. هل هذا واضح؟ "

 

ابتلعت لعابي بصعوبة مستعيدة أنفاسي المتسارعة وحاولت أن أتمالك نفسي بصعوبة لأجيب بصوتٍ هادئ قدر استطاعتي

 

" حسنا يمكنك أن ترافقني.. سأذهب لدفع المبلغ في قسم المحاسبة وعندما أنتهي سنخرج "

 

داعب طرف ذقني بأصابعه وابتسم برضا وأشار لي بعينيه لأدخل إلى المستشفى..

 

كنتُ أمشي نحو قسم المحاسبة بينما جسدي كان يرتعش وقد تصبب العرق على طول ظهري ونقاط صغيرة منه لمعت فوق شفتاي وجبيني مُعلنة لمن يُدقق النظر نحوي عن مدى ما أمر به من ذعر وخوف وتوتر..

 

وضعت الحقيبة أمام المحاسب وفتحتُها..


حدقت بغصة إلى داخل الحقيبة وتحديداً إلى المبلغ الكبير من المال.. لقد وافقت على بيع نفسي مقابلا لها.. كم أنا رخيصة ولا أساوي شيئا في هذه الحياة..

 

دفعت كامل المبلغ ووقعت على الأوراق واستلمت من الموظف وصل بالمبلغ وشكرني بتهذيب وانصرف لعمله.. بدأ قلبي ينبض بسرعةٍ مُخيفة.. لقد حانت اللحظة الحاسمة.. استدرت بخوف ورأيت كاسترو ينظر إليّ بطريقة شهوانية مُخيفة.. لم يهتم بأنني وافقت على طلبه من أجل شقيقتي ولم يهتم حتى بسؤالي عنها ولم يهتم لخوفي الكبير منه..

 

أمسك بيدي اليسرى وجذبني خلفه خارجا من المستشفى.. كنتُ أمشي كالمنومة مغناطيسيا خلفه بينما دموعي تنهمر مثل الشلال على وجنتاي الشاحبتين.. ساعدني بالجلوس على المقعد وأغلق باب السيارة ثم ارتعش جسدي عندما رأيته يجلس خلف المقود وبدأ يقود سيارته الثمينة بسرعةٍ مُخيفة...

 

ماركو**

 

كنتُ أنظر برقة إلى فيليا ونظراتي شاردة بجمالها الأخاذ.. كانت تجلس على الأريكة بجانب شارلي في غرفة الجلوس في قصر رومانوس.. كانت فيليا تُعلم شارلي لغة الإشارات والتي كنتُ في الخفاء أتعلمُها حتى أستطيع التواصل مع فيليا..

 

ابتسمت برقة بينما كنتُ أراها تضحك بسعادة بسبب أخطاء شارلي المتكررة.. أنا أعلم جيداً بأن شارلي تتصنع الأخطاء حتى تجعل فيليا تضحك بسعادة.. شعرت بالراحة لأنهما أصبحتا أعز صدقتين ولا يفترقان عن بعضهما أبداً..

 

استقرت نظراتي على بطن شارلي المنتفخ وشعرت بالحزن بينما كنتُ أتأمل بطنها الجميل.. ابن أخي سيولد في أي لحظة.. ابن أخي إيثان سيولد وسأكون أنا والدهُ بدلا عن أخي..

 

لطالما أحببت إيثان بجنون منذ الصغر.. لقد كان أخي الصغير و رفيق حياتي وأعز صديقٍ لي.. كنتُ دائما أتشاجر مع أبي بسبب طباع إيثان وعدم تحكمهِ بغضبه.. كنتُ دائما أتستر على أفعاله وأحاول مساعدتهِ عندما يقع بمشكلة كبيرة... وما زلتُ لغاية الآن أفعل ذلك.. سوف أحمي ابنه وأحبهُ كابنٍ لي وأعطيه نسبهُ الحقيقي..

 

لم أندم للحظة لأنني تزوجت من شارلي حتى أساعدها.. و لكن ما فعلهُ إيثان معها مستحيل أن أسامحهُ عليه.. شارلي أصبحت زوجتي.. حتى لو كان زواجنا حبراً على ورق ولكنها زوجتي أي شرفي أنا و عرضي.. و إيثان انتهك شرفي و عرضي.. انتهكه..

 

تألمت جداً بسبب ما فعلهُ بها.. أكان يرضيه أن أخطف زوجتهُ وأغتصبها؟!!.. هل كان سيرضى بذلك؟!.. طبعا لا..

 

تألمت جداً عندما نطقت بتلك الكلمات.. بأنهُ لم يعُد لي أخ اسمهُ إيثان.. طبعا لا أستطيع فعل ذلك فهو أخي الصغير ورفيقي.. هو كل ما تبقى لي من عائلتي.. لكن عليه أن يتعلم فعل الصواب والتحكم بغضبه.. عليه فعل ذلك..

 

لذلك اتخذت قراري ولا رجعة عنه.. سألقنهُ درسا لن ينساه في حياتهِ كلها.. وعدت نفسي بذلك وسأنفذ وعدي..

 

تنهدت بحزن ونظرت إلى شارلي بعجز.. قد تكرهني بسبب ما سأفعلهُ بـ إيثان.. لقد اتصل بي رومانوس منذ ثلاثة أيام وأخبرني بأن إعصاراً قادما إلى ديفون.. فالسيد غضبان اكتشف بأن شارلي حامل وهو متأكد بأنها حامل بطفله..

 

لم أُخبر شارلي بذلك حتى لا تخاف فهي على وشك الولادة.. لذلك خططت ونفذت.. عينت أولا حُراس جُدد ولم أسمح لـ شارلي بالذهاب بمفردها إلى أي مكان من دوني ومن دون مرافقة الحراس الشخصيين.. ثم تكلمت مع مدير المستشفى واتفقت معه.. أنا أعلم جيداً ما يُخطط إيثان لفعله لذلك كان كل شيء جاهز لمفاجأة شقيقي العزيز..

 

أتمنى أن يسامحني على ما سأفعله في يوم من الأيام... لكن هو يستحق ما سأفعل به.. وسيكون درسا له لن ينساه أبداً..

 

" أعععععععععهههههههههه.. بطني.. ظهري.. أعععععععععععههههههههه.. ساعدوني "

 

انتفضت برعب ووقفت ورأيت شارلي تمسك بطنها بكلتا يديها وهي تبكي وتصرخ بألمٍ كبير.. ركضت ووقفت أمام الأريكة ورأيت بصدمة فيليا تبكي برعب وشارلي تصرخ بألمٍ شديد..

 

" ماذا هناك؟!.. لماذا تبكين أنتِ و فيليا؟! "

 

سألت شارلي برعب وفورا هتفت بوجهي

" أنااااااااااااااااااااااااااا... ســ.. سألد طفلي الآن "

 

جحظت عيناي ونظرت إليها برعب وهتفت بصدمة

" كيف؟!.. الآن!!!... يا إلهي... يا إلهي.. حسنا.. خُذي نفساً عميقا وازفريه بهدوء... و.. يا إلهي الطفل قادم  "

 

نظرتا إليّ بدهشة ثم عاودتا البكاء معاً.. وهنا انتبهت على نفسي وحملت شارلي بين يداي وأمرت فيليا لتصعد إلى غرفة شارلي وتجلب حقيبة المستشفى وركضت خارجا من قصر رومانوس وأمرت السائق بجلب السيارة بسرعة..

 

جلست في المقعد الخلفي وشارلي في حضني و فيليا جلست في المقعد بجانب السائق..

 

أععععععععععععععهههههههههه... اللعنة... "

 

صرخت مع شارلي بألم وشتمت في النهاية لأنها عضت لي معصمي.. نظرت إلى معصمي بأسف.. كان معصمي في فم شارلي ولم يُطاوعني قلبي بسحبه..

 

" أععععععععععععععهههههههههه... اللعنة... "

 

صرخة ثانية خرجت من فم شارلي ومن فمي مع شتيمة لأنها عضت معصمي مجدداً..

 

" تباً لك اسرع.. ستلد الطفل في السيارة "

 

هتفت على السائق المسكين والمرتعب وبدأت أحاول أن أُخفف من ألم شارلي.. تنهدت براحة أخيراً عندما وصلنا إلى المستشفى وسحبت معصمي من فم شارلي ونظرت إليه بحزن.. حسنا من أجل طفل أخي سأتحمل..

 

حملت شارلي وركضت بها داخلا إلى المستشفى وخلفنا فيليا برفقة الحُراس.. رفقتهم كانت ضرورية و للأمان حتى لا يخطف إيثان شارلي مع الطفل..

 

ثلاث ساعات مضت كنتُ أقف بجانب السرير وأنا أمسك بيد شارلي.. دخلت معها إلى غرفة التوليد بطلب منها.. في البداية لم أكن سأفعل كي أراعي مشاعرها لكنها فاجأتني وطلبت مني الدخول برفقتها..

 

شعرت بالسعادة عندما رأيت الطبيب يسحب الطفل ويحمله..

 

وسالت دموع الفرح من عيناي عندما سمعت صوت بكائه.. شعرت بغصة في قلبي لأنني تذكرت زوجتي المرحومة.. لو كانت ما زالت على قيد الحياة كان ابني سيكون عمره ثماني سنوات منذ شهر..

 

سلمني الطبيب الطفل بعد أن لفهُ بغطاء خاص ونظرت إلى وجهه بسعادة.. كان جميل وصغير جداً.. ابتسمت له بحنان وبعاطفة كبيرة ثم اقتربت وانحنيت ووضعتهُ برقة على صدر شارلي.. كانت تبكي بسعادة وهي تنظر بمحبة كبيرة إلى طفلها.. رفعت نظراتها نحوي وسألتني بسعادة

 

" ماركو.. ماذا تريد أن نسميه؟! "

 

تأملتُها بدهشة ثم حممت وقلتُ لها بتوتر

" هو.. أنا.. شارلي أنا.. أنا أظن يجب أن تسميه بنفسكِ و.. "

 

لكنها قاطعتني قائلة برقة

" لا ماركو.. أريدُك أن تسميه بنفسك.. هيا اختر له اسم "

 

حدقت إليها برقة ثم نظرت إلى الطفل وفكرت.. لطالما كان إيثان يقول بأنه سيُسمي ابنه البكر على اسم والدي المرحوم بيترو

 

" بيترو.. سوف اسميه بيترو "

 

رفعت نظراتي ورأيت شارلي تبتسم بحنان.. أومأت لي موافقة ثم همست للطفل

 

" مرحبا بك في عائلتنا الصغيرة طفلي.. بيترو بوربون يا فرحة قلبي وبهجة حياتي "

 

ابتسمت بسعادة وسمعت بغيظ تلك الممرضة تتكلم قائلة

" ألف مبروك سيد وسيدة بوربون.. والآن لو سمحتما أريد الصغير بيترو.. يجب أن نأخذه إلى الحضانة ونفحصه ونحممه.. كما لقد كتبت اسم الطفل على السوار الخاص به "

 

سلمتها شارلي الطفل غصبا عنها بينما أنا حدقت ببرود إلى تلك الممرضة ورأيتُها تضع السوار على معصم الطفل ثم داعبت خده قليلا واستأذنت بالانصراف وخرجت..

 

" شارلي.. سيتم نقلكِ إلى غرفة خاصة.. سأراكِ بعد قليل بها و فيليا سوف ترافقكِ.. يجب أن أهتم بمعاملات الأوراق القانونية للطفل لن أتأخر كثيراً "

 

أجابتني بإرهاق موافقة وخرجت من الغرفة وخلعت رداء الأزرق الخاص بالمستشفى وسلمته لعامل التنظيفات ثم أشرت بيدي للحارسين حتى يتبعوني.. تلك الممرضة اللعينة تم رؤيتها عبر كاميرات المراقبة تتكلم مع شقيقي إيثان في الأمس..

 

أخي العزيز يظن نفسه ذكي... كنتُ قد سبقتهُ بخطوة إذ بسبب مكالمة الماركيز توقعت ما قد يفعلهُ إيثان.. لذلك تكلمت مع مدير المستشفى وأخبرته أن مهوس يتبع زوجتي يريد خطفها أو خطف الطفل وطلبتُ منه مراقبة كل الممرضات والعاملات في قسم التوليد..

 

وفعل رغم طلبهِ مني بإبلاغ الشرطة لكنني أخبرته بأن ذلك المهوس هو فرد من العائلة لذلك لا أريد للشرطة أن تتدخل.. واخبرتُه أن ذلك المهوس يظن الطفل طفله.. تعاطف معي مدير المستشفى وساعدني وطبعا رأيت المسكين شقيقي يدخل منذ يومين إلى المستشفى برفقة حراسه وصعد إلى قسم التوليد ولحُسن حظه وجد فريسته..

 

تلك الممرضة اللعينة وافقت على عرضه.. أظن أنهُ قدم عرضا كبيراً لها.. للأسف سيخسر مبلغا كبيراً من أمواله على لا شيء وتلك الممرضة ستخسر وظيفتها بعد أن يسافر إيثان من ديفون.. المدير سيطردها بعد سفر إيثان حتى لا تتصل به ويكتشف بأنني تلاعبت وخدعته..

 

مشيت في الممر برفقة حرسي ثم وقفت جانبا ورأيت مديرة القسم أمامي

" سيد بوربون.. كل شيء جاهز كما اتفقنا عليه سابقا "

 

شكرتُها بهدوء وراقبنا من بعيد الغرفة التي تم وضع طفلي بها.. ثواني وخرجت تلك الممرضة الحقيرة من الغرفة.. نظرت إليها بحقد

 

رواية ماركيز الشيطان - فصل 14 - عينيه


ورأيتُها تخرج خلسة من القسم.. تقدمنا بسرعة نحو غرفة طفلي ودخلناها.. نظرت بحنية إلى بيترو وبعاطفة جياشة...هو يشبه إيثان جداً.. نسخة مُصغرة عنه..

 

" سيد ماركو لو سمحت قف جانباً.. يجب أن أُبدل ملابس الطفلين بسرعة  "

 

سمعت مديرة القسم تُكلمني وفوراً تحركت ووقفت بعيدا وبدأت أتابع بدقة ما يحدث.. لقد تم جلب مولود ذكر ولدتهُ أمه منذ ساعات قليلة ورأيت رئيسة القسم بدأت تُبدل ملابس الطفلين والسوار بسرعة وعندما انتهت خرجنا جميعا من الغرفة مع طفلي الصغير بيترو..

 

راقبنا من بعيد دخول إيثان مع رجاله وتلك الممرضة وانتظرنا ربع ساعة حتى خرجوا.. كنتُ أنظر إلى إيثان بحزن وهو يخرج من قسم التوليد... سوف يُصاب أخي بصدمة كبيرة جداً قريبا..

 

عندما تأكدنا بأنهم ذهبوا عُدنا ودخلنا إلى غرفة طفلي وبدلنا من جديد الطفلين مع ثيابهم والسوار في معصمهم.. والآن بيترو الحقيقي نائم في سريره الخاص بالحضانة وتلك الممرضة القذرة ستجلبهُ بنفسها إلى غرفة شارلي..

 

دخلت إلى غرفة شارلي الخاصة وابتسمت بحنان عندما رأيتُها نائمة بعمق و فيليا تجلس على كرسي بجانب سريرها وهي تمسك بيد شارلي.. تقدمت ببطء ووقفت أمام السرير وهمست لـ فيليا قائلا بحنان

 

" فيليا.. يجب أن تعودي إلى القصر حتى تستريحي قليلا.. لا بُد بأنكِ مُتعبة "

 

رفعت رأسها ونظرت إليّ بخجل ثم ابتسمت لي تلك الابتسامة الرقيقة والتي تجعل قلبي ينبض بعنف بسببها وأشارت لي بيدها قائلة

 

( لستُ متعبة.. لا تقلق )

 

فهمت فوراً ما أشارت لي به لأنني كنتُ أتعلم بالسر لغة الإشارات ولأفاجئها رفعت يداي وأشرت لها قائلا

( يبدو التعب جلياً على وجهك )

 

توسعت عينيها الجميلتين بصدمة وفتحت فمها الجميل على وسعه وقهقهت بخفة بسبب ملامحها المصدومة.. وهنا تابعت قائلا لها بصوتٍ مُنخفض

 

" مفاجأة جميلة.. أليس كذلك؟ "

 

أشارت لي بخجل موافقة وتابعت قائلا لها بنبرة حنونة

" للأسف ما زلتُ أتعلم لغة الإشارات.. بالكاد أعرف بضعة كلمات لكنني سأتقنُها قريبا من أجلكِ "

 

اشتعل وجهها بحمرة الخجل وذلك الاحمرار على وجنتيها جعلها تبدو أجمل بكثير.. تبا ما الذي أفكر به؟!!.. لا يجب أن أفعل فأنا رجل متزوج و.. و أنا بضعف عمرها.. اللعنة على أفكاري..

 

انفتح باب الغرفة ورأيت تلك الممرضة الحقيرة تدخل إلى الغرفة وهي تجُر سرير بيترو الخاص أمامها.. ابتسمت لي بوسع لكنني لم أستطع أن أبادلها الابتسامة لأنني قرفتُ منها.. وضعتهُ بجانب سرير شارلي وقالت

 

" بيترو بوربون الجميل أتى لزيارة والدته.. ياه السيدة شارلي نائمة.. لكن لا بأس فالصغير بيترو سيبقى هنا لحين استيقاظ والدته حتى تُرضعه "

 

رأيت فيليا تقف واتجهت نحو سرير الصغير وبدأت تنظر إليه بحنانٍ كبير.. بعد خروج الممرضة جلست على الكرسي أتأمل مثل عادتي فيليا وتصرفاتها الطفولية الرائعة..

 

وبعد يومين عدنا إلى القصر وعرفت من مصادري الخاصة بأن إيثان سافر إلى سويسرا في الأمس.. سافر بهدوء بعد أن تلقى صدمة حياته.. لو كان أخي يعرف بالطب قليلا كان اكتشف فورا أن هناك شيئا غريباً.. لكن إيثان طبعا لم ينتبه لذلك لأنهُ لا يعلم..

 

وظن أن الطفل هو طفلي وليس له.. ولكن لو الطفل هو طفلي أنا كان يجب أن يكون تحليل الحمض النووي بنسبة الجينات المشتركة في العائلة هو 25% ... وطبعا إيثان لم ينتبه لذلك..

 

توقعت منذ معرفتي بوصوله إلى ديفون في إنجلترا أنه سيجري فحص الحمض النووي للطفل.. والسبب لأنه لم يتصرف بسرعة ويخطف شارلي قبل أن تلد.. وتوقعي كان في محله.. لذلك خطط لتبديل بيترو بطفل آخر بعد اكتشافي باتفاق إيثان مع تلك الممرضة.. ونجحت خطتي تماماً..

 

اتصلت بمدير المستشفى وأخبرتُه أنهُ يمكنه طرد تلك الممرضة الآن فـ إيثان قد عاد إلى سويسرا... تستحق تلك الممرضة الطرد لأنها خبيثة وقد تبيع طفلا يوما ما..

 

وبعد مرور أسبوعين تلقيت اتصالا من المستشفى وأعلموني بأن ماريسا لودر في غرفة العناية الخاصة لأنها حاولت الانتحار..

 

" رومانوس دي فالكوني سيقتلني بنفسه "

 

هذا ما كنتُ أُردده طيلة مسافة الطريق بينما كنتُ أقود السيارة بسرعةٍ جنونية باتجاه المستشفى..

 

" سيقتلني رومانوس.. سيقتلني... اللعنة عليهم... أغبياء.. "

 

أوقفت سيارتي أمام مدخل المستشفى وركضت داخلا إلى المستشفى..

 

" أين هو الطبيب أغنوس؟.. أين هو تكلموا؟ "

 

هتفت بحدة وبغضبٍ عاصف على الموظفين وأجابتني ممرضة برعب

" سيدي.. إنه في مكتب المدير "

 

تابعت المشي بخطواتٍ سريعة واتجهت إلى الطابق الأول ودخلت إلى مكتب المدير دون أن أطرق الباب.. انتفضوا برعب لدى دخولي ورأيت نظرات الخوف في عيونهم..

 

وقفت أمام المكتب ونظرت بشر إلى المدير ثم إلى الطبيب أغنوس و الممرضتين الواقفتين أمام المكتب.. رفعت يدي وأشرت بها نحو تلك الممرضة وقلتُ لها بغضبٍ جنوني

 

" أنتِ... ألستِ المسؤولة عن حماية ماريسا و الاهتمام بها؟.. تكلمي واللعنة "

 

ارتعشت برعب وقالت بصوتٍ مهزوز

" نعم سيد بوربون.. أنا هي "

 

تقدمت خطوتين منها وبدأت تبكي برعب عندما أمسكت بمعصمها وهتفت بجنون بوجهها

 

" كيف أيتها الغبية لم تنتبهي لتلك النافذة وتركتها تقفز منها؟.. كيف لم تستطيعي حمايتها ومنعها من الانتحار؟.. غبية مثلكِ لا يجب أن تعمل هنااااااااااا.... "

 

سمعت المدير يكلمني بخوف قائلا

" سيد ماركو.. لو سمحت اهدأ ودعنا نتحاور بهدوء.. لا ذنب لــ.. "

 

التفت نحوه وحدقت بغضبٍ إليه قائلا بفحيح

" ما حصل مع ماريسا لودر لن يُعجب الماركيز أبدا.. إن أصابها أي مكروه سيقتلكم جميعا "

 

سحبت يدي من معصم تلك الغبية وخبطت قبضتي على سطح المكتب بعنف وانتفض الجميع برعب.. حدقت بوجوههم بحدة وقلتُ لهم من بين أسناني بحقد

 

" لقد دفع الماركيز مبلغ خيالي لا تحلمون برؤيته حتى في أحلامكم.. دفع مليونين يورو لهذه المستشفى اللعينة حتى تهتموا بـ ماريسا لودر وتُعالجونها وتجعلوها تتحسن في أسرع وقت.. أراد مُعاملة خاصة لها وأراد أن تحموها وتراقبونها جيدا لكنكم لستم مؤهلون لهذه المهمة و المسؤولية... اتصال واحد مني فقط أستطيع من خلاله طردكم جميعا من هنا و... "

 

قاطعني أغنوس قائلا وهو يقف

 

" لو سمحت ماركو اهدأ.. لا داعي للتهديد والغضب.. أعدُك لن يتكرر ذلك الخطأ من جديد.. و لحُسن الحظ كان أسفل تلك النافذة بركة مياه عميقة.. السيدة لودر بخير.. نحن فقط وضعناها في غرفة العناية المُشددة حتى تستفيق ثم سأبدأ بمعالجتها بنفسي و.. "

 

نظرت إليه بغضب وقاطعتهُ قائلا بتصميم

" لا أغنوس.. لن يقترب منها أحد بعد اليوم سواي.. سأتكفل بمُعالجتها بنفسي.. وهذا قراري النهائي "

 

نظر أغنوس بدهشة إليّ وهمس بذهول قائلا

" ماركو كيف واللعنة سوف تُعالجها بنفسك بينما أنتَ طبيب جراح ولستَ طبيبا نفسيا؟! "

 

حدقت ببرود إليه قائلا

" سترى بنفسك كيف سأنجح بمعالجتها.. سأنجح بفعل ما لم تستطع أنتَ فعلهُ "

 

ثم نظرت إلى الجميع وهتفت بغضب

" إن اقترب منها أحد دون علمي سأقتلهُ بنفسي.. هل كلامي واضح؟ "

 

أجابوني برعب موافقين وأمرت أغنوس قائلا بأمر

" خُذني إليها في الحال وأريدُ ملفها كاملا بعد نصف ساعة "

 

وهكذا ذهبت برفقته إلى الغرفة التي تم وضع ماريسا بها.. كانت نائمة بسلام على ذلك السرير الأبيض.. نظرت بحزن إليها وهمست قائلا لها بتصميم

 

" سوف أعالجكِ مهما كلفني ذلك.. سوف تتحسنين أعدُكِ "

 

وخرجت برفقة أغنوس وتوجهت إلى مكتبه وبدأت أخطط لكفية مُعالجة ماريسا لودر بنفسي...

 

ماريسا**

 

" أمي.. أبي.. ماثيو.. طفلي.. أنا آتية انتظروني "

 

تسلقتُ حاجز النافذة وأغمضت عيناي ووقفت على الحاجز.. سمعت صرخات الممرضات والحراس لكنني لم أهتم.. سحبت نفساً عميقا وحبستهُ في رئتاي وقفزت.. قفزت إلى الأسفل..

 

قفزت لأستريح أخيرا من عذابي ومن الشيطان..

 

سقط جسدي بكل ما معه من ألم وخوف وتعب وحزن.. وأخيراً صرخت وسقط جسدي بمياه باردة برودة الثلج وانتهت صرختي عندما غطست في المياه السوداء التي ليس لها نهاية.. أحسست بسكاكين تغرز في عظامي وبدأت المياه تدخل إلى رئتاي.. وهنا رحبت وبسعادة بعالم الظلام الذي أحاطني..

 

رمشت بقوة وفتحت عيناي ببطء.. نظرت حولي ورأيت نفسي ما زلتُ في تلك الغرفة..

 

" أنا لم أمُت!!... "

 

همست بأسى وسالت دموعي ببطء على وجنتاي.. لماذا لم أموت؟!.. لماذا حتى الموت لا يريدني؟!... كل ما أريدهُ هو أن أرتاح.. أرتاح من بؤسي ومن عذابي و آلامي..

 

سمعت طرقات خفيفة على الباب ونظرت إليه بدهشة.. إنها المرة الأولى التي تطرق بها تلك الممرضة باب غرفتي.. عادة تفتح الباب وتدخل ببساطة..

 

لم أفتح فمي ولم أتكلم مثل عادتي.. انفتح الباب ببطء وبدهشة رأيت رجلا غريبا يدخل وهو يبتسم لي برقة.. من هذا الرجل؟!!.. يبدو طبيباً لأنهُ يرتدي رداء الأبيض الخاص بالأطباء.. إذن الطبيب أغنوس لم يعُد يرغب بالقدوم إلى غرفتي بسبب صمتي..

 

" مرحبا ماريسا.. كيف حالكِ.. أنا الطبيب ماركو بوربون وسوف أبدأ منذ هذه اللحظة بالاهتمام بكِ ومعالجتكِ.. أتمنى أن تسمحي لي بفعل ذلك "

 

وقف أمام سريري وحدق إلى وجهي برقة.. لم أهتم لما قاله إذ كانت عيناي مثبتة على عينيه.. أين رأيت تلك العينين سابقا؟!!!...

 

تساءلت بداخلي بتفكيرٍ عميق لكن لم أستطع إيجاد الإجابة عن سؤالي.. في النهاية تنهدت بخفة ونظرت إلى السقف كعادتي وتركت ذلك الطبيب يتكلم..

 

صوته.. حتى صوته لم يكن غريبا عني.. ماذا يحدث لي الآن؟!.. يبدو أن الجنون فعلا قد أصابني... تركت ذلك الطبيب يتكلم وبدأ يسألني ويسألني ولكنني لم أجيبهُ مثل عادتي..

 

في النهاية استسلم وخرج بهدوء من الغرفة.. لكن ما أدهشني أنه كان يجلب لي وجبات الطعام بنفسه ويقف بعيدا  بصمت حتى أنتهي من تناول الطعام ثم يقترب ويأخذ الصينية ويخرج..

 

في اليوم الثاني دخل في الصباح إلى غرفتي وشعرت بالدهشة عندما رأيت أربعة عمال يدخلون خلفه وهم يحملون خزانة متوسطة الحجم ورأيت الطبيب ماركو يُشير لهم بوضعها في الزاوية.. عندما انتهوا خرجوا بهدوء ووقف الطبيب أمامي وقال بسرور

 

" إنها خزانة خاصة بكِ.. بها ملابس جديدة اختارتها زوجتي شارلي بنفسها خصيصاً لكِ.. أتمنى أن تُعجبكِ الملابس ويكون المقاس مناسبا "

 

حدقت بدهشة كبيرة إليه.. كيف استطاع فعل ذلك؟!.. فكما أعلم ذلك غير مسموح هنا.. و غير مسموح للمرضى بارتداء ملابس عادية.. جلس الطبيب على الكرسي أمامي وسمعتهُ يسألني قائلا

 

" هل ترغبين برؤية الملابس الآن؟ "

 

لم أجبه بل التزمت الصمت كعادتي.. تنهد بهدوء قائلا

" حسنا ربما تفعلين ذلك لاحقا "

 

ثم سألني بنبرة رقيقة

" ما رأيكِ أن تُكلميني عن طفولتكِ الآن؟ "

 

صمت طويلا ساد في الغرفة ثم فجأة أجبتهُ دون أن أشعُر وأنا أفكر بطفولتي السعيدة

" طفولتي كانت جميلة.. سعيدة.. مليئة بالبهجة والفرح والطمأنينة... "

 

أغمضت عيناي وبدأت أسرد له عن أيامي السعيدة في طفولتي مع عائلتي وشقيقي الحبيب ماثيو... تكلمت دون أن أشعُر وأخبرتهُ بسعادة عن طفولتي الجميلة.. وعندما انتهيت ختمت حديثي قائلة له

 

" أتمنى أن تعود تلك الأيام.. أعود طفلة صغيرة.. طفلة سعيدة مع كامل أفراد أسرتها "

 

فتحت عيناي ورأيت الطبيب يُحدق بوجهي بهدوء تام.. استدرت و تسطحت على الفراش وأغمضت عيناي.. وبعد دقائق معدودة سمعت صوت انغلاق الباب.. لقد خرج وهذا جيد.. سالت دموعي بصمت بينما كنتُ أتذكر عائلتي وطفولتي.. يا ليتَ تلك الأيام تعود..

 

يا ليتني أعود تلك الطفلة المرحة والسعيدة.. تمنيت لو أنني بقيت طفلة ولم أكبر وأن أرمي هموم الدنيا وراء ظهري.. تمنيت أن أعود طفلة وأعود لأضم ألعابي ودفاتري وألواني وأجري خلف أمي أطلب لعبة أو قطعة حلوى.. وألعب مع ماثيو بمرح وأبقى برفقته كظله..

 

ليتني لم أزر ذلك العالم المُخيف... عالم الكبار.. ليتني بقيت طفلة إلى الأبد..

 

غرقت بالنوم ولم تفارقني تلك الكوابيس عن الشيطان.. في صباح اليوم الثاني دخل الطبيب ماركو إلى غرفتي وبدأ يسألني من جديد لكنني التزمت الصمت.. لكن رفعت نظراتي وحدقت إلى وجهه عندما سألني

 

" أخبريني عن ماثيو وكيف كانت علاقتكِ به؟ "

 

حدقت بحزن إلى عينيه وأجبته بهدوء

" ماثيو كان سر سعادتي "

 

عقد الطبيب حاجبيه وسألني بصوتٍ خافت

" كان؟!.. "

 

سالت دمعة من ركن عيني.. وسالت ببطء على خدي تحت نظرات ذلك الطبيب وأجبتهُ بألم

 

" توفى منذ سنة تقريبا "

 

ساد الصمت للحظات ثم سمعت الطبيب يقول

" آسف على خسارتكِ.. هل ترغبين بالتكلم عنه؟ "

 

التزمت الصمت للحظات ثم بدأت أخبرهُ عن شقيقي الحبيب ماثيو.. كم كان رائعا وحنونا وعطوفا معي.. وكم أشتاقُ إليه في كل دقيقة.. ثم أخبرتهُ عن معاملة شقيقي الرائعة لي وكم كان يحميني ويهتم بي.. وعندما انتهيت وقف الطبيب ماركو وقال قبل أن يخرج

 

" استريحي قليلا.. سوف أراكِ بعد الظهر "

 

وخرج بهدوء.. غريب لا أعلم لماذا ارتحت لهذا الطبيب!!.. ربما لأنني أشبههُ لأحد من معارفي.. لكن من؟!.. ومثل العادة لم أجد إجابة.. مضى شهرين على وجود الطبيب ماركو معي وبدأت أستريح له أكثر.. لم يكن يسمح لأحد بإزعاجي.. وكان يفهم متى لا أرغب بالتكلم.. واليوم أتى مثل العادة وجلس أمامي على الكرسي لكن سؤاله لي أرعبني.. أرعبني للموت..

 

"  لماذا أنتِ هنا؟.. أخبريني سبب وجودكِ هنا ماريسا "

 

حدقتُ برعب إليه وبدأ جسدي يرتعش بوضوح.. هززت رأسي رفضا وسمعتهُ يسألني

" لماذا؟.. ألا ترغبين بالتكلم عن الموضوع؟ "

 

نظرت إليه بتعاسة وأجبتهُ بعذاب

" لن تصدقني أبداً "

 

ثم تنهدت بقوة وتابعت قائلة له بخوف

" كما أنا لا رغبة لي بالتكلم بهذا الموضوع "

 

ثم ابتسمت له برقة ولأول مرة سألته بجرأة قائلة

" أخبرني عن زوجتك.. هل تُحبها؟.. و.. وهل لديك أطــ.. أطفال منها؟ "

 

حدق بدهشة إلى وجهي لكنني لم أكترث ولدهشتي ابتسم لي وبدأ يُكلمني عن زوجته شارلي و طفلهُ بيترو.. شعرت بالحزن وبألمٍ كبير في صدري.. ابنهُ بيترو أصغر من طفلي بشهر وأسبوعين فقط..

 

ابني حبيبي والذي لم أنساه أبداً وللحظة واحدة أحرق الشيطان قلبي عليه.. ابني والذي لا أعلم جنسه إن كان صبي أم فتاة حرمني منه الشيطان..

 

بكيت بصمت بينما كنتُ أستمع إلى حديث الطبيب عن ابنه بيترو.. فجأة مسحت دموعي وسألت الطبيب بلهفة

 

" هل تسمح لي برؤية ابنك؟ "

 

حدق الطبيب بوجهي بهدوء وساد الصمت طويلا بيننا... فجأة وقف واستأذن مني وذهب... بعد خروجه تنهدت بأسى وفكرت بحزن.. بالطبع لن يسمح لي برؤية ابنه.. فأنا مُجرد مريضة تم رميها في المستشفى للأمراض العقلية.. الطبيب ماركو لن يوافق على ذلك أبداً..

 

لكن ما لا تعلمهُ ماريسا أن ماركو كان يُسجل دائما حديثها معه ثم يجعل الطبيب أغنوس يسمعه ويستشيره بما يجب أن يفعله وكيف يتصرف معها..

 

بعد مرور أسبوع على طلبي منه لرؤية طفله شعرت بالدهشة عندما دخل الطبيب ماركو إلى غرفتي وطلب مني أن أخرج برفقته.. كنتُ أمشي بهدوء أتبع الطبيب.. وصلنا إلى الحديقة وطلب مني أن أجلس على المقعد ثم قال لي بفرح

 

" ماريسا.. لدي مفاجأة سارة لكِ اليوم.. هناك زائرين يرغبان بالتعرف عليكِ "

 

" زائرين؟!!.. "

 

همست بذهول ثم رأيته يستدير وأشار بيده ناحية اليسار.. نظرت بذلك الاتجاه ورأيت فتاة سمراء جميلة تبدو في الخامسة أو السادسة والعشرين من عمرها تحمل بين يديها طفلا.. تجمدت عيناي على الطفل ولم أنتبه بأنها كانت تبتسم لي وهي تمشي بهدوء باتجاهنا.. وقفت أمامي لكن نظراتي كانت جامدة على الطفل فقط ولم أسمع ما كان الطبيب يقوله..

 

سالت دموعي بكثرة من عيناي وصرخت بعذاب وأنا أهجم على تلك المرأة وأسحب منها الطفل

 

" طفلي.. طفلي.. أعطني إياه.. طفلي.. إنه طفلي.. طفلي.. أعطني طفلي.... "

 

خافت زوجة الطبيب وبدأت تضم الطفل أكثر إلى صدرها وهي تهتف بفزع

" ماركو.. ساعدني.. لقد فقدت أعصابها المسكينة "

 

شعرت بيدين تمسك بخصري وتم جذبي بعيدا عن تلك المرأة والطفل الباكي.. بدأت أقاوم وأنا أصرخ بهستيرية

 

" لاااااااااااااا.. أريدُ طفلي.. أعطوني إياه أرجوكم.. طفلي لااااااااااا... "

 

حملني الطبيب ماركو على كتفه وهتف بأمر

" شارلي أخرجي فورا مع بيترو وعودي إلى القصر "

 

ثم أمر الممرضات هاتفا بغضب

" اتبعوني فورا وجهزوا حقنة المهدئ "

 

بدأت أركله وأضربه بكلتا يداي وأنا أهتف بعذاب

" لاااااااااااااااااا.. أنا أريدُ طفلي.. أرجوكم أعطوني ابني.. إنه ابني.. ابني.. أريدُ ابني أرجوكم "

 

لحظات قليلة وتم وضعي على السرير وحقني بتلك الحقنة.. هدأت فجأة ولم أتوقف عن البكاء وسمعت الطبيب ماركو يتكلم مع أحد قائلا

 

" تبا لك.. لقد كانت فكرتُك سيئة جيداً.. لقد انفعلت وهذا ليــ... "

 

لم أسمع كامل حديثه إذ غرقت بنومٍ عميق... مضى أسبوعين على تلك الحادثة وكنتُ دائما أعتذر من الطبيب ماركو وأطلب منه أن يجلب زوجته وابنه لأتعرف عليهما لكنه كان يرفض باستمرار..

 

سنة كاملة مضت على وجودي في هذه المستشفى.. سنة كاملة مضت على حرماني من طفلي.. سنة كاملة كنتُ أفكر بها وبشكلٍ يومي كيف سأخرج من هنا حتى أبدأ بالبحث عن طفلي.. ما جعلني أبقى على قيد الحياة وأتحمل وجودي في هذه المستشفى هو تصميمي لأجد طفلي مهما كلفني ذلك..

 

كنتُ أمشي بهدوء في الحديقة وتنهدت بحزن.. في الأمس أتى مُحامي العائلة أخيرا وتكلم معي.. كنتُ سبق وأعطيت رقم المحامي للطبيب ماركو وطلبتُ منه أن يتصل به ليأتي وأتكلم معه.. أردت أن أعلم إن كانت شركة أخي والمنزل على ما يرام لكن شعرت بالصدمة عندما اكتشفت بأنني لا أملكُ شيئا..

 

لقد أخبرني المحامي بأن ماثيو و أدم كانا قد وقعوا على شراكة عمل مع تاجر إيطالي ولكن ذلك التاجر نصب عليهم وجعل الشركة تُعلن إفلاسها وتم بيع المنزل بالمزاد لأنه أصبح من أملاك ذلك التاجر أيضا.. حتى منزل أدم أصبح له وأنا كأرملته لم أرث شيئا منه.. في النهاية أصبحت بلا مال وبلا مأوى.. ذلك الشيطان الكريه حرمني من كل شيء.. نعم حرمني من كل شيء لأنني عرفت فورا بأنهُ من أرسل ذلك التاجر الإيطالي لينصب على أخي و أدم..

 

وشعرت بحزنٍ عميق عندما أخبرني المُحامي بأنني كنتُ في سجلات الدولة من المفقودين بعد أن تم ايجاد سيارة أدم مشتعلة بالكامل ولم يستطيعوا التعرف على جثته أو جثة ماثيو إذ أصبحت رماد..  ولصدمتي تم ابلاغ الدولة عني بأنه تم ايجادي فاقدة للذاكرة وشبه مجنونة ورجل سياسي تدخل ومنع الشرطة من استجوابي وكذلك طبيبي النفسي رفض أن يتم مُقابلتي من عناصر الشرطة بحجة أنني غير مؤهلة عقلياً ونفسياً لذلك.. 


الشيطان حرمني حتى من دفن شقيقي ووداعه.. كم الحياة ظالمة.. ظالمة جداً..


بعد أن تذكرت ما أخبرني به المحامي شعرت بالإكتئاب.. تنهدت بقوة ثم تجمدت بأرضي عندما رأيت الطبيب بوربون يدخل من بوابة الحديقة برفقة زوجته وابنه ومشى برفقتهما باتجاهي.. لأول مرة أشعر بالسعادة لرؤيتي لأحد هنا.. شعرت بالسعادة لأنه جلب زوجتهُ الجميلة وابنه حتى أتعرف عليهما..

 

وقفوا أمامي ونظرت بخجل إلى زوجته.. ابتسمت لي بوسع ورفعت يدها لتصافحني وقالت

" مرحباً ماريسا.. أنا شارلي بوربون وهذا الصغير بيترو.. لقد أتينا اليوم لزيارتكِ والتعرف عليكِ "

 

رفعت يدي وصافحتُها ثم ابتسمت برقة بينما كنتُ أنظر إلى الصغير وسألتها بهمس

" هل تسمحين لي بحمله؟ "

 

أومأت لي موافقة وشعرت بقلبي ينبض بجنون بينما كنتُ أحمل الصغير بين يداي.. كان طفلها جميل جداً.. لديه بشرة بيضاء وشعر ذهبي وعيون زرقاء رائعة بلون السماء الصافية..

 

داعبت وجنتيه برقة بأصابعي ثم ابتسمت بسعادة ونظرت إلى الطبيب وقلتُ له

 

" هو لا يشبهك بتاتاً.. كما أن لون عينيه زرقاء رائعة وليس مثل لون عينيك الخضراء.. من يشبه هذا القمر الجميل والصغير؟ "

 

حمحم ماركو ثم قال بتوتر

" يشبه عمه.. والآن أنا أستأذن منكما.. أراكم لاحقا "

 

ودخل بسرعة إلى المبنى.. جلست برفقة زوجته شارلي على المعقد وبدأنا نتعرف.. كنتُ أستمع إلى حديثها بينما بيترو الجميل كان يجلس بهدوء في حضني... أحببت شارلي جداً فهي لم تسألني أبداً عن سبب تواجدي هنا والأهم أنها لم تخف بترك ابنها معي..

 

تكلمنا لساعة أو يمكن القول شارلي كلمتني لفترة ساعة كاملة ولم أشعُر بالملل أبدا من حديثها.. أخبرتني عن فتاة اسمها فيليا تسكن معهم في القصر و أخبرتني عن بيترو ثم عن نفسها..

 

شعرت بالحزن عندما أتى الطبيب ماركو وطلب من شارلي أن تعود إلى القصر برفقة الصغير.. لكنني ابتسمت براحة عندما وعدتني شارلي بأنها ستعود برفقة بيترو لزيارتي في أقرب وقت..

 

وهكذا ودعتُها وودعت بيترو بعد أن أمطرتهُ بقبلاتٍ لا تُحصى ودخلت بسعادة إلى المبنى برفقة ماركو..

 

ومع الأيام بدأت أتحسن أكثر بسبب وجود شارلي و بيترو  و فيليا في حياتي.. كنتُ أراهم مرتين في الأسبوع.. وزياراتهم لي كانت تُسعدني جداً.. أصبحوا عائلتي وكنتُ أتلهف دائما لرؤيتهم وتمضيت الوقت برفقتهم...

 

والصغير بيترو لم يعُد باستطاعتي الابتعاد عنه أبداً.. تعلقتُ به بجنون خاصةً عندما بدأ يناديني بخالتي مارسي.. مارسي كما كان يُنادي ماثيو..

 

بعد مرور سنتين وشهرين على وجودي في هذا المستشفى قرر أخيراً ماركو بإخراجي منها رغم أنني لم أتكلم معه أبداً عما حصل لي في الماضي مع الشيطان.. لم أُخبر أحداً بذلك ولن أفعل أبدا..

 

لم أنسى طبعا ما فعلهُ بي.. كيف لي أن أفعل ذلك؟!.. فأنا دائما ما أراه وفي كل ليلة عندما أنام.. أرى كوابيس مُرعبة عنه وأرى كيف حرمني من طفلي..

 

كنتُ خائفة من فكرة خروجي من المستشفى فلا منزل لي يأويني ولا مال بحوزتي.. لكن تفاجأت عندما قال لي ماركو بأنني سأسكن معهم في قصر عائلته.. في البداية خجلت لأنني لا أريدُ حسنة من أحد لكن بسبب إصرار شارلي و فيليا وافقت في النهاية..

 

فيليا كانت دائما المسكينة تُكلمني بلغة الإشارات و شارلي كانت المُترجمة لي.. رغم أنها بكماء إلا أنها فتاة رائعة جدا ومحبوبة وتمنيت أن تستعيد صوتها في أقرب وقت..

 

واليوم هو اليوم المنتظر.. اليوم سأخرج من هذا المستشفى وإلى الأبد.. أخيراً سأخرج منه وأعيش بسلام.. بسلام بعيدا عن الشيطان وذكرياتي الأليمة عنه.. لكنني سأبحث عن طفلي مهما كلفني ذلك.. سأبحث عنه وسأجده.. سأجد طفلي لو كان هذا آخر ما سأفعلهُ في حياتي..

 

دخلت إلى قصر ماركو و شعرت بالدهشة وبالإحراج لمناداة الحراس والخدم لي بسيدتي.. استقبلتني شارلي بسعادة برفقة بيترو و فيليا.. عانقت بيترو ثم حملته ومشيت برفقة شارلي بخجل إلى الطابق الثالث حيثُ جهزت لي غرفة خاصة بي.. دخلت إلى الغرفة ونظرت بدهشة إليها..

 

كانت الغرفة واسعة جدا وأثاثها فخم للغاية.. نظرت بخجل إلى شارلي وسألتُها بخجل

 

" شارلي.. هل هذه الغرفة لي؟ "

 

أومأت بسعادة وهي تمسك بذراعي وتسحبني ناحية اليسار باتجاه الخزانة وقالت وهي تفتح الدرفة

 

" نعم ماريسا.. هذه الغرفة لكِ.. بل القصر بكاملهُ لكِ.. وهذه الملابس لكِ أيضا.. أتمنى أن تُعجبكِ لقد اخترتُها أنا و فيليا من أهم دور الأزياء العالمية.. فالماركـــ.. امممم.. أعني ماركو أصر أن نشتري لكِ هذه الملابس لأنه يعلم جيداً بأنكِ لن توافقي على شراء سترة واحدة إن ذهبتِ برفقتنا للتسوق "

 

نظرت إليها بحنان ثم اغرورقت عيناي بدموع الفرح.. وضعت بيترو على الأريكة وعانقت بقوة شارلي قائلة لها بصوتٍ مهزوز

 

" أشكركِ شارلي.. أشكركِ لأنكِ دخلتِ إلى حياتي المظلمة وأنرتِها وسمحتِ لي بالدخول إلى حياتكِ وحياة أسرتكِ الجميلة.. أنا أحبكِ كشقيقةٍ لي "

 

ابتعدت عنها ومسحت دموعي بسرعة وابتسمت لها بمحبة.. وضعت شارلي كلتا يديها على وجنتاي وقالت بحنان

 

" أنتِ إنسانة عظيمة ماريسا.. وأنا أعتبركِ شقيقةً لي.. أنا هي المحظوظة لأنني تعرفت على إنسانة رائعة مثلكِ "

 

" ماما.. ماما.. خالتي مارسي أنا جائع "

 

سمعنا بيترو يشتكي بهدوء ونظرنا إليه وابتسمنا له.. حملته شارلي وكلمته باللغة الإيطالية ثم نظرت إليّ باعتذار قائلة

 

" سأذهب لأطعمه.. استريحي قليلا وإن احتجتِ لأي شيء استخدمي الهاتف و أطلبي رقم واحد وسيجيبون الخدم بسرعة ويلبون طلباتك "

 

أجبتُها بهدوء موافقة ورافقتُها للباب وبعد خروجها أغلقته ونظرت بحزن أمامي.. الطبيب ماركو إيطالي الجنسية.. اكتشفت ذلك عندما أخبرتني شارلي بأنها بدأت تتعلم اللغة الإيطالية من أجل طفلها.. شعرت بالتوتر لدى سماعي بذلك فالشيطان كان إيطالي..

 

فدائما ما كان يتكلم بالإيطالية إن أراد أن لا أفهمه..

 

ماركو و فيليا من إيطاليا لكن شارلي مثلي من ديفون أي إنجليزية.. جلست على الأريكة أمامي وفكرت للمرة المليون.. كيف سأطلب من ماركو حتى يساعدني لأجد طفلي؟!.. ماركو بوربون صاحب فضل كبير عليّ.. بفضله تحسنت قليلا وبفضله أصبح لدي عائلة من جديد..

 

ثم ماركو لا يعلم بأنني أنجبت طفل وتم حرماني منه.. كيف إذا سأطلب منه المساعدة حتى أبحث عن طفلي؟!!.. رفعت يدي ومسدت جبيني بهدوء.. ماذا لو كان الشيطان رمى بطفلي في ميتم؟!.. أو عاد إلى إيطاليا برفقة طفلي؟!.. نعم الشيطان عاد إلى إيطاليا مع طفلي.. لطالما فكرت بذلك ولطالما حدسي أعلمني بذلك.. لكن كيف سأجد طفلي؟!.. كيف؟!!..

 

بكيت بصمت وأنا أهمس بحزن

" أريدُ ابني.. طفلتي.. طفلتي.. أنا أريدُها "

 

لطالما شعرت بأنني أنجبت طفلة.. لا أعلم سبب ذلك لكن إحساسي يُخبرني بأنها طفلة.. والأن أصبح عمرها سنتين وشهرين وأسبوع بالتحديد.. وسنتين وشهرين وأسبوع بالتحديد وهي بعيدة عني.. بكيت بحزن مثل عادتي وأنا أتخيل كيف هو شكل طفلتي الآن..

 

بعد مرور أسبوع على تواجدي في قصر ماركو.. كنا نتناول العشاء في غرفة الطعام عندما سمعت بدهشة ماركو يتكلم قائلا

 

" بعد يومين يجب أن نسافر جميعاً إلى إيطاليا.. لقد حان الوقت للعودة "

 

ارتعشت يداي بقوة ونظرت نحو ماركو ورأيتهُ يُحدق بوجهي بهدوء.. ابتسم لي برقة وتابع قائلا

 

" وأنتِ ماريسا سوف تُسافرين أيضا برفقتنا "

 

اتجهت نظراتي على الفور إلى شارلي ورأيتُها تبتسم بسعادة.. اختفت ابتسامتها عندما شاهدت ردة فعلي وسألتني بقلق

 

" ماريسا.. أنتِ بخير؟ "

 

أجبتُها بهمس وبصوتٍ مُرتعش

" أنا بخير "

 

تنهدت شارلي براحة وتابعت قائلة بسعادة وبلهفة

" ظننت بأنكِ سترفضين الذهاب برفقتنا إلى إيطاليا.. الحمدُ اللّه بأنكِ وافقتِ وإلا كان ماركــ... "

 

" شارلي يكفي "

 

هتف ماركو بتوتر ونظر إلى شارلي بطريقة غريبة.. نظرت إليهما بتعجُب إذ رأيت وجه شارلي أصبح شاحبا وسمعتُها تتكلم مع ماركو بالإيطالية قائلة

 

" زلة لسان.. آسفة ماركو لم أقصد "

 

وهنا سمعت ماركو يتكلم بالإيطالية أيضا دون أن أفهم كلمة واحدة من حديثه

" كنتِ ستفسدين كل شيء.. كل شيء.. لا تدعي لسانكِ يسبق تفكيركِ مثل عادتك.. انتبهي جيداً لذلك وإلا أغرقتنا جميعا في الهاوية "

 

أخفضت شارلي رأسها إلى الأسفل وحدقت بحزن إلى طبقها.. لا بُد أنه لامها بسببي.. نظرت إلى ماركو وقلتُ له بهدوء

 

" أرجوك ماركو.. لا تتكلم مع شارلي بقساوة بسببي.. ثم.. ثم أنا لن أستطيع الذهاب برفقتكم إلى إيطاليا.. أنا لا أمتلك جواز سفر أو مال و.. وأنا لا أريد أن أكون عبئًا ثقيلاً عليكم.. يكفي ما فعلتهُ من أجلي.. و... "

 

قاطعني ماركو قائلا بإصرار

 

" لا ماريسا لا تقولي ذلك.. أنتِ لستِ عبئًا على أحد لقد أصبحتِ فردا من عائلتي.. ثم لقد سبق وأخرجت لكِ جواز سفر.. لدي معارف هنا واستطعت فعل ذلك بسهولة.. ثم لما لا؟!!.. "

 

هتف بفرح في النهاية ثم تأملني بسعادة قائلا

 

" إن كنتِ ستشعرين بالراحة أكثر ما رأيكِ أن تعملي سكرتيرة لدى صديقٍ لي.. اسمه رومانوس دي فالكوني وهو رجل مُحترم و لديه شركة في إيطاليا.. اتصل بي في الأمس وطلب مني بإرسال موظفة إنجليزية لتكون سكرتيرته حتى تساعده مع عُملائه الإنجليز.. ما رأيكِ؟.. كما أنهُ سيدفع معاش مُحترم.. لم أفكر بكِ عندما سألني لكن أظنكِ مناسبة وجداً لهذه الوظيفة.. أولا ستكونين مستقلة ولن تشعري بالإحراج وستكسبين مبلغا مُحترما إن عملتِ لدى صديقي وأيضا ستكون فرصة جيدة لتتعرفي على إيطاليا.. ما رأيكِ ماريسا؟.. هل توافقين؟ "

 

نظرت إليه بذهول وفكرت.. إيطاليا!!... سأذهب إلى إيطاليا!!!.. ربما هذه فرصة لي من اللّه حتى أبدأ بالبحث عن طفلتي.. فرصة لن تتكرر أبداً.. ثم إن رفضت ماذا سأفعل هنا وأين سأذهب!!.. نعم يجب أن أوافق من أجل طفلتي..

 

حدقت بسعادة إلى ماركو وأجبتهُ بسرور

 

" موافقة.. سأذهب إلى إيطاليا و سأعمل لدى صديقك "

 

تنهد ماركو براحة ثم تنهدت شارلي بسعادة وقالت

" هذا رائع.. والآن سنكمل تناول العشاء وبعدها سأصعد مع فيليا إلى غرفتك ونتكلم على راحتنا "

 

مضى اليومين بسرعة وها أنا برفقة الجميع في المطار في ديفون.. كنتُ خائفة وسعيدة في ذات الوقت.. خائفة من المجهول وما ينتظرني في إيطاليا وسعيدة لأنني سأبدأ بالبحث عن طفلتي.. لا أعرف كيف سأفعل ذلك لكنني سأجدها..

 

حطت الطائرة الخاصة في مطار دي فالكوني الدولي ووقفت على مدرج المطار ونظرت بأمل إلى السماء الصافية ونظرت بسعادة على أمل أن أُحقق ما أصبو إليه هنا..

 

بعد مرور يومين على تواجدي في إيطاليا.. كنتُ أقف بجانب ماركو أمام المبنى الضخم لشركة دي فالكوني العالمية وأنا أشعُرُ بتوترٍ رهيب.. رفعت رأسي إلى الأعلى ونظرت إلى المبنى


رواية ماركيز الشيطان - فصل 14 - عينيه



إلهي إنه ليس بمبنى عادي بل ناطحة سحاب.. يبدو أن صديق ماركو مليونير وفاحش الثراء وهذا أرعبني.. لأن رجال أعمال مثله لن يوافقوا أبدا على توظيف فتاة مثلي ليس لديها خبرة في مجال العمل.. ثم هو عائلتهُ دي فالكوني مثل اسم المنطقة يبدو بأنهُ صاحب نفوذ ولن يوافق أبدا على توظيفي..

 

" ماريسا.. يجب أن ندخل الآن.. رومانوس ينتظرنا وسيجري شخصياً مقابلة العمل معكِ وفي الحال.. لا تخافي سوف يوافق على توظيفكِ لأنكِ ذكية ولديكِ شهادة بإدارة الأعمال "

 

أخفضت رأسي وحدقت بامتنان إليه واقتربنا من الباب الضخم للشركة.. رأيت الحراس الأربعة يحنوا رؤوسهم باحترام لنا أو بالأصح لماركو وألقوا عليه التحية بتهذيب ودخلت إلى الشركة برفقته.. شهقت بإعجاب إذ كان كل شيء فخم للغاية.. تأملت أرضية الرخام بإعجابٍ كبير ثم شهقت بسبب كثافة الناس في الردهة الكبيرة...

 

أمسك ماركو بيدي وسحبني معه ناحية مكاتب الاستعلام وبدأ يتكلم مع الموظفة ثم رأيت أربعة رجال يقتربون منا وبدأوا بالتكلم معه بالإيطالية.. سحبت يدي منه وشعرت بالخوف بسبب الكم الهائل لوجود الناس هنا.. أحسست بالخوف وبالاختناق ومشيت برعب نحو باب الشركة لكن بسبب حشد الناس أمامي بدأت أمشي مبتعدة عنهم أحاول تجنبهم..

 

رأيت مصعداً في آخر الممر ناحية اليسار.. فقلت لنفسي لما لا؟.. ركضت باتجاهه و ضغطت زر المصعد.. وقفت وقلبي ينبض خوفاً من أن يراني أحدهم... وجودي في هذا البرج الذي بلعني لم يبدُ أكثر أمناً من تواجدي بالظلمة التي أحاطت بي فجأة..

 

أصدر المصعد صوتا آذن بوصوله ودخلته بسرعة و حدقت باللوحة أمامي وتفاجأت بأنه لا يوجد سوى زر واحد فقط.. ضغطت عليه وتنهدت براحة عندما تحرك.. بدأت الأرقام تتزايد على الشاشة الإلكترونية أماي ثم ظهر رقم 140 وأضاء بقوة وأصدر المصعد الصوت ذاته إيذاناً بالوصول.. وانفتح باب المصعد ثم خرجت..

 

رأيت نفسي داخل مكتب كبير فخم للغاية و ليس هناك أحد لحسن الحظ.. يبدو أن مساحة هذا المكتب احتلت نصف الطابق.. نظرت بإعجاب إلى الأثاث الفخم ثم لفت نظري وجود الواجهة الزجاجية والتي تحتل كامل الجدار ناحية اليسار.. رغبت حقاً أن أرى المدينة من أعلى نقطة يمكنني وصولها وكما يراها هذا البرج.. اقتربت من الواجهة الزجاجية وحين وصلتها أمكنني وأخيراً رؤية المدينة من الأعلى..

 

ظهرت البيوت صغيرة متراصة ضئيلة الحجم مقارنة مع هذا البرج العملاق.. يبدو العالم كله أصغر وأبعد من هنا.. إحساس كبير بالهدوء سيطر عليّ الآن بدل الخوف.. مصدره النظر نحو المدينة من منظور مرتفع..

 

" مرحباً "

 

شهقت برعب واستدرت وأنا أضع يدي على قلبي ورأيت رجلا يقف أمامي ناحية اليسار وهو يُحدق بوجهي بطريقة غريبة أخافتني.. كان يبتسم في البداية ابتسامة ساحرة جميلة ولكن عندما شاهد مدى رعبي منه عقد حاجبيه قليلا وتأملني بنظرات غريبة


رواية ماركيز الشيطان - فصل 14 - عينيه


لكن نظراتي شردت برعب إلى عينيه.. عينيه!!.. إنها.. إنها.. إنها تلك العينين.. مستحيل أن أنساها.. مستحيل...

 

" لااااااااااااااااااااااااا.... "

 

هتفت بذعرٍ كبير وارتعش جسدي بجنون وحاولت الفرار منه لكنهُ أمسك بذراعي وجذبني إليه.. كان الرعب قد تملكني بالكامل وبدأت أقاوم ذلك الرجل وأنا أضربه على صدره وأهتف بجنون

 

" لاااااااااااااااااااا... لااااااااااااااااااا... أتركني.. إنها عيونه.. عيونه.. عينيه.. إنها عينيه.. لااااااااااااااا... "

 

فجأة استكان جسدي بين يديه وشعرت بجسدي يسقط إلى الأسفل وحاوطني الظلام من جميع الجهات....


انتهى الفصل












فصول ذات الصلة
رواية ماركيز الشيطان

عن الكاتب

heaven1only

التعليقات


إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

اتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

لمدونة روايات هافن © 2024 والكاتبة هافن ©