رواية الكونت - فصل 10 - النُدبة
مدونة روايات هافن مدونة روايات هافن
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...

أنتظر تعليقاتكم الجميلة

  1. 💓💓💓💓💓💖💖💖💖💖💖💖✊💝💝💝💝💝💝💗💗💗💗💗💥💥💥💥💥💥💥

    ردحذف
    الردود
    1. حبيبتي أشكركِ على القلوب يا قلبي

      حذف
  2. روعه روعه روعه يا اجمل كاتبه 💖🥰😍❤🌺❣️

    ردحذف
  3. حبيبتي البارت جدا جميل

    ردحذف
  4. متى البارت القادم ؟

    ردحذف

رواية الكونت - فصل 10 - النُدبة

 

رواية الكونت - فصل 10 - النُدبة





النُدبة




يولينا**




" ياه... هذا المطبخ يمكنني العيش به إلى الأبد... فهو كبير جدا بحجم منزلي على عشر مرات.. أمي كارين لن تصدقني أبدا عندما أُخبرها عن حجم هذا المطبخ.. "


كنتُ أتكلم مع بلينا ونحن نقطع البصل في مطبخ القلعة.. كنا نساعد الطباخ الملكي لتحضير العشاء للجميع.. اوووه نعم الطباخ الملكي.. فالملك كان قد أرسلهُ منذ سنوات ليطبخ للكونت بلاكيوس.. هذا ما اكتشفتهُ من بلينا.. وعندما ذكرتُ أمي توقفت عن تقطيع البصل وبدأتُ أبكي شوقا و حزنا عليها..


" يااااااه.. يولينا.. أنتِ تبكين بسبب البصل.. توقفي عن تقطيعه وخذي عشرة دقائق راحة.. سوف أُكمل تقطيعها بنفسي.. هيا اذهبي صديقتي "


نظرت إليها بامتنان وشكرتُها ثم غسلت يداي وخرجت من المطبخ.. لم أُخبرها الحقيقة بأنني فعلا كنتُ أبكي وليس بسبب البصل.. مسحتُ دموعي بيدي وبدأتُ أسير وأنا أفكر بحزن.. أمي المسكينة.. يا ترى ماذا تفعل في غيابي؟!!.. أنا متأكدة أن ألكسندر وفى بوعده لي وأنه يُرسل لها كل ما تحتاجهُ يوميا.. لكنني قلقلة على صحتها... يا ليت الفارس ألكسندر يسمح لي بالذهاب ورؤيتها فقط حتى أطمئن عليها...


لكنه لن يوافق أبدا على ذلك.. هو مجرد همجي غبي.. كيف سوف أطلب منهُ أن يسمح لي بزيارتها؟.. ذلك مستحيل فهو يغضب مني على أتفه الأسباب.. ألكسندر غضب مني في الصباح عندما تأخرت بجلب فطوره.. وطبعا لم أسكت بل أخبرتهُ بغضب بأن الفارس نيكولاس هو من جعلني أتأخر بجلب فطوره الملكي لأنه رماه على الأرض واضطررت للتنظيف وجلب وجبة فطور أخرى له.. وللعجب بدأ يضحك ذلك الغبي ألكسندر وأمرني بتناول وجبة الفطور معهُ..


نظرت حولي بحزن بينما كنتُ أتأمل أثاث الغرف والتماثيل.. كل شيء بهذه القلعة يوحي بالعظمة والفخامة والذوق الرفيع.. تمثال واحد فقط يساوي ثروة كبيرة.. الكونت محظوظ جدا فهو أغنى رجل في سان مارينو كلها والجميع يحبه.. كما أنهُ طيب القلب جدا ففي الأيام الماضية سمعت الجميع يتكلمون عنه وعن كم هو إنسان رائع وعطوف ومُحب للخير وكانوا يتمنون أن يعود بسرعة ويكون بخير.. وكانوا يتمنون أيضا أن يتم القبض على الخاطفين بسرعة ومحاكمتهم في أسرع وقت...


المحزن في الأمر أن الجميع لا يعلم بأن والدي فابيو متورط بذلك.. أشكر الفارس ألكسندر والفارس نيكولاس لأنهم لم يُخبروا أحدا بذلك.. أعتقد لو عرف الجميع بأن والدي كان من بين قطاع الطرق الذين غدروا بالكونت كانت حياتي سوف تتحول إلى جحيم هنا في القلعة..


وقفت أمام نافذة عملاقة في صالون الضيوف أنظر إلى الخارج بحزنٍ عميق.. كانت حياتنا سوف تتغير مئة وثمانون درجة لو والدي كان رجل طيب.. يا ليتهُ لم يكن بتلك القساوة والأنانية والحقارة.. يا ليتهُ كان حنونا مثل الكونت ومُحب ولطيف كانت حياتنا تغيرت بالكامل..


فتحتُ عيناي على وسعها ونظرت بصدمة إلى الخارج.. ظننت نفسي أحلم إذ رأيت ألكسندر يقف في وسط الساحة يتكلم مع شقيقتي أدلينا..


أدلينا هنا؟!!... أدلينا شقيقتي هنا؟!!!.. مستحيل!!!!... فكرت بدهشة وفورا استدرت وركضت خارجة من الصالون.. وقفت أمام المدخل أنظر بسعادة لا توصف إليها.. إنها هي فعلا.. إنها أدلينا شقيقتي.. أدلينا هنا...


" أدليناااااااااااااا... "


هتفت باسمها بقوة بينما دموع الفرح بدأت تنساب على وجنتاي بكثرة.. رأيتُها تستدير ونظرت ناحيتي

" أدلينااااااااااااااا... "


هتفت باسمها مجددا وبدأت أضحك بسعادة لرؤيتي لها هنا

" يولينااااااااااا... "


هتفت باسمي بفرحٍ كبير وعندما تحركت أدلينا و أرادت الركض ناحيتي رأيت بصدمة ألكسندر يُشير للجنود بيده وفورا ركض الجنود وحاوطوا أدلينا ومنعوها من الاقتراب مني.. وقفت جامدة بأرضي أنظر إليهم بصدمة وركضت باتجاهها لكن عدد آخر من الجنود حاوطوني ومنعوني من الاقتراب منها.. تجمدت بوقفتي ونظرت إليهم بأسى وهتفت بلوعة وأنا أبكي بتعاسة


" أدليناااااااااااااا.. أدلينااااااااا... أتركها أرجوك.. سيد ألكسندر دعها أرجوك.. اسمح لي برؤيتها أرجوك.. "


لكن لا حياة لمن تنادي.. لم يستمع إليّ ولم يشفق عليّ رغم بكائي المستمر وتوسلاتي له ليسمح لي برؤية شقيقتي.. بعد لحظات ابتعد الجنود عني ورأيت ألكسندر يقترب مني بخطواتٍ سريعة غاضبة ولم يكن هناك أي أثر لـ أدلينا.. شهقت برعب عندما رأيت وجهه.. كان غاضب لحد اللعنة ويبدو مُخيفا بحق.. حاولت الرجوع إلى الخلف بعيدا عنه لكنه أمسك بذراعي بسرعة وجذبني إليه.. تأوهت بألم وحاولت أن أحرر يدي منه لكن دون جدوى.. وهتف بحدة بوجهي قائلا


" إن خرجتِ من القلعة مرةً أخرى سوف يكون لي معكِ تصرف آخر.. ممنوعٌ عليكِ الخروج من القلعة و ممنوعٌ عليكِ برؤية أحد من أهلكِ.. ثم من أين لها شقيقتكِ بالعملات الذهبية؟.. تكلمي... "


نظرت إليه بفزع وهمست بضياع

" عملات ذهبية؟!.. عن.. عن أي عملات ذهبية تتكلم؟!... ااااااااااااه.. أنتَ تؤلمني.. أتركني... "


تأوهت بألم عندما أحكم إمساك ذراعي بقوةٍ أشد وجذبني إليه أكثر بينما كان ينظر إلى عيناي بغضب شل جسدي بأكمله


" لا تتصنعي الغباء أمامي يولينا.. أنا أتكلم عن الثماني قطع النقدية والذهبية التي كانت شقيقتكِ تريدُ تسليمها لي كي أعفو عنكِ.. من أين لها بهذه القطع الذهبية؟.. تكلمي.... "


فتحتُ فمي على وسعهِ وأنا أنظر إليه بغباء.. هل فقد عقلهُ أم ماذا؟!!.. من أين لشقيقتي بالذهب؟!... فهي لا تمتلك قرشا مقدوحًا واحدا.. ثم لمعت فكرة مرعبة برأسي وفورا جحظتُ عيناي برعب ونظرت بهلعٍ كبير إلى ألكسندر..

 

يا إلهي... يا إلهي... مستحيل أن تكون شقيقتي متورطة مع قطاع الطرق بخطف الكونت!!.. مستحيل!!!.. ما الذي ورطت أدلينا نفسها به؟!!.. من أين لها بتلك القطع النقدية الذهبية؟!!.. التزمت الصمت بينما كنتُ أبكي بتعاسة على شقيقتي..


هزني ألكسندر بغضب وقال هاتفا بملء صوته

" لا تريدين التكلم؟.. تكلمي.. من أين لفقيرة مثل شقيقتكِ بتلك القطع الذهبية؟.. تكلمي... "


نظرت إليه بغضب عندما توقف عن هزي وقلتُ له بحدة

" تلك القطع النقدية ورثتها أدلينا عن زوجها الراحل.. فهذا كل ما تمتلكهُ شقيقتي المسكينة.. ثم من أنتَ حتى تمنعني من رؤية أهلي؟.. هاااااا... بصفتك من حتى تمنعني؟!!.. "


رفع حاجبه وحدق بعمق في عيناي.. كنتُ أنظر إليه بتحدٍ رغم دموعي التي كانت تنساب على وجنتاي وتُلطخ وجهي بأكمله... أفلت يدي وقال لي بهدوء وكأنه لم يكن ذلك الهمجي والمرعب منذ لحظات


" حسنا.. أولا أنتِ أسيرتي.. أي أستطيع فعل ما أريدهُ والتحكم بكِ كما أشاء.. وممنوعٌ عليكِ بالاعتراض على ذلك.. ثانيا أريدُ تناول وجبة العشاء في أسرع وقت.. اجلبي لي الوجبة وبعدها ستغسلين لي ملابسي "


وذهب ببساطة داخلا إلى القلعة.. 

نظرت في الأرجاء بضياع دون أن أتوقف عن البكاء.. أغمضت عيناي ومسحت دموعي بحزنٍ شديد


رواية الكونت - فصل 10 - النُدبة

 

لم أستطع التوقف عن البكاء وبدأت بشتم الفارس ألكسندر بداخلي.. ملعون و غبي و همجي و لئيم و حقود.. هذا ما كان ينقصني فارس لعين يمنعني من رؤية شقيقتي الوحيدة.. ثم يا إلهي.. ما الذي ورطت أدلينا نفسها به؟!!!.. يجب أن أراها في أسرع وقت وأعلم منها الحقيقة.. يجب أن أراها بأي طريقة.. يجب أن أعرف ماذا فعلت وكيف أصبح بحوزتها هذه الثروة...


مشيت ببطء ودخلت إلى القلعة و أنا أبكي بحزن.. كان العُمال والخدم ينظرون إليّ بشفقة.. مسحتُ دموعي بأناملي دون أن أستطيع التوقف عن البكاء والتفكير بـ أدلينا...


يجب أن أراها و في أسرع وقت.. يجب أن أحمي شقيقتي بأي ثمن... فكرت بتصميم بذلك بينما كنتُ أدخل إلى المطبخ...

 

 

نيكولاس***

 

زايا زوجة ذلك اللعين لورينزو؟!!!!... هذه صدمة لم أكن أتخيلها.. كنتُ أنظر إليها بجمود بينما هي تبكي وترتجف أسفلي.. كيف واللعنة تكون امرأة مثلها زوجة لذلك القذر المُنحط والمقرف؟!!!!... وكيف والجحيم لورينزو متزوج ونحن ليس لدينا علم بذلك؟!!!!...


 شعرت بالغضب و بخيبة أمل.. و بالقرف.. تبا لماذا خاب ظني لأنها متزوجة من لورينزو؟!.. ولماذا واللعنة قرفت من نفسي لأنني كنتُ على وشك مضاجعتها بالقوة...


لعنت بداخلي وقررت أن أتحرى عن هذا الموضوع بنفسي.. وطبعا قمتُ بتهديدها.. إن كانت تكذب عليّ سوف أجعلها تدفع الثمن غاليا.. لا أحد يستغفلني بسهولة وينجو من فعلته.. لا أحد.. و رغما عني حررتُها من السلسة و أرسلتُها إلى غرفة ملاصقة لجناحي.. أنا لم أردها أن تبتعد عني وطبعا تركت حارسين أمام باب غرفتها..


خمسة أيام لعينة أخرى مضت دون أن نتوصل إلى أي نتيجة عن صديقي بلاكيوس.. كأن الأرض قد انشقت وابتلعته لا أثر له في أي مكان.. كان الغضب والقلق والذنب وكثرة التفكير ينهشان صدري وعقلي بالكامل.. الأفكار السوداء بدأت تدور في رأسي وتعصف به.. مستحيل أن يكون قد مات بلاكيوس!!.. سوف أحرق الأرض بأكملها وأقتل كل من تورط بخطفه إن أصاب الكونت أي مكروه...


كنتُ أسير في الرواق وخلفي أربعة عشر جندي

" سوف نذهب بعد قليل للبحث عن الكونت في سيرفالي.. ما زال هناك منازل ومزارع لم يتم تفتيشها بعد.. أنا لن أفقد الأمل أبدا وأنتم كذلك.. يجب أن نجد الكونت بأسرع وقت.. هل فهمتم؟ "


كلمتهم ببرود وتابعت السير ناحية جناحي.. وقفت واستدرت ناحية الجنود وأمرتهم قائلا

" انتظروني هنا.. "


دخلت ووقفت أمام باب غرفة زايا.. نظرت إليه بشرود و أنا أفكرُ بها... امتنعت عن رؤيتها في هذه الأيام الماضية عن قصد.. لم أكن أرغب أن أفقد أعصابي لدى رؤيتي لها و أؤذيها.. يكفي أنها زوجة ذلك اللعين القذر لذلك لم أكن أرغب برؤيتها.. إن لمستُها واكتشف الكونت بلاكيوس ذلك بعد عودته لن يسامحني أبداً.. فحتى لو كانت زايا زوجة لورينزو الخائن الكونت لن يسمح لأحد بلمس شعرة واحدة منها وأذيتها.. فتحت الباب بهدوء ودخلت.. تفحصت الغرفة بعينيّ وعقدتُ حاجباي بعدم الرضا


" أين هي؟... زايااااااا.... "


تساءلت بهمس ثم هتفتُ باسمها لكن لا رد.. ركضت وفتحت باب الحمام لكن لا أثر لها.. تملكني غضب عارم وكدتُ أن أنفجر بسببه.. حتى أنني وددت أن أضرب كل من يظهر أمامي.. اللعينة لقد هربت رغم أنني حذرتُها من ذلك وكنتُ جيدا معها.. يبدو أن اللطف لا ينفع معها.. سوف أجعلها تدفع الثمن غاليا... سترى...


فكرت بكره بينما كنتُ أخرج بعاصفة من غرفتها وأشرت للجنود بالسير وأنا أصرخ بملء صوتي

" زايااااااااااااااااااا... لقد هربت الحقيرة.. بسرعة ابحثوا عنها في كامل القلعة... "


لا بد أنها ما زالت في القلعة فمن المستحيل أن تكون قد ابتعدت أكثر تلك الحقيرة.. فكرت بغضب وأنا أسير بخطواتٍ سريعة ناحية الأسفل.. ابتسامة شريرة ظهرت على شفتاي عندما لمحتُها قرب السلالم.. شحب وجهها بشدة وبدأت بالبكاء وكأن دموعها وخوفها مني سوف يجعلوني أشفق عليها.. لااااا.. هي لم ترى شيئا من شري بعد.. فما ينتظرها مني كثير...


أبعدت تلك الفتاة عنها وأمسكت بذراعها بشدة.. نظرت إليها بغضبٍ كبير وهتفت بوجهها بحدة

" سوف تندمين على فعلتكِ تلك.. "


" لا أرجوككككككككك... "


لم أهتم إلى توسلاتها لي وبكائها المرير.. وقمتُ بسحبها بعنف إلى الأسفل ناحية الزنزانات ورميتها بواحدة ثم طلبت من الحراس بإطعامها وطبعا عدم لمسها وإلا قتلتهم من دون شفقة وخرجت دون أن أكترث لبكائها المرير وتوسلاتها لي..


كنتُ في قمة غضبي عندما رأيت ألكسندر يقف في الخارج بانتظاري مع الجنود.. نظرت إلى الجميع بغضب وصرختُ بعنف قائلا


" هيا تحركوا.. إن لم نجد الكونت اليوم سوف أحرق سيرفالي بأكملها.. هل فهمتم؟... "


نظر الجميع نحوي بخوفٍ كبير واقترب ألكسندر مني وكلمني بهدوء قائلا

" اهدأ نيكولاس.. لماذا أنتَ غاضب إلى هذه الدرجة؟ "


أخذت نفسا عميقا وزفرتهُ بهدوء ونظرت باعتذار إلى ألكسندر وأجبته بصدق

" تلك اللعينة زوجة لورينزو حاولت الهروب منذ قليل.. هل تتخيل ذلك؟.. الحقيرة بعد أن عاملتُها بلطف وتركتُها بغرفة خاصة بها هربت مني.. هربت!.. الملعونة لا ينفع معها اللطف مثل زوجها "


هز ألكسندر رأسه بخفة ثم ابتسم وهو ينظر إليّ بمكر وحاول كبت ضحكته.. نظرت إليه بغضب وقلتُ له بعصبية

" ما المضحك بالموضوع ألكسندر؟.. تكلم... "


قهقه بخفة ثم قال لي

" هي تُعجبك أيها المحرف.. أخرجها من رأسك لأنها ليست مُتاحة لك.. تذكر هي متزوجة رغم أنني أعلم جيدا بأن ذلك لا يُشكل فرقا بالنسبة لك.. ثم لا تهتم لها عندما نجد لورينزو سوف تُحررها "


نظرت إليه ببرود وقلتُ له بسخرية

" شهامتك لا حدود لها.. أشكرك على هذه النصيحة التي لا نفع لها حاليا.. دعنا منها وهيا بنا نذهب لنبحث عن الكونت.. الوقت ليس في حليفنا "


وهكذا ذهبنا للبحث عن بلاكيوس ولكن طبعا لم يكن الحظ في حليفنا.. أحسست بالاختناق ونحن نقترب من القلعة قبل غروب الشمس.. وصلنا إلى القلعة ورأيت فتاة تبدو في العشرين من عمرها تتشاجر مع الجنود أمام البوابة


" ما الذي يحدث هنا؟ "


هتفت بصوتٍ جامد وفورا تجمد الحراس بوقفتهم واحنوا رؤوسهم لي باحترام ثم رفعوها وقال لي واحد منهم أن هذه الأنسة تريد رؤية ألكسندر.. تأملتُها بنظراتي من رأسها حتى أخمص قدميها ورفعت حاجبي باستحسان.. إنها جميلة.. بل جميلة جدا.. الملعون ألكسندر من أين يعرفُها؟.. فكرت بخبث وقررت أن أغيظهُ قليلا ثم دخلت إلى الساحة وترجلت عن ظهر حصاني ودخلت إلى القلعة.. ودون أن أشعر تابعت السير ناحية الزنزانات.. وقفت أمام زنزانتها ونظرت إليها بجمود..


كانت تجلس على السرير وتسند ظهرها على الحائط وهي تنظر إلى الأسفل بشرود.. وكانت حزينة جدا ووجهها شاحب..


رواية الكونت - فصل 10 - النُدبة

 

لم تنتبه لوجودي فأخذت أتأملها وأحسست بقلبي يعتصر حزناً عليها..


رواية الكونت - فصل 10 - النُدبة

 

كان وجهها شاحب جدا وخطوط الدموع الجافة واضحة على وجنتيها.. كانت تبدو كوردة ذابلة..

 

أبعدت نظراتي عنها ورأيت بدهشة صينية الطعام على الأرض.. هي لم تأكل شيء...

" هل تريدين تجويع نفسكِ زايا؟.. هذا لن ينفعكِ بشيء "


كلمتُها بصوتٍ هادئ ورغم ذلك انتفضت برعب ونظرت ناحيتي بفزعٍ كبير وهي تضع يدها على صدرها.. تلاقت نظراتنا ودون شعورٍ مني رقت ملامحي بينما كنتُ أنظر إليها


بعد لحظاتٍ طويلة همست قائلا لها

" تناولي طعامكِ.. إن فعلتِ قد أغير رأيي غدا وأخرجُكِ من هنا "


لكنها لم تُجيب.. تنهدت بهدوء وقلتُ لها

" الأفضل أن تفعلي وإلا تركتكِ هنا ولن أهتم بما سيحدث لكِ لاحقا "


رأيت بغصة دمعة تسيل من ركن عينها وتسيل ببطء على خدها.. أغمضت عيناي ثم فتحتها وقررت الذهاب قبل أن أغير رأيي وأُخرجها من الزنزانة.. ليلة واحدة هنا لن تضرها.. صحيح؟!!.. هذا ما فكرت به بينما كنتُ أخرج بسرعة وأصعد إلى جناحي...


لكن بالطبع لم يخطر على بالي أبدا أن يحدث في منتصف الليل ما حدث.. لقد حصل ما كنتُ أخشاه عندما طرق باب جناحي أحد الحراس في السجون وأيقظني من نومي


" سيد نيكولاس.. يجب أن تتوجه فورا إلى الزنزانات.. لقد.. هو.. مجموعة من الحراس هاجموا السيدة وهم يحاولون الاعتداء عليها.. أنا لم أوافق معهم على فعل ذلك.. سيدي لم أستطع ردعهم ولم يستمعوا إليّ حتى يتركونها.. ساعدها سيدي "


اهتزت أناملي بقوة بينما كنتُ أنظر إليه بصدمة كبيرة

" زايااااااااااااااااااااااا... سوف أقتلهممممممم... "


هتفت بملء صوتي وفورا سحبت سيفي من حزامه وركضت بجنون إلى الأسفل حافي القدمين ولا أرتدي سوى سروال منامتي.. كان الخوف قد ملأ كياني و قلبي لم يتوقف للحظة عن ضخ الدماء والنبض بسرعةٍ كبيرة خوفا عليها...


 

أدلينا***

 

" إلهي.. ما الذي فعلتهُ؟!!!!.... "


ارتعشت يدي بقوة بينما كنتُ أنظر برعبٍ كبير إلى وجهه.. دماء.. دماء.. دماء كالنهر كانت تنساب بكثرة من وجهه... شحب وجهي بشدة وشعرت بدمائي تتجمد في عروقي بينما كنتُ أنظر برعبٍ كبير إلى الجرح العميق في وجه إدوارد..

 

الجرج كان في وجهه من ناحية اليسار.. بدأ من أسفل حاجبه لأسفل فكهُ وكان عميق جدا.. شعرت بالخوف وبالفزع الشديد وبدأ جسدي يهتز بشكلٍ مرعب بينما قلبي كان يخفق بجنون في قفصي الصدري..


فجأة رأيت نفسي محاصرة بجسد إدوارد وهو يمسك بالسكين بيده.. رفعت يداي وحميت وجهي بها وهمست له برعب بينما كنتُ أرتعش بشكلٍ مخيف


" لا تضربني أرجوك.. لم أقصد.. لم أقصد.. لا تضربني أتوسل إليك.. لا تؤذيني.. آسفة.. أنا آسفة.. لا تفعل أرجوك.. "


كنتُ أبكي دون أن أشعر وعندما شعرت بيديه تمسك بخصري بقوة شعرت برعبٍ أكبر فاق تحملي.. وبدأت أهز رأسي بقوة وأنا أتوسل إليه قائلة ببكاء


" لا تضربني.. لا تفعل.. لا تفعل أرجوك.. أرجوك.. لا تضربني... "


كنتُ أستطيع سماع تنفسهِ السريع كما كنتُ أستطيع الشعور بصدره يعلو و يهبط بشكلٍ مُخيف.. لكن عندما أمسك بيداي وأبعدها عن وجهي فقدت ما تبقى من أعصابي المتماسكة وبدأت أضربهُ بعشوائية إذ ظننتهُ سوف يضربني..

 

ولكن عندما حطت يدي على وجهه تجمدت وفتحت عيناي ورأيت برعب يدي ممتلئة بالدماء.. ليس فقط يدي بل وجهه من ناحية اليسار وعنقه وقميصه.. وما أخافني أكثر عيونهُ التي كانت تنظر إليّ بغضبٍ مرعب.. غضب جعل روحي ترتعش بداخلي من شدة الفزع..


نظرت إلى الدماء وبدأت أشعر بالغثيان ثم بدوارٍ قوي.. لطالما كان منظر الدماء يُرعبُني.. وكل ما أعرفه أنني همست له قبل أن تُغلق عيناي وأرى الظلام


" لم أقصد... "


انتفضت جالسة وأنا أشهق بقوة.. فتحت عيناي ورأيت نفسي نائمة على الأريكة في غرفة المعيشة.. كنتُ أسمع بوضوح صفير الرياح في الخارج وصوت الرعد المُخيف والمطر الذي كان يتساقط بغزارة.. أغمضت عيناي وهمست براحة


" الشُكرُ اللّه.. كنتُ أحلم.. لقد كان مجرد حُلم سيء ومُخيف جداً.. مُجرد حُلم "


رفعت يدي حتى أُبعد خصلات شعري عن وجهي لكن فجأة تجمدت نظراتي برعب عندما رأيت الدماء الجافة عليها.. وتسارعت أنفاسي بشكلٍ مُخيف


" لا لا لا لا لا.. لا!!.. لا لا لا لا... لا لا لا لا لا لا!!.. لا يا إلهي لا!!!... لم يكن حُلما.. لم يكن.. لم يكن..... "


همست برعبٍ كبير وبدأت يدي ترتجف بقوة وأنا أنظر إلى الدماء الجافة عليها... وقفت بسرعة وأنا أترنح وفورا لفت نظري السكين على طاولة المطبخ.. ركضت ووقفت بصدمة أنظر إليه.. كان هناك خط من الدماء الجافة عليه..


هززت رأسي بالرفض وجحظت عيناي بفزع

" إدوارد!!!... إدوارد... يا إلهي.. ما الذي فعلته؟!!!!... "


همست بخوف وشعرت بألمٍ كبير في صدري وفورا ركضت وفتحت باب المنزل وخرجت.. لم أكترث للمطر والرياح القوية بل تابعت الركض ناحية الحظيرة.. فتحت بابها بصعوبة ودخلت وأغلقته خلفي.. تقدمت بخطواتٍ مُرتعشة ناحية الزاوية.. وقفت وفورا ارتعشت ساقاي بشدة بينما كنتُ أنظرُ إليه بندمٍ كبير وحزن وعذاب..


" إلهي... إلهي.. ماذا فعلت؟!!!... "


همست بعذاب بينما كنتُ أنظر إلى إدوارد وهو نائم.. وجهه.. يا إلهي وجهه!!!.. لقد شوهتهُ.. لقد.. لقد تشوه بالكامل..


جثوت على ركبتاي أمامهُ وغطيت عيناي بيداي وبدأت أبكي وأنتحب... ماذا فعلت؟!!... يا إلهي.. ما الذي فعلتهُ ؟!!!!.. ماذا فعلت به؟!.. لقد جُننتُ بالكامل!!!.. 


كتمت شهقاتي بيدي ونظرت إلى وجهه بحزن و بندم.. كان الجُرح قد توقف عن النزف لكن أثار الدماء الجافة كان شكلها مُخيف.. يجب أن أنظف لهُ جُرحه و أُداويه فورا قبل أن يلتهب..


خرجت وعدتُ إلى منزلي وأخذت كل ما أحتاج إليه ثم ذهبت إلى الحظيرة.. جلست على القش بجانبهِ وسالت دموعي من جديد بينما كنتُ أنظر بألم إلى جُرحه العميق..


كان إدوارد نائم ووجهه شاحب جدا وجبينهُ مُتعرق.. لمست جبينه بكف يدي وخفق قلبي بعنف.. حرارتهُ مرتفعة قليلا.. أبعدت الغطاء عن جسده وتنبهت لارتعاش جسده.. كان قد غير قميصه ومع ذلك رأيت لطخات كثيرة من الدماء عليها.. شعرت بالخوف وبالقلق الشديد عليه وفورا بدأت أحاول أن أوقظهُ و أنا أهز كتفهُ برقة


" إدوارد.. إدوارد.. استيقظ أرجوك.. إدوارد.. هل تسمعني؟... استيقظ.. استيقظ أرجوك.. يجب أن تخرج من هنا وتذهب إلى منزلي حتى أداويك.. أرجوك استيقظ.. إدوارد... "


فتح عيونه بضعف وتأوه بألم.. نظر إلى وجهي للحظات ثم تأوه من جديد وأغمض عينيه..

" لا.. لا تنام.. أرجوك استيقظ وحاول النهوض.. أرجوك.. إدوارد.. "


فتح عينيه من جديد ونظر بإرهاق إليّ.. ابتسمت لهُ بضعف وقلت له بنبرة صوت مُرتعشة

" حاول النهوض.. سوف أساعدُك حتى تقف.. يجب أن أداويك ولكن في منزلي.. حاول أن تنهض... "


لا أعلم إن كان بكامل وعيه ولكنهُ أشار لي بعينيه موافقا.. حاول النهوض ولكنه سقط على القش.. انحنيت وأمسكت بكتفه وبدأت أحاول رفعه.. بعد عدة محاولات وقف وهو يترنح.. وضعت يدي حول خصره وجعلتهُ يتكئ عليّ وبدأنا نسير ببطء إلى الخارج.. وصلنا بصعوبة إلى منزلي وكنا مبتلين بالكامل..


جعلتهُ يتمدد على الأريكة وفورا أغمض عينيه وذهب بالنوم.. نظرت إليه بأسف ثم ركضت ودخلت إلى الحظيرة وأخذت الأدوات وعدتُ إلى منزلي.. ارتعش جسدي من البرد لكن لم أهتم بتبديل ملابسي المبتلة وأجفف نفسي.. وضعت الحطب في المدفأة ثم وقفت قرب الأريكة وبدأت أزيل عن إدوارد ملابسهُ المبللة.. تركتهُ فقط بلباسه الداخلي ثم جثوت على ركبتاي أمامهُ وأمسكت بقطعة قماش نظيفة وبللتها بالماء وبدأت بتنظيف وجهه برقة من الدماء..


ساعة كاملة كنتُ أجلس بجانبه وأنظف له جرحهُ وأزيل الدماء عن عنقهُ وكتفه.. عندما انتهيت وضعت غطاء سميك عليه ودثرته به جيدا.. ظللت جالسة بجانبه وأنا أنظر إلى وجهه بحزنٍ كبير.. ودون أن أشعر رفعت يدي وبدأت ألمس بأناملي المرتعشة جبينه برقة.. أبعدت خصلات شعره المبللة إلى الخلف وهمستُ له بأسى


" آسفة.. سامحني.. سامحني.. "


أغمضت عيناي وبكيت بصمت.. أنا لستُ شريرة... أنا لستُ بظالمة... أنا فقط إنسانة تتألم.. تتألم بشدة...


مسحتُ دموعي وفتحت عيناي ودون شعورٍ مني انحنيت وقبلت جبينهُ بقبلةٍ رقيقة.. لحسن حظي كانت حرارته قد انخفضت.. استقمت ووقفت ودخلت إلى غرفتي.. أزلتُ ملابسي وجففت شعري ثم ارتديت قميص النوم وتمددت بجانب توماسو وعانقتهُ إلى صدري وبكيت بصمت لمدة طويلة حتى في النهاية غلبني النوم...


" ماماااااااااااااااااا.. إدوارد.. ماماااااااااااااااااااااا... "


استيقظت وانتفضت جالسة وأنا أنظر حولي برعبٍ كبير.. رأيت توماسو يدخل إلى الغرفة وهو يبكي ويصرخ مجددا بخوفٍ كبير


" مامااااااااااااااااااا... ماماااااااااااااااا... "


كنتُ أنظر إليه بذهولٍ كبير والخوف شل عقلي وجسدي بالكامل.. ركض توماسو ورمى نفسهُ في حضني بينما لم يتوقف عن البكاء.. حضنته إلى صدري وعانقته بشدة وهمست له بصدمة وبخوف


" طفلي الصغير.. حبيبي.. ماذا حدث؟!!.. لماذا تبكي صغيري؟!!... "


رفع رأسهُ ونظر إليّ ثم أغمض عينيه وقال ببكاء

" إدوارد.. وقع و.. وتأذى وجههُ جدا.. هو.. هو... ليس بخير... "


ألمني قلبي على حال طفلي وعلى إدوارد.. انسابت دموعي دون أن أشعر ورفعت يدي ومسحت دموع طفلي بأناملي برقة وقلتُ له بحزن


" صغيري لا تبكي.. توقف عن البكاء يا قلب أمك.. سوف يتحسن إدوارد قريبا.. أعدُك.. سوف أهتم بجرحهِ حتى يُشفى بسرعة.. لا تحزن يا قلبي "


فتح توماسو عيونه ونظر إليّ براحة وتوقف عن البكاء ثم ابتسم وسألني

" حقا ماما؟... "


أشرت له برأسي موافقة وفجأة ابتعد عني ووقف وأمسك بيدي وتابع قائلا بسعادة وهو يحاول سحبي حتى أقف


" هيا ماما.. يجب أن تذهبي وتُقبلي له جرحهُ حتى يخف ويطيب بسرعة كما تفعلين معي "


" توماسو.. لا.. أنا... أنا لا.. توماسووووو... "


همست له بصدمة بينما كان يحاول سحبي بقوة لكي أقف..


" أرجوكِ ماما.. لأجلي.. هو كان يتألم عندما رأيته لكنه أنكر ذلك.. ساعديه ماما.. "


وقفت ونظرت بحزن إلى توماسو ولكن قبل أن أستطيع الرفض أمسك يدي بكلتا يديه وبدأ يسحبني ناحية الباب وهو يقول


" ماما عليكِ بتقبيل جرحهُ حتى يُشفى ويتحسن بسرعة "


" لا.. لا توماسو.. انتظر.. أنا لا.. أنا... "


همست له بتوتر بينما دون أن أشعر كنتُ أتركهُ يسحبني خلفه.. فتح الباب وسحبني ناحية الأريكة.. رأيت إدوارد يجلس على الأريكة وهو مغمض العينين ووجهه شاحب جدا ويبدو عليه الألم.. كان الغطاء يستر جسده حتى خصره بينما صدره كان مكشوف..


" إدوارد.. ماما سوف تُقبل لك جُرحك حتى يُشفى بسرعة كما تفعل معي.. سوف تتحسن بسرعة "


لم أستطع النظر إلى وجهه بل كنتُ أنظر إلى صدرهِ وعضلاته بخجلٍ كبير..


" لا داعي لذلك سيدي الصغير.. سوف أتحسن قريبا "


سمعت إدوارد يهمس بصوتٍ ضعيف لـ توماسو ولا أعلم السبب لكنني شعرت بالحزن لأنه لا يريد أن أُقبل لهُ جرحه


" لا إدوارد.. ماما سوف تُقبل لك الجُرح والآن "


هتف توماسو بإصرار و تأوهت بصدمة عندما سحبني توماسو بقوة وسقطت على إدوارد.. كان وجهي على صدره ويداي كانت تمسك بشدة بكتفيه بينما يديه كانت تمسك بذراعي بقوة.. ارتعشت بشدة لدى إحساسي بجلده.. شفتاي كانت تقريبا تُقبل صدره..

 

رفعت رأسي بسرعة ورأيت نفسي أنظر إلى شفتيه.. كنتُ أستطيع سماع دقات قلبي السريعة بوضوحٍ تام لدرجة أنني عرفت بأن إدوارد استطاع سماعها أيضا.. احمر وجهي من شدة الخجل وهمست بتلعثم قائلة


" أنا.. هــ.. هو.. تومــ.. توماسو.. سوف.. أنا.. سوف أقوم بتقبيل.. الـ.. الجُرح.. و... "


رأيت شفتيه تتحرك.. كان يُكلمني لكنني لم أستطع سماع أي شيء إذ كنتُ في عالمٍ آخر وأنا أُحدق بشفتيه الجميلتين.. إلهي... ما الذي يحدثُ لي؟!!.. فكرت برعب ودون تفكير رفعت رأسي وقربتهُ من وجه إدوارد ثم أغمضت عيناي وقبلت أسفل عينه مكان الجُرح برقة..

 

استطعت الشعور بتصلب عضلات كتفيه أسفل يداي الممسكة به.. ودون أن أشعُر بدأت أنزل بقبلاتٍ رقيقة على طول خط الجُرح حتى وصلت إلى أسفل فكه..


تجمدت في القبلة الأخيرة ولم أستطع إزالة شفتاي عن بشرتهِ.. كانت شفتاي ساكنة فوق بشرته والشعر الخفيف للحيته.. هو كان يحلق لحيته يوميا بأدوات أعطيتُها له كانت للملعون جاكوبو.. حركت شفتاي وقبلت أسفل حنكهِ بقبلةٍ أخرى ناعمة رقيقة خفيفة.. شعرت بدمائي تغلي من الحرارة التي كسحتها.. وقشعريرة ضربت أسفل عامودي الفقري..

 

شعرت بجسدي يرتفع وهنا فتحت عيناي ورأيت إدوارد يسحبني برقة بعيدا عنه بينما كان يُغمض عينيه.. نظرت إليه بدهشة و فكرت بحزن.. هل شعر بالقرف من قبلاتي؟!.. بالطبع سيفعل.. لقد شوهته.. شوهتهُ..


أبعدت يداي عن كتفه واستقمت بسرعة ونظرت إلى إدوارد بألم ثم إلى توماسو السعيد بضياع وقلتُ بتلعثم


" أنا.. هو.. يجب.. حسنا.. سوف.. سوف أغير ملابسي و.. وأبدأ بتحضير وجبة الفطور "


وفريت هاربة إلى غرفتي.. أغلقت الباب وأسندت ظهري عليه بينما كنتُ أضع كلتا يداي على قلبي حتى أجعلهُ يهدأ من خفقاتهِ المتسارعة.. أغمضت عيناي وحاولت أن أتنفس ببطء.. ما الذي يحدث لي؟!!!.. يجب أن أتمالك نفسي و أعود إلى رُشدي..

 

فتحت عيناي واقتربت من خزانتي وأخرجت منها فستان.. ارتديته ورفعت شعري عاليا وربطه بإحكام بمنديل ثم خرجت من الغرفة وتوجهت ناحية المطبخ دون أن أنظر إلى الأريكة في غرفة المعيشة..


كان الطقس سيء جدا.. المطر لم يتوقف للحظة عن الهطول بغزارة والرياح كانت مرعبة.. لم أسمح لـ إدوارد بالخروج من المنزل عندما حاول فعل ذلك بعد تناوله وجبة الفطور بصمت.. والغريب أنه لم يكن ينظر إليّ أبدا خاصة عندما أتكلم معهُ كان يشيح بنظراتهِ إلى البعيد والأغرب أنه لم يتكلم معي أبدا..


هو غاضب مني وبشدة.. أنا أعلم ذلك.. بالطبع سوف يغضب.. ماذا أنتظر منه غير ذلك.. كم كنتُ حمقاء.. ما الذي فكرت به عندما أمسكت بالسكين؟!!.. يا إلهي.. كدتُ أن أقتلع له عينه بسبب غبائي.. لقد شوهته.. يا للهول.. ما الذي فعلته؟!!!!...


في الظهيرة اشتدت العاصفة أكثر.. رأيت برعب إدوارد يقف ووجه حديثهُ لي دون أن ينظر إليّ

" سيدتي.. من بعد إذنك.. أريدُ الذهاب إلى الحظيرة لكي أطمئن على الحيوانات وأستريح بعدها قليلا "


نظرت إليه بقلق وقلتُ له بسرعة دون أن أنتبه

" لا.. لا تخرج.. يمكنك أن تستريح على الأريكة أمام الموقد.. سأذهب بنفسي لأطمئن على حيواناتي.. لن أتأخر "


ودون أن ينظر إليّ كعادته اليوم كلمني بهدوء وحاول أن يعترض

" لا يجوز سيدتي.. العاصفة اشتدت أكثر.. لن تستطيعي فــ.. "


ركضت نحو الباب ووضعت وشاح الصوف على رأسي وقلتُ له بينما كنتُ أضع يدي على مقبض الباب

" لا إدوارد.. سأذهب بنفسي.. أغلق الباب خلفي جيداً وانتظرني لدقائق "


وما أن فتحت الباب حتى شعرت بالهواء على وشك قذفي للبعيد.. تماسكت وضممت الوشاح جيداً على وجهي وخرجت وحاولت غلق الباب.. لكن إدوارد وقف أمامي ونظر إلى الأسفل وقال بهدوء


" سيدتي دعيني أذهب بنفسي.. قد يحدث لكِ مكروها و.. "


قاطعته بسرعة قائلة وأنا أدفعه بخفة على صدره إلى الخلف

" لا إدوارد.. ستبقى في المنزل وهذا أمر "


ثم أغلقت الباب بقوة وركضت مُسرعة نحو الحظيرة.. دخلت إليها وأنا أرتجف بشدة.. مشيت ببطء نحو البقرات ووضعت لها الطعام يكفي ليومين ثم تفقدت الدجاجات وبعدها الحصان..


كان الحصان يتأملني بنظرات غاضبة عنيفة.. نظرت إليه بخوف بينما كنتُ أقترب منه وهمست له بفزع


" لماذا أنتَ غاضب مني؟.. بسبب سيدك؟.. حسنا سأعقد معك اتفاقية.. سوف أعامله بطريقة جيدة وأداوي جراحه.. ولكن في المُقابل عليك أن تهدأ ولا تُخيف حيواناتي هنا.. هل أنتَ موافق؟ "


صهل بغضب بوجهي فنظرت إليه بحدة وقلتُ له

" توقف عن الصهيل في وجهي بغضب.. أنا أعلم بأنك تكرهني.. و.. "


سالت دموعي بحزن على وجنتاي وتابعت قائلة له بحرقة

" أنا لستُ كذلك.. لستُ شريرة.. أنا امرأة مجروحة.. مجروحة جداً.. قلبي يحترق كلما نظرت إلى سيدك لأنني أتذكر ما فعله في الماضي "


مسحت دموعي وقلتُ له بقهر

" وكيف لك أن تفهم ألمي ومدى حزني؟.. أنتَ مُجرد حصان "


رفع رأسه عاليا بشموخ وصهل بخفة وكأن حديثي لم يعجبه.. تنهدت بعمق ووضعت له الطعام ثم نظرت إليه بحزن قائلة


" لا تقلق لن أؤذيه بعد الآن.. أعدُك "


وخرجت من الحظيرة وركضت بسرعة نحو المنزل.. رأيت الباب ينفتح قبل أن أصل إليه وأمسكني إدوارد من ذراعي وساعدني بالدخول إلى المنزل وأغلق الباب بإحكام ورأيته يقف وبدأ يتأملني بقلق.. طبعا تفاد النظر إلى عيناي.. وعندما تأكد بأنني بخير استدار وتوجه نحو الأريكة وجلس عليها بهدوء..


أزلت الوشاح المبلل عن رأسي ووضعته على ظهر الكرسي الخشبي ثم جلست على الكرسي الثاني وبدأت أراقب إدوارد وهو يتحدث مع ابني.. لأول مرة لم أغضب بسبب رؤيتي لابني يتحدث مع إدوارد بل ظللت جالسة بهدوء أتأملهما بصمت وبحزن دفين..


طيلة النهار كنتُ ألوم نفسي على تهوري وحماقتي.. لزم إدوارد الصمت ولم يتكلم معي أبدا.. كان فقط يُكلم توماسو بصوتٍ منخفض.. في المساء بعد أن نام توماسو أخذت قطعة قماش نظيفة ثم دخلت إلى المطبخ وحملت طبق من الفخار به بعض من الأعشاب كنتُ احتفظت بها في حال جرح توماسو نفسه.. طحنتُها ثم حملت الطبق والقماشة واقتربت ببطء من الأريكة.. وقفت أمام الأريكة ونظرت إلى الطبق وكلمت إدوارد بصوتٍ منخفض


" أنا.. لقد جلبت بعض من الأعشاب حتى أضعها على الجُرح.. و.. هذه الأعشاب مُفيدة للجروح.. سوف تتحسن جراحك بسرعة بفعلها "


عندما لم أسمع منهُ ردا.. رفعت نظراتي ونظرت إليه بتوتر.. كان قد أدار رأسهُ للناحية الأخرى حتى لا ينظر إليّ.. نظرت إلى عمق الجُرح في وجهه وشعرت بغصة أليمة في صدري.. ترقرقت الدموع في عيناي بينما كنتُ أنظر إلى الشطب المُخيف في وجهه


رواية الكونت - فصل 10 - النُدبة

 

 

 

كنتُ أُجاهد لمنع نفسي من البكاء لكن دموعي سالت دون استئذان من ركن عيناي.. لقد تشوه.. تشوه..


فكرت بألم وتنهدت بعمق وجلست بجانبه على طرف الأريكة.. وضعت الطبق والقماشة في حضني ثم رفعت يدي اليمنى وأمسكت بخفة بطرف ذقنه وأدرت رأسهُ ببطء.. لم يمنعني عن فعل ذلك لكنه رفع رأسه وأبعده عن أناملي وهو يُغمض عينيه..


نظرت إليه بحزن ثم أبعدت يدي وأمسكت ببعض من الأعشاب بأناملي وبدأت أضعها بخفة على جُرحهِ.. أحكم إغماض عينيه أكثر وكشر.. هو يتألم...


بلعت ريقي بقوة وهمست قائلة بنبرة مُرتعشة

" هو.. سوف تشعُر بحرقة لدقائق بفعل الأعشاب لكنها سوف تزول بسرعة.. سيخف الألم قريبا "


لزم الصمت كالعادة.. تابعت وضع الأعشاب على كامل جرحه وعندما انتهيت لفيت القماشة بشكلٍ أفقي على وجهه ورأسه وفكه حتى بات جزء من وجهه من ناحية اليسار كلهُ مغطى بالقماش.. ظللت جالسة أنظر إلى وجهه بحزن.. لا أعلم ما حدث لي لكن فجأة بعد دقائق طويلة أغمضت عيناي وبدأت أتكلم معه


" كنتُ صغيرة.. صغيرة جدا.. مُجرد مراهقة لم تبلغ السادسة عشر بعد عندما باعني والدي إلى رجل يُصلح ليكون جدي وليس زوجي.. حاولت الهروب قبل أن يزوجني به والدي لكنني لم أنجح.. و.. وعشتُ أسوء أيام حياتي معه.. سنتين ونصف من الجحيم عُشتها مع جاكوبو... وعندما توفى كان أسعد يوم في حياتي.. لكن.. ما حدث لاحقا.. ما حدث... إلهي ماذا أفعل؟!!!... أنا.. انسى ما تفوهتُ به.. أنا فقط أريد.. أريد.. أنا.. أنا آسفة... "


فتح عينه اليمنى بسرعة ونظر إليّ بتعجُب عندما اعتذرت منه في النهاية.. نظرت بحزنٍ عميق إلى وجهه مكان الجُرح ثم إلى عينه وقلتُ له

" آسفة.. لقد.. لقد كنتُ خائفة.. لم.. لم أقصد أن.. أن.. أن.... "


كان ينظر بعمق إلى عيناي وشعرت بدمعة ساخنة تنساب على خدي ببطء.. وقفت بسرعة ونظرت إلى البعيد وقلتُ له

" استرح و.. و.. سوف.. سوف.. أمممم.. سوف أهتم بجرحك غدا "


استدرت وركضت ناحية غرفتي وأغلقت الباب خلفي بهدوء... مسحت دموعي وقررت أن أنام...


 

بلاكيوس / إدوارد***

 

استيقظت على صوت توماسو وهو ينده بإسمي بسعادة

" إدوارد.. إدوارد.. إدوارد... "


فتحتُ عيناي وشعرت بألمٍ رهيب في وجهي ناحية اليسار.. تأوهت بضعف وتذكرت ما حدث في الأمس.. لقد شطبت وجهي بالسكين بعمق وكادت أن تقتلع لي عيني.. وبردة فعل سريعة هاجمتها وسحبت منها السكين وأمسكت بخصرها بيدي بإحكام.. كانت ردة فعلي دفاعية دون أن أشعر.. لا أعلم كيف فعلت لكنها مهارة تطلب التمرين.. لم أهتم للتفكير بما فعلت لأنني كنتُ غاضب منها وبشدة.. لو لم تكن امرأة كنتُ تصرفت معها بطريقةٍ أخرى.. لكن واللعنة قلبي الخائن لم يطاوعني.. لم أستطع أن أؤذيها..


رميت السكين على الطاولة بينما دمائي كانت تسيل بشكلٍ مخيف وبللت وجهي وعنقي ولطخت قميصي.. أمسكت خصرها بكلتا يداي وقربتها أكثر إليّ.. كان صدرها ملاصق لصدري.. كنتُ أنظر إليها بغضبٍ مهول.. كانت خائفة وتتوسل إليّ حتى لا أضربها.. 


لم أحرك ساكنا بل ظللت أرمقها بغضب.. ماذا أفعل بها الأن؟!!.. لقد تخططت حدودها كثيراً.. صبري نفذ منها ومن كرهها لي.. فجأة ارتخى جسدها ورأيت رأسها يميل إلى الخلف وفقدت الوعي..


أمسكت جسدها بإحكام ثم حملتها بسرعة ووضعتها على الأريكة وخرجت من المنزل.. حاولت إيقاف النزيف لكنني لم أستطع فعل ذلك لنصف ساعة.. بدأ رأسي يؤلمني بشدة وهبت الرياح وبدأت تمطرُ في الخارج.. أزلت قميصي والذي أصبح مبتل بالكامل بدمائي وارتديت قميص آخر..


كنتُ أشعر بالبرد ناهيك عن ألم الجرح والبرد.. تمددت على القش وأغمضت عيناي وبدأت أفكر.. لقد اكتفيت.. لم أعد أستطيع تحمل معاملتها المقرفة لي.. يجب أن أذهب من هنا وأنسى عشقي الغبي لها.. يجب أن أفعل.. غدا سوف أذهب عندما تهدأ العاصفة...


اتخذت قراري وغلبني النوم.. استفقت على صوتٍ يناديني.. إنها أدلينا... فتحت عيناي بضعف وأول ما رأيتهُ هو وجهها القلق.. شعرت بصداع قوي وفورا أغمضت عيناي وسمعتها تطلب مني الاستيقاظ حتى تداوي لي الجرح.. وقفت بصعوبة وأنا أترنح وساعدتني بالسير ناحية منزلها..


فور أن تمددت على الأريكة أغمضت عيناي وبسبب إرهاقي غرقت بالنوم بسرعة.. استيقظت في الصباح وشعرت برغبة مُلحة لحك وجهي مكان الجرح.. رفعت يدي وبدأت أفرك الجرح بأناملي برقة حتى استرحت.. 


وقفت ونظرت حولي بحزن.. المكان كان هادئ وساكن فقط صوت هطول المطر والرياح كان مسموع.. اقتربت من النافذة ونظرت إلى الخارج وتجمدت نظراتي بصدمة كبيرة على الزجاج.. ليس بسبب رؤيتي للكارثة التي افتعلتها العاصفة في الحديقة والزرع بل لرؤيتي لانعكاس وجهي على الزجاج.. كان هناك تمزق في الجلد عميق جدا على شكل خط عريض ابتدأ من أسفل حاجبي الأيسر إلى أسفل فكي.. وشكله كان مقرف جدا... تسرب الحزن تدريجيا إلى جسدي وتجمّدت..


كنتُ جامد وأنا أنظر بذهول إلى شكل الجرح المخيف في وجهي.. لقد تسببت بندبة مقرفة في وجهي.. ندبة بشعة.. ندبة لن تزول إلى الأبد عن وجهي.. شوهت قلبي بفعلتها تلك.. وشوهت حُبي لها.. شوهتني من الداخل قبل أن تشوه وجهي..


قبضت يداي بشدة حتى ابيضت مفاصلي مانعا نفسي من الصراخ بغضبٍ مهول.. والآن أصبح قراري بالمغادرة من هنا لا رجوع عنه.. لكن سوف أنتظر حتى تهدأ العاصفة وأذهب.. لقد اكتفيت منها ولم أعد أرغب بمعرفة سبب كرهها لي..


جلست على الأريكة بجانب المدفأة وغطيت ساقاي باللحاف وبدأت في التحديق بشرود في الرماد واستسلمت لأفكاري الحزينة..

" إدوارد.. أنتَ هنا.. يااااااااااي.. "


أخرجني صوت توماسو من شرودي وفورا التفت ناحيتهُ وابتسمت لهُ برقة.. ركض توماسو بسعادة ثم فجأة توقف ونظر برعبٍ كبير إلى وجهي.. الآن أصبحت أخيف الصغير... رفعت يدي بسرعة وخبأت مكان الجرح بها وقلتُ له بهدوء حتى لا يرتعب


" لا تخف سيدي الصغير.. لقد وقعت وجرحت نفسي.. سوف يُشفى بسرعة لا تقلق "


نظر إليّ بحزنٍ كبير وقال بصوتٍ مهزوز

" أنتَ تتألم إدوارد.. أليس كذلك؟ "


أشرت له بالرفض ودون أن أنتبه أبعدت يدي عن الجرح وقلتُ له

" لا سيدي الصغير.. هو لا يؤلمني "


نظر توماسو إلى الجُرح بخوف وبصدمة رأيتهُ يغمض عينيه وأجهش بالبكاء وركض نحو غرفة والدته وهو يصرخ لها برعب..

" ما هذا الحظ السيء والغريب؟.... "


همست بحزن لأنني الآن السبب ببكاء وخوف الصغير توماسو.. دقائق قليلة خرج من الغرفة وهو يسحب والدتهُ خلفه.. أشحت بنظراتي بعيدا عنها لأنني لم أرغب برؤيتها حاليا.. كنتُ غاضبا منها وبشدة وبصعوبة استطعت لجم غضبي حتى لا أؤذيها..


خفق قلبي بسرعةٍ رهيبة عندما شعرت بشفتيها تُقبل مكان الجرح بخفة.. لقد أرغمها توماسو على فعل ذلك واستطعت الشعور بارتعاش جسدها.. هي تشعر بالقرف مني وهذا ما جعلني أحزن أكثر.. 


التزمت الصمت ولم أرغب بالتكلم معها حتى أنني تجنبت النظر إليها لكي لا يتفاقم غضبي أكثر.. كم كرهت نفسي وكرهت مشاعري نحوها.. وكرهت ضعفي نحوها أيضا.. مهما فعلت بي لا أستطيع أن أؤذيها أبدا بسبب عشقي الغبي لها.. لذلك يجب أن أغادر وبأسرع وقت.. يجب أن أبتعد عنها..


في المساء لم أتخيل أبدا أن تأتي بنفسها وتهتم بجُرحي.. لم أستطع أن أتكلم معها وأنظر إلى وجهها.. كان الجرح في قلبي أعمق بكثير من جُرح وجهي.. ونوع آخر من الألم اخترق جلدي وكل حواسي ووصل في النهاية إلى أعماق قلبي.. فألم الجرح العاطفي مؤلم جدا ويدوم أكثر من ألم الجرح الجسدي.. وكلما كان مُسبب هذا الجُرح قريب من القلب كلما كان أثر الجرح أعمق.. يا ليتني لم أعشقها بجنون.. يا ليت..


هذا ما كنتُ أفكر به وأنا مغمض العينين بينما هي تضع الأعشاب على وجهي ثم لفته بقطعة قماش.. ولدهشتي بدأت تتكلم معي عن ماضيها.. شعرت بالأسى لمعرفتي بأنها تعذبت جدا بسبب زوجها وعندما كانت على وشك أن تُخبرني بالمزيد توقفت وقالت لي أن أنسى ثم اعتذرت..


مهلا!!!.. هل قالت لي أنا آسفة؟!!!!!...


فتحتُ عيني اليمنى بسرعة لأن عيني اليسرى كانت مغطاة بالقماش.. نظرت إليها بدهشة كبيرة.. كانت تنظرُ إليّ بحزنٍ عميق ثم تابعت قائلة

" آسفة.. لقد.. لقد كنتُ خائفة.. لم.. لم أقصد أن.. أن.. أن.... "


لم أستطع التصديق بأن سيدتي والتي تكرهني بشدة تعتذر لي الآن.. وبحزن رأيتُ دمعتها تسيل ببطء على خدها الناعم.. وقفت بسرعة وقالت

" استرح و.. و.. سوف.. سوف.. أمممم.. سوف أهتم بجرحك غدا "


استدارت وركضت ناحية غرفتها وأغلقت الباب خلفها بهدوء... لكن وللأسف رغم اعتذارها لي ومسامحتي لها إلا أنني لم أغير رأيي بالذهاب من هنا و إلى الأبد..


ثلاثة أيام كنتُ في منزلها أنتظر أن تهدأ العاصفة حتى أذهب.. مُعاملتها لي تغيرت قليلا كانت هادئة ولا تتكلم معي إلا للضرورة بينما أنا فقط أشير لها برأسي موافقا دون أن أتكلم معها.. في اليوم الرابع استيقظت باكرا وشعرت بالسعادة عندما رأيت الشمس مشرقة.. أخيرا انتهت العاصفة وحان وقت ذهابي..


خرجت من المنزل ونظرت بصدمة إلى الدمار الذي ألحقتهُ العاصفة بالزرع وبالحديقة.. تنهدت بحزن ودخلت إلى الحظيرة وغيرت ملابسي ثم وضعت الطعام للحيوانات وودعت ذلك الحصان الجميل وخرجت.. كنتُ أسير مبتعدا عن المنزل وتوقفت فجأة عندما سمعت صوت توماسو ينده بإسمي بقوة


" إدوارد.. إدوارددددددد... "


استدرت ورأيتهُ يركض نحوي.. كنتُ أنظر إليه بحزن لأنني أخلفتُ بوعدي له بأن لا أتركهُ أبدا مهما حدث.. وقف أمامي وقال بقلق

" إلى أين أنتَ ذاهب إدوارد؟ "


انحنيت ورفعت يدي ووضعتها على وجنتهِ وقلتُ له

" أنا آسف سيدي الصغير.. يجب أن أذهب و... "


نظر إليّ بصدمة وبدأ يبكي بشدة وقال لي وهو يشهق

" لا... لا تذهب أرجوك.. لقد.. لقد وعدتني.. لقد وعدتني بأن لا تتركني أبدا.. "


نظرت إليه بحزنٍ كبير وقلتُ له

" سامحني سيدي الصغير لكنني لا أستطيع البقاء هنا "


أجهش بالبكاء ورمى نفسه عليّ وعانقني بشدة وقال لي ببكاء

" لاااااااااا.. لا تذهب أرجوك لأجلي.. لا تتركني إدوارد.. أرجوك.. لا تذهب.. لقد وعدتني بأنك لن تتركني أبداً "


أغمضتُ عيناي بشدة وعانقتهُ ثم حملته واستقمت.. كان يبكي وبكائهُ المرير ألم قلبي.. ابتسم بحنان هامسا له

" حسنا سيدي.. توقف عن البكاء.. لن أذهب لأجلك فقط "


رفع رأسهُ ونظر إلى عيناي وقال بسعادة

" حقا؟.. لن تذهب وتتركني إدوارد!!! "


ابتسمت له برقة وقلتُ له بينما كنتُ أمسح دموعه بأناملي

" نعم لن أذهب.. أعدُك.. "


" أحبُك إدوارد كثيرااااااااااا "


هتف بسعادة وعانقني بشدة.. قبلت رأسهُ بحنية وقلتُ له

" وأنا أحبُك أيضا وكثيرا سيدي الصغير "


أنزلته ليقف على الأرض وأمسكت بيده ومشينا ناحية المنزل.. طلبتُ منه الدخول حتى أبدأ بتنظيف ما دمرتهُ العاصفة.. بعد نصف ساعة رأيت أدلينا تخرج من المنزل ثم وقفت في الباحة ووضعت يديها على خديها وبدا عليها الخوف والحزن الشديد..

 

رواية الكونت - فصل 10 - النُدبة

 

وقفت أنظر إليها بدهشة عندما صرخت بتعاسة


" لااااااااااا.. حديقتي... زرعي.. كل شيء قد تدمر بالكامل.. ماذا سأفعل الآن؟!!.. كيف سوف نعيش لما تبقى من الشتاء؟!... "


بحزنٍ كبير رأيتها تبكي بشدة ثم استدارت ودخلت راكضة إلى المنزل.. عاودت التنظيف بحزن وأنا أفكر كيف يمكنني مساعدتها...


فكرت وفكرت وفجأة خطرت برأسي فكرة عندما رأيت توماسو يخرج من المنزل.. ركض الصغير ووقف أمامي وقال بحزن


" ماما تبكي في الغرفة.. هي حزينة جدا إدوارد "


نظرت إليه بحزن ثم قلتُ له

" توماسو.. يجب أن أساعد والدتك وأعتقد لدي فكرة كيف يمكنني فعل ذلك.. هل تتذكر عندما قرأت في الورقة التي كانت معك أن لحم الغزال غالٍ جدا؟ "


هز رأسهُ موافقا رغم أنهُ لم يفهمني.. قهقهت بخفة بسبب لطافته وقلتُ له

" سوف أذهب حتى أصطاد لوالدتك غزال وتبيعهُ في القرية.. عندها يمكنها شراء كل ما يلزمها "


هتف الصغير بفرحٍ كبير وهو يقفز

" نعمممممم... يمكنك أخذ البندقية.. ماما كانت تُخبرني أن والدي اشتراها حتى يصطاد بها الغزلان "


أمسك بيدي وبدأ يركض ناحية المنزل.. دخلنا إلى المنزل ووقفنا أمام الحائط حيثُ البندقية معلقة.. يا ترى هل أعرف كيفية استخدامها؟!.. رفعت يدي وسحبت البندقية ونظرت إليها وبذهولٍ كبير رأيتُ نفسي أرفعها وأفحصها وأتأكد إن كانت محشوة بالبارود.. ياااااه!!.. أنا فعلا أعرف كيفية استخدامها...


فكرت بسعادة ثم نظرت إلى توماسو وقلتُ له

" لن أتأخر.. سوف أذهب حتى أصطاد غزال كبير من أجل والدتك.. سوف أعود بسرعة.. لا تخرج من المنزل.. ولا تُخبر والدتك ولا تزعجها.. اتفقنا "


أجابني موافقا وذهبت وأنا أحمل البندقية بيدي.. ذهبت ناحية البحيرة وقررت أن أختبئ حتى أرى غزالا.. لقد سبق لي ورأيت عدة غزلان هنا عندما كنتُ أتي لكي أستحم.. بعد قليل من الوقت رأيت غزالا كبيرا يقف بين الحشائش.. رفعت البندقية بحذر وبسرعة أطلقت النار عليه.. و لدهشتي الكبيرة أصبتهُ فورا.. يبدو أنني أجيد استخدام البندقية بمهارة..


عدت إلى المنزل وأنا أحمل الغزال على كتفي وابتسم بسعادة.. رأيت أدلينا تمشي بتوتر في باحة المنزل.. عندما رأتني توقفت ونظرت إليّ بدهشة كبيرة وبعض القلق.. ركضت ووقفت أمامي وقالت بقلق


" لقد.. لقد.. كيف ذهبت دون إعلامي.. ظننت بأنك تُهت.. و... لا تفعل ذلك مجددا.. هل فهمت؟!.. "


نظرت إليها بدهشة وقلتُ لها باحترام

" حسنا سيدتي "


ثم رميت الغزال على الأرض أمامها وقلتُ لها

" لقد اصطدت غزال حتى تبيعينه في القرية.. عندها يمكنكِ شراء ما تحتاجينه سيدتي "


كانت تنظر إلى الغزال بدهشة كبيرة ثم رفعت رأسها وفتحت فمها لتتكلم لكنها لم تستطع.. ثم نظرت مجددا إلى الغزال وقالت بهمس


" إنه.. إنه غزال كبير جدا.. إنه ثروة بحد ذاته.. وأنت اصطدته لأجلي أنا؟!.. "


" نعم سيدتي "


أجبتُها بهمس بينما كنتُ أنظر إليها بحنية.. رفعت رأسها وابتسمت لي برقة وهمست قائلة

" شكرا لك "


اتسعت ابتسامتي أكثر وقلتُ لها

" العفو سيدتي.. سوف أضعهُ لكِ على لوح خشبي وأربطهُ بالحصان حتى تأخذيه وتبيعينه في القرية " 

 

تحولت نظراتها إلى مرتعبة وقالت لي بسرعة

" لاااااااااا.. أعني.. هو.. لا تربطه بالحصان.. سوف أسحبه بنفسي "


نظرت إليها بتعجُب هامسا

" لكن... "


قاطعتني قائلة بإصرار

" لا إدوارد.. لن أخذ الحصان معي.. ضعهُ على اللوح.. سوف أذهب بعد قليل إلى القرية وأبيعه "


واستدارت وذهبت ودخلت إلى المنزل.. لماذا لا تريد أخذ الحصان معها؟!!.. هذا غريب... هزيت كتفي بعدم اهتمام ثم قررت بوضع البندقية في مكانها وتجهيز الغزال لها..


كنتُ أنظر إليها وهي تذهب باتجاه الغابة وتمسكُ بالحبل بكلتا يديها وتسحب خلفها بصعوبة الغزال.. لقد رفضت وبشدة أن أذهب معها وطلبت أن أعتني بـ توماسو لحين عودتها..

 

عندما اختفت في قلب الغابة دخلت إلى المنزل وبدأت أطعم توماسو.. ساعة.. ساعة ونصف.. ساعتين.. ثلاث ساعات.. لا أدري كم مضى من الوقت وأنا أقف أمام باب المنزل أنتظر عودتها بقلقٍ شديد... كنتُ أشعر أن هناك شيئا غير طبيعي قد حدث معها..


كان يجب أن تعود.. هل أصابها مكروه؟!!.. لا!!. لا!!!... هي قوية.. سوف تعود.. اهدأ إدوارد لا مبرر لخوفك السخيف عليها الآن..


 كنتُ أفكر بقلقٍ شديد عندما فجأة توقفت عن السير ونظرت إلى البعيد بين الأشجار.. رأيتُ أدلينا تركض باتجاه منزلها.. تنهدت براحة وابتسمتُ بسعادة لكن عندما اقتربت أكثر تجمدت ابتسامتي فورا إذ استطعتُ أن أرى بصدمة كبيرة أنها كانت تضع يدها على كتفها والسبب أن ثوبها كان ممزق بالكامل من ناحية الصدر وهي كانت ترفع قماش فستانها بيدها حتى تستر صدرها.. كما أنها كانت تبكي و.. وشعرها مبعثر...


ركضت باتجاهها وعندما اقتربت منها حاولت الهروب مني لكنني أمسكت بذراعها وسحبتها نحوي ونظرت إليها بقلقٍ كبير.. كانت تبكي بشكلٍ هستيري وتنتحب وتشهق بقوة.. كان وجهها أحمر كالدم من كثرة البكاء وكانت شفتيها متورمة.. و.. ما هذا على عنقها؟!!.. فكرت بصدمة إذ كان هناك أثار كثيرة أرجوانية على عنقها من ناحية اليمين... تملكني الغضب بشكلٍ كبير إذ عرفت ما حدث لها


" من فعل بكِ ذلك؟ "


همست بغضبٍ كبير جعل عروق جسمي كلها تنفر.. هناك من تحرش بها.. رفعت رأسها ونظرت إليّ بعيونها الحمراء الباكية وبدأت تضرب صدري بكلتا يديها وهي تصرخ ببكاء


" أتركني.. أتركني... كلهُ بسببك وبسبب غزالك اللعين... أكرهُك.. هل سمعت؟.. أنا أكرهُك أيها الحقير.. أكرهُك.... "


أحكمت إمساك ذراعيها بقوة وفورا سقط فستانها عن كتفها ورأيت بصدمة صدرها ممتلئ بعلامات أرجوانية كثيرة.. تجمدت بصدمة كبيرة أنظر إلى تلك العلامات بذهولٍ كبير.. يا إلهي!!!.. هل اغتصبها أحد؟!!!.. لا لا لا لا لا لا!!!.. لا!!.. إلهي لا!!!....


بدأت تتخبط بجنون بين يداي وهي تصرخ وتبكي وتلوح بيديها بشكلٍ هستيري..

" آاااااااااااه... "


خرجت شهقة ألم من فمي عندما نبشت بأظافرها وجهي مكان الجرح وفورا بدأت الدماء تسيل منه بغزارة.. لقد فتحت الجرح من جديد... أمسكتها بإحكام من كتفها و هززتها بقوة وهتفت بوجهها بغضبٍ مهول


" يكفي.. توقفي عن البكاء ومهاجمتي.. أنا لن أؤذيكِ.. أخبريني من فعل بكِ ذلك وفوراااااااا "


تجمدت بين يداي ونظرت إلى الدماء في وجهي ولم تهتم لستر صدرها بل سمعتها تقول بهمس

" أنتَ السبب.. أنتَ السبب بكل ما أعانيه.. أنتَ السبب بمعاناتي.. أنتَ السبب.. أنت... "


كانت ترتعش بقوة ويبدو على وجهها الجمود.. هي في حالة صدمة.. رفعتها بسرعة وحملتها بين يداي وركضت بها إلى المنزل.. دخلت ووضعتها برفق على الأريكة.. لحسن حظنا أن توماسو في غرفة النوم يلعب.. دثرتها باللحاف ثم ركضت إلى المطبخ وأخذت كوب من الماء ثم جلست بجانبها ورفعت رأسها قليلا وساعدتها بشرب المياه.. كانت تبكي بصمت وذلك جعلني أشعر بألمٍ كبير في صدري..


سوف أنتقم بمن كان السبب في حالتها هذه.. سوف أجعلهُ يندم لأنه أذى سيدة قلبي..


بعد دقائق هدأت قليلا وأغلقت عينيها وكان فقط صوت شهقاتها الضعيفة مسموع في الغرفة.. نظرت إليها بأسى وبحزن وتمنيت أن لا يكون قد حدث معها ما أفكر به....




انتهى الفصل













فصول ذات الصلة
رواية الكونت

عن الكاتب

heaven1only

التعليقات


إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

اتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

لمدونة روايات هافن © 2024 والكاتبة هافن ©