ماكس و غابرييلا
ماكس باين**
دخل ماكس باين إلى مكتبه الفاخر.. حيث كانت أجواء الثراء والرقي تحيط
به من كل جانب.. تسللت أشعة الشمس من خلال نافذتين مكسوتين بالستائر الحريرية.. ولمعت
أشعتها على الجدران الخشبية الداكنة والتي تعكس جمال الجوهر والذوق الرفيع.. وكأنها
تعكس شخصية ماكس نفسه..
كان مكتبه مزخرفًا بأثاث أنيق وجدران من الخشب الداكن.. وكانت الرفوف مليئة بالمجوهرات الثمينة والتي كانت محمية بواجهات زجاجية.. لكن عينيه لم تتجول في هذا المكان الباذخ.. بل توقفت
عند مكتبه الفخم وبالتحديد إلى ذلك الدُرج حيث يحتفظ بصورتها بداخله..
صورة حبيبته السابقة غابرييلا..
اقترب ماكس وجلس خلف مكتبهِ الفخم داخل محل المجوهرات الراقي الذي
يمتلكه.. وجهه يعكس حزنًا عميقًا يعتري قلبه.. فتح الدُرج وسحب الإطار وحدق في
الصورة الجميلة بحزنٍ دفين.. صورة حبيبته السابقة غابرييلا..
كانت عيناه المليئتين بالألم تتأمل تفاصيل وجهها الجميل.. وكأنه يعيش
كل لحظة قضاها بجوارها..
صورة غابرييلا بين يديه كانت تعكس ماضيه المؤلم.. ومستقبله الذي تباعدت عنه الأحلام.. تذكر بمرارة لحظة خيانتها له.. لحظة التي قتلتهُ بها من الأعماق.. تذكر بمرارة تلك اللحظة التي
ذبحتهُ بها من الوريد..
نظرت بيأس إلى عينيها البريئتين و الساذجتين.. وتأملت ابتسامتها التي
كانت تُسعدني في ما مضى.. تأملتهما بقهر وعرفت بغضب بأن هناك أمورًا لم أكن أعلمها مُخبئة خلف تلك الابتسامة والنظرات البريئة الكاذبة.. أمور
تمزق القلب وتبعثر الأحلام...
وبينما كنتُ أنظر إلى الصورة.. انقضت مرارة الماضي على
قلبي وعقلي.. تذكرت بحقد كيف جرحتني غابرييلا بأفعالها.. وكيف دمرت حُبي العميق لها بلا رحمة... تذكرت بمرارة ذلك اليوم.. في تلك اللحظة المقدسة.. ذهبت غابرييلا دون أي تفسير أو توديع.. تلك اللحظة تركت وراءها ندبة عميقة في قلبي لم تلتئم أبدًا..
تذكرت بألمٍ عميق كيف لم تأتي غابرييلا في يوم زفافنا.. وتركتني أقف
مثل الأحمق أنتظرها بشوق وبلهفة عميقة..
وهنا تجاوز غضبي إلى حدود لا يمكن تصورها.. تذكرت بغضب
أعمى وبمرارة كيف تركتني غابرييلا وحيدًا في يوم يفترض أن يكون أسعد أيام حياتي.. تذكرت مدى ألمي وحُزني وانكساري في ذلك اليوم.. وتذكرت كيف فقدت الثقة في الحب.. وكيف شعرت بأن قلبي تمزق إلى شظايا..
أبعدت نظراتي عن الصورة وهمست بألمٍ شديد باسمها
" غابرييلا بلوم "
عيوني سافرت بعيداً في ذكريات مؤلمة كالجحيم عندما همست باسمها..
غابرييلا هي الفتاة الوحيدة التي أحببت منذ أيام الجامعة.. عشقتها
للنخاع مع أنها لم تكن تستحق حبي لها العاهرة..
قضيت معها ست سنوات مليئة بالسعادة.. أو هكذا ظننت.. لأنها وفي يوم
زفافنا تخلت عني بكل بساطة وتركتني أقع في الجحيم وأحترق...
ففي نهار زفافنا منذ خمس سنوات هربت ولم تحضر إلى الكنيسة.. فقد تكرمت
وأرسلت لي خاتم الخطبة ورسالة مع شقيقتها الصغيرة.. لتكتب بها كلمتين فقط.. ( أنا
أسفة )..
فقط بكلمتين جعلتني أعيش الجحيم على الأرض.. فقط في هاتين الكلمتين
دمرتني وجعلتني أحترق في جحيم الألم والعذاب..
اختبرت في ذلك اليوم لحظات عديدة.. قبل خمس سنوات.. وفي نفس اليوم
الذي كنتُ أعتقد أنه سيكون الأسعد في حياتي.. وفي نهار زفافنا.. عندما انتظرت
غابرييلا على أحر من الجمر.. لم تظهر.. وقفت أمام الكنيسة الفسيحة مكتوف الأيدي.. وقلبي
ينبض بخفقات مؤلمة..
تذكرت كيف غضبت دموعي الساخنة على وجنتي.. كيف تساقطت ببطء إلى الأرض
كأوراقٍ خريفية هزيلة.. عندما اقتربت شقيقة غابرييلا مني وسلمتني تلك الورقة
والخاتم..
لم يكن لدي إجابات.. سوى السؤال الذي لم أجد له إجابة.. لماذا؟...
تلك العاهرة الحقيرة والفقيرة و المعدمة حاربت عائلتي كلها فردا فردا من أجلها..
ست سنوات ناضلت بقوة وأرهقت نفسي في العمل حتى بنيت نفسي بنفسي من أجلي ومن
أجلها.. وهي ماذا فعلت بي؟.. تخلت عني
نهار زفافنا..
كان معها حق والدتي.. الجميع كان معهم حق.. بأنها وصولية ومُحبة للمال
وجشعة.. وهي لا تحبني.. فقط كان يهما مالي ونفوذي وسلسلة محلات باين لبيع
المجوهرات النفيسة والتي أمتلكها في مختلف أنحاء البلدان..
وحبي لها لفترة ست سنوات أعماني عن رؤية فسقها..
لم يكن بإمكاني نسيان الجرح الذي تركته غابرييلا في قلبي.. ولم أستطع تجاوز
ما فعلتهُ بي بسهولة.. اعتبرت نفسي ضحية لخيانة كبيرة.. وبدأت تخفق في قلبي الرغبة
المُلحّة في الانتقام.. في يوم زفافي الأسود أقسمت لنفسي بأنني سأبحث عنها وسأجعلها
تعاني كما عانيت..
مرَّت خمس سنوات كالقرون على غيابها.. ولكن قلبي استمر في التعايش مع
الألم.. قراري كان واضحاً.. سأجد غابرييلا.. وسأعرف الحقيقة.. سأعرف لماذا تركتني
وحدي في تلك اللحظة المهمة.. وبدأت بحثًا يائسًا.. رغم ضياع الأمل تدريجيًا..
لم يكن البحث عن غابرييلا مهمة سهلة.. قضيت خمس سنوات كاملة أبحث عنها..
متسلحًا بالأمل والغضب.. محاولًا أن أعرف الحقيقة وراء اختفائها.. عينت مُحقق
ليبحث عنها ويجدها لي.. وعندما فشل وضعت فريق من خمسة عشر مُحقق للبحث عنها لكنهم
فشلوا الأغبياء من إيجادها لي.. حينها سافرت بنفسي إلى أماكن مختلفة.. استجوبت
الكثير من الناس.. وبحثت في أرشيفات لم أكن أعلم أنها ستكون بهذا القدر من التعقيد..
ولكن لم أجدها..
ومع كل محاولة.. مع كل يوم مضى.. بدا الأمل يتلاشى ببطء.. لم يكن بإمكاني
تفسير اختفاءها.. لم أجد أي أثر يقودني إليها.. وكلما اقتربت من الحقيقة.. ابتعدت
أكثر عني..
ومع ذلك لم أستسلم.. عينت منذ ستة أشهر فريق جديد ليبحثوا عنها
ويجدونها لي بأي ثمن..
خمس سنوات وأنا أقلب الدنيا عليها حتى وجدتها بنفسي أخيرا.. نعم
فأخيراً وجدتُها وهي تعمل في مقهى بائس وتعيش في غرفة بائسة بمفردها..
ربما الرجل الذي هربت معه في نهار زفافنا تركها بعد أن شعر بالملل
منها..
فأنا انتقمت من أهلها.. جعلتهم يذوقون الفقر أكثر.. وجعلت والدها يُطرد
من كل وظيفة عمل بها بعد أن استخدمت نفوذي لقيامي بذلك.. بسبب عدم بوح والدها
بمكانها وإنكاره الدائم بعدم معرفته عن مكان وجودها..
مع أن ذلك الخسيس والد غابرييلا المحب للمال ظل ينكر مكان وجودها حتى
بعد أن عرضت عليه مبلغاً كبيراً من المال..
في النهاية هاجرت عائلتها خارج البلاد.. وطبعا سمحت بذلك بعد أن تأكدت
من سفرهم بمفردهم من دون غابرييلا.. فأنا لن أستريح حتى أجدها وأنتقم منها شر انتقام
لأشفي غليلي منها..
وما أن وجدتُها أمرت رجالي بإرسالها إلى مزرعة جيانو.. وهي مُلك صديقي
آرثر..
تنهدت بعمق وتذكرت بحقد كيف لعب القدر لعبته وجعلني أجد بالصدفة تلك
اللعينة..
كنت قبل يوم في أحد فروعي لسلسلة مجوهرات باين التي أمتلكها في المدينة..
كنتُ أجلس في مكتبي عندما دخلت موظفتي وأرتني خاتم تريد صاحبته بيعه.. وما أن رأيت ذلك الخاتم شعرت بالذهول الشديد..
فذلك الخاتم هو نفسه الخاتم الذي صممته بنفسي وأرسلته للسيناتور
الراحل سيزار غران.. بعد أن طلب مني شخصيا تصميمهُ وصنعه كهدية لابنته سولينا غران
منذ ما يقارب السبع سنوات..
وتلك الفتاة سولينا غران هي المسببة الرئيسية لألم عائلة جيانو ووفاة غريس..
خرجت من المكتب ورأيتها تقف أمامي ويبدو عليها الخوف والارتباك.. رغم
التغيير الكبير في شكلها فهي أصبحت أكثر نضجا وجمالا عما كنتُ أراه في صورها في
المجلات سابقا... و لكي أؤكد شكوكي سألتها عن اسمها بطريقة غير مباشرة وعندها
تأكدت من هويتها وأنها خرجت من السجن..
دخلت إلى غرفة مكتبي وأبقيت الخاتم بحوزتي كي لا تذهب واتصلت بصديقي
آرثر بسرعة كي أعلمه بما جرى..
بعد انتهائي من المكالمة اتصلت بأحد حُراسي والذين يقفون في الخارج أمام
متجري وطلبت منه مراقبتها ويتبعها.. ثم أعطيته
رقم مارك وهو حارس لدى آرثر حتى يتصل به ويخبره بمكانها..
العودة إلى ذلك النهار**
بعد خروج سولينا من متجري خرجت من المحل و وأمرت حراسي بعدم تتبعي..
وبدأت أمشي في الشوارع وأنا أفكر كيف حالف الحظ صديقي بمعرفة مكان تلك المروجة
الحقيرة..
دخلت إلى حيّ متواضع ورأيت مقهى في زاوية الشارع..
مشيت بخطوات بطيئة ودخلت إلى المقهى الصغير.. وما أن دخلت تعالت رائحة
القهوة العطرة ولامست الحديقة المجاورة والنوافذ الزجاجية المفتوحة.. اخترت طاولة في
زاوية هادئة وجلست.. نظرت إلى النافذة بابتسامة خفيفة على شفتاي بينما كنتُ أراقب
المارة..
انتظرت النادل حتى أتى وأخذ طلبي.. ثم عاودت النظر خارج النافذة أتأمل
بحزن المارة والأبنية السكنية المجاورة..
كنتُ شارداً في تفكيري عندما سمعت صوت قهقهة جميلة جعلتني أرتجف
قليلاً وجمدتني في مكاني.. وبعدها سمعت شخصًا ينادي
" غابرييلا.. غابرييلا!!... "
وسمعت ذلك الصوت ينادي من جديد
" غابرييلا.. هيا تعالي واجلسي أمام الصندوق.. لقد بدأ دوام
عملكِ "
رفعت عيوني ببطء وكأنني أخشى ما سأجده..
وهناك رأيتُها.. رأيت غابرييلا تقف أمامي.. كأنها تنبض بالحياة من بين
الأحلام.. عيناها تتلقى الضوء من النافذة.. وشعرها البني الطويل يتلوح بلطف
بمعزوفة الهواء.. نفس الجمال الذي كان يُسحرني من قبل.. ولكن الزمن قد غير الكثير..
لكنها لم تنتبه لي.. لم تراني.. لم ترتفع نظرتها لتلتقط وجهي المُندهش ونظراتي
المصدومة...
ابتلعت ريقي بصعوبة.. وعيوني لم تفارقها حتى عندما اقتربت وجلست على الكُرسي
في زاوية المقهى خلف ذلك المكتب الصغير.. كان قلبي ينبض بسرعة.. وعقلي يحاول معرفة
إذا ما كان هذا حقيقيًا.. هل هي غابرييلا حقًا؟.. أم أن عقلي يخدعني..
غابرييلا كانت تتحدث مع فتاة ولم تلتفت إلى الأمام لرؤية من هو قريب
منها.. لم يكن هناك أي تفاعل منها.. ولم تهتم للنظر إلى الزبائن..
وهنا توقف الزمن أمامي بينما كنتُ أتأمل وجهها بصدمة كبيرة..
ألم كبير اندلع في صدري.. الآلاف من الكلمات والمشاعر اجتاحتني في
لحظة واحدة.. ألم الانفصال.. وشوق العودة.. والغضب على كيفية اختفائها من حياتي..
ونار الانتقام...
أخيرًا.. بعد مرور خمس سنوات كاملة من الاختفاء.. وجدتُها في
النهاية.. وهي كانت هنا.. على بُعد شارعين فقط من محل المجوهرات الذي أمتلكهُ في
المدينة.. وفي هذه اللحظة.. نظرت إليها بشوق وبحنان وبغضب.. تأملتُها كمن يحاول
فهم غموض الزمن ومشاعره..
ابتسمت بحقد بينما كنتُ أشعر بقلبي ينفجر شيئًا فشيئًا.. ها هي
غابرييلا أمامي بعد خمس سنوات كاملة من الانقطاع.. ها هي الفتاة التي حطمت قلبي
بقسوة تجلس أمامي وعيناها تتجاهل كل ما حولها..
لم أستطع إبعاد نظراتي عنها لثانية واحدة.. بينما كنتُ أشعر بخليط من المشاعر يتسلل إلى كل زاوية من
روحي المتألمة.. ألم الفراق يلامس قلبي بقسوة.. وشوق الماضي يمتزج مع حقيقة اللحظة..
تذكرت بمرارة تلك الأيام الجميلة وكيف تحطمت حياتي عندما تركتني بلا تفسير..
أما الغضب فهو يحمل معه طعم مرير من الخيبة.. كيف يمكن لشخص كنتُ
أُفكر في مستقبل مُشرق معها أن تبتعد عني بهذه الطريقة؟.. هل كانت كل تلك الذكريات
مجرد أوهام؟.. لكن لا.. ليست أوهام.. فالألم والوجع الذي أعيشه الآن في قلبي وفي
كياني والذي عشتهما لفترة خمس سنوات مريرة يؤكدان لي بأنها ليست أوهام..
تشكلت على وجهي ابتسامة حزينة وخبيثة ومُرحبة.. فأنا أخيرًا وجدت ما
طالما بحثت عنه.. وجدتُها على بُعد شارعين فقط من محل المجوهرات الذي أمتلكه.. بينما
تتراقص مشاعري في داخلي.. تركني الشوق أتأملها بعيون مليئة بالحنين والشغف.. ولكن
أيضًا تنمو في داخلي نيران الغضب الذي اشتعل منذ اختفائها قبل خمس سنوات..
وقفت بسرعة وأخرجت ورقة نقدية ورميتها على الطاولة قبل حتى أن يجلب
النادل لي طلبيتي.. وخرجت بسرعة من المقهى واتصلت برجالي ليأتوا..
خمس سنوات قلبت الدنيا عليها وهي على بُعد شارعين مني فقط.. غضب هائل
تملكني.. لن أرحمها.. أخيرا وجدتها لتلك الفاسقة..
ست ساعات مضت وأنا أجلس في سيارتي أُراقب تلك القذرة تضحك بسعادة مع
الموظفين والزبائن.. كنتُ أراقبها بنظرات حاقدة..
وعندما رأيتها تخرج من المقهى أخيراً.. ابتسمت بخبث وهمست بحقد أعمى
" اقتربت نهايتكِ غابرييلا بلوم "
رأيتُها تمشي في الشارع المظلم.. وفوراً ترجلت من السيارة وأمرت
حُراسي بأن ينتظروني ويراقبوا المكان جيداً.. تبعتُها بهدوء حتى لا تُلاحظني
ورأيتُها تدخل إلى مبنى قديم..
تبعتُها بسرعة ودخلت إلى ذلك المبنى.. نظرت في الأرجاء ولم أجد مصعد
كهربائي.. نظرت أمامي ورأيتها وهي تصعد منهكة على السلالم..
ركضت بخفة وبدأت أصعد تلك الدرجات الكثيرة حتى وصلت أخيراً إلى الطابق
السادس.. كانت غابرييلا تفتح باب شقتها عندما شعرت بي وأنا أقف خلفها.. تملكها
الخوف بالكامل ولم تستدر بل فتحت الباب بسرعة ودخلت وحاولت إغلاق الباب بعنف لكنني
وضعت قدمي لمنعها من ذلك وفتحت الباب بعنف وأغلقته خلفي بقوة.. لأنظر إليها وأراها
ترتعد من الصدمة والخوف وترتجف كمن أصابته حمى مفاجئة
" مــ.. ماكــ... ماكس؟... "
همست غابرييلا باسمي بتلعثم وبفزعٍ كبير.. ولكن فجأة رأيت جسدها يترنح..
اقتربت منها بسرعة وأمسكت كتفيها بإحكام لأمنع وقوعها.. ولكنها فقدت الوعي بين ذراعاي..
ابتسمت بخبث بينما كنتُ أنظر إلى وجهها الشاحب.. أملت رأسي جانباً وهمست
بحقد
" نعم غابي.. إنه أنا ماكس.. أخيراً وجدتكِ.. ولن تتخيلي ما
سأفعلهُ بكِ.. ولكن منذ هذه اللحظة أصبحت كابوسكِ المُرعب حلوتي "
حملتها وخرجت من شقتها الحقيرة تلك ومن المبنى دون أن يراني أحد.. جلست
في المقعد الخلفي داخل سيارتي وحضنت جسد غابرييلا الصغير.. وأمرت رجالي بتوصيلي
إلى قصري ثم إرسال غابرييلا إلى مزرعة آرثر.. فهي لن تستطيع الهروب من المزرعة مهما
حاولت..
قررت عدم جلبها إلى أي مكان أمتلكهُ.. فأنا لن أُخاطر وأدع أفراد عائلتي
يكتشفون بأنني وجدت غابرييلا.. ولا أريد لعائلتي أن يعرفوا بأنني لم أنساها وأنوي الانتقام منها...
أريد أن أنتقم منها بهدوء وعلى راحتي.. أريد جعلها تدفع الثمن غاليا لأنها
أحرقتني وأنا وحي...
العودة إلى الحاضر**
ابتسمت بغرور وبراحة.. فبعد أن تذكرت ما حصل قررت الذهاب إلى
المزرعة.. من اليوم سأجعل حياتها جحيم لا يُحتمل..
استيقظت باكرا اليوم لأذهب إلى مكتبي وأرى سير العمل والطلبات..
وبعدها سأذهب إلى المزرعة لأرى تلك اللعينة غابرييلا...
غابرييلا بلوم**
في الصباح الباكر.. داخل شقة غابرييلا المتواضعة في المبنى القديم.. انعكست
ضوء الشمس الخجول في غرفة نومها المتواضعة.. كانت الجدران البيضاء تعكس النور بلطف..
والهدوء يخيم على المكان..
نهضت غابرييلا من سريرها ببطء.. وهي تتثاءب وتحاول إزالة النوم من
عينيها بعد ليلة قضتها في تفكير عميق ومضطرب..
استحمت بالماء البارد لينعشها ويجعلها تستيقظ.. ثم ارتدت ملابسها
وابتسمت قليلاً لنفسها في المرآة البالية.. توجهت إلى المطبخ الصغير حيث بدأت بتجهيز
وجبة فطورها.. سلقت بيضتين وقطعت الخبز والجبن برعاية.. بينما تدخلت ذاكرتها في
أفكار ماضيها..
ومثل عادتها.. بينما كانت تضع طبقها على الطاولة الصغيرة.. تذكرت بألم
وبحزن حبيبها ماكس باين.. ذلك الرجل الذي كان جزءًا لا يتجزأ من حياتها.. والذي
ترك بصمة عميقة في قلبها.. كل حركة.. كل نكهة.. كل نفس كانت تقوم به تُذكرها بهِ
بشدة..
أثناء تناولها للفطور.. زاد الحنين إلى ماضيها الذي تبدو ذكرياته
مؤلمة في الوقت الحالي.. بل الماضي لطالما ألمها وبقوة..
تذكرت بألم حبيبها الوحيد ماكس باين.. وكيف كانت تتشارك معه لحظاتها..
وتعيش لأجله.. غمرتها ذكريات يوم زفافها بالحنين والألم.. ذلك اليوم الذي غير مجرى
حياتها إلى الأبد.. حين اضطرت لاتخاذ قرار صعب جداً وترك الرجل الذي أحبته في
مأساة عاطفية تبدو كالجرح الذي لن يلتئم أبداً..
لامست عينيها آثار الدموع وهي تفكر في ذلك اليوم المؤلم.. وبينما
تستمر في تناول وجبتها.. لم تستطع غابرييلا إلا أن تبكي بتعاسة.. كل دمعة كانت
تحمل معها شعورًا بالفقدان والحنين.. كانت تشعر وكأنها تعيش تلك اللحظات من جديد..
وتتذوق مرارة تلك الذكريات..
ابتسمت بحزن بينما كنتُ أتذكر كيف تعرفت على ماكس.. كنتُ في سنتي
الأولى في الجامعة المرموقة هارفي.. اخترت اختصاصي في إدارة الأعمال.. ودخلت تلك
الجامعة بمنحة دراسية.. فعائلتي فقيرة ولم يكن باستطاعة والدي إدخالي إلى تلك
الجامعة لو لم أحصل على تلك المنحة..
كنتُ خجولة ولا أمتلك أصدقاء.. كان جميع الطلاب يتجنبونني كأنني وباء
بسبب ملابسي العادية ولأنني لستُ من عائلة ثرية..
ولكن بعد مرور شهرين.. تعرفت بالصدفة على الطالب الأكثر شعبية والمُجتهد
ماكس باين.. والذي كان في سنتهِ الأخيرة لنيل الدكتورة بإدارة الأعمال..
في البداية ظننت نفسي أحلم عندما رأيت ماكس باين يجلس بجانبي على
الطاولة أثناء فترة الغداء.. أتذكر جيداً كيف أصابني البُكم بينما كنتُ أتأملهُ بذهولٍ
شديد وهو يجلس أمامي ويبتسم برقة..
تكلمت معه بخجل.. وبالكاد تفوهت بعدة كلمات أمامه.. وعندما قرع الجرس لبدء المُحاضرات وقف وسلمني ورقة برقم هاتفه وطلب مني أن أتصل به..
بالطبع تخلصت من الورقة.. ظننت بأنه يريد تمضية وقت ممتع معي فقط ثم
يرميني جانبا عندما يشعر بالملل مني..
ولكن ماكس فاق كل توقعاتي عنه.. لفترة شهرين لم يتوقف عن مفاجأتي
بحنانه ورقة قلبه واحترامه.. وأنا وقعت في عشقهِ بسرعة..
ست سنوات مضت على حُبنا الأسطوري.. ست سنوات تابعت بها دراستي بينما ماكس
كان يعمل بجد وبنشاط حتى أصبح من أثرى أثرياء البلد..
وعندما تخرجت طلب يدي للزواج منه ووافقت بسرعة.. كيف لي أن لا أوافق
وأنا أعشقهُ بجنون..
ولكن الأكثر مرارة في ذكرياتي كان يوم زفافنا.. عندما اضطررت لعدم
الذهاب إلى الكنيسة وترك حبيبي إلى الأبد رغماً عني.. كان قرار جداً مؤلم.. اضطررت لاتخاذه رغما عني
وبالقوة..
وعندما انتهيت من تناول وجبة الفطور وضعت الطبق في الحوض الصغير
وغسلته..
وقفت وأسندت رأسي على الحائط وتركت دموعي تتساقط برفق على وجنتي.. استرجعت
في ذاكرتي تلك الذكريات الأليمة.. شعرت بألم وبحزن عميق يملأ قلبي..
حيث استمريت في البكاء بمرارة أُعبر عن تعاسة الماضي وخيباته..
وبعد وقتٍ طويل نظرت إلى الساعة.. علمت أنه حان وقت الانطلاق إلى عملي
في المقهى القريب.. والذي يبدأ من الساعة الرابعة بعد الظهر وينتهي في الساعة
العاشرة ليلا..
غادرت شقتي المتواضعة بالأمل والشجاعة لمواجهة ما قد يأتي من تحديات
وذكريات قاسية لي.. ودخلت إلى المقهى على أتم استعداد لبدء عملي مثل كل يوم..
وعندما أصبحت الساعة العاشرة ليلا.. قمت بتوديع زملائي في العمل وخرجت
من المقهى ودخلت إلى المبنى المجاور الذي أسكن به..
شعرت بأن هناك أحد يتبعني.. انتابني الخوف العميق وبدأت أصعد السلالم
بخطوات سريعة.. فتحت الباب ودخلت إلى شقتي.. وما أن حاولت إغلاق الباب بسرعة حتى
رأيت بذعر قدم تُعيق انغلاق الباب وتم فتحهُ على مصراعيه..
وبذعرٍ شديد رأيت آخر شخص توقعت أن أراه مرة أخرى في حياتي يقف أمامي
وهو يتأملني بنظرات أرعبتني لدرجة الموت..
ارتعش جسدي بعنف.. وقلبي كاد أن ينفجر من الذعر والخوف.. لم أستطع
تحمُل رؤية ماكس أمامي..
شعرت بـ شفتاي تلفظ اسمه بذعرٍ شديد.. وبعدها أغلقت عيناي وذهبت داخل
ذلك النفق الأسود...
استيقظت على صوت زقزقت العصافير.. فتحت عيوني بينما كنتُ أفكر بتعجُب..
صوت زقزقة العصافير في المدينة؟.. مستحيل!..
أغمضت عيوني وسالت دموعي بكثرة.. وضعت يدي على رأسي وأنا أشتم.. متى
سأتوقف عن الحلم به؟.. لقد حلمت أنني رأيت ماكس.. حلمت بأنهُ وجدني ودخل إلى شقتي
ووقف أمامي..
تبا يجب أن أنساه.. لقد مضى زمن على تركي له.. وذلك غصبا عني.. فتحت
عيوني ونظرت حولي..
انتفضت بعنف وجلست بسرعة على السرير أنظر حولي بفزعٍ شديد.. فقد رأيت
نفسي داخل غرفة غريبة أكثر من رائعة وفخمة جداً..
شبكت يداي ببعضها وأنا أرتجف بخوف.. أين أنا؟.. مستحيل!!.. هل من
الممكن أنه وجدني ولم أكن أحلم؟..
شهقت بقوة ونظرت أمامي بفزع
وهمست بخوف أحرق أحشائي
" لا!.. لا!.. لا لا لا لا... مستحيل!!.. "
نهضت ووقفت لأنظر بضياع حولي وأرتجف من تلك الفكرة... نظرت إلى مرآة
كبيرة أمامي ورأيت نفسي ما زلتُ أرتدي ملابسي..
بدأت بالبكاء وجلست على ركبتاي وأنا أخبط يداي على الأرض بقهر.. إذ
أيقنت أنه وجدني.. ماكس وجدني وخطفني.. إلهي ماذا سيفعل بي؟..
انتحبت بقوة وصرخت بحرقة
" ساعدني إلهي.. دعه يكون حُلماً.. أتوسل إليك.. لا تسمح له بأن
يجدني.. أنا أحلم.. هذا حُلم.. مُجرد حُلم "
وضعت يدي على عيوني وبكيت بحرقة.. خمس سنوات هربت منه كي لا يجدني
وابتعدت عن أهلي ولم أتواصل معهم لأنني كنتُ أعلم بأن والدي بمبلغ صغير من المال
سيخبر ماكس عن مكاني.. وأمي بصفعة واحدة من والدي ستخبره عن مكاني لو علمت به..
لذلك ابتعدت مُرغمة عن عائلتي ولم أتواصل معهم طيلة هذه السنوات..
كنت أعمل بالقرب من محل ماكس الرئيسي.. وأتسلل في كل يوم صباحا كي
أراه من بعيد ولو لثواني.. كي أطفئ نار شوقي له برؤيته ولو للمحة صغيرة..
كنت أتخذ حزري كي لا ينتبه لي هو وحراسه.. فأنا لم أعشق غيره طيلة
عمري... هو فارس أحلامي.. هو ملاكي الخاص.. هو حبيب قلبي..
ليته يعرف ما فعلوه بي كي أتخلى عنه في نهار زفافنا.. ولكنه لن
يصدقني.. لن يفعل بالتأكيد..
مسحت دموعي وقررت أن أواجهه ببرود تام عندما يأتي.. فهو لا يجب أن
يعرف ما حصل منذ خمس سنوات.. وإلا قتلوا شقيقتي الصغيرة شانتال.. لن أسمح لهم
بأذيتها مجددا.. لن أسمح لهم بفعل ذلك.. أُفضل الموت على يدين حبيبي ماكس على أن
أسمح لهم بلمس شعرة واحدة من رأس شقيقتي...
شكرا ياقلبي ❤❤❤❤❤
ردحذفحياتي أنتِ
حذفجميله اوي متشوقه للمزيد
ردحذفتسلمي يا قلبي
حذفتسلم ايدك ❤️❤️.
ردحذفالله يسلمك حبيبتي
حذفحبيت جداً قصة ماكس وغابرييلا، واسمائهم تجنن، ويالله ان بكره الي يقفوا امام الحب الحقيقي لأسباب تافهه مثلهم وعقولهم، بس بالاخير لازم حبهم يتجاوز هل الاختبار... متشوقة للقادم❤️❤️❤️
ردحذفتسلمي حبيبتي
حذفشكرا لأنكِ أحببتِ البارت والثنائي الجديد في الرواية