أنتِ السبب
سيزار غران**
دخل السيناتور سيزار غران إلى مكتبه الفخم في الطابق العلوي من مبنى
شركته العالمية للعقارات.. وكانت ابنته لين تتبعه بخطى هادئة.. كانت النافذة
المطلة على المدينة تتيح النظر لأبعد مدى.. ولكن لم يكن للسيناتور سيزار أي فرصة للاستمتاع
بالمشهد الجميل.. فلديه اجتماع مهم بعد دقائق مع مُدراء شركتهِ العالمية..
جلست على الكُرسي خلف مكتبي ونظرت بحنان وأنا ابتسم برقة إلى ابنتي
الكبرى لين..
وقفت لين أمامي وقالت بجدية كعادتها
" أبي.. بعد ربع ساعة لدينا اجتماع هام مع مُدراء الشركة.. ثم
بعد ساعة لديك اجتماع مع شركة مايلي العقارية.. من أجل الاتفاق على بيع شركتهم
لك.. ثم لدينا غداء عمل في الساعة لواحدة مع... "
قاطعتُها بحنان قائلا
" أعلم ابنتي.. اجلسي أولا وأخبريني عن حفيدتي الجميلة صوفي.. هل
أحبت هديتي لها في الأمس؟ "
ابتسمت لين برقة وهي تجلس على الكُرسي أمام مكتبي وقالت بحنان
" أحبت طفلتي الدمية ليلي كثيراً.. أنتَ والدي تقوم بتدليل ابنتي
أكثر مني.. بدأت أشعر بالغيرة منها "
قهقهت برقة وأجبتُها بعاطفة
" دائماً الأحفاد يسرقون قلوب أجدادهم.. خاصةً صوفي الصغيرة..
فهي تُشبه خالتها سولينا كثيراً "
رأيت بحزن عيون لين تتجمد على وجهي واختفت ابتسامتها بسرعة عندما لفظت
باسم ابنتي الحبيبة سولينا..
شعرت بالحزن الشديد عندما قالت لين بحدة
" ابنتي لا تُشبه خالتها بشيء "
نظرت إلى لين بحزن وسألتُها
" لماذا أحيانا كثيرة أشعر بأنكِ لا تُحبين شقيقتكِ سولينا؟..
"
توسعت عيون لين بذهول ولكنني تابعت بحزن قائلا
" لين.. ابنتي.. سولينا هي شقيقتكِ الصغيرة.. لا تُبعديها عنكِ
وعن قلبكِ.. حاولي التقرب منها أكثر.. سولينا تحبكِ بجنون.. هل تظنين بأنني لم
أُلاحظ معاملتكِ القاسية لها؟.. لاحظتُها يا ابنتي وهذا ما يؤلم قلبي.. سولينا لا
ذنب لها بموت زوجتي.. كان قرار والدتكِ أن تحتفظ بها.. وأنا لم أستطع المُعارضة
على قرارها "
تجمدت ملامح لين وتأملتني بنظرات جامدة وباردة أحزنتني.. تنهدت بعمق
وتابعت بحزنٍ دفين قائلا
" حزنت وتأملت كثيراً عندما توفيت زوجتي.. ولكنها تركت لنا
سولينا.. أمكِ كانت ستموت حتى لو لم تحمل بـ سولينا.. فقلبها كان ضعيف ولم يكن
باستطاعتنا إجراء عملية زرع قلب لها.. لذلك لا تلومي شقيقتكِ على وفاة والدتكِ..
فذلك يحزنني جداً ويُحزن سولينا كثيراً "
تأملتني لين بنظرات غاضبة وقالت بحقدة
" هل أخبرتك سولينا عن كــ.. "
قاطعتُها بحزن قائلا
" لا.. سولينا لم تتفوه بحرفٍ واحدٍ ضدكِ.. ولم تُخبرني عن
معاملتكِ القاسية لها.. لكنني أب.. ورأيت بحزن ولفترة طويلة طريقة معاملتكِ
لشقيقتكِ الصغيرة الباردة.. وحاولت كثيراً جعلكِ تتغيرين.. لكنكِ لم تفعلي.. لن
أسمح لكِ بعد اليوم بإحزانها.. في حفلة عيد ميلاد سولينا رأيتكِ تتكلمين مع شقيقتكِ
و..... "
توقفت عن التكلم عندما رن الهاتف الداخلي على مكتبي.. رفعت السماعة
وسمعت سكرتيرتي جوانا تُخبرني بأن ضابط ريتشارد مانول يرغب برؤيتي شخصياً الآن
لأمر ضروري..
شعرت بالتعجُب بسبب حضور صديقي الضابط مانول إلى شركتي ورغبتهِ
المُلحة لرؤيتي.. فطلبت منها إدخاله وبسرعة..
نظرت إلى ابنتي لين وقلتُ لها بجدية
" سوف نتابع حديثنا هذا لاحقاً.. صديقي الضابط مانول هنا ويرغب
برؤيتي لأمر ضروري "
تنفست لين براحة ثم كتفت يديها ونظرت بعدم اهتمام أمامها..
نظرت إليها بحزن.. تصرفاتها تؤلمني جداً.. ولكن لن أسمح لها بعد اليوم
بأذية ابنتي الملاك سولينا..
دخل الضابط مانول إلى مكتبي.. وبعد أن تصافحنا جلس أمام مكتبي وتأملني
بنظرات متوترة.. وقال بنبرة حزينة
" سيناتور غران.. أعتقد أنه يجب أن تعلم أنه تم القبض على
ابنتك سولينا غران بتهمة المتاجرة بالمخدرات منذ قليل في الجامعة.. لقد وجدوا عناصر الشرطة كمية كبيرة من
الممنوعات داخل خزانتها الخاصة في الجامعة.. للأسف لا يوجد كاميرات مراقبة في غرفة
خزائن الطلاب.. لذلك التهمة ثابتة عليها بحيازة المخدرات وبغية بيعها للطلاب
"
ارتعش جسدي بقوة عندما سمعت ما تفوه به صديقي مانول.. تعرق جسدي
بكامله وقلبي ألمني بقوة داخل قفصي الصدري..
لا أعرف كيف وقفت وأنا أُثبت ثقلي على سطح مكتبي.. وقفت بينما جسدي
كان يترنح ووجهي أصابه الشحوب التام.. ارتعش فكي بقوة وهمست بخوفٍ شديد
" سولينا.. ابنتي... "
شعرت بألمٍ شديد لم أستطع أن أتحملهُ في قلبي.. فرفعت يدي اليمنى
ووضعتُها على قلبي بينما كل خلية في جسدي كانت ترتعش..
لم تكن هناك كلمات تناسب هذا الخبر الصادم للسيناتور سيزار.. ظلت لين تراقب والدها بقلق حتى شعرت بأن مصيره قد تغير تمامًا في هذه اللحظة.. حاولت لين ترك تلك الكرسي والاندفاع نحو والدها.. لكن قواها فقدتها عندما شاهدته يرتجف ويحاول التوازن وهو يقف..
في لحظة من الفزع.. بدأت نبضات قلبي تتسارع وتتسارع بشكلٍ مُخيف.. وكنتُ أحاول أن أستنشق الهواء بشكل متقطع.. شعرت بجسدي يميل إلى الخلف.. وقبل أن أسقط على الأرض همست بوجعٍ
كبير
" ابنتي.. سولينا.. ملاكي... "
سقطت بقوة على الأرض.. وشعرت بالدموع تتساقط بغزاة من عيني.. وسمعت
صرخة ابنتي لين
" أبي!.. لاااااااااااااااااااااااااااااااااا!...."
صرخت لين بينما اندفعت نحو والدها.. لكنها كانت بعيدة جداً عنه..
سقط سيزار على الأرض بقوة.. كانت عينيه تغوص في ظلام اللاوعي.. اندفعت لين بقوة وأمسكت بيده بينما كانت تبكي بحرقة وتصرخ
" أبي.. أنا هنا!.. ضابط مانول.. اتصل بالإسعاف بسرعة.. أبي..
أرجوك.. هل تسمعني.. أنا هنا.. "
صرخت لين وهي تحتضن رأس والدها سيزار بكلتا يديها وتبكي بمرارة.. أما الضابط
مانول اتصل بالإسعاف وجلس قرفصاء أمام جسد السيناتور وهتف بحدة على لين
" أزيلي ربطة عنقه وفُكي أزرار قميصه بسرعة.. رجال الإسعاف قادمون بسرعة.. لا تخافي.. السيناتور يتنفس "
كنتُ أستطيع سماع أصوات صرخاتهم وبكاء لين المرير.. ولكن عقلي وقلبي و
روحي كانوا مع صغيرتي سولينا..
شعرت بأنفاسي تنسحب تدريجياً.. ودمعة ساخنة حزينة سالت من عيني قبل أن
ألفظ أخر كلمة وأذهب إلى عالم الظلمات
" ابنتي.. بريئة.... "
ولم يسمع سيزار ابنتهُ لين تصرخ باسمهِ بجنون وهي تحتضن جسدهُ.. ولم
يسمع لين تتوعد بالجحيم لشقيقتها سولينا بينما كان المسعفون يحملون جسدهُ وينقلون
إلى المستشفى..
ولم يكن السيناتور سيزار غران يعرف ما ينتظر ابنتهُ سولينا من ظلم..
سولينا**
القاعة مليئة بالصمت القاتل.. كانت الأصوات تهدأ تدريجياً كلما اقتربت اللحظة المُرعبة من الإعلان عن الحكم النهائي.. سولينا غران تقف هناك بجوار محاميها.. عيناها ترقبان القاضي بتوتر شديد.. وقلبها ينبض بقوة مضاعفة..
في هذه اللحظة شعرت بأنّ الوقت يمر ببطءٍ شديد.. وكأنني في عالم آخر حيث الزمن توقف عن الحركة.. بدت الثواني كأيام طويلة جداً.. تُزيد من حدة التوتر بداخلي.. حاولت أن أبقى هادئة ولكن القلق والخوف يجتاحان كياني..
كنتُ حزينة جداً.. وخائفة جداً.. ومُرتعبة جداً.. وكنتُ أُنادي والدي
سيزار ليأتي وينتشلني من هذا الكابوس المُرعب والذي أعيشهُ الآن..
رفضت تصديق بأن والدي تخلى عني مثلما تخلى عني الجميع..
رفضت الاستسلام وتصديق بأن والدي الحبيب سيزار تركني بمفردي أواجه هذا الظلم..
الحياة ستسألني عن سبب ابتعاد دموع السماء عنّي.. لكنني لن أكون قادرة على إفصاح عن حقيقة حزني.. فأنا مكبوتة بألمٍ لا يمكن تحمله.. تمزّقت أحلامي وأمانيّ كالقمر في ليلة مظلمة.. ولا أعلم متى ستنقشع الغيوم وتعود لي السماء
الصافية..
والآن بدأ القاضي بالإعلان عن الحُكم القاسي بحقي.. المحامي بجانبي ابتسم لي بتفاؤل وقد حاول جُهده لتثبيت براءتي.. بينما أنا حاولت أن أُظهر ثقتي بنفسي وبأن الحق سينتصر..
نظرت إليه برعب مزق أحشائي وأحرق روحي عندما بدأ في الإعلان عن الحُكم النهائي
بينما يتحدث القاضي بصوت ثابت وبارد.. لا يتذكر أنني إنسانة تنبض بالحياة.. يرتد قلبي داخل صدري كأنه يهرب من الحُكم القاسي الذي سيُصدر بحقّي.. أنظر حولي.. أجد الأوجاع تتعاظم والضغوط تتزايد.. وكأن العالم أجمع يراقبني بعيون متحجّرة..
كانت جامعة هارفي العريقة التي حلمت بدراسة علوم الطبّ فيها.. لأصبح الطبيبة التي تُنقذ الأرواح وتلمّ شمل الجراح.. ولكن الآن.. وبسبب تلك
الجامعة أنا أجلس هنا على مقعد المُتهمة.. تحت أضواء محكمة الظلم.. حيث أنا أنثى بريئة تماماً.. ولكن متّهمة بتهمة لا أعلم ما هو مصدرها.. هل يعلم القاضي حقيقة براءتي؟.. هل تبصر عيناه ذلك النور الذي يشعّ من داخلي؟..
في داخلي أعلم أن العدالة مُغيّبة.. وأنّني قد أصبحت ضحية لمُذكرة لا أعلم عنها شيئا.. هل هي الغيرة على نجاحي؟.. أم هي الكراهية لمن أنا ومن أصبحت عليه؟.. لم يكن لديّ أعداء.. لكن أجد الآن نفسي مُحاطة بالأعداء الذين
يروّجون لأكاذيبٍ وأفعال لم أقلها ولم
أفعلها..
أتمنى لو أنني أستطيع الصراخ.. لكن كلماتي تموت في حلقي.. وصمتي يخنقني.. أنا هنا وحيدة.. محاطة بالظلم والتهمة الكاذبة.. وكأن العالم أجمع يدين لي بالذنب.. أشعر بالعجز عن إثبات براءتي.. وهذا الشعور يقتلني أكثر من أي حكم يمكن أن يُصدر عليّ..
سبع سنوات؟....
طرقت هذه الكلمات أذنيّ.. جعلت جسدي يتخدر بالكامل وانا أقف باهتزاز
في مكاني..
صوت الحكم كان كالصاعقة القوية تضرب قلبي.. وكأنه طعنة حادة اخترقت روحي..
لم أتمكن من تصديق ما سمعته.. كنتُ أرغب في الصراخ ورفض هذا الظلم.. لكن ظللت صامتة ببكاء لم أستطع السيطرة عليه ودموع تنهمر بغزارة على وجنتاي الشاحبتين..
سبع سنوات... سبع سنوات..
كانت الكلمات تردد في أذني كالصدمات الكهربائية.. ولم أستطع استيعاب ما حدث... أنا بريئة.. لم أقم بأي جريمة.. ولكن كيف أصبحت مدانة؟..
في هذه اللحظات القاسية شعرت بأن العدالة الحقيقية انكسرت.. والنظام الذي كان يُفترض أن يحمي الأبرياء فشل في حمايتي..
حُكمتُ لمدة سبع سنوات.. ويبدو أنّ الزمن سيتسلّط عليّ بلا رحمة.. كيف ستكون حياتي في الجحيم؟.. لا أدري!!.. ولكنني أعلم أنّ قلبي لن يستطيع تحمّل الألم
والظلم لفترة طويلة.. أمنيتي الوحيدة أن يظهر الحق والعدالة
قريباً.. ويبسطا يديهما لتحملني بعيداً عن هذا الظلام
المُظلم.. حيث أصبحت النور الذي أفتقده الآن..
بحثت في أرجاء القاعة بعيني الدامعتان عن مساعدة.. ولكن الأشخاص الذين حولي يظهرون بلا مشاعر.. والجميع كانوا ينظرون إليّ بحقد وبكراهية
مُخيفة.. شعرت
بالعزلة والضياع في هذا العالم القاسي..
تجاهلت الكلمات التي قيلت عني الآن في قاعة المحكمة.. لأنني أعلم بأنها ليست حقيقية.. أنا بريئة.. وسوف أظل أصرخ
ببراءتي حتى يُسمع صوتي..
شهقت بقوة وهتفت بهستيرية بينما المُحامي بجانبي كان يحاول مواساتي
" أنا بريئة.. بريئة.. بريئة.. أنا بريئة... "
بكيت بتعاسة وبحرقة قلب ينزف من الوجع.. وكنتُ أتساءل بداخلي بمرارة.. كيف يمكن للقاضي أن يُدينني بدون أدلة واضحة وبدون استماع لقصتي؟.. صحيح وجدوا تلك الأكياس في خزانتي في الجامعة ولكنها ليست
لي..
شعرت بوجع عميق يملأ صدري.. أحسست أن الأرض تتلاشى من أسفل قدماي.. وأن العالم كله يغيب عني..
كانت هذه
اللحظة هي بداية نهايتي.. بداية سجني الطويل والمرير الذي سأعيش فيه طيلة السنوات السبع المقبلة..
سمعت بعذاب احتقان همسات الجميع في القاعة عني وكلماتهم السيئة عني.. عيون الجميع كانت تراقبني بلا تعاطف.. لكن كنتُ مكبوتة بالألم والحزن الذي ينتظر فرصة ليخرج
من كياني.. لم أكن قادرة على الرد.. فالكلمات غير موجودة في قاموسي حالياً..
أعلن القاضي انتهاء الجلسة.. وأمر رجال الشرطة بإخراجي من القاعة... وسرعان ما أمسكتني شرطية بيدها وقبل أن نتحرك وقف أمامي آرثر
جيانو بأعين يتطاير منها الشرر وقال بحقدٍ مُخيف
" لقد تم تبرئتك بأنكِ لستِ السبب بقتلها.. لكنني أعدكِ سأجعل
حياتكِ جحيماً في السجن وخاصة بعد خروجكِ منه.. تحضري للقادم.. فهو أسوأ "
ارتعش جسدي بقوة بسبب كلماتهِ المُرعبة لي.. ابتسم بخبث ثم نظر إليّ
بنظرات باردة
وتابع باستهزاء قائلا
" بالمناسبة تعازي الحارة لكِ أيضا "
واستدار وغادر القاعة برفقة المُحامين.. بينما أنا كنتُ أقف في مكاني
بصدمة من جراء كلامه.. ما قصده؟.. بمن يعزيني؟!.. من مات؟!..
بعدها أخرجوني من المحكمة.. كانت الشرطة قد أبعدت الصحافيين من أمام
المحكمة ولكنني لم أبالي كان كل همي وتفكيري منحصر بأخر كلمات آرثر جيانو لي..
كنت أبكي وأرتجف.. كنت خائفة جدا.. سيتم سجني سبع سنوات ظلما.. و
آرثر ذلك المُخيف ما الذي قصده؟؟.. من مات؟؟..
لم أشعر بالوقت إلى أن أدخلوني إلى سجن النساء وأنا واقعة بصدمة شديدة من جراء
الحكم وكلمات آرثر جيانو الأخيرة لي..
تمّ تسليمي رداء السجن البرتقالي.. وأُجبرت على ارتداء زي السجن
البسيط.. ولكن الألوان الساطعة فيه لم تعكس إلا حُزني الداكن ويأسي الكبير..
وبعد ان ارتديته أدخلوني
زنزانة لونها رمادي مثل قضبانها.. و بها دورة للمياه وسرير ضيق بالكاد
يساعني..
جلست على السرير وأنا ضائعة.. أشعر أنني داخل كابوس لم أستيقظ منه
بعد.. أنا قلقة وجدا على والدي.. أين هو؟!.. لماذا تركني في أصعب أيام حياتي...
بكيت بخوف.. بكيت بحزن.. بكيت بتعاسة بينما كنتُ أستعيد ذكرياتي
الجميلة في الجامعة.. ذلك المكان الذي كان يضم أحلامي وطموحاتي.. كنتُ دائمًا أؤمن
بقوة العدالة وبأن الحق سينتصر في النهاية.. لكن ما حدث معي زرع الشك في داخلي.. قد
يكون العالم قاسٍ ومليء بالتناقضات.. لكن لم أكن أتوقع أن أواجه هذا الظلم في
مكانٍ كنتُ أعتبره آمنًا ومثيرًا للطموحات..
وبينما أتساءل بداخلي بذهول.. يعود ذلك الشعور بالقهر ليجتاح قلبي مرة
أخرى.. حاولت أن أتماسك وأُظهر قوة خارجية لكن الآهات تختنق في حلقي.. تُعاودني الأفكار
تلو الأفكار.. كيف سأواجه هذه السنوات الطويلة وأنا بريئة؟.. كيف سأجد طريقي
للحياة خلف القضبان؟.. والأهم.. أين هو والدي الحبيب سيزار؟...
الذكريات تتلاشى أمام عيناي.. وتحول الحنين إلى حرقة والحزن العميق..
هل يمكن للماضي أن يعود ويغير مجرى الأحداث؟.. هل سأحصل على فرصة أخيرة لأثبت
براءتي؟.. هل سيأتي والدي سيزار ويُخرجني من هنا؟.. كل هذه الأسئلة تقتحم عقلي
وتزيد من ثقل الظلام الذي يكتنف روحي وكياني..
شعرت بالوحدة والهموم تُحاصرني.. أطلقت صرخة بينما كنتُ أستلقي على
السرير البارد.. صرخة تعبر عن مدى جُرحي والظلم الذي تعرضت له.. وعن انكساري الذي
لم يُخلف أملًا للتماسك..
تجلس سولينا على السرير البارد في زنزانتها الضيقة.. تحتضن ركبتيها
وتخفي وجهها بين قبضتيها.. تنفجر بالبكاء بصمت.. يأتي الصوت الخافت ليتسرب من بين
شفتيها المرتجفة.. تشعر بالظلم يسحقها والألم يعصف بروحها.. وتعلم أنه لا يوجد من
يسمع بدموعها الحارة ومحاولتها اليائسة لإثبات براءتها..
أمضيت ليلتي الأولى في السجن بالبكاء والاستنجاد بأبي لينقذني من ما
أنا فيه...
في الصباح أيقظونا لنغتسل ونذهب بعدها إلى القاعة لنتناول الفطور..
كنت أُنفذ ما أؤمر به بخوف.. وفي وقت الظهيرة دخلت حارسة إلى زنزانتي وقالت بحدة
" أنتِ.. أيتُها السجينة.. لديكِ زيارة.. بسرعة قفي "
وقفت بسرعة فأمسكت بيدي وأخذتني إلى غرفة بها زجاج فاصل وبوسطها
العديد من الكراسي..
أجلستني على كرسي وقالت لي بحدة أنه يجب أن أستخدم السماعات للتحدث
وذهبت.. ابتسمت بتوتر بينما كنتُ أفرك يداي ببعضها..
نظرت أمامي بلهفة وهمست بحماس
" إنهُ أبي بالتأكيد.. أتى لرؤيتي.. سوف يُخرجني من هنا.. سوف
يحميني من الجميع.. أبي حبيبي.. أحبك جدااااااااااا... "
تفاجأت
لرؤيتي لها بدلا عن والدي ولكن مع ذلك وقفت بسرعة وبدأت بالبكاء بسعادة لدى رؤيتي
لها.. ووضعت كلتا يداي على الزجاج وأنا أهتف باسمها بسعادة وبشوق
" لين.. لين حبيبتي.. أخيرا أتيتِ "
جلست لين ببرود على الكرسي المقابل لي خلف الزجاج الفاصل وأمسكت بالسماعة..
جلست وفعلت مثلها.. كانت ملابسها سوداء بالكامل وهذا أرعبني.. ونظراتها أخافتني
أكثر.. كانت تنظر باحتقار نحوي..
بلعت ريقي بقوة ووضعت السماعة على أذني.. وهنا سمعت لين تقول بنبرة
كارهة وغاضبة
" ما الذي فعلتهِ بنفسكِ وبنا سولينا؟.. هل هذا هو جزاء أبي الذي
ضحى بالكثير من أجلنا وخاصةً من أجلكِ؟.. عندما علم والدي بالخبر وأنكِ مُحتجزة
بتهمة حيازة وترويج للمخدرات.. لم يتحمل قلبه.. وأدخلناه إلى المستشفى بحالة
حرجة.. أسبوع كامل كان بالعناية المشددة ولكنه في الأمس استسلم ومات بسببكِ يا
لعينة "
فتحت فمي من هول الصدمة.. وكل عصب في جسدي ارتعش بقوة.. تساقطت دموعي
على وجنتاي دون أن أشعر بها بينما كنتُ أفكر بذعر.. لا!.. لا!.. لا!.. لا... حتما
لين تمزح معي.. حتما هي تمزح.. لا.. أبي بخير.. إنها تكذب.. مستحيل.. أبي لن يرحل
ويتركني مستحيل..
وبخوف مزق قلبي أكملت لين حديثها السام والمؤلم لي
" لقد مرغتِ اسم عائلتنا بالوحل.. لقد خسرنا الشركات والممتلكات
كلها بظرف خمسة أيام.. فأسهمنا أصبحت بالحديد.. اضطررت لبيعها بأبخس سعرٍ لرجل
الأعمال آرثر جيانو.. فلم يقبل أحد بشرائها غيره.. وبسببكِ وبسبب فجوركِ خسر أبي
شعبيته في مجلس الشيوخ وفي عالم الأعمال بسبب فضيحة ابنته المستهترة.. و خسر حياته
بعدها.. خسرها.. خسرها بسببكِ يا لعينة.. لقد رحل والدي وأنتِ السبب..."
شعرت بأنفاسي تنقطع.. شعرت بأنني أختنق.. كنتُ واقعة تحت تأثير صدمة
لا مثيل لها.. وبعذاب دمر روحي وكياني سمعت لين تتابع قائلة بحقدٍ مُخيف
" لقد كنتُ في دفن والدي منذ قليل.. ولم يأتي أحدا للتعزية به..
بسببكِ يا حقيرة "
ارتجفت شفتي بشدة بينما كنتُ أنظر بعينين دامعتين خاويتين إلى عمق
عيني لين الباردتين.. نظرت إليها برجاء حتى تُكذب ما قالته لي على الأقل.. لكن
بدلا من ذلك تمكنت من رؤية حزنا و عجزا كبيرا فيهما واحتقار كبير لي و لكني
لم أرى ما وددت حقا.. أن تنكر كل ما قالته لي الأن..
مشاعري المشتتة المتلاطمة داخلي كأمواج بحر هائج جعلتني أفقد السيطرة
على نفسي لأصرخ بهياج و قسوة ممتزجة بالخذلان
" لا!.. لااااااااااااااااااا.. هذا غير صحيح.. أبي لم يمُت... لاااااااااااااااااااااااااااااااا...
أنتِ تكذبين "
كنتُ ألهث و أنشج بقوة و دموعي لا تتوقف عن الانهمار بينما كانت لين
جامدة و باردة كالصقيع و كأن الكلام لا يعنيها ولا يمت لها بصلة.. تأملتني بحقارة
قبل أن تقول
" مثلما كنتِ السبب بمقتل والدتي.. أنتِ السبب أيضا بموت والدي
وخسارتنا لكل شيء.. أنتِ لستِ سوى أنانية.. قذرة.. مُحبة لذاتها فقط.. لطالما
كرهتكِ.. لقد كنتِ السبب برحيل أمي عني وكنتِ السبب بإبعاد والدي عني.. لقد أصبحتِ
عالمه واهتم بكِ وأحبكِ أكثر مني.. أكرهكِ وبشدة.. أنتِ لستِ شقيقتي.. أنتِ لا شيء
بالنسبة لي.. لم يبقى لنا شيء الأن.. حتى سيارتكِ الجديدة التي أهداها لكِ والدي
لم تعد لكِ.. حتى السيدة آني نانا الخاصة بكِ دخلت إلى المستشفى بعد معرفتها
بالخبر واضطررت للتكلم مع ابنها ليأخذها للمنزل.. فهي كانت متعبة وجدا.. وبعد سماع
ابنها بالخبر أتى مسرعا ليبعدها عن منزلنا"
تطلعت لين إليّ بشفقة قبل أن تقول بصوت قوي يحمل الكثير من الحقد
" بسببكِ لم يعد أحد يريد التعامل معي أو مع زوجي ليون.. بسببكِ..
أنا مسافرة اليوم برفقة زوجي وابنتي خارج البلد وإلى الأبد.. أتمنى أن تتعفني هنا
لبقية حياتكِ في السجن وخارجه "
تلكأت على أخر الحروف الأخيرة و هي تنظر إليّ بنظرة ذات مغزى...
راقبتها وهي تضع السماعة ببرود وتقف على مهل وتخرج من الغرفة حتى من دون أن تقول
لي وداعا..
شعرت بقلبي يعتصر.. شعرت بروحي تحترق.. شعرت بأنني أموت في هذه
اللحظات.. أبي رحل.. أبي حبيب قلبي رحل..
وقفت وأنا أترنح وصرخت من أعماقي حتى أحسست بحبالي الصوتية تقطعت
" لااااااااااااااااااااااااااااا.. أبي سيزار.. حياتي..."
و بدأت هنا أرى السواد يحاوطني ورحبت بسعادة به لأهرب من هذا الواقع
المرير...
أمضت سولينا أسابيعها الأولى في السجن بضياع تنفذ ما عليها فعله وكانت
بالكاد تأكل أو تشرب والدموع لا تفارق عينيها.. لقد تم وضعها بسجن قاسي.. توضع به
أخطر مجرمات البلد..
و آرثر جيانو وفى بوعدهِ لها بعد مرور عدة أسابيع في سجن النساء.. إذ دخلت زنزانتها مجموعة من النساء الخطرات وبدأنا بضربها وركلها
بقوة وقبل ذهابهن أقروا لها أنهم قبضوا من شخص مبلغ كبير من المال ليقوموا بضربها
أسبوعيا..
وهذا كان حالها لمدة ستة أشهر حتى جاء نهار و قاموا بضربها بعنف زائد
فكسروا لها يدها اليسرى وكسروا لها ضلعا ودخلت سولينا بغيبوبة بسبب ضربهم لها بقوة
على رأسها مما استدعى إدارة السجن بنقلها إلى مستشفى خاص وطبعا مع وجود عناصر
للشرطة لحراستها..
كان قد مضى أسبوع على تواجدها في غرفة العناية الفائقة عندما دخل شخص
ووقف أمام سريرها يرى وضعها..
تقدم منها وانحنى ليقبل وجنتها ويقول
" أنا أسف.. لكن يجب أن تعيشي.. فانتقامي لم ينتهي.. لا أريد
الموت لك "
ثم خرج بعدها ليقوم باتصالات مهمة لجعلهم ينقلونها إلى سجن أخف قسوة
عليها ولكي يبعدها عن هؤلاء النساء الخطرات والذين قبلوا بالرشوة التي قدمها عبر
أحد محاميه لضربها..
نعم.. لقد أعماه الانتقام لفعل ذلك...
يا الهي كمية الظلم الذي تعرضت له مؤلم والاكثر إيلاما موت والدها وعدم وجود من يقف بجانبها احيانا الجمال يكون نقمة والسعادة تتحول إلى نقمة حقا ... ولكن متى تصبح البارتات طويلة كما اعتدنا هافن لا تتاخري القصة مشوقة حقا وشكرا لك ❤️🌹🌹🌹❤️❤️❤️
ردحذفتسلمي يا قلبي
حذفوفعلا صحيح ما كتبته أحيانا كثيرة يكون الجمال نقمة
وقريبا ستكون البارتات طويلة يا قلب
يا الله تبدلت حياه سولينا للنقيض و خسرت كل شئ جميل في حياتها 😢
ردحذفالروايه جميله هافن متشوقه لقراءه البارت القادم 🌹🌹🌹
حياتي أنتِ شكرا لكِ
حذفأتمنى أن تعجبكِ الأحداث القادمة
انتبهي يا قلبي الرواية يوجد بها أحداث قاسية جدا ومشوقة ورومانسية
❤️❤️❤️
حذفما أقسى الظلم، وما أقسى الحياة عندما ترمي لنا الأحزان تباعاً... قلبي تألم بشدة لما يحدث مع سولينا... هافن دائماً تتحكمين بمشاعرنا ببراعة... كل الحب🦋🌼
ردحذفلا يوجد أسوأ من الظلم في الحياة
حذفوأشكركِ من قلبي حياتي لأنكِ أحببتِ روايتي
ما كل هذا الحزن والألم الذي تعاني وتتعرض له سولينا 😭😭😭 وموت والدها قد زاد معاناتها أكثر ولم تجد أحد يقف معها ابدا....هل سوف تعيش هكذا حتى تظهر برائتها.
ردحذفتسلم ايدك ❤️❤️.
آسفة للحزن يا قلبي
حذفقد تعيش هكذا حتى تظهر براءتها
سنرى قريبا