" سوف تنفذون أوامري بالتحديد..
ثمانية أيام لعينة مضت ولم نجد الكونت "
نظر الجميع إليه برعب ثم إلى
ألكسندر.. تأملهم بغضب ثم أعاد بصره إلى الخريطة وقال لهم وهو يشير بيده إلى جهة
معينة
" هنا تقع الغابة القريبة من
حدود سيرفالي.. "
ثم أشار بأصبعه السبابة إلى موقع وقال
" وهنا وجدنا جثث الجنود الستة
مع الحقراء قطاع الطرق.. قد يكون من خطف الكونت أخذه إلى جهة قريبة وتحديدا مدينة
سيرفالي التابعة لـ سان مارينو.. سوف نفتش اليوم جميع المنازل القريبة من حدود
الغابة.. وذلك لأننا لم نجد أي أثر للكونت في سان مارينو لذلك سوف نبدأ بالبحث عنه
في سرفالي وأولا في حدودها القريبة من الغابة.. وإن لم نجده سوف نبحث في كامل المنطقة
عنه حتى نجده.. وذلك الملعون لورينزو... "
رفعت نظراتي وحدقت بحدة إلى الجميع
وقلتُ لهم بحقد
" إن وجدوه الجنود واللذين
أمرتهم بالبحث عنه سوف أقتلهُ بيدي.. لا بُد بأنه السبب خلف اختفاء الكونت
بلاكيوس.. كما هناك جنود يقومون حاليا باستجواب الناس في سان مارينو حتى نعلم إن
رأى أي أحد شيئا قد يُفيدنا "
نظرت إلى ألكسندر ورأيته ينظر إلى
الخريطة بحزن.. شعرت بغصة مؤلمة في صدري.. بسبب غبائي تركتُ الكونت يذهب بمفرده
حتى يقتل ذلك النذل... سوف أفعل المستحيل حتى أجده.. أنا يجب أن أجده مهما كلفني
ذلك..
تنهدت بقوة وأمرت الجميع قائلا بحدة
" هيا بنا.. يجب أن نبدأ البحث
فورا.. كلما أسرعنا كلما كان ذلك في صالح الكونت "
خرجوا الجنود من المكتب ورأيت ألكسندر
ينظر إليّ بقلق وقال
" نيكولاس.. هل تظن.. هل تظن
أنه.. أنه.. أنه مات؟!!!!!... "
حدقت بوجهه بصدمة وقلتُ له بغصة
" لا.. بالتأكيد لا.. لا تفكر
بسلبية ألكسندر.. هو بخير أنا متأكد من ذلك.. طالما لا يوجد جثة.. هذا يعني أنه
حيّ يرزق.. هو لم.. لم يمت.. أنا متأكد "
لا أعلم إن كنتُ أقنعهُ بكلماتي أم
أقنع نفسي أكثر.. وتمنيت بشدة أن لا أكون مُخطئ ويكون بلاكيوس بخير.. ابتسم براحة
ألكسندر وأشار لي بالخروج..
كنتُ على ظهر حصاني وبجانبي ألكسندر
وخلفنا أكثر من مائة جندي.. لقد فتشنا ثلاث منازل قرب الحدود ولا أثر لـ بلاكيوس
بهم.. وصلنا أمام منزل منعزل صغير ونظرت إليه بشرود..
" أتمنى أن يكون بلاكيوس هنا
"
همست بأمل وأشرت للجنود بالاقتراب من
المنزل ثم أمرت واحدا منهم قائلا
" سوف تدخل إلى المنزل وتفتشه
بالكامل ولا تخرج إلا عندما تتأكد بأن الكونت ليس موجود بداخله "
ثم نظرت إلى البقية وقلتُ لهم
" إن لم نجده هنا.. سوف نذهب
فورا للتفتيش في المنازل الأخرى "
أجابوني موافقين وما أن اقترب الجنود
من المنزل رأيت امرأة تخرج منه وهي تحمل بين يديها طفل لا يتعدى الخامسة من العمر
ثم أغلقت الباب خلفها واقتربت من الجندي وبدأت تكلمه..
" سيد نيكولاس.. سيد ألكسندر...
"
نظرت إلى الخلف ورأيت أحد الجنود
والذي كان مع الكتيبة التي تسأل الناس في القرية عن أي شيء شاهدوه مريب قد
ينفعنا.. أوقف حصانه أمامي وقال لي بلهفة
" سيدي لدي معلومات خطيرة.. لقد
رأى أحد الفلاحين في نهار الحادث فابيو ميديشي يعود إلى منزله وهو مضرج بالدماء
ومعه سيفه والخوف ظاهر على ملامحه سيدي.. كما أننا وجدنا منزل عشيقة لورينزو سيدي
"
نظرت إليه بصدمة وقلتُ له
" ذلك النذل لديه عشيقة؟!!!...
"
أجابني الجندي بسرعة
" نعم سيدي.. جميع السكان في
شمال سان مارينو قالوا أنهم كانوا يشاهدونه يأتي لزيارتها مرة أو مرتين في كل شهر
"
تجهمت ملامح وجهي وفورا أمرت ألكسندر
قائلا
" ألكسندر.. أريدك أن تذهب مع
نصف الجنود إلى منزل ذلك القذر فابيو.. إن لم تجده خذ فردا من عائلته أسيرا حتى
نجعله يظهر ويتكلم "
ثم التفت ناحية بقية الجنود وأمرتهم
قائلا
" أوقفوا البحث حالا.. سوف نذهب
فورا إلى شمال سان مارينو.. وأنتَ سوف تدلنا على منزل عاهرة ذلك المقرف لورينزو
"
وفورا هتف واحد منهم
" بسرعة أيها الجنود.. السيد
نيكولاس يحتاجنا في قرية سان مارينو الشمالية لأمرٍ ضروري "
وهكذا ذهبت بأقصى سرعة إلى شمال سان
مارينو بينما ألكسندر ذهب إلى منزل ذلك القذر فابيو ميديشي.. عندما وصلت أمام منزل
عشيقة ذلك القذر نظرت بدهشة إلى المنزل الفخم
ثم تحولت نظراتي إلى غاضبة وحاقدة..
" لورينزو يا قذر.. لديك عشيقة
هنا إذن!!.. سوف نجدُك أيها الحقير من خلال عاهرتك.. وعندها لن أرحمك أيها السافل
اللعين "
همست بوعيد وترجلت عن ظهر حصاني وأمرت
الجنود باقتحام المنزل... هيه.. اللعين إبتاع لها من مال بلاكيوس منزل فخم.. فكرت
بكره وأنا أنظر إلى المنزل أمامي.. رأيتُ الجنود يقتحمون المنزل وابتسمت بشر عندما
سمعت صوت صرخات أنثوية مرتعبة.. وقررت أن أدخل إلى المنزل وأرى بنفسي عشيقة ذلك
القذر...
زايا***
استيقظتُ باكرا مثل عادتي ونهضت عن
السرير ثم ارتديت روب منامتي الأحمر وجلست على المقعد أمام النافذة أنظر بحزن
أمامي دون أن أرى شيء وأفكر بتعاسة مثل عادتي..
" لماذا أنا؟!.. لماذا عليّ أن
أبقى مُختبئة إلى الأبد في هذا المنزل الكبير؟!!... ماذا فعلت حتى تصبح حياتي لعنة
وجحيم؟!!... "
همست بحزن ومسحت دموعي بكف يدي.. كم
أتمنى أن أعيش بسلام وبحرية مثل الجميع في سان مارينو.. وكم تمنيت لو أن القدر لم
يغدر بي..
وقفت ونظرت بحزن إلى غرفتي الجميلة
تنهدت بخفة وأحكمت ربط حبل روب منامتي
بإحكام على خصري وقررت أن أنزل وأرى نانا جوليا..
لكن قبل أن أصل انفتح باب غرفتي ورأيت
نانا جيليان تدخل إلى غرفة نومي وهي تحمل بيديها صينية الطعام.. وعندما رأتني أقف
أمامها ابتسمت لي بحنية
ثم قالت
" ليدي زايا.. لقد استيقظتِ
باكرا.. لماذا لم تندهي لي لكي أجلب لكِ الفطور؟.. كنتُ أنتظر أن تستيقظي ولكن
قررت أن أصعد بنفسي وأجلب لكِ الوجبة "
ابتسمت لها ابتسامة صغيرة رقيقة
ورأيتها تقترب وتضع الصينية على الطاولة الصغيرة أمامي.. أجبتُها برقة قائلة
" لم أرد إزعاجكِ نانا.. كما
أنني كنتُ على وشك النزول وتناول وجبة فطوري برفقتكِ "
ابتسمت لي بوسع وقالت
" ليدي.. متى سوف تعرفين مكانتكِ
وتتوقفي عن الذهاب إلى المطبخ وتناول الفطور معنا؟.. نحنُ خدم أما أنتِ... "
قاطعتُها قائلة بحزن
" أنتم عائلتي نانا ولستم خدم
بالنسبة لي.. أنا ليس لي أحد سواكم "
نظرت إليّ بشفقة وتنهدت بحزن وقالت
" أنتِ ليدي.. أنتِ دمائكِ نبيلة
ولستِ مثلنا حبيبتي "
تقدمت ووقفت بجانبها وعانقتها بشدة
وقلتُ لها
" أنا مثلكم نانا.. والدماء التي
تجري في شراييني لا تهمني "
ابتعدت عنها وقبلت جبينها بقبلة صغيرة
ثم ابتسمت لها قائلة
" لم يأتي لورينزو؟.. كان يجب أن
أراه منذ ثمانية أيام.. أنا خائفة بأن يكون حدث له شيء "
نظرت نانا جيليان ببرود إليّ وقالت
بحدة
" ذلك المغرور والمُتكبر والكريه
لا نفع له.. لا أعلم لماذا تكنين له الاحترام وتحبينه بينما هو لا يأتي لرؤيتكِ
سوى لطلب المال منكِ واستغلالكِ و.. "
قاطعتها قائلة بحزن
" لا تقولي ذلك عنه نانا.. هو كل
ما تبقى لي في هذه الحياة "
تنهدت نانا جيليان بحسرة وقالت لي
" أتمنى أن يحبكِ يوما ما كما
تفعلين.. هيا صغيرتي تناولي وجبة فطوركِ سوف أذهب ولكن عندما أعود أريد أن أرى
بأنكِ تناولتِ كل طعامكِ "
بعد خروجها جلست على المقعد ووضعت
الصينية في حضني وبدأت أتناول طعامي من دون شهية كعادتي وأنا أفكر بحزن.. حياتي
روتين وملل ومحزنة.. أنا حبيسة هذا المنزل والذي اشتراه لي أغلى إنسان على قلبي..
رغم حنيته ومحبته لي إلا أنني لطالما تنميت لو يحبني لورينزو مثلما يفعل أرق إنسان
في سان مارينو كلها.. الكونت بلاكيوس...
ابتسمت برقة وأنا أفكر بـ بلاكيوس..
كم هو رائع وطيب القلب و حنون.. لن أنسى معرفوهُ لي للأبد.. لقد عرفت بأنه يحب
ليدي فيرلا ويريد أن يتزوجها.. أتمنى أن يكون بخير فهو قد اختفى منذ أكثر من أسبوع
والجميع يبحث عنه..
عندما انتهيت من فطوري وضعت الصينية
على المنضدة ودخلت إلى الحمام التابع لغرفتي وغسلت يداي وفمي.. وما أن كنتُ على
وشك الخروج من الحمام سمعت باب غرفتي ينفتح وصوت نانا جيليان المرتعب
" ليدي زايااااااااا.. ليدي أين
أنتِ؟!!!!... "
خرجت بسرعة ونظرت إلى نانا برعب..
ركضت ووضعت يديها على كتفي وقالت بخوف أقلق روحي
" الفارس نيكولاس في الخارج مع
الجنود.. يبدو بأنه اكتشف وجودكِ وسمع الإشاعات عنكِ بأنكِ عشيقة لذلك اللعين
لورينزو.. بسرعة حبيبتي ارتدي معطف واختبئي في القبو ولا تخرجي منه مهما سمعتِ..
"
أمسكت بيدي وساعدتني بارتداء معطف
أسود وسحبتني خلفها وأخرجتني من الغرفة دون أن تسمح لي بالتكلم.. كنتُ خائفة
ومرتعبة وأنا أركض خلف نانا إلى الأسفل ناحية القبو.. فتحت الستائر التي تُخفي باب
القبو وفتحت الباب وأعطتني شمعدان عليه شمعة مضاءة وقالت لي
" بسرعة أدخلي وأغلقي الباب
بالمفتاح واختبئي.. لا تخرجي إلا عندما أقول لكِ ذلك "
أومأتُ لها برأسي موافقة وبسرعة دخلت
وأقفلت الباب بالمفتاح.. لحظاتٍ قليلة وسمعت صوت باب المدخل للمنزل ينكسر وصوت
صرخات الخادمات المرتعبة يليها صوت أقدام كثيرة.. كنتُ خائفة وأنا أبكي أنظر إلى
الباب برعب..
" أين هي عشيقة ذلك
الملعون؟!!... "
سمعت صوت رجولي غاضب جعلني أرتعش بقوة
من شدة الفزع..
" ما الذي تقصده سيد نيكولاس؟!..
لا يوجد هنا عشيقة لأحد.. فكما ترى المنزل خالٍ ولا يوجد سوانا هنا "
سمعت نانا جيليان تُجيبهُ ببرود.. لكن
ضحكة شريرة خرجت من ذلك الرجل جعلتني أرتعد في وقفتي
" هاهاهاهاهاهاهاهه... هل تظنيني
غبي؟!... أنا أعلم جيدا بأن عشيقة ذلك السافل لورينزو هنا.. وهي تعلم جيدا أين هو
حاليا.. اجلبيها لي على الفور وإلا أمرت بسجنكم جميعاااااااااا... "
وضعت يدي على فمي أكتم شهقاتي وأنا
أرتعش بشدة.. ذلك الرجل المدعو بـ نيكولاس مُخيف.. وهو للأسف صدق الإشاعات بأنني
عشيقة لورينزو..
" ابحث في كامل المنزل براحتك
حضرة الفارس نيكولاس.. وصدقني لن تجد أحد سوانا "
قالت نانا بنبرة صارمة ولكن فجأة
سمعتهُ يقول بنبرة جعلت شعر رأسي يقف من شدة الرعب
" حسنا إذن.. أخرجوا الجميع من
المنزل.. سوف أبحث في المكان بنفسي "
شهقت برعب وبدأت أصلي بداخلي حتى لا
يجدني.. دقائق مضت بدت كالدهر بالنسبة لي وأنا أسمع خطواته الغاضبة في المنزل وصوت
ركلاتهِ للأبواب وشتائمهِ المُخجلة لي... فجأة جحظتُ عيناي ونظرت برعبٍ كبير أغرق
روحي إلى الباب عندما سمعت ركلات متتالية عليه...
"
ااااااااااااااااااااااااااعههههههههههه... "
هتفت بفزعٍ كبير عندما انفتح الباب
وارتطم بعنف على الحائط وتحطم بالكامل.. تجمدت بأرضي وأنا أرتعش بشدة بينما كنتُ
أنظر برعب شل روحي إلى الرجل الواقف أمامي..
في البداية كان ينظر إليّ بشر وكره
وابتسامة مخيفة على شفتيه.. لكن عندما التقت نظراتنا تجمدت معالم وجهه بصدمة.. كان
ينظر إليّ بطريقة غريبة وقلبي توقف عن النبض للحظات ثم خفق بسرعةٍ مرعبة...
اقترب ببطء ونظر إليّ ببرود ثم همس
وكأنه يفكر
" لا عجب أن يُخبئكِ ذلك القذر
لورينزو عن الجميع.. لديه ذوقٌ رفيع بالنساء "
ارتعشت أوصالي بشدة بينما كنتُ أنظر
إليه برعب خاصة عندما ابتسم بخبث وهو يشملني من الأسفل إلى الأعلى بنظراتهِ
الفاحصة والمخيفة..
" آااااااااااااه..
لاااااااااااا.. لا أرجوك أتركني ي ي ي ي... "
هتفت برعب عندما أمسك بمعصمي وجذبني
بعنف إليه
ارتطم جسدي الصغير به ووقع الشمعدان
من يدي على الأرض وانطفأت الشمعة.. شعرت بأنفاسه الحراة تلفح عنقي واقشعر بدني
بسبب ذلك.. ثم سمعتهُ يهمس بأذني قائلا
" خيبتي أملي.. ألم تجدي سوى
لورينزو حتى تكونين عشيقته؟!.. ذوقكِ مقرف بالرجال.. ولكن سأغيرهُ قريبا "
شهقت برعب وارتعش جسدي في أحضانهِ
بعنف.. هو يظنني عشيقة لورينزو.. ولكن لماذا يكرههُ إلى هذه الدرجة؟!.. ماذا فعل
لورينزو له؟!...
" لاااااااااا.. أرجوك ك ك ك ك..
أتركني.... "
هتفت برعب عندما ابتعد عني وسحبني
بعنف خلفه.. حاولت أن أُحرر معصمي من قبضة يده ولكنه ضغط أكثر عليه وتأوهت بألمٍ
كبير.. وقف فجأة في وسط الصالون وأدارني حتى أواجهه.. وهنا شعرت بصدمة كبيرة عندما
رأيت بوضوح وجهه.. كنا نتأمل بعضنا بذهول وشعرت بفرشاتٍ كثيرة تداعب معدتي وأنا
أنظر إلى عيونه الزرقاء الجميلة.. إنه أوسم رجل رأته عيناي....
" آااااااااااه... "
تأوهتُ بألم عندما أمسك بكتفي وهزني
بعنف وقال لي بنبرة مرعبة جعلت قلبي يغور بين أضلعي
" تكلمي أيتها العاهرة أين هو
ذلك القذر؟... أخبريني عن مكانهِ بسرعة.. أين يختبئ ذلك الجبان لورينزو؟!..
تكلمي.... "
عندما توقف عن هزي فتحتُ عيناي بضعف
ورغما عني سالت دموعي الخائفة على وجنتاي وقلتُ له بتلعثم
" صــ.. صدقني.. لــ.. لا...
أعــ.. أعرف.. أيــ... أين هو... "
ضحك بشر وقال لي وهو ينظر مباشرة إلى
عيناي الباكية
" هل تظنيني غبي أيتها
الملعونة؟... أنا الفارس نيكولاس طوليني ولن أدع عاهرة لعينة مثلكِ تستغفلني.. سوف
أريكِ الجحيم إن لم تعترفي لي والآن أين هو ذلك القذر "
اهتز جسدي بقوة برعب وأنا أنظر إليه
بفزع شل روحي وبلمحة عين رفعني وحملني على كتفه وخرج بي من المنزل.. استفقت من
ذهولي وبدأت أبكي وأنا أصرخ وأضرب ظهره بقبضة يداي..
" دعني.. أنزلني.. أنزلني الآن..
دعني... "
سمعتُ نانا جليان تهتف له بلوعة
" لاااااااااا.. أرجوك سيدي دع
ليدي زايا.. هي لا ذنب لها.. دعها أرجوك سيد نيكولاس "
وفورا رفعتُ رأسي ورأيتها من بين
دموعي تحاول أن تُحرر نفسها من الجنديين اللذين كانا يمسكان بها بإحكام.. رفعتُ
يداي ناحيتها وقلتُ لها باستنجاد
" نانا.. ساعديني أرجوكِ.. لا
تسمحي له بأخذي.. أرجوكِ نانا ساعديني "
بكت نان جيليان بلوعة وحاولت أن
تستعطف ذلك الغول الذي يحملني على كتفه وقالت له ببكاء
" هي لا تعرف أين هو سيدي..
أرجوك دعهاااااااااا.. "
توقف نيكولاس أمام حصان رمادي اللون
ونظر إلى نانا وقال لها بحدة
" اصمتي وإلا أمرت بسجنكِ أنتِ
أيضا.. وعاهرة ذلك القذر ستكون أسيرة لدي "
ثم قفز بسهولة على حصانه رغم أنه
يحملني على كتفه ووضعني أمامه وحاوط خصري بيده اليسرى بينما بيده اليمنى أمسك حبل
لجام الحصان وأمر الجنود قائلا
" إلى القلعة فورا "
ثم استدار الحصان وبدأ يعدو بسرعةٍ
كبيرة.. سمعتُ صرخة نانا المرتعبة وفورا بدأت أتخبط بجنون بين يديه.. فجأة كاد
جسدي يسقط عن الحصان لكن ذلك الغول أمسكني بسرعة وسمعته يشتم ثم تلقيت ضربة أسفل
عنقي في الخلف وشعرت بجسدي يرتخي وأظلمت الدنيا من حولي....
أدلينا***
رأيت جُندي يترجل عن حصانه ويقترب
مني.. وقف أمامي وقال لي
" سيدتي.. نحن من حرس القصر..
ونحن هنا للبحث عن الكونت بلاكيوس وايتلي.. لدينا أمر بتفتيش كل المنازل القريبة
من حدود سان مارينو.. وسيتم تفتيش منزلكِ"
نظرتُ إليه برعب وقلتُ له
" أنا أرملة وأعيش هنا مع طفلي
بمفردنا.. لا يوجد أحد غيرنا.. و.. "
قاطعني قائلا ببرود ودون اكتراث لما
قلتهُ له
" سوف أبدأ بالبحث في المنزل
سيدتي.. والحراس الأخرون سيبحثون في الأرجاء وفي الحظيرة "
رأيته بفزع يتخطاني وارتعش جسدي بقوة
عندما تقدم واتجه ناحية الباب وأمسك بالمقبض وأداره....
فتح الباب وما أن كان على وشك الدخول
هتفتُ له بقوة قائلة
" هاااااااااي.. انتظرررررررر...
"
نظر إليّ ببرود وقال لي
" اسمعي أيتها السيدة.. لدينا
أوامر وممنوع على أحد بالاعتراض.. سوف أفتش المنزل وبعدها الحظيرة.. ثم سوف نذهب
ولن نزعجكِ مجددا "
نظرتُ إليه بخوف رغما عني وقلتُ له
" لكن لا يوجد أحد هنا.. سوف
تهدر وقتك بالتفتيش عن الكونت في منزلي.. ما رأيك أن تذهب وتفتش في منازل أخرى..
و... "
فجأة توقفت عن تكملة حديثي ونظرت أنا
وذلك الجُندي إلى الخلف بدهشة عندما هتف جُندي من بعيد وهو يتقدم على ظهر حصانه
قائلا
" بسرعة أيها الجنود.. السيد
نيكولاس يحتاجنا في قرية سان مارينو الشمالية لأمرٍ ضروري "
كنتُ أحبسُ أنفاسي من شدة الخوف وفورا
أغمضتُ عيناي براحة وأخذتُ نفسا عميقا و زفرته بهدوء ثم فتحتُ عيناي وابتسمت
بسعادة وأنا أرى ذلك الجندي يغلق الباب ويركض ناحية حصانه و يمتطيه وذهبوا
جميعا واختفوا من أمام أنظاري.. لم أكن أعلم بأنني كنتُ أمسك بـ توماسو بشدة إلا
عندما همس باعتراض و بألم
" أاااي ماما.. أنتِ تؤلميني...
"
أرخيتُ يداي قليلا وبدأت بتقبيل
وجنتيه وخدوده بقبلاتٍ عديدة وأنا أهمسُ له باعتذار
" آسفة صغيري.. لم أقصد.. سامحني
ملاكي... "
ضحك بقوة عندما رفعته عاليا بيداي
وبدأت أدور به.. كنا نضحك بسعادة وبفرحٍ كبير.. أنا شخصيا كنتُ أضحك بسعادة لآني
وبمعجزة نفذت من مصيبة كبيرة.. يجب أن أكون أكثر حرصا في المستقبل ولا أدع أحد يرى
ذلك الحقير في منزلي وخاصة حصانه.. الحمد لله أنه في الحظيرة وبابها مُغلق..
توقفت عن الدواران وجلست على العشب
وأنا أحتضن توم إلى قلبي.. تنهدت براحة وفكرتُ بسعادة.. جيد أنهم لم يكتشفوا أن
ذلك النذل هنا.. وجيد أن حصانه الغبي في الحظيرة.. كنتُ سوف أدخل إلى السجن لو
اكتشفوا أمري..
وقفت وأمسكت بيد ابني ودخلت إلى
المنزل.. نظرت بكره إلى ذلك النذل.. كان نائم بعمق وبراحة.. رأيت توماسو ينظر إليه
بسعادة وذلك لم يعجبني أبدا.. جلست قرفصاء أمامه وأمسكت بوجنتيه بيداي وقلتُ له
برقة
" توماسو.. توم حبيبي.. اسمعني
جيدا.. لا أريدُك أن تقترب من ذلك الرجل أبدا ولا تتكلم معه.. فهمت؟.. "
نظر إلى عيناي بحزن وقال لي
" لكن ماما.. هو يبدو طيب "
نظرتُ إليه بحزن وقلتُ له
" هناك أشخاص في الحياة مظاهرهم
تكون مُخادعة.. قد يبدو لك طيب ولكنه قد يكون شرير.. لذلك لا تقترب منه أبدا ولا
تتكلم معه وهذا أمر.. عندما يُصبح بحالة جيدة سوف يعمل هنا ويساعدنا.. إياك أن
تتكلم معه إن لم أكن بجانبك.. هل فهمتني صغيري؟ "
نظر إليّ بحزن وهز رأسهُ موافقا..
تنهدت براحة وطلبت منه أن يذهب ويلعب في غرفتنا.. عندما دخل إلى الغرفة استدرت
ونظرت إلى ذلك القذر بكره فاق قلبي على احتماله.. تقدمت ببطء وجلست على الأريكة
بجانبه ونظرت إلى الأسفل وتحديدا إلى وجهه..
كان يبدو مسالما وهو نائم.. مثل
الملاك.. لكن أنا أعلم جيدا بأنه ملاك الظلام وليس ملاك الرحمة.. أغمضتُ عيناي
بشدة وتذكرت عندما التيقت به في المرة الثانية..
العودة إلى الماضي*
كنتُ قد تزوجت من ذلك الحقير جاكوبو
باسانو منذ سنة ونصف.. سنة ونصف مليئة بالتعاسة والبؤس والأسى و الألم.. كنتُ مع
صديقتي جوفانا المسكينة في سوق القرية عندما ذهبت جوفانا لتشتري لي بعض من الأعشاب
حتى تساعدني على الشفاء من الرضوض وألم ظهري من كثرة الضرب الذي أتلقاه من ذلك
البغل زوجي..
" آاااااااااه.. "
تأوهت بألمٍ شديد عندما ارتطم بي أحد
بقوة.. وقبل أن أقع شعرت بيدين تمسك بي بإحكام وتحتضن جسدي المتألم والمليء
بالرضوض.. أغمضتُ عيناي بقوة وأنا أحاول أن أكتم صرخة الألم..
" هل أنتِ بخير أنستي؟!.. آسف لم
أنتبه لكِ.. "
سمعت صوت رقيق حنون ملائكي يهمس لي
بقلق بتلك الكلمات.. فتحتُ عيناي وأول ما رأيتهُ هو قميص رمادية من الحرير وسترة
سوداء تبدو فاخرة جدا.. وفورا استنشقت رائحة جميلة.. لا ليست جميلة بل خلابة جعلت
عقلي يدور من روعتها.. رفعتُ رأسي ببطء وفورا تلاقت نظراتنا.. إنه الكونت!!...
فكرت بدهشة وبسعادة لا توصف بينما كنتُ أنظر بضياع إلى عمق عينيه الجميلتين...
تجمد العالم في تلك اللحظة ونحن ننظر
إلى بعضنا البعض بذهول.. عيونهُ العسلية كانت جميلة ومن أجمل ما رأتهُ عيناي..
عيونهُ العسلية كانت جميلة جدا وبها السحر الكامل.. عيونهُ سحرتني وجعلتني أذهب
إلى عالم آخر وأنسى آلامي وأوجاعي وتعاستي في تلك اللحظة الساحرة..
ظللنا نظر إلى بعضنا البعض لدقائق دون
أن نشعر بشيء حولنا.. لم أستطع أن أنبس بكلمة ولم أستطع أن أتحرك وأبعدهُ عني أو
حتى أن أبتعد عنه..
" بلاكيوس.. بلاكيوس لقد
تأخرنا... "
سمعنا أحد يناديه وهنا وبحزن أغرق
قلبي ابتعد عني وابتسم لي برقة وقال لي بهمس
" آسف أنستي.. أتمنى أن لا أكون
قد أذيتُكِ؟.. "
ومثل الغبية ابتسمتُ له أجمل
ابتساماتي ولم أستطع التكلم فقط استطعت أن أشير له برأسي بالرفض.. ابتسم لي
ابتسامة جعلت قلبي يخفق بجنون وشعرت برعشة قوية تسير في كامل أنحاء جسدي..
" الوداع أنستي... "
همس لي برقة وأحنى لي رأسهُ قليلا ثم
استدار وذهب برفقة ذلك الرجل الذي كلمه.. كنتُ أقف مثل الحمقاء وأنا أنظر إليه وهو
يبتعد..
" إنه الكونت.. "
همست بهيام وأنا أراقبهُ حتى اختفى من
أمام أنظاري..
" كم هو وسيم.... "
همست بضياع ثم تجمدت وشعرت بالرعب
عندما تذكرت كلمات جاكوبو لي
" أنتِ عاهرة منحطة لعينة.. إن
خرجتِ من المنزل سوف تخونني مع أي رجل ترينهُ أيتها الفاسقة "
شعرت بالرعب و هززت رأسي رفضا وهمستُ
لنفسي
" لا.. أنا لستُ عاهرة.. أنا فقط
رأيتُ رجل فائق الجمال وقلتُ عنهُ بأنهُ وسيم.. أنا لستُ عاهرة.. لستُ عاهرة....
"
العودة إلى الحاضر*
بعد تذكري لما حدث مسحتُ دمعة انسابت
من عيني على وجنتي وفتحت عيناي ونظرت بحزن إلى الكونت
" كنتُ طفلة.. طفلة غبية.. طفلة
لا تعرف عن مدى الشر الموجود في العالم.. في ذلك النهار لو عرفت حقيقتك كنتُ قتلتك
بيدي.. ولكن لم أكتشف نذالتك إلى بعد ستة أشهر من ذلك اللقاء.. سوف أجعلك تدفع
الثمن غاليا يا حقير... انتظر وسوف ترى بنفسك كيف سأنتقم منك.... "
همستُ بوعيد ثم وقفت وقررت أن أبدأ
بتجهيز الطعام.. لقد اضررت لذبح دجاجة من دجاجاتي الغاليات حتى أطعم ذلك النذل...
فهو يحتاج حتى يتغذى ليطيب أسرع.. لقد فقد الكثير من الدماء وحساء الخضار الذي
كنتُ أطعمه له لا ينفعهُ كثيرا.. فكرتُ بكره وبدأت بتحضير الطعام...
عندما استيقظ في الظهيرة حاول الجلوس
ورغم رؤيتي له يتألم لم أشفق عليه ولم أساعده بالجلوس تركته يتعذب لفترة نصف ساعة
كاملة حتى استطاع أخيرا الجلوس وهو يتأوه بألمٍ شديد.. كان يتأملني بنظراتٍ ضائعة
عندما شاهدني أنظر إليه بكرهٍ كبير..
نظرت إليه بكره وقلتُ له بحدة وبقرف
" لقد استيقظت أخيراً... هذا
جيد.. الآن عليك أن تعرف بقواعدي حتى أسمح لك بالمبيت والعمل هنا.. أولا ممنوع
عليك أن تقترب من ابني توماسو.. إن رأيتُك بجانبه وتُكلمه سوف أطردك من المنزل..
ثانيا لن تنام في منزلي بل في الحظيرة.. أنا أرملة ولا أريد لأحد أن يتكلم بسوء
عني.. ولذلك لن تختلط مع الناس ولن تتكلم مع أحد.. ولن تسمح لأحد مثل السابق أن
يراك هنا.. إن رأيت أحد يأتي إلى منزلي عليك أن تختبئ فورا فسمعتي مهمة عندي.. أنا
لا أريدُ لأحد أن يراك هنا.. هل فهمت؟ "
نظر إليّ بضياع وأومأ لي برأسه
موافقا.. تنهدت براحة وتابعت قائلة له بحدة
" جيد.. والآن عملك سيكون مثل
السابق ولأنك لا تتذكر سوف أخبرُك به مجددا.. سوف تعتني بحيواناتي وتطعمها يوميا..
ثم سوف تفلح الأرض كالعادة وتزرع لي الخضار والفاكهة.. ثم يجب أن تنظف الحديقة
والحظيرة وتزيل قذرات الحيوانات يوميا.. ثم سوف تساعدني بتنظيف المنزل.. وعندما
تشفى جراحك نهائيا سوف تبدأ بقطع الحطب من خشب الشجر الجافة لكي أستخدمها كوقود
لشعل النار.. أنا أحتاجها للتدفئة والطهي وغلي الماء.. وعليك أن تُخرج المياه من
البئر الموجود بجانب المنزل وإياك أن تدع توماسو يقترب منه.. "
ثم نظرتُ إليه ببرود وقلتُ له
" وأهم قاعدة عندي.. إياك أن
تقترب مني أو حتى تحاول لمسي بأي شكلٍ كان.. لأنني لن أتردد بتفجير رأسك ببندقيتي
حينها.. هل فهمت؟ "
نظر إليّ بذهول ثم أشاح بنظراته إلى
البعيد وقال لي بهمس
" نعم سيدتي "
ابتسمت بخبث وأنا أنظر إليه بقرف ثم
استدرت ووقفت أمام طاولة الخشب في المطبخ وقلتُ له
" لقد اضطررت لذبح دجاجة حتى
أطعمُك.. لقد فقدتَ الكثير من الدماء وأنتَ تحتاج للتغذية.. لا تفرح كثيرا لأنني
لن أذبح دجاجة أخرى من أجلك.. فكما ترى أنا فقيرة وتناول الدجاج يُعد رفاهية لا
أمتلكها.. سوف أتركك تنام هنا لعدة أيام حتى تصبح قادرا على النهوض والتحرك.. لكن
لا تتخيل أبدا بأنني سوف أسمح لك لاحقا بالنوم هنا.. هل كلامي واضح؟ "
كان ينظر إليّ بدهشة وعرفت أنه يفكر..
القذر بماذا يفكر؟!.. فكرتُ بغضب ولكن شعرت بالدهشة عندما سمعتهُ يقول لي بحزن
" لماذا تكرهينني سيدتي؟!.. هل..
هل أسأت إليكِ قبل أن أذهب ويحدث لي ذلك الحادث؟! "
فتحتُ عيناي على وسعها وارتعشت يداي
بشدة.. كم رغبت بإخباره الحقيقة لكنني لا أستطيع.. لأنني إن فعلت عندها اللعين سوف
يذهب وينعم من جديد بحياة البزغ والرفاهية وأنا سأبقى هنا أتحسر على الماضي
وجراحه...
بلعت ريقي بقوة وأجبته
" أنا لا أكرهك إدوارد.. لكنني
صارمة بما يختص حياتي.. و ممنوعٌ عليك بطرح أسئلة أخرى عليّ.. والآن سوف أُحضر
الطعام.. عليك أن تأكل حتى تطيب وتستعيد كامل قوتك.. فأنا مشغولة وليس لدي الكثير
من الوقت حتى أهتم بك "
وهكذا وبغضب بدأت بتسخين قطع الدجاج
وأنا أشتمه بداخلي بكل الشتائم التي أعرفها وأتوعد له بالجحيم....
بلاكيوس/ إدوارد***
استيقظت وفتحتُ عيوني وأنا أتأوه
بألمٍ شديد.. كانت الرؤية ضبابية وحاولت رفع يدي اليسرى لكنني تأوهت بألمٍ شديد
عندما حركتها وفورا أخفضتها إذ شعرت بحريقٍ كبير في كتفي وتخدرت يدي فورا.. أغمضتُ
عيناي إذ شعرتُ بصداع يكاد معهُ رأسي أن ينفجر.. حاولت أن أتنفس بهدوء حتى يخف ألم
رأسي ورفعتُ يدي اليمنى و تحسسته.. كان هناك رباط عليه.. فتحتُ عيوني بضعف وفركتها
بيدي حتى أصبحت الرؤية واضحة أمامي..
نظرت إلى نفسي وتفاجأت عندما رأيت
قماش حول خصري وكتفي.. كنتُ نائم على لحاف تم وضعه على الأرض وغطاء سميك يستر
وسطي.. نظرت في الأرجاء ورأيت نفسي نائم بجانب مدفأة في غرفة متوسطة الحجم..
وأمامي رأيتُ مطبخ
المنزل كان خشبي ويبدو صغير وأثاثه
بسيط لكنه نظيف..
" أين أنا؟!!!... "
همست بضياع وحاولت أن أتذكر.. تأوهت
بألم وأغمضت عيناي بشدة إذ اشتد صداع رأسي أضعافا عن السابق... بدأ تنفسي يثقل
وصدر مني صوت متألم ضعيف وأنا أحاول أن أكبت ذلك الألم الذي فتك برأسي.. دقائق
قلية وخف الألم فتحتُ عيناي وحاولت أن أتذكر أي شيء لكن انتابني القلق إذ شعرت
بفراغ في رأسي و أسئلة كثيرة بدأت تدور في خلدي.. من أنا؟!.. أين أنا؟!.. ماذا حدث
لي؟!.. لماذا لا أتذكر شيء؟!....
لكن لم أجد جوابا واحدا عن أي من
أسئلتي.. حاولت النهوض لكن عضضت على شفتي السفلية بقوة إذ شعرت بألمٍ رهيب لا
يُحتمل في كتفي الأيسر وخصري الأيمن.. أرحتُ رأسي على الوسادة وحاولت مجددا أن
أتذكر أي شيء.. فجأة تذكرت أنني رأيتُ حلما غريبا لكنه جميل.. رأيتُ ملاك بشعر
طويل أحمر ناري يتخلله خصلات شقراء وعيون خضراء زمرديه تُسحر القلب وأنف صغير شامخ
وفم صغير بشفاه وردية ناعمة جميلة جدا وذقن صغير يشبه القلب ومثالي جدا..
" من هذه المرأة يا ترى؟!.. هل
هي حقيقية أم من صنع خيالي؟!.. ملاكي الجميل... "
همست برقة وأنا أفكر بتلك الملاك
الجميلة.. وتمنيت أن تكون حقيقية وليست من نسج خيالي.. سمعت حركة من ناحية
اليمين.. فتحتُ عيناي ونظرت إلى تلك الجهة ورأيت باب خشبي.. ثوانٍ قليلة وانفتح
الباب على مصراعيه ودخلت تلك المرأة ووقفت تنظر إليّ بدهشة..
خفق قلبي بعنف بينما كنتُ أنظر إليها
وأنا لا أستطيع أن أصدق.. إنها ملاكي الجميل!.. إنها هي.. أنا لم أكن أحلم.. فكرت
بسعادة ولكن سعادتي اختفت فورا عندما كلمتني ببرود وبكرهٍ واضح.. شعرت بألمٍ غريب
في صدري لمعرفتي بأنها تكرهني لسبب مجهول لا أتذكره.. لماذا تكرهني؟!!.. فكرتُ
بحزن ولكن لم أجد الجواب.. وعندما علمت هي بأنني فاقد الذاكرة رأيتُ لمعة في
عينيها غريبة لم أستطع تفسيرها..
عندما أخبرتني أنها أنقذت حياتي وأنني
كنتُ خادم لديها شعرت بالامتنان نحوها لأنها أنقذتني وشكرتُها.. وإحساسٌ غريب
انتابني عندما عرفت أن إسمي هو إدوارد.. لا أعلم لكنني تمنيت أن أتذكر أي شيء
عندما تُخبرني بإسمي لكن للأسف لم أفعل.. لم أتذكر شيء.. فراغ كامل كان يملئ
رأسي..
شعرت بإعياء شديد ورغما عني أرحتُ
رأسي على الوسادة وأغمضتُ عيناي وذهبت بنومٍ عميق... عندما استيقظت ثانيةً رأيتها
أمامي وخفق قلبي بشدة.. كنتُ سعيد لأنها هنا ولكن سعادتي اختفت عندما بدأت تملي
عليّ قواعدها.. وهنا أيقنت بأنها تكرهني وبشدة.. ومجددا تساءلت.. لماذا
تكرهني؟!!.. هل فعلتُ لها شيئا جعلها تكرهني؟!.. هل ألمتُها؟!.. هل
أذيتُها؟!..
فكرت وفكرت لكن دون جدوى وعندما
سألتها لماذا تكرهني تجمدت وظهر على ملامح وجهها الجميل الحزن.. رغم إنكارها بأنها
لا تكرهني لكنني أحسست بأنها تكذب وشعرت بالحزن والندم.. نعم ندمت لأنني تأكدت
بأنني بطريقة ما قد أذيت هذه الملاك وقررت أن أعوضها عن فعلتي تلك رغم أنني لا أتذكر
ما فعلتهُ لها..
أنا غبي كيف استعطت أن أؤذيها؟!..
فكرت بحزنٍ كبير وأنا ألوم نفسي على غبائي.. وتمنيت لو أنني أستطيع أن أتذكر ما
فعلتهُ بها حتى أطلب منها السماح وأصحح فعلتي.. اقتربت سيدتي مني بعد أن أنهت
تحضير الغذاء ووضعت بحضني صحن به أربع قطع من الدجاج المشوي وبعض الخضار..
" تناوله بأكمله.. وإن ظللت
جائعا سوف أضيف لك الخضار.. لم يعد هناك المزيد من قطع الدجاج لك فأنا أريد أن
أطعم ابني "
شكرتها بهدوء ونظرت إلى صحن الفخار في
حضني.. كان الطعام يبدو شهيا والكمية كافية لي.. أمسكت بشوكة مصنوعة من الخشب
ونظرت إليها بتعجُب.. لا أعلم لكن بيني وبين نفسي عرفت بأنني لم أتناول الطعام
بشوكة مصنوعة من الخشب قبلا واستغربت ذلك..
تناولت قطع الدجاج وتأوهت بلذة رغما
عني.. طعمه كان رائع.. رفعت نظراتي ورأيت سيدتي أدلينا تنظر إليّ بجمود وبقليل من
الخجل.. أخفضتُ نظراتي بسرعة لأنني لم أكن أرغب بإغضابها وتابعت تناول طعامي
بصمت.. عندما انتهيت أخذت مني الصحن ثم نظفته وندهت لطفلها
" توم.. تعال حبيبي فالغداء جاهز
"
رأيتُ طفلا صغيرا يخرج من تلك الغرفة
وهو يهتف بفرح فجأة توقف في منتصف الغرفة ونظر إليّ بدهشة.. كان صغير جدا ويبدو في
الرابعة أو الخامسة من عمره.. شعره كستنائي وعيونه عسلية مائلة إلى السواد وملامحه
جميلة.. هو لا يشبه والدته أبدا.. ربما والده!!.. فكرتُ بذلك وأنا ابتسم له برقة..
ابتسم بسعادة واقترب ووقف أمامي وقال
" لقد استيقظت!!.. هذا رائع..
أنا إسمي توماسو.. و أنتَ ما هو اسمك؟!... "
" توووووووووووم... "
هتفت أدلينا بغضبٍ مهول وجعلت الطفل
ينتفض بقوة بذعر.. كنتُ أنظر بدهشة إلى الطفل وإليها.. لماذا الصغير لا يعرف إسمي
إن كنتُ قد عملت سابقا هنا؟!!!.. فكرت بصدمة ورأيت أدلينا تركض وتحمل ابنها ونظرت
إليّ قائلة بتوترٍ غريب
" أنا.. أنا لم أسمح له مسبقا
بالاقتراب منك والتكلم معك.. لذلك هو لا يعرف اسمك لغاية الآن "
ثم نظرت إلى ابنها وقالت له بحزم
" سوف تتناول طعامك في الغرفة
اليوم "
أجابها الصغير المسكين باعتراض وبحزن
" لكن ماما... "
قاطعته قائلة بصرامة
" من دون لكن توم.. لقد خالفت أوامري
بعدم التكلم معه وهذا هو عقابك "
شعرت بالحزن على الصغير وشعرت بالأسى
على نفسي.. ألهذه الدرجة تكرهني؟!!!.. تنهدت بهدوء وفكرت بمرارة.. يبدو أنها كانت
تكرهني عندما كنتُ أعمل لديها منذ البداية.. لكن لماذا سمحت لي بالعمل لديها منذ
البداية إن كانت تكرهني؟!!!.. أسئلة كثيرة شغلت تفكيري حتى شعرت من جديد بصداعٍ لا
يُحتمل..
أربعة أيام مضت وأصبحت معاملتها لي
أقسى من السابق.. كانت تهتف بوجهي بغضب دون حتى أن أفعل لها شيء أو حتى أن أتكلم
معها.. وذلك الألم في قلبي لم يفارقني أبدا.. لم أكن أعرف سببه لكن قلبي كان
يؤلمني بسبب مُعاملتها القاسية لي.. لم ألومها لأنني عرفت بأنني بطرقة ما قد
أذيتها وقررت أن أصمت ولا أجعلها تغضب مني أكثر..
وحاولت بكامل قوتي أن أنهض في
اليوم الخامس عندما استيقظت حتى أخرج من منزلها وأبيت في الحظيرة فكما اكتشفت هي
تكرهني بجنون ولا ترغب برؤيتي في منزلها.. ولكن رغم كرهها الكبير لي كانت تطعمني
بانتظام وتغير على جراحي يوميا..
ونجحت أخيرا بالنهوض.. لقد استطعت
النهوض رغم آلامي الشديدة.. مشيت ببطءٍ شديد وبصعوبة وأنا أضع يدي السليمة على
خصري مكان الجرح أحاول أن أتحمله.. وقفت أمام النافذة ونظرت أمامي بدهشة بسبب
المنظر الرائع الذي رأيته..
كانت أدلينا تغسل الثياب وهي تضحك
وترشق توماسو بالمياه بينما الصغير كان يضحك وهو يحاول أن يهرب من المياه..
ابتسامة صغيرة رسمتها شفتاي و أنا أنظر إليهما بفرح.. كنتُ أطيل النظر إليها وهي
تضحك بسعادة وبصخب.. كانت تبدو فائقة الجمال.. وتمنيتُ لو أنني السبب بضحكتها
تلك.. تمنيتُ لو أن باستطاعتي جعلها تضحك في يوم من الأيام.. وبحزن أشحتُ نظراتي
عنها وتأملت معالم الطبيعة أمامي..
" إذا لقد استعطت النهوض أخيرا..
هذا جيد "
انتشلتني من شرودي عندما سمعتها
تكلمني ببرود.. نظرت إليها ورأيتها تتأملني بحذر.. ثم أردفت قائلة وهي تعتصر
الملابس بيديها
" لقد عدلت بعض الملابس لك.. سوف
أتركها في الحظيرة.. ثم يمكنك أن تستحم لاحقا في بحيرة صغيرة قريبة من المنزل..
سوف أرشدُك إليها لاحقا لأنك لا تتذكر مكانها.. وغدا يمكنك أن تبدأ بالعمل هنا
"
" حسنا سيدتي "
أجبتُها بصوتٍ منخفض ثم استدرت وقررت
الخروج من المنزل والذهاب إلى الحظيرة.. عندما دخلتُها رأيتُ بذهول أن الحظيرة
كانت كبيرة.. على اليمين كان هناك مكان مخصص لبقرتين وبجانبهم مكان مخصص للدجاج..
أما على الشمال رأيتُ بصدمة حصان أسود جميل جدا..
لديها حصان؟!!.. فكرت بدهشة وشهقت
بسعادة عندما بدأ الحصان يصهل بقوة وهو يهز رأسه بسعادة عندما رآني.. يبدو أنه
يعرفني والأهم يحبني!!.. فكرت بساعدة واقتربت منه ببطء.. ولدهشتي سمح لي بمداعبة
رأسه بيدي السليمة وهو ينظر إليّ بعينيه العسلية بسعادة..
" ما اسمك أيها الجميل؟!... يبدو
أنك تعرفني.. أنا إدوارد.. وأنت؟... "
صهل بقوة وبدأ يتحرك يحاول الفكاك من
رباطه
" هششش.. اهدأ.. أنا لا أستطيع
ركوبك حاليا.. فكما ترى أنا مصاب.. لكن هذا لا يمنع أن لا أهتم بك "
صهل بخفة وحرك رأسه بسعادة.. ابتسمت
بفرح إذ أخيرا وجدتُ هنا من هو سعيد برؤيتي.. نظرت بدهشة إلى سرجه إذ كان يبدو
فاخر.. استغربت من ذلك ولكن لم أعر الموضوع أهمية كبيرة.. قضيت معظم الوقت أتكلم
مع الحصان وأخبره عن ما حدث لي وأشكي له همي.. وعندما حلى الليل أتت أدلينا
وسلمتني العشاء وأعطني غطاء وذهبت..
كنتُ قد ارتديت بصعوبة قميص بيضاء
وسروال لونه رمادي تركتهم لي سابقا.. بعد انتهائي من تناول الطعام نظرت حولي أحاول
إيجاد مكان لأنام به.. رأيتُ في زاوية الحظيرة كمية لا بأس بها من القش وقررت أن
أنام هناك.. جلستُ بصعوبة فوق القش وأرحت رأسي عليه ووضعت الغطاء فوقي.. كان البرد
قارسا وشعرت بجسدي يتجمد بسببه لكنني قررت أن أتحمل لكي لا أغضب سيدتي أدلينا
وأغمضتُ عيناي...
ثوانٍ قليلة وانتفضت بألم جالسا برعبٍ
كبير عندما سمعت سوت صرخات الصغير المرتعبة
" مامااااااااااا..
مامااااااااااااا... "
نهضت بسرعة دون أن أبالي بألمي وركضت
بخطواتٍ حاولتُ جعلها سريعة وأنا أشعر بالخوف عليها.. لقد حدث شيء لها بكل تأكيد..
خفق قلبي بشدة بسبب خوفي عليها ودخلت إلى المنزل دون استئذان ثم اقتربت برعب من
باب غرفتها وفتحته..
وهنا وقفت بأرضي جامدا
بصدمة كبيرة بسبب ما رأيته.....
استمري يا قلبى
ردحذفأن شاء الله هتخلاص رواياتك كلهم 3 شهور دولت أو أقل
بس استمرى وانا معكى بالقوة
💪💪💪💪💪💪💪💪💪💪😘😘😘😘😘😘😘😘😘😘💓💓💓💓💓💓💓❤️❤️❤️❤️❤️💝💝💝💝💝💝👋💝💝💝💝
ردحذف